logo
دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية (ج ثاني)!الطاهر المعز

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية (ج ثاني)!الطاهر المعز

ساحة التحريرمنذ يوم واحد

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الثاني!
الطاهر المعز
أمريكا منشأ 'ديمقراطية' العبودية المُعاصرة
رغم الطّابع الشّكلِي للإنتخابات – حيث تَمّت صياغة القوانين الإنتخابية بصورة لا تسمح بتغيير جوهر النّظام في أي دولة رأسمالية متقدّمة- تُحاول السّلطات المحلية استبعاد المناضلين من أجل العدالة والمُساواة، والسود والمساجين السابقين، من سِجّل الإنتخابات، وحرمانهم من حق دستوري وقانوني، ويتم بالفعل استبعاد ملايين الأمريكيين الذي لا يتمكنون من التسجيل في القائمات الإنتخابية ومن المُشاركة في عملية التّصويت، رغم بعض القرارات والأحكام الصّادرة عن المحكمة العُلْيا بشأن 'التمييز العنصري في قوانين التصويت' و 'التّلاعب بالبيانات لأغراض انتخابية' وبشأن 'حق الأشخاص في في التماس التعويض عن انتهاكات حقوق التصويت في محاكم الولايات'، وصدور أحكام في بعض الولايات، من بينها نيو مكسيكو و منيسّوتا، وإصدار قوانين تسمح للأفراد بالتصويت عند إطلاق سراحهم من السجن، وصدور حكم من محكمة اتحادية يُلْغِي حظر التصويت مدى الحياة في ولاية مسيسيبي للمدانين بارتكاب بعض الجنايات، ومع ذلك، أصدرت 14 ولاية على الأقل قوانين تجعل التصويت أكثر صعوبة، وفق موقع ( brennancenter ) – تشرين الأول/اكتوبر 2023
من جهة أخرى حَظَرت العديد من الولايات بعض الكُتُب والمنشورات التي يمكن اعتمادها لمناقشة حقوق الإنسان وقضايا الميز الجنسي والعُنصري، ومسائل تاريخية ( مثل إبادة الشعوب الأصلية) واجتماعية ( العبودية والعنصرية) في الفصول الدراسية وبعض المؤسسات الثقافية أو التابعة للبلديات والحكومات المحلّيّة، وأثبتت العديد من الدّراسات لُجُوء أنصار دونالد ترامب، خلال انتخابات سنة 2020، إلى انتهاكات خطيرة للحق في التصويت – ويُمثل السّود نسبة كبيرة ممّن تعرّضوا للتهديد والإقصاء – فضلا عن تهديدات وترهيب العاملين في مراكز الإقتراع ونَشْر المعلومات الخاطئة والمُضَلِّلَة، وفق وزارة العدل الأمريكية التي أطلقت 14 تحقيقًا تم تجميدها لاحقًا…
ترتبط هذه الممارسات بأساطير التّأسيس وأُسُس المجتمع الأمريكي الذي نشأ على المجازر وإبادة السّكّان الأصليّين وعلى العبودية التي لم يتم إلغاؤها سوى شكلاً، وفي الواقع لا تزال العبودية تحظى بدعم واسع النطاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، ويمكن اعتبار السّجون ( ومؤسسات علاج الأمراض النّفسية) مقياسًا لدرجة ممارسة الدّيمقراطية في أي مجتمع، وفي الولايات المتحدة، يخضع عدد يتراوح بين 800 ألف و مليون شخص لظروف العبودية في السجون، دون احتساب الأشخاص المحتجزين في السجون المحلية أو مراكز الإصلاح للأحداث، ومرافق احتجاز المهاجرين، ويُشكل هذا النظام امتداداً لتاريخ الإبادة والعبودية والعنصرية في البلاد، وهو وسيلة لإعادة فرض العبودية في إطار قانوني يسمح بتشغيل المساجين في ظروف يمكن وصفها بالعبودية الجديدة، لأن الدستور الأمريكي يسمح 'بالإستعباد غير الطّوعي كعقوبة على جريمة أدين مرتكبها بها قانونًا، في الولايات المتحدة أو في أي مكان خاضع لسلطتها القضائية'، مما يجعل العبودية إجراءً قانونيا طالما اعتُبِرَ المستعْبَدُونَ مجرمين، وبذلك لا يتمتع العاملون في السجون بأي حماية، بل تتم معاقبة المساجين الذين يرفضون العمل، كما إن استغلال العاملين في السجون يُحفّز على تجريم أكبر عدد من 'البروليتاريا المَجانِية' واستخدام نظام القضاء الجنائي لإنشاء مجموعة دائمة من احتياطي العمالة المجانية، وإصدار أحكام طويلة وقاسية، وارتفعت نسبة المساجين من حوالي 93 شخصاً لكل مائة ألف سنة 1973 إلى حوالي 650 لكل مائة ألف مواطن سنة 2009، ثم ارتفع العدد بحوالي 8% سنويًّا، ويتم اعتقال وسجن السود بشكل غير متناسب مع عددهم ومع التُّهَم المُوجّهة لهم حيث 'يبلغ معدل السجن للسود ستة أضعاف معدّل سجن المواطنين البيض' سنة 2023، وهم أكثر عُرْضَةً للمعاملة غير الإنسانية من الإعتقال إلى السجن…
يُفسّر المؤرخ الأسود جيرالد هورن ذلك كالتالي 'بعد إلغاء العبودية رسميًا، أصبحت أنظمة الشرطة والمحاكم والسجون الوسيلة الأساسية التي يُحرم بها الأمريكيون السود من حريتهم، ويتم إقصائهم من المشاركة في شؤون السياسة والإقتصاد'، ولا تُقدّم بعض الولايات أي تعويض أو أجر عن العمل في السّجون، في حين يتقاضى العاملون في سجون معظم الولايات ما بين 0,13 و 0,52 سنتًا عن كل ساعة عمل ( بيانات نهاية سنة 2023)، في حين يطالب عمال ماكدونالدز وكوكاكولا وولمارت بخمسة عشر دولارا عن كل ساعة عمل، ويتم استبعاد جميع العاملين في السجون ( في الولايات المتحدة كما في البلدان الرأسمالية المتقدمة) من أنظمة الحماية الإجتماعية والصّحّيّة، رغم قيامهم ببعض المهمات الأشدّ خطورةً مثل مكافحة حرائق الغابات الضخمة ومعالجة الدواجن والتخلص من النفايات الخطرة والسّامّة، غالبًا بدون معدات السلامة المناسبة، فضلا عن حرمانهم من الحماية القانونية…
