
هل يواصلُ البيتكوينُ زعامتَه؟ مقارنةُ أداءِ العملاتِ الرقميّةِ أمامَ الدولار في عام ٢٠٢٥
جو 24 :
مقارنةُ أداءِ البيتكوين والعملاتِ الرقميّةِ الأُخرى مُقابِل الدولار
منذُ مطلعِ عامِ ٢٠٢٥ والأسواقُ الماليّةُ العالميّةُ تعيشُ حالةَ شدٍّ وجذبٍ بينَ مخاوفِ تباطؤ الاقتصادِ في بعضِ الدولِ الكبرى ورغبةِ المستثمرينَ في البحثِ عن ملاذاتٍ بديلةٍ تحمي مدّخراتِهم من التضخّم. في هذا المناخِ المضطربِ بقيتِ العملاتُ الرقميّةُ –وعلى رأسِها البيتكوين– في صدارةِ المشهد، ويهمّنا هنا رصد
لمحةٌ سريعةٌ عن العملاتِ الرقميّةِ الرئيسة
البيتكوين (BTC)
يُوصَف غالبًا بـ«ذهب العصر الرقميّ» بفضل ندرة معروضه وانخفاضِ معامل الارتباط مع معظم الأصول التقليديّة على المدى الطويل. وقد عزّز التنصيف الرابع –الذي حدث في أبريل ٢٠٢٥– هذا التصوّر عبر خفض إصدار الكُتل إلى حوالَي ١٫٥ BTC كلَّ عشرِ دقائق؛ وهو ما قلَّصَ الضغوطَ البيعيّة الناتجةَ من المُعدّنين، وساند السعرَ في البقاء ضمن نطاقٍ مرتفعٍ نسبيًّا.
الإيثريوم (ETH)
ما زالت البنيةُ التحتيّةُ لمعظم تطبيقات التمويل اللامركزيّ (DeFi) والتطبيقات الذكيّة، لكنّ انتقالَ جزءٍ معتبرٍ من السيولة إلى حلول الطبقة الثانية خفَّف الطلبَ المُباشر على ETH بوصفها «وقود الغاز». ورغم ترقية «دينكون» الواسعة –التي حسَّنت سرعةَ الشبكة وخفَّضت الرسوم– فإنّ غيابَ محفِّزٍ مؤسَّسيٍّ واضح (مثل ETF فوريّ) تركَ العملةَ في مسارٍ جانبيّ.
سولانا (SOL)
تَقدَّم المشروعُ بسرعةٍ في استقطاب مطوّري الألعاب وخدمات الويب٣ بفضل سرعات المعاملات التي تُقاس بالآلاف في الثانية ورسومٍ شبه مجّانيّة. لكنّ أزمات الانقطاع غيرِ المتكرِّرة أبقَت على عامل شكٍّ لدى المحافظ الكبرى، ما جعل النموَّ تدريجيًّا لا انفجاريًّا.
XRP (ريبل)
تاريخٌ طويلٌ من المواجهة القضائيّة في الولايات المتّحدة انتهى –مبدئيًّا– بقرارٍ يُعدُّ انتصارًا نسبيًّا للشركة، ما فتح البابَ أمام اتفاقيات تحويل أموالٍ عابرةٍ للحدود مع بنوكٍ في آسيا وأمريكا اللاتينيّة. وأيّ إعلانٍ عن شراكةٍ مصرفيّةٍ كبرى بات كافيًا لإطلاق موجات شراءٍ قصيرةٍ وسريعة.
أداءُ البيتكوين أمام الدولار: ثباتٌ رغم العواصف
دخل البيتكوين عام ٢٠٢٥ بسِعرٍ يفوق ٩٥ ألفَ دولار، ثمّ تخطّى حاجز ١١٢ ألفًا في الثاني والعشرين من مايو بعد تدفّق سيولةٍ مؤسّسيّةٍ غيرِ مسبوقةٍ عبر صناديق ETF الفوريّة المُعتمَدة حديثًا في الولايات المتّحدة وأوروبا. وعلى الرغم من ارتفاع عوائد السندات الأمريكيّة، ما زالت حيازة هذا الأصل الرقميّ تُعَدُّ «تحوُّطًا» ضدّ ضعف العملات الورقيّة في عيون شرائح متزايدة من المستثمرين. أمّا أحجامُ التداول فقد تراجعت في يونيو بنحو ١٠ ٪ مقارنةً بمعدّل مارس–أبريل، وهو انخفاضٌ يُفسَّر بتوجّه المحافظ طويلة الأجل نحو سياسة «اشترِ واحتفظ» بدل المضاربة اليوميّة.
