
أزمة أوروبا.. كما توقعها الكثيرون
أزمة أوروبا.. كما توقعها الكثيرون
ما هو الخيار الواقعي بالنسبة لأوروبا حالياً؟بينما تتربص بها الحرب، وتصدمها الأحزاب المتطرفة الصاعدة، وتُنهكها عمليات إزالة التصنيع، تجد أوروبا نفسها مذعورة إزاء رئيس أميركي مصمم على التضحية بالتحالف عبر الأطلسي الذي دام ثمانين عاماً، مقابل «جعل روسيا عظيمة مجدداً».
في جميع أنحاء أوروبا، يسعى المسؤولون إلى تمزيق المحظورات لمواجهة عالم مخيف لم يتخيله الكثيرون في القارة قبل شهرين فقط، رغم كثرة التحذيرات. وبينما تضحِّي واشنطن بأوكرانيا وتتخلى عن أمن أوروبا، يفكر الأوروبيون في اتخاذ خطوات كانت تُعتبر في السابق غير واردة لمنع وقوع كارثة. والإجابة هي: يجب اتخاذ كل هذه الخطوات معاً.
يدعو البعض لمصادرة أكثر من 200 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، وهي خطوة كانت تُعد في السابق محظورة بسبب اعتراضات المحامين ووزراء المالية. ويرى دعاة المصادرة أنه يجب استخدام هذه الأموال كتعويض بسيط عن الدمار الذي لحق بأوكرانيا، ولشراء الأسلحة التي ستساعد الأخيرة على البقاء. لكن قبل كل شيء ينبغي تخفيف القيود الصارمة للعجز والدَّين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في ألمانيا، والتي هي بمثابة قيد ذاتي وذريعة لعرقلة الزيادة الحادة في الإنفاق الدفاعي.
نعم لإعادة التجنيد الإجباري أو توسيعه عبر القارة لإعادة بناء الجيوش التي تقلصت وضعفت لسنوات. ومن بينها الجيش البريطاني الذي أصبح أصغر مما كان عليه منذ 200 عام، والجيش الألماني الذي قد لا يصمد أسبوعاً في معركة حقيقية. نعم لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق الاجتماعي السخي في أوروبا، بما في ذلك مخصصات المتقاعدين.. رغم كل الألم الذي سينطوي عليه مثل هذا الإجراء. لقد حان الوقت أخيراً لتنفيذ التحذير الذي أطلقته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قبل عقد من الزمن، بأن القارة لم تعد قادرة على تحمل نصف الإنفاق الاجتماعي العالمي، بينما تشكل 7% فقط من سكان العالم وربع ناتجه الاقتصادي.
نعم لإعادة توجيه مدخرات الرعاية الاجتماعية نحو الصناعات الدفاعية في أوروبا، حتى لا يتم تقرير «مستقبل أوروبا» في واشنطن أو موسكو، كما حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وإلى ذلك فإنه ربما يتوجب نشر قوات أوروبية على الأرض في أوكرانيا لدعم قوات كييف وضمان أمنها. ومن المؤكد أنه بدون الدعم الأميركي في مجالات القيادة والسيطرة والاستعلامات والخدمات اللوجستية والدعم الجوي.. ستتعرض هذه القوات لضربات روسية قاتلة.
ومن الواضح الآن أنه بدون الدعم الأميركي، لا يكاد يوجد أي خيار لحماية أوكرانيا. كل هذه الإجراءات لن تكون سريعة أو كافية لتعويض الغياب الأميركي عن القارة. لكن ما هو الخيار الآخر المتاح لأوروبا الآن بعد أن ألقى الرئيس ترامب بنفسه خارج صف الداعمين لأوكرانيا وأظهر عدم اكتراثه بحلفائه السابقين؟ إن أي شخص لا يزال يثق في التزام «الناتو» بالدفاع المشترك، حيث تلتزم كل دولة عضو بالدفاع عن أي عضو يتعرض لهجوم، يعيش في وهم وردي. فترامب ينظر إلى «الناتو» باعتباره مجرد بقايا من الماضي، ولم يعد يراه تحالفاً ملزماً.
