
أخبار مصر : روماني رزق الله: الحريق كشف هشاشة التصميم المركزي للشبكة الرقمية.. ونحتاج لمنظومة موزعة فوريا
نافذة على العالم - واجهت مصر واحدة من أخطر الأزمات وهي انهيار البنية التحتية الرقمية في مصر، حيث اندلع حريق هائل داخل سنترال رمسيس بوسط القاهرة، أحد أهم مراكز تشغيل خدمات الاتصالات في البلاد، ما أدى إلى توقف جزئي وكامل للإنترنت والمحمول والهاتف الأرضي في عدد من المحافظات، وتسبب في ارتباك واسع بعدد من القطاعات الحيوية.
الحريق الذي وقع ظهر الإثنين كشف عن نقاط ضعف في تصميم الشبكات واعتمادها على نموذج مركزي واحد للتشغيل، ما طرح تساؤلات كبيرة حول مدى استعداد الدولة لمواجهة الطوارئ الرقمية، وضرورة وضع خطة بديلة لحماية الأمن القومي المعلوماتي وخدمات الاتصالات الحيوية.
قال المهندس الاستشاري روماني رزق الله، رئيس الاتحاد الأفروآسيوي للذكاء الصناعي والحوكمة، إن توقف خدمات الاتصالات في مصر ليوم كامل ليس مجرد حادث عرضي، بل كشف خطير لهشاشة البنية التحتية الرقمية، وجرس إنذار يستدعي تحركًا استراتيجيًا فوريًا لإعادة هيكلة منظومة الاتصالات القومية.
وأكد رزق الله أن سنترال رمسيس يعد مركزًا حيويًا يربط بين الشبكات الأرضية وشبكات المحمول، ويضم مراكز بيانات رئيسية، ويدير نحو 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، وبالتالي فإن أي خلل فيه ينعكس بشكل مباشر وشامل على المنظومة كلها.
الحريق أدى إلى انهيار كامل في الاتصال بين الشبكات
وأوضح أن الحريق الذي اندلع بالمبنى أدى إلى تلف أنظمة الكهرباء ولوحات التحكم ومحولات التيار وأجهزة الفايبر (الألياف الضوئية)، ما أثر على دوائر الربط الحيوية بين السنترالات، واضطرت فرق الطوارئ لفصل التيار الكهربائي بالكامل.
وأضاف روماني أنظمة الـ UPS لم تنجح في تعويض الانقطاع، مما أدى إلى فقدان جداول التوجيه، ونتج عن ذلك انهيار شامل للاتصال بين الشبكات، وليس مجرد عطل جزئي.
سنترال رمسيس يمثل 'نقطة فشل واحدة' تهدد المنظومة بالكامل
وأشار رزق الله إلى أن الكارثة تعود في الأساس إلى الاعتماد على نموذج مركزي هش، موضحًا أن سنترال رمسيس يمثل ما يعرف فنيًا بـنقطة فشل واحدة ، وهي نقطة ضعف جوهرية تعني أن أي عطل فيه يؤدي إلى شلل كامل في النظام، بسبب غياب المصارات البديلة وخطط التحويل الفوري.
وقال المنظومة مصممة بشكل مركزي يجعلها شديدة الهشاشة، دون أي خطة توزيع أو بدائل جاهزة، ودون تحديث حقيقي للبنية التحتية أو تفعيل خطط الطوارئ.
الحل يبدأ من الشبكات الموزعة والاعتماد على الذكاء الاصطناعي
وأكد رئيس الاتحاد الأفروآسيوي للذكاء الصناعي أن تجاوز هذه الأزمة مستقبلاً يتطلب التحول إلى نموذج الشبكات الموزعة، من خلال توزيع البنية التحتية على مواقع متعددة بديلة، بما يضمن استمرار الخدمة في حال تعطل أحد المراكز.
وأوضح أن هذا النموذج يتيح وجود مسارات متعددة للاتصال وليس مسارًا واحدًا فقط، مع تفعيل النسخ الاحتياطي الفوري والتحويل التلقائي.
