
الجبل والبحر يرويان قصة الرؤية
في لحظة عابرة من صيفٍ لم يكن كغيره، وقفت على شرفة مطلّة على وادي السودة، أتأمل ما حولي وأنا أحاول استيعاب التغيّر الهائل الذي شهده هذا الوطن خلال سنوات قليلة فقط. كانت نسمات المساء تداعب وجهي، والضباب يلف الجبل كأن الطبيعة تحتفل بجمالها. شيءٌ ما في الداخل همس لي أن هذا الجمال لم يعد مختبئًا، ولم يعد منسيًا في كتب الجغرافيا أو صور العطلات القديمة، بل صار حاضرًا، قويًا، واضحًا… تمامًا كما أراده سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - حين قال: 'نحن لا نريد العيش في الماضي بل نتطلع إلى المستقبل.'
نحن نشهد اليوم تحولًا غير مسبوق في مفهوم السياحة داخل المملكة. لم تعد السياحة مجرد متنفس للترفيه، بل أصبحت صناعة متكاملة، أحد روافد الاقتصاد الوطني، وجسرًا يصل بين المواطن وبلده، وبين العالم وثقافتنا. المملكة فتحت أبوابها للعالم من خلال تأشيرات إلكترونية ميسّرة، ومبادرات سياحية مرنة، ومشاريع ضخمة تتخطى حدود التوقع.
فمن نيوم ذات الرؤية المستقبلية، إلى البحر الأحمر الذي أعاد تعريف السياحة الساحلية، ومن العلا التي تحكي آلاف السنين من التاريخ، إلى القدية التي تعد بمرحٍ وترفيهٍ غير مسبوق، كلها دلائل واضحة على أن رؤية 2030 لم تكن حبرًا على ورق، بل مشروعًا وطنيًا ضخمًا، أعاد توجيه البوصلة، وحرّك عجلة السياحة نحو الأمام بثقة وجرأة.
لكن ما يجعل هذا التحوّل أكثر تأثيرًا، ليس فقط ما نراه من بنى تحتية ومنشآت، بل ما نشعر به من انتماء ودهشة عندما نزور مناطقنا بأنفسنا. اليوم، كثير من العائلات السعودية لم تعد تُخطط لعطلتها خارج الحدود، بل تبحث عن مدن مثل أبها، الطائف، الباحة، العلا، أملج، العيدابي، رجال ألمع، السودة، بللحمر، تبوك، وخليج نيوم. أصبحنا ننتقل من مدينة لأخرى داخل المملكة لنكتشف وطنًا كأننا نراه للمرة الأولى.
وفي هذا السياق، تبرز منطقة عسير، وبخاصة مدينة أبها، كنموذج حي على نجاح الرؤية في ترجمة الجمال الطبيعي إلى تجربة سياحية راقية. فهناك، في السودة، تجد أعلى قمة في المملكة، وفي رجال ألمع تقف أمام قرية صُنفت عالميًا كواحدة من أجمل القرى، وفي الحبلة تقرأ الجغرافيا وكأنها قصيدة. كل تلك المراكز والقرى المجاورة، من بللسمر إلى مربه، ومن بني مازن إلى العكاس، ومن بللحمر إلى السقا، تحكي قصة جنوبٍ لم تُنصفه العدسات سابقًا، لكنه اليوم في صدارة المشهد السياحي.
هذه القرى ليست مجرد وجهات، بل هي روح المكان وسر الانتماء، فهي تحتضن الزائر بكرمها وبساطتها، وتمنحه شعورًا بأن الجمال ليس في البعد، بل في القرب. كما أن سكانها أصبحوا شركاء في صناعة التجربة، فتحوا بيوتهم كاستراحات ريفية، وقدّموا منتجاتهم المحلية، فصار السائح يخرج من المنطقة محمّلًا بذكريات ودفء إنساني نادر.
