logo
"جلسة" حماية الشيعة

"جلسة" حماية الشيعة

العربيةمنذ يوم واحد
لم تكن جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي عادية.
برئاسة رئيس الجمهورية، ودور محوري لرئيس الحكومة، اتُّخذ فيها قرار هو بلا شك من بين الأكثر جرأة منذ سنوات: تحديد جدول زمني لسحب سلاح "حزب الله". قرارٌ تاريخيّ، لا فقط بمضمونه، بل بلحظة سياسية فارقة، وهذه أبرز مفاعيله:
أولًا، قبل انعقاد الجلسة، مارس "حزب الله" أقصى درجات الضغط والتهويل، ملوّحًا بالشارع وبعودة مشاهد العنف التي خبرها اللبنانيون في 7 أيار. كلّ ذلك في محاولة مكشوفة لمنع الحكومة من مجرّد التفكير بالمساس بـ "قدسيّة" سلاحه. حتى كلمة الشيخ نعيم قاسم، التي تزامنت مع الجلسة، لم تكن سوى إنذار واضح للحكومة: حدودكم هنا، لا تتخطوها.
لكنّ الحكومة لم تخضع. للمرة الأولى منذ زمن طويل، كُسرت هيبة السلاح، وارتفعت كلمة الدولة فوق صوت التهديد. إنه بداية مسار لا بد أن يُستكمل بتفكيك عناصر ومنطق الدويلة، وإعادة الاعتبار للدستور.
ثانيًا، لقد تراجعت الآمال المعقودة على الرئيسين عون وسلام خلال الفترة الماضية، بعدما بدا أن التسوية وتجنّب مواجهة "الحزب" أصبحا القاعدة في التعامل مع سطوته. تردّد وتراخٍ حوّلا العهد إلى إدارة أزمة لا مشروع إنقاذ. هذا ما عبّر عنه الرئيس عون نفسه، عندما اعترف صراحة من وزارة الدفاع بأنه خسر من شعبيته الكثير بسبب هذا المسار.
من هنا، شكّلت جلسة الثلاثاء بارقة أمل حقيقية في إعادة ترميم الثقة بين الناس والسلطة. لأوّل مرة، يتقدّم موقف واضح في وجه سطوة السلاح، ويُترجم بقرار رسمي من مجلس الوزراء. وإذا أُرفق هذا القرار بخطوات تنفيذية شجاعة، وقرارات إصلاحية صارمة، وتحسين ملموس في أداء مؤسسات الدولة وخدماتها للمواطن، يمكن للرئيسين أن يعيدا الثقة، وأن يُثبتا أنّ مشروع الدولة لا يزال ممكنًا.
ثالثًا، لو لم تُقدم الحكومة على اتخاذ هذا القرار، لكان البلد دخل في نفق مجهول تتعدد فيه وجوه المخاطر، أبرز عناصره احتمال تصعيد عسكري إسرائيلي، سيّما وأنّ المهلة المعطاة للبنان لمعالجة ملف السلاح كانت على وشك الانتهاء.
بهذا القرار، جنّبت الحكومة الطائفة الشيعية جولة جديدة من الدمار والموت. جولة انتحارية أعلن الشيخ نعيم قاسم بوضوح أنّ "الحزب" مستعد لخوضها، ولو على حساب دماء أبناء الطائفة الشيعية. إذًا القرار الحكومي، هو بمثابة حماية للشيعة من جرّهم مرة بعد مرة، إلى حروب لا يعودون منها إلّا بالمزيد من القبور والدمار.
إنّ جلسة الخامس من آب 2025 لن تُسجَّل في تاريخ لبنان كجلسة عادية، بل كلحظة مفصلية فتحت الباب أمام مرحلة سياسية جديدة. لم يقتصر ما نتج عنها على رفع الغطاء الشرعي بالكامل عن سلاح "حزب الله"، ولا على وضع اللبنة الأولى في مسار استعادة هيبة الدولة، بل تعدّى ذلك إلى ما هو أعمق وأبعد.
فما جرى، في جوهره، هو بداية حقيقية لإسقاط إرث اتفاق القاهرة 1969، الذي حوّل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، تتوارثها القوى المحليّة والإقليمية وتستثمر فيها على حساب أمن الناس وكراماتهم ومستقبلهم. واليوم، وللمرة الأولى، تُطرح حماية الشيعة – لا بالشعارات – بل بإخراجهم من منطق الاستخدام والتوظيف، وتحقيق مصلحة أهل الجنوب بالعيش في دولة تحميهم، لا في دويلة تستنزفهم.
جلسة الثلاثاء ليست نهاية الطريق، لكنّها حتمًا بدايته. والتحدي الأكبر الآن، في أن تكون نقطة تحوّل تتراكم عليها عناصر قيام دولة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أنصار حزب الله يقطعون طرقا رئيسية.. والجيش اللبناني يعتقل عددا منهم
أنصار حزب الله يقطعون طرقا رئيسية.. والجيش اللبناني يعتقل عددا منهم