العوامل الداعمة
١- الحدثُ النصفويّ قلَّل المعروضَ الجديد بنسبة ٥٠ ٪ بالضبط، مِمّا خفّض الضغطَ البيعيَّ الدائم.
٢- صناديقُ ETF تضخُّ تدفّقاتٍ مؤسّسيّةٍ يوميّةً منتظمةً تقابلُ—وربّما تفوق—الإصدارَ الجديد، فيخلق ذلك توازنًا موجبًا.
٣- الأزماتُ الجيوسياسيّةُ (منطقة البحر الأسود، وشرق آسيا) رفعت الطلبَ على الأصول القابلة للنقل والرقابة المنخفضة.
قراءةٌ في مسار الإيثريوم مقابل الدولار
سعرت ETH مع بداية العام حول ٢٧٥٠ دولارًا، لترتفع بسرعةٍ إلى حدود ٣٢٠٠ في فبراير متأثرةً بنجاح ترقية «دينكون». لكنّ الزخمَ انطفأ لاحقًا مع تخارج بعض رؤوس الأموال إلى سلاسل بديلةٍ أرخصَ في الرسوم. ومع بداية يونيو وجدت العملةُ نفسها بين مطرقة تباطؤ السيولة في أسواق DeFi وسندان ترقُّب هيئة الأوراق الماليّة قرارَها بشأن ETF فوريٍّ للإيثريوم. النتيجةُ: نطاقٌ عرضيٌّ تراوحت فيه الأسعارُ بين ٢٨٥٠ و٣٠٥٠ دولارًا.
نقاط الضغط
•انتقالُ المستخدمين إلى منصّات الطبقة الثانية قلّص عدد التحويلات المباشرة على الشبكة الأم.
•المشاريعُ الناشئةُ تفضّل عقودًا ذكيّةً أكثرَ تخصصًا (مثل Aptos وSui)، ما يخلق منافسةً على جذب المطوّرين.
•قلقٌ من تأجيل محتملٍ في اعتماد ETF فوريٍّ، ما يُبطئ سيلَ الاستثمار المؤسّسي.
صعودٌ متوازنٌ لسولانا: بين سرعةِ الشبكة وإشكالاتِ الانقطاع
لم تَعُد قصّةُ سولانا تدور فقط حول «أسرع بلوكتشين»؛ فقد تمكّنت خلال الربع الأوّل من ٢٠٢٥ من إطلاق برنامج حوافزٍ ضخمٍ للمطوّرين، وتشجيع نشر ألعابٍ عالية التفاعليّة تعتمد إمكانات التوصيل الفوريّ للمحافظ. وعلى الرغم من انقطاعٍ تقنيٍّ لمدّة ساعتين في مارس، فإنّ سرعةَ معالجة الخطأ أعادت بعض الثقة، ليُغلق SOL شهر يونيو فوق ١٤٥ دولارًا، مرتفعًا نحو ٤٠ ٪ منذ يناير.
قفزاتٌ على وقع الأخبار التنظيميّة
استفادت العملةُ من انتهاء ملفّها القضائيّ الأمريكيّ، حيث دخلت ريبل في عدّة شراكاتٍ مع بنوكٍ آسيويّةٍ لتسوية المدفوعات اللحظيّة بعملةٍ مستقلّةٍ عن شبكة سويفت التقليديّة. هذه التطوّرات دفعت السعرَ من ١٫٦٥ دولارًا مطلع العام إلى حدود ٢٫١٣ في منتصف يونيو. الملفُّ الأبرز الآن هو توسّع الاستخدام الفعليّ عبر الحدود؛ فإذا تحقّق على نطاقٍ واسعٍ قد يُحرِّك السعرَ إلى مناطق لم تُختبر منذ ٢٠١٨.
الأسبابُ الرئيسةُ لتفوُّق أو تراجع كلّ عملة
١- السياسة النقديّة الأمريكيّة: كلُّ زيادةٍ أو تثبيتٍ لسعر الفائدة ينعكس مباشرةً على شهيّة المخاطرة؛ البيتكوين الأكثرُ صمودًا لأنّ الطلب المؤسّسي يَتجاوز المضاربة البحتة.
٢- التطوراتُ التنظيميّة: XRP مثالٌ حيٌّ على قفزةٍ بعد حسمٍ قضائيّ؛ بينما ETH يَعلَق في انتظار موافقة ETF.