يُنتج السجناء الأميركيون سِلَعًا ( تجهيزات منزلية وملابس ومعدّات عسكرية – بدون متفجرات – وأثاث ولوازم التنظيف ومطبوعات وأزياء …) بقيمة تفوق إحدى عشر مليار دولارا سنويا ( بيانات 2021) مما يُفسّر تعرّض 'الذين يرفضون العمل لعقوبات شديدة والحبس الإنفرادي والحرمان من فرص تخفيف عقوبتهم، وفقدان الزيارات العائلية، أو عدم القدرة على دفع ثمن الضروريات الأساسية للحياة مثل صابون الاستحمام'، وفق تقرير صادر سنة 2022 عن اتحاد الحريات المدنية الأمريكية و عيادة حقوق الإنسان الدّولية بكلية الحقوق بجامعة شيكاغو، وامتدّ التحقيق من سنة 2018 إلى 2022، وشمل سجون جميع الولايات الأمريكية، ويدّعي الخطاب الرسمي الأمريكي ( المحلي والإتحادي) إن العمل القَسْرِي المَجاني أو شبه المجاني في السُّجُون يندرج ضمن 'خطط تعليم وتثقيف وإعادة تأهيل السّجناء '، وأظهرت دراسات عديدة في مختلف مناطق العالم إن بدائل السجن أقل تكلفة وأكثر فعالية في الحد من العودة إلى الجريمة.
أصدر مكتب المفتش العام التابع لوزارة القضاء ومكتب المحاسبة الحكومية تقارير ( شباط/فبراير 2024) عن ارتفاع عدد الوفيات إلى ما لا يقل عن خمسين قتيل سنويا في السجن بسبب اللجوء المفرط من قِبَل إدارات السجون إلى الحبس الإنفرادي وانتهاك حقوق السّجناء، وبسبب حوادث يمكن تلافيها والوقاية منها، ويُشير تقرير صادر عن معهد السياسة الإقتصادية ( كانون الثاني/يناير 2025) إلى إن 'معدلات السجن هي الأعلى، وأجور السجون هي الأدنى، وترتيبات العمل القَسْرِي ( السّخرة) تحمل أوجه تشابه مذهلة مع أشكال تأجير المحكومين والعمل القَسْري بسبب الديون في الماضي'، ويُشير نفس التقرير 'إن الولايات في الجنوب الأميركي – التي كانت آخر من استمرت في ممارسة العبودية – تسجن الناس بأعلى المعدلات في العالم'، وتُصنّف ثلاثون ولاية أمريكية في أعلى قائمة معدلات السجن العالمية…
أشارت مُذكّرة قانونية أصدرتها مجلة جامعة هارفارد للقانون سنة 2023 إلى التصريحات المتحمسة للقمع والتشدّد في الأحكام التي أصدرتها كامالا هاريس لما كانت تشغل منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، قبل أن تصبح نائبة الرئيس جوزيف بايدن، وادّعت إن اكتظاظ السجون لا يُشكّل انتهاكًا دستوريا رغم العدد القياسي للوفيات – بسبب الإكتظاظ – في سجون ولاية كاليفورنيا وهي أكبر وأغنى ولاية أمريكية من حيث قُوّة الإقتصاد وعدد السكان…
تُدير شركات خاصّة معظم السّجون الأمريكية، وتتواطؤ قوات الشرطة مع إدارة السجون لتكثيف القمع واعتقال الأعداد الضرورية لملء السجون ( كي لا يبقى مكان شاغر) ثم يُستخدم المسجونون كاحتياطي للحفاظ على مخزون مناسب من العُمّال العبيد لمكافحة الحرائق وأداء وظائف صعبة وخطيرة أخرى، فضلا عن صناعة المعدّات والملابس والتجهيزات بأسعار منخفضة جدّا، لتضخيم أرباح الشركات التي تبيعها للمواطنين أو تَصدّرها بأسعار السوق، مما يجعل العديد من السلع الأمريكية قادرة على منافسة إنتاج الصين أو بتغلادش أو غواتيمالا، لأن العديد من القطاعات الرأسمالية الأمريكية تعتمد على العمالة المجانية، بتواطؤ من السلطات المحلية والإتحادية، فقد تم في ولايات الجنوب استخدام قوانين التشرد تاريخيا لدفع السود الجنوبيين إلى 'الإختيار' بين العمل بأجور زهيدة أو بدون أجر أو السجون، حيث تمارَسُ العبودية بصورة قانونية وتم إنشاء نظام جديد معقد لتأجير المحكوم عليهم بدلاً من العبودية التقليدية أثناء إعادة الإعمار، مع فرض الانضباط والسلطة بوحشية من خلال الإغتصاب الجماعي والضرب والمُضايقات المُتكرّرة، ويلخّص عالم الإجتماع والمؤرخ الإشتراكي الأمريكي ويليام إدوارد بورغهارت دوبوا، أو أمريكي أسود يحصل على درجة الدكتوراه ( 1868 – 1963) هذا الوضع في كتابه عام 1935 بعنوان ' إعادة الإعمار الأسود : 'لقد تم استخدام النظام الإجرامي بأكمله كوسيلة لإبقاء الزنوج في العمل وتخويفهم، ونتيجة لذلك، بدأ الطلب على السجون والإصلاحيات يتجاوز الطلب الطبيعي بسبب ارتفاع الجريمة'، كما يشير دو بوا 'كانت السجون الجنوبية تحتجز عددًا قليلًا نسبيًا من الناس، قبل الإلغاء الرسمي للعبودية، وكانت الغالبية العظمى من المساجين من البيض'
عودة 'المكارثية'؟
استهدفت موجة عارمة، من القمع الحكومي والخاص، الأصوات المؤيدة للفلسطينيين ومن منتقدي العدوان الصهيوني الذين يواجهون تهديدات بالملاحقة القضائية الحكومية ووضع قوائم سوداء أو الفصل من العمل، ما يُذَكِّرُ بمناخ الفترة « المكارثية »، بعد الحرب العالمية الثانية، حتى نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وأصبحت أي عبارة مُؤَيّدة للفلسطينيين تُصنَّفُ ضمن « التعصب والعُنصُرية والتحريض على العنف ومُعاداة السّامية… » وفي بداية شهر آذار/مارس 2024، تعاونت رابطة مكافحة التشهير (ADL) وهي من أكبر المنظمات الصهيونية، مع مركز لويس د. برانديز لحقوق الإنسان بموجب القانون لإرسال تحذير إلى أكثر من مائتي كلية وجامعة، تطالبها بحَظْر نشاط منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP) ، وطالبت بفتح تحقيقات للتدقيق بشأن تمويل هذه المنظمة الطلابية « والانتهاكات المحتملة لقواعد السلوك المدرسية وقوانين الولايات والقوانين الفيدرالية… وما إذا كانت تدعم الإرهابيين ماديًا »، ويحصل ذلك ضمن موجة متصاعدة من