
'سوبرمان': بين الخيال الدرامي والتقية الفنية
يُعيد الفيلم تقديم 'سوبرمان' في هيئة شابٍ يُكافح للتّوفيق بين إرثِه 'الكريبتوني' والتزامه الأخلاقي تجاه الأرض؛ غير أنّ أبرز ما يُميّزه هو تحوُّل مسرح الأحداث من مواجهةٍ كونية مجرّدة إلى صراعٍ ذي طابعٍ جيوسياسي صريح. يتجلّى ذلك منذ المشهد الافتتاحي حيث تتقاطع صور الدّمار في مدينةٍ خياليةٍ مع نشراتٍ إخبارية عن حربٍ حقيقيّة تدور في مدينة مُتخيّلة. ومع تقدّم السّرد؛ يُرغَم البطل على اتخاذ موقفٍ حاسمٍ: هل يواصل اللّعب وِفق قواعد القُوى العُظمى أم يكسرها دِفاعًا عن مبدأِ العدالةِ؟
ما يُلفت الانتباه في الفيلم هو الطريقة التي تمّ بها توزيع الأدوار؛ إذ نجد أنّه قد تمّ تجسيد سُكان مدينة 'جارهانبور' التي تتعرض للعُدوان العسكري الواسع من خلالِ مُمثّلون من أصولٍ شرقَ أوسطيّةٍ وأخرى غير بيضاء، بينما يُؤدي أدوار 'البورافيين' المُعتدين مُمثلون من العرقِ الأبيض، وهذا الاختيار ليس بريئًا؛ بل يُرسّخ الصورة النّمطية عن الضحية والمُعتدي، ويُعيد إنتاجَ ثُنائية المركز والهامش في المخيّلةِ الغربية، وقد بدا ذلك جليًّا في مشاهد القصف والاجتياح، حيث تتماهى ملامح الضّحايا مع صور الضّحايا في غزة.
كما كان لافتاً إبراز الفيلم لدفاع أحد المسؤولين عن دعم الولايات المتحدة العسكري للدولة المعتدية، بحجة أنها 'دولة ديمقراطية تمثل قيمنا'، وهنا يتقاطع الفيلم مع الواقع، ويسلط الضوء على الذرائع الواهية التي يسوقها الغرب في حروبه سواء في العراق أو فلسطين أو غيرها.
مُنذ العرض الأول، شبه بعض النُّقاد الفيلم بـ'مِسودة بيان سياسي'؛ بينما اتّهمه آخرون بـ'تسييس الأيقونة الشعبية خدمةً لأجندةٍ يساريّة'. أمّا المواقع المحسوبة على اليمين فقلّلت من شأنِ هذه القراءة؛ مُركِّزةً على 'مبالغات المؤثرات البصريّة'.
لم يتوقف الجدل عند حدود النّقد السينمائي أو الأكاديمي؛ بلْ امتد إلى رُدودِ فعلٍ سياسية مُباشرة؛ فقد نشرت القُنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس منشورين على فيسبوك تحت عنوانِ 'الأبطال الحقيقيون'، مع صُور لجنودٍ إسرائيليين، في محاولة واضحة لربطِ صورةَ البطولة بالقوةِ العسكرية الإسرائيلية، وكأنها ترُدّ على أي إسقاط مُحتمل للفيلم على الواقع الفلسطيني؛ ما يكشف عن قلقِ الاحتلال من أي عمل فني قد يُزعزع الرّواية السائدة.
من الصّعب الجزم بنيّة صُنّاع الفيلم، فالمُجاهرة بإدانةِ العُنف ضد الفلسطينيين باتت في السياقِ الأميركي فِعلًا تحسَبه الاستوديوهات مُخاطرة تسويقية، وعليه يغدو ترميزُ غزّة عبر مدينةٍ خياليةٍ مُحاولةً للالتفاف على رقابةٍ غير رسميّة، تُمارسها مجموعات الضغط والإعلان 'تُقية فنية'، مع الحفاظ على شُحنةٍ أخلاقيةٍ يَصعُب إنكارها.
لهذا يُمكن اعتبار الفيلم خطوةً في مسارٍ طويلٍ يستعيد فيه الفن رسالته بوصفهِ ساحةً لتفكيكِ السّرديات الرسمية.
