logo
تحديات وفرصة تاريخية أمام قمة القاهرة

تحديات وفرصة تاريخية أمام قمة القاهرة

الدستور٢٣-٠٢-٢٠٢٥

شكرًا لمن ألقى حجرًا في بحيرة الوحدة العربية الراكدة، فحرَّك أمواجها.. شكرًا للظروف التي وحدت شعوب المنطقة على كلمة سواء، في وجه غاصب محتل للأرض الفلسطينية، وآخر يريد أن يفرض إرادته على الشرق الأوسط، وكأن مَنْ بها أنعام تُساق إلى مرابطها.. وكل ذلك، لأن العالم العربي لم يعد يتحدث لغة واحدة منذ 1979، تحت تأثير حدثين: الأول، اتفاقية كامب ديفيد، وما تمخض عنها من شرخ في الصف العربي، وقيام جبهة الصمود والتصدي وعزل مصر.. والثاني، الثورة الإيرانية، وما استتبعها من حرب بين العراق وإيران، أثرت بشكل سلبي على العالم العربي، وتوزَّع حولها، وضاعف من الأمر وفاقمه، اجتياح جيوش صدام للكويت، مما أنهى عمليًا النظام العربي.. ومنذ ذلك الحين، لم ينهض هذا النظام، ولم تثبت التنظيمات الإقليمية التي تأسست قبل ذلك؛ منها مجلس التعاون العربي، بين مصر، والعراق، والأردن، واليمن، وانتهى عمليًا مع اجتياح الكويت سنة 1990.. وقام اتحاد المغرب العربي، الذي انتهي عمليًا، مع فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين سنة 1994، وإغلاق الحدود البرية من قِبل الجزائر.. ولم يصمد أمام عاصفة التشرذم، إلا مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست.
نحن الآن على أعتاب مرحلة، تحاول واشنطن أن تُعلن فيها، أنه لا شيء يمكن أن يقع مستقبلًا في المنطقة خارج الولايات المتحدة، أو ضد توجهها، أو في تعارض مع مصالحها.. إنه الزمن الثالث للولايات المتحدة، بعد الزمن الأول، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما اصطُلِح عليه بـ (السلم الأمريكي)، والذي دشنته الولايات المتحدة بحلف (كينسي)، على ظهر الباخرة التي تحمل هذا الاسم في فبراير 1945، أي قبل ثمانين سنة بالضبط من الآن.. والزمن الثاني عقِب حرب الخليج الثانية، ورفع الولايات المتحدة شعار النظام العالمي الجديد، والدمقرطة وحقوق الإنسان، قبل أن يعصف الحادي عشر من سبتمبر بتلك الرؤى، بانخراط الولايات المتحدة في المنطقة، بالحرب على الإرهاب.. ويبدأ زمن ثالث، في أعقاب الإعلان عن وقف الحرب في غزة، لن يمثل قطيعة مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، ومنها ضمان أمن إسرائيل، وتفعيل إطار إبراهام، والتعاون مع الدول العربية الحليفة في المنطقة، بل يتجاوز هذا التطور دور الولايات المتحدة في المنطقة، إلى العالم بأسره.
ستظل الولايات المتحدة قُطب الرحى، عسكريًا، وإستراتيجيًا.. وستشهد ولاية ترامب الثانية، تحولًا إستراتيجيًا في العلاقات الدولية، ينبني في جزء كبير على نتائج الحرب على غزة.. ومن الوارد جدًا، في ظل ما تحقق من وقف إطلاق النار، برعاية أمريكية، أن يؤثر على مسار الحرب الروسية ـ الأوكرانية، في أفق وضع حد لها.. ستنثني كل من روسيا والصين، إلى قضايا إستراتيجية محلية، في محيطهم.. إقليم الدونباس بالنسبة لروسيا، وتايوان بالنسبة للصين.. ستعيد القوتان حساباتهما في اتجاه تخفيض تطلعاتهما ومطامحهما.. ومن النتائج الكبرى للحرب على غزة، تحييد الدور الإيراني في المنطقة، وضعف أذرعها في لبنان، أولًا، وهو ما سينعكس على الأذرع الأخرى في العراق واليمن.. التحول الناجم عن الحرب على غزة، يؤشر على نهاية الحقبة الإيرانية في المنطقة، التي أثرت فيها إستراتيجيًا منذ اندلاع الثورة الإيرانية، إذ كانت سببًا غير مباشر في الحرب الإيرانية ـ العراقية، وفي تقوية الاتجاهات الإسلامية، وتغيير الثقافة السياسية في المنطقة، وفي تفعيل المكونات الشيعية في الشرق الأوسط، بل التغلغل حتى في المناطق التي لم يكن فيها تواجد شيعي، في العالم العربي، وفي إفريقيا.