القمع السياسي والضغط الحكومي الذي يستهدف الأصوات المنتقدة للكيان الصهيوني والمؤيدة للفلسطينيين بالولايات المتحدة، ووجّهت إدارة بايدن وزارة الأمن الداخلي ووزارة القضاء « للعمل مع سلطات إنفاذ القانون داخل الجامعات لتتبع خطاب الكراهية عبر الإنترنت… » وارتفع حجم حملات القمع والتهديدات بالملاحقة القضائية، والحظر الذي تفرضه الدولة، والمراقبة الفيدرالية، والضغوط السياسية على الخطاب المؤيد للفلسطينيين في الولايات المتحدة، مع اعتماد المنظمات الصهيونية على سلطة الدولة لاستهداف وتثبيط حرية التعبير، وبضغط من الشركات الكبرى المُدْرَجَة في « وول ستريت » التي تبرعت بالمال وأمرت الكليات والجامعات بممارسة الضغط ونشر قوائم الطلاب « المخالفين » وحث المديرين التنفيذيين ومكاتب الإستشارات والمحاماة على عدم توظيف الباحثين والمُدرّسين والقانونيين الذين عبروا عن نقد الكيان الصهيوني، وتم استجواب المُرشحين للوظائف في جامعات كولومبيا وهارفارد وولاية أركنساس، حول آرائهم بشأن ما يحصل في فلسطين، وشهّرت العديد من المواقع الصهيونية بالأشخاص الذين وقعوا على البيانات، مُعرّضين سلامتهم الجسدية للخطر من خلال إدراج أسمائهم الكاملة وصورهم ومسقط رأسهم، وإدراجهم ضمن « داعمي الإرهاب »، وطالبت بعض الولايات الأمريكية المقاولين المشاركين في أشغال حكومية بالتوقيع على « تعهد بعدم مقاطعة إسرائيل »، ليتم التشابك بين الرقابة المناهضة للفلسطينيين والسياسات المناهضة للعمال إلى اتهام النقابات التي نظّمت إضرابات « بدعم الإرهاب الفلسطيني »
في مجال الإعلام، حَظَرت إدارة الصحف ووسائل التعبير الأخرى التّعليق على الحصار الصهيوني وعلى تجويع الفلسطينيين حتى الموت، وأوقفت العديد من المحطات العاملين من أُصُول عربية، واستقال العديد من المحررين الآخرين احتجاجًا أو تضامناً مع زملائهم، وطاول الأمر النّواب (الذين أدّوا قَسَم الولاء للولايات المتحدة الأمريكية) والذين اتهمتهم وسائل الإعلام ب »تأجيج نيران الكراهية والانقسام » لأنهم اتهموا الحكومة الأمريكية بـ « المساعدة النشطة في الإبادة الجماعية »، كما حذفت مِنَصّات التواصل « الإجتماعي » العديد من الحسابات بتهمة ارتكاب انتهاكات وَهْمِيّة مثل « التحريض على العنف » و « معاداة السامية »…
إنها المكارثية التي عادت إلى الولايات المتحدة وتمثلت مظاهرها في تهديد من يخالف الموقف الرسمي (أو الموقف السّائد) وإنشاء « قوائم سوداء » وإلغاء التوظيف والطرد من العمل، فضلا عن القمع الحكومي ومحاولات تجريم حرية التعبير ونَشْرِ مناخ من الترهيب والإتهامات الباطلة وتحريف التصريحات والآراء، وتجري حملة القمع من خلال مجموعة من القنوات الحكومية والشركات الخاصة، وملاحقة كل من ينتمي أو يؤيد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني، رغم محدودية أهداف الحملة، ومطاردة كل من ينتقد بعض جوانب سياسات الكيان الصهيوني. أما من يرفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النّهر فيُعتبر إرهابيا وعُنصُريا ومعاديا للسامية وهلم جرًّا… انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان المختلفة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية الآن أو لفت الانتباه إليها هو في حد ذاته تحريض على العنف العنصري.
هل بدأ عَصْر الإنحدار الأمريكي البطيء ؟
رغم التّبجّح بالدّيمقراطية، تظل الولايات المتحدة دولة قَمْعِيّة وعنصرية ومُعتدية على الشعوب، وفي المجال الدّاخلي لا تزال العُبُودية مُستمرة ( رغم التطور الرأسمالي) وإن تغيرت الأشكال…
يستمر انخفاض الإيرادات وارتفاع تكاليف السكن وارتفاع أعداد المشردين في الولايات المتحدة التي بلغت مستويات قياسية للعام 2023 بتسجيل نحو 650 ألف مشرد، 28% منهم عائلات معها أبناء، ويستمر تفاقم التفاوت الاقتصادي والفجوة العرقية في الثروة، وتظهر الفروق العرقية في الحصول على حد الكفاية من الصحة والتغذية والتعليم والتوظيف والسكن وتظهر تقريبا في سوء معاملة الشرطة والقضاء للأمريكيين السّود وتعريض صحة ملايين النساء من ذوات البشرة الملونة للخطر بفعل القوانين التي تحد من نشاط المراكز الصّحّيّة والرعاية الإنجابية، كما يسجل مؤشر انعدام المساواة في الدخل تفاوتًا كبيرًا مقارنة بالدول الغنية الأخرى، فالعُشْر ( 10% ) الأغنى من السكان يحصل على قرابة نصف إجمالي الدخل مقابل 13% للنصف الأفقر، والذي لا تزيد ملكيته الثروات الخاصة في البلاد على 1,5% وفق تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش وهي الوكالة التي أوقف دونالد ترامب عملها، ووقف تمويلها من قِبَل الوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي ووزارة الخارجية الأمريكية.
تتيح الإعفاءات المقرة في قوانين العمل الأميركية عمالة الأطفال بعمر 12 عاما في قطاع الزراعة (القطاع الأكثر تسببا لوفيات الأطفال العاملين)، حيث ارتفعت الحالات المُسجّلة لانتهاكات حقوق الطفل سنة 2023، وأغلب الأطفال العاملين من المهاجرين بدون مرافقين من أولياء أمورهم ويعملون في ظروف خطيرة واستغلالية، في حين يستمر ارتفاع معدل الوفيات بالجرعات الزائدة من المخدرات إلى مستوى قياسي بنحو111 ألف وفاة…