وشدد رزق الله على ضرورة الاستفادة من تقنيات الحوسبة السحابية لحفظ البيانات وتأمينها، إلى جانب تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) لرصد الأعطال المحتملة والتنبؤ بها قبل وقوعها، واتخاذ إجراءات وقائية لحماية البنية التحتية.
وأضاف التحول الرقمي لا يكتمل بدون نظام إنذار مبكر فعال، يراقب الأداء ويعطي إشارات تحذيرية عند حدوث أي خلل، هذه ليست رفاهية، بل ضرورة أمن قومي في ظل ما نواجهه من تحديات تقنية متصاعدة.
ما حدث فرصة لإعادة بناء منظومة الاتصالات من جديد
واختتم رزق الله تصريحاته قائلاً الأزمة لم تكن فقط نتيجة حريق، بل نتيجة تراكم إهمال تصميمي وضعف استثماري في البنية الرقمية، وما حدث يجب أن يكون دافعًا لإعادة بناء المنظومة وفق رؤية تكنولوجية حديثة تعتمد على المرونة، والتوزيع، والذكاء الاصطناعي، والتأمين الرقمي الشامل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار المصرية
منذ ساعة واحدة
- النهار المصرية
التعليم الفني يدخل عصر الذكاء الاصطناعي.. افتتاح 8 مدارس تكنولوجيا جديدة WE
كتب: ثابت عبد الغفار افتتحت شركة اتصالات مصر ثماني مدارس جديدة للتكنولوجيا التطبيقية WE، ليصل المجموع إلى 27 - واحدة في كل محافظة، كجزء من استراتيجية بناء القدرات الرقمية لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (MCIT). تم افتتاح المدارس الجديدة التي من المقرر أن تستقبل الطلاب في العام الدراسي 2025-26 في مرسى مطروح والفيوم والمنوفية والبحر الأحمر والأقصر وأسوان وبني سويف وشمال سيناء. نحن ATS نقدم مجموعة متنوعة من التخصصات المصممة خصيصا لتلبية متطلبات العصر الرقمي. يتم توفير مناهج دراسية متقدمة تتماشى مع التكنولوجيات المتطورة في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتطوير الويب والبرمجيات، والتواصل الشبكي، وأمن المعلومات. تم تقديم تخصصين جديدين - تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي (AI)، والفنون الرقمية - يعالجان احتياجات سوق العمل المتطورة وزيادة فرص العمل للخريجين. هذا التوسع هو جزء من بروتوكول التعاون المستمر بين MCIT ووزارة التربية والتعليم الفني، والذي يهدف إلى البناء على نجاح مدارس WE في سد الفجوة بين التعليم النظري ومتطلبات سوق العمل الفعلية. وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت يلاحظ أن WE ATS يمثل ركيزة رئيسية في استراتيجية بناء القدرات الرقمية للوزارة، ويتم تأسيسها بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الفني. وأبرز أن التوسع المستمر لهذه المدارس يعكس التزام MCIT بتوفير فرص تعليمية مميزة للطلاب على مستوى البلاد. كما أكد وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصال أن هذه المدارس توفر نظاماً متكاملاً يجمع بين التعليم الأكاديمي يتماشى مع أحدث التطورات التقنية، والتدريب العملي لطلاب المهارات. يساعد هذا النهج على إعداد مجموعة مواهب رقمية قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل العالمي. تقدم شركة WE ATS فرص تدريب عملي واعدة للطلاب في مباني اتصالات مصر وفروعها، وتزويد المتعلمين بالخبرة العملية اللازمة لدخول القوى العاملة بالكفاءة عند التخرج. بعد الانتهاء من العام الدراسي الثالث، منح خريجي مدارس WE دبلوم التربية الفنية في التكنولوجيا التطبيقية، معتمد من وزارة التربية والتعليم الفني. تؤهلهم هذه الدبلومة لدخول أسواق العمل المحلية والاقليمية والدولية، حيث أن مدارس WE معتمدة دوليا من شركة بيرسون الرائدة في العالم. بشرط اجتياز اختبار معادلة المهارات، يمكن للخريجين الالتحاق بكليات التكنولوجيا والتعليم الصناعي؛ تكنولوجيا المعلومات والمعاهد التقنية والهندسية؛ وكليات الهندسة أو علوم الحاسوب أو الذكاء الاصطناعي. وذلك وفقًا لقواعد المجلس الأعلى للجامعات الخاصة بمعايير القبول لحاملي شهادات التعليم الفني المتقدمين للجامعات والمعاهد الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، يحصل الخريجون على شهادات خبرة عمل من اتصالات مصر، بالإضافة إلى شهادات مهنية متخصصة من شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصال الرائدة.


