logo
الجينات تتكلم.. الجزيرة نت تحاور باحثا كشف أسرار البحرين قبل 2500 سنة

الجينات تتكلم.. الجزيرة نت تحاور باحثا كشف أسرار البحرين قبل 2500 سنة

الجزيرةمنذ 7 ساعات
بعد نشرها بدورية"سيل جينوميكس"، تستمر دراسة الحمض النووي القديم التي أُجريت على رفات بشر من البحرين في إثارة اهتمام الباحث روي مارتينيانو من كلية العلوم البيولوجية والبيئية بجامعة ليفربول.
وليس فقط لأنها كشفت عن أسرار ظلت حبيسة في عظام دفنتها الرمال الساخنة منذ قرون، بل لأنها شكلت انتصارا علميا حقيقيا، إذ تمكن الفريق من استخلاص الحمض النووي رغم الظروف المناخية القاسية التي طالما أعاقت محاولات مماثلة في الجزيرة العربية.
وفي مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت"، استعاد مارتينيانو تفاصيل التجربة بشغف واضح، متحدثا عن نجاحه، مع زملائه في الفريق البحثي الذي ضم بيير لومبارد، رئيس البعثة الأثرية الفرنسية في البحرين، وسلمان المحاري من هيئة البحرين للثقافة والآثار، في تحقيق ما أخفقت فيه فرق بحثية سابقة، كما كشف عما توصلوا إليه من تفاصيل غير مسبوقة تتعلق بالتنوع الوراثي في البحرين قبيل ظهور الإسلام، وتأثير الزراعة على الصحة، بالإضافة إلى خططهم الطموحة لتوسيع نطاق البحث مستقبلا.
بدأ الحوار بسؤاله عن التحديات التي واجهتهم في تحليل الحمض النووي من رفات بشر يعود إلى 3 مواقع بحرينية، فاعترف أن أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة، المصحوبة أحيانا برطوبة عالية، تتلف الحمض النووي بسرعة كبيرة، كما أن التربة الغنية بالبكتيريا تغزو العظام بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تلوث العينات، لذلك فإنه من بين كل 100 جزيء حمض نووي استُخرج من العظام، كان فقط جزيء واحد ينتمي للإنسان، والباقي بكتيري.
ولمواجهة هذه التحديات، استخدم الفريق البحثي تقنية تعتمد على نقع مسحوق العظام في محلول مبيض مخفف لفترة قصيرة وبطريقة لطيفة، بهدف إزالة التلوث السطحي من البكتيريا مع الحفاظ على الحمض النووي البشري الموجود في الطبقات الداخلية من العظام.
ووفقا لمارتينيانو، فقد أدت هذه الطريقة إلى زيادة كمية الحمض النووي البشري المستخرج بمقدار 15 ضعفا مقارنة بالطرق التقليدية، مما مكنهم من إتمام عملية التحليل بنجاح.
تنوع وراثي لافت
ومن بين 4 عينات نجح الفريق في استخلاصها وتعود إلى فترة تايلوس (نحو 300 قبل الميلاد حتى 600 ميلادي)، اكتشف الفريق تنوعا وراثيا لافتا، إذ أظهرت التحليلات الجينية وجود أصول متعددة تعود إلى مناطق مثل الأناضول وبلاد الشام والإمبراطورية الفارسية، مما يشير إلى أن سكان البحرين في تلك الفترة شهدوا بالفعل موجات متعاقبة من الهجرة والاختلاط السكاني عبر فترات زمنية طويلة.
ويضيف مارتينيانو: "هذا التنوع يشير إلى أن البحرين كانت موطنا لمجموعات بشرية ذات أصول مختلفة تعايشت بسلام خلال حقبة تايلوس، لكن من المحتمل أن تكون تلك الأصول قد وصلت إلى البحرين قبل حقبة تايلوس عبر حضارة دلمون (حوالي 3000-2000 قبل الميلاد)، التي كانت وفقا للسجلات المسمارية (أقدم نظام كتابة معروف في بلاد الرافدين حوالي 3400 قبل الميلاد) متصلة بمناطق مثل بلاد الرافدين والشام وعُمان".
