logo
محاولات لفك شيفرة التصعيد المتواتر ضد أقليات سوريا

محاولات لفك شيفرة التصعيد المتواتر ضد أقليات سوريا

Independent عربية٠١-٠٣-٢٠٢٥

شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيداً غير مسبوق في مواجهة الأقليات السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتمثل هذا التصعيد في عمليات انتهاكات واسعة من قتل واعتقال تعسفي واعتداء على المواطنين في مناطق محددة رافقها غضب شعبي وحال من الغليان لعدم تمكن السلطة الجديدة من تدارك تلك المواقف بالسرعة المطلوبة على أرض الواقع.
قد لا تتحمل القيادة الجديدة المسؤولية كاملة عن مجريات الانتهاكات التي حصلت وطاولت أكثر من مكون في أكثر من حدثٍ بعضها كان دموياً وآخر يحمل انتهاكات وتعديات، ولكن لا شك أنه يؤخذ عليها بطء التصرف في أحيان، والتغاضي في أحيان أخرى، والتعامل بعين واحدة في مواقف عدة.
والأهم هو عدم قدرتها على ضبط حال من الأمن الجماعي الشامل في المناطق التي تبسط سيطرتها عليها، والتي تعاني استفزازات بالجملة تتطور يوماً بعد آخر كما أوضحت الأيام الماضية.
وفي أحيان أخرى تكون نفسها شريكة في الأمر الحاصل وإن لم يكن بصورة مباشرة بل عبر ما يمكن تسميته عناصر متفلتة تستسهل استخدام السلاح وقتل المدنيين ولو كان الأمر ناجماً عن تلاسن في الكلام لا يرقى ليكون الطرفان فيه مسلحين، فيغدو أحدهما قتيلاً والآخر قاتلاً.
حادثة المهاجرين
قبل أيام دخلت سيارة مجهولة الهوية يركبها مسلحون ملثمون حي المهاجرين شرق مدينة حمص محاولين الاعتداء على الناس وسرقة المحال التجارية وسط حال من الفوضى التي عمت الحي، فيما بادر السكان بالاتصال بالأمن العام في المدينة ليرسل بدوره دوريات معززة إلى المنطقة للوقوف على حال الشكوى التي أرعبت الناس، ومع وصول الأمن العام احتمى الملثمون ببناء مكون من أربعة طوابق فما كان من الأمن العام إلا تطويقه وإجراء حملة دهم شاملة داخله وفي جواره، معتقلاً زهاء 20 شاباً لجهلهم الهدف المطلوب.
تلك الحملة التي جاءت قرابة منتصف الليل أثارت حالاً من الرعب والخوف والقلق لدى الأهالي لما رافقها من إطلاق نار كثيف في الجو وقرع أبواب بطريقة مخيفة واعتقال شبان من الحي، ليطلق السكان مناشدات بالجملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي معبرين فيها عن ذعرهم وجهلهم بما يجري، كما قال هائل الحمد أحد سكان الحي في حديث إلى "اندبندنت عربية".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد قرابة ساعة إلى ساعتين أعاد الأمن العام الشباب المعتقلين سابقاً إلى منازلهم معتذراً للأهالي عن سوء التفاهم بحضور وجهاء من المنطقة وقيادات محلية، مبيناً أن الحدث كان يسترعي التصرف بهذه الطريقة بحثاً عن المجرمين الذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن، إذ لم تعلن وزارة الداخلية عن توقيفهم في تلك الليلة العظيمة التي عاشها الحي.
ويوضح ذلك تعسفاً في الإجراءات ونقص خبرات في التعامل مع الملفات الأمنية حتى البسيطة منها، على رغم استمرار تخريج وزارة الداخلية دفعات من الجنود في أزمنة قياسية يشك من خلالها في مدى كفاءتهم وعلو كعبهم في العمل الأمني قياساً بالمدة التي خضعوا فيها للدورة.
في اليوم التالي قرر الأمن العام تكثيف نشر جنوده في حي المهاجرين من دون الإعلان عن السبب، وهو حي كان يتسم بصفة الولاء المطلق للحكم السابق قبل سقوطه، ويقول أحد السكان هناك "جميعنا مشكوك بنا حتى يثبت العكس، ولا ندري كيف نثبت العكس ونحن أساساً شركاء في إسقاط النظام الذي جوعنا وأهاننا وحسبنا عليه زوراً وبهتاناً؟".
القرداحة
في اليوم ذاته شهدت مدينة القرداحة في ريف اللاذقية وهي مسقط رأس الأسد يوماً دموياً إثر محاولة عناصر مستجدين من الأمن العام السيطرة على منزل أحد الساكنين بقوة السلاح، وإثر تلاسن كلامي بين الطرفين أسفر عن إطلاق نار أسفر عن مقتل صاحب المنزل وشخص آخر، لينسحب عناصر الأمن الذين كانوا قلة نحو مخفر المدينة الذي يسيطرون عليه.