ولذلك فإنني اليوم، ومن قلب تجربتي الشخصية في مناطق المملكة، أدعو بكل حب واعتزاز، كل من لم يجرّب السياحة داخل وطنه أن يفعل ذلك الآن. ليس فقط لأن الأسعار أصبحت مناسبة، والخدمات ارتفعت جودتها، بل لأنك ستكتشف شيئًا في داخلك أيضًا. ستدرك أنك كنت بعيدًا عن وطنٍ قريب، وأنك كنت تبحث في الخارج عن شيء هو في الحقيقة تحت قدميك، وعلى جبين سماء مدنك وقراك.
والسياحة الداخلية ليست تجربة ترفيهية فقط، بل تحمل في طياتها فوائد وطنية عميقة؛ فهي تساهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتمنح الفرص لأبناء وبنات الوطن ليكونوا شركاء في النجاح، من خلال العمل في مجالات الضيافة، والإرشاد، والتجارة، والحرف اليدوية. كما أنها تعزز الشعور بالأمن، حين يكون المواطن متفاعلًا مع محيطه، متنقلًا في أرجاء بلده، مطّلعًا على ثقافات المناطق المختلفة. فالوطن حين يُكتشف يُحب أكثر، وحين يُحب يُصان أكثر.
وفضلًا عن ذلك، فإن السياحة الداخلية تساهم في تخفيف الضغط على السفر الخارجي، وتقلل من ازدحام المطارات ومصاريف العائلات، كما تُبقي الأموال تُنفق داخل حدود الوطن، فتنتعش المدن الصغيرة وتُبعث الحياة في القرى والمراكز النائية. وتُعد أيضًا وسيلة فعّالة لنشر الوعي البيئي والثقافي، وتعليم الأجيال القادمة أهمية الحفاظ على الطبيعة، واحترام التنوّع الجغرافي والثقافي الذي تزخر به المملكة.
ولعل أجمل ما في هذه النهضة السياحية، أنها لم تُغيّر فقط مظهر المملكة، بل أعادت تشكيل هويتها في أذهان العالم. فأصبحنا نُعرف لا فقط كبلد نفطي أو ديني، بل كوجهة حضارية سياحية عالمية، تعتز بجذورها وتواكب العالم بلغة المستقبل.
وهكذا، وبينما نقترب من بداية موسم الصيف، أُوجه دعوة صادقة لكل الأسر السعودية، ولكل من يسكن هذا الوطن العظيم: سافروا داخل المملكة. اتركوا لأبنائكم ذاكرة صيفية من ضباب عسير، أو غروب نيوم، أو ليل الطائف. علّموهم أن حب الوطن لا يُحفظ في النشيد فقط، بل يُعاش بين الجبال والبحر، وبين السوق الشعبي والمتحف، وبين يد عامل سعودي يقدّم لك الخدمة بابتسامة فخر.
فالسعودية اليوم ليست كما كانت، ولن تعود كما كانت، وهذا الفضل بعد الله، لقيادة تعرف إلى أين تتجه، وتُدرك أن الجمال الحقيقي يبدأ حين نؤمن بأن أرضنا تستحق، وشعبنا يستحق، والمستقبل أمامنا.. واسع كصحرائنا، عميق كجذورنا، ومشرق كجبال السودة حين يعانقها الضباب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 26 دقائق
- أرقام
سينومي سنترز تعلن عن تعيين رئيس مجلس الإدارة ونائبه والعضو المنتدب وتشكيل لجان المجلس، وتعيين ممثلي الشركة
