
اسماعيل الشريف يكتب : سوبرمان
الأمل هو حلم اليقظة – أرسطو
بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها النسخة الأخيرة من سلسلة أفلام «سوبرمان»، شعرت أن من الواجب أن أشاهده. فقد أثار الفيلم غضب الصهاينة إلى درجة دفعتهم للمطالبة بمقاطعته واتهامه بمعاداة السامية.
هذه المرّة، لم يكن «سوبرمان» مجرد بطل خارق ينقذ العالم من الشر، بل كان حاملًا لرسائل سياسية مهمة، وإسقاطات رمزية تُحاكي الإبادة الجماعية الجارية في غزة.
تدور أحداث الفيلم حول دولة غنيّة تُدعى «بورافيا»، تحظى بدعم غير محدود من الولايات المتحدة، وهي دولة استيطانية استعمارية، يرفع علمها الأزرق اللون، وتحكمها شخصية دموية تُذكّر كثيرًا بنتن ياهو، في إشارة واضحة على انها الكيان المجرم. تشن بورافيا عدوانًا شرسًا على دولة فقيرة مجاورة تُدعى «جارهانبور»، حيث يتعرّض سكانها العزّل لغارات جوية وحصار خانق، في محاولة لاقتلاعهم من أرضهم. سكان جارهانبور ليسوا من ذوي البشرة البيضاء، وتُشبه تضاريس بلادهم جغرافيا غزة، أما علمهم، فيحمل ألوان «البطيخ» في إشارة رمزية واضحة إلى غزة.
يُطلق جنود بورافيا النار على المدنيين، وتقتحم دباباتهم الأراضي، وتُطلق نيرانها وسط الحشود. وفي مواجهة هذا الإجرام، يخرج سكان جارهانبور في مسيرات سلمية تُشبه إلى حد كبير «مسيرات العودة»، رافعين أصواتهم بحقّهم في الأرض والكرامة.
من الشخصيات المحورية في الفيلم شخصية «لكس لوثر»، التي تُجسّد المجمع الصناعي العسكري الجشع، الذي يسعى لتحويل جارهانبور إلى منتجع استثماري فاخر. يدعم لوثر بورافيا من أجل عقود السلاح والثروات المدفونة، ممثلًا الوجه القبيح للطمع المقنّع بشعارات التحرير.
يتضمن الفيلم مشهدًا لافتًا، يواجه فيه سوبرمان الصحفي الشهير «لويس لين»، الذي يستخدم خطابًا تحرّريًا لتبرير عدوان بورافيا، مدّعيًا أنه يهدف إلى تخليص جارهانبور من الديكتاتورية. يرد عليه سوبرمان بحدة قائلاً: «أنتم لا تسعون إلى تحرير الشعوب، بل إلى استبدال ديكتاتورية بأخرى.»
ولعل المفارقة المهمة تكمن في أن هذه الشخصية الخارقة، التي وُلدت عام 1938 على يد شابين يهوديين فرا من الاضطهاد النازي، وظهرت في وقتٍ تزامن مع مذبحة الكريستال، باتت اليوم صوتًا للمقهورين. سوبرمان جاء من كوكب دُمّر يُدعى «كريبتون»، وهي كلمة يمكن تحويرها عبريًا لتعني «صوت الله». ومثل من ابتكره، هو لاجئ هارب من الدمار، يجد نفسه في الفيلم مهدّدًا بالطرد من أمريكا لأنه مهاجر.
وما زاد من سخط الصهاينة أن سوبرمان، الذي طالما اعتبروه رمزًا يهوديًا، تمرّد عليهم ووقف إلى جانب شعب جارهانبور المظلوم.
تكمن أهمية الفيلم في قوّته التأثيرية؛ إذ إن انحياز شخصية عالمية محبوبة كـ»سوبرمان» إلى جانب الغزيين، كفيل بإحداث تحوّل ملموس في الرأي العام العالمي. ويكفي أن ظهور الكلب الخارق المرافق لسوبرمان، قد تسبّب وحده في زيادة عمليات البحث على جوجل عن «كيفية الحصول على كلب أليف» بمقدار يفوق خمسمئة ضعف بعد عرض الفيلم.