التغيير الذي طال الدور الإيراني، في خضم الحرب على غزة، هو ما انعكس على وضع سوريا، فمكّنها من أن تتخلص من الثقل الإيراني الجاثم عليها، وأداته حزب الله.. التغيير الحاصل جراء الحرب على غزة ومضاعفاتها، من شأنه أن يهيئ الأرضية لنظام عربي جديد، تكون سوريا مدخله وبؤرته. ومثلما قالت باحثة فرنسية، فإن التحول الذي وقع في سوريا، هو شبيه بالتحول الذي وقع بسقوط جدار برلين، من حيث تأثيره على أوروبا الشرقية.. من شأن تغيير السلطة في سوريا، أن يؤثر على العالم العربي كافة.. ولا يمكن أن يقارَن التغيير الذي وقع في سوريا، بأي تغيير للسلطة في العالم العربي في خضم الربيع العربي، في كل من تونس ومصر وليبيا.. فليس هناك سابقة، يمكن أن يُبنى عليها التحول الذي وقع في سوريا، ولن تَعرف المآل الذي عرفته الدول التي شملها التغيير في أعقاب الربيع العربي.. لتبقى احتمالات النجاح أكبر من احتمالات الفشل، بسبب حجم المعاناة والدمار الذي عرفته سوريا، مما لا يجعل من خيار للسوريين أيًّا كانت مشاربهم، إلا تضميد جراحهم، وإعادة البناء، وعودة المُهجرين.. ودول الجوار، التي ليس من مصلحتها أن يترك الأمر على الغارب،. والدول الأوروبية التي مسّها لهيب المأساة السورية، من خلال حجم الهجرة ومأساويتها.
لقد كشفت إسرائيل أن غايتها ليست السلام، وإنما الاستسلام، عبر تنميط العالم العربي، سياسيًا وثقافيًا، في وضع متدني، والإجهاز النهائي على القضية الفلسطينية، ونقل مسئوليات إسرائيل فيما يخصّ الشعب الفلسطيني وتناقضاتها إلى دور الجوار، بل إلى دول العالم العربي، برمته.. لذلك، فإن الجميع نظروا إلى اللقاء الودي بالرياض، بين مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، ومعهم البحرين والكويت، على أنه مدخلًا لنظام عربي جديد، بعد أن انتهي هذا النظام عمليًا منذ 1979، في أعقاب توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد، وعندما عاد، كان هشًا لاحياة فيه بالمعنى الضروري لأمة عربية موحدة.. ومع هذا، فإن الظروف الآن سانحة لإرساء نظام عربي جديد، يتكلم بلسان واحد حول قضايا مصيرية، أو ما كان يسمى سابقًا بوحدة الصف وتنقية الأجواء، ويأخذ بقواعد عامة لتدبير الاختلاف، أو ما كان يسمى برأب الصّدع، وليس من الضروري استعمال نفس التعابير التي أضحت جوفاء، ولا لغة البيانات، ولا اللاءات، بل مقاربة براجماتية، تعمل وفق الأدوات الدبلوماسية، وتُبقي باب الحوار مفتوحًا، بعد أن ظل العالم العربي موزَّعا بين قوى إقليمية، وأسهم هذا الوضع في تعميق الفُرقة، وفي إضعافه.
