
شبير أحمد شاه "مانديلا كشمير"
المولد والنشأة
وُلد شبير شاه يوم 14 يونيو/حزيران 1953، في بلدة كاديبورا بمنطقة أنانتناغ في الشطر الهندي من إقليم جامو وكشمير، ونشأ في بيئة ذات خلفية إسلامية قومية.
كان لوالده غلام محمد شاه فارير، دور مهم في صقل وعيه المبكر، وقد تركت حادثة وفاة والده أثناء احتجازه الأمني عام 1989 أثرا عميقا في شخصيته وأسهمت في تعزيز قناعاته السياسية.
تأثر شبير شاه أيضا بموجات التحرر والاستقلال التي اجتاحت المنطقة في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، وانجذب إلى قضايا الحرية والعدالة، فبدأ نشاطه السياسي وهو لا يزال في سن المراهقة.
الدراسة والتكوين
أكمل شبير شاه تعليمه الابتدائي في مدرسة سارنال، ثم واصل دراسته في المعهد النموذجي للتعليم بمدينة أنانتناغ، إلا أن انخراطه المبكر في النشاط السياسي حال دون إتمامه مسيرته التعليمية، إذ دفعه حماسه الوطني للمشاركة في أول تظاهرة وهو لم يتجاوز الـ14 من عمره، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله للمرة الأولى عام 1968. وشكل هذا الحدث منعطفا حاسما في حياته، ووضعه على طريق طويل من المقاومة استمر أكثر من 50 عاما.
عقب الإفراج عنه، لم تتراجع عزيمته، بل عاد إلى الساحة السياسية بقوة أكبر. وفي أوائل سبعينيات القرن الـ20، بدأ بتكوين مجموعات شبابية سياسية، أبرزها "رابطة الشباب"، التي سرعان ما تطوّرت إلى "رابطة الشعب" عام 1974. وقد تركزت جهود هذه المنظمة على تثقيف الشباب الكشميري حول حقهم في تقرير المصير، وضرورة النضال السلمي لتحقيق هذا الهدف.
جذور القضية التي يناضل من أجلها شبير شاه
تعتبر قضية كشمير واحدة من أكثر النزاعات تعقيدا واستمرارا في العالم الحديث، إذ تتشابك فيها العوامل الدينية والسياسية والإستراتيجية، وهي بؤرة توتر دائم بين الهند وباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وهي قضية لم تبدأ بحرب أو صراع مسلّح، بل بقرار سياسي فرضته الظروف الاستعمارية، ورفضته شعوب المنطقة.
تفجرت القضية حينما تُركت ولاية جامو وكشمير-ذات الأغلبية المسلمة- أمام خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان. ومع غياب استفتاء شعبي، انضمت الولاية إلى الهند بموجب "وثيقة الانضمام"، مما أدى إلى اندلاع الصراع.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1947 دخلت الهند وباكستان أول حرب بينهما بشأن كشمير، استمرت حتى عام 1948، وانتهت بتقسيم كشمير فعليا إلى قسمين:
القسم الأكبر بقي تحت سيطرة الهند (جامو وكشمير).
القسم الآخر أصبح تحت سيطرة باكستان (آزاد كشمير وجيليت-بلتستان).
وقف إطلاق النار الأول عام 1948، أُحيل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، وصدر القرار رقم 47، الذي دعا إلى إجراء استفتاء حر ونزيه بإشراف دولي، يتيح للشعب الكشميري تحديد مصيره بين الانضمام إلى الهند أو باكستان، غير أن هذا الاستفتاء لم يُنفّذ، وأصرّت الهند على أن الانضمام أصبح نهائيا، بينما أكدت باكستان أن الاستفتاء هو الحل الوحيد العادل.
وفي أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة الهندية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا المادة 370 من الدستور الهندي، والتي كانت تمنح الشطر الهندي من كشمير حكما ذاتيا محدودا، ورافق القرار فرض حظر تجوال طويل الأمد، وقطع للإنترنت واعتقالات جماعية، بينها اعتقال قادة الحراك السلمي.
