logo
حديث الصيف: مالك بن نبي و«البديل الحضاري»

حديث الصيف: مالك بن نبي و«البديل الحضاري»

العربيةمنذ 4 أيام
المفكر الجزائري مالك بن نبي خرج في زمنٍ لم يكن لآرائه كبير تأثيرٍ، ولم تحظ أفكاره بمزيد عنايةٍ لدى جماعات الإسلام السياسي التي كان ينظّر لها، ولكنه لاحقاً مثل لهذه الجماعات مخرجاً من مآزقها في حالة الفشل، فحين فشل «التكفير» العنيف و«الصدام» المسلح تمّ تبني أفكاره كـ«بديل حضاري» لدى جماعات الإسلام السياسي.
العودة للماضي القريب لا تعني بحالٍ من الأحوال التخلي عن الواقع أو المستقبل، بل على العكس فهي خير معينٍ على الفهم الذي قد يختصر الكثير من الجهد والمال والسياسات؛ ذلك أنَّ الوعي هو أعظم كنوز صانع القرار، وهو الذي يقود المعلومات والأرقام والإحصائيات؛ لأنَّ فقدان الوعي يعني فقدان بوصلة التاريخ.
لا يجادل عاقلٌ في أهمية فكرة وحركات «الإسلام السياسي» في القرن الأخير من الزمن، ولا يجادل باحثٌ في امتداداتها الزمانية والمكانية، إن على مدى التراث الإسلامي القديم زمانياً وإن على مدى جغرافيا دول العالم الإسلامي مكانياً والعالم بأسره، وإن على مستوى من المستفيد من الفكرة، ومن داعمها الأول، ومن رموزها المؤسسون، ثم ما مفاهيمها المؤسسة، وكيف تطور كل ذلك.
يعلم المتخصصون نتفاً من الإجابة عن هذه الأسئلة، وهي ما زالت بحاجة لمزيدٍ من البحث والتوثيق والبرهنة، وهذا شأنٌ طبيعيٌّ في العلم، بحيث تحتاج الظواهر الكبيرة والاستثنائية والمؤثرة لكثيرٍ من الدرس والبحث والتعمق، وفي تراثنا الإسلامي دلائل كثيرةٌ عند النظر في مسميات الفرق والطوائف والمذاهب، دينياً وعقائدياً وفقهياً وسلوكياً، وظاهرة «الإسلام السياسي» المعاصرة فرعٌ عن ذلك من هذا الجانب.
يرغب الكثيرون في اختصار هذه الظاهرة في مسمياتٍ مشهورةٍ ورموزٍ معروفةٍ مثل حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر أو أبو الأعلى المودودي صانع المفاهيم المتطرفة تأثراً بالمدارس الفكرية الغربية أو سيد قطب الأكثر تأثيراً في «صناعة الإرهاب» المعاصر فكراً ومفاهيم وتنظيماتٍ، ويغفل الكثيرون عن رموزٍ وشخصياتٍ لا تقل أثراً عن هؤلاء وإن كانت أقل حدةً وأكثر نعومةً.
سنياً وشيعياً، كانت هناك على الدوام جهاتٌ وأسماء ورموزٌ وخطاباتٌ داعمةٌ للإسلام السياسي، إما لكونها برسم الاستغلال كالمؤسسات الدينية التقليدية، في كثيرٍ من البلدان العربية والإسلامية، مثل الأزهر وغيره، وإما لكونها برسم الاختراق بحيث تحيط بها عناصر «الجماعة» المدربة وتخدمها وتعمل في مكاتبها، سواء أكانت سياسيةً أم دينيةً، وتؤثر على مواقفها وقراراتها وفتاواها.
خطاب «الإسلام السياسي» آيديولوجيا وجماعاتٍ ورموزاً يقوم على استخدام «التناقض» بمعنى أنه يضع دائماً مخارج فكرية أو حركية أو سياسية للتقلب بين الخيارات المطروحة، وقد نظّر العديد من رموزهم لهذه التناقضات ما دامت تخدم الهدف السياسي الأعلى وغاية الاستيلاء على «السلطة».
فكرة «البديل الحضاري» هي فكرة معناها أنه يجب أن يكون لديك دائماً بديلٌ آخر، وفكرةٌ أخرى، ورمزٌ آخر، بحيث إذا فشل أي مشروعٍ أو رمزٍ تكون مستعداً لتقديم بديلٍ له وإن بدا مناقضاً أو مضاداً له، وكذلك في الأفكار والمفاهيم والرموز؛ ذلك أن هذه الجماعات هي جماعاتٌ سياسيةٌ في الأصل، تستخدم الدين لتحقيق أهدافها، ولا مانع لديها من تبني المتناقضات.
كتب صلاح الصاوي مرةً في كتابه «الثوابت والمتغيرات» ينظّر لتبني المتناقضات من قبل هذه الجماعات فيقول: «ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عملياً إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد».
وقد حرصت الجماعة قديماً على وضع مسافةٍ بينها وبين سيد قطب، فكتب المرشد الثاني حسن الهضيبي في كتابه «دعاةٌ لا قضاة» ليتبرأ من أفكار سيد قطب الحادة والمتطرفة، ولكنه ناقض ذلك كليةً عندما قال لزينب الغزالي حين سألته: «على بركة الله إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد... إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة».
والباحث المجدّ يعلم جيداً حجم التأثير المتبادل بين نسختي الإسلام السياسي سنياً وشيعياً، وجماعات الإسلام السياسي السني تتبع هنا «مبدأ التقية» الشيعي كما استفاد الإسلام السياسي الشيعي من الإسلام السياسي السنيّ مبدأ «تسنين التشيع» الذي أوضحه بجلاء المفكر المغربي المعروف عبد الله العروي في كتابه الجميل «السنة والإصلاح».
أخيراً، فعلى المستوى العام تبنت هذه الجماعات طرحاً حضارياً مختلفاً سنياً وشيعياً، سنياً لدى الكاتب الجزائري مالك بن نبي، وشيعياً لدى الكاتب الإيراني «علي شريعتي» وكلاهما خسرا تأثيرهما لصالح المتطرفين من الجانبين.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أول فيديو لمروان البرغوثي بعد سنوات.. ملامح وجهه تغيرت
أول فيديو لمروان البرغوثي بعد سنوات.. ملامح وجهه تغيرت