وأخيراً، أدركت القارة، وإن كان ذلك متأخراً، أنها تواجه أزمة، والمهمة العاجلة الآن هي إعادة التسلح بعد عقود من الحلم بأن الحرب قد أصبحت شيئاً من الماضي. هذا ما أكدت عليه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي قدّمت خطةً لحشد ما يقارب 865 مليار دولار للدفاع عن القارة وأوكرانيا. إنها خطة طموحة في مواجهة تهديد «لم يسبق لنا رؤيته في حياتنا»، كما قالت. كان يمكن لها، وكان ينبغي عليها، أن تدفع بهذه الخطة قبل ثلاث سنوات عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
لم تكن فون دير لاين، التي تترأس المفوضية الأوروبية منذ عام 2019، مسؤولة عن الظروف التي أدت إلى هذا الوهم الأوروبي المريح، لكنها عكسته. ففي الوقت الذي كان فيه دبلوماسيو أوروبا يطمئنون بعضَهم البعض بأن ولاية ترامب الأولى يمكن أن تكون نموذجاً للتحضير لولايته الثانية، كانت كل المؤشرات القادمة من واشنطن تقول عكس ذلك تماماً. وكأن أوروبا ليس لديها إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام الأميركية، أو كأنها كانت صماء إزاء التحذيرات التي كان ترامب وأتباعه يطلقونها يومياً.. وإلا فكيف أمكن أن يكون القادة الأوروبيون كارهين للواقع إلى هذا الحد؟ سيناقش المؤرخون هذا السؤال لعقود قادمة.
لكن الآن، وأخيراً، دقت أجراس الإنذار. ويعود الفضل في ذلك إلى نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الذي فعل كل ما بوسعه الشهر الماضي، خلال خطابه في مؤتمر ميونيخ الأمني، للتعبير عن ازدراء الولايات المتحدة لأوروبا. كما يعود الفضل إليه مرة أخرى في وصفه لإنجلترا وفرنسا، اللتين فقدتا جنوداً في حروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، بأنهما «بلدان عشوائيان» قد يشكلان نواة لقوة أمنية أوروبية في أوكرانيا. هاتان الإهانتان جعلتا فانس ربما السياسي الأقل محبة في أوروبا، متفوقاً على ترامب نفسه. لكنهما، على الأقل، أوصلتا الرسالة التي رفض الأوروبيون قراءتها من قبل: إن التحالف الغربي، بل والفكرة التقليدية للغرب ككتلة موحدة قائمة على القيم والمبادئ، لم يعد موجوداً. لقد تخلت الولايات المتحدة عن مكانتها كزعيمة للعالم الحر. هذه الوظيفة الآن شاغرة. وعلى أوروبا، رغم أنها غير مستعدة تماماً لهذا الدور، أن تتولاه على أي حال.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشنش»
لي هوكستادر*
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سبوتنيك بالعربية
منذ 37 دقائق
- سبوتنيك بالعربية
تدمير 77 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية الليلة