إشارة إلى اجتماع الجمعية العامة العادية لشركة المراكز العربية ("سينومي سنترز" أو "الشركة" (المنعقد بتاريخ 17 يونيو 2025م، والمنشور نتائجه على موقع تداول السعودية بتاريخ 18 يونيو 2025م المتضمنة انتخاب أعضاء مجلس إدارة الشركة لدورته الجديدة التي تبدأ اعتباراً من 19 يونيو 2025م ولمدة أربع سنوات ميلادية تنتهي في 18 يونيو 2029م. تُعلن شركة المراكز العربية (سينومي سنترز) عن قرارات مجلس الإدارة الصادرة بتاريخ 19 يونيو 2025م، وذلك على النحو التالي: أولاً: تعيين رئيس مجلس الإدارة ونائبه والعضو المنتدب كما يلي: 1- الأستاذ/ فواز بن عبدالعزيز الحكير (عضو غير تنفيذي) رئيساً لمجلس الإدارة. 2- المهندس/ سلمان بن عبدالعزيز الحكير (عضو غير تنفيذي) نائباً لرئيس مجلس الإدارة. 3- المهندس/ كامل بديع القلم (عضو تنفيذي) عضواً منتدباً. ثانياً: وافق مجلس الادارة على تشكيل لجانه كما يلي: 1- تشكيل لجنة المراجعة للدورة الحالية من الأعضاء التالية أسمائهم: - الأستاذ/ تركي بن سعود بن عبدالرحمن الدايل (عضو مجلس الادارة –مستقل) رئيس اللجنة - الأستاذ/ ينال موفق صادق السعودي (عضو من خارج المجلس –مستقل) عضو - الأستاذ/ زاهر محمد علي فتوح (عضو من خارج المجلس –غير تنفيذي) عضو 2- تشكيل لجنة الترشيحات والمكافآت للدورة الحالية من الأعضاء التالية أسمائهم: - الأستاذ/ جوهان هنري براند (عضو مجلس الادارة –مستقل) رئيس اللجنة - الدكتور/ خالد بن عبدالله بن عبدالعزيز السويلم (عضو مجلس الادارة –مستقل) عضو - الأستاذ/ محمد رفيق مراد (عضو مجلس الادارة –غير تنفيذي) عضو ثالثاً: تعيين أمين سر المجلس وممثلي الشركة لدى هيئة السوق المالية، مجموعة تداول السعودية، وشركة مركز إيداع الأوراق المالية لجميع الأغراض المتعلقة بتطبيق نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية.


مجلة هي
منذ 2 ساعات
- مجلة هي
الرياض تدشّن الجولة الإعلامية العالمية لـ"نزال القرن" تليها نيويورك ولاس فيغاس
تركي آل الشيخ: المملكة أصبحت قوة كبرى في عالم الملاكمة… ونزال كانيلو وكروفورد هو الأضخم في العقد الأخير أكد معالي المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه (GEA) ورئيس الاتحاد السعودي للملاكمة، أن المملكة العربية السعودية باتت اليوم لاعبًا محوريًا في الساحة العالمية لرياضة الملاكمة، مشيرًا إلى أن النزال المنتظر بين النجمين كانيلو ألفاريز وتيرينس كروفورد، والذي يُعد من أضخم النزالات في التاريخ الحديث، يمثل لحظة فارقة تعكس طموحات المملكة في ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للرياضات القتالية. جاء ذلك على هامش تدشين موسم الرياض مساء اليوم (الجمعة) من مسرح بكر الشدي في منطقة بوليفارد سيتي، الجولة الإعلامية العالمية لـ"نزال القرن" على لقب الوزن المتوسط الفائق، وذلك من خلال مؤتمر صحفي هو الأول ضمن سلسلة فعاليات ترويجية تجمع بين بطل العالم المكسيكي ساول "كانيلو" ألفاريز والنجم الأمريكي تيرينس كراوفورد، استعدادًا للنزال المرتقب في 13 سبتمبر المقبل والذي سيقام في Allegiant Stadium بلاس فيغاس الأمريكية. وقال آل الشيخ خلال المؤتمر الصحفي (ممازحاً) "لا أعلم لماذا أرادوا مني أن أكون هنا – كل ما أريده هو أن أكون في صف كروفورد!"