العربية

timeمنذ 3 ساعات

  • العربية

أول فيديو لمروان البرغوثي بعد سنوات.. ملامح وجهه تغيرت

في مشهد وصفته السلطة الفلسطينية بالاستفزازي، ظهر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، داخل الزّنزانة الانفراديّة للقيادي البارز في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي في سجن غانوت وفيما بدا البرغوثي في أول ظهور له بعد سنوات طويلة من السجن هزيلاً، راح بن غفير يتحدث متوعدا ومهددا. وقال في الفيديو الذي تشرته قنوات إسرائيلية مساء أمس الخميس:"لن تنتصروا... من يستهدف شعب إسرائيل، ومن يقتل أبناءنا ونساءنا سنمحوه". "لن تنتصروا علينا".. وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير يقتحم زنزانة الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي ويهدده #إسرائيل #الحدث — ا لـحـدث (@AlHadath) August 14, 2025 في المقابل دانت وزارة الخارجية الفلسطينية اقتحام بن غفير زنزانة البرغوثي وتهديده معتبرة أنه عمل "استفزازي غير مسبوق وإرهاب دولة منظم". ووصف حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، تهديد بن غفير بأنه "قمة الإرهاب النفسي والمعنوي والجسدي". وقال في منشور عبر حسابه على منصة "إكس" إن "تهديد بن غفير للقائد مروان البرغوثي في سجنه قمة الإرهاب النفسي والمعنوي والجسدي الذي يمارَس ضد الأسرى، وضرب للمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية". كما اعتبر أن هذا التصرف يشكل "انفلاتاً غير مسبوق في سياسة الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين، ما يتطلب التدخل الفوري من المنظمات والمؤسسات الدولية لحمايتهم". "ملامح وجهه تغيّرت" بدوره، أعرب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية رائد أبو الحمص، عن القلق على حياة القيادي في حركة فتح من جهتها، أكدت عائلة البرغوثي أن ملامح وجهه تغيّرت، متّهمةً بن غفير بالتهديد المباشر بإعدامه. يذكر أن البرغوثي يعتبر من عمداء الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. إذ اعتقل منذ عام 2002، وحكم عليه بخمسة أحكام بالسّجن المؤبّد. وكانت حركة "حماس" طالبت بإطلاق سراحها ضمن مراحل التفاوض السابقة حول صفقة تبادل الأسرى، قبل عدة أشهر.