وأكدت مصادر مستقلة أن تلك العناصر لم يكن لديهم أوامر بتملك المنزل وتحويله لنقطة عسكرية لهم، وعلى أثر الحادثة تجمهر أهل المدينة مطوقين المخفر ومهاجمين إياه مع الإقدام على تحطيم سيارات الأمن العام الموجودة في محيطه، وسط هتافات طائفية مما تفاعل سريعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تتسيد منذ غياب القنوات الرسمية الموثوقة مصدر الخبر، متهمة المحتجين بأنهم فلول نظام يطلقون شعارات طائفية تنال من طائفة أخرى بعينها، وهو ما لم يتضح بأي من الفيديوهات المتداولة.
أبناء الجنوب السوري خلال احتجاجات داعمة لوحدة البلاد (أ ف ب)
عناصر المخفر المحاطون بالمتظاهرين تواصلوا سريعاً مع الأمن العام في اللاذقية وجبلة اللذين أرسلا قوات عسكرية مدججة بالسلاح والعدد ليتمكنوا من فك الحصار عن المخفر عبر إطلاق مكثف للنيران في سماء المنطقة، لتنتهي الليلة باجتماع بين وجهاء المنطقة وقيادة العمليات هناك والاتفاق على الصلح وتقليل عدد الحواجز في المنطقة.
عين شمس
في الأثناء كانت تتهيب قوة كبيرة من الأمن العام لاقتحام قرية عين شمس في ريف حماة وسط سوريا بحثاً عن فلول النظام، ضمن حملة عسكرية كبيرة أفضت إلى مقتل واعتقال نحو 68 شخصاً بينهم مختار القرية وفرانها الذي يبلغ من العمر 80 سنة وشبان دون الـ18 سنة، وأيضاً وسط أجواء محتدمة من إطلاق النار العشوائي.
هذه المرة استعانت القوات المهاجمة بإحدى الفضائيات لتغطية عملية دخولها إلى القرية، لكن أياً من الفيديوهات التي بُثت لم تثبت عمليات تبادل إطلاق نار بين طرفين، على ما يؤكده سكان القرية الذين تحدثت "اندبندنت عربية" إلى بعض منهم.
وكان من بين أولئك الأشخاص الموظف الحكومي مصعب حمود الذي تحدث عن الجنازة التي خرجت لتشيع الضحايا الذين وصفهم بالمدنيين العزل، مشبهاً الجنازة بتظاهرة كبيرة.
واستنكر في آن الانتقائية في عمليات الاقتحام، إذ إن قريته لا يوجد بها ضباط على حد تأكيده، وبأنها لم تعط مهلة للتفتيش، كما يجري في مناطق أخرى كدمشق مثلاً التي ينذر سكان بعض مناطقها قبل فترات طويلة بأن حملة أمنية ستقام في مناطقهم.
لا تزال قدرة قوات الأمن في سوريا محدودة في تعاملها مع المستجدات (أ ف ب)
وبحسب مصعب فإن "ما حدث هز سوريا بأكملها، مشهد الجنازة المهيب، المآقي التي لم يجف دمعها، معتقلونا الذين لا ندري مصيرهم، قتلانا الذين لا نعرف بأي ذنب قتلوا، والأهم أننا نعتبر واحدة من أفقر القرى السورية وأكثرها حاجة، وأنا متأكد أن القيادة في دمشق لا تعلم تفاصيل ما حصل ولا حيثياته، وحتى اليوم لا نعرف من يتخذ مثل هذه القرارات، ولا نعرف في مصلحة من تصب كل هذه الأعمال المتزامنة، إذ لم نكد نرتكن لساعات حتى جاءت أخبار مقلقة من مدينة مصياف المجاورة".
في حين أبرزت صور تناقلتها معرفات إلكترونية تابعة لوزارة الداخلية مصادرة كميات من الأسلحة والصواريخ على خلفية الحملة.
مصياف وإخوان الصفا
تعتبر مصياف واحدة من أهم الحواضر العلمية والثقافية والاجتماعية وسط سوريا إلى الشمال الغربي من مدينة حماة، إذ يتقاسم توزيعها الديمغرافي بصورة شبه مناصفة بين الإسماعيليين والعلويين، وهناك في المنطقة يوجد واحد من أقدس المقامات الدينية لدى الطائفة الإسماعيلية ويسمى "المشهد" أو "إخوان الصفا".
وفوجئ الأهالي بدخول عناصر مسلحة يجهلون تبعيتها إلى المقام وإطلاقهم النيران والعبث بمحتوياته وتخريب بعضها، مما استدعى تظاهرة داخل مدينة مصياف تندد بالحدث الجلل على حد وصف سكان المدينة، ولتنفض تلك التظاهرة بتدخل الأمن العام عبر إطلاق الأعيرة النارية في الهواء لتفريقها، وبالفعل افترقت مع مطالبات بمحاسبة مرتكبي الانتهاك.