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

أنصار حزب الله يقطعون طرقا رئيسية.. والجيش اللبناني يعتقل عددا منهم

لا يزال لبنان منشغلا بتداعيات قراري الحكومة بإنهاء ملف سلاح "حزب الله" قبل نهاية العام من جهة، والموافقة على ورقة المبعوث الأميركي توماس براك وما ترتب على انسحاب وزراء الطائفة الشيعية من الجلستين الحكوميتين. وفي هذا الإطار، قطعَ أنصارُ حزبِ الله طريقي زحلة وشتورة في البقاع شرق لبنان وطريق بعبدا الحازمية. مناصرو حزب الله يتظاهرون في منطقة الشياح على طريق صيدا القديمة بلبنان #حزب_الله #لبنان #الحدث #قناة_الحدث — ا لـحـدث (@AlHadath) August 8, 2025 وأفادت مصادرُ العربية والحدث أن الجيش اللبناني اعتقل عددا من مناصري حزبِ الله بعد وصولِهم لوسط العاصمة بيروت. وتأتي هذه التوترات في أعقابِ قرار الحكومةِ اللبنانية بشأن حصرية السلاح بيد الدولة. وهدد محمد رعد, النائب عن حزب الله, بالتمرد على قرار الحكومة وقال رعد الموت ولا تسليم السلاح للحكومة قبل ذلك كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، قال إن حزب الله يعلَمُ جيدا أن مِلف السلاح انتهى مؤكدا أنه لا يمكن لحزِب الله اعتبارُ قرارِ الحكومة بشأن حصر السلاح غيرَ موجود لأنه سيصبح خارجا عن القانون. كما أعرب جعجع في تصريحات صحفية عن أمله بأن يتخذ حزب الله القرار المناسب بشأن السلاح خلال يومين. وفي السياق، ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن الاتصالات بين المقار الرسمية ومع حزب الله لم تتوقف حتى بعد الجلسة الأخيرة وإن بشكل غير مباشر، وذلك لمحاولة احتواء صدى قرارات الحكومة وضبط الشارع والعودة إلى الحوار وطاولة لحل الخلافات السياسية حول معالجة ملف السلاح وضمان عودة الوزراء الشيعة إلى الحكومة لكي لا يتعطل عملها. والجمعة، ذكرت مصادر قناتي "العربية" و"الحدث" أن المبعوث الأميركي، توم برّاك، سيعود قريباً إلى بيروت، حيث سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين قرار حصر السلاح بيد الدولة. وقد واصلت الحكومة اللبنانية، الخميس، البحث في نزع سلاح حزب الله، بعدما كلّفت الجيش إعداد خطة لذلك لتطبيقها قبل نهاية العام، في خطوة يرفضها بالمطلق الحزب. وتناول اجتماع الخميس، الذي استمر لأكثر من أربع ساعات في القصر الجمهوري، مضمون مذكرة حملها برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين، تتضمّن خصوصاً جدولاً زمنياً وآلية لنزع سلاح الحزب الذي كان قبل المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذاً في لبنان. وأعلن وزير الإعلام بول مرقص بعد انتهاء الاجتماع، الموافقة على المقدمة الواردة في الورقة الأميركية، من دون التطرق إلى البنود المتعلقة بالمراحل الزمنية لنزع السلاح.