وقد رفض شبير شاه -وغيره من أبناء كشمير- هذا الوضع، واعتبر أن انضمام الولاية إلى الهند تم بشكل غير شرعي ودون إرادة شعبها، مما جعله يكرّس حياته للدفاع عن حق تقرير المصير للكشميريين، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء حر وعادل.
المسيرة السياسية
تُعدّ سنة 1975 علامة فارقة في تاريخ شبير شاه السياسي، إذ شهدت تلك الفترة توقيع اتفاقية (إنديرا-عبدالله) بين رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي والزعيم الكشميري المؤيد للهند شيخ عبدالله، وهو الاتفاق الذي اعتبره كثير من الكشميريين خيانة للقضية الكشميرية.
وأعلن شبير شاه ورفاقه معارضتهم العلنية للاتفاق، مما دفع السلطات إلى شن حملة اعتقالات طالت قادة الحركات الشبابية، وكان شاه في مقدمتهم.
وفي عام 1980، أعلن شبير شاه تأسيس ما عُرف لاحقا بـ"الحركة الكشميرية من أجل الحرية"، التي نادت بحل سياسي لقضية كشمير، يرتكز على مبدأ حق تقرير المصير وفقا لقرارات الأمم المتحدة، وأثار هذا الموقف غضب السلطات الهندية، مما أدى إلى سلسلة من الاعتقالات والمضايقات.
أسّس شبير شاه حركات وأحزابًا سياسية عدة، أبرزها "الحزب الديمقراطي الحر" -أحد المكونات الرئيسية لتحالف "تحرير كشمير"- وهو ائتلاف يضم أطرافا متعددة تطالب باستقلال كشمير عن الهند. وعبر هذا الحزب، دعا شاه إلى النضال السلمي والسياسي، ورفض علنا كل أشكال العنف، مؤكدا أن الحل الوحيد هو في الحوار الدولي الشفاف.
وتحالف شاه في فترات مختلفة من مسيرته السياسية مع القيادات الكشميرية البارزة من بينهم سيد علي شاه جيلاني وياسين ملك ومير واعظ عمر فاروق، وشكلوا سويا ما يُعرف بـ"تحالف الحرية لعموم أحزاب كشمير"، وهو ائتلاف سياسي طالب بحق تقرير المصير، وحاز دعم قطاعات واسعة من الكشميريين، خاصة في الجنوب والوسط، كما حصل على تأييد بعض الحركات الباكستانية المؤيدة لـ"كشمير الحرة".
وفي عام 1998، وبعد فترات قصيرة من الإفراج المتكرر، أسّس شبير شاه حزبا سياسيا جديدا باسم "الحزب الديمقراطي من أجل الحرية في جامو وكشمير"، وركز الحزب على المسار المدني والسلمي في النضال ورفض العنف، كما دعا إلى حوار ثلاثي يضم الهند وباكستان وممثلي الشعب الكشميري بوصفهم أطرافا متساوية في طاولة المفاوضات.
سعى الحزب إلى تثقيف المجتمع المدني في كشمير، وركز على مقاومة الاحتلال عبر وسائل ديمقراطية منها التظاهرات والمؤتمرات والبيانات السياسية. وانضم الحزب لاحقا إلى تحالف "مؤتمر الحرية لجميع الأحزاب"، الذي ضمّ طيفا واسعا من التنظيمات المؤيدة للاستقلال أو الانفصال عن الهند.
الأحزاب والحركات المنافسة لشبير شاه
وعلى الرغم من دوره الريادي، لم يسلم شاه من المعارضة السياسية داخل كشمير، فالأحزاب الموالية للهند مثل "المؤتمر الوطني الكشميري" و"حزب الشعب الديمقراطي" اعتبرته شخصية متشددة تعيق التنمية والسلام.