الدولة الاخبارية
منذ 3 ساعات
- الدولة الاخبارية
القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: اليوم تحقق حلمنا بتخريج اول دفعة
الأربعاء، 30 يوليو 2025 03:26 مـ بتوقيت القاهرة وقع الأستاذ الدكتور أحمد حمد القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية على شهادات تخرج الدفعة الاولي من طلاب كليات علوم الحاسب والمعلومات، وتكنولوجيا الاعمال، والفنون الرقمية والتصميم، وذلك بعد اعتماد معالي وزير التعليم والبحث العلمي لنتائج خريجي أول دفعة لجامعة مصر للمعلوماتية بعد مراجعة وموافقة وزارة التعليم العالي على استيفائهم شروط التخرج . وأضاف الأستاذ الدكتور أحمد حمد انه بإصدار شهادات التخرج تحقق حلم جامعة مصر للمعلوماتية والراحلة ا.د/ ريم بهجت – الرئيس المؤسس للجامعة - في اعداد جيل جديد من رواد الاعمال والمبتكرين القادرين على تعزيز مكانة قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، واثراء القطاع بعشرات الأفكار والمبادرات لخريجينا والتي بلورتها مشاريع تخرجهم، وعكست قدرات شبابنا وفتياتنا على التصدي لمختلف مشكلات المجتمع المصري، وابتكارهم حلولا خارج الصندوق لتحويل تلك المشكلات الي فرص ومشاريع تجارية. وأشاد بجهود عمداء وأعضاء هيئات تدريس كليات مصر للمعلوماتية وما بذلوه على مدي السنوات الأربع الماضية لتحقيق هذا الإنجاز خاصة عمداء الكليات وادارات الخدمات الطلابية التي قامت بجهد كبير أسهم في الانتهاء من مراجعة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لنتيجة الخريجين في وقت قياسي.️. وأيضا بتعاون شركاء نجاحنا بقطاعي البنوك وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وما وفروه من دعم مالي وتقني لطلابنا خاصة ما وفروته البنوك وشركات القطاع لطلابنا من تدريب عملي، مما طور مهاراتهم واكسبهم الخبرة العملية التي تؤهلهم للعمل فور تخرجهم داخل وخارج مصر، بل ان بعضهم أسس شركات اثناء دراستهم وهو اتجاه تحتاجه بلادنا لتعزيز قدراتنا الاقتصادية والاهم المشاركة في الثورة الصناعية الرابعة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. وأوضح ان كثير من خريجينا حصلوا اليوم أيضا علي شهادات تخرج من اشهر الجامعات العالمية التي نرتبط معها باتفاقيات لمنح شهادات مزدوجة، مثل اتفاقية في الهندسة الاتصالات والالكترونيات وهندسة الحاسبات مع جامعة بوردو التي تحتل المرتبة السادسة عالميا، واتفاقية مع جامعة مينيسوتا وتأتي في المرتبة 36 في علوم الحاسب واتفاقيات مع كلية "تيلفر" للإدارة التابعة لجامعة أوتاوا بكندا في مجالات التمويل، إدارة تكنولوجيا الأعمال، والتسويق، وهي من أفضل 1% من كليات الأعمال عالميًا، واتفاقيات مع اشهر جامعتين فرنسيتين هما "سيزي" الـ 54 على مستوي جامعات العالم و"إيزار ديجيتل" ثاني أفضل جامعة على مستوي العالم في مجال ألعاب الفيديو. وقدم الأستاذ الدكتور أحمد حمد التهنئة لأوائل كليات الجامعة وهم في كلية تكنولوجيا الاعمال: الأول أحمد علاء الدين عصمت علي تخصص "تحليلات الأعمال"، وعمرو محمد خالد علي تخصص "إدارة تكنولوجيا الاعمال"، وعلي عمرو محمد علي تخصص "التسويق الرقمي والتجارة الالكترونية"، وفي كلية علوم الحاسب والمعلومات الأول محمود إبراهيم بربري علي مسار "علوم الحاسب"، وساجد سامر إبراهيم علي مسار "الذكاء الاصطناعي" ومنه الله محي الدين ربيع علي مسار "الامن السيبراني"، وفي كلية الفنون الرقمية والتصميم الأول زياد عماد الدين محمد علي برنامج "تصميم الألعاب الاليكترونية" وندي محمد محمود علي برنامج "تصميم تجربة المستخدم".


