النخب السياسية مقابل الواقع الحقيقي
في الشهور الاخيرة حضرت عدة ندوات سياسية فيها متحدثين من مسؤولين حكوميين حاليين و سابقين و في كل ندوة أخرج بانطباع اننا نعيش في ظروف داخلية توازي سويسرا أو النرويج. كل ذلك أكد لي القناعة بأن الاردن وقع في فترة ما بين المطرقة و السندان، المطرقة من تيارات شعبوية استخدمت الدين و القضايا العربية و الظروف المعيشية الداخلية لتعزف على حنق و معاناة الاردنيين و شعورهم الانساني الصافي بحرف بوصلة الوعي الشعبي عن الاسباب الحقيقية لما سبق من ضعف الموارد الطبيعية و عدم قدرة الاردن ان تنوب عن اثنين مليار مسلم في المواجهات المصيرية و أما السندان فكان من مجموعة من المسؤولين الذين تسربوا الى مواقع صنع القرار بالمجاملة و التراخي و الشعارات الفضفاضة و الذين بدل أن يكونوا عوناً لسيد البلاد بالبحث عن المشاكل الداخلية و حلحلتها ليتفرغ جلالة الملك للملفات الكبرى الخارجية، بدل ذلك اصروا على خطاب نخبوي استعلائي تملاؤه الشعارات و لا يدخل في صلب تعزيز ثقة المواطن خصوصا جيل الشباب بمؤسسات الدولة و حكومتها.
لذلك يبدو لي أن النخب تخاطب العقل الواعي للنخب في حين أن الاصل فيها أن تكون قادرة على مخاطبة العقل الباطن للجماهير. كذلك لا بد من الاعتراف بوجود مشاكل داخلية على المستوى الاجتماعي و المعيشي و الثقافي و الخطوة الاولى هي الاعتراف بوجود هذه المشاكل ثم تشخيصها بشجاعة و وضع آليات فعالة قابلة للتنفيذ لا تخاطب النخب فقط بل الجمهور ايظا بحيث تنعكس على تعزيز الثقة بين المواطن و المؤسسات و تنتج مرونة و صلابة في الوضع الداخلي تعزز القدرة على مواجهة المشاريع التي تستهدف و تحرض على الاردن و قيادته.
خلال السنوات الأخيرة درست بتمعن تطور الحضارات و المجتمعات بدءا من الحضارة السومرية اول حضارة مكتوبة الى الفرعونية و الفينيقية و الاغريقه و الرومانية و النبطية و هكذا الى حاضرنا اليوم. جميع هذه الحضارات كانت الادارة السياسية تطور و تحدث النظم السياسية للمجتمع للحفاظ و تعزيز الامن و الاستقرار من خلال عاملي الثقافة (آلية التفكير) و الاقتصاد (آلية الانتاج) و نحن اليوم لا نختلف عما سبق فالاصل أن الادارة السياسية الممثلة بالحكومة تسعى لتحديث العمل السياسي ليحقق الامن و الاستقرار و التطور و النمو.
الملاحظ أن كل الحضارات كان العامل الثقافي هو الفيصل في مرونة المجتمعات و قدرتها على البقاء و المواجهة لدرجة أن الحضارة الرومانية تبنت الثقافة الاغريقية كهوية ثقافية و كانت المرة الاولى في التاريخ التي يتبنى بها المنتصر ثقافة المهزوم لقوتها و شموليتها.
الاغرب ان كل المجتمعات التي تجاهلت او نظرت بسطحية للمشاكل الثقافية فقدت المرونة و دخلت في أفق سياسي شبه مسدود لدرجة ان ابن خلدون توقع سقوط الأندلس قبل حدوثه بعشرات السنين بعد أن لاحظ مظاهر التراجع الثقافي.
يجب أن نعترف اليوم أن هنالك مشاكل ثقافية عميقة لا بد أن نعمل على حلها خصوصا اننا نعيش في منطقة جذر صراعاتها ثقافي هوياتي حتى لو كان مظهره عسكري سياسي. فهنالك صراع بين الهوية اليهودية و الفلسطينية على الارض الفلسطينية و هنالك صراع ثقافي يحمل شكلاً طائفي في محيطنا و هنالك تخوف من تصدير الصراع الثقافي الهوياتي الى وطننا من خلال مشاريع التهجير و الوطن البديل و هنالك صراع ثقافي بين الاقليات و الاكثرية في منطقتنا لا بل هنالك صراع ثقافي داخل الولايات المتحدة بين يمين محافظ و يسار ليبرالي يتأثر به العالم أجمع.