وفي المقابل، كانت هناك جماعات مسلّحة رفضت دعوته للنضال السلمي، من ضمنها "جيش محمد" و"حزب المجاهدين"، التي رأت في مواقفه ضعفا وتراخيا، وهو ما خلق فجوة بين التيارات السلمية والتيارات المسلحة في الساحة الكشميرية.
علاوةً على ذلك، دخل شاه في خلافات مع بعض قيادات "تحالف الحرية"، خاصة بعد ظهور انقسامات أيديولوجية بين من يدعون لانضمام كشمير إلى باكستان ومن يدعون إلى استقلال كامل للإقليم. وفي أكثر من مناسبة، دعا شاه إلى حوار داخلي بين الكشميريين أنفسهم بهدف حسم التوجه الإستراتيجي للحراك.
تدهور حالته الصحية
تدهورت الحالة الصحية لشاه بشكل كبير في سنوات اعتقاله الطويلة، وعانى من أمراض مزمنة عدة، أبرزها السكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات في القلب.
وقد ناشدت عائلته أكثر من مرة ومنظمات حقوق الإنسان السلطات الهندية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة له، خاصة وأنه قضى فترات طويلة في الحبس الانفرادي في ظروف لا تليق بالمعايير الإنسانية.
وأشارت تقارير طبية إلى تدهور صحته الجسدية والنفسية، وهو ما أثار القلق حول مصيره داخل السجن، وخصوصا بعد تأكيد جهات طبية إصابتَه بسرطان البروستاتا.
وفي يوليو/تموز 2017، اعتُقل شبير شاه مجددا من الوكالة الوطنية للتحقيقات، بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. ونُقل إلى سجن تِهار في العاصمة نيودلهي، وتعرض في تلك الفترة لتدهور صحي كبير بسبب الأمراض المزمنة التي أصابته، وسط تقارير أفادت بعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة.
ورغم هذه الظروف، لم يُفرج عنه حتى مع تفشي جائحة كورونا أو عند اكتشاف مؤشرات إصابته بأمراض مزمنة، مما دفع عددا من المنظمات الحقوقية وقادة كشميريين إلى المطالبة بالإفراج الفوري عنه لأسباب إنسانية، ومن أبرز من تبنّى هذه المطالبات القيادي فاروق عبد الله، والزعيمة الكشميرية السابقة محبوبة مفتي.
سنوات السجن.. النضال من وراء القضبان
أمضى شبير شاه أكثر من 33 عاما في السجون الهندية، معظمها دون محاكمة رسمية (أشارت بعض المصادر إلى أن مجموع فترات سجنه تصل إلى 38 عاما)، وهي مدة جعلته أحد أكثر السجناء السياسيين بقاء في السجن في القارة الآسيوية.
ومنذ ذلك الحين، لم تمر عليه فترة طويلة خارج السجن، إذ تعرض للاعتقال مرارا بموجب قوانين هندية صارمة منها "قانون الأمن العام" و"قانون مكافحة الإرهاب".
ومنذ أول اعتقال له عام 1968، وحتى آخر اعتقال جرى في 2017، تنقل شبير شاه بين سجون متعددة من ضمنها سجن كوثبال، وسجن تِهار المركزي في دلهي، وسجن سريناغار المركزي.
ووفق تقرير لمنظمة "العدل للجميع- كندا"، وُثّق أن شبير شاه قد تعرّض للاعتقال أكثر من 30 مرة، وأن السلطات كانت تلجأ إلى قوانين استثنائية من ضمنها قانون السلامة العامة، وقانون النشاطات غير القانونية، لإبقائه في السجن فترات مفتوحة دون محاكمة.
وأثناء فترات اعتقاله، تعرض شاه لانتهاكات متعددة، من بينها العزل الانفرادي والحرمان من الرعاية الصحية ورفض زيارات العائلة والمحامين. ومع ذلك، ظلّ ثابتا في مواقفه، رافضا أي تسوية سياسية لا تعترف بحق الكشميريين في اختيار مصيرهم.
