
أزمة إيرادات تعصف بـ«إنتل إسرائيل» للرقائق تدفعها للتقشف وخفض نشاط مصنعها الرئيسي
ووفق تقرير موسع نشره موقع «غلوبس» الاقتصادي الإسرائيلي كانت الشركة توظف نحو 5 آلاف عامل في مصنعها الإسرائيلي عام 2019، وخفضت عدد العاملين فيه إلى 4 آلاف فنهاية 2023.
ومن المُرَجَّح أن ينخفض عدد العاملين بعموم شركة «إنتل إسرائيل» إلى أقل من 9 آلاف شخص عقب جولة التسريحات الجارية، من أصل 13 ألف عاملاً قبل عام 2019.
وأرجع التقرير أزمة الشركة إلى إخفاقات إستراتيجية على المستوى العالمي، أبرزها فقدان الريادة في قطاع تصنيع الرقائق الدقيقة لصالح منافستها التايوانية «تي.إس.إم.سي»، التي تنتج شرائح لشركات عملاقة مثل «نفيديا» و»آبل» و»أمازون».
كما تعاني «إنتل» من انخفاض حاد في المبيعات والأرباح على مستوى العالم، إذ تراجعت إيراداتها السنوية من نحو 78 مليار دولار عام 2020 إلى 53 ملياراً في 2023.
كما تحول صافي الربح إلى خسائر بلغت 18.7 مليار دولار في الفترة ذاتها، وفق ما أورده «غلوبس».
وفي كريات غات، تضرر مصنع «فاب 28» بشكل مباشر من خطة إعادة الهيكلة، رغم أنه كان نموذجاً للأداء في السنوات الماضية، حيث ذكر التقرير أن المصنع حقق صادرات بلغت 86 مليار دولار منذ إنشائه عام 1996، ليشكل ما بين 3 و3.5 بالمئة من إجمالي الصادرات الإسرائيلية سنوياً.
لكن مع إدخال أنظمة أوتوماتيكية جديدة، وزيادة التكنولوجيا المستخدمة فيه، بدأ الاستغناء عن عدد من الوظائف وتسريح نحو 200 عامل من المصنع مؤخراً.
وإلى جانب قسم التصنيع، تضررت أيضا أقسام البحث والتطوير، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 10 بالمئة من العاملين فيها طالتهم قرارات الفصل.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الإسرائيلية قدمت دعماً مالياً كبيراً لـ»إنتل» على مدار السنوات الماضية، إذ يقدر ما حصلت عليه من منح ومساعدات بنحو 1.5 مليار دولار، لبناء مصنعها الأول.
كما وافقت الحكومة الإسرائيلية على منح إضافية للشركة بقيمة 3.2 مليار دولار لإنشاء مصنع جديد باسم «فاب 38»، والذي لم يتم استكمال بنائه حتى اليوم.
ورغم تسريح العمال وتجميد أعمال البناء، لم تتخذ وزارة المالية أو هيئة الاستثمار أي إجراءات عقابية ضد الشركة، مع استمرار اعتماد صرف المخصصات لالتزام «إنتل» بتحقيق أهداف محددة مسبقاً».
ويتزامن تراجع «إنتل» مع إعلان شركة «نفيديا» الأمريكية مؤخرا عن خطتها لإنشاء مركز تطوير كبير في شمال إسرائيل، بتكلفة تقدر بنحو 2 مليار شيكل (نحو 540 مليون دولار)، وتوظيف نحو 5 آلاف شخص، ما يجعل الشركة في طريقها لمنافسة «إنتل» من حيث عدد الموظفين المحليين.
وبحسب مراقبين، فإن التغيير في موازين القوى داخل قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي يعكس تراجع أهمية مصانع الإنتاج التقليدي، مقابل صعود مراكز التطوير والبحث المرتبطة بالذكاء الإصطناعي والتقنيات الحديثة.