، لكن أولاً، أود أن أعبّر عن خالص امتناني لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على دعمه الكبير لنا، ولشعبه، ولرياضة الملاكمة، من خلال الاتحاد السعودي للملاكمة، وموسم الرياض، والهيئة العامة للترفيه، وشركة صلة". وأضاف: "أشكر شريكي وصديقي العزيز الدكتور راكان الحارثي، على تفانيه، كما أُعرب عن تقديري الكبير لأسطورتين من أعظم المقاتلين في عصرنا – كانيلو وكروفورد. هذا الحدث أصبح واقعًا، والحمد لله على ذلك، كما أشكر فريق نتفليكس بأكمله. أنا واثق أن ما نبنيه سويًا سيكون استثنائيًا، وأعدكم بأنه سيكون لا يُنسى. هذه مجرد بداية لعلاقة عظيمة بين المملكة العربية السعودية، والهيئة العامة للترفيه، ومنصة نتفليكس، بإذن الله.' وحول أجواء ما قبل النزال، قال آل الشيخ:"قبل الساعة الثانية عشرة كنا نتناول العشاء معًا، وكان كل شيء احترافيًا. لكن بعد منتصف الليل، اختفت مظاهر الهيبة والهدوء، وبدأ التحدي الحقيقي. وكما قلت سابقًا، لا أحب نوع الملاكمة الذي يشبه مطاردات توم وجيري. أبحث عن القتال الحقيقي، عن الضربات والدماء – هذا هو جوهر الملاكمة". وأكد أن إقامة النزال في مدينة لاس فيغاس الأميركية لم يكن تقليلاً من قيمة المملكة، بل تعزيزًا لمكانتها العالمية، موضحًا: "لم نرغب في حلبة صغيرة أو نزال محدود. هذا حدث ضخم ويستحق أن يُقام في عاصمة الملاكمة. نحن نمول هذا النزال بالكامل، وهو مملوك لنا، والمملكة هي من تقود هذه اللحظة التاريخية. وأعتقد أن يوم 13 سبتمبر، بإذن الله، سيكون موعدًا لأحد أعظم النزالات في العشر سنوات الأخيرة، وربما في تاريخ الملاكمة الحديث.' وردًا على سؤال حول آليات تفادي نزالات "الهروب والمراوغة"، المعروفة بـ"توم وجيري"، أكد آل الشيخ: "لن نسمح بهذه النزالات مجددًا، وهذه هي الخطوة الأولى. كما سنخصص مكافآت مالية للضربات القاضية، سواء في هذا النزال أو في النزالات القادمة". وعن ما أُثير من تكهنات حول توقيت إقامة النزال، قال آل الشيخ مازحًا: "رأينا أوسكار دي لا هويا يحاول الترويج لفكرة أن النزال سيُقام في النهار، ولهذا كنت أريدكم أن تذكروا اسمه تحديدًا. لقد قررت مع دانا وايت أن نتناول الإفطار في MGM الساعة العاشرة صباحًا، ثم نتجه إلى القاعة لخوض النزالات، وبعدها نتناول العشاء في مطعم كاربون، وفي الليل سنشاهد فيلم The Conjuring الجديد. لقد أضاع أوسكار وقتي بهذا السؤال". وأضاف: "هذا هو الحدث الأضخم، وهذه هي الملاكمة الحقيقية، الرياضة الأولى في العالم. هذا هو نزال كانيلو وكروفورد". وعندما وُجه له سؤال حول مدى تشابه هذا النزال مع المواجهة التاريخية بين شوغر راي ليونارد ومارفن هاغلر، قال آل الشيخ: "كروفورد يدخل هذا النزال كبطل موحّد مرتين، ولم يتذوق طعم الخسارة، ويحلم أن يصبح أول من يُتوّج بثلاث بطولات موحدة في ثلاث فئات مختلفة. أما كانيلو، فله سجل استثنائي على مدى 20 عامًا، وواجه الجميع، ولن يسمح بأن يُسجّل عليه خسارة أمام خصم يصعد إليه في الوزن، هذه ستكون واحدة من أعظم النزالات في العقد الأخير على الأقل". وعن اختيار