مواقف الدول والهيئات والمنظمات الحقوقية من قضية شبير شاه
أثارت قضية شبير شاه اهتماما واسعا لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية، وطالبت منظمة العفو الدولية ومنظمة " هيومن رايتس ووتش" مرارا بالإفراج عنه، معتبرة أن اعتقاله يأتي ضمن سياسة ممنهجة لقمع الصوت الكشميري الحر.
وفي تقاريرها، أشارت هذه المنظمات إلى الانتهاكات التي يتعرض لها شاه وغيره من النشطاء، ومنها الاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي والحرمان من العلاج.
أما على الصعيد الدولي، فقد أعربت باكستان في أكثر من مناسبة عن دعمها الكامل لشبير شاه، وخصصت الحكومة الباكستانية بعض المؤتمرات لتسليط الضوء على معاناته، وأعربت بعض الدول الإسلامية من ضمنها تركيا وماليزيا عن تضامنها الإنساني، فيما التزمت الأمم المتحدة الصمت النسبي رغم إدراج قضية كشمير ضمن جدول أعمالها.
والتزمت كثير من الدول الغربية والولايات المتحدة الصمت تجاه قضية شاه، حفاظا على مصالحها مع الهند التي تعتبر شاه شخصية محرّضة على الانفصال، وتدّعي أن نشاطاته تهدد السلم الأهلي والنظام العام. وعلى هذا الأساس، بقي محتجزا دون محاكمة عادلة في كثير من الأحيان، وهو ما أدى إلى تزايد الانتقادات الدولية.
من جهتها، أطلقت عائلة شبير شاه حملات إعلامية عدة للتذكير بقضيته، وأشارت فيها إلى الظروف غير الإنسانية التي يتم اعتقال رب الأسرة فيها، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج وتأمين ظروف سجن تليق برمزيّته القومية والوطنية، وتوفر له أبسط حاجاته الإنسانية من الغذاء والدواء والتواصل والزيارات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
جورج عبد الله يصل لبنان بعد 41 عاما من الأسر بفرنسا
بيروت- أفرجت السلطات الفرنسية، اليوم الجمعة، عن المناضل اللبناني جورج عبد الله ، أقدم سجين سياسي في أوروبا، بعد أكثر من 4 عقود من الاعتقال، في خطوة طال انتظارها واعتُبرت انتصارا لعائلته ومناصريه الذين واظبوا على المطالبة بحريته. وحطت طائرة "إير فرانس" التي أقلت عبد الله في مطار رفيق الحريري الدولي عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، حيث كان في استقباله عشرات المواطنين الذين احتشدوا منذ الصباح أمام مبنى الوصول، إضافة إلى عدد من نواب البرلمان اللبناني ، وسط أجواء احتفالية لافتة. خيار المقاومة ويأتي الإفراج عن عبد الله بعد مسيرة نضالية طويلة، وسنوات من الضغط الشعبي والحقوقي، لا سيما أنه أنهى محكوميته منذ عام 1999، لكن باريس أبقت عليه قيد الاحتجاز رغم قرارات قضائية بالإفراج المشروط، في ما وصفه ناشطون بأنه "تسييس للعدالة الفرنسية تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية". ومن داخل قاعة الشرف في مطار بيروت، أطلق عبد الله أولى تصريحاته، مؤكدا التزامه بخيار المقاومة، وموجّها تحية إلى "شهداء المقاومة، القاعدة الأساسية لأي فكرة تحرر". وقال جورج: "صمود الأسرى مرهون بصمود رفاقهم في الخارج. مقاومتنا ليست ضعيفة بل متجذرة، ويجب الالتفاف حولها أكثر من أي وقت مضى". وعن القضية الفلسطينية، شدد عبد الله على ضرورة تصعيد المقاومة، قائلا "من المعيب على التاريخ أن يقف العرب متفرجين على معاناة أهل فلسطين وأهل غزة". انتصار وفي حديث للجزيرة نت، قال هاني سليمان، رئيس مجلة "حقوق الإنسان" في المنتدى القومي العربي، إن "لبنان بكل أطيافه يستقبل اليوم جورج عبد الله، حل بيننا