logo
التدمير الداخلى.. كيف أدى الصراع بين حماس وفتح إلى تفكيك النسيج الفلسطينى؟

التدمير الداخلى.. كيف أدى الصراع بين حماس وفتح إلى تفكيك النسيج الفلسطينى؟

بدأت القضية الفلسطينية كقضية وطنية تتعلق بشعب فلسطينى يبحث عن استرداد حقوقه الأساسية وأرضه التى اغتصبها الاحتلال الصهيونى عام 1948. ومع تدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة، وأمام المذابح والمجازر التى تعرضوا لها، أصبحت القضية الفلسطينية فى صلب الوعى العربى والإسلامي، باعتبارها قضية حقوقية وإنسانية. ورغم تماسك الشعب الفلسطينى فى صموده، وتأسيسه للمنظمات الوطنية مثل منظمة التحرير الفلسطينية، التى تمثل وحدة الشعب الفلسطينى وأهدافه الوطنية، ظلت القضية الفلسطينية قضية نضال من أجل الحرية والاستقلال. لكن مع مرور الوقت، تحولت القضية الفلسطينية إلى ورقة ضغط سياسية بيد العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين. إذ بدأت بعض القوى الإقليمية والدولية تستخدمها فى إطار مصالحها السياسية والإستراتيجية، متجاهلة فى الكثير من الأحيان المصلحة الوطنية الفلسطينية. وبرزت هذه الظاهرة بشكل جلى فى بداية السبعينيات، حين بدأ بعض الفاعلين الإقليميين فى توظيف القضية الفلسطينية كوسيلة لتعزيز نفوذهم على الساحة العربية والدولية، بينما كان الهدف الأساسى للفلسطينيين هو التحرير والتخلص من الاحتلال.
وفى العقود الأخيرة، دخلت الحركات الإسلامية على الخط بشكل متزايد، خاصة مع صعود جماعة الإخوان المسلمين وحركاتها المنتشرة فى عدة دول عربية؛ أصبحت القضية الفلسطينية واحدة من أبرز شعارات هذه الحركات، التى استفادت منها لتحقيق مكاسب سياسية، سواء فى مصر أو فى مناطق أخرى. وباتت القضية الفلسطينية تُستخدم بشكل متكرر من قبل هذه الجماعات لتعبئة الجماهير وحشد الدعم الإقليمى والدولي، بينما كانت الأولوية الحقيقية لهذه الجماعات هى تعزيز قوتها السياسية وتحقيق أجنداتها الإيديولوجية.
ولم تقتصر هذه الاستفادة على الحركات الإسلامية فقط، بل شملت أيضًا بعض الدول التى سعت لتوظيف القضية الفلسطينية لصالح أجنداتها الإقليمية، وبذلك تحولت القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطنى لشعب يعانى من الاحتلال إلى ساحة صراع سياسى تستخدمها الأطراف المتعددة لتحقيق أهدافها الخاصة، مما أضر بالقضية الفلسطينية وجعلها أكثر تعقيدًا وأقل قدرة على تحقيق هدفها النهائى وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الإخوان والقضية الفلسطينية
منذ نشأتها فى عام ١٩٢٨، اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين على القضية الفلسطينية كجزء أساسى من مشروعها الإيديولوجى والسياسي، وجعلتها حجر الزاوية فى خطابها الدعوى والجهادي. ففى إطار هذا التوجه، ارتبطت القضية الفلسطينية بنضال الجماعة ضد ما اعتبرته "العدو الصهيوني" و"الاستعمار الغربي". وتحت شعار "تحرير فلسطين" ربطت جماعة الإخوان بين الجهاد فى سبيل الله وضرورة إقامة دولة إسلامية، مما جعل من القضية الفلسطينية وسيلة لتعبئة الجماهير فى العالم الإسلامى ودعم مشروعها الأوسع. كان الإخوان يروجون لفكرة أن تحرير فلسطين هو جزء من معركة الأمة الإسلامية لاستعادة كرامتها ومكانتها بين الأمم، وبالتالى كان يُنظر إلى فلسطين كقضية إسلامية بحتة، وليست فقط وطنية.
استخدمت جماعة الإخوان القضية الفلسطينية ليس فقط كدافع للتحشيد الشعبي، بل كأداة لتوسيع نفوذها السياسى على مستوى العالم العربى والإسلامي. فقد كانت الجماعة تستغل مشاعر الأمة الإسلامية تجاه فلسطين لجذب الدعم الشعبى فى مختلف الدول العربية، خاصة فى مصر، حيث كانت القضية الفلسطينية موضوعًا حساسًا وحاضرًا فى كل النقاشات السياسية. كانت جماعة الإخوان تقوم بإشراك نفسها فى الأنشطة التى تدعم الفلسطينيين، سواء من خلال المظاهرات أو حملات التوعية، مما جعلها تظهر كأبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية. هذا الاستخدام الإعلامى كان له دور كبير فى تعزيز صورتها كقوة سياسية حاضرة وفعالة فى الساحة العربية، حتى وإن كانت هذه الأنشطة فى بعض الأحيان تُستغل لجذب الدعم الداخلى فى الوقت الذى تتأرجح فيه شرعية الجماعة فى بعض الدول. وفى سياق حكم محمد مرسي، الذى كان ينتمى إلى جماعة الإخوان، فقد سعت الجماعة إلى توظيف القضية الفلسطينية لتعزيز موقفها السياسى داخل مصر وعلى الصعيد الإقليمي؛ كانت القضية الفلسطينية تمثل وسيلة استراتيجية لتوثيق العلاقة بين حكومة الإخوان وحركة حماس. فقد قامت حكومة مرسى بتسهيل التنقلات بين قطاع غزة ومصر، بل وكان هناك تعاون مستمر بين الطرفين فى مجالات متعددة. ولقد كانت هذه الخطوات جزءًا من استراتيجية الإخوان لتقديم أنفسهم كأبطال للمقاومة الفلسطينية، وتحقيق مكاسب سياسية على حساب تهميش القوى السياسية الأخرى فى مصر.
فى ذات الوقت، استغلت جماعة الإخوان وحركة حماس القضية الفلسطينية لتمرير أجندات سياسية، وخاصة على الصعيد الإقليمي. فقد سعت حماس، بفضل دعم جماعة الإخوان، إلى تقوية نفسها كحركة إسلامية قوية تسيطر على قطاع غزة، وهو ما مكنها من التأثير على المشهد الفلسطينى والإقليمي. فى ظل علاقاتها القوية مع إيران وتركيا، كان لدى حماس دور كبير فى استغلال القضية الفلسطينية لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا فى ملفات المنطقة، لا سيما فى مواجهة إسرائيل. ومع أن حماس كانت تتبنى مواقف سياسية متشددة أحيانًا ضد السلطة الفلسطينية فى رام الله، إلا أن موقفها كان يحظى بتأييد شعبى كبير فى بعض الأوساط الإسلامية، مما جعلها تلعب على الوتر العاطفى للشعب الفلسطينى والعربي.
بالمثل، استخدم مرسى وحكومة الإخوان القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية داخل مصر. فقد كانت القضية الفلسطينية بمثابة رافعة سياسية تساعد فى تعزيز الشرعية الشعبية لحكومة مرسى التى كانت تواجه تحديات داخلية شديدة، بما فى ذلك احتجاجات ضد سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. من خلال تأكيد موقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية، كان مرسى يسعى إلى إظهار التزامه بثوابت الأمة الإسلامية، مما كان يعزز من شرعيته السياسية داخليًا فى مواجهة المعارضة، ويجعله يحظى بدعم قطاعات واسعة من الشعب المصري، وخاصة القوى الدينية.
فى النهاية، رغم أن جماعة الإخوان وحركة حماس قد دعمت القضية الفلسطينية فى الخطاب العام، فإنهما فى بعض الأحيان كانا يستخدمان القضية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية تتجاوز الاهتمام الحقيقى بمصلحة الشعب الفلسطيني. فقد تحولت القضية الفلسطينية إلى أداة ضغط سياسي، ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضًا ضد الأنظمة العربية المنافسة، مما جعلها تُستغل بشكل يضر بالقضية فى كثير من الأحيان.
حركة حماس
