
غاز المتوسط.. صراع أنابيب ونفوذ: من باريس إلى تل أبيب مرورًا بالقاهرة.. .!
محمد سعد عبد اللطيف
في العقد الأخير، تحوّل شرق البحر المتوسط إلى واحدة من أكثر الساحات توترًا في العالم، ليس بفعل الحروب فقط، بل بسبب صراع الغاز والنفوذ. اكتشافات الحقول البحرية أشعلت سباقًا محمومًا بين قوى إقليمية وأخرى أوروبية، أبرزها فرنسا وإيطاليا، حيث تسعى باريس لتعزيز نفوذها في المناطق الاقتصادية قبالة السواحل الليبية واللبنانية، بينما تحاول روما تثبيت موطئ قدم في ملفات الطاقة الليبية والقبرصية.. .،
--في الوقت ذاته، يتفاقم التوتر بين تركيا واليونان حول مناطق النفوذ البحري والمياه الاقتصادية الخالصة، في ظل ادعاءات متضاربة بشأن حقول الغاز قبالة سواحل قبرص. وتكمن جذور هذا الخلاف في تباين تفسير القانون الدولي للبحار بين الطرفين. فبينما تعتمد اليونان وقبرص (بدعم أوروبي) على مبدأ "الجزر تولّد مناطق اقتصادية خالصة كاملة"، فإن تركيا ترفض هذا التفسير، وتتبنى وجهة نظر تقول إن الجزر الصغيرة المنتشرة قبالة سواحلها لا يجب أن تتمتع بنفس الحقوق الاقتصادية كاليابسة القارية.. .، ،
وترتكز أنقرة في موقفها على أن الجزر اليونانية مثل "كاستيلوريزو" الواقعة على بعد كيلومترين فقط من السواحل التركية، لا يمكنها أن تحرم الساحل التركي الطويل من حقه في الجرف القاري والمياه الاقتصادية. وبهذا الطرح، تسعى تركيا إلى إعادة تقسيم الحدود البحرية بناءً على الجغرافيا الفعلية وطبيعة التكوين الجيولوجي للمنطقة، وليس فقط على الخرائط السياسية التاريخية.. .، ،
هذا التفسير التركي ينعكس بوضوح في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل التي وقعتها مع حكومة طرابلس في ليبيا عام 2019، والتي تعارضها كل من مصر واليونان والاتحاد الأوروبي، وترى فيها تجاوزًا للحدود القانونية للمياه الاقتصادية المعترف بها دوليًا.. .، ،
كل هذه النزاعات لا تُقرأ فقط كخلافات حدودية، بل كجزء من لعبة أكبر ترتبط بتأمين احتياجات أوروبا من الطاقة بعيدًا عن الغاز الروسي. وهنا، تبرز مصر كلاعب إقليمي مؤثر، بفضل موقعها الجغرافي، وشبكة بنيتها التحتية الخاصة بإسالة الغاز، وأيضًا من خلال تحالفاتها في منتدى غاز شرق المتوسط، واتفاقيات ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص.. .، ،
وتجد القاهرة نفسها أمام اختبار جديد في معادلة الغاز، ولكن هذه المرة في مواجهة سعي إسرائيلي لفرض تسعيرة مرتفعة على صادراتها الغازية إلى مصر.
فعليًا، لا تواجه مصر ضرورة اقتصادية أو فنية تدفعها إلى استيراد الغاز الإسرائيلي. فهي تمتلك بنية تحتية راسخة في مجال إسالة الغاز الطبيعي، تتمثل في منشآت إدكو ودمياط، والتي تُعد من الأكبر في المنطقة، وتوفر قدرة على المعالجة والتصدير للدول الأوروبية.
أما إسرائيل، فتعاني من معضلة جيو-اقتصادية حقيقية، إذ لا تملك مصانع إسالة تمكنها من تصدير الغاز مباشرة إلى أوروبا، وهو ما يجعلها تعتمد على مصر كممر استراتيجي إجباري. وبناء هذه المنشآت داخل إسرائيل يُعد مشروعًا مكلفًا للغاية، تتجاوز كلفته 10 مليارات دولار، وهو رقم ضخم لا يمكن تبريره بسهولة في ظل حجم الإنتاج المحدود نسبيًا.
لذلك، تسعى إسرائيل إلى تصدير غازها عبر خط الأنابيب القديم الذي كان يُستخدم في السابق لنقل الغاز المصري إليها بأسعار منخفضة للغاية، لتُعاد اليوم هندسة هذا المسار في الاتجاه المعاكس، ولكن هذه المرة بسعر يتجاوز 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وهذا الرقم يتجاوز الأسعار العالمية المعروفة للغاز عبر الأنابيب، والتي تدور حول 3 إلى 4 دولارات، في حين أن السعر في الولايات المتحدة لا يتعدى 2.5 دولار.. .،
--ويزداد هذا الطرح غرابة عندما نعلم أن دولاً مثل قطر والسعودية تعرضان على مصر شحنات غاز بأسعار تنافسية، وبشروط سداد ميسّرة، مما يجعل الرضوخ لهذا السعر الإسرائيلي نوعًا من القبول الضمني بابتزاز اقتصادي غير مبرر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يدفع مصر، وهي في موقع قوة، لقبول هذا العرض؟! خاصة أن الدور المصري في سوق الغاز بات يرتكز على فكرة التحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة، لا مجرد مستهلك في معادلة مختلة.