أما مخرج الفيلم، فقد نفى وجود أي إسقاط على غزة، مدّعيًا أن السيناريو كُتب قبل طوفان الأقصى، وأن أوجه التشابه مجرّد صدفة. غير أن كلامه لم يُقنع أحدًا، بل فُهم على أنه محاولة للهروب من سطوة الاتهام الجاهز بـ»معاداة السامية».
السينما، كما هو معروف، مرآة الشعوب وتحولات الوعي، وخصوصًا في أفلام الخيال العلمي والأبطال الخارقين، حيث يُستخدم الإسقاط الرمزي كأداة ذكية لتناول قضايا شائكة مثل الاستعمار، والتمييز العرقي، والإبادة الجماعية، والهيمنة العسكرية. يكفي أن نذكر «أفاتار» الذي أسقط واقع الاحتلال والعسكرة الأمريكية، و»إكس-مين» الذي عالج التمييز العنصري، و»باتمان» الذي تناول الإرهاب وتعذيب المعتقلين.
صحيح أن البعض قد يشكّك في نوايا صانعي الفيلم، ويرى أن هذا التعاطف مع فلسطين مدفوع بأهداف تسويقية وسط موجة التعاطف العالمي مع القضية. فهوليوود لم تكن يومًا منصّة تنصف الدم العربي، بل شكّلت لعقود مصنعًا للصورة النمطية التي تصوّر العربي كإرهابي متخلّف، يركب الجمل ويعيش فوق بئر من النفط.
لكن، ومن باب الإنصاف، فإن العالم يشهد تحوّلات لافتة؛ فالهتاف لفلسطين بات يتردّد في كل ساحة، والتنديد بالصهيونية لم يعد من المحرّمات. وهوليوود نفسها لم تعد تيارا واحدا، بل باتت ساحة تتعدّد فيها الأصوات والتيارات، وفيها مخرجون وممثلون وكُتّاب يقفون علنًا إلى جانب الفلسطينيين. كما أسهمت منصات مثل HBO وNetflix وAmazon في توسيع هامش الحرية، من خلال أعمال أكثر جرأة وصدقًا.
ويأتي فيلم «سوبرمان» كأحدث تجلٍّ لهذا التحوّل؛ فهو يطرح مأساة غزة من زاوية أخلاقية وسياسية، يصعب تناولها بشكل مباشر دون التعرض للرقابة أو الاتهامات. وهنا تظهر براعة الإسقاط الرمزي، الذي يتيح مساحة آمنة لنقاش القضايا العادلة بصدق وعمق، في قصة خيالية تتجاوز سطوة تكميم الأفواه في الولايات المتحدة.
عزيزي القارئ، لا تتردد في مشاهدة الفيلم، فاختيارك لحضوره هو في حدّ ذاته موقف سياسي يستحق أن يُسجّل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 34 دقائق
- أخبارنا
أ.د.فايز ابو عريضة يكتب : ليس لدي وقت لخسارة اصدقاء او كسب اعداء
أخبارنا : بالأمس في ساعة متأخرة من الليل والتي يحلو بها الحديث مع الاحبة والأصدقاء دون تدخل المكالمات الهاتفية او الرسائل النصية القصيرة والطويلة والهادفة والبريئة والساذجة والايجابية او المحولة لك دون قراءة ومدورة (محولة عدة مرات ) الخ من مشاغل الحياة اليومية ، وتواصلت مع صديق تذكرته من القائمة التي استعرضها في معظم الليالي وخاصة لمن غابوا عن المشهد سواء بعدم الحضور شخصيا الى المناسبات المتعددة او التواصل الاجتماعي على المنصات الرقمية واحيانا اقوم بتفقد الأصدقاء واستعادة بعض الذكريات الجميلة،التي عشناها سويا في الايام الخوالي ، وكان لي بعض العتاب على غياب صديقنا عن الساحة الاجتماعية والرياضية بشكل يكاد يصل إلى درجة الاعتكاف في صومعة تحجب الرؤيا وتشوش على الواي فاي Wi Fi وكل الرسائل الرقمية بعد أن كان شعلة نشاط وحضور شبه دائم في كل المواقع والمناسبات الاجتماعية والثقافية وغيرها وكان جوابه مختصرا في جملة واحدة (انني في خريف العمر ولا ارغب في خسارة اصدقاء او كسب خصوم واعداء جدد في جو مفعم بالكراهية )، وصاحبنا شخصية جدلية لديه ملكات ومهارات حياتية واجتماعية وموسوعة في الثقافة