ومن خلال التحليل الدقيق للعينات الأربع، توصل الفريق إلى عدد من السمات الوراثية اللافتة، التي رسمت صورة أوضح لسكان البحرين في تلك الفترة، فقد أظهرت إحدى العينات دليلا واضحا على زواج أبناء العمومة، مما يشير إلى أن هذه الممارسة الاجتماعية كانت قائمة في المنطقة.
وفيما يتعلق بالكروموسومات، تبين أن الذكور الذين شملتهم الدراسة ينتمون إلى سلالات وراثية نادرة، لم تُرصد في سكان الخليج المعاصرين، لكنها ظهرت في مناطق مثل تركيا والقوقاز، أما السلالات الأمومية فقد أظهرت روابط جينية مع العراق والهند والقوقاز وحتى أوروبا، في دليل على الهجرات واسعة النطاق عبر العصور.
مقارنة مع جينات اليوم
أما من حيث السمات الشكلية، فيرجح أن الأفراد الأربعة كانت أعينهم بنية، وشعرهم أسود أو بني، مع تباين في لون البشرة، إذ تمتع اثنان منهم ببشرة داكنة، بينما كان الآخران أفتح قليلا، في نمط لا يختلف كثيرا عن سمات سكان الشرق الأوسط المعاصرين.
ويرجح أن موجات الهجرة والتداخل السكاني، خاصة عبر طرق التجارة، لعبت دورا محوريا في تشكيل الخريطة الجينية الحالية والمستقرة، في الجزيرة العربية ككل، والتي تجمعت من خطوط مختلفة لتتوحد بعد ظهور الإسلام.
لكن إحدى المفاجآت اللافتة في النتائج الجينية كانت في الصحة، إذ كشفت التحليلات عن وجود طفرة جينية تُعرف باسم "جي-سيكس-بي-دي" لدى أحد الأفراد، وهي طفرة تمنح حامليها حماية جزئية من الملاريا، وقد قاد هذا الاكتشاف الفريق إلى فرضية مثيرة ترتبط بتاريخ الزراعة في شرق الجزيرة العربية.
ويشرح مارتينيانو: "عندما بدأت الزراعة في المنطقة قبل نحو 5 آلاف عام، وفرت البيئات الزراعية، المعتمدة على مصادر مياه دائمة، مناخا مثاليا لتكاثر البعوض، وبالتالي لانتشار الملاريا. وفي هذه البيئة، كان الأفراد الذين يحملون الطفرة الوراثية (جي-سيكس-بي-دي) يتمتعون بميزة تكيفية، لأنها تقلل من احتمالات الإصابة بأعراض الملاريا الحادة، مما يزيد من فرص نجاتهم وبقائهم على قيد الحياة".
ويضيف: "بمرور الأجيال، ساهم هذا في ارتفاع معدلات انتشار الطفرة في المجتمعات المحلية، وهو ما يُفسر استمرار وجودها اليوم بين سكان شرق الجزيرة العربية، كأثر بيولوجي طويل الأمد لظهور الزراعة وانتشار المرض في البيئة القديمة".
وعن خطواته المقبلة في مشروع دراسة الجينات القديمة بالجزيرة العربية، قال مارتينيانو إن فريقه يعمل حاليا على توسيع نطاق البحث ليشمل عينات من مناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية، بالتعاون مع علماء آثار محليين.