قد يختلف المُشاهدون حول ما إذا كان 'سوبرمان' يقدّم تحريضًا فنّيًا ضد سياساتٍ بعينها أم يكتفي بمجازٍ إنسانيٍ عام؛ لكنّ المُؤكَّد أنّه يُذكّرنا بدورِ السينما في زعزعةِ السّائد وطرح الأسئلة الحرجة، فإذا كان البطلُ الخارقُ قد تعلّم أنّ الصّمت شَراكةٌ في الجريمة؛ فماذا عنّا نحن المُشاهدين؟ هل نكتفي بالتّصفيق في نهايةِ العرضِ؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 18 دقائق
- البوابة
"يحيى السنوار" يظهر مجددا في مستشفى بألمانيا.. ما القصة؟
اسم "يحيى السنوار" الذي تم اختياره ضمن قائمة المواليد الجدد في مستشفى جامعي ألماني، أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل المستشفى "يحذف المنشور" والاعتذار بعد انتقادات وجهت للمستشفى. وبحسب ما نشرت "الجزيرة" فإن قسم التوليد بالمستشفى الجامعي التابع لمدينة لايبزيغ الألمانية، يحتفي يوميا بالأطفال المولودين حديثا عبر لوحة إعلانات تحمل أسماءهم وتاريخ اليوم وعبارة "مرحبا بكم"، في تقليد متعارف عليه يحمل دلالة رمزية للاحتفاء والفرحة. وأضافت أن المستشفى نشر قبل أيام على حسابه في إنستغرام صورة لوحة مواليد الثالث من أغسطس/آب الجاري، وعليها اسم "يحيى السنوار"، ما أثار جدلا وذهولا بين متابعي الحساب. إلى ذلك، اضطر المستشفى تحت "ضغوطات" إلى حذف المنشور ونشرِ اعتذار يؤكد أنه لم يدرك دلالة الاسم، وقال في بيان "نشرنا أسماء المواليد الجدد كما نفعل يوميا، ونتفهم أن المنشور استفز البعض، وسنتخذ مستقبلا إجراءات بحساسية أكبر في مثل هذه المواقف". في المقابل، لاقى "المنشور" تفاعلا واسعا على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، للحسابات التي يقوم أصحابها بالتعبير عن آرائهم في "نصرة غزة". كما دخل اسم "يحيى" قائمة الأسماء الأسرع انتشارا في فرنسا، ما يشير إلى تنامي التعاطف مع القضية الفلسطينية في أوروبا، رغم الضغوط السياسية والإعلامية المضادة. المصدر: الجزيرة


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
أردني ينهي خطوبته بسبب تعليق عن الشامي
أثار شاب أردني جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن قرر فسخ خطوبته بسبب تعليق كتبته خطيبته على منشور يتعلق بترند الطفلة التي ظهرت وهي تبكي في حفل الفنان الشامي. وفي التفاصيل التي ذكرها مغردون علّقت الفتاة على صورة الطفلة قائلة: "من حقها تبكي، بكفيها إنها بتسمع صوت الشامي، أنا لو مكانها ممكن أنهار من البكاء"، في إشارة واضحة إلى إعجابها الشديد بالفنان. ويبدو أن تعليق الفتاة لم يمر مرور الكرام، حيث قامت شقيقة خطيبها بالتقاط صورة للتعليق وإرساله إلى شقيقها، معبرة عن استيائها من تصرف خطيبته، معتبرة أنه لا يليق بفتاة مخطوبة وتساءلت "أين احترام الخطيب من هذا التعليق؟ هكذا نماذج لا تلزمنا في عائلتنا". وأفادت شقيقة الشاب، في منشور عبر خاصية "الستوري" بحسابها على مواقع التواصل، أن شقيقها لم يتردد في اتخاذ قرار إنهاء الخطوبة فوراً بعد رؤية التعليق، ما أثار موجة من التفاعل والجدل بين رواد السوشيال ميديا بين مؤيد لقراره ومعارض، معتبرين أن رد الفعل كان مبالغاً فيه. القصة أثارت نقاشاً واسعاً حول حدود التعبير عن الإعجاب بالمشاهير، وأيضاً حول مفاهيم الغيرة والاحترام المتبادل في العلاقات، لتتحول الحادثة إلى محل جدل بين المغردين على منصات التواصل في الأردن خلال الساعات الماضية. ويعود أصل القصة إلى لحظة بكاء طفلة بشدة خلال حفل الشامي الذي أقيم ضمن مهرجان بنزرت الدولي في تونس، بعدما تسبب في لحظة مؤثرة تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، حين انهارت طفلة بالبكاء تأثراً خلال غنائه لأغنيته الشهيرة "دكتور".