حركة حماس، التى تأسست فى قطاع غزة فى عام ١٩٨٧، نشأت كفرع فلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين. فى بداياتها، كانت حماس بمثابة ذراع إسلامى مسلح للقتال ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث استندت إلى الأيديولوجية الإخوانية التى تروج لفكرة أن "الجهاد" هو الطريق لتحرير الأرض الفلسطينية. مع ذلك، يمكن القول إن حركة حماس كانت، منذ نشأتها، تسعى لتحقيق أهداف جماعة الإخوان المسلمين فى فلسطين، والتى تتجاوز التحرير الوطنى لتشمل تحقيق "دولة إسلامية" فى المنطقة. فى بداية الأمر، ظهرت حماس كحركة مقاومة معارضة للسلطة الفلسطينية، مستفيدة من مشاعر الرفض الشعبية للفساد والتدهور السياسى الذى كان سائدًا فى السلطة الفلسطينية تحت قيادة منظمة التحرير. إلا أن ما لبثت أن تحولت هذه الحركة إلى فصيل سياسى يسعى للهيمنة على السلطة فى قطاع غزة، مستغلة المقاومة الفلسطينية كأداة لتحقيق مكاسب سياسية.
منذ عام ٢٠٠٦، بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بدأت الحركة تتحول إلى فصيل سياسى يسعى للسيطرة على القطاع. بعد صراع مرير مع حركة فتح، نجحت حماس فى الاستيلاء على قطاع غزة فى ٢٠٠٧ بعد أحداث دموية خلفت العديد من الضحايا، فيما أصبح يعرف بـ "الانقلاب" على السلطة الفلسطينية. سيطرة حماس على غزة لم تكن مجرد نتيجة للانتصار فى المعركة العسكرية ضد فتح، بل كانت جزءًا من استراتيجية واسعة لتكريس نفسها كقوة سياسية مستقلة وقائدة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفى نفس الوقت كداعم لتحقيق الأجندة الإخوانية فى المنطقة. من هنا بدأنا نرى كيف استثمرت حماس "المقاومة" كأداة للتوسع السياسى الداخلى وتعزيز سلطتها فى غزة على حساب المصالحة الفلسطينية، التى كانت تأمل بها قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني. إن ما تفعله حركة حماس فى غزة منذ سيطرتها عليه هو استغلال المقاومة الفلسطينية كأداة لتعزيز وجودها السياسى والتمسك بالسلطة على الأرض. بعد أن عززت سيطرتها على القطاع، عملت حماس على بناء شبكة من المؤسسات والميليشيات التى تساهم فى تأمين السيطرة على الوضع الأمنى والسياسى فى غزة، متجاهلة فى كثير من الأحيان مصالح الشعب الفلسطيني. على سبيل المثال، انتهجت الحركة سياسة قمعية ضد معارضيها، كما قامت بفرض حصار داخلى على العديد من المناطق، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية فى القطاع. علاوة على ذلك، كان لحركة حماس دور فى تعطيل جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بمحادثات المصالحة مع حركة فتح، وذلك خوفًا من فقدان السيطرة على غزة وتنازلها عن السلطة فى القطاع. و بالإضافة إلى ذلك، استخدمت المقاومة الفلسطينية كوسيلة لتوسيع نفوذها الإقليمي. فقد كانت حركة حماس تتلقى دعمًا سياسيًا وعسكريًا من دول مثل إيران وقطر وتركيا، مما عزز من مكانتها كفصيل إقليمى منافس للمصالحة الفلسطينية فى الضفة الغربية. هذا الدعم لم يكن من أجل مصلحة الفلسطينيين فقط، بل كان يهدف إلى تعزيز دور حماس كأداة إقليمية فى الصراع مع إسرائيل، وفى سياق التنافس الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، ما جعل حماس تُسحب فى صراعات إقليمية أدت إلى تفاقم الوضع الفلسطينى على الأرض.
أحد أكبر الجرائم التى ارتكبتها حركة حماس ضد الشعب الفلسطينى تمثل فى استخدام المواطنين كدروع بشرية، وخرق قواعد القانون الدولى فى عملياتها العسكرية. خلال الحروب مع إسرائيل، وخاصة فى عام ٢٠١٤، تم توجيه انتقادات حادة لحماس بسبب استخدامها المنشآت المدنية مثل المدارس والمستشفيات لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، مما عرض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر. كما تورطت الحركة فى تصفية حسابات مع معارضيها فى غزة، حيث اعتقلت وأعدمت العديد من الأفراد الذين كانوا يعارضون حكمها. فى هذا السياق، تم توثيق حالات واسعة من الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فى القطاع تحت حكم حماس. هذه الممارسات حولت غزة إلى منطقة معزولة تحت سلطة قمعية، مما زاد من معاناة الشعب الفلسطيني.
من خلال استغلال القضية الفلسطينية كأداة للهيمنة السياسية، أصبحت حماس قوة غير قادرة على التفاهم مع باقى الفصائل الفلسطينية، وهو ما فاقم الانقسام الداخلى الفلسطيني. رغم أن خطاب حماس يظل يتبنى "تحرير فلسطين" والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الواقع على الأرض يظهر أن الحركة قد حولت نفسها إلى كيان سياسى يسعى للحفاظ على مصالحه الخاصة على حساب مصالح الشعب الفلسطينى بشكل عام.
حزب الله والقضية الفلسطينية
حزب الله، الذى تأسس فى لبنان فى عام ١٩٨٢ بعد الاجتياح الإسرائيلى للبنان، بدأ كحركة مقاومة تهدف إلى تحرير الأراضى اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي. ومع مرور الوقت، تحول الحزب إلى قوة سياسية وعسكرية إقليمية مؤثرة، ولعب دورًا كبيرًا فى الصراع العربى الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الحزب أعلن فى بداياته أنه يسعى لتحرير الأراضى اللبنانية فقط، إلا أن الحزب سرعان ما بدأ يستخدم القضية الفلسطينية كجزء أساسى من خطاباته الإيديولوجية والسياسية. من خلال دعم حركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، قدم حزب الله دعماً لوجستياً، تدريبياً، وتمويلاً لهذه الحركات بهدف تعزيز "مقاومتها" ضد الاحتلال الإسرائيلي. كان هذا الدعم يُقدم فى إطار استراتيجية أكبر تهدف إلى تعميق التحالفات مع هذه الحركات وتقوية مكانة حزب الله فى المعادلة الإقليمية، مع استغلال القضية الفلسطينية كأداة لتحقيق أهدافه السياسية والإستراتيجية فى المنطقة.
من خلال دعمه لحركات المقاومة الفلسطينية، استثمر حزب الله القضية الفلسطينية لتعزيز نفوذه الإقليمى فى العالم العربى والإسلامي. على سبيل المثال، كانت لبنان قاعدة لتدريب مقاتلى حماس والجهاد الإسلامي، حيث أرسل الحزب مستشارين عسكريين لتقديم تدريبات متقدمة على أساليب القتال ضد القوات الإسرائيلية. هذا الدعم، الذى يتجاوز الكلمات والشعارات، ساعد فى بناء صورة حزب الله كمدافع عن القضية الفلسطينية، ما منح الحزب شرعية سياسية فى المنطقة. وفى الوقت نفسه، استغل الحزب هذا الدعم لتعميق علاقاته مع دول مثل إيران وسوريا، اللتين قدما دعمًا لحزب الله فى جميع مراحل تحوله إلى قوة إقليمية، مستفيدين من مناخ المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى للترويج لأجنداتهم الخاصة فى المنطقة.