وأضاف أن "المنطقة تزخر بتاريخ غني ومهم، لكنه لا يزال غير مدروس بالشكل الكافي، وتطور تقنيات تحليل الحمض النووي سيُحدث طفرة في فهمنا لماضي الجزيرة العربية".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجينات تتكلم.. الجزيرة نت تحاور باحثا كشف أسرار البحرين قبل 2500 سنة
الجينات تتكلم.. الجزيرة نت تحاور باحثا كشف أسرار البحرين قبل 2500 سنة

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

الجينات تتكلم.. الجزيرة نت تحاور باحثا كشف أسرار البحرين قبل 2500 سنة

بعد نشرها بدورية"سيل جينوميكس"، تستمر دراسة الحمض النووي القديم التي أُجريت على رفات بشر من البحرين في إثارة اهتمام الباحث روي مارتينيانو من كلية العلوم البيولوجية والبيئية بجامعة ليفربول. وليس فقط لأنها كشفت عن أسرار ظلت حبيسة في عظام دفنتها الرمال الساخنة منذ قرون، بل لأنها شكلت انتصارا علميا حقيقيا، إذ تمكن الفريق من استخلاص الحمض النووي رغم الظروف المناخية القاسية التي طالما أعاقت محاولات مماثلة في الجزيرة العربية. وفي مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت"، استعاد مارتينيانو تفاصيل التجربة بشغف واضح، متحدثا عن نجاحه، مع زملائه في الفريق البحثي الذي ضم بيير لومبارد، رئيس البعثة الأثرية الفرنسية في البحرين، وسلمان المحاري من هيئة البحرين للثقافة والآثار، في تحقيق ما أخفقت فيه فرق بحثية سابقة، كما كشف عما توصلوا إليه من تفاصيل غير مسبوقة تتعلق بالتنوع الوراثي في البحرين قبيل ظهور الإسلام، وتأثير الزراعة على الصحة، بالإضافة إلى خططهم الطموحة لتوسيع نطاق البحث مستقبلا. بدأ الحوار بسؤاله عن التحديات التي واجهتهم في تحليل الحمض النووي من رفات بشر يعود إلى 3 مواقع بحرينية، فاعترف أن أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة، المصحوبة أحيانا برطوبة عالية، تتلف الحمض النووي بسرعة كبيرة، كما أن التربة الغنية بالبكتيريا تغزو العظام بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تلوث العينات، لذلك فإنه من بين كل 100 جزيء حمض نووي استُخرج من العظام، كان فقط جزيء واحد ينتمي للإنسان، والباقي بكتيري. ولمواجهة هذه التحديات، استخدم الفريق البحثي تقنية تعتمد على نقع مسحوق العظام في محلول مبيض مخفف لفترة قصيرة وبطريقة لطيفة، بهدف إزالة التلوث السطحي من البكتيريا مع الحفاظ على الحمض النووي البشري الموجود في الطبقات الداخلية من العظام. ووفقا لمارتينيانو، فقد أدت هذه الطريقة إلى زيادة كمية الحمض النووي البشري المستخرج بمقدار 15 ضعفا مقارنة بالطرق التقليدية، مما مكنهم من إتمام عملية التحليل بنجاح. تنوع وراثي لافت ومن بين 4 عينات نجح الفريق في استخلاصها وتعود إلى فترة تايلوس (نحو 300 قبل الميلاد حتى 600 ميلادي)، اكتشف الفريق تنوعا وراثيا لافتا، إذ أظهرت التحليلات الجينية وجود أصول متعددة تعود إلى مناطق مثل الأناضول وبلاد الشام والإمبراطورية الفارسية، مما يشير إلى أن سكان البحرين في تلك الفترة شهدوا بالفعل موجات متعاقبة من الهجرة والاختلاط السكاني عبر فترات زمنية طويلة. ويضيف مارتينيانو: "هذا التنوع