الغد
منذ 9 ساعات
- الغد
"تركني ع الأرض وراح".. هذا ما كتبه بسام كوسا عن رحيل زياد الرحباني
كتب الممثل والمخرج المسرحي السوري بسام كوسا مقالا عن رحيل صديقة زياد الرحباني هذا نصه: هذا زياد، هذا بعضٌ منه، يحق لأي إنسان أن يدّعي صداقته - لو لم يره حتى - لقد كان متاحاً للجميع، فهو حالة إنسانية إبداعية قلّ حدوثها. اضافة اعلان لم أكن حقاً أرغب في الكتابة عن زياد، ترددت كثيراً، أحسستُ بأنني قد أُصبت بما يشبه الشلل، ترددت كثيراً، فكما يُقال: بعد أن تُخرق السفين كل كلامٍ كثير. ولكن بما أنّهم علمونا بأن الحياة أبقى - هكذا قالوا لنا - وأيُ حياة؟! لذلك لن أطنب، ولن أزخرف الكلام، ولن أمدح بما ليس فيه، فأنا على يقينٍ بأنه يكره ويستاء من هكذا أشياء. فكل ما أستطيع قوله إنّ هذا الرجل كان بسيطاً كرغيف خبز، عميقاً كالمنام، صادقاً كالألم. هكذا أرى زياد، أو بعضاً منه. يغزل أيّامه وأعماله بالحرير والشوك، مُدمياً وحنوناً، واخزاً وطيباً، عنيفاً ورؤماً، وهل هناك أصعب من أن يكون غزلاً بهذا التضاد؟ هكذا زياد... أو بعض منه. لم يتجمّل أمام الحياة، ولم يخادعها، بل كان ينظر بعينيها مباشرةً، من دون مواربة أو تلاعب. دائماً ما كان يقول لحياتنا: أنت هكذا. وكنّا نضحك!! دقّ جرس الإنذار مئات المرات، آلاف المرات... وكنّا نضحك!! كم مرّةً قال لنا بصوتٍ مرتفع صريح، حتى لتكاد تظن بأنّ قلبه سينفجر: ما كلكن إخوة يا إخوات الشر... وكنّا نضحك!! هكذا زياد... أو شيء منه. يا صديق أكثرنا، قلتَ ما لم نستطع قوله (موسيقى، مسرح، غناء، إذاعة، مقالات، آراء، مواقف، محبة...) قلتها بكل صدق وجرأة ونبل، وإبداع. نعم يا سيد، أستطيع أن أقولها بثقةٍ عالية، في كل عمل كنت تصيبنا بالدهشة، والدهشة سرّ الإبداع. نعم، كنت مدهشاً كالماء، كأوراق الشجر، كغيمةٍ ماطرة، كعشب الأرض، مدهشاً كالبساطة وكنّا نضحك. مررتَ في حياتنا كسربٍ من السنونو، وغادرتنا بسرعة الشهب، لم ننتبه بما يكفي، وبما يليق بك من الانتباه، غدرتنا. وعلى غفلةٍ منّا، وفي لحظة فجيعتنا عندما رُحت، جمعنا، ذاهلين، كل ضحكاتنا في سلة قشٍ واحدة، وبلمحة بصر تحوّلت كل هذه القهقهات إلى ألم خارق، هذا الوجع المباغت ذكرني بما قلت أنت: شي جديد، على نفس النسق القديم، بس شي جديد. هذا ما عليه حالنا الآن، شي جديد، ولكن على نفس النسق القديم. قلت لك مرّة، أثناء حوارنا عام 2008: إن الأمم تنتظر أن تمنحها الحياة حالةً إبداعية متفرّدة كل خمسين عاماً، ففي الثلاثينيات ظهر سيد درويش، وفي الثمانينيات كنت أنت. انتابك حينها كمّ كبير من الخجل والارتباك، إلى درجة أنك لم تعرف بماذا تجيب، لقد تلعثمت بوضوح. اليوم، ونحن على ما عليه من انهيارات على الصُعد كلها، وجدت نفسي مخطئاً أيّما خطأ. يبدو أننا سننتظر زمناً أطول بكثير كثير، لكي يصبح عندنا حالة مشابهة أو موازية كزياد الرحباني. لن أبالغ في التشاؤم ولا التفاؤل، لكنني مؤمن بأن الحياة قادرة على أن تترك الأبواب مشرعةً على احتمالات عدة، قد يحدث، ليس الآن، متى لا أعلم، لكن الحياة ستستمر. زياد... سنظلّ نسمعك ونتذكّرك، قد يكون لأجيال قادمة، وستبقى بالنسبة إلى الكثيرين جداً، سنداً معنوياً ووجدانياً، ومحرّضاً قوياً على العطاء والحب والتفاؤل، فما قدمته في مسيرتك الطويلة القصيرة، سيبقى ضوءاً يدلنا إلى هناك، إلى حياة أفضل وأشرف، فقد كنت خيرَ مَن يوصل الرسالة لمن يريد أن يقرأها. فلن تقوم قائمة لأمة لا تأخذ الثقافة والفنون والإبداع في الحسبان، لأنها ستبلى بالعمى، كما قلتها أنت يوماً... وضحكنا!! هذا بعضٌ من زياد. ستبقى بيننا أزماناً طويلة أيّها الساحر الخلّاق المبدع. إلى لقاء.