كل ذلك يدعونا ان نبحث عن المشاكل الثقافية الداخلية و نسعى لحلول قابلة للتطبيق و ان تأخذ هذه المشاكل مساحتها الحقيقية دون تجميل ما دام ان الهدف امن و استقرار الاردن خلف قيادته الهاشمية.
أطرح هنا أمام صناع القرار بعض المشاكل الثقافية التي أرى ضرورة التعامل معها قبل أن تأتي ظروف خارجية تجعل هذه القضايا الصغيرة مشكلات لنا.
ساورد بعض هذه المشاكل لاكتب بها في مقال قادم.
1. هوية اردنية واضحة المعالم و تعزز الوحدة الوطنية
2. التعامل مع مشكلات جيل الشباب كما يراها الشباب و ليس كما تراها النخب فالتمكين السياسي و حتى البطالة لا تحتل اكثر من ثلث تفكير الشباب في حين ان الثلثين مشاكل يومية بسيطة يمكن حلها بسهولة و بالتالي احتواء جيل الشباب.
3. الخدمات الموجهة قليلة الكلفة نسبيا و التي تنعكس على المواطن بشكل مباشر و اطرح مثال هو حل مشكلة المواطنين في طوارئ المستشفيات باعادة هيكلة عملها هو ما يقرر رضى المواطنين عن الخدمات الصحية و ليس الطروحات المعقدة عالية الكلفة.
4. عدالة الفرص بحيث تقدم الأكفاء المواليين المبدعين بدل تهميشهم لصالح ابناء الشلل على قاعدة (ان لم تكن جزء من شله اكلتك او همشتك الشلل).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
بشار جرار : «مطرقة منتصف الليل» وشمس إيران
أخبارنا : للمهام الخاصة تسميات يراد بها إرسال أكبر قدر من الرسائل المؤثرة، أو رسالة واحدة مقتضبة مركّزة. لا يعني ما سأقول معلومة ولا نبوءة ولا أمنية، ليس الأمر أكثر من تأملات ذاتية قد تصيب وقد تخطأ وتشطح! صحيح أن التسميات في العمليات العسكرية والأمنية تندرج ضمن اختصاص القائمين عليها سيما الشؤون التعبوية أو الحرب النفسية، إلا أن للقيادة السياسية أيضا دورها. فإن افترضنا لغايات العصف الذهني أن الرئيس بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة هو الذي اختار اسم عملية القضاء على برنامج إيران النووي، فما الذي يعنيه دونالد جيه ترمب الحريص على البر بوعوده الانتخابية في ثلاث حملات بأن يبني «السلام عبر القوة» وهو في الأصل شعار سلفه الرئيس الجمهوري الأيقوني رونالد ريغان. والقوة عند ترمب لا تعني القوة العسكرية فقط وإنما الاقتصادية، من قبل ومن بعد. ما الذي يعنيه اختيار اسم «المطرقة» ومعروفة استخداماتها في عالم المقاولين وصناع الصفقات الذي ينتمي إليه ترمب، إضافة إلى عالم الشهرة؟ في اللغة الإنجليزية، بنطقها ورسمها الأمريكي والثقافة الأمريكية، يقال إنه لا بد من إتمام الصفقة بعمل ما. تستخدم كلمة «هَمَرْ» هنا اسما وفعلا فتصبح أداة المطرقة ليست أداة تحطيم وتهشيم، بل إنجاز أو صياغة، أو على نحو أدق، صهر وصقل «فورجِنغ» ومن ثم «هَمَرِنغ» الصفقة. وكأن بترمب -الذي استخدم الكرات المعدنية الضخمة الثقيلة المعروفة بكرة الهَدَدْ أو «المَهَدِّة»، «رِكِنغ بول» لتحطيم المباني الآيلة للسقوط- كأنه يهدم فوردو ونطنز وأصفهان ليصهر ويصقل صفقة القرن مع رأس ما سمى نفسه «محور المقاومة والممانعة»، تفاديا لما قد تصير بحق «أم المعارك»! التي لا يخفى على عاقل ولا منصف دور نظام ملالي طهران فيها، طبعا دون أن نغفل دور الجانبين