بانياس
لم يجد الناس في زحمة تلك الأحداث فرصة للتنفس حتى باغتهم مقطع فيديو منقول عن كاميرا مراقبة في قرية خراب مرقية في مدينة بانياس الساحلية، لتوقُّف سيارتين من نوع جيب وفان ونزول مسلحين ملثمين مجهولي الهوية من داخلهما فاتحين النار على سوبر ماركت في المنطقة مردين أربعة أشخاص مدنيين قتلى، للمفارقة أن أحدهم ينحدر من مدينة إدلب وقد لجأ إلى الساحل في مرحلة الحرب، وآخر مقعد على كرسي متحرك.
تلك الجريمة مع وضعها في سياقها الزمني ضمن سلسلة الاعتداءات من حمص إلى الساحل ما كانت إلا لتزيد شحن النفوس وتطالب بإحقاق العدالة والتصرف الجدي من قبل السلطات في وقف الانتهاكات وعمليات القتل، سواء تلك الناجمة عن تصرفات باتت أكثر من فردية أو تلك الانتقامية أو الثأرية أو العبثية.
بالذبح جيناكم
في خضم كل ذلك كانت مدن الساحل الرئيسة (اللاذقية وطرطوس) تشهد تظاهرات ليلية متكررة، اتسمت غير مرة بالبعد الطائفي وإطلاق شعارات مهينة في حق مكونات أخرى، وأثبت استخدام مكبرات الصوت تسجيلاً صوتياً يرجع إلى حقبة "داعش" يقال فيه "بالذبح جيناكم" من دون حصول احتكاكات مباشرة، وحدث ذلك في اللاذقية فعلياً، ولكن تبعته تظاهرة ممن وصفهم أهل المدينة بالعقلاء الذين نادوا في التظاهرة اللاحقة: "الشعب السوري واحد، العلوي أخو السني"، وتكرر الأمر في طرطوس وحين كانت الأمور وكأنها ستخرج عن السيطرة يتدخل الأمن العام لتفريق المتظاهرين.
أيادٍ خفية
يقول المهندس علي أحمد أحد سكان مدينة طرطوس والشاهد على واحدة من تلك التظاهرات إن أعمار المتظاهرين لا تعدو الـ20، وإن جميعهم مراهقون، فيما يبقى التعويل على العقلاء الذين على رغم سقوط النظام ما زالوا يترابطون اجتماعياً بشكل وثيق، لما لعبه الساحل من دور كبير باحتضان أكثر من مليون نازح من إدلب وحلب ودير الزور وغيرهم خلال الحرب.
وفي غمرة الأحداث تلك والانتهاكات الأخرى التي لم تذكر تبدو القيادة السورية الجديدة يوماً بعد آخر أبعد عن الشارع السوري، في وقت يجب عليها أن تراعي مبادئ العدالة الانتقالية وتحقيق الأمن والأمان لكل المكونات، والتركيز على مبدأ العيش المشترك في ظل التهديدات التي تلفها من قبل إسرائيل في الجنوب السوري، وإشكالات التوافق مع الأكراد في الشمال الشرقي.
ولما بدا على الرئيس أحمد الشرع حسن تصريحاته وحنكته وبراغماتيته السياسية ونجاحه في تحقيق الانفتاح المطلوب مرحلياً، ونجح معه وزيرا الخارجية والدفاع في إدارة ملفاتهما قدر المستطاع، لكن الأمور لا تنذر على الأرض بخير وفير، وبناءً عليه ينصح المحلل السياسي ملهم عفوف القيادة الجديدة بالالتفات إلى الداخل السوري وتحقيق التوازن مع قيادة الملفات الخارجية، منبهاً أن مغبة تفلت الأوضاع قد تودي بسوريا إلى نفق مظلم، والناس قد بدأت تتململ وبأنه ما من مصلحة أحد الرهان على صبر الشارع السوري بمختلف مكوناته وأطيافه.
وأوضح أن "الأكثرية ترى أن لها الحق في التمدد، وهذا حق مشروع بعد أعوام من القهر، والأقلية تعتبر أن لها حق العيش الآمن، ويشترك الطرفان أنهما أغرقا جوعاً وحاجة وفقراً وظلماً أيام النظام المخلوع، ولكن إن كان الأمر سوء تدبير أو نية غير سليمة هي من تدفع بالشارع نحو التفجر والتهام نفسه، فهو ما يسترعي الهدوء وإيجاد دستور وقوانين وعقد اجتماعي بأسرع ما يمكن، علَّ في ذلك فرصة لإنقاذ البلد مما يحاك له، وفي الوقت ذاته لا أستبعد أن يكون كل ما يحصل تجاذبات استفزازية في إطار صراع دولي يتخطى الحكم نفسه، ويسعى إلى زعزعة استقراره داخلياً وجره نحو ما لا يتمنى السوريون إعادته بعد ما ذاقوه في عقد ونصف العقد".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا كان مسألة وقت
رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا كان مسألة وقت