وفي هذا السياق، قال الباحث في معهد «رايز إسرائيل» للأبحاث والابتكار، داني بيران، أن مجالات عمل «إنتل» لم تعد تنمو كما في السابق، بحسب الموقع العبري.
ووجه التقرير انتقادات إلى غياب سياسة إستراتيجية إسرائيلية لجذب الصناعات المتقدمة، مشيراً إلى أن غالبية الجهات الحكومية، بما فيها مكتب رئيس الوزراء ووزارات الدفاع والمالية «تفتقر إلى الكفاءات التكنولوجية القادرة على بلورة رؤية وطنية للقطاع».
ونقل «غلوبس» عن مسؤولين سابقين أن «رؤية الدولة تجاه دعم المصانع الكبرى تفتقر إلى التخطيط، وتقديم الحوافز يتم غالباً في سياق ضغوط تمارسها الشركات وليس ضمن إستراتيجية طويلة المدى».
وتعيش مدينة كريات غات حالة من القلق في ظل التطورات الأخيرة، حيث تعتمد شريحة واسعة من سكانها على وظائف «إنتل» بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال شركات خدمات النقل والتموين والمقاولات، ما يجعل أي تقليص إضافي في نشاط الشركة تهديدا للاقتصاد المحلي.
ورغم عدم ظهور آثار فورية لتراجع الشركة، لكن أجواء المدينة يخيم عليها الترقب والقلق، خاصة مع توقف بناء المصنع الجديد وتراجع استثمارات «إنتل»، وفق تقرير «غلوبس».
ورغم الإجراءات التقشفية، لا تزال «إنتل» تقدم مزايا وظيفية لا توفرها شركات أخرى مثل مكافآت سنوية سخية وإجازات طويلة مدفوعة، ومكافآت خاصة بمجندي الاحتياط.
ويمكن أن تصل مبالغ التعويض عند التسريح من العمل إلى 800 ألف شيكل (نحو 238 ألف دولار)، بحسب سنوات العمل.
ومع ذلك، يشعر العديد من العاملين بعدم اليقين بشأن المستقبل، خاصة الأكبر سناً منهم، الذين يخشون من صعوبة العثور على وظائف بديلة.
وفي ختام التقرير، أشار موقع «غلوبس» إلى أن مستقبل «إنتل» في إسرائيل يظل مفتوحاً على عدة سيناريوهات، بين استعادة الشركة لعافيتها عبر التركيز على تطوير تقنيات جديدة، أو استمرار التراجع وخسارة مكانتها كمشغل رئيسي في البلاد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 16 دقائق
- العربي الجديد
إجراءات جديدة لتنظيم تجارة الفضة في اليمن
تتّجه الجهات المعنية في إطار اهتمامها بالأعمال المهنية والحرفية التي تشتهر بها صنعاء ومدن يمنية أخرى إلى تنظيم تصدير واستيراد المنتجات الحرفية المصنوعة من الفضة والعقيق والمرجان. وعمّمت الغرفة التجارية والصناعية المركزية بأمانة العاصمة صنعاء لكل تجار وأصحاب الحرف اليدوية والفضية والمنتجات الحرفية الأخرى مذكرة صادرة عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف، بشأن تنظيم تصدير واستيراد المنتجات الحرفية المصنوعة من الفضة والعقيق والمرجان.