تضمّن 'ترشيد الإنفاق الحكومي' في ميزانية 2025/2026 العديد من الهدايا للأثرياء، ومن بينها خفض الضرائب وزيادة حجم الدّيْن العام بمبلغ يتراوح بين 2,4 وأربعة تريليونات دولارا، خلال العقد القادم، وفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، بينما يجادل المؤيدون بأن التخفيضات الضريبية ستحفز النمو الاقتصادي، ويؤكد النقاد أن الآثار المالية طويلة الأجل يمكن أن تكون ضارة، على ضوء تقديم دونالد ترامب وجماعته مجموعةً من التشريعات التي وافق عليها الكونغرس، والتي تتضمن خفض معدلات الضرائب على الأفراد وأرباح الشركات وخفض عدد المشمولين بالتأمين الصحي الحكومي ( من حوالي سبعين مليون إلى نحو ستين مليون مواطن فقير) من خلال فَرض شروط جديدة تخفض عددهم مما يُؤَدِّي إلى إضافة نحو عشرة ملايين لعدد الأشخاص غير المشمولين بالتأمين الصحي، وفي المقابل خصصت الميزانية سبعين مليار دولارا لأمن الحدود يخصص مشروع القانون 70 مليار دولار لأمن الحدود، ويتضمن هذا البَنْد بناء وصيانة الحواجز على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وزيادة أعداد ضباط دوريات الحدود وضباط الجمارك، وبناء مراكز احتجاز تسمح بإيواء مائة ألف مهاجر إضافي وتعزيز إجراءات احتجاز وترحيل المهاجرين، كما يخصص قانون الميزانية 150 مليار دولار إضافية 'للإنفاق الدفاعي'، وتطوير نظام الدفاع الصاروخي المُسمّى 'القُبّة الذّهبية' وتوسيع الأسطول البحري، ومشاريع بناء السفن الجديدة، وتجديد مخزونات الذخيرة
اتفق بعض أقطاب الحزب الديمقراطي وبعض نواب الحزب الجمهوري – من القلائل الذين عارضوا مشروع الميزانية – إن هذه الميزانية ستؤدي إلى تفاقم الدين القومي، وإلى تقويض برامج الرعاية الصحية للفقراء مقابل استفادة الأثرياء من رجال الأعمال وأصحاب العقارات من التخفيضات الضريبية ومن خفض نسبة الفائدة على قروض الشركات والأثرياء…
يدرس في المؤسسات الأمريكية للتعليم العالي أكثر من 1,1 مليون طالب ويمثلون ما يقرب من 6% من إجمالي عدد طلاب التعليم العالي في الولايات المتحدة خلال العام الدّراسي 2024 – 2025، وفقًا لتقرير معهد التعليم العالي، ووفقًا لمكتب الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية ومعهد التعليم الدولي، وتضمّنت قرارات الرئيس دونالد ترامب خفض عدد تأشيرات الطلبة الأجانب في الجامعات الأمريكية وحظر دخول مواطني 12 دولة إلى الأراضي الأمريكية، وقد يُؤدِّي تقْيِيد الدّخول والحصول على تأشيرات الدّراسة للطلاب الأجانب الجدد خلال الموسم الدراسي المقبل (2025-2026) نتيجة للتعميم الذي أصدرته وزارة الخارجية لبعثاتها في الخارج للتحقق من الخلفيات الأمنية والسياسية لطالبي التّأشيرة، خاصة عبر حسابات منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن الضّغط على بعض جامعات نيويورك، وجامعة هارفارد حيث يمثل الأجانب نحو 27% من العدد الإجمالي للطلاب، بمنعها من تسجيل الطلاب الأجانب وتغيير شروط توظيف المُدَرِّسين والباحثين…
يُقدّر حجم الأموال التي يتم ضخّها في الإقتصاد الأمريكي من قِبَل الطّلبة الأجانب بنحو 44 مليار دولار ووفروا 378 ألف وظيفة خلال السنة الدّراسية 2023/2024، لأن الطلاب الأجانب يُسدّدون رسوما دراسية أعلى من الطلاب المحليين الذين يستفيد بعضهم من مساعدات فدرالية أو محلية ومن الاقتراض لتمويل دراساتهم، ويساهم الطلاب الأجانب في تحريك سوق العقارات وإيجار المسكن فضلا عن الإنفاق على الطعام والتنقل والسفر وما إلى ذلك، وفقًا لرابطة المعلمين الدوليين (NAFSA) التي تشجع التعليم الدولي، وكتبت صحيفة واشنطن بوست ( الموقع الإلكتروني للصحيفة بتاريخ الثامن من حزيران/يونيو 2025 ) إن وجود الطلاب الأجانب يؤدي إلى خلق فرص عمل، سواء كان ذلك من خلال زيادة عدد الموظفين في المرافق والمتاجر المحلية أو في الجامعة نفسها، مع الحاجة إلى موظفين إضافيين للتعامل مع لوجستيات استقبال مزيد من الطلاب، وإن تعليق السلطات الأميركية تأشيرات الطلاب قد يكون له تأثير خطير على قطاع العقارات ( تأجير مساكن الطلاّب ) والمطاعم والتجارة ومرافق الترفيه…
صَرّح بعض الباحثين إن انخفاض معدلات تسجيل الطلاب الأجانب يُؤدّي إلى إحجام ذوي الكفاءات العالية عن التّوجّه نحو الولايات المتحدة، ويُقدّر عدد الطلاب الأجانب في معهد مَساتشوتس للتكنولوجيا الذي يعدّ من أرقى المؤسسات عالميا بنحو 25% من العدد الإجمالي لطلاّبه وفق إدارة المؤسسة التي عبّرت عن مخاوفها من أن حيوية الجامعة 'ستتضاءل بشدة من دون الطلاب والباحثين القادمين من دول أخرى'، وكتبت رئيسة المعهد: 'إن التهديد بإلغاء التأشيرات بشكل غير متوقع سيقلل من احتمال قدوم أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة، مما سوف يَضُرُّ بالقدرة التنافسية الأميركية والرِّيادة العلمية لسنوات قادمة'، وورد في افتتاحية مجلة 'إيكونوميست' ( الأسبوع الأول من حزيران/يونيو 2025) 'إن استقطاب الجامعات الأميركية لنخبة من أفضل العقول من جميع أنحاء العالم يجعلها أكثر ديناميكية وابتكارا ويعزز القوة الناعمة الأميركية في الخارج… ( نأسَفُ) لعدم تعامل الرئيس ترامب وحكومته مع الموضوع وفق هذا المنظور… إذا كان الرئيس ترامب يهتم بالعجز التجاري الأميركي، فإن من غير المنطقي أن يضع العراقيل أمام قطاع التعليم العالي، وهو أحد أكبر المُصدّرين الأميركيين إذ يبيع خدماته للأجانب'، وسبق أن كتبت صحيفة نيويورك تايمز خلال شهر نيسان/ابريل 2025 'إن إدارة دونالد ترامب ألغت أكثر من 1500 تأشيرة في 222 جامعة، في حين سعى مسؤولو الهجرة لاحتجاز وترحيل عدد من الطلاب والباحثين بسبب مخالفات قانونية، وأحيانا بسبب نشاط سياسي، وفي بعض الحالات لا يعرف الطلاب سبب إلغاء تأشيراتهم…'