الشرق الأوسط

timeمنذ 43 دقائق

  • الشرق الأوسط

رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا كان مسألة وقت

كانت مسألة وقت لا أكثر، رفع العقوبات التي كان الاتحاد الأوروبي فرضها على النظام السوري السابق بسبب المجازر التي ارتكبها، خاصة منذ بداية الثورة التي انطلقت مارس (آذار) 2011، وشتت شمل السوريين بين نازحين في الداخل ولاجئين في جهات العالم الأربع، ومعتقلين تحت التعذيب أو مفقودين لا أخبار تعرف عنهم. وقت للتأكد من أن النظام الجديد سيفي بالوعود التي قطعها للدول التي آزرته، باحترام حقوق الأقليات والمواثيق الدولية، وقت للتيقّن من رسوخه وإمساكه بزمام الأمن واحتضان المحيط الوازن له. وأيضاً وقت لكي ترفع الولايات المتحدة عقوباتها كما حصل بعد الرعاية السعودية المشفوعة بدعم تركي وقطري، خلال زيارة الرئيس الأميركي قبل أيام إلى المملكة. وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل (أ.ب) خلال زيارته الأخيرة إلى بروكسل للمشاركة، شدّد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أمام نظرائه الأوروبيين، على أن النظام الجديد سيبقى يراوح مكانه، لا بل قد يواجه صعوبة كبيرة في الاستمرار، طالما بقيت العقوبات التي فرضها الاتحاد على النظام السابق. وأبلغه الأوروبيون، بالتصريح والتلميح، أنهم توّاقون إلى رفعها في أقرب فرصة عندما تتوفر الظروف لذلك. لكنهم كانوا يعرفون أيضاً أن رفع العقوبات الأوروبية سيكون ضئيل الجدوى عملياً، إذا لم ترفع الولايات المتحدة عقوباتها، وهي مالية في معظمها، لأن بقاءها يحول دون تمويل مشاريع الإعمار والتنمية وإصلاح البنى التحتية. زير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس يتحدث إلى الصحافة خلال اجتماع وزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين في بروكسل الذين ناقشوا الأوضاع في الشرق الأوسط وسوريا (إ.ب.أ) ويعترف المسؤولون في بروكسل، بأن الرغبة الأوروبية في رفع العقوبات عن سوريا، ليس مردها فحسب زوال الأسباب التي دفعت إلى فرضها، وأن الشعب السوري يستحق ذلك بعد سنوات من العذاب والتنكيل والتهجير، بل أيضاً لأن سوريا تشكّل حجر أساس للاستقرار الأمني في منطقة بالغة الحيوية بالنسبة للأوروبيين، ولأن سقوط النظام السابق بتلك السرعة القياسية وانتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة من غير مواجهات عسكرية تذكر، يشكّل فرصة ثمينة جداً لإخراج الأزمة السورية من الركود المتمادي الذي يهدد وحدة هذا البلد، وفتح أبواب التناحر على تقسيمه إلى دويلات هشّة وتحويلها إلى أدوات لصراع إقليمي طويل على مناطق النفوذ. ولا يخفي الأوروبيون ارتياحهم لكون هذا التطور السوري مدخلاً لمعالجة أزمة النزوح والهجرة التي تلقي بثقلها المادي والاجتماعي، وتداعياتها الاجتماعية على الداخل الأوروبي، فضلاً عن أنه يشكّل انتكاسة قوية للمشروع الإيراني في المنطقة. ومن الثوابت الراسخة في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وبعض الدول الوازنة فيه، أن للوضع السوري دوراً محورياً في استقرار منطقة تعدّ عمقاً استراتيجياً تاريخياً للمشروع الأوروبي، في الوقت الذي تشكّل منذ عقود طويلة إحدى خواصره الرخوة ومصدر قلق أمني دائم من تداعيات الأزمة المتكررة التي تعصف بها. شاحنات تحمل نحو 60 عائلة نازحة على الطريق السريع في طريقها إلى قرية كفر سجنة الأحد بعد أكثر من خمس سنوات في مخيمات أطمة بالقرب من الحدود السورية التركية (أ.