بموجب هذه المذكرة التي اطلع عليها "العربي الجديد"، يتعين الالتزام بالطرق والإجراءات الرسمية المعتمدة لتصدير المنتجات الحرفية الفضية والعقيق والمرجان، حيث تم التعميم بمنع إخراج هذه المنتجات من البلاد إلا بعد الحصول على التصاريح الرسمية من الهيئة العامة للآثار والمتاحف. في السياق، يقول مختصون بصناعة العقيق اليماني والخواتم والفضيات إن هذا المنتج الاقتصادي المهم بحاجة إلى تسويق وفتح المزيد من نوافذ البيع للخارج. التاجر والمتخصص في صناعة العقيق والفضيات في أحد أسواق صنعاء القديمة أحمد الشامي، يؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، على ضرورة اهتمام الجهات المختصة بهذا المنتج ومساعدة التجار والعاملين في هذه الصناعة في فتح أسواق خارجية لبيع منتجاتهم من العقيق والفضيات والمرجان ومختلف الأحجار الكريمة التي تزايد الطلب عليها بشكل لافت. أسواق التحديثات الحية لجنة لاحتواء فوضى الأسواق في اليمن وهناك فرص واعدة لتصديرها للأسواق الخارجية، مشيراً إلى أن عملية البيع للخارج تتم بجهود فردية فقط. ويشير الشامي إلى أن هناك مصانع ومشاغل تعمل على تكسير وتشكيل الأحجار التي يتم جلب معظمها من جبال منطقة آنس بمحافظة ذمار شمالي اليمن، وذلك بعد تقطيعها وقصها وصقلها وتلميعها وتحويلها إلى فصوص بحسب كل نوع من الأحجار، حيث تتفاوت أسعارها بين 10 و20 ألف ريال بحسب حجم ونوعية الحجر، فيما هناك أصناف من العقيق والمرجان والفضيات يصل سعر الخاتم الواحد إلى نحو 50 ألف ريال (الدولار = نحو 535 ريالاً). من جانبه، يتحدث مالك محل للمنتجات الحرفية والأحجار الكريمة في مدينة صنعاء القديمة، عبدالواسع الصنعاني، بحسرة لـ"العربي الجديد"، عن أيام ازدهار السياحة وتدفق السياح إلى اليمن، وكيف ازدهرت مبيعات الفضيات والعقيق اليماني للسُياح والزائرين الذين كانت تعجّ بهم أزقة وأسواق صنعاء القديمة قبل الحرب، لافتاً إلى أن توقف السياحة وتدفق السياح إلى اليمن أثر بشكل بالغ على مختلف الأعمال والمهن والمشغولات الحرفية في مثل هذه الأسواق العتيقة بمدينة صنعاء القديمة. اقتصاد عربي التحديثات الحية البنك المركزي اليمني يتكبد 2.4 مليار دولار لتغطية عجز الموازنة وينتشر في أسواق صنعاء القديمة التي زارتها "العربي الجديد" العديد من الأعمال الحرفية والمشغولات اليدوية في مشهد لافت يجسد حيوية هذه المدينة العتيقة ومجتمعها النابض بالحياة والإنتاج، المرتبط بمهن الآباء والأجداد المتوارثة عبر عقود من الزمن في هذه الأحياء والأزقة المقسمة بحسب كل مهنة ومنتج، فيما تواجه هذه الأعمال والمهن صعوبات وتحديات بالغة يهددها بالانهيار. يقول أحد الحرفيين المختصين بصناعة الفضيات والعقيق، عبدالخالق خودم، لـ"العربي الجديد"، أن ما يقومون به للحفاظ على مهنتهم هو جهود ذاتية في ظل عدم اهتمام الجهات المعنية أو المنظمات التابعة للقطاع الخاص التجاري بهذه المهنة ومساعدتهم في التسويق والترويج لها، فضلاً عن عزوف الجهات العامة الحكومية عن الاهتمام بهذه الحرف بفعل الأوضاع التي يمر بها اليمن وتوقف عمليات الترويج والتسويق السياحي. وتذكر بيانات الجهات المختصة في صنعاء، أن هناك أكثر من 50 ورشة لإنتاج العقيق بمدينة صنعاء يصل معدل إنتاجها السنوي إلى حوالي 50 ألف فص، إضافة إلى أن هناك ما يقارب 15 نوعا من العقيق والفضيات والأحجار الكريمة الأخرى التي يتم العمل عليها في مشاغل ومصانع القص والصقل والإنتاج.