وعندما اندلعت الحرب السورية فى عام ٢٠١١، سعى حزب الله إلى تقديم دعمه للنظام السورى بقيادة بشار الأسد، مستغلاً القضية الفلسطينية لتبرير تدخله العسكرى فى الصراع. من خلال إقناع الرأى العام العربى والإسلامى بأن استقرار سوريا وحماية النظام السورى أمر لا غنى عنه من أجل "مواصلة دعم القضية الفلسطينية"، استخدم الحزب القضية الفلسطينية كأداة لتوسيع دائرة نفوذه السياسى والعسكري. فى خطب وتصريحات متعددة، ربط حزب الله بين التدخل فى سوريا ومواصلة الصراع ضد إسرائيل، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الأسد هو جزء من المقاومة التى تمثل "أمل الفلسطينيين" فى مواجهة الاحتلال. هذا التحول فى خطاب حزب الله من دعم المقاومة اللبنانية فقط إلى الانخراط فى الشؤون السورية كان جزءًا من استراتيجية لتوسيع دور الحزب فى العالم العربي، مستفيدًا من القضية الفلسطينية كذريعة لشرعنة تدخلاته الإقليمية.
من ناحية أخرى، استفاد حزب الله من القضية الفلسطينية فى تعزيز مكانته السياسية والعسكرية فى لبنان وسوريا. من خلال تصوير نفسه كحامى للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تمكن الحزب من كسب الدعم الشعبى فى لبنان وفى بعض أوساط العالم العربي. الخطاب الذى يستخدمه الحزب حول الدفاع عن فلسطين يُسهم فى تعزيز مكانته فى لبنان، حيث يضع نفسه فى مواجهة إسرائيل، وهى قضية تشغل العرب عامة والفلسطينيين خاصة. هذه الاستراتيجية سهلت له توسيع نفوذه فى مناطق أخرى، مثل سوريا والعراق، حيث ساعد دعم حزب الله لحركات المقاومة الفلسطينية فى بناء تحالفات مع فصائل مقاتلة أخرى تسعى لتهديد أمن إسرائيل. مع مرور الوقت، أصبح حزب الله يتباهى بأنه ليس فقط مدافعًا عن لبنان ضد الاحتلال، بل أيضًا المدافع الأساسى عن حقوق الفلسطينيين.
من خلال استخدام القضية الفلسطينية كوسيلة لشرعنة وجوده العسكرى والسياسى فى لبنان وسوريا، تمكن حزب الله من تعزيز علاقاته مع إيران، التى تعتبر القضيّة الفلسطينية جزءًا أساسيًا من أجندتها. بالإضافة إلى ذلك، دعم الحزب، الذى يتلقى التمويل والمساعدة العسكرية من طهران، حركة حماس والجهاد الإسلامى والفصائل الفلسطينية الأخرى، بهدف تأكيد قوة موقفه الإقليمى وكسب شرعية إضافية فى إطار الصراع ضد إسرائيل. كما جلبت هذه السياسة دعمًا من قطاعات واسعة من الرأى العام العربي، الذى يرى فى حزب الله رمزية للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن الحزب فى الحقيقة كان يسعى لتحقيق أجندات إقليمية تتجاوز بكثير القضية الفلسطينية نفسها.
تداعيات استغلال القضية على الشعب الفلسطيني
أثر استغلال القضية الفلسطينية على الشعب الفلسطينى كان مدمرًا على عدة أصعدة. من أبرز هذه الآثار هو التدمير الداخلى الذى شهدته الساحة الفلسطينية بسبب الصراعات المستمرة بين الفصائل المختلفة. واحدة من أبرز تلك الصراعات كانت بين حركة حماس وحركة فتح، والتى بدأت بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام ٢٠٠٦. عقب فوز حماس، نشبت حرب أهلية فى قطاع غزة فى عام ٢٠٠٧، حيث سيطرت حماس على القطاع، ما أدى إلى تقسيم الأراضى الفلسطينية إلى قسمين: قطاع غزة الذى تديره حماس، والضفة الغربية التى تسيطر عليها السلطة الفلسطينية بقيادة فتح. هذا الانقسام السياسى والإيديولوجى بين الفصائل الفلسطينية عمق من معاناة الشعب الفلسطيني، حيث تحولت القضية الفلسطينية إلى صراع داخلى على السلطة بدلًا من التركيز على تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت المصالحة الوطنية الفلسطينية بشكل كبير بسبب التدخلات الإقليمية التى كانت تستغل الصراع الفلسطيني-الفلسطينى لتحقيق أهداف إقليمية.
من ناحية أخرى، أدت الحروب التى شنّتها بعض الجماعات، مثل حزب الله وحركة حماس، إلى إشغال الشعب الفلسطينى فى حروب بالوكالة لم تحقق أى تقدم فعلى فى القضية الفلسطينية. على سبيل المثال، دعمت إيران وحزب الله حركة حماس فى صراعها مع إسرائيل فى عدة جولات من الحرب، مثل حرب ٢٠٠٨-٢٠٠٩ وحرب ٢٠١٤، حيث قدمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا لحماس. لكن هذه الحروب، على الرغم من تكلفتها البشرية والمادية الباهظة، لم تؤدِ إلى أى تحرك ملموس نحو تحرير الأراضى الفلسطينية أو تحقيق المصالحة الوطنية. بدلًا من ذلك، تركزت الجهود على المواجهات العسكرية التى دمرت البنية التحتية فى غزة وأدت إلى معاناة متزايدة للشعب الفلسطيني. وقد أدت الحروب إلى تضاعف الخسائر البشرية والدمار، مع عدم وجود أى أفق لتحقيق أى من الأهداف الفلسطينية الأساسية.
فى كثير من الأحيان، كان الشعب الفلسطينى يُستخدم كأداة فى الصراعات الإقليمية التى خاضتها هذه الجماعات. على سبيل المثال، كان حزب الله وحماس فى بعض الأحيان يخوضون معارك عسكرية ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضًا من أجل تأكيد قوتهم ونفوذهم فى المنطقة. فى لبنان، على سبيل المثال، استخدم حزب الله القضية الفلسطينية كجزء من حملته الدعائية للترويج لنفسه كحامى للمقاومة ضد إسرائيل، بينما كانت المصلحة الوطنية الفلسطينية تتضاءل فى ظل هذه الاستراتيجية. حزب الله استفاد من القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيته فى لبنان ودوره الإقليمي، لكنه فى نفس الوقت لم يحقق أى مكاسب حقيقية لصالح الفلسطينيين. فى المقابل، كانت حماس تُصر على أن مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلى هى الهدف الأول، لكن فى واقع الأمر كانت تُكرس وجودها العسكرى فى غزة على حساب المصالحة الوطنية الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، العديد من الجماعات فى غزة ولبنان وسوريا ركزت على أجنداتها الخاصة التى كانت تتعارض مع المصلحة العليا للشعب الفلسطيني. فى غزة، على سبيل المثال، فضلت حركة حماس الاحتفاظ بالسلطة على حساب توحيد الصف الفلسطينى وتحقيق المصالحة. كما أن هذه الجماعات لم تكن تركز على تعزيز العلاقات مع القوى الدولية التى يمكن أن تدعم القضية الفلسطينية على الساحة العالمية، بل كانت تسعى إلى توسيع دائرة تأثيرها الإقليمي. فى لبنان، استخدم حزب الله القضية الفلسطينية لتعزيز مكانته السياسية فى الداخل اللبنانى ولتبرير تدخلاته العسكرية فى الصراعات الإقليمية مثل الحرب السورية. فى سوريا، سعت الجماعات المسلحة، بما فى ذلك تلك المدعومة من إيران، إلى استخدام القضية الفلسطينية كجزء من خطابها لتبرير تواجدها فى الصراع السوري، دون أن يكون هناك أى تحرك فعلى نحو القضية الفلسطينية نفسها.
تجلى أيضًا تجاهل المصالح الوطنية الفلسطينية فى طريقة إدارة هذه الجماعات للصراع مع إسرائيل. بينما كان الفلسطينيون فى غزة يعانون من الحصار والدمار المستمر بسبب الحروب، كانت حركات مثل حماس وحزب الله تركز على تعزيز وجودها العسكرى والسياسي. هذا الاستغلال للقضية الفلسطينية من قبل هذه الجماعات جعل المعاناة الفلسطينية مستمرة دون أى تقدم حقيقى نحو إنهاء الاحتلال أو تحسين الوضع المعيشى للشعب الفلسطيني. بدلاً من السعى لتحقيق أهداف وطنية فلسطينية موحدة، كان الصراع الفلسطينى ينحرف نحو أهداف إقليمية ضيقة لا علاقة لها بالتحرر الوطنى الفلسطيني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي
الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي

موقع كتابات

timeمنذ 11 ساعات

  • موقع كتابات

الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي

الديانة الإبراهيمية…بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي. إعداد: جلال عبد الحميد الحسناوي . 1 – الاتجاه الأول: الإسلام في القرآن… دين واحد لا يتعدد 2 – الاتجاه الثاني: مشروع الديانة الإبراهيمية… من التسامح إلى التفكيك 3 – التجاه الثالث: زيارة البابا للنجف الاشرف… بين التقدير الديني والتأويل السياسي 4 – الاتجاه الرابع: الإعلام والدين الإبراهيمي… من الترويج الناعم إلى التطبيع العقدي الاتجاه الأول: الإسلام في القرآن… دين واحد لا يتعدد. تمهيد: حينما نرجع إلى النص القرآني في أصل الدين، نجد خطابًا إلهيًا حاسمًا لا يحتمل التأويل: هذه الآيات لا تتحدث عن 'دين محمد' (صلى الله عليه وآله) فحسب، بل تُعرّف 'الإسلام' كدين إلهي واحد ممتد عبر التاريخ، بدأ مع آدمالنبي (ع) واكتمل مع النبي الخاتم محمد (ص) واله الطاهرين ، وتخلله أنبياء عظام كلهم خاطبوا أقوامهم بالإسلام، وإن اختلفت شرائعهم وتفاصيل مناهجهم. 1 – الإسلام لغة واصطلاحًا في القرآن. • الإسلام لغويًا: الاستسلام والطاعة والخضوع الكامل لله دون شرك. • الإسلام قرآنيًا: العقيدة التوحيدية التي حملها جميع الأنبياء، منذ النبي آدم إلى خاتمهم النبي الرسول محمد عليهم افضل الصلاة واتم التسليم. وقد نص القرآن على أن كل نبي دعا قومه إلى الإسلام بمعناه الأصيل، ومن ذلك: • إبراهيم (ع): • يعقوب وأبناؤه: • يوسف (ع): 'تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ' يوسف: 101 • سليمان (ع): 'وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ' النمل: 31 2 – موسى وعيسى عليهما السلام في ضوء القرآن أولًا: موسى (عليه السلام) • قال تعالى عن موسى وهو يخاطب قومه: • هذا التصريح ينسف المزاعم التي تفصل بين 'اليهودية' و'الإسلام'، فاليهودية شريعة نزلت ضمن دين الإسلام التوحيدي، لا خارجه. • قال تعالى على لسان موسى وإخوته: 'رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ' البقرة: 128 ثانيًا: عيسى (عليه السلام) • قال تعالى: • وقال تعالى عن أتباع عيسى: • وبيّن صراحة أن عيسى لم يأتِ بدين منفصل، بل بشر بمن يختم الرسالة: الفيلسوف الشهيد السيد محمد باقر الصدر: 'الإسلام ليس لحظة تاريخية ظهرت في الجزيرة، بل هو استمرار رسالي متكامل، يرث كل الرسالات، ويُعبّر عن الحقيقة التي تجلت في كل الأنبياء.' المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر: 'كل الأنبياء كانوا مسلمين. والقرآن لا يقر بتعدد الأديان، بل بتعدد الشرائع ضمن دين واحد، هو الإسلام.' 4 – موقف علماء الفريقين. • ابن كثير (تفسير القرآن): فسر الإسلام في سياق الآيات بأنه دين جميع الأنبياء. • الفخر الرازي: أكد في تفسيره أن الإسلام يعني التوحيد والانقياد لله، وهو الأصل في كل الرسالات. • العلامة الطباطبائي (الميزان): قال إن الإسلام في القرآن اسم للدين الإلهي، لا لمرحلة منه. ظهر مصطلح 'الديانة الإبراهيمية' في العقد الأخير كدعوة ظاهرها السلام، وباطنها إعادة تشكيل البنية العقدية للشعوب تحت شعار 'الوحدة الروحية بين أتباع إبراهيم'. لكنّ القراءة الدقيقة لمسار المشروع ومؤسساته تكشف عن مسعى صهيوني ناعم لإعادة هندسة الوعي الديني وفق مصالح سياسية وثقافية عالمية، تتزعمها قوى دولية تسعى لتفكيك الخصوصيات العقدية للأديان، ودمجها في قالب واحد يخدم الهيمنة الغربية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني. 1.1 وثيقة 'الأخوة الإنسانية' (أبو ظبي، 2019) شملت دعوات عامة للتسامح، لكنها افتقدت لأي تحديد عقدي واضح، وهو ما مهد لاحقًا لتوسيع المفهوم نحو فكرة 'الديانة الإبراهيمية' بوصفها مرجعية جامعة بين الإسلام واليهودية والمسيحية. 1.2 مشروع 'بيت العائلة الإبراهيمية' (افتتاح 2023) في جزيرة السعديات – أبو ظبي. مجمّع يضم مسجدًا، وكنيسة، وكنيسًا يهوديًا في موقع واحد، ويُروج له باعتباره 'رمزًا لوحدة الأديان'. اتفاقات تطبيع بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع الكيان الصهيوني، تحت غطاء 'السلام الإبراهيمي'، في إشارة مباشرة إلى البعد الديني في الترويج للتطبيع. 2 – ما وراء التسمية: لماذا 'إبراهيم'؟ • إبراهيم (عليه السلام) في القرآن رمز للتوحيد الخالص والبراءة من الشرك: • أما المشروع الحديث فيقدّمه كمجرد شخصية ثقافية جامعة، بلا محتوى عقدي، ولا موقف من الظلم أو الانحراف، بل كـ'رمز سلام وتسامح عالمي'. • وهنا يُفرّغ إبراهيم من رسالته، ويُعاد إنتاجه بما يناسب الأجندة الجديدة. 3.1 التمهيد النظري من الفكر الصهيوني • الحركة الصهيونية منذ نشأتها تبنت فكرة 'العدو الديني' لخلق حاجز نفسي وعقدي ضد العرب والمسلمين، لكنها عادت اليوم لتروّج لفكرة 'الوحدة الإبراهيمية' بعد أن تحقق لها النفوذ السياسي والعسكري. 'الصهيونية ليست مجرد دعوة للعودة إلى أرض، بل هي مشروع لتأسيس نمط عالمي جديد من الإنسان المنفصل عن عقيدته، المتصالح مع السيطرة الإمبريالية.' • إعادة تشكيل الدين عنصر أساسي في هذا النمط، بما يحقق: • دمج الصهاينة كجزء من الأسرة الروحية. • تمييع العداوة العقدية مع المحتل. • نزع سلاح المقاومة والثقافة الإسلامية. 3.2 الأدوات المستخدمة: • الإعلام الموجه: عبر الأفلام، والبرامج، والكتب المدرسية. • المؤسسات الدينية الرسمية: التي تُجرّ إلى خطاب 'السلام'. • الفعاليات الثقافية: مؤتمرات حوار الأديان، منصات التفاهم، إلخ. 4. الشهيدين الصدرين: وتحليل البنية الغربية للمشروع المفكر الفيلسوف السيد محمد باقر الصدر قال: 'الدين عند الغرب يُعاد تركيبه بحسب الحاجة السياسية، ولهذا فإن ما يقدمونه من دعوات للتوحيد ليست إلا وسائل للسيطرة، لا بحثًا عن الحق.' (من كتاب الإسلام يقود الحياة) 'ما يُطرح اليوم من دعوات لتوحيد الأديان، ليست في حقيقتها إلا تنصلًا من جوهر الإسلام، وتحريفًا لطبيعة الصراع بين الحق والباطل.' (في بحث فقه الدولة الإسلامية) 5 – نقد علمي للفكرة: هل الدين قابل للتوحيد؟ • لا يمكن توحيد الأديان لأن: • العقائد الأساسية تختلف (التوحيد، النبوة، المعاد…). • الشريعة ليست اجتهادًا بشريًا بل وحيًا. • الإسلام جاء مهيمنًا وخاتمًا لا مندمجًا أو مكمّلًا. • قال تعالى: خلاصة الاتجاه: مشروع 'الديانة الإبراهيمية' هو أداة هندسة دينية ناعمة، تهدف إلى سحب البعد الجهادي والمقاوم من الإسلام، وإعادة تعريف الدين بوصفه ثقافة مشتركة لا عقيدة ربانية. الاتجاه الثالث: زيارة البابا للنجف الاشرف… بين التقدير الديني والتأويل السياسي في السادس من آذار 2021، قام البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، بزيارة إلى مدينة النجف الأشرف للقاء السيد السيستاني دام عزه ، المرجع الأعلى للطائفة الشيعية الإمامية. الحدث كان غير مسبوق، لا من حيث رمزيته، ولا من حيث توقيته، ولا من حيث ما تبعَه من تأويلات إعلامية وسياسية حاولت استثمار اللقاء ضمن سياق مشروع الديانة الإبراهيمية. ولئن كان اللقاء مغلقًا، ولم تُلتقط فيه صور، ولم يُصدر عنه بيان مشترك، إلا أن ذلك لم يمنع محاولات التوظيف المتكررة له كدليل ضمني على انخراط المرجعية في مسار 'التقارب الديني العالمي'. • جاءت الزيارة بعد عامين من توقيع ('وثيقة الأخوة الإنسانية' في أبو ظبي (2019. • بعد أشهر من إعلان ('اتفاقيات أبراهام' (2020. • وقبل افتتاح ('بيت العائلة الإبراهيمية' (2023. أي أن الزيارة وقعت ضمن تسلسل زمني يتم فيه دمج الدين داخل المسار السياسي للتطبيع، وإعادة صياغة علاقة الإسلام بالغرب واليهودية. 