منصة نتفليكس، أوضح رئيس الهيئة العامة للترفيه رئيس الإتحاد السعودي للملاكمة: "عندما تسأل عن عدد المشتركين وعائدات المشاهدة، يجب أن تدرك أن الإنترنت والقرصنة اليوم ليست كما كانت في 2013 أو 2015. نتفليكس هي المنصة المثالية، وأنا واثق أن هذا الحدث سيحطم الأرقام القياسية عالميًا". وختم آل الشيخ الحديث بالإشارة إلى العشاء الذي جمع النجمين قبل المؤتمر، قائلاً: "استضفنا كانيلو وكروفورد على العشاء في إطار تقاليدنا في المملكة، حيث نرحب بضيوفنا كما نُكرّم الملوك. تحدثنا عن المستقبل، لدينا خطط مع كانيلو تمتد لسنتين قادمتين، وسنعمل على توسيع العلاقة لتشمل مجالات غير الملاكمة. كما أن علاقتي مع كروفورد متينة، ولدينا مشاريع كبيرة قادمة. كان اللقاء احترافيًا، وأعتقد أنهم منذ تلك الليلة يدركون تمامًا ما ينتظرهم". يذكر أن هذا المؤتمر الذي شهد حضوراً صحافياً عالمياً وعربياً ومحلياً،ـ أول محطة في الجولة الإعلامية التي ستنتقل من الرياض إلى نيويورك للمشاركة في فعالية Fanatics Fest يوم الأحد المقبل، على أن تختتم في مدينة لاس فيغاس يوم الجمعة القادمة، في إطار حملة ترويجية عالمية تسبق أحد أكبر النزالات في تاريخ الملاكمة الحديثة. ويحمل كانيلو سجلًا حافلًا بـ62 فوزًا، منها 39 بالضربة القاضية، مقابل خسارتين وتعادلين، فيما يخوض كراوفورد النزال بسجل مثالي بـ41 فوزًا دون أي خسارة، منها 31 بالضربة القاضية، وهو أول من حقق لقب البطل غير المنازع في فئتين وزنيتين في عصر 'الأحزمة الأربعة'. وفي تصريح له قال كانيلو خلال المؤتمر: "كل نزال هو أكثر من مجرد تبادل لللكمات بل إنه فخر، عائلة، وإيمان. أنت لا تقاتل خصمك فقط؛ بل تقاتل نفسك أيضًا. الأمر يتعلق بالانضباط، الالتزام، وحب الملاكمة. أنا أمثل المكسيك وأمريكا اللاتينية، ونحن نفتخر بتمثيل ثقافتنا عالميًا، وفي 13 سبتمبر، سأجسد هذا الفخر بكل معانيه". فيما أكد كراوفورد "هذا النزال سيكون ضخماً، وسيُصنَّف ضمن أكبر النزالات خلال العشرين سنة الماضية. أطمح لأن أكون بطلاً بلا منازع في ثلاث فئات وزنية. في 13 سبتمبر، سأخرج منتصرًا". وشهد المؤتمر الصحفي حضور نخبة من الشخصيات البارزة، حيث جلس على المنصة من جهة فريق كانيلو كل من ريتشارد شيفر، أحد المخضرمين في تنظيم النزالات العالمية، ونيك خان، الرئيس التنفيذي لشركة WWE وعضو مجلس إدارة شركة TKO، إلى جانب المدرب الشهير إيدي رينوسو، الذي يشرف على إعداد الملاكم ساول "كانيلو" ألفاريز. ومن الجهة المقابلة، حضر النجم الأمريكي تيرينس كراوفورد، إلى جانب إيشمايل هينسون، أحد أفراد طاقمه الإداري، ومدربه الخاص، في حين تولى تقديم وإدارة المؤتمر الإعلامي المذيع الرياضي المعروف تود غريشام، والذي سبق له تغطية العديد من النزالات الكبرى عالميًا. وفي ختام المؤتمر، شارك معالي المستشار تركي آل الشيخ في لحظة الـFace Off بين الملاكمين، في مشهد رمزي يجسّد الاستعداد لنزال تاريخي يترقبه عشاق الملاكمة من جميع أنحاء العالم.