الدستور
منذ 3 ساعات
- الدستور
الله موجود (3): العقل العلمي يشهد
في المقالين السابقين من سلسلة (الله موجود)، توقفنا أمام الأسباب العميقة التي قد تدفع إنسانًا لإنكار وجود الله، ليس عن منطق أو برهان، بل ربما عن جٌرح فكري، أو كبرياء معرفي، أو خذلان نفسي أو اجتماعي، ثم أشرنا إلى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كثير من الدعاة والعلماء حين تركوا ساحة العلم فارغة، وابتعدوا عن مخاطبة من لا يؤمن بالله بلغةٍ يفهمها ويثق بها، وهي لغة العلم. فالذين لا يؤمنون بالله، لا يقتنعون بنصٍ ديني، لأنهم ببساطة لا يؤمنون بقداسته. ولا يقتنعون بالتراث، لأنهم يعتبرونه "إرثًا بشريًّا مشكوكًا فيه"، أما العلم، فهو اللغة الوحيدة المشتركة التي يقف أمام نتائجها المؤمن والكافر على السواء بإجلال، ففي المختبر، لا تُقدَّم الفرضيات بنية الإقناع العاطفي، بل تُختبَر وتُكرَّر وتُدقق. وما يصمد، يُصبح قانونًا تُبنى عليه حضارات. ومن هنا، تبدأ رحلتنا الجديدة... في هذا المقال، لا نستند إلى نصوص مقدسة، ولا إلى تراث روحي، بل نفتح كتاب الكون، ونقرأ بعضًا من صفحاته... لنرى: هل ينكر العلم وجود الله؟ أم أنه – إذا حُسن فهمه – يَهدي إليه؟ ولعل السؤال الأهم والأكثر جوهرية، والذي يتكئ عليه الملحدون كثيرًا، ويتهرّب منه بعض الدعاة أحيانًا، هو: هل بدأت الحياة صدفة؟! وهم يرون أن الحياة نشأت من خلال التطور. لكن هذه النظرية لها أيضًا عيوبها ولا تقدم تفسيرًا قاطعًا لأصلنا، التطور أيضًا لا يجيب على السؤال عن سبب وجودنا، هذا السؤال – ببساطة – هو جوهر الإلحاد المعاصر، فمن ينكر وجود الله، غالبًا لا ينكر وجود الكون أو الحياة، لكنه يُرجِعها إلى الصدفة، أو إلى تفاعلات عمياء حدثت في لحظةٍ ما، عبر مليارات السنين. ويعتقد البعض أيضا أن الحياة على الأرض بدأت من خلال سلسلة من الخطوات الكيميائية العشوائية، في بيئة بدائية، تفاعلت فيها الجزيئات تحت تأثير الحرارة أو البرق أو ما يُسمى بـ"غضبة الطبيعة"، حتى ظهرت خلية حية أولى! ثم تطورت هذه الخلية دون أن يٌعرف تفسيرا لهذا التطور، وتكاثرت، وتنوّعت، فصار الإنسان... دون حاجة لخالق، أو تصميم، أو عقل أعلى، وهذا – في زعمهم – تفسير كافٍ، علميٌّ ومقنع، لنشأة الحياة، دون أن يُدخلوا الله في المعادلة. لكن الحقيقة أن هذا السؤال – رغم خطورته – لم يحظَ من الدعاة إلى الله بإجابة علمية واضحة وقاطعة، كما لم تُستخدم الأدلة العلمية المتاحة بالجدية التي يستحقها الموقف، فكان أن فُقدت لغة الحوار مع هؤلاء، وتركناهم يتيهون في "صدفة" لا يقبلها العقل، و"عشوائية" تُناقض العلم نفسه. ولذلك، سأحاول أن أجيب على هذا السؤال، لا من باب الفلسفة فقط، بل من قلب العلم نفسه، ومن صمت المادة التي