الأمريكي والإيراني ودول عربية تحالفت مع خميني في حرب الثماني أعوام أو ما عرف ب «قادسية صدام»! الشطر الثاني من اسم العملية -ليلة السبت على الأحد- لا يحمل إلا معنى واحدا ألا وهو أن الليل بتلك الضربة قد انتهى، وأن «الصبح» قريب. وزير الدفاع الأمريكي بيت هِغْزِث أكد صباح الأحد في البنتاغون غداة الضربة، أن إدارة ترمب ليست بصدد تغيير النظام. قبلها بأيام، أعلن ترمب أن مخبأ «المرشد» معروف، لكنه «حتى الآن» شَهَرَ الفيتو بوجه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، بعدم التعرض لحياة خامنئي الذي قيل إنه اختار ثلاثة لخلافته إن تم استهدافه بضربة أمريكية أو إسرائيلية وإنه فوض صلاحياته كمرشد إلى المجلس الأعلى «للثورة الإسلامية» في إيران. على غرار هذه التسمية، وبصرف النظر عن نتائجها على المديين القريب والمتوسط، فإن العالق بين المطرقة والسنديان ظالم نفسه إلى حد الانتحار. ولأولئك العالقين في عقد الماضي وهواجس الحاضر، الغافلين عن أي استشراف حقيقي للمستقبل، أهمس في أذن أولئك المعلّقين «الشّبَحيّين التشبيحيّين» إن جاز التعبير، بأن واقع الحال في عالم فيه طائرات شبحية من طراز «بي تو- سْبِرِتْ يناشدكم بأن اتقوا الله في بلادكم، في ثرواتها وموقعها ومخزونها الحضاري الممتدّ آلاف السنين. إن كانت الكرة في ملعب إيران كما أعلن ترمب وكثير من الحلفاء، فإن للجيران كلمتهم أيضا، الأقرب فالأقرب. آن الأوان أن تبزغ شمس المستقبل الآمن الزاهر الواعد سواء عادت الشمس رمزا لعلم إيران، أو غابت زهاء نصف قرن هي وأسدها وسيفه.. ــ الدستور

الدستور
منذ 3 ساعات
- الدستور
«مطرقة منتصف الليل» وشمس إيران
للمهام الخاصة تسميات يراد بها إرسال أكبر قدر من الرسائل المؤثرة، أو رسالة واحدة مقتضبة مركّزة. لا يعني ما سأقول معلومة ولا نبوءة ولا أمنية، ليس الأمر أكثر من تأملات ذاتية قد تصيب وقد تخطأ وتشطح! صحيح أن التسميات في العمليات العسكرية والأمنية تندرج ضمن اختصاص القائمين عليها سيما الشؤون التعبوية أو الحرب النفسية، إلا أن للقيادة السياسية أيضا دورها. فإن افترضنا لغايات العصف الذهني أن الرئيس بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة هو الذي اختار اسم عملية القضاء على برنامج إيران النووي، فما الذي يعنيه دونالد جيه ترمب الحريص على البر بوعوده الانتخابية في ثلاث حملات بأن يبني «السلام عبر القوة» وهو في الأصل شعار سلفه الرئيس الجمهوري الأيقوني رونالد ريغان. والقوة عند ترمب لا تعني القوة العسكرية فقط وإنما الاقتصادية، من قبل ومن بعد. ما الذي يعنيه اختيار اسم «المطرقة» ومعروفة استخداماتها في عالم المقاولين وصناع الصفقات الذي ينتمي إليه ترمب، إضافة إلى عالم الشهرة؟ في اللغة الإنجليزية، بنطقها ورسمها الأمريكي والثقافة الأمريكية، يقال إنه لا بد من إتمام الصفقة بعمل ما. تستخدم كلمة «هَمَرْ» هنا اسما وفعلا فتصبح أداة المطرقة ليست أداة تحطيم وتهشيم، بل إنجاز أو صياغة، أو على نحو أدق، صهر وصقل «فورجِنغ» ومن ثم «هَمَرِنغ» الصفقة. وكأن بترمب -الذي استخدم الكرات المعدنية الضخمة الثقيلة المعروفة بكرة الهَدَدْ أو «المَهَدِّة»، «رِكِنغ بول» لتحطيم المباني الآيلة للسقوط- كأنه يهدم فوردو ونطنز وأصفهان ليصهر ويصقل صفقة القرن مع رأس ما سمى نفسه «محور المقاومة والممانعة»، تفاديا لما قد تصير بحق «أم المعارك»! التي لا يخفى على عاقل ولا منصف دور نظام ملالي طهران فيها، طبعا دون أن نغفل دور الجانبين الأمريكي والإيراني ودول عربية تحالفت مع خميني في حرب الثماني أعوام أو ما عرف ب «قادسية صدام»! الشطر الثاني من اسم العملية -ليلة السبت على الأحد- لا يحمل إلا معنى واحدا ألا وهو أن الليل بتلك الضربة قد انتهى، وأن «الصبح» قريب. وزير الدفاع الأمريكي بيت هِغْزِث أكد صباح الأحد في البنتاغون غداة الضربة، أن إدارة ترمب ليست بصدد تغيير النظام. قبلها بأيام، أعلن ترمب أن مخبأ «المرشد» معروف، لكنه «حتى الآن» شَهَرَ الفيتو بوجه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، بعدم التعرض لحياة خامنئي الذي قيل إنه اختار ثلاثة لخلافته إن تم استهدافه بضربة أمريكية أو إسرائيلية وإنه فوض صلاحياته كمرشد إلى المجلس الأعلى «للثورة الإسلامية» في إيران. على غرار هذه التسمية، وبصرف النظر عن نتائجها على المديين القريب والمتوسط، فإن العالق بين المطرقة والسنديان ظالم نفسه إلى حد الانتحار. ولأولئك العالقين في عقد الماضي وهواجس الحاضر، الغافلين عن أي استشراف حقيقي للمستقبل، أهمس في أذن أولئك المعلّقين «الشّبَحيّين التشبيحيّين» إن جاز التعبير، بأن واقع الحال في عالم فيه طائرات شبحية من طراز «بي تو- سْبِرِتْ يناشدكم بأن اتقوا الله في بلادكم، في ثرواتها وموقعها ومخزونها الحضاري الممتدّ آلاف السنين. إن كانت الكرة في ملعب إيران كما أعلن ترمب وكثير من الحلفاء، فإن للجيران كلمتهم أيضا، الأقرب فالأقرب. آن الأوان أن تبزغ شمس المستقبل الآمن الزاهر الواعد سواء عادت الشمس رمزا لعلم إيران، أو غابت زهاء نصف قرن هي وأسدها وسيفه..


سواليف احمد الزعبي
٠٣-٠٦-٢٠٢٥
- سواليف احمد الزعبي
الشرق الأوسط بين المطرقة والسندان: حين تُمسك واشنطن وتل أبيب بخيوط اللعبة
#سواليف #الشرق_الأوسط بين #المطرقة و #السندان: حين تُمسك #واشنطن و #تل_أبيب بخيوط اللعبة بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة تعيش منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا، حيث تتقاطع فيها خطوط النار مع التحالفات الدولية، وتتشابك الأجندات الإقليمية مع صراعات النفوذ. لكن رغم تعدد الفاعلين الظاهريين، يظل المشهد محكومًا بثنائية واضحة: الولايات المتحدة ترسم الخطوط الكبرى، وإسرائيل تنفذها على الأرض. أما بقية الأطراف، من العواصم العربية إلى العواصم الأوروبية، فدورها لا يتعدى التفاعل الهامشي مع نتائج سياسات لا يملكون التأثير الحقيقي فيها. في قلب هذا الواقع المأزوم، تتصدر غزة المشهد مجددًا كرمز للمعاناة المستمرة. القصف الإسرائيلي المتواصل يحصد أرواح الأبرياء، ويدمر المنازل والبنى التحتية، وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة. المستشفيات انهارت، والمساعدات لا تدخل إلا بشق الأنفس، والمجتمع الدولي يراقب بصمت. وحتى الوساطات الإقليمية، مثل جهود مصر