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
العمارة والموسيقى
يبدو لي أن العلاقة بين الموسيقى والعمارة علاقة "ثقافية" بامتياز، وليست مجرد إحداث كل منهما للتأثير الجمالي السمعي والبصري، فعندما نتحدث عن الموسيقى أو العمارة يأخذنا الحديث للثقافة المؤسسة لهما وكيفية إنتاجهما، فالأمر ليس كما يُشاهد أو يُسمع في الظاهر، فلكل منهما جذور ممتدة في الثقافة المحلية، وهذه الجذور هي التي تحدد القدرة على الابتكار والاستمرار لكل منهما.. هناك عبارة مشهورة تقول: إن "العمارة موسيقى صامتة أو جامدة"، وهي عبارة لا تبتعد عن الحقيقة، فالبعض يرى أن هناك علاقة وشيجة بين الموسيقى والعمارة، على مستوى التأثير في الإحساس وتوليد المشاعر من خلال الإيقاع الدرامي الذي يربط بين الفنين. هذا ما يجعلني دائما أقول إن العمارة ليست هي "التصميم المعماري" الذي يربط بين الوظائف والتقنيات بل هي ما يتجاوز التصميم إلى الفن، مثل الموسيقى فهي ليست مجرد اللحن أو التأليف الموسيقي بل هي ما يتجاوز اللحن إلى تحريك الشعور وتحريك الخيال. خلال إجازة عيد الأضحى المبارك دعانا الزميل فؤاد الذرمان في منزله العامر، وهذه عادته عندما يكون هناك مفكرون وفنانون مشاركون في حفل العيد في مركز الملك عبدالعزيز (إثراء) وكانت الدعوة على شرف عازف العود المصري إسلام القصبجي، وهو يقرب إلى الموسيقار محمد القصبجي من جهة الأم. الدعوة ضمت بعض الأصدقاء وفريق الموسيقار القصبجي وتحولت إلى حوار عميق حول الموسيقى أولا ثم العمارة والعلاقة بينهما. يبدو أن الفنان القصبجي له توجه أكاديمي إذ إنه لم يكتفِ بالعزف بل يعمل على أطروحته للدكتوراه، وهو ما يجعله ينظر للموسيقى نظرة ثقافية تفسيرية. هل العمارة تستطيع أن تحدث نفس المشاعر التي تحدثها الموسيقى؟ يبدو أن هذا السؤال يفتح المجال إلى جدل "السمع والبصر" لأن نطاق السمع أوسع وأكثر تأثيرا، وقد قدّم الله سبحانه وتعالى السمع على البصر في جميع الآيات في القرآن، كما أن الفهم وتطور العقل مرتبط بالسمع أكثر من البصر، إذا فلماذا توصف العمارة أنها موسيقى جامعة؟ ولماذا يكتسب الإيقاع فيها أهمية كبيرة؟ يبدو أن هذه الأسئلة تحاول أن تفهم كيف يستجيب الإنسان للجمال وكيف يعبر عنه، فغالبا ما يُربط الجمال بالمشاهدة وليس بالسمع، مع أن الموسيقى هي تعبير صوتي جمالي يحرك المشاعر أكثر من مشاهدة لوحة أو مبنى متناغم أو حتى مشهد طبيعي متناسق. اللافت هو أننا نستخدم كلمة "تناغم" للتعبير عن الجمال البصري وكلمة "نغم" لوصف اللحن الموسيقي، وكلها تشير إلى التوافقات الرفيعة بين العناصر المكونة للمشهد البصري أو اللحن الموسيقي. في تلك الجلسة أثيرت هذه القضايا بأساليب مختلفة لكن القصبجي كان يرى أن الموسيقى تعبر عن محتوى ثقافي تطوّر عبر التاريخ وذكر تصنيفا، قد لا نتفق عليه، حول موسيقى الشعوب يبدأ من الشعوب الجنوبية مثل وسط افريقيا وهي شعوب إيقاعية أي تعتمد على الآلات الايقاعية مثل الطبول وغيرها ثم بعد ذلك الشعوب التي تعتد على الصوت (بين الايقاع واللحن) وعنما نتجه للشمال أكثر يظهر "اللحن" (الطرب) وفي