جسدا، لكنه لم يغب يوما عن الوجدان، كان حاضرا في قلوبنا وعقولنا، وفي كل نداء حرية أطلقناه". إعلان وأضاف "لم نطالب بالإفراج عنه شفقة، بل انتصارا لما يُمثّله من ريادة فكرية وسياسية وأخلاقية. فجورج عبد الله ليس بطلا فرديا، بل تكمن بطولته في عمق التزامه بقضية فلسطين، قضية الشرفاء حول العالم". وختم سليمان: "رُفعت أمامه مرارا عروض للتنازل مقابل حريته، لكنه رفضها مؤكدا: لن أكون سجينا خارج الزنزانة، بل حرا داخلها". رمز للنضال وكان عبد الله قد أُوقف في فرنسا عام 1984 بتهمة التواطؤ باغتيال دبلوماسيَّين أميركي وإسرائيلي، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد عام 1987. وعلى الرغم من موافقة القضاء الفرنسي على الإفراج المشروط عنه عام 2013، إلا أن القرار بقي معلقا بفعل التدخلات السياسية، كما أكدت تقارير حقوقية آنذاك. ويُعد جورج عبد الله من أبرز رموز النضال اليساري المناهض للإمبريالية والصهيونية في المنطقة، وقد تحوّل إلى أيقونة في نظر حركات تحرر عربية وعالمية، ترى في قضيته تجسيدا لمعركة طويلة ضد منظومات القمع والهيمنة.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل في سوريا
بدأت عملية دمج القوات الكردية في الدولة السورية باتفاق وُقّع 10 مارس/ آذار 2025، عقب لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي. وجرى اللقاء الثاني بين الشرع وعبدي في العاصمة دمشق بتاريخ 9 يوليو/ تموز، بمشاركة السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك. وقد جاء هذا اللقاء الثاني بعد أن كان الوفد الكردي قد أعلن في شهر يونيو/ حزيران عن مطلبه بدولة "ديمقراطية ولا مركزية". وكشفت التصريحات التي أعقبت اللقاء الثاني أن المحادثات بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية لم تسفر عن نتائج، وأن العملية لا تتقدم بشكل سليم. وفي الوقت الذي كانت تمر فيه المفاوضات بين "قسد" وحكومة دمشق بمرحلة صعبة، أثرت الاشتباكات التي اندلعت في مدينة السويداء جنوب سوريا بين المليشيات المسلحة الموالية للزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم من إسرائيل، والعشائر العربية البدوية، سلبًا على المفاوضات مع الوفد الكردي. كما أن تدخل إسرائيل لصالح حكمت الهجري في اشتباكات السويداء، وقصفها قوات الجيش السوري ومقر هيئة الأركان العامة في دمشق، قد دفع الجماعات الكردية في شرق الفرات إلى إعادة التفكير في مواقفها. كانت تركيا تخطط لتنفيذ عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وقد أتمت أنقرة كافة استعداداتها للعملية العسكرية. وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأنهم "قبلوا عرض دمشق بضرورة إعطاء فرصة للمفاوضات والدبلوماسية، وبالتالي فإنهم يتابعون من كثب المفاوضات بين دمشق وقسد، لكن في حال عدم التوصل إلى نتائج، فلن يبقى خيار آخر سوى العملية العسكرية". وقد أظهرت تركيا بوضوح عزمها على عدم القبول بوجود أي كيان مسلح على حدودها غير مندمج في حكومة دمشق. وقد أرضى الاتفاق الذي تم توقيعه في 10 مارس/ آذار 2025 بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي تركيا. وأعرب هاكان فيدان عن ارتياحهم للاتفاق، مشيرًا إلى أنهم يتابعون من كثب عملية تنفيذه. بيدَ أن اللقاء الثاني الذي عقد في يوليو/ تموز لم يكن إيجابيًا. فقد أصر مظلوم عبدي خلال اللقاء على إقامة دولة "لامركزية". واعتبرت حكومة دمشق هذا المقترح "محاولة