يشير إلى أن البحرين كانت موطنا لمجموعات بشرية ذات أصول مختلفة تعايشت بسلام خلال حقبة تايلوس، لكن من المحتمل أن تكون تلك الأصول قد وصلت إلى البحرين قبل حقبة تايلوس عبر حضارة دلمون (حوالي 3000-2000 قبل الميلاد)، التي كانت وفقا للسجلات المسمارية (أقدم نظام كتابة معروف في بلاد الرافدين حوالي 3400 قبل الميلاد) متصلة بمناطق مثل بلاد الرافدين والشام وعُمان". ومن خلال التحليل الدقيق للعينات الأربع، توصل الفريق إلى عدد من السمات الوراثية اللافتة، التي رسمت صورة أوضح لسكان البحرين في تلك الفترة، فقد أظهرت إحدى العينات دليلا واضحا على زواج أبناء العمومة، مما يشير إلى أن هذه الممارسة الاجتماعية كانت قائمة في المنطقة. وفيما يتعلق بالكروموسومات، تبين أن الذكور الذين شملتهم الدراسة ينتمون إلى سلالات وراثية نادرة، لم تُرصد في سكان الخليج المعاصرين، لكنها ظهرت في مناطق مثل تركيا والقوقاز، أما السلالات الأمومية فقد أظهرت روابط جينية مع العراق والهند والقوقاز وحتى أوروبا، في دليل على الهجرات واسعة النطاق عبر العصور. مقارنة مع جينات اليوم أما من حيث السمات الشكلية، فيرجح أن الأفراد الأربعة كانت أعينهم بنية، وشعرهم أسود أو بني، مع تباين في لون البشرة، إذ تمتع اثنان منهم ببشرة داكنة، بينما كان الآخران أفتح قليلا، في نمط لا يختلف كثيرا عن سمات سكان الشرق الأوسط المعاصرين. ويرجح أن موجات الهجرة والتداخل السكاني، خاصة عبر طرق التجارة، لعبت دورا محوريا في تشكيل الخريطة الجينية الحالية والمستقرة، في الجزيرة العربية ككل، والتي تجمعت من خطوط مختلفة لتتوحد بعد ظهور الإسلام. لكن إحدى المفاجآت اللافتة في النتائج الجينية كانت في الصحة، إذ كشفت التحليلات عن وجود طفرة جينية تُعرف باسم "جي-سيكس-بي-دي" لدى أحد الأفراد، وهي طفرة تمنح حامليها حماية جزئية من الملاريا، وقد قاد هذا الاكتشاف الفريق إلى فرضية مثيرة ترتبط بتاريخ الزراعة في شرق الجزيرة العربية. ويشرح مارتينيانو: "عندما بدأت الزراعة في المنطقة قبل نحو 5 آلاف عام، وفرت البيئات الزراعية، المعتمدة على مصادر مياه دائمة، مناخا مثاليا لتكاثر البعوض، وبالتالي لانتشار الملاريا. وفي هذه البيئة، كان الأفراد الذين يحملون الطفرة الوراثية (جي-سيكس-بي-دي) يتمتعون بميزة تكيفية، لأنها تقلل من احتمالات الإصابة بأعراض الملاريا الحادة، مما يزيد من فرص نجاتهم وبقائهم على قيد الحياة". ويضيف: "بمرور الأجيال، ساهم هذا في ارتفاع معدلات انتشار الطفرة في المجتمعات المحلية، وهو ما يُفسر استمرار وجودها اليوم بين سكان شرق الجزيرة العربية، كأثر بيولوجي طويل الأمد لظهور الزراعة وانتشار المرض في البيئة القديمة". وعن خطواته المقبلة في مشروع دراسة الجينات القديمة بالجزيرة العربية، قال مارتينيانو إن فريقه يعمل حاليا على توسيع نطاق البحث ليشمل عينات من مناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية، بالتعاون مع علماء آثار محليين. وأضاف أن "المنطقة تزخر بتاريخ غني ومهم، لكنه لا يزال غير مدروس بالشكل الكافي، وتطور تقنيات تحليل الحمض النووي سيُحدث طفرة في فهمنا لماضي الجزيرة العربية".

الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق
الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق

لم تعد تأثيرات تغير المناخ في ألمانيا مجرد تحذيرات نظرية، بل تحولت إلى واقع ملموس تتجلى آثاره في تراجع الأمطار، وتصحر الحقول، وتدهور الغابات. ففي مناطق واسعة من البلاد، غابت الأمطار لأيام وأسابيع، وهذا ألحق أضرارا مباشرة بالمحاصيل الزراعية، وأثر على حركة الشحن النهري، وسط تحذيرات متزايدة من تداعيات اقتصادية وخدمية مقلقة. الزراعة والمياه في مواجهة الخطر الدكتور يورغ ريشينبيرغ، رئيس قسم المياه والأراضي في الهيئة الاتحادية للبيئة، أوضح في حديثه لموقع "الجزيرة نت" أن تداعيات الجفاف لا تقتصر على تراجع نمو النباتات، بل تمتد إلى فقدان التربة لخصوبتها. وأضاف: "إذا انخفضت احتياطيات المياه في التربة نتيجة فترات جفاف سابقة، فإن أي نقص جديد في الأمطار يؤدي إلى خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية". كما حذر من تعرية التربة بفعل الرياح، والتي تتسبب في فقدان الطبقة العلوية الغنية بالمواد العضوية. وأشار ريشينبيرغ إلى أن تغير أنماط هطول الأمطار وتراجع منسوب المياه الجوفية والسطحية يُخلّ بالتوازن بين العرض والطلب على المياه. ونتيجة لذلك، تزداد حدة التنافس بين القطاعات المختلفة مثل الطاقة، الزراعة، الصناعة، وإمدادات مياه الشرب، بالإضافة إلى تأثيرات ذلك على استقرار الأنظمة البيئية. وتراجع منسوب المياه الجوفية والسطحية يعني أن الكميات المتاحة لا تكفي لتلبية الحاجات اليومية، وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في توفير المياه للمزارع والمنازل والمصانع، خاصة في أوقات الذروة. الغابات تحترق.. والقيود تتوسع تزايد الجفاف جعل الغابات، خصوصا في شرق ألمانيا، أكثر عرضة لخطر الحرائق. وتُعد ولاية براندنبورغ، ذات الغطاء الكثيف من غابات الصنوبر وتربتها الرملية الخفيفة، من أكثر المناطق تهديدا. وفي خطوة احترازية، فرضت السلطات المحلية قيودا صارمة على سحب المياه من الأنهار والبحيرات والآبار في 8 مقاطعات ببراندنبورغ، فضلا عن مناطق أخرى في ولاية ساكسونيا أنهالت. أندريه بيرغر، المدير العام للرابطة الألمانية للبلديات، شدد على أن هذه الإجراءات ضرورية لتفادي فرض حظر شامل على استخدام المياه، قائلا: "بهذه الطريقة فقط يمكننا منع اتخاذ تدابير أكثر صرامة في المستقبل". الراين يجف.. وقلق في قلب الصناعة ويعد نهر الراين شريانا اقتصاديا رئيسيا في ألمانيا، إذ يربط موانئ الشمال بالمراكز الصناعية في الجنوب. ومع تراجع منسوب مياهه إلى مستويات حرجة، تصاعدت المخاوف من انعكاسات اقتصادية جسيمة. نيلس يانزن، رئيس قسم التحليل الاقتصادي في معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)، حذر في تصريحات لصحيفة "هاندلسبلات" من التبعات، قائلا: التجارب السابقة أظهرت أن انخفاض منسوب مياه الراين لفترة طويلة قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة تصل إلى 1% شهريا. في حين اعتبرت وزيرة الاقتصاد في ولاية شمال الراين-وستفاليا، منى نويباور أن الوضع أصبح مقلقا للغاية، مشيرة إلى أن مارس/آذار الماضي كان من أكثر الشهور جفافا منذ بدء تسجيل بيانات المناخ، وفقا لهيئة الأرصاد الألمانية. خسائر تتكرر.. وشركات تتألم ولا تزال تجربة عام 2018 حاضرة في الذاكرة الاقتصادية، عندما