٣- هيكلُ العرض: الانكماشُ الصارم في البيتكوين، والحرقُ الدوريّ في BNB، مقابل نموذجٍ انكماشيٍّ مرنٍ في ETH.
٤- حالاتُ الاستخدام والتحالفات: سولانا تكسب مطوّري الألعاب، وريبل تكسب البنوك، بينما يهيمن البيتكوين على سرديّة التحوُّط.
٥- قوّةُ المجتمع (Network Effect): عدد العقد النشطة، حجم المطوّرين، وتنوّعُ المحافظ؛ جميعها عوامل تحدِّد قدرةَ أيّ شبكةٍ على تجاوز أزماتها.
نصائحُ استثماريّةٌ مُرتكِزةٌ إلى المقارنة
•نوّع محفظتك: اجمع بين البيتكوين للتحوُّط طويل الأجل، وعملةٍ ذات إمكان ابتكارٍ مرتفعٍ (مثل SOL)، وعملةٍ مدفوعاتٍ مؤسّسية (XRP) لمَزج العوائد والمخاطر.
•تابع مفكّرة القرارات التنظيميّة: إعلانٌ واحدٌ من لجنة الأوراق الماليّة قد يُغيِّر مسار السوق بالكامل في ساعاتٍ قليلة.
•احسب السيولة العالميّة: عندما تتراجع أحجام التداول يكون السوق أكثرَ عرضةً لقممٍ وقِيَعٍ حادّة؛ ضع أوامرَ إيقافٍ محكمةً ولا تُغامر برافعةٍ ماليّةٍ مرتفعة.
•ادمج التحليل الأساسيّ مع التقنيّ: مستوياتُ الدعم والمقاومة تظلّ مهمّةً، لكنّها تكتسب قوّةً إضافيّةً عندما تتوافق مع أحداثٍ أساسيّةٍ (ترقيةٌ تقنيّة، أو إدراجٌ بورصيٌّ جديد).
•حدِّد أفقًا زمنيًّا واضحًا: البيتكوين مناسبٌ لنهج «اشترِ واحتفِظ» لسنوات؛ بينما تُطلَب العملاتُ البديلةُ عادةً لاستراتيجيات تداولٍ أسرع، مع ضبطٍ مستمرٍّ للمخاطر.
خاتمة
أثبت النصفُ الأوّل من ٢٠٢٥ أنّ البيتكوين ما يزال المُحرِّكَ الأوّل للسوق، لكنّ قصصَ النجاحِ الجزئيّة التي صاغتها سولانا وXRP والإيثريوم أكّدت أن قيمةَ أيّ أصلٍ رقميٍّ لا تُبنى على رأس المال السوقيّ وحده، بل على مزيجٍ من التطوير التقنيّ، ودعم المستثمرين المؤسّسيّين، ووضوح الأطر التنظيميّة. وفي عالمٍ تتغيّر فيه العواملُ بسرعةٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى، يبقى نظامُ إدارةِ المخاطر الصارِم، والاطِّلاعُ المستمرّ على الأخبار، والتقييمُ العميقُ لمقوّمات كلّ مشروعٍ هي الركائزَ الأهمّ لبناء قرارٍ استثماريٍّ صائب، سواءٌ أكان في البيتكوين أم في غيره من العملات الرقميّة الناشئة.