لفرض واقع انفصالي" ورفضته. وأعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، الذي حضر الاجتماع الثاني، أن الخلاف بين دمشق وقسد بشأن دمج شمال شرق سوريا لا يزال قائمًا. إن السبب الرئيسي لعدم الخروج بنتيجة إيجابية من اللقاء الثاني في دمشق، هو أن تركيا وسوريا والولايات المتحدة تدافع عن خطة "سوريا موحدة"، بينما تقف "قسد" أقرب إلى الطرح الإسرائيلي الداعي إلى "سوريا مقسمة". تأثير أحداث السويداء مما لا شك فيه أن الأزمة في السويداء وتدخل إسرائيل لتعميقها لا يؤثران فقط على جنوب سوريا، بل على سوريا بأكملها. وتستغل إسرائيل الاشتباكات في السويداء بين الزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم منها والجماعات المسلحة التابعة له من جهة، والعرب البدو من جهة أخرى، لتنفيذ مشروع "ممر داود"، وتتخذ خطوات لنشر الفوضى في جميع أنحاء سوريا. إن انسحاب قوات الأمن السورية من السويداء في إطار اتفاق تم بوساطة أميركية بين الحكومة السورية وإسرائيل، قد دفع "قسد" إلى التحرك بما يتعارض مع اتفاق 10 مارس/ آذار. وبينما كانت الاشتباكات مستمرة في السويداء وإسرائيل تقصف دمشق، تناقلت وسائل الإعلام العالمية أنباء عن استعدادات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة. ورغم أن العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وقسد مستمرة منذ أكثر من 15 عامًا، فإن "قسد" تفضل الوقوف إلى جانب إسرائيل في الملف السوري. وذلك لأنّ مشروع "ممر داود" الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه في سوريا يشمل إقامة حكم ذاتي أو فدرالية في كل من السويداء وشرق الفرات. وتؤدي أحداث السويداء وتدخلات إسرائيل إلى تأخير دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية، وتهيئ الأرضية لعودة نشاط العصابات التي تشكلت من بقايا نظام بشار الأسد في المنطقة الساحلية، مما يزعزع الأمن والاستقرار. كما أظهرت أزمة السويداء وجود علاقة وتنسيق قويين بين إسرائيل وحكمت الهجري وقسد. فقد أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر اتصالًا هاتفيًا مع القيادية البارزة في "قسد" إلهام أحمد في 3 يناير/ كانون الثاني، وأبلغها، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، بأن إسرائيل ستقدم الدعم للأكراد. تركيا في حالة تأهب تتابع تركيا بصبر عملية دمج "قسد" في الدولة السورية من جهة، وتراقب بحذر الأزمة في السويداء من جهة أخرى. وتعتقد تركيا أن أي وضع سلبي محتمل في السويداء لن يقتصر على المنطقة، بل سيمتد إلى سوريا بأكملها. وتُقيّم المؤسسات التركية المختصة أن خروج السويداء عن سيطرة حكومة دمشق، وإقامة حكم فدرالي أو شبه فدرالي في جنوب سوريا، سيشكل سابقة للمناطق السورية الأخرى. وهذا التقييم للمؤسسات التركية المختصة لا يعني فقط أن أي وضع قد ينشأ في منطقة "قسد" على حدود تركيا يُعتبر تهديدًا لأمن تركيا، بل يمكننا أن نستنتج أن أي وضع محتمل في السويداء سيؤثر على مناطق أخرى، وبالتالي سيشكل تهديدًا للأمن القومي التركي. وكان تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشأن أحداث السويداء والهجمات الإسرائيلية واضحًا جدًا. حيث شارك فيدان 22 يوليو/ تموز تصور تركيا الجديد لـ"تهديد الأمن القومي" فيما يتعلق بسوريا. "على أي جماعة ألا تتجه نحو التقسيم. لدينا الكثير لنتحدث عنه عبر الدبلوماسية. كل شيء قابل للنقاش، والمناقشات جارية مع جميع