العربي الجديد
منذ 16 دقائق
- العربي الجديد
هل تحل الاستثمارات السعودية في سورية بدلاً من الإيرانية؟
عقد أمس الأربعاء في دمشق منتدى الاستثمار السوري - السعودي 2025 برعاية رسمية، وبمشاركة عشرات رجال الأعمال السعوديين بتوجيه من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان. وشهد المنتدى مشاركة كبريات الشركات السعودية، بينها "أرامكو السعودية" المهتمة بمشاريع الطاقة والكهرباء، ومجموعة "بن لادن" للمقاولات في إعادة الإعمار، و"سعودي أوجيه" في البناء والتطوير العقاري، و"سابك" في الصناعات البتروكيماوية، إضافة إلى مجموعة " الراجحي " لدراسة فرص التمويل والاستثمار المصرفي. يرى الباحث في الاقتصاد السياسي السوري، عون الحمصي، أن الانفتاح السعودي على دمشق "لا ينفصل عن سعي إقليمي لتقليص النفوذ الإيراني، ولكنه ليس استبدالاً مباشراً للاتفاقيات الإيرانية، بل مسعى لإحداث توازن جديد داخل السوق السورية". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "العقود التي أبرمتها إيران كانت تُدار كامتيازات استراتيجية أكثر منها استثمارات ربحية، وتحمل طابعاً أمنياً وسياسياً. في المقابل، ستسعى السعودية لعقود ذات طابع تجاري واستثماري خالص، وهذا يخلق تناقضاً وظيفياً لا يسمح بالاستبدال الفوري". اقتصاد الناس التحديثات الحية قرار حكومي بإيقاف ترخيص شركة "طلال أبو غزالة وشركاه" في سورية بدوره يرى الخبير الاقتصادي، جمعة الحجازي، أن أهمية المنتدى لا تكمن فقط في الأموال المحتملة، بل في الرسائل السياسية التي يبعث بها إقليمياً ودولياً، وفي قدرته على إعادة إدراج سورية تدريجياً في الخريطة الاقتصادية للمنطقة. يقول الحجازي في تصريح لـ"العربي الجديد" : "في حال جرى ضخ استثمارات سعودية فعلية، ستكون هذه أول مرة منذ أكثر من 13 عاماً يتم فيها تحريك عجلة التمويل الخارجي بطريقة منظمة، ما قد ينعكس إيجابياً على قطاعات الكهرباء والنقل والصناعة الخفيفة. لكن هذا احتمال مشروط وليس واقعاً مؤكداً". ويشير إلى أن الاقتصاد السوري حالياً ليس جاذباً لرأس المال بسبب القوانين والبيئة الأمنية والبنية التحتية المالية، مضيفاً أن غياب الشفافية وتضارب السلطات يجعل الاستثمار في سورية مقامرة مكلفة. ويؤكد أن المستثمر السعودي سيبحث عن مشاريع ذات عوائد سريعة أو حماية سياسية واضحة، مثل البناء والتطوير العقاري والسياحة الدينية، في حين تبقى القطاعات الصناعية والزراعية ذات المخاطر العليا في المرتبة الثانية. وتشير البيانات الصادرة عن هيئة الاستثمار السورية إلى أن الاستثمارات الأجنبية في سورية تراجعت من نحو 8 مليارات دولار قبل الحرب إلى أقل من 200 مليون دولار سنوياً خلال العقد الأخير، معظمها في قطاعات خدمية صغيرة وبمخاطر مرتفعة. موقف التحديثات الحية الخسائر المتوقعة لحرب السويداء السورية في المقابل، تشير بيانات وزارة التجارة السورية إلى أن حجم التبادل التجاري بين سورية والمملكة ظل متواضعاً، إذ لم يتجاوز 150 مليون دولار في أفضل الفترات، وتراجع إلى أقل من 50 مليون دولار خلال فترة العقوبات والحصار. غير أن المنتدى الاستثماري السعودي ـ السوري يُنبئ بتحول محتمل، مع تقديرات أولية بضخ استثمارات سعودية تتجاوز 500 مليون دولار خلال السنوات المقبلة، تعكس طموح الرياض في إعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية. ومن المتوقع أن تثمر المرحلة المقبلة توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات استراتيجية في قطاعات توليد الطاقة، وإعادة إعمار البنية التحتية من طرق وجسور ومطارات، وتطوير القطاع الزراعي عبر برامج مستدامة، وتحسين شبكات الاتصالات، وتعزيز السياحة الدينية والتاريخية عبر استثمارات في المواقع الأثرية. ويتوقع أن يتم خلال المنتدى توقيع اتفاقات استثمارية بنحو 15 مليار ريال سعودي (أربعة مليارات دولار)، في مجالات تشمل الطاقة، الزراعة، النقل، الاتصالات، وتطوير البنية التحتية.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
بيتكوين في الخليج... مصيدة للشباب أم فرصة استثمارية؟
مع الارتفاع التاريخي لسعر عملة بيتكوين وتداوله عند مستوى 118.857 ألف دولار وتوقعات مواصلة الزيادة، تحتل العملات الرقمية مكانة متزايدة في اهتمامات الشباب الخليجي الذين يبحثون عن بدائل جديدة للادخار أو الاستثمار، وسط حالة من الحذر والمغامرة على حد سواء. دعم هذه الخطوة الانفتاح الأميركي والعالمي الكبير على العملات الرقمية ومحاولة تقنينها، حيث وقّع الرئيس دونالد ترامب قبل أيام على تشريعات جديدة لتنظيم العملات المشفرة، وأقر القانون المعروف باسم جينيوس أكت (GENIUS Act)، وقبلها تعهد بشكل متكرر بجعل الولايات المتحدة "عاصمة العملات المشفرة في العالم". كما أن التحولات الرقمية السريعة والمدعومة بمبادرات حكومية لإصلاح الاقتصاد وتنويعه وتعزيز الاستقلال المالي شجعت الأجيال الشابة في الخليج على الانخراط في الاستثمارات الرقمية، حيث يرون فيها فرصة محتملة لتحقيق أرباح سريعة أو حماية مدخراتهم في مواجهة تقلبات الأسواق التقليدية وأزمات التضخم العالمي. وحسب بيانات أوردها موقع مؤسسة كارنيغي الأميركية، فإن هذه الحماسة مدعومة بمعدل انتشار للاستثمار في العملات الرقمية يقارب 19% من السكان في دول الخليج بحلول نهاية العام الجاري، مع تقدير لبلوغ قيمة السوق لحوالي 792 مليون دولار في نفس الفترة، ما يعكس مؤشراً اقتصادياً لافتاً، رغم أن السوق لا تزال في طور النمو مقارنة بأميركا الشمالية وأوروبا الغربية. أسواق التحديثات الحية الأسواق الخليجية تترقب صعود الذهب ورغم الجذب الهائل لهذه الفرصة الرقمية الجديدة، تختلف الأطر القانونية والتنظيمية لتداول العملات الرقمية بشدة بين دول الخليج، إذ تتبنى الكويت نهجاً متحفظاً تجاه تشريع وتداول تلك العملات، كما رفضت قطر الاعتراف بها وسيلة قانونية للتبادل المالي. إلا أن قطر بدأت مؤخراً بتخفيف موقفها، إذ أقرت تنظيماً جديداً للأصول الرقمية عبر "مركز قطر المالي"، مع توقعات بإتمام الإطار التشريعي بشكل نهائي خلال الربع الثاني من عام 2025 من أجل فتح الأبواب أكثر أمام الابتكار المالي وجذب التقنيات الجديدة إلى السوق المحلية. في المقابل، تتبنى الإمارات والسعودية والبحرين سياسات أكثر انفتاحاً نحو العملات