تابعو الأردن 24 على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ ساعة واحدة
- صراحة نيوز
بنوك مركزية تتخلى عن الدولار وتتجه للذهب واليورو واليوان
صراحة نيوز- يشير تقرير حديث صادر عن منتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية إلى تحول ملحوظ في سياسات مديري الاحتياطيات لدى البنوك المركزية التي تدير تريليونات الدولارات من الاحتياطيات العالمية. حيث بدأ عدد متزايد من هذه البنوك بتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، مفضلاً بدائل مثل الذهب واليورو واليوان الصيني، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع التجارة العالمية التي أعادت صياغة توجهات التدفقات المالية. وشمل استطلاع للرأي 75 بنكًا مركزيًا أُجري بين مارس ومايو 2024، حيث أظهر أن واحداً من كل ثلاثة بنوك يخطط لزيادة حيازته من الذهب خلال العام أو العامين المقبلين، وهو أعلى مستوى منذ خمس سنوات على الأقل. وتأتي هذه الخطوة في سياق استجابة لتداعيات فرض الرسوم الجمركية الأميركية، التي أدت إلى اضطراب الأسواق وهبوط في قيمة الدولار وسندات الخزانة الأميركية. ويزداد بريق الذهب كمخزن للقيمة، حيث أشار 40% من البنوك المركزية إلى نيتها رفع حيازاتها منه خلال العقد المقبل، بعد سنوات من عمليات شراء قياسية. في المقابل، تراجع الدولار من كونه العملة الأكثر شعبية لدى مديري الاحتياطيات في 2023 إلى المرتبة السابعة في 2024، حيث عبر 70% من المستطلعين عن أن البيئة السياسية الأميركية أصبحت أقل جذباً للاستثمار بالدولار، مقارنةً بنصف هذه النسبة قبل عام. أما من حيث العملات الأخرى، فيتصدر اليورو واليوان قائمة البدائل التي يجري النظر فيها، حيث صرّح 16% من البنوك بأنها ستزيد حيازتها من اليورو خلال السنة إلى السنتين القادمتين، مقارنة بـ7% فقط قبل عام. ويحتل اليوان المرتبة الثانية مع توقع 30% من البنوك زيادة استثماراتها به خلال العقد القادم، ما قد يرفع حصته من الاحتياطيات العالمية إلى 6%، أي ثلاثة أضعاف المستوى الحالي. ويبدو أن اليورو يستعيد ثقة مديري الاحتياطيات بعد فقدان حصته إثر أزمة الديون الأوروبية عام 2011، مع توقع ارتفاعها من نحو 20% إلى حوالي 25% خلال فترة قريبة، مما يعكس تعافي الكتلة الأوروبية وقوة عملتها الموحدة. خبير الاقتصاد كينيث روغوف أشار إلى أن ارتفاع حصة اليورو يعود ليس فقط لجاذبية أوروبا، بل أيضًا بسبب تراجع وضع الدولار في الأسواق العالمية. وفي الوقت ذاته، تؤثر حالة عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة سلبًا على الدولار، فيما يمكن لأوروبا أن تعزز من مكانة اليورو من خلال تطوير سوق السندات وتكامل أسواق رأس المال. ودعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إلى اتخاذ خطوات فاعلة لتعزيز اليورو كبديل موثوق به للدولار، فيما وصف برنارد ألتشولر من HSBC اليورو بأنه 'البديل الحقيقي الوحيد القادر على إحداث تأثير ملموس على مستوى الاحتياطيات'، مشيرًا إلى أن تحقيق ذلك ممكن إذا عُولجت التحديات خلال السنتين أو الثلاث القادمة.


Amman Xchange
منذ 8 ساعات
- Amman Xchange
عجز الحساب الجاري الأميركي يقفز إلى مستوى قياسي في الربع الأول
اتسع عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة إلى مستوى غير مسبوق خلال الربع الأول من العام، بعدما سارعت الشركات إلى استيراد كميات كبيرة من السلع لتفادي الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأظهرت بيانات صادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة، يوم الثلاثاء، أن العجز في الحساب الجاري -الذي يقيس صافي تدفقات السلع والخدمات والدخل والاستثمارات بين الولايات المتحدة والعالم- ارتفع بمقدار 138.2 مليار دولار، أي بنسبة 44.3 في المائة، ليبلغ 450.2 مليار دولار، وهو أعلى مستوى يسجّله على الإطلاق. كما عُدّلت