أدى انخفاض منسوب الراين إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.4%. كما تكبدت شركات كبرى مثل "باسف" للصناعات الكيميائية خسائر كبيرة نتيجة تعطل سلاسل الإمداد. وفي عام 2022، ارتفعت أسعار الوقود بشكل ملحوظ في جنوب البلاد بسبب تعطل حركة الشحن النهري، إذ لم تتمكن السفن من نقل الوقود من موانئ الشمال إلى مناطق الجنوب. وتشير بيانات القياس في مدينة كاوب إلى أن بقاء منسوب المياه تحت مستوى 78 سنتيمترا لأكثر من 30 يوما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 1%. وهو ما يعني أن النهر يصبح غير صالح للملاحة الكاملة عندما ينخفض منسوب المياه إلى أقل من هذا الحد، وهذا يعيق مرور السفن التجارية التي تحمل البضائع الثقيلة. وقال الخبير الاقتصادي جوزيف لابشوتس في حديثه لموقع "الجزيرة نت": "إذا استمر انخفاض منسوب المياه، فستعاني المصانع من نقص في المواد الخام، وقد تضطر إلى خفض الإنتاج أو حتى إيقافه مؤقتا". داعيا الحكومة الألمانية إلى تحرك عاجل لمعالجة هذا التهديد المتفاقم. حلول مؤجلة.. المال وحده لا يكفي شركات مثل "باسف" بدأت بالفعل بالبحث عن حلول بديلة، من بينها شراء سفن ذات تصميم خاص للإبحار في المياه الضحلة. إلا أن هذه الإجراءات تبقى حلولا مؤقتة، إذ إن الموقع الصناعي الرئيسي للشركة في لودفيغسهافن يستقبل يوميا حوالي 15 سفينة، وهي كميات لا يمكن تعويضها بسهولة عبر الشحن البري أو السكك الحديدية. ورغم أن الحكومة الألمانية السابقة وضعت خطة لتعميق مجرى نهر الراين بنحو 20 سنتيمترا في مناطق ضيقة تمتد لمسافة 50 كيلومترا، فإن المشروع لا يزال متعثرا بسبب التعقيدات البيروقراطية. وعلّق وزير النقل السابق فولكر فيسينغ بالقول: "المال وحده لا يكفي لحل مشاكل البنية التحتية، بل نحتاج إلى سرعة في التنفيذ". الوقاية أولا.. رؤية إستراتيجية مفقودة ويرى الخبير في مواجهة الكوارث المناخية، جوزيف لابشوتس أن ما يجري اليوم هو إدارة لأعراض الأزمة، وليس معالجة لأسبابها الجذرية. ويضيف: "على مدى السنوات الماضية، تم اتخاذ العديد من الإجراءات على المستويات الأوروبية والألمانية، وتم تعزيز التعاون الأوروبي من خلال برامج مثل "كوبرنيكوس" التي تقدم الدعم للدول عندما تعجز عن المواجهة منفردة". ويشدد لابشوتس على أن الوقاية طويلة الأمد هي الأساس في التصدي لهذه الكوارث المتكررة. ويقول: "يجب إعادة تشجير الغابات وتغيير أنماط إدارتها، واستخدام تقنيات حديثة مثل أجهزة الاستشعار لمراقبة الغطاء النباتي، إلى جانب أنظمة إنذار مبكر، والمراقبة عبر الأقمار الصناعية". ويختم بالقول: "لا بد أن تكون هذه الجهود شاملة وعادلة اجتماعيا. تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ضرورة لا يمكن التخلي عنها، وهي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الحكومات، والشركات، والمجتمع المدني". أزمة متشابكة تنتظر إرادة سياسية الجفاف في ألمانيا لم يعد ظاهرة عابرة، بل تحول إلى أزمة مركبة تمس الأمن الغذائي، واستقرار الاقتصاد، وسلامة النظم البيئية. وبينما تتخذ السلطات تدابير مؤقتة لاحتواء الآثار، تظل المعالجة الجذرية معلقة بين بطء التنفيذ وضعف الإرادة السياسية. ما يحتاجه الوضع ليس فقط تمويلا أو معدات، بل رؤية متكاملة طويلة الأمد تضع البيئة في قلب السياسات الاقتصادية، وتمنح الاستدامة أولوية تتناسب مع حجم الخطر.