2 – موقف المرجعية: صمت محسوب لا مباركة ضمنية البيان الذي صدر عن مكتب السيد السيستاني بعد اللقاء لم يتطرق إلى المشروع الإبراهيمي، ولم يُلمّح إلى أي تبنٍّ لمسارات الوحدة الدينية، بل جاء بصيغة تؤكد على: • . • حق الشعوب في العيش بسلام. • رفض الظلم والاعتداء. • دعوة رجال الدين للوقوف بوجه قوى الطغيان. لم يُذكر 'التسامح بين الأديان' ولا 'الوحدة الروحية' ولا 'الأسرة الإبراهيمية' في البيان مطلقًا. وهذا يُعدّ موقفًا فاصلًا، حافظت فيه المرجعية على توازنها: • لم ترفض الزيارة، كي لا تُستغل ضدها دوليًا. • ولم تشارك بمخرجاتها الرمزية، حتى لا تُحسب على مسار لا تنتمي إليه عقديًا. ما يجعل الموقف أكثر حساسية هو أن البابا نفسه قد توفي ، مما قد يفتح الباب أمام: • إصدار وثائق لاحقة ينسب فيها تأييدٌ ضمني للمرجعية لهذا المشروع. • قيام منظمات أو جهات دينية أو إعلامية بتحريف نوايا الزيارة. • توظيف الزيارة في إنتاج سرديات دعائية تقول: 'حتى مرجعية النجف رحّبت بمشروع الأخوة الإبراهيمية'. غياب الصوت المؤسسي الإعلامي الفاعل في الحوزة يضاعف هذا الخطر، ويجعل المرجعية عرضة لاستخدام صورتها دون إذنها. 4 – ماذا أرادت المرجعية؟ وماذا أراد الآخرون؟ • المرجعية أرادت: اللقاء الإنساني والتعبير عن المظلومية الأخلاقية للشعوب. • البابا أراد: خطابًا رمزيًا يُسهم في مشروعه العالمي للتقارب الديني. وهنا يُفهم ويستنتج : 'الاستقبال كان خطأ، لكن عدم الاستقبال يكون خطأ أكبر'. إنها معادلة الصمت النشط: قول لا يُقال، لكن يُفهم. 5 – قراءة الشهيدين الصدرين للحدث وأمثاله. المفكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر: 'حين تكون الرمزية الدينية أداةً في يد الإعلام، فذلك مدخل لتشويه العقيدة. المرجعية ليست مؤسسة مجاملة، بل حارسٌ للخط الإلهي.' (من أوراق غير منشورة في فكر الدولة ) المرجع السيد الشهيد محمد الصدر: 'يجب أن تكون المرجعية فوق الإعلام، لكنها لا يجب أن تُترك للإعلام. بين الصمت والانفعال، هناك شيء اسمه البيان الواعي.' (ما وراء الفقه) زيارة البابا للنجف لم تكن تأييدًا، ولا كانت عُزوفًا. كانت حدثًا دقيقًا توازن فيه المرجعية بين الحاجة الإنسانية والوعي العقدي. لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن يُعاد تأويل الحدث خارج سياقه، فيُبنى عليه ما لم يقله أحد، ويُقوَّل المرجع ما لم ينطق به، ما لم تنهض منظومة إعلامية مرجعية واعية تسد هذه الفجوة. في عالم اليوم، لم يعد الدين يُتداول فقط في الحوزات، والكنائس، والمعاهد، بل صار أيضًا موضوعًا لصناعة الصورة، وميدانًا لتشكيل الرأي العام. وهنا يدخل مشروع 'الديانة الإبراهيمية' من أوسع أبوابه، لا كدعوة دينية، بل كـ'رواية إعلامية ضخمة' مدعومة من مؤسسات سياسية، ومنصات دولية، ومراكز تمويل ضخمة. ولأن الإعلام لا ينقل الحقيقة كما هي، بل يُعيد صناعتها، فإن أكبر خطر يواجه الأمة اليوم هو أن تُفرض عليها عقيدة جديدة بصيغة إعلامية مُجمّلة، تتسلل من باب 'التسامح'، لتصل إلى 'إعادة تعريف الإسلام'. • إبراهيم (ع) يُقدَّم في الإعلام الغربي والعربي المؤدلج لا كنبيٍ موحّد لله، بل كـ'رمز عالمي للتسامح'، منزوع الموقف من الشرك أو الطاغوت. • المرجعيات الدينية تُختزل في 'لقطات' وصور دعائية، لا في خطابها العقدي الفعلي. • تسويق المصطلحات: 'الأخوة الإبراهيمية'، 'بيت العائلة'، 'السلام الديني'، 'الأسرة الإبراهيمية'. • استخدام المؤثرين، وصنّاع المحتوى، وبرامج الأطفال، والدراما. 1.3 تمرير التطبيع عبر الفضاء الديني • من خلال إبراز رجال دين يقفون مع ممثلي الديانة اليهودية والصهيونية تحت شعار: 'كلنا أبناء إبراهيم'. • استثمار ذلك لإضعاف الممانعة العقائدية تجاه الاحتلال، وشرعنة الصمت عن الجرائم. 2 – الإعلام المرجعي الديني … الغائب الأكبر رغم عمق الحوزة، والازهر وقوة الموقف الفقهي، إلا أن المرجعيات الدينيةالكبرى في النجف الاشرف وايران ومصر وباقي المدن التي فيها الجامعات الدينية الكبرى لم تبنِ حتى الآن جهازًا إعلاميًا استراتيجيًا قادرًا على: • التحليل الاستباقي للأحداث. • تفنيد التأويلات الملفقة. • الرد على الحملات الممنهجة. • تصدير فكرها للعالم بلغاته وقوالبه العصرية. وهذا ما جعل زيارة البابا – رغم حكمتها – قابلة للاختطاف السردي من الإعلام العالمي، دون رواية موازية من داخل النجف الاشرف تفكك ذلك بلغة العصر. 'المعركة الفكرية ليست في المنابر فقط، بل في من يكتب القصة ومن يصوغ الخبر ومن يُنتج الصورة. إن الإعلام الرسالي هو من يسبق الطاغوت، لا من يرد عليه فقط.' 'من لا يملك إعلامه، سوف يُقال عنه ما لا يقول، ويُقوّل ما لم يُرد، ويُنسَب إليه ما ينفيه. على الحوزة أن تملك لسانًا عصريًا، لا لتمجيد نفسها، بل لحماية الإسلام.' 5 – الحل المقترح: بناء جهاز إعلامي مرجعي متكامل الخصائص المطلوبة: • يكون ناطقًا باسم المرجعية، لا تابعًا لها إداريًا. • يضم باحثين، فقهاء، إعلاميين، ومحللين استراتيجيين. • يتحدث بلغات متعددة. • يرصد ويرد ويؤسس رواية معرفية مستقلة. المهام: • حماية صورة المرجعية من الاختطاف. • إنتاج محتوى يُعبّر عن العقيدة بلغة العصر. • مواجهة السرديات الغربية حول الدين. المعركة اليوم لم تعد في المساجد فقط، بل في الشاشات، والمواقع، والعناوين. وإذا لم يصدر عن المرجعية خطاب إعلامي رسالي استباقي، فإن غيرها سيكتب عنها كما يشاء، ويُقوّلها ما لم تقل، ويستثمر صورتها فيما لا تمثّله. 'الحق لا يُوحِّده التلفيق، والباطل لا يُغسله التجميل' خلاصة البحث: على امتداد الاتجاهات ، تتبعنا خطى مشروع 'الديانة الإبراهيمية' من نشأته الحديثة إلى جذوره السياسية والفكرية، وانتهينا إلى ما يلي: 1 – الدين في القرآن واحد، لا يقبل التعدد ولا التلفيق، وقد نطقت به كل الرسالات السماوية منذ آدم حتى محمد (ص) واله الطاهرين ، تحت اسم الإسلام. 2 – الأنبياء جميعًا مسلمون، بما فيهم موسى وعيسى، وكلشرائعهم كانت مندرجة في إطار دين الله الواحد وهو الاسلام. 4 – المشروع يحمل بصمات الفكر الصهيوني العالمي، الذي يتقن استخدام الدين لإعادة تشكيل الواقع الثقافي والعقدي للأمم، ضمن هندسة فكرية جديدة. 5 – زيارة البابا للنجف كانت نقطة ارتكاز وظّفها الإعلام العالمي ضمن سردية الإبراهيمية، رغم أن المرجعية كانت على وعي بالمخاطر، وامتنعت عن إصدار أي بيان مشترك أو موقف يُفسر كتبرير عقائدي للمشروع. 6 – غياب جهاز إعلامي مرجعي متكامل. أولًا: على الصعيد العقدي • ضرورة التأكيد على وحدة الدين في الخطاب الإسلامي، ونقض أي دعوة تدّعي إمكان الجمع العقائدي بين الرسالات ككيانات متساوية. • نشر الأدلة القرآنية والروائية التي تبرهن أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء، لا دينًا جديدًا بدأ بمحمد (ص) واله. • يتولى شرح المواقف. • يفند التأويلات المغرضة. • يصدر بيانات توضيحية بلغة عالمية. ثالثًا: على صعيد الأمة والمثقفين • نشر الوعي بمشروع الديانة الإبراهيمية وبيان ارتباطه بالتطبيع، وتفكيك الخطاب الإعلامي الذي يُروّج له. • دعم الأصوات الفكرية والعقدية الحرة التي تحافظ على هوية الأمة دون الانجرار إلى 'وحدة زائفة' تُبنى على التنازل عن الثوابت. نبي الله إبراهيم ع ، لم يكن جامعًا بين الحق والباطل، بل كان نقطة الفصل بين التوحيد والشرك، و'الديانة الإبراهيمية' الحديثة ليست إلا .