وقطر، رغم جديتها، تبدو عاجزة أمام تعنت إسرائيلي مدعوم سياسيًا وعسكريًا من واشنطن. الولايات المتحدة، التي تُفترض بها مسؤولية كقوة كبرى، لا تقوم بدور الوسيط النزيه. بل تواصل تقديم مقترحات 'سلام' تفصّلها وفق المصلحة الإسرائيلية، متجاهلة الحقوق الفلسطينية الأساسية، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال ورفع الحصار. لا عجب إذًا أن ترفض الفصائل الفلسطينية هذه المبادرات، التي تهدف إلى تهدئة مرحلية دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع. ولا تختلف الصورة كثيرًا في لبنان، حيث الجنوب ما يزال ساحة مستباحة للغارات الإسرائيلية المتكررة. الدولة اللبنانية تعاني من ضعف مؤسسي وغياب إرادة موحدة، فيما سلاح حزب الله يظل محط جدل داخلي وإقليمي. ومع استمرار إسرائيل في تجاوز الخطوط الحمراء دون مساءلة، تتحول الأراضي اللبنانية إلى منطقة توتر دائمة، في ظل عجز دولي واضح عن فرض أي قواعد اشتباك عادلة. أما الملف الإيراني، فهو بدوره يعكس ذات المعادلة المختلّة. طهران رفضت مؤخرًا مقترحًا نوويًا أمريكيًا وصفته بـ'غير القابل للتطبيق'، معتبرة أنه يكرس منطق الضغوط لا التفاهم. ومع تعثر المفاوضات وغياب الثقة، تتسع الهوة بين واشنطن وطهران، ويزداد التوتر على أكثر من جبهة، بما ينذر بانفجار إقليمي قد يتجاوز حدوده الجغرافية. في ظل هذا المشهد، تبدو الساحة العربية في أسوأ حالاتها من حيث التنسيق والتأثير. لا جامعة عربية فاعلة، ولا تكتل إقليمي قادر على تشكيل موقف موحد. البعض غارق في أزماته الداخلية، والبعض الآخر يدير ظهره للقضية الفلسطينية في مقابل مكاسب تطبيعية آنية. هذه الانقسامات منحت إسرائيل فرصة ذهبية لتوسيع مشروعها الاستيطاني وفرض وقائع جديدة، دون أن تواجه ضغطًا حقيقيًا من أي طرف عربي. اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يقود الحكومة اليوم، لم يعد يخفي نواياه. هناك إيمان عميق داخل المؤسسة الحاكمة في تل أبيب بأن استخدام القوة وحده كفيل بتحقيق 'الأمن'، وأن المجتمع الدولي لن يتجاوز بيانات القلق المعتادة. وهذا ما تؤكده ردود الفعل الباهتة على المجازر في غزة، التي لم تُقابل حتى الآن بأي تحرك فعلي من مجلس الأمن أو المؤسسات الحقوقية. الأخطر من كل ذلك هو تطبيع التوحش. حين تُمارس القوة بلا محاسبة، ويُكافأ المعتدي بدلاً من رَدعِه، تتحول المجازر إلى مشهد يومي، وتتحول المبادئ إلى شعارات خاوية. وفي هذا السياق، لم تعد العدالة جزءًا من المعادلة السياسية، بل مجرد تفصيل لا يغيّر شيئًا في حسابات الربح والخسارة الجيوسياسية. إن الأزمة في الشرق الأوسط ليست أزمة عابرة، ولا يمكن حلّها عبر تسويات شكلية. طالما أن مفاتيح الحل لا تزال محتكرة من قبل من يرفض أصلًا الاعتراف بجوهر المأساة، فإن كل حديث عن السلام يظل أقرب إلى الوهم. المطلوب ليس إدارة الأزمة، بل كسر المعادلة التي جعلت من الاحتلال واقعًا طبيعيًا، ومن الضحية متهمًا. لقد آن الأوان لإعادة النظر في أدوات الضغط، وتفعيل الأدوار العربية والدولية، لا بالصوت فقط، بل بالفعل. فسلام بلا عدالة ليس سلامًا، بل استراحة مؤقتة تسبق انفجارًا أكبر.