ترامب يؤيد دخول الصحافيين إلى قطاع غزة.. "أود رؤية ذلك"
ترامب يؤيد دخول الصحافيين إلى قطاع غزة.. "أود رؤية ذلك"

العربية

timeمنذ 4 ساعات

  • العربية

ترامب يؤيد دخول الصحافيين إلى قطاع غزة.. "أود رؤية ذلك"

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس عن تأييده لسماح إسرائيل للصحفيين بدخول قطاع غزة. وردا على سؤال عما إذا كان سيضغط على إسرائيل للسماح للصحفيين بالذهاب إلى غزة للتقرير عن جهود واشنطن الإنسانية في الأراضي التي دمرتها الحرب، قال الرئيس الأميركي: "أود أن أرى ذلك يحدث. سأكون سعيدا جدا بذهاب الصحفيين إلى الداخل". وتابع ترامب: "إنه وضع خطير للغاية، كما تعلمون، إذا كنت صحفيا، لكنني أود أن أرى ذلك". وفي الأسبوع الماضي، أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه أمر الجيش بالسماح لمزيد من الصحفيين الأجانب بالدخول إلى قطاع غزة، وقال للصحفيين في القدس إن وسائل الإعلام بحاجة إلى رؤية جهود إسرائيل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. ومُنع الصحفيون الأجانب من دخول قطاع غزة منذ بداية الحرب إلا إذا كانوا "مُرافقين" للجيش الإسرائيلي. أما الصحفيون المحليون، فقد اقتصر عملهم على تغطية أحداث ميدانية، حيث لم يتمكنوا من التغطية سوى في مناطق محددة. وتعتمد وسائل الإعلام الدولية على صحافيين محليين من غزة لتغطية الحرب التي تشنها إسرائيل منذ 22 شهراً. ووفقا للجنة حماية الصحفيين، قتل ما لا يقل عن 230 صحفيا وعاملا في مجال الإعلام في غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية. وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت حركة حماس الفلسطينية هجوما واسع النطاق على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص وأخذ أكثر من 250 رهينة إلى غزة. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 61 ألف فلسطيني في القطاع، وفقا لوزارة الصحة في غزة. وتعتبر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة هذه الأرقام موثوقة إلى حد كبير. وتقول الوزارة إن أكثر من 1850 شخصا قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات خلال الحرب.