ب) خلال مشاركته في الدورة الأخيرة لمؤتمر الدعم الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي منذ تسع سنوات لتحشيد المساعدات للنازحين واللاجئين السوريين والتمهيد لمصالحة وطنية شاملة، سمع الشيباني كلاماً كثيراً عن الارتياح الأوروبي لطي صفحة الحقبة الأسدية، وعن الحرص على مواكبة الحكومة الانتقالية في سعيها لإرساء نظام جديد على أسس مستقرة. وسمع أيضاً، على لسان كبار المسؤولين في الاتحاد، اشتراطاً واضحاً لهذا الدعم بإقامة نظام جديد يحترم جميع الأقليات ويحميها، ويتبنّى حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويقرن القول بالفعل في تعهده بالكشف عن مرتكبي المجازر الأخيرة والانتهاكات التي تعرضت لها بعض الأقليات. وكان الاتحاد الأوروبي قد رفع سقف التزامه المالي إلى 2.5 مليار يورو حتى نهاية العام المقبل، فضلاً عن المساعدات الفردية التي أعلنتها الدول الأعضاء، وفي طليعتها ألمانيا التي تعهدت بتقديم 300 مليون يورو لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين في الداخل السوري وتسهيل عودة اللاجئين من ألمانيا. وكانت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، قد ذكّرت بأن المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء خلال السنوات الثماني المنصرمة، قد بلغت 37 مليار يورو، وأن الاتحاد سيبذل ما بوسعه ليتحقق حلم السوريين بدولة يستطيع كل مواطن فيها التعبير عن رأيه بحرية، وتتساوى فيها حقوق الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو المعتقد السياسي. لكنها نبّهت أيضاً إلى أن استمرار جهود المساعدة الأوروبية تبقى مشروطة بخطوات في الاتجاه الصحيح من جانب النظام الجديد. الأمير محمد بن سلمان يتابع مصافحة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في الرياض... الأربعاء الماضي (رويترز) ويعترف الأوروبيون أيضاً بأن قرار رفع العقوبات الذي اتخذه مجلس وزراء الخارجية، هذا الاثنين، جاء سابقاً للأوان الذي كان مدرجاً في الجدول الزمني للاتحاد، وأن القرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، مطالع الأسبوع الماضي، برفع جميع العقوبات التي كانت فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، كان هو الدافع الأساسي في تعجيل اتخاذ القرار الأوروبي الذي ينتظر أن تبدأ مفاعيله في الأيام القليلة المقبلة، كما أكّد مصدر أوروبي مسؤول. وقال المصدر إن قرار الاتحاد كان أيضاً بتنسيق مع واشنطن، وأن الاتحاد سيواصل التنسيق مع الإدارة الأميركية لتسهيل إيصال المساعدات إلى سوريا وتمويل المشاريع الإنمائية التي تحتاج إليها القطاعات الحيوية.