بيانات الربع الرابع من العام السابق، لتُظهر عجزاً قدره 312 مليار دولار، مقارنةً بـ303.9 مليار في التقديرات الأولية. وكان خبراء اقتصاديون، استطلعت وكالة «رويترز» آراءهم، قد توقّعوا ارتفاع العجز إلى 443.3 مليار دولار خلال الربع الأول. ومثّل العجز نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ الربع الثالث من عام 2006 حين بلغ ذروته عند 6.3 في المائة، مقارنة بـ4.2 في المائة خلال الربع الأخير من العام الماضي. وحذّر اقتصاديون من أن اتساع فجوة الحساب الجاري، بالتوازي مع تضخم العجز في الموازنة الفيدرالية، قد يُشكّل تهديداً على المدى الطويل لقوة الدولار الأميركي. كما أسهمت الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها ترمب في إضعاف جاذبية الدولار بوصفه ملاذاً آمناً عالمياً. وسجّلت واردات السلع ارتفاعاً قياسياً بمقدار 158.2 مليار دولار، لتبلغ تريليون دولار لأول مرة، مدفوعةً بزيادة واردات الذهب غير النقدي والسلع الاستهلاكية، خاصةً المنتجات الطبية والصيدلانية ومواد طب الأسنان. في المقابل، تراجعت واردات الخدمات بمقدار 1.8 مليار دولار؛ لتصل إلى 217.8 مليار دولار، نتيجة انخفاض رسوم استخدام حقوق الملكية الفكرية، مثل تراخيص البحث والتطوير. أما صادرات السلع فقد ارتفعت بمقدار 21.1 مليار دولار إلى 539.0 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ الربع الثالث من عام 2022، مدعومةً بزيادة صادرات السلع الرأسمالية، ولا سيما الطائرات المدنية وملحقات الحواسيب والمعدات الطرفية وقطع الغيار. وتراجعت صادرات الخدمات بمقدار 4.4 مليار دولار إلى 293.2 مليار دولار، نتيجة انخفاض السلع والخدمات الحكومية، مثل الوحدات العسكرية، بالإضافة إلى تراجع إيرادات السفر الشخصي وخدمات الاستشارات المهنية والإدارية. وسجّل عجز تجارة السلع قفزة إلى مستوى قياسي بلغ 466 مليار دولار، مقارنةً بـ328.9 مليار دولار في الربع الأخير من 2024. ومع ذلك، بدأت واردات السلع التراجع مع نهاية موجة الطلب المرتفعة على المواد الأساسية. وكانت الحكومة قد أعلنت هذا الشهر انخفاض الواردات بنسبة قياسية بلغت 19.9 في المائة خلال أبريل (نيسان)، لتصل إلى 277.9 مليار دولار. وانخفضت إيرادات الدخل الأولي بمقدار 22.9 مليار دولار إلى 355.1 مليار دولار، في حين تراجعت المدفوعات ضمن هذا البند بمقدار 13.7 مليار دولار إلى 362.7 مليار دولار، متأثرة بانخفاض دخل الاستثمار المباشر، الذي يُشكل معظمه أرباحاً. في المقابل، ارتفعت إيرادات الدخل الثانوي بمقدار 2.3 مليار دولار، لتصل إلى 49.6 مليار دولار، مدفوعة بتحصيل غرامات وعقوبات، في حين انخفضت مدفوعات الدخل الثانوي بمقدار 8.4 مليار دولار إلى 101.5 مليار دولار، نتيجة تراجع التحويلات الحكومية.


أخبارنا
منذ 9 ساعات
- أخبارنا
اسماعيل الشريف يكتب : طريق الدم
أخبارنا : إيران هي حجر العثرة الأخير أمام النظام الإقليمي الذي نسعى إليه- جون بولتون، مستشار أمن قومي أمريكي. في أدبيات السياسة الأمريكية الحديثة، تتمحور استراتيجيتها في الشرق الأوسط حول أربعة مرتكزات رئيسة: النفط، والممرات المائية، والكيان، وإيران، وهي مرتكزات تتشابك وتتقاطع فيما بينها. كثير من المحللين السياسيين وأنا منهم يتحدثون عن سطوة اللوبيات الصهيونية، وعلى رأسها «أيباك»، التي تشتري ولاء أغلب أعضاء الكونغرس، وتمسك بزمام القرار الأمريكي في الشرق الأوسط. لكن هذا التحليل، رغم شيوعه، يرسم صورة للولايات المتحدة كضحية لنفوذ صهيوني خارجي، فنجد أنفسنا بغير وعي نتعاطف معها وهي تفتك بملايين العرب والمسلمين في المنطقة! وربما آن الأوان أن نعيد النظر في هذا التصور، وأن نرى الصورة من زاوية أخرى: ما يجري في المنطقة ليس اختطافًا للقرار الأمريكي، بل هو تنفيذ دقيق لخطة أمريكية خالصة، هدفها إشعال الحروب، ونشر الفوضى، وتهجير الشعوب، وتفكيك الدول. أما الكيان