الجماعات والعناصر. لكن إذا تجاوزتم ذلك واتجهتم نحو التقسيم وزعزعة الاستقرار باستخدام العنف، فإننا سنعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي وسنتدخل. ناقشوا ما شئتم باستثناء التقسيم. قدموا ما لديكم من مطالب. وسنساعدكم قدر استطاعتنا في هذا الشأن، لكن عندما تتجاوزون هذا الحد، فلن نعرض أنفسنا للتهديد". "أما إسرائيل، فهي تسعى لتخريب كل هذه المبادرات الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والأمن في سوريا. هناك حقيقة يجب قولها بوضوح: إسرائيل، التي لا تريد أن ترى دولة مستقرة في محيطها، تهدف إلى تقسيم سوريا". وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء عودته من جمهورية شمال قبرص التركية، في حديث للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، بوضوح تام حول سوريا قائلًا: "إسرائيل تسعى باستمرار لإشعال المنطقة بأكملها. الرئيس السوري أحمد الشرع أظهر موقفًا حازمًا في السويداء وحافظ على السيطرة. نحن مصممون، ولن نترك الشرع وحيدًا في سوريا. لا نريد تقسيم سوريا". إن تصريحات كل من أردوغان وفيدان تظهر أن تركيا قد غيرت وقوّت وشددت من نهجها تجاه التهديدات التي قد تطال أمنها القومي عبر سوريا. فبينما كانت تركيا في السابق تعتبر التطورات في شرق الفرات تهديدًا لأمنها القومي، أصبحت الآن تعتبر جميع الأعمال والتحركات الرامية إلى تقسيم سوريا بأكملها تهديدًا لأمنها القومي، وتصرح بوضوح أنها ستتدخل في مثل هذه الحالة. إن "سياسة الأمن القومي" الجديدة التي طورتها تركيا على خلفية أزمة السويداء ستشكل عائقًا جديًا أمام انخراط "قسد" بسهولة في خطة "ممر داود" الإسرائيلية. كما أن الموقف التركي الجديد في سوريا سيجعل من الصعب على "قسد" تطبيق سياستها المماطلة والمؤجلة لعملية الاندماج في الدولة السورية. سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد في سوريا تتبع الولايات المتحدة سياسة تدعم عملية دمج "قسد" في الدولة السورية، وتُظهر في هذه العملية تعاونًا متناغمًا مع تركيا وحكومة دمشق. ويدافع السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن ضرورة أن تتحرك "قسد" بشكل أسرع للاندماج في الدولة السورية. وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن ترك" ، قال باراك: "قسد هي وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. ليس لدينا أي التزام تجاههم بإقامة دولة مستقلة"، مُظهرًا بذلك تبنيه سياسة تركيا التاريخية. والجدير بالذكر أنه في حين أن تركيا تؤكد أن "قسد" وحزب العمال الكردستاني كيان واحد، وأن "قسد" هي امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا، فإن الولايات المتحدة، منذ عهد أوباما وحتى اليوم، كانت تعترض دائمًا على هذا الطرح التركي، مؤكدة أنها ترى "قسد" مختلفة عن حزب العمال الكردستاني وأنها أقوى حلفائها. كما أن توم باراك صرح بوضوح في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي في واشنطن، بأنه لا خيار أمام "قسد" سوى الاتفاق مع دمشق، وأنهم لا يدعمون سوريا مقسمة. نرى أن تركيا والولايات المتحدة وحكومة دمشق لديها سياسات متقاربة جدًا تجاه سوريا. أما إسرائيل، فلديها ملف سوري مختلف عن الولايات المتحدة، وتتخذ خطوات على الأراضي السورية بنفسها وعبر حلفائها لتحقيق أهدافها. في هذا الإطار، نرى أن الزعيم الدرزي حكمت الهجري يتبنى سياسة إسرائيل في سوريا، بينما تقف "قسد" أقرب