مصادر "العربية": براك يعود قريباً إلى بيروت لبحث قرار حصر السلاح
مصادر "العربية": براك يعود قريباً إلى بيروت لبحث قرار حصر السلاح

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

مصادر "العربية": براك يعود قريباً إلى بيروت لبحث قرار حصر السلاح

ذكرت مصادر قناتي "العربية" و"الحدث" أن المبعوث الأميركي، توم برّاك، سيعود قريباً إلى بيروت، حيث سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين قرار حصر السلاح بيد الدولة. وقد واصلت الحكومة اللبنانية، الخميس، البحث في نزع سلاح حزب الله، بعدما كلّفت الجيش إعداد خطة لذلك لتطبيقها قبل نهاية العام، في خطوة يرفضها بالمطلق الحزب. وتناول اجتماع الخميس، الذي استمر لأكثر من أربع ساعات في القصر الجمهوري، مضمون مذكرة حملها برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين ، تتضمّن خصوصاً جدولاً زمنياً وآلية لنزع سلاح الحزب الذي كان قبل المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذاً في لبنان. وأعلن وزير الإعلام بول مرقص بعد انتهاء الاجتماع، الموافقة على المقدمة الواردة في الورقة الأميركية، من دون التطرق إلى البنود المتعلقة بالمراحل الزمنية لنزع السلاح. وتضم المقدمة 11 نقطة، تحت عنوان "الأهداف"، ينص أبرزها على "ضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية" بين لبنان وإسرائيل، و"الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، في كافة الأراضي اللبنانية"، إضافة إلى نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية والمواقع الداخلية الأساسية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تقدّمت إليها خلال الحرب. وتضمّ مذكرة برّاك المؤلفة من بنود عدة، وفق نصّ نشرته صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية، الخميس، تفاصيل حول جدول وآلية نزع سلاح حزب الله، بدءاً بوقف تحركات الحزب ونقل سلاحه على الأرض، وصولاً إلى انتشار القوات اللبنانية الشرعية على مراحل في كل مناطق سيطرته، وتعزيز مراقبة الحدود. وتنص كذلك على انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تقدّمت إليها خلال الحرب. وقال مرقص إن الحكومة تنتظر "الخطة التنفيذية" التي كلّفت الجيش إعدادها قبل نهاية الشهر الحالي لحصر السلاح بيد القوى الشرعية، قبل أن تشرع في بحث وإقرار بنود الورقة الأميركية التي يرتبط تطبيقها "بموافقة كل دولة من الدول المعنية بالالتزامات الواردة فيها". وتلحظ الورقة مرحلة لاحقة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين لبنان وسوريا، ثم مرحلة تثبيت كل ذلك بمسار دبلوماسي لإعادة إعمار لبنان. وتشير الورقة كذلك إلى ضمانات أميركية وفرنسية في حال تم تنفيذ المطلوب من لبنان. وفي منشور على منصة "إكس" أمس، هنأ براك السلطات اللبنانية على "القرار الجريء والتاريخي والصائب" الذي اتخذته هذا الأسبوع لناحية "البدء بالتنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية" الذي أنهى الخريف الماضي الحرب بين حزب الله وإسرائيل بوساطة أميركية، ونص على حصر حمل السلاح بستة أجهزة أمنية وعسكرية رسمية.