فصل في مواجهة "محور" معطوب
فصل في مواجهة "محور" معطوب

العربية

timeمنذ 5 ساعات

  • العربية

فصل في مواجهة "محور" معطوب

ليس في لبنان شيء قليل الصعوبة إذا كان في الاتجاه الصحيح بعد عقود من استسهال "التفشيخ" فوق الدستور والقوانين والسلطات. لا الانتقال من الأوضاع الشاذة إلى وضع طبيعي حتى في ظروف صارت ملائمة له. ولا التخلص من سطوة المصرّين على اللادولة الخائفين من بناء مشروع الدولة على حساب مصالحهم ولمصلحة الوطن والمواطنين. ولا الخروج بالحد المعقول من الأضرار من حرب الإصلاح والسلاح. فكيف إذا كانت حصرية السلاح في يد الدولة قرارًا مفصليًا في معركة الانتهاء من أسلحة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية التي تحكمت بالوطن الصغير منذ الستينات في القرن الماضي، وبدء النهاية لحرب لبنان الطويلة بعد سنوات من اتفاق الطائف؟ وكيف إذا كان لبنان ينهي ما بدأته إيران على أرضه منذ الثمانينات بسحب السلاح من "حزب الله" وسط عجزه عن "الردع" والفشل في الحماية ومواجهة سياسة "الحسم" لدى العدو الإسرائيلي؟ معروف أن الحرس الثوري بدأ التدريب والتسليح في بعلبك خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم تصاعد الاستثمار العسكري والأمني والسياسي، بحيث صار "حزب الله" قوة إقليمية في "محور المقاومة" بقيادة الحرس. لكن الاجتياح كان "الفرصة" لتأسيس "الحزب" وليس "السبب" الأكبر للتأسيس، وهو "تصدير الثورة" الذي ناطه الدستور الإيراني بالحرس الثوري وكان إنشاء الأذرع في العراق وسوريا ولبنان واليمن جزءًا من المهمة. ومن السهل على قائد "فيلق القدس" الجنرال إسماعيل قاآني القول "إن محور المقاومة بقيادة إيران سيستمر في العمل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين حتى ظهور الإمام الغائب وتشكيل حكومته". غير أن اللعبة انتهت عمليًا، وإن كان من الصعب الاعتراف بذلك أو التسليم به. اللعبة انتهت في سوريا تمامًا، بصرف النظر عن اللعبة الأخرى. وهي على طريق النهاية في لبنان والعراق وفلسطين، وبالطبع في المركز الإيراني. ولا يبدل في الأمر رفض "حزب الله" تسليم سلاحه، لأن كلفة الرفض عليه وعلى لبنان واللبنانيين أكبر من كلفة التخلي عن السلاح الذي خسر الدور وصارت الوظيفة حمّالة أوجه. والسؤال هو: هل ما يؤذي لبنان هو حصرية السلاح في يد الدولة أم بقاء السلاح في المستودعات السرية المكشوفة للعدو وترك التأكيد على نهاية اللعبة للعصا الأميركية والمطرقة الإسرائيلية؟ وأي دور بقي تفعيله ممكنًا عبر "التكيف الشرعي" ما دامت الشرعية اللبنانية الرسمية والأكثرية الشعبية أنهت "التفويض السياسي" لأي طرف وحصرت، لا فقط السلاح وقرار الحرب والسلم في يدها بل أيضً المسؤولية عن مواجهة الأخطار والتحديات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية؟ لا فائدة من الإنكار. "محور المقاومة" بقيادة إيران معطوب. والمكابرة إلى حد الاندفاع من جديد في خطأ استراتيجي مثل "حرب الإسناد" تعني الإصرار على سياسات انتحارية. لبنان لا يستطيع إلا أن يكون في محور العرب والغرب، ولا يريد أن يكون في المحور الإيراني المعادي لأميركا والغرب ومعظم العرب. وهو يعمل لاستعادة السيادة من كل القوى التي تخرقها بما في ذلك السلاح المرتبط بقرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحريصة على أن يكون أكثر من ورقة في التفاوض على صفقة مع الرئيس دونالد ترامب تحت يافطة "الموت لأميركا". والتحديات كبيرة في بناء مشروع الدولة بعد سنوات من هيمنة الدويلة. لكن مصاعب المرحلة الانتقالية لم تعد في مواجهة مشاكل في دائرة الأزمات واللااستقرار والحروب واللاحكم وإنما مواجهة مشاكل على الطريق إلى الحل وبناء الدولة. و"الخطأ الجسيم يوازي سوء النية"حسب قاعدة قانونية فرنسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store