نقول أن الظروف سانحة، أمام تواري القوى الإقليمية تلك، من أجل إرساء نظام عربي جديد.. الأولوية فيه، هي اتخاذ موقف حاسم من خطة ترامب حول تهجير سكان غزة، بالطرق الدبلوماسية، عبر التذكير بالقواعد الدولية التي تتعارض مع ما يُلوَّح به من تهجير قسري، وبالقرارات الأممية ذات الصلة حول وضع غزة والضفة الغربية، بدءًا من القرار 242، وباتفاقية أوسلو، ومرجعيتها القائمة على الأرض مقابل السلام، وبالمبادرة العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت 2002، وأقرت حل الدولتين.. مع التذكير بدور الولايات المتحدة، منذ مؤتمر مدريد 1991، بأن تكون (وسيطًا نزيهًا)، من أجل حل عادل ودائم وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية.
ومما لاشك فيه، أن مخرجات قمة الرياض، التي لم يصدر بشأنها بيان، ستكون أرضية لقمّة القاهرة، ومن المستحسن تشكيل لجنة تتكون من وزراء خارجية هذه الدول الخمس، لعرض مقتضيات المؤتمر لدى الأمين العام للأمم المتحدة، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، وقد يضاف إليها كل من الهند، والبرازيل، أسوة بما تمخضت عنه قمة فاس 1982، والتي تبنت مخطط الملك فهد بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، وانبثقت عنها لجنة سباعية على مستوى وزراء الخارجية، قدّمت محتوى المشروع للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.. ومن المهم إسناد نتائج القمة الخماسية بموقف موحد، من قِبل منظمة التضامن الإسلامي، على مستوى وزراء الخارجية في مرحلة أولى.. وبديهي أن تكون هذه القمة قد تضمنت خططًا من أجل تعمير غزة دون تهجير سكانها، مع الدعوة لمؤتمر دولي، ترعاه الأمم المتحدة بهذا الشأن، يتسق فيه الإعمار مع الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وتظل أوراق دبلوماسية أخرى، في الحالة القصوى، إن أعرضت الولايات المتحدة عن مواقف الدول العربية، وتمادت في تجاهلها، وهي التلويح بتجميد اتفاق كامب ديفيد، ومعاهدة وادي عربة، واتفاقات إبراهام.. وفي جميع الحالات، ينبغي العمل وفق الأدوات الدبلوماسية، فلا يفيد التلويح بغيرها.. ولا حاجة للتذكير بأن سيناريو التهجير، هو وقود للكارثة، ليس على مستوى المنطقة أو العالم العربي، بل على مستوى العلاقات الدولية، بفتح فصل شنيع ومُروع لصدام الحضارات، واستشراء العنف والكراهية، وعدم الثقة.
●●●
إن البند الأكثر إلحاحًا وتحديًا في جدول أعمال القمة، هو إيجاد قوة بديلة تحل محل حماس كحكومة في غزة، بالإضافة إلى أن إسرائيل سوف تثبت أنها عقبة رئيسية، نظرًا لرفض بنيامين نتنياهو بشكل قاطع قبول الدولة الفلسطينية وسيادتها.. لذلك، فإن أي خطة بديلة تستبعد حماس تمامًا، لا تملك إلا فرصة ضئيلة للغاية للنجاح.. فقد تتخلى الحركة عن حكم غزة في مقابل إعادة الإعمار، ولكنها لن تختفي ببساطة.. فخلافًا لما حدث عام 1982، عندما طُردت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من لبنان إلى تونس، بعد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب البلاد، تقاتل حماس على أرضها.. ولا تزال المذبحة التي أُرتكبت ضد اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية حية في الذاكرة الفلسطينية.. ولن تقبل حماس أي خطة من شأنها أن تؤدي إلى نهاية فلسطين، كما يتخيلها أجيال عديدة من المنفيين الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، وأهل غزة الذين تحملوا أكثر من خمسة عشر شهرًا من المذابح.