هوامش من أحداث لوس انجلس من ولاية كاليفورنيا
صوّتت أغلبية الناخبين بولاية كاليفورنيا بنسبة 61% لصالح هيلاري كلينتون خلال خلال انتخابات 2016 التي فاز بها دونالد ترامب، وصوت 58,5% لصالح كامالا هاريس خلال انتخابات 2024، وتُمثل ولاية كاليفورنيا نحو 20% من نسبة نجاح اي مرشح رئاسي، وهي تحتل المرتبة الاولى بين كل الولايات، كما إنها أغْنى ولاية والاكثر سكانا بحوالي 40 مليون نسمة، وتقارب مساحتها مساحة العراق، ويحاول دونالد ترامب السيطرة على هذه الولاية، التي تُمثّل محور الإقتصاد الأمريكي وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 4,2 تريليون دولارا سنة 2024، وتحتل المرتبة الخامسة عالميا في اجمالي ناتجها المحلي وتُقدر مساهمة الولاية بنحو خمسين مليار دولارا بالضرائب التي تجمعها الحكومة الإتحادية) لخدمة استراتيجيته السياسية التي تعتمد على الْبُعْد الإقتصادي والتجاري، غير إن حاكم كاليفورنيا يُعارض سياسة الرسوم الجمركية لترامب واعتبرها مَصْدَرًا لخسائر بقيمة أربعين مليار دولارا لاقتصاد كاليفورنيا ولفقدان حوالي 64 الف وظيفة عمل، فضلا عن الخسائر الناجمة عن عدم الإستقرار الذي يؤثّر سلْبًا على الاداء والتخطيط الاقتصادي في ولاية تمثل ركيزةً للإقتصاد الامريكي، وأدّت هذه التخوفات والإعتراضات إلى رفع الولاية قضايا ضدّ سياسات ترامب، ومن بينها التّضْيِيق على المهاجرين و'غير البيض' (الآسيويون والسود والامريكيون اللاتينيون ) الذين يمثلون أكثر من 55% من سكان ولاية كاليفورنيا، وهنا تلتقي المُعارضة الشعبية لسياسات دونالد ترامب مع مُعارضة المؤسسات: حاكم الولاية ورئيس بلدية العاصمة لوس انجلس ونواب البرلمان المحلي والإقليمي… أما البرجوازية المَحلِّية فتَضُمُّ شريحةً من الإنفصاليين الذين يعتبرون إن كاليفورنيا الغنية تُنفق على الولايات الفقيرة التي يسكنها الكسالى والمتقاعسون، ويُطالبون باستقلال كاليفورنيا ( التي استولت عليها الولايات المتحدة سنة 1846خلال العدوان على المكسيك)، ونمت شعبية هذه الفئة بعد انتخاب دونالد ترامب، غير إن قضية الهجرة والمهاجرين تُمثّل إحدى نقاط الخلاف بين دونالد ترامب والسلطات المحلية، حيث توفر قوانين الولاية الملاذ الآمن لملايين المهاجرين غير النظاميين، في حين تضغط إدارة ترامب كي تتعاون شرطة الولاية مع سلطات الهجرة بالتشديد وتطبيق القوانين.
يُعتبر هذا الوضع – بمختلف جوانبه – من العوامل المُساعدة على التّمَرُّد ضدّ سياسات دونالد ترامب واستراتيجيته في التعامل مع المهاجرين الذي شهدته مدينة لوس أنجلس ( ولاية كاليفورنيا) احتجاجًا على عمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الإتحادية ضد مهاجرين، بداية من يوم السّادس من حزيران/يونيو 2025، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة وآلاف المهاجرين والمواطنين – خصوصًا من الشباب – الرّفضين لسياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات لأن أكثر من ثُلُث سُكّان الولاية وُلِدوا خارجها وتتحدث نسبة كبيرة من السكان اللغة الإسباني في الفضاء الخاص كالمسكن وداخل الأُسْرة، وتُعتبر الولاية رمزًا لتعدّد الثقافات والأعراق التي تأسست عليها الولايات المتحدة، واتخذت السلطات المحلية قرار فرض حظر التجمع وسط المدينة.
لم يحترم دونالد ترامب القيود الدستورية، مما خلق أزمة دستورية غير مسبوقة من شأنها تهديد أُسُس النظام الإتحادي ( الفدرالي) الذي ضَبَطَ حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات، غير إن الرئيس الأميركي بادر إلى إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس استنادًا إلى قانون عام 1807، الذي يسمح للرئيس بأن يرسل 'قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن'، لكن الدستور لا يسمح للحكومة الإتحادية بتجاوز صلاحيات الولاية، مما يُخْضِعُ تفعيل تَدَخُّل الجيش داخلياً ( في مهام تقوم بها الشرطة عادة) لقوانين صارمة، من بينها 'قانون يمنع استخدام القوات المسلحة في مهام إنفاذ القانون المدني، وبذلك فتح ترامب مواجهة قانونية ودستورية، مخالفاً جوهر النظام الإتحادي، وفق موقع مجلة 'إيكونوميست' ( 10 حزيران/يونيو 2025) التي اعتبرت 'إن إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لا يهدف فقط إلى السيطرة على الاحتجاجات، بل يحمل رسالة سياسية واضحة هو أن المدن التي تتحدى السياسات اليمينية والشوفينية لإدارة ترامب، خصوصاً تلك التي تتبنى سياسات الملاذ الآمن للمهاجرين، بدل أمريكا العظيمة، ستدفع الثمن' لأن شعار 'لنجعل أمريكا عظيمة مُجدّدًا' مُوجّهٌ لأميركا البيضاء ذات الأصول الأوروبية والتي تتحدث اللغة الإنكليزية وتعتنق المذهب البروتستنتي ويتواجد فيها عدد قليل جداً من المهاجرين، وبيّن دونالد ترامب إنه مُستعدّ لمصادرة حقوق الولايات