الإسهامات العربية في علم الآثار
الإسهامات العربية في علم الآثار

الجزيرة

timeمنذ 21 ساعات

  • الجزيرة

الإسهامات العربية في علم الآثار

تشهد بلدان عربية عدة اهتماما ملحوظا بعلم الآثار، والبحث عن المعالم القديمة، وترميمها وحفظها باعتبارها تراثا للإنسانية جمعاء. وإذا كانت مصر تتصدر منطقة الشرق الأوسط في مجال الاكتشافات الأثرية الجديدة، وانتشار علم الآثار، وتعدد الكليات والمعاهد الأكاديمية المعنية بدراسته، فإن بلدان الخليج العربي تشهد اهتماما متزايدا بالدراسات الأثرية، ونموا في مجال الحفائر بحثا عما تركه الأقدمون من منشآت وشواهد وقطع أثرية تساعد في الكشف عن أسرار الأجداد وما عرفوه من علوم وفنون وأنماط حياة. وتنشط الحفائر والأنشطة في مجال علم الآثار بمختلف بلدان الخليج، بداية من سلطنة عمان وقطر والسعودية، مرورا بالإمارات والكويت والبحرين، حيث تتزايد في تلك الدول أعمال البحث والتنقيب والحماية والترميم. وكما أسلفنا، فإن مصر تحضر بقوة في مجال علم الآثار، من خلال الحفائر العديدة التي ساعدت في التوصل لكثير من الاكتشافات الأثرية الحديثة في مناطق عدة، منها: الأقصر وأسوان وسقارة والمنيا وغيرها. نبوغ عربي ويجمع آثاريون وعلماء وباحثون عرب على أن بلاد العالم العربي شهدت حضورا كبيرا لعلم الآثار، وأن كثيرا من العرب نبغوا في ذلك المجال، وحققوا اكتشافات مذهلة، ووضعوا دراسات مهمة، وشكلوا مدارس عربية خاصة في حقل الآثار على مدار عقود مضت. وفي هذا الإطار، قال الدكتور سلطان الدويش، المدير الأسبق لإدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، إنه يعتقد بوجود مدارس عربية متفرقة في مجال الآثار بالوطن العربي، لكنه أكد أن المدارس الأجنبية هي الأكثر منهجية واستمرارية. وثمن الدويش، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، جهود بلاده ودول منطقة الخليج العربي في مجال علم الآثار، وصون وحماية المكتشفات الأثرية، وتزايد الأنشطة العلمية الخليجية في هذا المجال. من جانبه، قال الباحث المصري فرنسيس أمين، لوكالة الأنباء الألمانية، إن مصر على سبيل المثال، غنية بكثير من الوجوه العلمية الوطنية في مجال الآثار، أمثال أحمد باشا كمال، وسليم حسن، ولبيب حبشي وغيرهم، فهم المؤسسون الحقيقيون للمدرسة المصرية في مجال الآثار، وهي مدرسة ذات فهم أوضح للبيئة، وتقوم على أنه لا يمكن الفصل بين الآثار المصرية القديمة والبيئة المحيطة بها. واعتبر أن المؤسس الحقيقي للمدرسة العربية المصرية في مجال الآثار هو أحمد فخري، الذي قام بحفائر في مواقع أثرية عدة، وكان ندا قويا لعلماء الآثار ذوي الشهرة العالمية، وكان تلاميذه ينتشرون في الشرق الأدنى، من العراق لليمن وغيرهما، وهو مؤسس مدرسة عربية قومية في علم الآثار. ولفت إلى أن انتشار كليات الآثار أسهم في وجود عدد كبير من الآثاريين الذين صار يشار إليهم بالبنان. وقال الأثري المصري والمدير العام الأسبق لمنطقة آثار الأقصر ومصر العليا، محمد يحيى عويضة، إن العرب يمتلكون أسس ومقومات "علم آثار عربي"، وإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدقة والتخصص لتأسيس مدرسة أثرية عربية أو مصرية، تكون قادرة على الصمود في مواجهة التطور الذي تشهده المدارس الأثرية الغربية، وخاصة في مجالات علوم التحنيط، وعلم المواقع الأثرية، وعلوم التوثيق والتسجيل، واستخدام التطبيقات الحديثة في جميع علوم الآثار. وشدد على أن الأمر يحتاج إلى تنسيق الجهود العربية، خاصة وأن الخبرات والأدوات متوافرة، لكنها مبعثرة ولا يربطها رابط، وذلك بحسب قوله. "العرب يمتلكون أسس