الواقع أن إسرائيل، في هذه الحالة، هي الطرف المُضطر لا المُتحكّم. وكل طرق تصدير غازها تمر عبر الأراضي المصرية، بينما الخيارات الأخرى مكلفة ومعقدة سياسيًا. أما مصر، فهي تمتلك أوراقًا تفاوضية حقيقية، تبدأ من بنيتها التحتية، ولا تنتهي بدورها الجيوسياسي الإقليمي، إذا ما أحسنت استخدام تلك الأوراق في اللحظة المناسبة.
لقد بات واضحًا أن معركة الغاز ليست فقط معركة اقتصادية، بل هي وجه آخر لصراعات النفوذ الإقليمي في شرق المتوسط. مصر، بما تملكه من موقع وقدرات وشبكات علاقات، تملك فرصة حقيقية لتعزيز مكانتها إذا قررت أن تفاوض من موقع الشريك لا التابع.--!!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية ---
[email protected]

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 33 دقائق
- الجمهورية
جامعة طنطا: إعفاء أبناء الشهداء من المصروفات و50% لأسر المصابين صور
في مستهل الاجتماع، أعرب الدكتور محمد حسين عن عميق تعازيه لأسر شهداء حادث الطريق الإقليمي الأليم، داعين المولى عز وجل أن يتغمدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته، كما هنأ المجلس الشعب المصري والقيادة السياسية بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، مؤكداً على الدعم الكامل للجامعة للقيادة السياسية في خطواتها الواثقة نحو بناء الجمهورية الجديدة وتحقيق التنمية الشاملة، مثمنا القرار الصادر من الدكتور محمد أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بشأن إعفاء أبناء الشهداء من المصروفات الدراسية، وتخفيض 50% لأسر المصابين، مؤكداً على أن هذا القرار يعكس التقدير العميق لتضحيات أبناء الوطن ويؤكد على الالتزام بدعم أسرهم. أكد رئيس جامعة طنطا على أن المنظور المؤسسي ل جامعة طنطا يتوافق بشكل كامل مع مبادئ الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي ومستهدفات رؤية مصر 2030، وأن الجامعة ماضية في طريقها لتحقيق التميز الأكاديمي والبحثي وخدمة المجتمع بكافة فئاته، مشيرا إلى حرص الجامعة على دعم المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"، مؤكداً على تسخير كافة إمكانيات الجامعة البشرية والمادية لخدمة أهداف هذه المبادرة الوطنية الهامة. وفي هذا السياق، قدم رئيس الجامعة عرض تقديمي مفصل عن خطة جامعة طنطا الاستراتيجية، تضمن آليات التنفيذ والأولويات المستهدفة التي تراعي المنظور القومي والإقليمي، وذلك في ضوء قيادة الجامعة لتحالف جامعات إقليم الدلتا، مما يعكس دورها الريادي في المنطقة. أشاد د. حسين بالجهود المتواصلة والمخلصة التي يبذلها أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم والعاملون بالجامعة، مؤكداً أن هذه الجهود قد أثمرت عن تحسن ملحوظ في التصنيف الدولي للجامعة، وقد انعكس هذا التحسن إيجاباً على زيادة اعداد الطلاب الوافدين بالجامعة بنسبة 34% لتصل الى 2918 طالبا، مما أدى إلى زيادة ملموسة في الحصيلة الدولارية للجامعة، والتي بلغت قرابة 9 مليون دولار خلال العام الدراسي الحالي، وهو ما يمثل نقلة نوعية في الموارد الذاتية للجامعة. واستكمالا لجهود الجامعة في تعزيز الشراكات الدولية، استعرض رئيس الجامعة تفاصيل زيارة وفد جامعة طنطا لجامعة كانتابريا الإسبانية، مؤكداً على الدور المحوري لمثل هذه الزيارات في فتح آفاق جديدة للتعاون الأكاديمي والبحثي وتعزيز فرص الجامعة في إبرام شراكات دولية فعالة. وفي سياق متصل، أشار رئيس الجامعة إلى استقبال الجامعة لـ 55 طالبًا من جنسيات مختلفة من جامعة برادفورد البريطانية، ضمن برنامج التبادل الطلابي التدريبي المتميز بين كلية الهندسة والجانب البريطاني، مما يثري الخبرات الأكاديمية والعملية للطلاب. وفي اطار تطوير الخدمات التعليمية والصحية، قدمت الدكتورة فاتن أبو طالب، عميد كلية طب الأسنان، عرضاً تقديمياً شاملاً عن جهود أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والطاقم الإداري بالكلية في الحصول على موافقة المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية على التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان الجامعي، وهذا ما يؤكد حرص الجامعة على تقديم أفضل مستويات الرعاية الصحية والتدريب العملي لطلابها. Previous Next تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي


الجمهورية
منذ 34 دقائق
- الجمهورية
اتصال هاتفى بين وزير الخارجية والهجرة ومفوضة الاتحاد الأوروبى