كُردستان ضحية الخلاصات الضحلة ! فلا تستفزوها أكثر؟
كُردستان ضحية الخلاصات الضحلة ! فلا تستفزوها أكثر؟

موقع كتابات

timeمنذ 11 ساعات

  • موقع كتابات

كُردستان ضحية الخلاصات الضحلة ! فلا تستفزوها أكثر؟

إن الكتابة رسم بالكلمات وهي رحلة بين عالم الحقائق وخواطر الفكر بالخطوط والاشارات وجولة بين المفردات ومأزق الكلمات وهي ليست جمل عشوائية نطيّرها في السماء عبثاً. وقد تتحول دقة المعاني أحيانا الى غضب تطال أظافرنا وتمزق أعصابنا وما أجبن الكتابة إن لم تركب الغضبا ؟ حتى تخرج الحقائق من دائرة النفاق السياسي ومغارة التواريخ المزيفة آنذاك نقول بكل حرية للاخوة لأبعاض الساسة في بغداد ممن أوصلوا الامور مع كُردستان الى نفق مسدود معتم و نقطة اللارجوع بعدما أصابهم عمى الالوان في وحشة الدرب وهم يهاجموننا كل يوم بنوبات الهلوسة والتناقضات وتشويه الحقائق وهكذا إعتديتم على جميع الشرائع ؟ لكن هيهات ونحن على مستوى النزيف والاستشهاد نمارس حريتنا وطقوسنا لنقول مانشاء لمن نشاء وفي الوقت الذي نشاء؟ . فالدروب التي مشيناها لايمكن أن تسكت أبداً ؟ والشمس فتحت نوافذها من جديد وماأشبه الليلة بالبارحة . ومعلوم إن مقوّمات النهوض لكل الشعوب تستمد قوتها من خلال ثرواتهم المعنوية وعمقهم الحضاري تأريخياًوإرادتهم وعزمهم على بلوغ الاهداف بخطوات مدروسة متأنية فضلا عن ثرواتهم المادية ومدى ثباتهم أمام كلالتحديات والمؤامرات التي تحاك ضدهم داخليا وخارجيا فضلا عن ماهية تكوين فسيفساء التنوع المجتمعي والعرقي داخل بلدهم . وهذا التأويل والتفسير العقلاني إن صح التعبير لو أخذناه بمحمل الجد كعينة على وقائع الاحداث السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية باعتبارها محكاً عميقاً لقراءة ماجرى سابقاً كشرط للتعامل مع واقع المسألة الكُردية في العراق لتوصلنا الى الاعتقاد السائد بأن حجم الامتداد السياسي و التأريخي والثقافي بين حكومتي بغداد و اقليم كُردستان يعكس آثاراً ارتجاعية لكل حدث سياسي فكري أو متغير جيوسياسي في ساحة أيّ منهما على الآخر الأمر الذي يجعل من أية محاولة طارئة لاستيعاب مفردات ما ترتب من تطورات على المسار الثنائي لعلاقات بغداد وحكومة اقليم كُردستان باعتبارهما أحيانا ندّين ينتظرون بعضهم البعض في كل مالا ينتظر ؟ أو خصمين لدودين؟ يتراشقان بوابل التصريحات الناريةً في غضب الوعد والوعيد كخطوة ليس بالسهل فهمها . وغالباً ما يقع المتسرعون في تشخيص دوافع القضية ضحية التحليل السطحي و خلاصاته الضحلة الى درجة يتفق المهتمون بالملف الكُردي على ما تكتنف هذه المسألة والمشكلة المزمنة من اخطار جسيمة وما يحيط بها من تحديات من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية وعلى الصُعُد المحلية والإقليميةوالدولية بالذات. وعلى مدى اكثر من مئة عام مضت خاصة بعد اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916 ( اتفاقية الغدر والخيانة) ضد مستقبل الامة الكُردية . لذا فمن الطبيعي جداً أن ننعت هذا الاتفاق ونقول بأنه لا توجد مجموعة عرقية واحدة في منطقة الشرق الاوسط تبغض هذه الاتفاقية المشؤومة اكثر من الاكراد والتي بموجبها قسمت الامة الكُردية بين أربعة دول مارسوا ضدهم شتى أنواع الإضطهاد الثقافي والقومي والسياسي والاجتماعي والتغير الديموغرافي وحتى البنيوي ضد نفسية الانسان الكُردي لذا فاليوم فان كل كُردي يعتبر في قرارة نفسه صياغة الدول العظمى لهذه المعاهدة المشينة والمحمية بحماية القانون التعسفي !؟ السبب الأول والعامل الجوهري في تعليق حلم قيام دولة كردية مستقلة على أرض كُردستان وتعطيله إلى يومنا هذا. لكننا باقون في دفاتر الايام وفي خربشة الاقلام و لنا موعد حين يجيء المغيب . ونصر من الله وفتح قريب… واستناداً على المصادر والشهود التي تتحدث عن تاريخ الصراع العسكري المسلح بين بغداد والحركة التحررية الكُردية فان كُردستان ومنذ ما يزيد على سبعة عقود وحتى الوقت الراهن باتت مجالا للاستنزاف والتجاذبات كما حدث أخيراً عام 2017 في مدينة كركوك عندما لجأت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي وبخلاف قوانين و مواد الدستور العراقي بزج الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي في اتون المعارك والاصطدامات المسلحة ضد قوات البيشمركة المرابطة في اطراف كركوك في خضم قيام اقليم كُردستان بإجراء الاستفتاء على الاستقلال في وقت قدمت قوات البيشمركة في وقت سابق كل انواع الدعم العسكري واللوجستي والتسهيلات الممكنة للقوات العراقية لتحرير مدينة الموصل من الدواعش اضافة الى قيام البيشمركة بحماية مدينة كركوك من هجمات داعش اثناء انسحاب القوات العراقية منها عقب سقوط الموصل بيد الدواعش في عهد السيد نوري المالكي اضافة الى أن الدستور العراقي ينص حرفيا على أنه لايجوز بأي حالٍ من الاحوال ولأي سبب كان استخدام قطعات الجيش العراقي والقوات العراقية المسلحة في الصراعات الداخلية بين مكونات الشعب العراقي . ومن المضحك جداً أن عملية عسكرية مخالفة كلياً للدستور والقانون اطلق عليها اسم ( عملية فرض الامن و القانون في كركوك!! ) وهكذا هتكتم وطناً بعدما صادرتم الالوف من بيوتنا ونصبتم مأتماً في كل بيت وصفق الغادرون للمغامرة ؟لكن تذكروا دائماً وأبداً : مابيننا وبينكم لاينتهي بعام او بالف عام ؟ وطويلة هي معارك التحرير ونحن باقون على صدوركم وفي ذاكرة الشمس ؟ … والأكثر صحة اليوم أن نقول لبعض الجهات والاخوة ممن يحكمون عراق اليوم بعيداً عن القسطاس المستقيم؟ نقول لهم أن من يرفضون التجربة الكُردية في اقليم كُردستان يرفضون في الحقيقة كل تغيير ولايقبلون بواقع العراق الجديد بعد عام 2003..صحيح أن هذه القضية المزمنة في العراق لا يمكن إرجاعه فقط إلى عوامله المحلية 'الوطنية' بمعزل عن مناخه الدولي العام لكن لو تمعنا قليلاً في تاريخ العراق منذ العهد الملكي وكيفية قمعهم للثورات والانتفاضات الكُردية كحركة بارزان الاولى عام 1931-1932 وثورة بارزان الثانية عام 1943 التي قادها المرحوم مصطفى البارزاني اضافة الى ثورة الشيخ محمود الحفيد في مناطق السليمانية عام 1919-1931 وما أعقب ذلك من قمع هذه الحركات الثورية بمساعدة السلطات البريطانية المحتلة للعراق ومروراً بكل الانظمة السياسية التي حكمت العراق حتى سقوط النظام العراقي في نيسان 2003 وما أعقبت هذه الحقبة الفاصلة من أحداث اليمة يؤسف لها مابعد سنة 2003 والمتمثلة بتصرفات ابرز وجوه الحكم في العراق مابعد سقوط نظام صدام حسين واعتمادهم على نظام شمولي طائفي ورؤية شمولية ضيقة تعتمد الاقصاء والتهميش ضد المكونات الاساسية في العراق خاصة ضد اقليم كُردستان والعرب السنة وبقية المكونات الاخرى.. ولكي نضع النقاط على الحروف يجب القول بكل جرأة أن العرب السنة في العراق بعد عام 2003 مورس ضدهم كل اشكال البطش و القتل والترهيب والتهجير