أقصى الشمال (أوروبا) الموسيقى الأوبرالية. قد يكون هذا التصنيف غير واقعي لكنها ملاحظة جديرة بالتفكير، فمثلا لم أجد مثل هذا التصنيف في العمارة، وهذا أمر متوقع كونها فنا يختلط بالوظائف الحياتية وليست فنا خالصا. سار بنا الحوار إلى علاقة الموسيقى باللغة، فهل اللغة العربية مثلا هي التي صنعت الموسيقى العربية، وهل يمكن أن تحد اللغة من تطور الموسيقى وتحبسها في قالب صعب الخروج عنه. فمثلا كل الذين حاولوا تقليد "الراب" الأميركي لم يوفقوا لأن اللغة العربية لها خصائصها ويفترض أن موسيقاها تنبع منها ومن جوهرها.. القصبجي يرى أن اللغة العربية لغة شعرية وغنائية وكان تأثيرها عميقا وإيجابيا على الموسيقى العربية لكنها تتطلب عمقا لغويا ونصوصا شعرية رفيعة المستوى وأذنا موسيقية حساسة، وذكر أم كلثوم كأحد أبرز الأمثلة التي تؤكد أن علو كعب اللغة العربية التي يمكن أن تصنع موسيقى يصعب منافستها. يبدو لي أن هذا السؤال يحتاج إلى المزيد من البحث، فكما نعلم أن اللغة صوت ومعنى وبالتالي فهي تحدد النطاق الموسيقي فحسب نطق الكلمات تتشكل الألحان. لا يوجد مثل هذه المحددات العميقة في العمارة، في السابق كانت البيئة المناخية والتقنيات ومواد البناء المحلية بمثابة اللغة، بالإضافة إلى أنماط العيش والثقافة، لكن اليوم تفككت تلك اللغة وظهرت لغات أخرى متعددة. يبدو أن الموسيقى لديها قدرة على البقاء والاستمرار أكثر من أي فنون مادية كونها مرتبطة باللغة الأم مباشرة وهذه يصعب تغييرها وإن كانت قابلة للتطور. في اليوم التالي كان هناك افتتاح لأرينا الخبر، وهو مبنى عملاق ضمن معارض الظهران يمكن تحويله إلى مسرح يحوي 7500 كرسي، وكان ضيف الافتتاح فنان العرب محمد عبده. الحقيقة أنني كنت ما أزال متأثرا باللقاء في بيت الصديق الذرمان، إذ يبدو أن الموسيقى ليست فقط "ترفيهًا" بل ثقافة عميقة. صرت أفكر، وأبو نورة يطرب الجمهور، في الموسيقى السعودية والخليجية، فرغم النجاحات الكبيرة التي حققتها لماذا لم تصل إلى قمة الغناء العربي. هل هو حاجز اللغة الذي صنع كلمات لها حدود لا تخرج عنها وبالتالي أثر على مستوى التأليف الموسيقي وجعل من الإيقاع محدودا ومحاصرا في صور معينة؟ لا أملك الإجابة على هذا السؤال، لكنه سؤال قديم محفور في ذاكرتي لأن الأغنية الخليجية لم تصل للأذن العربية إلا مؤخرا، ربما، لكنها حتى الآن لم تصنع لنفسها مكانا واضحا. يبدو لي أن العلاقة بين الموسيقى والعمارة علاقة "ثقافية" بامتياز، وليست مجرد إحداث كل منهما للتأثير الجمالي السمعي والبصري، فعندما نتحدث عن الموسيقى أو العمارة يأخذنا الحديث للثقافة المؤسسة لهما وكيفية إنتاجهما، فالأمر ليس كما يُشاهد أو يُسمع في الظاهر، فلكل منهما جذور ممتدة في الثقافة المحلية، وهذه الجذور هي التي تحدد القدرة على الابتكار والاستمرار لكل منهما. ربما نحتاج إلى دراسة "جينيولوجيا" Genealogy أو نسب وسلالات الموسيقى والعمارة العربية وفهم تشابكاتهما واختلافاتهما وخصوصيتهما العامة والمناطقية، وحتى يحدث هذا ما علينا إلا إتاحة الفرصة للأذن أن تستمع فهي تعشق قبل العين أحيانا.