الرقمية وتكنولوجيا "البلوكشين"، ويظهر ذلك في مشروعات العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC) ومحاولات تعظيم الاستفادة من حلول الدفع الرقمي العابر للحدود، حسب تقرير نشره موقع إيكونومي ميدل إيست، المتخصص في تغطية الأخبار الاقتصادية والمالية بالشرق الأوسط. مخاطر تقلب العملات الرقمية لكن المخاطر تظل محدقة بالفئات محدودة ومتوسطة الدخل، فالعملات الرقمية كما يصفها العديد من الخبراء الغربيين، ليست نقوداً اعتيادية بقدر ما هي أصول عالية التقلب والمضاربة، تتأثر بشكل جوهري بالعوامل النفسية والاقتصادية وتقلبات العرض والطلب، وهذا التقلب يجعلها تشكل "مصيدة" للكثيرين من الباحثين عن الثراء السريع، حسب تقرير شركة برايس وترهاوس كوبرز (PwC) الخاص بتنظيم العملات الرقمية لعام 2025. ويورد التقرير أن 75% من دول العالم "تلتزم جزئياً أو لا تلتزم بإجراءات مكافحة غسل الأموال في الأسواق الرقمية"، ما يعكس نقص الحماية التي يواجهها المستثمرون الصغار، خاصة في بيئة التنظيمات غير المكتملة كما هو الحال في دول الخليج. في ضوء ذلك، ينظر الخبراء إلى العملات الرقمية في دول الخليج باعتبارها سلاحاً ذا حدين: فهي من جهة تمثل منصة واعدة للشباب الباحثين عن الاستقلال المالي وفرص استثمارية جديدة في اقتصاد رقمي سريع التطور، فيما تحمل من جهة أخرى مخاطر مضاربات العملات وخسارة رأس المال أو التعرض للاحتيال، وهو ما فصله تحليلياً خبيران لـ "العربي الجديد". الأسس التقنية والمالية المستشار الاقتصادي والخبير المالي هاشم الفحماوي، يشير لـ "العربي الجديد" إلى أن بيتكوين من أبرز العملات الرقمية التي تحظى باهتمام عالمي، ما يعكس طبيعة الهيكل المالي والتنظيمي الذي بُنيت ضمنه، مشدداً على ضرورة التمييز بين العملات الرقمية ذات الأسس التقنية والمالية القوية، وتلك التي لا تمثل سوى عمليات نصب واحتيال تستهدف المستثمرين، خاصة في غياب تشريعات واضحة ورقابية فعالة. ويؤكد الفحماوي وجود عدد كبير من العملات الرقمية "ليس لها أي أصول حقيقية أو مشاريع ملموسة"، واصفاً إياها بأنها "مجرد أدوات للاستثمار الوهمي، وستُشطب في القريب العاجل، بسبب عدم قدرتها على الامتثال للتشريعات الجديدة التي من المتوقع أن تُفرض قبل نهاية عام 2025". أسواق التحديثات الحية أسبوع صعب في سوق العملات الرقمية ويتوقع الفحماوي أن تلعب هيئة أسواق المال الأميركية (SEC) دوراً محورياً في وضع قوانين صارمة تنظم هذا القطاع، وتفرض رقابة شديدة على العملات الرقمية، بما في ذلك متطلبات التأمين المالي وإيداع الأموال في البنوك أو البنك الاحتياطي الفيدرالي، ما سيجبر العديد من العملات غير الملتزمة على الخروج من السوق، أو التوقف التام عن التداول. وإزاء ذلك، ينصح الفحماوي المستثمرين من دول الخليج بأن يكونوا أكثر حذراً عند الدخول إلى سوق العملات الرقمية، وضرورة التحقق من مشاريع العملات التي ينوون الاستثمار فيها، لأن هناك عدداً كبيراً منها يُطلق تحت مسميات خادعة، مثل الذكاء الاصطناعي، دون أن يكون لها أي علاقة فعلية بهذه التقنية، ما يعد جزءاً من "عمليات احتيال ممنهجة" حسب