ويجب أن يكون معلومًا يالضرورة، إن الخطة العربية البديلة في غزة، مدفوعة بالرغبة في التخفيف من حدة زعزعة استقرار العديد من الأنظمة العربية، لأن الإخلاء القسري للفلسطينيين، من شأنه أن يؤدي حتمًا إلى انتشار حماس ومقاتليها والإسلام السياسي ـ وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين ـ في البلدان التي كانت تعمل على قمع الحد من هذه الإيديولوجية.. ولا تريد أي من الأنظمة العربية أن ترى مقاتلي حماس ومجتمعاتهم الممتدة يعيشون في بلدانها.. فأيديولوجية الإخوان المسلمين تدعو إلى الحكم وفقًا لمفهومهم عن الإسلام، ولكنها في الوقت نفسه تتحدث عن الديمقراطية.. إنها حركة عالمية تجتذب العديد من الشباب، الذين يطمحون إلى نوع من الحكم الديمقراطي الإسلامي، وفقًا لتفسيرهم الخاص للإسلام والديمقراطية.
وعلاوة على ذلك، إذا أُجبر الفلسطينيون على مغادرة أراضيهم بشكل جماعي، فإنه يُخشى رد فعل الجمهور وتصويره القادة العرب على أنهم من (باع فلسطين). لأن المواطنين العرب لديهم تضامن أكبر مع الفلسطينيين.. ولكن، ما زال من غير الواضح كيف ستبدو إدارة غزة.. فعلى الرغم من الدمار، لا تستطيع الدول العربية أن تقرر مصير غزة بنجاح، دون التعامل مع الفلسطينيين أنفسهم.. وفي حين وقعت العديد من الدول العربية بالفعل اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فإن أيًا منها لم يجلب السلام.. بل إن العكس هو ما حدث بالفعل، لسبب بسيط.. فقد تم تهميش الفلسطينيين أنفسهم.. ولن يؤدي إلا اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين يضمن قيام الدولة الفلسطينية وسيادتها، إلى سلام دائم.. وسوف تمر الصحوة العربية دون تهيئة الظروف لهذا السلام، إذا لم تجلس جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، على طاولة المفاوضات.
●●●
وتنصرف الإرادة المصرية بالإجمال إلى تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، واعتبارهم أصلًا طبوجرافيا لا يختلف عن وديان غزة أو تلال الضفة الغربية. أى أنها ترفض التهجير من بابه، عنوانًا ومَتنا، وسواء كان المطروح أن يُزاح الناس إلى سيناء وشرقىّ نهر الأردن، أو أن يُمرّرهم الاحتلال من موانيه ومطاراته إلى منافٍ فى أقاصى الأرض.. وعليه؛ فقد جاء اللقاء الودي بين الزعماء في الرياض، وقد قُطِع الشوط الأصعب فى المُطاردة التى لا تخلو من نزقٍ وعدم استيعاب من الولايات المتحدة لجوهر الصراع.. ولم يعد الحديث مُثارًا تقريبًا عن خطّة ترامب والتداول فى تفاصيلها؛ إنما عن مُقترح بديلٍ يترقبه البيت الأبيض، وسيُجادل فيه بالضرورة، لكن لن يكون بمقدوره الزعم بأن تصوّره السالف يلقى قبولًا، أو أنه يجأر وحيدًا بالحل فى فراغٍ عميم.
عناوين المُقاربة المصرية معروفة بالبديهة؛ إذ لا تخرج عن تثبيت الغزيّين فى أماكنهم وصياغة برنامج زمنى للتعافى المبكر وإعادة الإعمار، مع إنتاج إدارة مدنية فلسطينية تتعهد اليوم التالى، وتُشرف على مسار الإنقاذ والتأهيل الذى لن يكون قصيرًا أو يسيرًا فى كل الأحوال.. وفى التفاصيل، يُمكن أن يشتمل الطرح على تجهيز مناطق آمنة لاحتواء المتضررين من دمار الحرب، ثم تقسيم القطاع إلى نطاقات تتوزع فيها المهام بمنطق زمنى أو نوعى، بحيث تتدرج العملية المُتوقع لها أن تستغرق عدّة سنوات، بتقديم حلول مبتكرة وسريعة للمجموع السكّانى العام، جنبًا إلى جنب مع إرساء وترقية معالم المشروع الإحيائى فى مراحله المتلاحقة.
جاءت القمة الرياض مبكرًا عن النسخة العمومية الطارئة، لأغراض سياسية واقتصادية واضحة.. بمعنى أنها ليست تقسيمًا لحالة الإجماع لدى الكُتلة العربية، بل أقرب إلى التمهيد المبكر، يتبعه انتشار القوات على نطاق أوسع، وقد يؤازره لاحقًا سياق أكثر اتساعًا عبر منظمة التعاون الإسلامى، بجانب ما يُدار فى القنوات الدبلوماسية، تجاه بناء سياق عالمى مُساند للقضية أولًا، وللخطة العقلانية المُعدّة من داخل فضاء الصراع.
وتنبع فلسفة لقاء الرياض؛ من الاتصال المباشر بالهم الفلسطينى وما يُطرح من جهة الإدارة الأمريكية، كحال مصر والأردن، بجانب الصلة الوثيقة لقطر مع حركة حماس، وما تلعبه من أدوار ضمن الوساطة الدائرة بشأن وقف إطلاق النار، ثم ثِقَل الرياض وأبو ظبى المادى والمعنوى، من جهة علاقاتهما مع واشنطن، ومصالحها الاستراتيجية معهما، وقدرتهما على حشد الجهود المطلوبة لتمويل خطة التعافى والإنعاش باهظة التكلفة فى القطاع.. والرسالة، أن المَعنيِّين المباشرين يرفضون الطرح الأمريكى، ويقدّمون البديل، ولديهم من وسائل تفعيله وضمان تحققه عمليًا ما يكفى للاطمئنان إلى الخطة المُقترحة.. والحاضنة العربية مطلوبة لاعتبارات استراتيجية وجيوسياسية؛ لكنها تُكمل العناصر الأساسية الركينة فى مشهد الاعتراض والاستبدال، وبدلًا من أن يلتحق الجميع بالقافلة كأنهم ينزلون الحلبة أمام ترامب، ستكون الصورة أقرب إلى أنهم يُفاضلون بين تصوّرين، ويدعمون الأوفق منهما.
ويترك الفاصل الزمنى مع القمة العربية الطارئة؛ هامشًا للإدارة الأمريكية، أن تُقلّب الصورة على الوجوه كها، وأن تُعيد حساباتها بين ما تعده منافع فى أطروحة التهجير، وما تحمله لها رياح الرفض من نُذر خطر ومصابيح حمراء، لا تتصل بمصالح واشنطن الحيوية فحسب؛ بل تنفتح على خيارات عدة تمس السلم والاستقرار فى المنطقة، وتنعكس سلبًا على إسرائيل نفسها؛ من حيث تتوهم أنها تُعززها بالخيارات القصوى، وتُسلمها مفاتيح الشرق الأوسط مرة وإلى الأبد.
وكل ما فات، لا يعنى أن الرئيس الأمريكي الجمهورى المُعبأ بنشوة الفوز إلى الآن، والمأخوذ بحالة أفلام الغرب الأمريكى وبطولات رُعاة البقر، أو استعاراته الإلهامية من توسعات ويليام ماكينلى، وجنون ريتشارد نيكسون فى مفاوضاته، سيتراجع سريعًا عن خياله الذى يتوهم فيه طاقة إبداعية خلاّقة لتصفية صراع وجودى عتيق؛ لكنه سيصطدم لا محالة بجدار صُلب، لن يكون سهلًا ثقبه أو القفز عليه، فضلًا على ما وراء ذلك من إشارات تتصادم مع منطقه النفعى بصيغة الصفقات التجارية المُربحة، ولن يحتاج وقتًا طويلًا قبل اكتشاف منافع كل صفقة ومساوئها.. وهنا، يصح القول إن خطة التهجير وُلِدت ميتة، انطلاقًا من صلابة الغزيين واستمساكهم بالوطن الضائع دون ارتضاء بديل عنه، ثم الحسم القاطع من الدولة المصرية، وقد كانت سبّاقة فى إثارة المسألة وتفنيدها منذ اندلاع الحرب، وجددت الرفض مع تجديد الدعايات، وجمدت زيارة رئاسية متوقعة لواشنطن؛ طالما ظل الملف مطروحًا ضمن أجندة الأعمال.
حفظ الله مصر والأمة العربية من كيد الكائدين.. آمين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رئيس مجلس النواب البيلاروسي يزور القاهرة.. ويجري مباحثات موسعة مع مسؤولين مصريين
رئيس مجلس النواب البيلاروسي يزور القاهرة.. ويجري مباحثات موسعة مع مسؤولين مصريين