والاغتيالات حتى اظطر الغالبية منهم إما لمغادرة العراق او السكن في اقليم كُردستان والقلة القليلة الباقية الان في مناطقهم فهم وعوائلهم تحت رحمة وسيطرة أجندات الحشد الشعبي الموالي لايران أي بمعنى أن العرب السنة قد أزيحوا عن المشهد السياسي نهائياً بعد عام 2003 وأبعدوا غصباً من دائرة النفوذ السياسي والسلطة الفعلية في العراق و وجودهم الان فقط وجود شكلي وهامشي جداً ولم يبق الان في العراق غير اقليم كُردستان والحزب الديمقراطي الكُردستاني وبعض الشخصيات الوطنية في العراق في مواجهة سياسات وهيمنة الاحزاب الموالية للتوجه الايراني في العراق والوقوف أمامهم كحائط صدٍ ضد توجهاتم الطائفية الصرفة واستحواذهم بشكل مطلق على دوائر القرار السياسي في العراق . ويمثل الرئيس مسعود بارزاني السد المنيع والحصن الحصين ضد كل السياسات الهوجاء التي عصفت وتعصف بالعراق مابعد عام 2003 لذا فهو صمام الامان لاقليم كُردستان والعراق. ومقابل هذا حاولت بغداد جاهدة ومازالت تحاول بكل إمكاناتها السياسية وحتى العسكرية تحجيم حكومة اقليم كُردستان وحصر نفوذها وخلق المشاكل الاقتصادية لها خاصة في موضوع الميزانية ورواتب موظفي الاقليم وتقليل الدور السياسي والتمثيل الدبلوماسي لحكومة الاقليم داخل وخارج العراق وتصغير حجمها و طاقاتها بشتى الطرق والوسائل لهدف واحد وأمنية واحدة تتمناها بعض ساسة بغداد بعدما صارت غصةً في قلبهم وهي إلغاء اقليم كُردستان كلياً ككيان فدرالي في العراق!!؟ وهكذا يخلو لهم البلاد بطولها وعرضها وينجح المشروع الايراني في العراق ويقطع السيف لحم خاصرة كل وطنيّ غيور على أرضه وبلده ويا قبراً يسافر في الغمام !!.. وهنا من المفيد جداً أن نذكر بعض الاخوة في بغداد بحقيقة دامغة جداً قد يسخرون منها ! وهي أن نظام صدام حسين لو اتفق مع الجانب الكُردي وأقر بحقوقهم لما سقط هذا النظام !؟… لأن اكراد العراق يمتازون بثقلهم السياسي داخل العراق وعلى مستوى المنطقة برمتها بعكس الاحزاب الشيعية الداخلة في المحور الايراني . لذا رأينا صدام حسين كثيراً مايفاوض الاحزاب الكُردية ولم يتفاوض مع الاحزاب الشيعية ولو لمرة واحدة ؟!.. ( فاعتبروا ياأولي الالباب ) ؟… والسقوط في الهاوية مصير كل الانظمة العراقية السابقة التي قمعت الشعب الكُردي ولم تعترف بحقوقهم المشروعة والسبب هو أن الاكراد إضافة الى كونهم القومية الثانية في العراق و واحد من أكبر المجموعات العرقية في العالم التي لا تملك دولة خاصة بها فهم العامل الرئيسي والضمانة الحقيقة لاستقرار العراق إضافة الى امتلاك القيادات الكُردية شبكة واسعة جداً من الاتصالات والعلاقات الدولية الحصينة خاصة مع الدول العظمى وذلك نتيجة لتراكم خبرات الماضي فضلا عن اعتراف واشنطن وغالبية الدول الاوروبية ودول المنطقة بنجاح حكومة الاقليم في مسألة ترسيخ مباديء الديمقراطية وتوفير ومراعاة حقوق كافة الاديان والقوميات والمكونات الموجودة في كُردستان . لذا فليس غريبا عندما تتوجه قادة الاقليم في زيارات رسمية الى خارج العراق يكون مستوى الاستقبال الرسمي والدبلوماسي لهم رفيعاً جداً واكثر بكثير مقارنة باقرانهم في الحكومة العراقية؟!.. ومن عجب العجاب عندما نشاهدحكام العراق الحالي يروجون للعالم ويطبلون بشكل دائم بأن العراق الجديد يحافظ على كرامة الفرد العراقي بعض النظر عن انتمائه القومي والديني والمذهبي ويصون عزته وسيادته وكامل حقوقه الدستورية في حين لمسنا عكس ذلك من خلال تصرفات الكثيرين من صناع القرار في الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط النظام وهم يتحايلون على الذاكرة التاريخية وصولا الى الظرف الراهن في عهد رئيس الوزراء الحالي السيد محمد شياع السوداني بالشكل الذي يبدو ان صناع القرار في بغداد كانوا دائماً وعبر جميع الانظمة يتقنون فن العيش بين الالغاز السياسية ضد شعب كُردستان؟.( باستثناء طفيف في عهد الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف) فعلى الرغم من أن عبد الرحمن عارف لم يتمتع بخبرة واسعة في السياسة الدولية ولم تكن خلال فترة حكمه هنالك أي سياسة مميزة للدولة العراقية إلا بعض الإنجازات المحدودة لكن يمكن القول أن فترة حكمه كانت من أهدأ الفترات في تاريخ العراق. وأكثر ما عرف عن الراحل عبدالرحمن عارف سعة صدره ومرونته ومحاولاته في فسح المجال لمعارضيه بنوع من الديمقراطية فأسس مثلاً ما يعرف بالمجلس الرئاسي الاستشاري الذي ضم عدداً من رؤساء الوزارات السابقين في حين كان اليعض منهم يُعد من الخصوم… أم اليوم فقد برهنت التجارب التاريخية لنا أن بغداد لا تتفاوض بل تمارس دور المفاوضات بلهجة الصدق الكاذب و اخبرتنا أن السلطة الاتحادية مختصة بشنق الخطاب الكُردي على أسوار بغداد إن لزم الأمر ذلك!! ومن الغريب جداً أن الحليف دائماً كان عندهم لغزاً والخصم كذلك وهذه الحالة ليست وليدة اللحظة او المرحلة فهي متأصلة الى الحد الذي يصعب تحديد بداياتها وان طفت ملامحها على مفاصل تاريخية من فصول المؤامرة ضد الحركة الكُردية . واذا كانت هناك قواسم مشتركة بين المفاصل التاريخيية بحيث يصعب استبعاد وخروج اقليم كُردستان بـ ' خفي حنين 'من المعادلة السياسية ومن كل أزمة حدثت في الماضي وبما في ذلك الازمات الحالية والمشاكل العالقة التي ستبقى دائماً عالقة بين بغداد وأربيل ؟ لعدم إمتلاك سلطات بغداد النية والجرأة الحقيقية و الدافع الوطني الخالص بعيدا عن الاملاءات الخارجية وخاصة الايرانية في بلد منزوع السيادة وهو مجاز جرت العادة على استخدامه في خداع الذات للتنصل من تحمل مسؤولية الخطأ والتقليل من تداعيات كل الازمات الموجودة على الساحة العراقية حتى اكتشفت بغداد لكن بعد فوات الاوان أن منطق 'الفهلوي' في التعامل مع سلطات كردستان لم يكن مجديا لخياراتهم المعلقة والبحث عن الانتصارات السهلة جعلت من الابرياء رمادا لنياتهم كما حدث على مدى كل الحوادث التاريخية الاليمة بين ابناء الشعب الواحد داخل الوطن الواحد وبكل أسف؟ وأخيراً نخاطب الاخوة الاحباب الاعزاء القدماء ؟ في بغداد الحبيبة ونقول لهم : من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لاتكلف شيئاً ؟ غداً سوف يظطر مرغماً الى شراء الاسف بأغلى الاثمان ؟؟ بغداد عاصمتنا خدمناها وعشقناها وكتبنا الشعر فيها ورجعنا البسمة الى تاريخها وازقتها والحبر والطبشور والصور الى جدرانها خاصة بعد سقوط النظام في 2003 وها هي اليوم تفتك بلقمتنا وأرزاقنا و تذبحنا من الوريد الى الوريد وتجلدنا بالدقائق والثواني والتفاصيل الصغيرة! وهي تجهل انها قتلت أحبابها وناسها وأغمرت خصومها ؟ بامطار الحنان كعادتها !! وسوف تظل أجيال من الاطفال تسألكم : لماذا تورطم في تجويعنا ؟ فلاتستفزوا كُردستان أكثر ؟ فللحالاتِ ضِيقٌ وَ اِتِّسَاعٌ وَ لِلدُّنيا اِنغِلاقٌ وَ اِنفِتاحُ وإن غداً لناظره لقريب والله المستعان . آريان ابراهيم شوكت