الاتحاد الأوروبي يدرس مقترحاً يتيح ترحيل طالبي اللجوء لغير دولهم
الاتحاد الأوروبي يدرس مقترحاً يتيح ترحيل طالبي اللجوء لغير دولهم

الشرق الأوسط

timeمنذ 44 دقائق

  • الشرق الأوسط

الاتحاد الأوروبي يدرس مقترحاً يتيح ترحيل طالبي اللجوء لغير دولهم

اقترحت المفوضية الأوروبية، اليوم الثلاثاء، تعديل قانون يسمح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إلى دول لا تربطهم بها أي صلة، وذلك في خطوة ترى جماعات حقوقية أنها ستقوض حق اللجوء. ووفقا لوكالة «رويترز»، قالت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد، إن هذه التعديلات التي تسمح للدول بترحيل طالب اللجوء إذا كان من الممكن إرساله إلى دولة ثالثة يعتبرها الاتحاد الأوروبي آمنة، من شأنها «تسريع إجراءات اللجوء وتخفيف الضغط على أنظمة اللجوء». وسيؤدي هذا الاقتراح إلى إلغاء شرط وجود صلة بين طالب اللجوء والدولة الثالثة الآمنة. وقال ماغنوس برونر، مفوض الشؤون الداخلية والهجرة في الاتحاد الأوروبي: «يُعد مفهوم الدولة الثالثة الآمنة المُعدل أداة أخرى لمساعدة الدول الأعضاء على معالجة طلبات اللجوء بكفاءة أكبر، مع الاحترام الكامل لقيم الاتحاد الأوروبي وحقوقه الأساسية». وتزايدت المشاعر المناهضة للهجرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، منذ وصول أكثر من مليون شخص معظمهم من اللاجئين السوريين عبر البحر المتوسط ​​في عام 2015، مما أربك التكتل الأوروبي. ونظرا لعجز دول الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق على كيفية تقاسم المسؤولية، تركز هذه الدول بالأساس على عمليات الإعادة والحد من أعداد الوافدين. وتنص التعديلات أيضا على أنه في حال طعن طالبي اللجوء على رفض طلباتهم، فلن يُسمح لهم بالبقاء تلقائيا في أراضي الاتحاد الأوروبي خلال عملية الاستئناف. وانتقدت «منظمة العفو الدولية» هذا الاقتراح بشدة. وقالت أوليفيا ساندبرغ دييز المعنية بشؤون الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي بـ«منظمة العفو الدولية»: «فلنكن واضحين: لن يؤدي هذا التعديل إلا إلى إضعاف فرص الحصول على اللجوء في أوروبا بشكل أكبر، وتقويض حقوق الناس، وزيادة خطر الإعادة القسرية والاحتجاز التعسفي على نطاق واسع في دول ثالثة - لا سيما في ظل عجز الاتحاد الأوروبي الواضح على نحو متزايد عن رصد حقوق الإنسان في الدول الشريكة وصونها».

وزير الخارجية الأميركي يحذر من "حرب أهلية شاملة" في سوريا
وزير الخارجية الأميركي يحذر من "حرب أهلية شاملة" في سوريا