وصفه. من ناحية أخرى، يشير الفحماوي إلى أن بعض العملات الرقمية التي تمتلك مشاريع قوية وشفافة قد تشهد ارتفاعات كبيرة في المستقبل القريب، خاصة إذا تم اعتمادها ضمن التشريعات الجديدة لدول الخليج أو دخلت ضمن منظومة الاقتصادات الرسمية، وهو ما قد يمنحها زخماً استثمارياً قوياً، ويحقق عوائد تصل إلى 300% أو حتى 600% في بعض الحالات. وحسب تقدير الفحماوي، فإن العملات المنظمة من جانب الولايات المتحدة الأميركية، أو لديها مكاتب قانونية ومالية مرتبطة بها في دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية والهند، ستكون الأكثر قدرة على التكيف مع هذه التغيرات التشريعية، وبالتالي الأقرب إلى الاستمرارية والنمو، في حين ستتعرض العملات غير المنظمة إلى التصفية التدريجية، وربما اختفاء كامل من السوق خلال فترة قصيرة. أدوات ربح سريعة في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ "العربي الجديد"، أن اهتمام الشباب الخليجي ببيتكوين، إلى جانب العملات الرقمية الأخرى، يعود إلى صفة الحماس التي تميز الشباب وإلى رؤيتهم لهذه العملات بأنها أدوات استثمارية جديدة تتيح لهم فرصة تحقيق أرباح سريعة، ما يُعد من العوامل الرئيسية التي تدفعهم لشرائها، لكن البيئة القانونية في دولهم ليست موحدة إزاء رغباتهم. ففي حين تنظم الإمارات هذا النوع من الاستثمارات ضمن إطار قانوني واضح، تبقى بقية الدول إما متحفظة أو غير مشجعة، حيث لا تمنع الاستثمار الشخصي في هذه العملات، خاصة عبر المنصات الإلكترونية، لكنها في المقابل لا تشجع المضاربة عليها باعتبارها استثمارات عالية المخاطر. اقتصاد عربي التحديثات الحية صندوق النقد يحاجج بالعملات الرقمية للبنوك المركزية ويشير درويش إلى أن انهيار أسعار هذه العملات في مراحل سابقة تسبب في خسائر مالية كبيرة للكثير من المستثمرين، ما يؤكد خطورة التعامل معها باندفاع، خاصة من قبل فئة الشباب التي قد تتأثر بفكرة الربح السريع دون دراسة المخاطر المرتبطة بها. ويضيف أن هناك فرقاً بين الشباب الذين يستثمرون باعتدال ومعرفة، بعد اطلاعهم على طبيعة الأسواق وحركاتها، وأولئك الذين يدخلون هذا المجال بحماسة زائدة، ودون خلفية كافية، ما يزيد من احتمال تعرضهم للخسارة، محذراً مما وصفه بـ "أكثر الأمور خطورة"، وهو أن يلجأ بعض الشباب إلى الاستدانة لشراء هذه العملات، خاصة إذا تم ذلك على أمل تحقيق أرباح سريعة، في حين أن السوق الرقمية العالمية تشهد تقلبات حادة، وقد تتحول من ارتفاع إلى انهيار مفاجئ، كما جرى في أكثر من مناسبة. ولذا يشدد درويش على ضرورة أن تقوم الجهات المعنية بتوعية الشباب حول هذه المخاطر، وعدم السماح لفكرة "الربح السريع" بأن تطغى على أهمية الاستثمار المنتج والمستقر، الذي يُبنى على مشاريع حقيقية تسهم في النمو الاقتصادي على المدى الطويل. ويلفت درويش إلى أن ضرورة الالتزام بمبدأ استثماري مفاده أن الاستثمار في الأصول عالية المخاطر، مثل العملات الرقمية، يجب ألا يتجاوز نسبة تتراوح بين 10 إلى 15% من إجمالي ثروة الشخص، لأن تجاوز هذه النسبة يعرض المستثمر إلى خطر فقدان كل شيء دفعة واحدة في حال انهيار السوق.