تدمير 77 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية الليلة تدمير 77 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية الليلة سبوتنيك عربي أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الخميس، أن منظومات الدفاع الجوي اعترضت ودمرت 77 طائرة مسيرة فوق عدة مناطق روسية، مساء الأربعاء. 21.05.2025, سبوتنيك عربي 2025-05-21T22:13+0000 2025-05-21T22:13+0000 2025-05-21T22:13+0000 العملية العسكرية الروسية الخاصة وزارة الدفاع الروسية روسيا أخبار أوكرانيا طائرة مسيرة موسكو –سبوتنيك. وقالت الوزارة في بيان لها، ""في 21 مايو/ أيار، من الساعة 20:00 إلى 23:50 بتوقيت موسكو، دمرت منظومات الدفاع الجوي العاملة واعترضت 77 طائرة مسيرة أوكرانية".وصباح الأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن وسائط الدفاع الجوي التابعة لها، قامت بتدمير 34 طائرة أوكرانية مسيرة، فوق مقاطعات عدة في البلاد.وتستهدف القوات الأوكرانية بشكل شبه يومي، المناطق الحدودية الروسية الآهلة في مقاطعات بيلغورود وبريانسك وكورسك وفورونيج وروستوف وشبه جزيرة القرم، بالطائرات المسيرة والصواريخ بهدف إثارة الفزع وتحطيم الروح المعنوية للسكان المدنيين.وتواصل القوات المسلحة الروسية منذ يوم 24 شباط/فبراير 2022، تنفيذ عمليتها العسكرية الخاصة، بهدف نزع سلاح أوكرانيا، والقضاء على التهديدات الموجهة عبرها إلى أمن روسيا، وحماية المدنيين في دونباس الذين تعرضوا على مدى 8 سنوات للاضطهاد على يد نظام كييف. سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي وزارة الدفاع الروسية, روسيا, أخبار أوكرانيا, طائرة مسيرة


الاتحاد
منذ ساعة واحدة
- الاتحاد
80 مليون يورو تمويل أوروبي لإغاثة اليمن
عدن (وكالات) أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، أمس، تخصيص 80 مليون يورو لتمويل العمل الإنساني في اليمن الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم. وقالت المفوضية في بيان، إنها «خصصت 80 مليون يورو كتمويل إنساني من الاتحاد الأوروبي لعام 2025 لدعم المحتاجين في اليمن الذي لا يزال يصنف من بين أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وجاء هذا البيان مع انعقاد الاجتماع السابع لكبار المسؤولين بشأن اليمن في بروكسل، والذي حضرته المفوضة الأوروبية للمساواة وإدارة الأزمات حاجة لحبيب. وأشار البيان إلى أن «عقداً من الصراع والتدهور الاقتصادي والأحداث المناخية المتكررة خلف 19.5 مليون شخص باليمن في حاجة إلى المساعدة». وذكر البيان أن «هذا العمل الإنساني سوف يستهدف خدمات الغذاء والصحة، فضلاً عن توفير المياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم». ونقل البيان عن المفوضة لحبيب قولها: «لأكثر من عقد من الزمان، واصل الاتحاد الأوروبي، بصفته جهة مانحة، تضامنه مع الشعب اليمني، وأسهم في إنقاذ الأرواح وتجنب المجاعة وتوفير الإغاثة والأمل للمحتاجين». يأتي هذا الدعم الأوروبي في وقت يعاني اليمن من نقص حاد في تمويل الإغاثة، وسط وضع إنساني بالغ الصعوبة يشكو منه معظم السكان.