ومقومات "علم آثار عربي"، وإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدقة والتخصص لتأسيس مدرسة أثرية عربية أو مصرية، تكون قادرة على الصمود في مواجهة التطور الذي تشهده المدارس الأثرية الغربية، وخاصة في مجالات علوم التحنيط، وعلم المواقع الأثرية، وعلوم التوثيق والتسجيل، واستخدام التطبيقات الحديثة في جميع علوم الآثار" ورأى أيمن أبو زيد، رئيس الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية، أن العالم العربي يشهد طفرة في مجال علم الآثار، وأن مصر شهدت العديد من الاكتشافات الأثرية الضخمة التي عثر عليها بمعرفة بعثات أثرية من الآثاريين المصريين وأشار أبو زيد، في حديث للوكالة الألمانية، إلى أن بلدانا ومناطق عدة تشهد نشاطا متزايدا في مجال الاكتشافات الأثرية وصون وحماية المعالم، وهو ما يحدث بشكل لافت في الإمارات العربية المتحدة، وفي إمارة الشارقة، وداخل الكويت والمملكة العربية السعودية، وغير ذلك من البلاد العربية التي صارت أكثر وعيا بأهمية دراسة تاريخها وآثارها، وهو الأمر الذي يدلل على أن العرب لديهم مدارس وطنية في مجال علم الآثار. كان البحث عن كنوز وآثار الشعوب القديمة قد استهوى كثيرين ممن كانوا يوصفون ب "المغامرين"، ومنذ القرن التاسع عشر أخذ الاهتمام يتزايد بمعرفة الماضي، حيث يضطر الإنسان للحفر مسافات بعيدة في باطن الأرض للعثور على بقايا الماضي ودراستها. آثار الأقدمين وأصبح البحث عن الماضي، والحفر والتنقيب عن آثار الأقدمين من الأمم السابقة، ومعالم الحضارات التي ربما ضاعت معالمها بفعل الطبيعة وتقلباتها، علما يدرس في الجامعات ويقوم به متخصصون، وصار ذلك يطلق عليه "علم الآثار". وقد استفاد علماء الآثار من التقنيات الحديثة في تطوير أدواتهم، واستطاعوا توظيف التقنيات التي وفرها لهم العلم الحديث في أعمال الحفر والتنقيب والبحث عن الآثار القديمة. وعلى الرغم من تقدم العلوم في مجال البحث عن الماضي، فإن الحظ يلعب دورا كبيرا في التوصل لاكتشافات أثرية مذهلة. ويقال إن الصدفة قادت لاكتشاف خبايا ضخمة من المومياوات والتوابيت الفرعونية في الأقصر وفي الواحات المصرية. كما قادت الصدفة بعض الصيادين في اليونان إلى العثور على التمثال البرونزي الشهير لـ"بوسيدون"، واكتشف أطفال وهم يطاردون كلبهم كهف "لاسكو" الذي يرجع تاريخه إلى عصور ما قبل التاريخ في فرنسا. وبعض الاكتشافات الأثرية الكبرى قادت إليها الطبيعة، مثل قيام الرياح والمياه بإزاحة الأتربة عن مدن اختفت في عصور سابقة، ومن الممكن أن يقود إنشاء طريق جديد أو مشروعات بناء عملاقة إلى العثور على آثار عظيمة. لكن علماء الآثار لا يؤمنون بالاكتشافات التي تقود إليها الصدفة، بل لهم خطط يطبقونها تدريجيا للوصول إلى ما يبحثون عنه من آثار أو بقايا مدن. وباستطاعة الآثاريين أن يحددوا وفقا لخرائطهم موقعا محددا للحفر والتنقيب أسفله. كما صارت دراسة بعض النصوص القديمة المكتشفة طريقا للوصول إلى مواقع مدن وقرى ومعابد ومقابر شيدت قبل آلاف السنين، وصارت هذه النصوص أيضا مصدرا لمعلومات يصفها الآثاريون بالثمينة أحيانا، كونها تقدم أدلة على مواقع آثار ومعالم اندثرت بمرور الزمن. وصار علم الآثار اليوم يتضمن فروعا جديدة، منها صيانة وحماية المعابد والمقابر من الانهيار، وترميم النقوش والرسوم، وترميم الملابس والأقمشة، وترميم الوثائق مثل أوراق البردي، إلى جانب ترميم المومياوات والأجساد التي احتفظت بمكوناتها آلاف السنين بفضل علوم التحنيط التي عرفتها بعض شعوب العالم القديم مثل مصر والبيرو.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store