العامة ويجيد الحوار والنقاش ولا تنقصه الصراحة في الرأي حتى لو لم يعجب الآخرين ولديه قدرة عالية في الإقناع ويحسن مهارات الاستماع للآخر ووقفت مطولا عند إجابته واحسست انه ابتعد عن الساحة لإراحة النفس والبدن والابتعاد عن بؤر التوتر والقلق التي تسبب الصداع النصفي والكلي ، لان هكذا شخصيات غير مرغوب بها هذه الايام رغم الحاجة الماسة اليها لندرتها في الوقت الذي يتقدم فيها الصفوف ويعتلي المنابر المنافقون والمتسلقون والجهلة الخ من صفات الرويبضة مع انني لا اتفق مع صديقنا لاحتجابه واختفاءه ً لكنني بعد ان سمعت منه قراءته للمشهد عن بعد بعين الخبير والخبرة الطويلة قررت ان أزوره لاستكمال الحوار معه فإما أن انجح في إعادته للميدان بحضوره الطيب او تجهيز أمتعتي للحاق به ولا ادري من الذي سيفوز رغم الخوف الذي ينتابني من لقاءه لاني اخاف الهزيمة لقدراته ومهاراته العالية في الإقناع. واتمنى على الاصدقاء الدعوات الصادقة بان يوفقني الله في مهمتي الصعبة ، وطاب صباحكم بالخير والبركة والسعادة والسرور اعزائي الكرام


أخبارنا
منذ 34 دقائق
- أخبارنا
محمد داودية يكتب : نصوح المجالي المثقف الكبير !!
أخبارنا : تزخر بلادنا بكفاءات إعلامية وصحفية اقتحمت كل جهات الأرض، وحققت مكانة مرموقة حيثما عملت. ويصبح من غير المعقول ان تتطاول على بلادنا، وتتعربش على قاماتنا الباسقة، زمرُ المأجورين الذين يعزفون لحن "الجهات المانحة" صهيونية أو صفوية او أجنبية أو عربية، لا فرق !! الأستاذ نصوح المجالي أحد أبرز رواد الإعلام الأردني والعربي الناضج الملتزم، وطليعة المحللين المثقفين الوطنيين، وشيخهم. لقد واظب أبو ذاكر على تقديم تحليلات علمية وطنية مختلفة ناضجة عميقة، ساهمت في تثبيت البوصلة في كل المفاصل الحرجة التي واجهتها بلادنا العربية، لا تحاليل الهمبكة الأشبه بتحليل البول الذي يصفع ينتهك الذوق ويشوه الوعي ويشين النزاهة. عملت بمعية نصوح المجالي حين كان رئيس مجلس إدارة صحيفة صوت الشعب، وقد تميز بالدفاع الصارم الحار عن آراء الصحفيين وكتاباتهم، وانا منهم، وتحمل نتائجها، بسعة أفق، حين كان الأفق ضيقًا ومسدودًا وخانقًا. نصوح المجالي مثقف موضوعي صاحب رأي مختلف صريح، وموقف ناقد، من مسائل كانت تعتبر تابوهات ومحظورات ومحميات. انا شخصيًا أكن له ودًا وعرفانًا وجميلًا لأنه وسعني عندما لم تسعني صحيفة صوت الشعب، التي استقلت منها حانقًا مختنقًا مقررًا ان أكتري عربة "ذراية" لأصبح بائعًا متجولًا حرًا، وكان ذلك أفضل وأشرف من البقاء في مناخ صحفي مهين، تم تفصيله على مقاس المتسلقين والمتزلفين والإمعات، الذين كان رأس مالهم الأخلاقي والمهني، ليس فقط الاستخذاء أمام أي هاتف، بل المبادرة إلى الدس والافتراء على الصحفيين والكتاب المحترمين، للإنفراد بالكرسي. طلبني أبو ذاكر وزير الاعلام وأصر على ان اواظب على الكتابة، والاستمرار في المهنة كي لا تصبح لمن لا يستحقون. وكان من نتائج لقائي به في مكتبه بوزارة الإعلام ان طلبتني الدستور، فانتقلت بمقالتي اليومية الوطنية الناقدة "عرض حال" اليها فأصبحتُ كاتبًا يوميًا على صفحتها الثانية حتى عام 1992، حين قيض الله لي كركيًا شريفًا آخر هو الدكتور خالد الكركي الذي عملت معه مديرًا للإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي الهاشمي في عهد الملك الحسين يرحمه الله ويحسن إليه.