24 القاهرة

timeمنذ 2 ساعات

  • 24 القاهرة

رئيس مجلس النواب البيلاروسي يزور القاهرة.. ويجري مباحثات موسعة مع مسؤولين مصريين

يجري رئيس مجلس النواب البيلاروسي إيجور سيرجينكو زيارة رسمية إلى مصر خلال الفترة من 25 إلى 28 مايو الجاري، بدعوة من رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي، وفقا لما أعلنه المكتب الصحفي لمجلس النواب البيلاروسي، اليوم السبت. وحسب ما نشرته وكالة أنباء بيلاروسيا، فمن المقرر أن يضم الوفد أعضاء مجلس نواب بيلاروسيا، سيرجي راشكوفويوري بانفيلوف، وممثلين عن شركات بيلاروسية مثل MTZ وMAZ وBelshina وan dAmkodor-Mozha. بيلاروسيا تحتفل بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب العالمية الثانية بعرض عسكري ضخم| صور اليوم.. بيلاروسيا تحتفل بالذكرى الـ 80 لانتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب الوطنية العظمى التعاون بين مصر وبيلاروسيا وسيلتقي سيرجينكو خلال الزيارة حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، ووزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي،ووزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب، ورئيس اتحاد الغرف التجارية المصرية أحمد الوكيل، ونائبرئيس البرلمان العربي طارق نصير. وسيزور الوفد الشركة التي تستورد الآلات من مصنع مينسك للسيارات، وسيوقع وثائق ثنائية بشأن توريد المنتجات البيلاروسية. وتختتم الزيارة باجتماع مائدة مستديرة لمناقشة سبل تعزيز التجارة بين بيلاروسيا ومصر، بمشاركة برلمانيين مصريين يمثلون كبرى الشركات، وفقا للوكالة.

أخبار العالم : عضو كونغرس أمريكي يدعو لإلقاء "قنبلة نووية" على غزة
أخبار العالم : عضو كونغرس أمريكي يدعو لإلقاء "قنبلة نووية" على غزة

نافذة على العالم

timeمنذ 2 ساعات

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : عضو كونغرس أمريكي يدعو لإلقاء "قنبلة نووية" على غزة

السبت 24 مايو 2025 01:00 مساءً دعا عضو الكونغرس الأميركي عن الحزب الجمهوري راندي فاين، الجمعة، إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، وذلك ردًا على مقتل موظفين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن قبل أيام. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية (خاصة)، أن فاين، قال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، ردًا على سؤال حول فرص التوصل لوقف إطلاق النار في غزة وهجوم واشنطن: "يجب قصف غزة نوويًا كما فعلنا مع اليابان"، في إشارة إلى قصف هيروشيما وناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. وفي 21 مايو/ أيار الجاري، قتل موظفان بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن إثر إطلاق نار بواشنطن، حيث ردد منفذ الهجوم ويدعى إلياس رودريغيز (30 عامًا) شعارات مؤيدة لفلسطين، منها "فلسطين حرة"، أثناء اعتقاله. وزعم فاين، أن "النهاية الوحيدة للصراع في غزة هي استسلام كامل ومطلق لمن يدعمون الإرهاب"، مضيفًا: "لم نتفاوض مع النازيين ولا مع اليابانيين على الاستسلام". وأضاف محرضاً: "قصفنا اليابانيين مرتين بسلاح نووي للحصول على استسلام غير مشروط؛ يجب أن نفعل الشيء نفسه في غزة". وهذه ليست المرة الأولى التي يتم الدعوة فيها إلى قصف غزة بسلاح نووي، حيث دعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، إلى استخدام السلاح النووي ضد غزة. وينتمي إلياهو لحزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو حزب يؤيد بناء المستوطنات، واستعادة السيطرة على القطاع، ويتبنى أفكارا متطرفة. يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل بدعم أمريكي مطلق، ارتكاب حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وخلّفت هذه الإبادة أكثر من 176 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

صدام الإرادات: مصر وإسرائيل وامريكا على جبهة غزة!
صدام الإرادات: مصر وإسرائيل وامريكا على جبهة غزة!

الدستور

timeمنذ 3 ساعات

  • الدستور

صدام الإرادات: مصر وإسرائيل وامريكا على جبهة غزة!