وحكامها، ويُحرّض ترامب على توقيف الحاكم الديمقراطي لكاليفورنيا غافين نيوسوم، وبذلك اطّلع العالم على مشاهد دولة بوليسية تفرض الأحكام العُرْفِيّة وتُحاصر عاصمة ولاية كاليفورنيا بمئات الجنود من القوات البحرية والآلاف من قوات قوات الحرس الوطني الفيدرالية، وعَرْض المُعدّات والأسلحة بهدف ترهيب المُحتجّين وتحويل انتباه المواطنين عن قضايا الفساد والاحتيال والرشوة والتجاوزات والإساءة التي انتشرت خلال الفترة القصيرة من ولاية ترامب الثانية ( بداية من العشرين من كانون الثاني/نوفمبر 2025 )، ويُعْتَبَرُ نَشْر الجيش للتعامل مع الشؤون الداخلية التي ينبغي أن تتولى التعامل معها الشرطة المدنية، رغم اعتراضات الزعماء المحليين والدوليين، من مظاهر الإستبداد وتجاوزًا للسلطات المحلية المنتخبة، ومقدّمة لممارسة الحكم بقوة السلاح والترهيب من خلال المداهمات، وتتصرف إدارة دونالد ترامب مثل كل الأنظمة الإستبدادية التي تتذرّع بالإضطرابات لإقرار حالة الطوارئ وفَرْض الحُكم العسكري وإلغاء أو تعليق القانون المَدَني، ولا يمكن اعتبار هذه الإجراءات مجرد مناورة سياسية، بل هي طريقة حُكْم بمنطق القُوّة وتتضمّن الترهيب والرّعب وفرض الإمتثال والخضوع، ولا تعتبر الحكومة الإتحادية إنها في خدمة المواطنين، بل تعتبر المواطنين أعداء محتَمَلِين يجب مراقبتهم والسيطرة عليهم لإخضاعهم، مما يجعل الحكومة الإتحادية تعتبر أي مُعارضة أو احتجاج 'تَمَرُّدًا يُهدّد الأمن القومي' ويُتيح 'تهديد الأمن القومي' نَشْر الجيش والحرس القومي، كجزء من مخطط برزت بعض مظاهره من خلال نَشْر القوات في كاليفورنيا، ومن خلال الإستعدادات لعرض عسكري في واشنطن العاصمة لتذكير الشعب بأن من يملك السلاح يملك السّلطة، وفق تحليل وكالة أكسيوس بتاريخ الحادي عشر من حزيران/يونيو 2025…
خاتمة:
'لقد ربطوا بين العرق والطبقة. لقد تم اقتلاع أسلافنا من بيئتهم ومحيطهم وبلادهم لجَلْبهم إلى هنا من أجل الرّبح واستخدامهم كطبقة عاملة مجانية يتم احتقار وإهانة أفرادها ' وفق المُؤرّخ الأمريكي الأسود 'جيرالد هورن' ( وُلِد سنة 1949) الذي دَرَسَ المُكَون الطّبقي للعبودية في ما لا يقل عن ثلاثة كُتُب، وسبقه في ذلك هيوبرت هاريسون ( 1883 – 1927 ) الذي كتب 'إن الأمريكيين السود يُشكلون المجموعة السّكّانية التي تضم أكبر نسبة من البروليتاريا الأمريكية، وتم جلبهم من إفريقيا إلى أمريكا بغرض واضح يتمثل في استغلالهم كالحيوانات، بشكل غير إنساني'، وهيوبرت هاريسّون كاتب ومناضل من أجل المساواة والعدالة، أصيل جزر بحر الكاريبي…
إن استمرار العبودية على الأراضي الأميركية يُكَذِّبُ الفكرة القائلة بأن النظام الاقتصادي والسياسي الأميركي قائم على حماية الحريات والحقوق الفردية، فالنّظام الرّأسمالي يتطلب بطبيعته وجود أعداد هائلة من الناس الذين يمكن استيعابهم في نظام من الحرمان العنيف المبرمج، ولا تزال الرأسمالية الأميركية قائمة على الهيمنة والاستغلال، ولا تزال أشد أشكال العبودية قسوة والقائمة على العرق واللّون سائدة، فيما تُتيح قوانين العمل الأمريكية عددًا من أشكال العبودية، ومن بينها عمالة الأطفال بعمر 12 عاما في قطاع الزراعة (القطاع الأكثر تسببا لوفيات الأطفال العاملين)، حيث ارتفعت الحالات المُسجّلة لانتهاكات حقوق الطفل سنة 2023، وأغلب الأطفال العاملين من المهاجرين بدون مرافقين من أولياء أمورهم ويعملون في ظروف خطيرة واستغلالية، في حين يستمر ارتفاع معدل الوفيات بالجرعات الزائدة من المخدرات إلى مستوى قياسي بنحو111 ألف وفاة.
إن تمجيد العُنف والتاريخ والتُراث الدّموِي والعدد القياسي من العدوانات العسكرية للولايات المتحدة على شعوب العالم يؤدّي حتْمًا إلى استفحال العنصرية والعنف الدّاخلي وانتشار الفكر الفاشي، ويؤدّي إلى تبرير ( بل تمجيد ) عمليات إبادة السكان الأصليين واستعباد ملايين الإفريقيين، وإلى هيمنة الماكارثية، خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين وإلى انتخاب رؤساء مُنحطِّي اللغة والأخلاق مثل رونالد ريغن وبوش الإبن ودونالد ترامب، ولذلك فإن نشر 700 جندي من البحرية الأمريكية وألْفَيْ عنصر من الحرس القومي، إلى جانب المئات من الشرطة المحلية، نتيجة منطقية للإيديولوجيا السّائدة في أكبر قُوة إمبريالية في عصرنا وربما في تاريخ البشرية، مما يُؤكّد ضرورة تحالف قوى المعارضة الدّاخلية الأمريكية للنظام السّائد وليس لهذه الحكومة أو تلك ( إن وُجِدت هذه المُعارضة) والقوى التقدمية في العالم لإضْعاف الإمبريالية الأمريكية ( ومعها حلف شمال الأطلسي وأوروبا والأحلاف العدوانية الأخرى) والإطاحة بنفوذها…
مراجع:
'التراجع الكبير: كيف يؤدي تراجع الأحزاب السياسية إلى تقويض الديمقراطية الأمريكية' بقلم ديدي كو (دار نشر جامعة أكسفورد – 2025)
Review of The Great Retreat: How the Decline of Political Parties Is Undermining American Democracy by Didi Kuo (Oxford University Press, 2025).
شريط ' بدلة زوت' ( إخراج لويس فالديز 1981 )
ويليام إدوارد بورغهارت دوبوا، عالم الإجتماع والمؤرخ الإشتراكي الأمريكي وأول أمريكي أسود يحصل على درجة الدكتوراه ( 1868 – 1963) – كتاب بعنوان ' إعادة الإعمار الأسود – 1935
‎2025-‎06-‎12