الانباط اليومية
منذ 2 ساعات
- الانباط اليومية
جوزيف عطية يكشف لـ"الأنباط": ديو غنائي قريب مع الفنان الأردني عزيز مرقة
الأنباط - جوزيف عطية يكشف لـ"الأنباط": ديو غنائي قريب مع الفنان الأردني عزيز مرقة الأنباط - ليث حبش أعرب الفنان اللبناني جوزيف عطية عن سعادته البالغة بمشاركته الثانية في مهرجان جرش للثقافة والفنون 2025 ، وذلك بعد مرور عشر سنوات على ظهوره الأول على المسرح الجنوبي، مؤكدًا أن العودة إلى جرش تمثل محطة فنية مميزة في مسيرته، وتحمل طابعًا خاصًا من التأثر والفخر. وقال عطية خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد على هامش مشاركته في المهرجان مبيننا "سعيد جدًا وفخور إني أكون في جرش من جديد، هالوقفة إلها طعم خاص، وبتحمل رهبة ومسؤولية كبيرة." وأشار إلى أن الحفل سيتضمن مزيجًا من أغانيه القديمة والجديدة، إلى جانب أغانٍ تراثية يحرص على تقديمها إحياءً للهوية الفنية والذائقة الأصيلة، لافتًا إلى أن تنوع البرنامج يهدف إلى الوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور. وفي سياق الحديث عن رؤيته الفنية، شدد عطية على أهمية الحفاظ على قيمة الأغنية اللبنانية الأصيلة، وابتعاده عن ما وصفه بـ"الأغاني المؤقتة"، التي تنتشر بسرعة لكنها تفتقر للاستمرارية والجودة الفنية قائلا "أنا مش من داعمين الأغنية المؤقتة أو الموسمية… بحاول دايمًا حافظ على هويتي الفنية، وأقدّم موسيقى بتعيش وبتترك أثر." وفي ردّه على سؤال لصحيفة "الأنباط"، كشف عطية عن تحضير عمل مشترك مع فنان أردني، وقال "في ديو غنائي قريب مع الفنان الموهوب عزيز مرقة، والتعاون بينا بيحمل طابع موسيقي جديد، وإن شاء الله ينال إعجاب الجمهور". وعند سؤاله عن الأغنية الأقرب إلى قلبه، أكد عطية أن "لا تروحي"، أولى أغنياته التي انطلق بها نحو الشهرة، لا تزال تحتفظ بمكانة خاصة لديه، مضيفًا "كل ما أغني (لا تروحي) بحس كأنها أول مرة… هي الأغنية اللي بدأت منها، ولسه بشعر فيها بنفس الشغف". وعن الفنان الذي يود مشاركته حفلة مستقبلية، قال عطية إنه يختار الفنان نصيف زيتون، مشيرًا إلى أن بينهما علاقة شخصية وموسيقية مميزة، وأضاف "في قرب إنساني وفني بيني وبين نصيف، وأسلوبنا الغنائي متشابه، وبيجمعنا احترام كبير للجمهور والفن". وختم جوزيف عطية المؤتمر الصحفي برسالة محبة للأردن وشعبه، قائلاً "الأردن بلد قريب لقلبي، وجمهوره دايمًا بيغمرني بمحبة كبيرة… مشاركتي في مهرجان جرش شرف كبير إلي، وإن شاء الله تكون ليلة لا تُنسى بيني وبين هالجمهور الرائع".