لم يكن صوت الرصاص هذه المرة من غزة.. بل من القاهرة، حين خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي ليقول كلمته الفاصلة "لا تهجير، لا تفريط، لا وطن بديل"، توقفت غرف العمليات في تل أبيب، وارتبكت الحسابات في واشطن، وارتفع الضغط في أغلب العواصم العربية التي فضلت أن تتوارى خلف بيانات باهتة، لكن مصر قررت أن تصنع العاصفة بدل أن تهرب منها؟ لم يكن الخطر هذه المرة مجرد أزمة حدود، بل لحظة انكشاف كامل لمن بقي من شرفاء الموقف، ومن قرر أن يبيع الجغرافيا والتاريخ في مزاد ما بعد النكبة، وبدأ صدام الإرادات، والإرادة المصرية وحدها اختارت المواجهة. لكن ما الذي يجري الآن، وما هو التحليل السياسي للأحداث المتصاعدة لحظة بلحظة؟ ما تشهده المنطقة ليس مجرد تصعيد عابر، بل صراع وجودي حول مستقبل غزة، ودور مصر، وحدود النفوذ الإسرائيلي الأمريكي، فإسرائيل تسعى منذ سنوات لتحويل غزة إلى عبء إنساني على جيرانها، وأمريكا بقيادة ترامب العائد بقوة تٌدعم هذه الرؤية دون مواربة أو خذلان، أما مصر، فقد رفضت أن تكون منطقة عازلة لأحلام الغير، وقالتها القاهرة بوضوح: أي عبور لغزة إلى سيناء هو اعتداء على السيادة المصرية، وما بدأ في أوله كخيار دبلوماسي، صار الآن صدام إرادات مفتوح. لن أتكلم كثيرا عن الموقف المصري والصمود التاريخي للرئيس عبد الفتاح السيسي، فالموقف واضح والصمود راسخ، ولا يحتاج الأمر للمزيد من التفسير أو التعليق، لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال المصريين في الوقت الراهن هو هل يمكن أن تتطور الأزمة الحالية إلى صراع عسكري بين مصر وإسرائيل؟ السيناريو الكلاسيكي للحرب الشاملة مٌستبعد، لكن سيناريوهات الاستفزاز المنظم ليست كذلك، فهناك تحركات إسرائيلية مريبة ومستمرة على حدود رفح مع مصر، وهناك محاولات لا تهدأ وبدعم أمريكي لدفع الفلسطينيين في غزة قسرا عبر معابر مغلقة، وهناك اختراقات إعلامية ونفسية تستهدف الجبهة الداخلية المصرية، وجميعها يٌطلق عليها مصطلح "أدوات الحرب الرمادية" التي تٌمارسها إسرائيل ومن خلفها واشنطن، لكن مصر ليست غافلة، وهناك تحركات ميدانية قوية للجيش المصري في سيناء، ورفع درجات الاستعداد في أعلى مدى، وتصريحات القيادة السياسية كلها تشير إلى قراءة واعية لكل الاحتمالات. ماذا عن الجبهة الداخلية المصرية؟ مهمة الشعب المصري الآن هي الوعي قبل السلاح، وما يٌميز مصر في هذه المرحلة أن القرار السياسي يلقى سندًا شعبيًا نادرًا، فلم تعد القضية "فلسطينية" فقط، بل مصرية خالصة، لأن التهديد هذه المرة على الأرض والهوية والإرادة المصرية، والدور المصري الذي يٌراد له أن يتقلص ويختفي. الدولة المصرية اليوم تتحرك بثلاثة أدوار متوازية، الوعي الجماهيري عبر إعلام متماسك في توضيح المخاطر، والجاهزية الميدانية من قوات حرس الحدود والجيش الثاني الميداني، والحراك الدبلوماسي المحسوب في المحافل الدولية لتثبيت الرواية المصرية، وجميعها أدوار قوية ورصينة ومٌدركة للخطر الذي يهدد الأمن القومي المصري. الآن البعض يسأل عن الموقف الأمريكي، ولماذا هذا الموقف المتعنت من ترامب؟ إن عودة دونالد ترامب إلى واجهة المشهد الأمريكي تعني شيئا واحدا وهو أن دبلوماسية الغطرسة تعود من جديد، وترامب لا يفهم سوى منطق الضغط والصفقات، وموقف مصر القومي والإنساني والسياسي يٌربكه ويفقده توازنه، ولأن القاهرة لم تدخل الصف الأمريكي في "صفقة القرن" ولم تفتح معابرها للتهجير، فإن العلاقات المصرية الأمريكية تمر بأسوأ حالاتها في هذه الفترة، وأعتقد أن الدولة العميقة في أمريكا لن تسمح لترامب بأن يدمر العلاقات الاستراتيجية الممتدة والراسخة مع مصر منذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية واستقلالها عن التاج البريطاني في 4 يوليو عام 1776. لكن مصر – رغم التوتر – لا تتنازل ولا تنكسر، بل تلعب على التوازنات الإقليمية والدولية بخبرة عتيقة، جعلت منها لاعبًا عصيًا على الكسر، ولو مؤقتًا. يشغل المواطن سؤال أهم: هل ستنتصر مصر في النهاية؟ الانتصار ليس فقط أن تٌفرض الرؤية المصرية، بل أن تصمد رغم الحصار السياسي والإعلامي والدبلوماسي، وأن تبقى كلمة "لا" المصرية واضحة رغم العزلة العربية المحيطة، وأن تحافظ على الأرض والقرار بلا مساومة، فقد تكون مصر وحدها الآن، لكنها ليست ضعيفة، وليست مستسلمة، وليست عابرة في هذا المشهد، بل هي كما كانت دائما قلب المعركة وصوت الضمير وخط الدفاع الأخير عن الكرامة العربية. أما في حال أن تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، وتحول المشهد إلى صدام عسكري مباشر، فلن تجد أمامها جيشًا نمطيًا، بل عقيدة قتالية تشكلت على مدى قرن من المواجهات، والجيش المصري ليس فقط الأكبر في الشرق الأوسط، بل الأكثر تمرسًا بخوض الحروب طويلة النفس، وبتكتيكات الحرب المركبة التي تجمع بين النظام التقليدي والميداني وحرب المعلومات، ورغم التفوق النوعي لبعض التكنولوجيا الأمريكية في يد إسرائيل، إلا أن الجيش المصري يمتلك عنصر المفاجأة والميدان، فهو يُدير معاركه وفق عقيدة "الصبر القاتل"، ويعرف تضاريس سيناء كما تعرف اليد خطوط راحة الكف. ومع التحديثات الشاملة التي شهدتها القوات المسلحة خلال السنوات العشر الأخيرة وشملت الدفاع الجوي، البحرية، والقدرات السيبرانية، فإن الجيش المصري اليوم ليس نسخة مكررة من الماضي، بل قوة ردع إقليمية كاملة الأركان، والأهم أن الجيش المصري لا يتحرك فقط دفاعًا عن حدود، بل عن كرامة دولة وهوية أمة، وهذا ما يجعل معادلة "الردع بالعقيدة" أقوى حتى من تحالف السلاح بين إسرائيل وواشنطن. في هذه اللحظة الفارقة، لا يملك المصريون رفاهية التردد، الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يقود معركة دبلوماسية فحسب، بل معركة كرامة أمة، وتصريحاته لم تكن للاستهلاك، بل رسائل مدروسة بَلّغت الداخل والخارج أن مصر لن تكون ممرًا للنكبة الثانية، والثقة في القيادة لم تأتِ من فراغ، بل من تاريخ طويل من القرارات الصعبة والمواقف الثابتة في وجه العواصف، أما الجيش المصري، فهو الدرع الذي لا يصدأ، والحارس الذي لا يغفو، والسند الذي لا يتزحزح. لكن تبقى المعركة الحقيقية في الوعي، في الجبهة الداخلية، في كل بيت وكل شاشة وكل كلمة، فلا انتصار بلا شعب واعٍ، ولا صمود بلا وحدة، ولا كرامة بلا استعداد دائم للتضحية. مصر لا تُهدد... مصر تُجيد الرد في اللحظة التي يظنها الآخرون قد استسلمت. وهذا ما يجعلها... مصر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store