إلى إسرائيل منها إلى أميركا. إعلان في الختام يُقدَّر أنه لا يوجد طريق بديل أمام قوات سوريا الديمقراطية سوى الاندماج في الدولة السورية، وأن إتمام عملية المفاوضات مع دمشق بسرعة سيؤدي إلى نتائج أفضل بالنسبة لقسد. ومن الواضح أن تركيا لن تقف صامتة أمام أي تحرك عسكري محتمل من جانب "قسد" في شرق الفرات، سواء كان مرتبطًا بالتطورات في السويداء أو مستقلًا عنها، وستتدخل عسكريًا. كذلك، يمكن القول إنه في حال تصاعد أزمة السويداء ووصولها إلى نقطة قد تؤدي إلى تقسيم سوريا، فإن تركيا لن تتردد في الاهتمام بالسويداء واستخدام إمكاناتها والتدخل.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
قتيل بهجوم إسرائيلي على جنوبي لبنان وعون يدعو اللبنانيين للوحدة
قُتل شخص جراء استهداف مسيرة إسرائيلية سيارة في بلدة عيتا الشعب الحدودية جنوبي لبنان ، اليوم الخميس، في أحدث خروقات اتفاق وقف إطلاق النار، بينما دعا الرئيس جوزيف عون اللبنانيين إلى مواجهة الهجمات الإسرائيلية بالوحدة. وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية بأن مسيرة إسرائيلية أغارت على سيارة نقل في بلدة عيتا الشعب، مما أدى إلى مقتل شخص. ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي أطلق قنابل فوق بلدة عين عرب والوزاني على الحدود جنوبي لبنان. وفي وقت سابق اليوم، قالت الوكالة إن قوة إسرائيلية توغلت حوالي الرابعة فجرا، داخل الأراضي اللبنانية في بلدة حولا جنوبي البلاد، حيث اخترقت الحدود بمسافة تقدر بنحو 800 متر. وأضافت أن القوة الإسرائيلية نفذت تفجيرا أدى إلى تدمير غرفة تستعمل حظيرة للمواشي قبالة موقع العباد العسكري في إسرائيل. في السياق، ذكرت الوكالة أن مسيرة إسرائيلية نفذت غارة بصاروخ على منطقة حرجية في أطراف بلدة بيت ليف في قضاء بنت جبيل جنوبي البلاد، مما أدى إلى اشتعال حريق كبير في المنطقة. وأضافت أن المسيرة الإسرائيلية أطلقت صاروخا ثانيا لمنع فرق الإطفاء من الاقتراب من المنطقة. وقالت إن قوات إسرائيلية أطلقت الرصاص في تلة الحمامص في محيط رعاة للماشية. كما أفادت بتحليق مسيّرتين إسرائيليتين في أجواء مدينة النبطية، وبلدات زبدين، كفرجوز والجوار في جنوب لبنان. تأتي هذه التطورات وسط تصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية، وتكرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق مدنية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر 2024. تصريحات عون وردا على تلك الانتهاكات، قال الرئيس جوزيف عون إن إسرائيل قائمة على مبدأ "فرق تسد"، مؤكدا أن بلاده ستواجهها بالوحدة. وذكر بيان للرئاسة اللبنانية أن عون قال خلال لقائه في العاصمة بيروت مفتي البلاد عبد اللطيف دريان "نستطيع أن نواجه التحديات أيا كان مصدرها، لا سيما من إسرائيل التي تقوم على التفرقة ومبدأ فرق تسد، وسنواجهها بالوحدة". وشدد عون على أن "اللبناني تعب ولم يعد قادرا على تحمل أي حرب". وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، مما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح. وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، لكن إسرائيل خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، مما أسفر عن 259 قتيلا و562 جريحا، وفق بيانات رسمية. وفي تحد لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها في الحرب الأخيرة إضافة إلى مناطق أخرى يحتلها منذ عقود.