أشاد الوزير عبد العاطى بالتطورات التي تشهدها العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي وجهود الجانبين فى تنفيذ المحاور الستة للشراكة الاستراتيجية والشاملة، مرحباً بالجهود التى بذلتها المفوضة الأوروبية ودعمها لإقرار البرلمان والمجلس الأوروبيين للشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي الكلي المقدمة إلى مصر بقيمة ٤ مليار يورو، والتي ستسهم في دعم الجهود المصرية لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية المتعددة فى ظل الاضطرابات الإقليمية والدولية. وأعرب وزير الخارجية عن التطلع لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية مع الاتحاد الاوروبى في مختلف القطاعات على ضوء الأولوية التي توليها الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية. كما دار نقاش حول ملف الهجرة حيث أكد وزير الخارجية على أهمية ربط الهجرة بالتنمية ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، مشددا على ضرورة تعزيز الشراكة في مجال الهجرة النظامية ودعم الاستثمارات الأوروبية فى مصر بما يسهم فى توفير فرص العمل. تطرق الاتصال كذلك للتطورات فى قطاع غزة، حيث أكد الوزير عبد العاطى على ضرورة استئناف وقف إطلاق النار في القطاع ونفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية فى ظل التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية بالقطاع، مستعرضاً الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر فى هذا الشأن بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، كما اطلع المسئولة الأوروبية على اعتزام مصر استضافة المؤتمر الدولى للتعافى المبكر وإعادة الإعمار فى غزة فور التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة، مستعرضاً الاتصالات التى تجريها مصر فى هذا الإطار، ومشدداً على الدور الهام للاتحاد الاوروبى ودوله الأعضاء خاصة وأن الاتحاد يعد أكبر طرف مانح للسلطة الوطنية الفلسطينية.


نافذة على العالم
منذ 38 دقائق
- نافذة على العالم
الأخبار العالمية : بعد تجدد الخلاف.. هل يقوم ترامب بترحيل إيلون ماسك من أمريكا؟
الثلاثاء 1 يوليو 2025 05:30 مساءً نافذة على العالم - تجدد الخلاف بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وايلون ماسك الذى تولى إدارة وكالة الكفاءة الحكومية لفترة، بسبب قانون ترامب للسياسات الداخلية خاصة الجزء الاقتصادى، وعندما سئل ترامب عما اذا كان يفكر فى ترحيل الملياردير الأمريكى من البلاد، أجاب: "لا اعرف، علينا أن ننظر فى الأمر". وفقا لمجلة نيوزويك، ولد ايلون ماسك فى جنوب أفريقيا لكنه أصبح مواطنًا أمريكيًا متجنسًا منذ أكثر من عقدين وقد انتقد الملياردير مشروع قانون ترامب الذى يطلق عليه الرئيس الأمريكى "قانون ترامب الكبير الجميل" لتوسعه الهائل فى الدين الأمريكى بتريليونات الدولارات. وقال ترامب للصحفيين صباح الثلاثاء: "قد نضطر إلى فرض ضريبة على إيلون ماسك"، فى إشارة إلى الإدارة التى قادها ماسك فى البيت الأبيض حتى مايو، والمكلفة بخفض الاحتيال والهدر فى الإنفاق الفيدرالى، وأضاف: "إن ضريبة إيلون ماسك هى الوحش الذى قد يضطر إلى التراجع عن دعم الحكومة الفيدرالية لشركات ماسك". كما اعترض ماسك، الرئيس التنفيذى لشركة تسلا لتصنيع السيارات الكهربائية، على إلغاء دعم السيارات الكهربائية فى مشروع القانون، مع بقاء دعم شركات الوقود الأحفورى قائمًا، وكتب على اكس: "من الواضح، مع الإنفاق الجنونى لهذا القانون، الذى يرفع سقف الدين بمقدار قياسى قدره خمسة تريليونات دولار، أننا نعيش فى دولة يحكمها حزب واحد.. حان الوقت لحزب سياسى جديد يهتم فعلاً بالشعب". كان ترامب قد رد بالفعل على ماسك على منصته تروث سوشيال، وقال: "كان إيلون ماسك يعلم، قبل وقت طويل من تأييده القوى لى للرئاسة، أننى أعارض بشدة تفويض السيارات الكهربائية.. هذا سخيف، وكان دائمًا جزءًا رئيسيًا من حملتي. السيارات الكهربائية جيدة، ولكن لا ينبغى إجبار الجميع على امتلاكها.. قد يحصل إيلون على دعم أكبر من أى إنسان فى التاريخ، بلا شك، وبدون دعم، لكان على الأرجح سيُغلق مصنعه ويعود إلى جنوب أفريقيا ولن نشهد إطلاق صواريخ أو أقمارًا صناعية أو إنتاجًا للسيارات الكهربائية بعد الآن، وستوفر بلادنا ثروة طائلة". وتابع: "ربما علينا أن نطلب من وكالة كفاءة الحكومة أن تلقى نظرة فاحصة على هذا الأمر؟ سيوفر علينا الكثير من المال!".