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يمنح إيران "فرصة ثانية" ويتوعد بهجمات أكثر وحشية وأسلحة أشد فتكاً"
ترامب يمنح إيران "فرصة ثانية" ويتوعد بهجمات أكثر وحشية وأسلحة أشد فتكاً"

شفق نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • شفق نيوز

ترامب يمنح إيران "فرصة ثانية" ويتوعد بهجمات أكثر وحشية وأسلحة أشد فتكاً"

شفق نيوز/ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة، أن أمام أيران "فرصة ثانية" للتوصل إلى تفاهمات حول الملف النووي، متوعداً طهران بهجمات "أكثر وحشية" وبأسلحة "أشد فتكاً" في العالم، أن وذلك بالتزامن مع هجمات صاروخية نفذتها إسرائيل واستهدفت بها مواقع عسكرية وقيادات رفع المستوى إيرانية. وقال ترامب إنه منح إيران إنذاراً لمدة 60 يوماً واليوم هو الـ61، وأن لدى طهران فرصة ثانية للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، بحسب موقع "RT عربية" الروسي. وحذر من أن "الهجمات القادمة المخطط لها ستكون أكثر وحشية"، معلناً أن كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الأكثر فتكاً في العالم في طريقها إلى إسرائيل. وكتب ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، قائلاً "منحت إيران فرصة تلو الأخرى لعقد اتفاق، وخاطبتها بأشد العبارات، فقط أفعلوها"، معتبراً أنه "رغم كل محاولاتها (إيران) واقترابها من تحقيق ذلك، فإنها لم تتمكن من إبرام الاتفاق". وأوضح ترامب أنه حذر إيران من أن ما ينتظرها سيكون أسوأ بكثير مما تعرفه أو تتوقعه أو سمح لها بمعرفته، مؤكداً أن "الولايات المتحدة تصنع أفضل وأكثر الأسلحة فتكاً في العالم، وبفارق كبير، وأن لدى إسرائيل كميات كبيرة منها، والمزيد في الطريق، والإسرائيليين يعرفون جيدا كيف يستخدمون تلك الأسلحة". وأشار إلى أن بعض المتشددين الإيرانيين تحدثوا بشجاعة، لكنهم لم يدركوا ما كان على وشك الحدوث، مؤكداً أن "جميعهم باتوا أمواتاً الآن، وأن الوضع سيزداد سوءاً". ولفت إلى أن هناك بالفعل قدراً كبيراً من الموت والدمار، لكنه أشار إلى أن الفرصة لا تزال متاحة لوقف هذا "الذبح"، محذراً من أن الهجمات القادمة المخطط لها ستكون أكثر وحشية. ودعا ترامب إيران إلى المسارعة في إبرام اتفاق "قبل أن لا يبقى شيء"، وإنقاذ ما تبقى مما كان يعرف يوماً بـ"الإمبراطورية الفارسية".