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

وزير الخارجية الأميركي يحذر من "حرب أهلية شاملة" في سوريا

اعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، أن الحكومة السورية ربما تكون على بُعد أسابيع من "انهيار محتمل، وحرب أهلية شاملة"، ولكنه أشاد بما وصفها بـ"الهوية الوطنية السورية" التي اعتبرها "أمراً جيداً" في سبيل استقرار البلاد. وقال روبيو للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، رداً على سؤال بشأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا، والتواصل مع حكومة دمشق: "بصراحة، في ظل التحديات التي تواجهها سوريا، فإن السلطة الانتقالية ربما تكون على بُعد أسابيع، وليس شهوراً، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كارثية، في مقدمتها تقسيم البلاد". ومن المتوقع أن تصدر الولايات المتحدة بعض الإعفاءات من العقوبات على سوريا خلال الأسابيع المقبلة، بعد إعلان ترمب رفع جميع العقوبات التي تستهدف دمشق، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض. السفارة الأميركية في سوريا وعن سبب عدم فتح السفارة الأميركية في سوريا حتى الآن، قال روبيو، إن "الأمر مرتبط كلياً بمخاوف أمنية، بالمناسبة. الأمر لا يتعلق بالسلطات الانتقالية. نحن لا نعتقد أنهم سيؤذوننا. لكن هناك أطرافاً أخرى على الأرض في سوريا، ويجب أن نحمي أنفسنا منهم". وذكر أن "الخبر السيئ أن بعض شخصيات السلطة الانتقالية لم تجتز فحص الخلفية مثل الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI، ولديهم تاريخ معقّد، ونحن نتفهم ذلك"، مضيفاً: "لكن من جهة أخرى، إذا انخرطنا معهم، فقد تنجح العملية، وقد لا تنجح. لكن إذا لم ننخرط، فالنتيجة مؤكدة أنه لن تنجح على الإطلاق". واعتبر أن "الخبر الإيجابي هو أن هناك هوية وطنية سورية. فسوريا كانت من بين الدول القليلة في الشرق الأوسط حيث عاش العلويون والدروز والمسيحيون والسنة والشيعة والأكراد معاً تحت راية الهوية السورية، حتى جاء (الرئيس السابق) بشار الأسد، وكسر هذه الهوية عندما حرّض المكونات ضد بعضها البعض". ويرى أن الحكومة السورية "تواجه عدة تحديات منها أنها تتعامل مع حالة انعدام ثقة داخلية عميقة، بسبب سياسة الأسد المتعمدة في تقسيم المجتمع"، لافتاً إلى أن التحدي الآخر يتمثل في "مسألة النزوح حيث يعيش ما بين 6 إلى 7 أو حتى 8 ملايين سوري خارج البلاد.. وهم بالمناسبة ناجحون جداً في الدول التي استقروا بها". لكنه شدد على أهمية العمل على "تمكين السلطة الانتقالية من خلق بيئة تسمح بعودتهم إلى ديارهم، للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد". "خطة أميركية واضحة بشأن سوريا" وعن اللقاء الذي جرى، الأسبوع الماضي، بين ترمب والشرع في الرياض، قال وزير الخارجية الأميركي، إن "ما دفع الرئيس للتحرك سريعاً في موضوع العقوبات، فهو أننا كنا نملك خطة واضحة". وتابع: "لقد التقينا مع وزير الخارجية السوري (أسعد الشيباني) في الأمم المتحدة هنا في نيويورك، ومنحناه تأشيرة دخول إلى البلاد، كما سمحنا لوزير ماليتهم (محمد يسر برنية) بالمشاركة في اجتماعات البنك الدولي هنا في العاصمة واشنطن". وأوضح أن "الخطوة التالية كانت الاجتماع مع وزير الخارجية السوري في تركيا خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو)". وأردف: "لكن الرئيس (ترمب) أتيحت له فرصة للقاء الشرع، وبصراحة، اتخذ قراراً جريئاً، وقال سأقوم بذلك، سألتقي بهم، وكان ذلك بتشجيع من السعودية وتركيا". وذكر الوزير الأميركي، أن "السبب وراء هذا القرار هو أن الدول الشريكة في المنطقة تريد أن تُدخل مساعدات، وتريد أن تبدأ في تقديم الدعم، لكنها لا تستطيع بسبب الوضع الحالي". ويرى أن أثر القرار المباشر سيكون في "تمكين الدول المجاورة البدء بمساعدة السلطة الانتقالية على بناء آليات للحكم والرقابة، تتيح لهم فعلياً إنشاء حكومة، وتوحيد القوات المسلحة تحت راية واحدة وغيرها". وأضاف: "لكن دعوني أكون صريحاً، هذا وحده لن يكون كافياً فلدينا قانون قيصر، ويمكننا أن نصدر إعفاءات، لكن هذه الإعفاءات محدودة زمنياً، ولن تكون كافية لجذب نوعية الاستثمار الأجنبي الذي نحتاجه"، في إشارة إلى أحد أكثر القوانين صرامة، إذ يمنع أي دولة أو كيان من التعامل مع الحكومة السورية أو دعمها مالياً أو اقتصادياً. وشدد روبيو، على ضرورة أن "يكون هناك تحرك تشريعي من الكونجرس، أو تحرك أكثر شمولاً، لضمان أنه إذا تم اتخاذ الخطوات الصحيحة، يمكن خلق بيئة مواتية لنمو القطاع الخاص، لتوفير فرص اقتصادية حقيقية للشعب السوري". ويمهد قرار رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store