لا تنطق إلا إذا وُجد مَن يُبرمجها... وسأبدأ من شيء قريب إلى كل إنسان، وليس بغريب عليه.. وهو جسم الإنسان نفسه! وفي إطار التمهيد، فإن غير المؤمنين بالله في خضم انشغالهم بتفسير "كيف" ظهرت الأشياء – أهملوا السؤال الأعمق: لماذا كل شيء من حولنا يعمل بانسجام مذهل؟! وهل يمكن أن تخلق العشوائية أو المصادفة تنظيما دقيقا ثابتا لا يتغير ويستمر لمليارات السنين منذ خلق الكون وإلى وقتنا هذا؟ ولماذا لم تتكرر هذه العشوائية والمصادفة مرة أخرى؟ وحتى إذا غضبت الطبيعة واندلعت البراكين والزلازل، ونكبت الأرض بالطوفان والأعاصير، فلماذا بعد أن تهدأ.. لم يخلق إنسان جديد أو كائنات جديدة غير الكائنات الحالية بداية من الإنسان ومرورا النباتات والأشجار وانتهاء بالكائنات التي لا ترى بالعين المجردة؟ وفي لحظة تأمل في الطبيعة من حولنا، الزهور والنحل... الأشجار والطيور... الجبال والأنهار... كلها تبدو كأنها أجزاء في آلة واحدة معقدة تعمل بدقة وهدوء، فلا يمكن للنحل أن يعيش بدون الأزهار، ولا يمكن للأزهار أن تتكاثر بدون النحل، والطيور تحتاج إلى الأشجار، والأشجار تحتاج إلى ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون الذي تخرجه الكائنات الأخرى... كل كائن – رغم اختلافه – بحاجة للآخر، وهذا ليس صدفة… هذا نظام واضح وثابت لا يتغير. وفي زمنٍ تتزاحم فيه الخطابات وتتناقض فيه الأيديولوجيات، يبقى الإنسان ذاته، بجسده وأعضائه وتكوينه، أعظم برهان على وجود نظام مُحكم، لا يمكن أن يكون وليد المصادفة، ولا نتاج تطورٍ أعمى بلا عقل أو إرادة، بل هو شهادة ناطقة بأن خلف هذا الجسد، الذي يسير بدقة مدهشة منذ لحظة تكوينه، قوة كبرى... مهيمنة، حكيمة، قادرة، هي التي أودعت فيه هذا النظام المعجز. فلننظر قليلًا، دون تعصب أو تحامل، إلى بعض جوانب هذا الجسد؛ لا بوصفه هيكلًا بيولوجيًا، بل بوصفه كتابًا مفتوحًا يكشف عن هندسة دقيقة وإدارة خفية فائقة الذكاء.. إن مجموع أطوال الأوعية الدموية في جسم الإنسان، إذا ما جُمعت ووُصلت ببعضها، يمكن أن تمتد لمسافة تتراوح بين 100،000 إلى 120،000 كيلومتر؟ وهو ما يكفي لتطويق الكرة الأرضية مرتين ونصف! وهذا يعني أن في جسد كل إنسان "حبل حياة" يمتد بطول محيط كوكبٍ كامل مرتين ونصف تقريبا، يعمل ليلًا ونهارًا بلا توقف، في توصيل الدم محمّلًا بالأوكسجين والغذاء لكل خلية. ومن غير نظام دقيق، وتحكم محكم، هل يمكن لمثل هذه الشبكة أن تعمل دون أن تنهار أو تتوقف؟ من الذي ينسّق بين الشرايين والأوردة والشعيرات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة؟! ثم السؤال الأهم من الذي استطاع أن يجمل كل هذا المداد من الأوعية الدموية داخل جسد الإنسان الضيق دون أن تتعقد أو تلتف حول بعضها وتسد مجراها؟ بلا شك.. إنها قوة أخرى مذهلة، لا توصف بمواصفات قوة البشر أو قوة الطبيعة. ثم إذا نظرنا إلى عين الإنسان، فيكفي أن نلقي نظرة علمية على العين البشرية لندرك كم أن هذا العضو المعجز لا يمكن أن يكون وليد تطور صُدفي، فالعين تحتوي على أكثر من 120 مليون خلية عصبية في شبكية واحدة فقط، وكل منها مُصممة لاستقبال الضوء وتحويله إلى إشارات كهربائية تُرسل إلى الدماغ بسرعة لا يمكن تخيلها، والإنسان يرى بدقة تصل إلى 576 ميجابكسل، وهي دقة تعجز عنها أعظم الكاميرات الصناعية، ورغم أن العين ترى صورة مقلوبة، فإن المخ يعيد تصحيحها فورًا، من الذي أودع هذه المهارة داخل العين؟ وكيف فهم الدماغ الصورة وركّبها من ملايين النبضات العصبية؟ هل هي الطبيعة العشوائية.... أم قوة عليا.. لا يمكن تقديرها أو وصفها. وفي جسد الإنسان أكثر من 50 نوعًا من الهرمونات، كلٌ منها يؤدي وظيفة دقيقة وحيوية، ويكفي أن يختل أحدها – حتى لو بمقدار صغير جدًا – ليصاب الإنسان بخلل جسيم قد يهدد حياته، فهرمون مثل الأنسولين ينظم نسبة السكر في الدم، ولو زاد أو نقص قليلًا قد يدخل الإنسان في غيبوبة، وهرمونات الغدة الدرقية تنظم حرارة الجسم، والطاقة، ونشاط القلب. من يضبط التوقيت؟ من يتحكم في الإفراز؟ ومن يعيد التوازن عند الاضطراب؟ إنها إدارة لا يمكن أن توكل إلى الصدفة أو الطبيعة الصمّاء. أما الكلى، فهي محطات التنقية المذهلة، وفي كل يوم، تمر على كليتي الإنسان أكثر من 180 لترًا من السوائل، ليُعاد امتصاص المفيد منها، بينما يُطرد الزائد والضار في صورة بول لا يتجاوز لترًا ونصف في اليوم الواحد، والكلى لا تطرد الماء فقط، بل تميّز بين الأملاح، والسموم، والمركبات الحيوية، فكيف لجهاز كهذا، بآلاف الأنابيب الدقيقة، أن يعمل كل لحظة دون خطأ؟ وكيف حُدد منفذ الإخراج بدقة، ليفرق بين الفضلات السائلة التي تخرج عبر الجهاز البولي، والصلبة عبر الجهاز الهضمي؟ من رسم هذا المسار؟ ومن راعى هذا التوازن؟! هل الطبيعة لها عقل منظم؟ أم أن هناك قوة أخرى خارقة لها القدرة على ضبط هذا الجهاز في جسد كل إنسان منذ بدء الخليقة وحتى موعد نهايتها، رغم اختلاف بيئة كل إنسان وعاداته وتقاليده الغذائية في المشرب والمأكل والظروف المحيطة المؤثرة. وإذا تكلمنا عن القلب، فهو العضلة لا تتعب، ويضخ القلب نحو 7000 لتر من الدم يوميًا، بمعدل 100 ألف نبضة في اليوم، دون راحة، ودون أن يحتاج إلى أمر خارجي لاستمرار عمله، حتى في حالة الغيبوبة التامة، حين تتوقف كل وظائف الوعي، يواصل القلب عمله... كأن به أمرًا مسبقًا، أو برنامجًا ذاتيًا من قوة أعلى، لا يتأثر بالإدراك أو الانتباه. هل هذه صدفة؟ هل هناك جهاز بشري أو صناعي يمكنه العمل بهذه الكفاءة دون توقف لعقود طويلة؟! ولا يخفى عن كل ذي علم أن المخ هو المايسترو الخفي، فهو عاصمة هذا الجسد، يحتوي على ما يزيد عن 86 مليار خلية عصبية، تتواصل فيما بينها عبر شبكة مذهلة من الإشارات، تدير الحركة، والذاكرة، والانفعالات، والتنفس، وحتى الأحلام، وتصل سرعة الإشارات العصبية إلى أكثر من 400 كيلومتر في الساعة، وتنتقل الأوامر من الدماغ إلى أصغر عضلة، أو حتى إلى خلايا مناعية تحتاج إلى تحفيز، كيف تنشأ الفكرة؟ ومن يضبط السياق واللغة والانفعال في لحظة؟ وكيف يفرّق المخ بين الذاكرة والخيال، بين الألم والحلم؟ إنها أسئلة تكشف أن ما يحكم هذا النظام ليس الجسد ذاته، بل القوة التي أودعت فيه هذه العجائب. من أين جاءت هذه الدقة؟ من الذي كتب هذا "السيناريو البيولوجي" المحكم؟ من الذي صمّم، وزوّد، وربط، وأمر الخلايا أن تعمل كلٌّ في اختصاصها دون خلط أو خلل؟ إن هذا لا يمكن أن يكون صدفة، ولا تطورًا ذاتيًّا بلا قيادة، إنه نظام يشهد على وجود قوة أعلى، أكبر من الجسد، وأذكى من العقل، وأرحم من كل البشر... قوةٌ لا يمكن أن يصفها أحد، بل هي الوحيدة الجديرة على وصف ذاتها. ثم يأتي السؤال الأكبر: هل يمكن أن ينشأ شيء من لا شيء؟ يقول بعضهم إن "الانفجار العظيم" هو أصل كل شيء، حسنًا، فلنفترض ذلك، لكن يبقى السؤال البديهي قائمًا: ما سبب هذا الانفجار؟ ومن أين جاءت "المادة" التي انفجرت؟ كيف يمكن أن يظهر "شيء" من "لا شيء"؟ هذا ليس تفسيرًا علميًّا، بل هروب من السؤال الأول. إننا إذا فتحنا أعيننا على الطبيعة، ستدرك أن هذا العالم ليس عشوائيًّا، بل مصمَّم بعناية خارقة، والتصميم – كما نعلم – لا يكون بلا مصمِّم، والنظام لا تخلقه الصدفة… الصدفة لا تصنع إلا الفوضى. إذا كان هناك نظام، فلا بد من "مُنظِّم"، وإذا كان هناك توازن، فلا بد من "مُوازِن". وإذا كان في الجسد حكمة، فلا بد من حكيم. إن ما نشهده من نظام دقيق في هذا الكون، والذي اخترنا منه جسد الإنسان مثالًا حيًّا، إنما هو شاهد عظيم على وجود قوة عليا، لا يمكن وصفها أو الإحاطة بها من أحد، لأنها وحدها الجديرة بأن تصف ذاتها كما ذكرت، ولم يُعرف في تاريخ البشرية أن ادّعى أي كيان آخر – كائنًا من كان – مسؤوليته عن هذا النسق الكوني المُحكم، سوى الله سبحانه وتعالى، الذي أفصح عن قدراته، وعرّف بصفاته، في كتبه السماوية التي تنزّلت على أنبيائه. لم يتصدَّ "إله آخر" عبر التاريخ أو الواقع ليقول: أنا من يدير هذا الكون، أو أنا من أوجد هذا الجسد المعجز، فألا يكفي هذا الصمت الكوني المهيب من كل الآلهة المزعومة، أمام تصدّر الله وحده لهذا البيان الوجودي، أن يكون محطة أزلية ليتوقف عندها كل ملحد، ويتأمل بصدق: من غير الله يستحق أن يكون هو الخالق؟ ومن غيره قال "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"؟