الصهيوني، فما هو إلا أداة تنفيذ، يتحمّل اللوم نيابةً عن واضع الخطة، فيما تظل الولايات المتحدة خلف الستار، بمنأى عن الاتهام أو المحاسبة. في عام 1971، أنهى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، فتحول الدولار إلى عملة بلا غطاء مادي. وبدلًا من الذهب، جرى ربطه بما سُمّي لاحقًا «البترودولار»، حيث فُرض بيع النفط حصرًا بالدولار، ليصبح الذهب الأسود هو الداعم الجديد لقيمة الدولار. ومنذ تلك اللحظة، صار التحكم بتدفق النفط مسألة وجودية بالنسبة للولايات المتحدة، لأن النفط هو ما يُبقي الدولار قويًا، والدولار هو تاج الإمبراطورية الأمريكية. ومن هنا نفهم استهداف إيران: دولة ترفض الوصاية الأمريكية، تتقارب مع الصين الخصم الاقتصادي الأول لواشنطن وتملك مخزونًا هائلًا من النفط، ونفوذًا إقليميًا متصاعدًا، وتصرّ على التمرد. وهذا وحده كافٍ ليجعلها عدوًا حقيقيًا لهيمنة الدولار. تُستهدف إيران إذًا، لا حبًا في الكيان، بل لأن وجودها يُهدد النظام المالي والسياسي الذي تدور عليه العجلة الأمريكية. قبيل «طوفان الأقصى»، وفي قمة العشرين بنيودلهي، أُعلن عن مشروع الممر الاقتصادي الذي سيمتد من الهند إلى البحر المتوسط، متجاوزًا إيران، في رد مباشر على مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. غير أن هذا الطريق يصطدم بعقبة بشرية كثيفة في غزة، التي تحوّلت فجأة إلى منطقة بالغة الأهمية، بحكم موقعها الاستراتيجي، واحتياطيات الغاز قبالة سواحلها، والمشروع المسمى «قناة بن غوريون»، المفترض أن يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط. غزة وإيران معًا تشكلان العقبتين الأبرز في وجه هذا المشروع. ولإزالتهما، بدأ المخطط الأمريكي يأخذ طريقه إلى التنفيذ. لكن مثل هذه المخططات الكبرى تحتاج إلى ذريعة ضخمة أشبه بـ»بيرل هاربر» أو 11 سبتمبر لتكون بوابة لحرب شاملة. فجاء «طوفان الأقصى»، وتم توظيفه كذريعة مثالية لتبرير الإبادة الجماعية في غزة. سُوِّيت غزة بالأرض تحت القنابل، وسط غطاء سياسي أمريكي كامل، وسردية إعلامية غربية موحّدة تُبرر المجزرة: من مزاعم نشر الديمقراطية، إلى الحديث عن الدروع البشرية، وقطع رؤوس الأطفال، ومحاولة اغتيال ترامب، والبرنامج النووي الإيراني، وغيرها من الأكاذيب المفبركة. ثم بدأت واشنطن، عبر الكيان، في تقليم أجنحة إيران، واستنزاف نفوذها خطوة خطوة، حتى أُضعفت، وأُزيحت من طريق المشروع. وحين عجز الكيان عن حسم المعركة، كان لا بد للولايات المتحدة أن تدخل المشهد بنفسها، وبشكل مباشر. ولا يمكن فهم المجزرة الجارية في غزة، ورغبة ترامب في تهجير سكانها، والحرب على إيران، من دون النظر إلى ما يُسمى «الطريق التنموي الأمريكي». تمامًا كما يُمهَّد الطريق السريع بهدم الأحياء الواقعة على امتداده، تدمر غزة وتُفرَّغ من سكانها لتُمهَّد الطريق للمشروع، وليُمحى كل ما يُعيق التمدد الأمريكي. ولا ينبغي أن ننسى قصة القذافي، الذي أعلن في 2011 عن خطته لإطلاق عملة إفريقية موحدة، تهدد الدولار واليورو معًا. بعد عام واحد، دُمّرت ليبيا، وقُتل القذافي، وسط ضحكات هيلاري كلينتون على شاشة التلفاز وهي تقول: «جئنا، رأينا، ومات.» لقد كانت تلك الضحكة رسالة صريحة للعالم: لا تجرؤ على تهديد الدولار. وبعد قرن على اتفاقية سايكس بيكو، يُعاد تشكيل الشرق الأوسط من جديد. تسعى واشنطن لإقصاء الصين وروسيا من المنطقة، واحتكار نفوذها فيها بالكامل، عبر تحييد آخر خصومها: إيران. أما غزة، فرغم حجم الكارثة التي تعيشها، فهي في نظر واشنطن مجرد عثرة صغيرة على طريق مشروع أكبر. لا حلفاء دائمين للولايات المتحدة، فالمصالح وحدها هي من تُحدد العلاقات. حين أصبح صدام حسين عبئًا، أُزيح دون تردد. وإن أصبح الكيان عبئًا في يوم ما، فلن تتردد واشنطن في التخلي عنه، دون أن يرف لها جفن. فالأولوية القصوى هي بقاء الدولار قويًا، وخطط أمريكا لا تعرف التراجع.