أوربا والعرب وإسرائيل
أوربا والعرب وإسرائيل

الزمان

timeمنذ 12 ساعات

  • الزمان

أوربا والعرب وإسرائيل

أوربا والعرب وإسرائيل – جاسم مراد الوضع العربي الرسمي يعيش مفارقة ، أسست لفردانيتها في التاريخ ، ففي الوقت الذي تنهض فيه أوروبا أو بعض من الدول الأوروبية لمعاقبة إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد أطفال ونساء غزة ، يسكت العرب حتى عن تجميد الاتفاقيات مع هذا الكيان بسبب جرائمه ضد الشعب الفلسطيني ، وفي الوقت ذاته تعلن بريطانيا عن تجميد بيع الأسلحة لإسرائيل واستدعاء سفيرة هذا الكيان لدى بريطانيا ابلاغها ادانة بريطانيا للحرب في قطاع غزة والضفة الغربية ، تشعر الدول العربية وجامعتها بالتيه والحيرة بما تريد ان تفعله . أوروبا بدأت بإدانة إسرائيل والعمل على فرض عقوبات على بعض الوزراء الإسرائيليين العنصريين الداعين لتدمير غزة وقتل وتهجير شعبها ، والعرب ارسلوا لقمة بغداد ادنى المشاركات لكي لا تتخذ مواقفً قيادية رسمية عربية ضد إسرائيل ومن يدعمها في حربها الجنونية على شعب غزة ، شعوب أوروبا واحزابها ومنظماتها ، تثأر لغزة ، والشعوب والأحزاب والمنظمات والمشايخ والشخصيات والكيانات الإسلامية والأحزاب العربية تلوي اعناقها وتستعجل الذهاب الى النوم لكي لا تسمع صراخ أطفال غزة وبكاء الأمهات ، أي أمة نحن صحيح انها احسن أمة ..؟ ، أم إن هذه الامة بكل مؤسساتها تم تدجينها وسلخ جلدها بحيث لا تقوى حتى لكلمة حق في زمن الباطل . في هذا الزمن العربي الرديء ، الذي بات فيه الأطفال العرب والنساء الثكالى يلوون رقابهم بغية الحصول على كسرة خبز وحفنة ماء من الاوربيين شعوبا ودول ، في حين نسوا أو بالأحرى اجبروا على النسيان إن في هذه الأرض التي تسمى لغة الضاد ترليونات من الأموال ولم يحصلوا منها ليس الخبز والماء وإنما على موقف جمعي شجاع ، يقول لإسرائيل كل اتفاقياتنا وعلاقاتنا وتواصلنا مجمد ،( لا نقول ملغية) بل مجمدة حتى توقف حرب الإبادة ويصل الماء والغذاء والدواء لشعب غزة . نحن الان في مرحلة مفصلية ، ومن يتصور بأنه بمأمن بما يجري في غزة ، فهو واهم ، إذ كان ذلك من غضب الله ، أو من عسكري شجاع ، أو من شعب طفح كيله ولم يعد امامة سوى النهوض والخروج الى الشوارع لرسم خارطة جديدة لأمة نهشت جسمها الضباع قبل الذئاب . اين رجال الامة راحوا وأين رجال الدين من نساء تغتصب وأطفال تقطع وشيوخ وقت فجر الصلاة يذبحون، دعوني احلفكم ب لله لو تحدثنا بكلمة لخطاب غير متوازن لرجل دين ، الا ينتشر المسلحون وتصرخ المآذن ويحكي انصاف السياسة والحكم ، اقتلوه أنه زنديق ، فلماذا إذن تخرس الافواه ويلوي خطباء المساجد السنتهم ، حتى لا يدعون الى موقف ينتصر للمذبوحين من المسلمين في غزة . شكراً لبريطانيا بوقف بيع الأسلحة لإسرائيل ، والعمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، لكن على بريطانيا اكثر من غيرها من الدول الأوروبية فهي التي جاءت بإسرائيل الى فلسطين وهي التي أرغمتهم للخروج من البلاد العربية والذهاب الى فلسطين ، فعليها إذن ان تتخذ خطوات اكثر فعالية على مستوى بريطانيا ذاتها وفي المجال الأوربي لمقاطعة إسرائيل وادانتها ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم . الفلسطينيون لا يريدون رثائهم ولا هم يقبلون بالبكاء عليهم ، كما لا يريدون المواقف الذليلة من العرب وجامعتهم ، فهم ابطال بواسل ، وإنما كل ما يريدونه ، أن يكون الموقف العربي بمستوى موقف الطفل الغزاوي ، الذي يقول نحن ابطال غزة رغم الجراح والموت لانهزم . أوروبا التي تتغني بالإنسانية وحقوق الانسان والطفل ، هي امام امتحان حقيقي لما يجري في غزة ، والعرب الذي يصلّون ويزعمون أنهم على طريق النبي ماشين ، عليهم ان يثبتوا انتمائهم لهذه الامة ومركز اشعاعها النبي محمد .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store