تداعيات الهجوم الإسرائيلي: ادانة دولية ومخاوف من توسع رقعة الصراع
تداعيات الهجوم الإسرائيلي: ادانة دولية ومخاوف من توسع رقعة الصراع

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ 2 ساعات

  • وكالة الصحافة المستقلة

تداعيات الهجوم الإسرائيلي: ادانة دولية ومخاوف من توسع رقعة الصراع

المستقلة/- وسط مخاوف من تصاعد الصراع والتوتر بعد الهجوم الإسرائيلي على ايران توالت ردود الفعل الدولية المنددة بالهجوم والدعوات إلى التهدئة وضبط النفس لتجنب صراع أوسع نطاقًا. و أدانت العديد من الدول والمنظمات الدولية الهجوم الإسرائيلي. الأمم المتحدة: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء 'التصعيد العسكري' وحث الجانبين على 'التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب الانزلاق إلى صراع أعمق'. الإمارات العربية المتحدة: أدانت الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران، وأكدت أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع. إندونيسيا وأستراليا: نددت بحدة بالهجوم، وحذرتا من تفاقم التوترات القائمة بالفعل واحتمال إشعال صراع أوسع نطاقًا. تركيا والكويت وقطر وسلطنة عمان والعراق: أدانت جميعها الهجوم، واعتبرته انتهاكًا صارخًا للقوانين والمواثيق الدولية، وتهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. روسيا: وصفت الضربات بأنها 'غير مقبولة' و'غير مبررة'، مؤكدة أن 'الضربات العسكرية غير المبررة على دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة ومواطنيها ومدن مسالمة نائمة ومنشآت نووية ومنشآت للطاقة غير مقبولة إطلاقاً'. فرنسا: دعت 'كل الأطراف' إلى ضبط النفس. الولايات المتحدة الأمريكية: أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن الهجوم الإسرائيلي 'ممتاز' وتوعد بالمزيد. في المقابل، تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة لم تشارك بشكل مباشر في هذه الضربات. إيران: أعلنت أن 'لا حدود' في ردها على تل أبيب، مؤكدة حقها القانوني والمشروع في الرد على هذا العدوان، وأنها 'لن تتردد في الدفاع عن الأمة الإيرانية بكامل قدراتها'. تداعيات على الأمن الإقليمي: وزاد الهجوم الإسرائيلي من خطر التصعيد العسكري السريع في المنطقة. مع وعيد إيران بالرد، فهناك احتمالية كبيرة لرد عسكري من طهران أو من خلال وكلائها الإقليميين، مما قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة. و يرى المحللون العرب أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية تشكل تصعيدًا سافرًا يهدد السلم والأمن في المنطقة. تأواستهدفت الضربات الإسرائيلية مواقع نووية إيرانية، بما في ذلك منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المنشآت النووية لم تتأثر بالضربات، ولكن الهجوم يشير إلى محاولة إسرائيلية مباشرة لتقويض الطموحات النووية الإيرانية. اضطراب الملاحة في مضيق هرمز: على الرغم من أن مضيق هرمز لم يتأثر بشكل مباشر بعد، إلا أن تصاعد الصراع قد يؤثر على تدفق النفط عبر هذا الممر المائي الحيوي، الذي يمر عبره نحو خمس إجمالي استهلاك النفط في العالم. و قفزت أسعار النفط بأكثر من 12% عقب الهجوم الإسرائيلي، مع صعود خام برنت فوق 77 دولارًا للبرميل في لحظة ما، قبل أن يقلص مكاسبه قليلاً. حيث تخشى الأسواق من تصعيد في المنطقة واضطرابات كبيرة في إمدادات النفط بعد الضربة الإسرائيلية. و يرى بعض المحللين أن تصاعد الصراع قد يؤدي إلى تأثر إمدادات النفط بشكل ملموس، خاصة إذا أدت إيران إلى إعاقة ما يصل إلى 20 مليون برميل يوميًا عبر هجمات على البنية التحتية أو تقييد المرور عبر مضيق هرمز. ومع ذلك، يرى آخرون أن زيادة الإنتاج من دول أخرى (مثل السعودية والإمارات) يمكن أن تحد من هذا الارتفاع. كما قد تؤدي تداعيات الهجوم إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال، خاصة إذا تعطلت الإمدادات من مضيق هرمز، مما قد يدفع الصين للشراء من السوق الفورية. ان الهجوم الإسرائيلي على إيران يمثل نقطة تحول خطيرة في الصراع الإقليمي، ويهدد بإشعال حرب أوسع نطاقًا في منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار. فيما تشكل التداعيات الاقتصادية، خاصة على أسعار النفط، مصدر قلق عالمي، بينما تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة وضبط النفس لتجنب كارثة إنسانية واقتصادية محتملة. تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث وما إذا كانت الأطراف ستتمكن من احتواء التصعيد.

ترامب مخاطباً الإيرانيين: ابرموا اتفاقاً لإنقاذ امبراطوريتكم
ترامب مخاطباً الإيرانيين: ابرموا اتفاقاً لإنقاذ امبراطوريتكم

شفق نيوز

timeمنذ 3 ساعات

  • شفق نيوز

ترامب مخاطباً الإيرانيين: ابرموا اتفاقاً لإنقاذ امبراطوريتكم

شفق نيوز/ دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة، القادة الايرانيين الى ابرام اتفاق جديد لانقاذ ما وصفه بـ"الامبراطورية الايرانية"، مؤكدا ان الامر سيسوء اكثر وسيكون اكثر قسوة، على حد وصفه. وكتب ترامب في سلسلة منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي: "أعطيتُ إيران الفرصة تلو الأخرى لإبرام اتفاق، وقلت لهم و بأقوى العبارات "افعلوها فقط" ولكن مهما حاولوا، ومهما اقتربوا، لم يتمكنوا من إنجاز هذا الاتفاق، وقلت لهم إن ما ينتظرهم سيكون أسوأ بكثير مما يعرفونه، أو توقعوه، أو قيل لهم، وأن الولايات المتحدة تصنع أفضل وأفتك المعدات العسكرية في العالم، وبفارق كبير، وأن إسرائيل تمتلك الكثير منها، والمزيد قادم، وهم يعرفون كيف يستخدمونها". واوضح، ان "بعض المتشددين الإيرانيين تحدثوا بشجاعة، لكنهم لم يكونوا على علم بما كان على وشك الحدوث، وكلهم ماتوا الآن، وسيسوء الأمر أكثر، ولقد حدث بالفعل دمار وموت هائل، لكن لا يزال هناك وقت لإنهاء هذه المجزرة، خاصة مع وجود هجمات مخططة قادمة ستكون أكثر قسوة". ‏واكد انه "يجب على إيران إبرام اتفاق قبل ألا يتبقى شيء، وإنقاذ ما كان يُعرف يومًا بالإمبراطورية الإيرانية"، مضيفا بالقول: "لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، افعلوها فقط، قبل فوات الأوان، حفظكم الله جميعًا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store