الاتحاد
منذ ساعة واحدة
- الاتحاد
سلطان القاسمي يشهد توقيع اتفاقية لرقمنة أرشيف «اليونسكو» العالمي بمنحة 6 ملايين دولار
باريس (وام) شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، صباح أمس، في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بالعاصمة الفرنسية باريس، وبحضور قرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، ومعالي أودري أزولاي، المديرة العامة لـ«اليونسكو»، توقيع اتفاقية لرقمنة أرشيف «اليونسكو» العالمي، بمنحة قدرها 6 ملايين دولار أميركي مقدمة من هيئة الشارقة للكتاب. وقعت الاتفاقية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، وجينيفر لينكينز، مساعد المدير العام لقطاع الإدارة والتنظيم في «اليونسكو». وتأتي الاتفاقية تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة؛ بهدف حفظ الإرث الإنساني وحماية الوثائق العالمية، وضمان استدامة الوصول إليه رقمياً، وسيتم تنفيذ المشروع على مدار خمس سنوات، وسيشمل رقمنة كتب ومخطوطات وتسجيلات صوتية وأفلام وثائقية، وغيرها من المواد والوثائق. وتجول سموه في مكتبة وأرشيف منظمة «اليونسكو»، متعرفاً على أبرز محتوياتها من وثائق عالمية وكتب ومخطوطات وغيرها، بالإضافة إلى الأدوار المهمة التي تؤديها المكتبة في دعم عمل المنظمة، والاستفادة من المحتويات الثقافية التي تضمها لتعزيز دور «اليونسكو» والعاملين فيها. واطلع سموه على مجموعة من الوثائق القديمة المهمة، والتي تأثرت بالظروف المختلفة التي قد تتسبب في تلف الوثائق، الأمر الذي يؤكد أهمية الاتفاقية في رقمنة أرشيف «اليونسكو» للحفاظ على المحتويات الثقافية والمعرفية والتاريخية في «اليونسكو». ويعد أرشيف «اليونسكو» أحد أضخم وأهم الأرشيفات المؤسسية في العالم، إذ يمتد تاريخه إلى ما يقارب 80 عاماً، ويضم أكثر من 2.5 مليون صفحة من الوثائق التي توثق أنشطة المنظمة منذ تأسيسها عام 1945، إلى جانب 165 ألف صورة فوتوغرافية نادرة، وآلاف الساعات من التسجيلات الصوتية والبصرية التي تسجل لحظات مفصلية في التاريخ الثقافي والتعليمي العالمي، بما في ذلك اجتماعات كبرى، ومعاهدات، ومراسلات دولية، ومشاريع حماية التراث. ورغم هذه القيمة التاريخية والمعرفية الهائلة، تمت رقمنة 5% فقط من مجموع المواد، في ظل موارد محدودة وتحديات لوجستية وتقنية، وهو ما يبرز الحاجة الماسة إلى دعم يسرع وتيرة الأتمتة الرقمية الشاملة، ويضمن الحفاظ على هذا الأرشيف بوصفه مرجعاً إنسانياً ومعرفياً لا يقدر بثمن. ومع مختلف الجهود المبذولة لرقمنة أرشيف «اليونسكو»، إلا أن نحو 95% من مواده لا تزال غير مرقمنة، مما يجعل من مبادرة الشارقة خطوة نوعية واستراتيجية في اتجاه تحويل هذا الإرث العالمي إلى محتوى رقمي متاح وآمن للأبحاث والمؤسسات الأكاديمية والمجتمعات الثقافية حول العالم. وقالت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب: «تمثل المنحة ترجمة عملية لرؤية الشارقة تجاه حفظ الإرث الإنساني وصون ذاكرة العالم، وإعلاء قيمة المعرفة، بوصفها أحد أعمدة التنمية الإنسانية المستدامة، إن أرشيف (اليونسكو) العالمي يعد أحد أندر مراكز حفظ التراث والفكر والتعليم والثقافة وأكثرها قيمة في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يجعل حمايته مسؤولية أخلاقية ومهمة حضارية يجب أن نتشارك فيها جميعاً، لضمان بقائها للأجيال المقبلة». وأضافت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي : «لطالما آمنت الشارقة بأن الوصول إلى المعرفة يجب أن يكون متاحاً وعادلاً، وأن حماية الذاكرة الإنسانية ضرورة لضمان استمرارية الإبداع والتقدم، ومن خلال هذه المبادرة نفتح نافذة جديدة للتعاون الدولي من أجل بناء مستقبل ينصف الماضي، ويمنح الأجيال القادمة فرصة لفهم التاريخ واستلهام دروسه». دعم المشاريع المعرفية والإنسانية تأتي هذه الاتفاقية استمراراً لدور الشارقة، بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في دعم المشاريع المعرفية والإنسانية، وتأكيداً لمكانتها مركزاً دولياً في حماية إرث الثقافة الإنسانية ورعاية الثقافة، وصون التراث، وتعزيز الحضور العربي في المنظمات العالمية المعنية بالفكر والعلم.