هانا تيتيه... يد الأمم المتحدة لتفكيك الأزمة الليبية
هانا تيتيه... يد الأمم المتحدة لتفكيك الأزمة الليبية

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق الأوسط

هانا تيتيه... يد الأمم المتحدة لتفكيك الأزمة الليبية

لم تعبأ هانا تيتيه، المبعوثة الأممية إلى ليبيا، بكمّ «الانتقادات والاتهامات» التي توجَّه إلى البعثة، وأحياناً إلى شخصها، بقدر ما تركّز على إحداث اختراق في الأزمة السياسية المستعصية، أو تفكيكها على نحو يسمح بوضع البلد على مسار الانتخابات العامة. ربما ما يميّز الدبلوماسية الغانية المخضرمة تيتيه – التي هي الشخصية العاشرة التي تتولّى هذا المنصب منذ عام 2011 – أنها جاءت من خلفية قانونية وسياسية، قبل أن تراكم خبرة دبلوماسية تمتد لعقود على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. فمنذ أن تسلّمت مهام منصبها في 20 فبراير (شباط) 2025، وهي تقرأ في كفّ الأزمة بتمهل شديد، وتُطالع ملفاتها المعقّدة، وتجالس أقطابها المتنافرين بابتسامة هادئة علّها تعثر على خيط أو قاسم مشترك يعيد الأُلفة بين أركان البلد المتشظّي. قد تكون هذه هي المعركة الأهم في حياة الدبلوماسية الغانيّة هانا تيتيه، والمرحلة الأكثر أهمية لدى الليبيين الذين ملّوا الفترات الانتقالية و«الإخفاق الأممي». ذلك أن تيتيه التي شغلت حقيبتي التجارة الخارجية في بلدها غانا بين عامي 2009 و2017، تعمل راهناً، وأمامها تجارب أسلافها من المبعوثين مع ملفّ معقّد، ولذا فإنها تريد بالتأكيد تحقيق نجاح يكلّل مشوارها الأممي. خلال خمسة أشهر منذ حلّت على ليبيا، نال تيتيه شيء من غبار المعارك الكلامية واتهامات بـ«الانحياز»، ومبعث ذلك، القاعدة التي تعتمدها «الأطراف الفاعلة» بلسان حال يقول «من ليس معي فهو ضدي». لكن، رغم الصعاب، تمضي تيتيه إلى حيث مجلس الأمن الدولي هذا الشهر، لإعلان «خريطة طريق» سياسية، آملة في تفكيك أزمة استعصت على أسلافها التسعة، وكان آخرهم السنغالي المخضرم عبد الله باتيلي الذي ترك منصبه في مايو (أيار) 2024، متهماً قادة ليبيا بأنهم «أنانيون». ولدت هانا سيريوا تيتيه في مدينة سيغيد بجنوب شرقي المجر، لأب غانيّ وأمّ مجرية، يوم 31 مايو عام 1967. وتدرجّت في المراحل التعليمية في غانا وصولاً إلى مدرسة ويزلي الثانوية للبنات في مدينة كيب كوست الساحلية. وبعدها، حصلت على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة غانا، وانضمّت إلى نقابة المحامين في عام 1992 بعد إكمال الدراسات القانونية العليا في كلية الحقوق بالعاصمة الغانية أكرا. مع الإشارة إلى أن تيتيه قبل بداية حياتها المهنية السياسية، مارست المحاماة في قطاع الشركات. وأيضاً عُيّنت ميسِّرة مشاركة في «المنتدى السامي» لإحياء اتفاقية حل النزاع في جنوب السودان. تشمل مسيرة تيتيه المهنية بصفتها سياسية وإدارية انتخابها نائباً في البرلمان عن حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (يسار الوسط) لدائرة أوتو سينيا من عام 2000 إلى عام 2005، ثم عن دائرة أوتو سينيا الغربية من عام 2013 إلى عام 2017. وللعلم، فإن تيتيه التي تتكلّم بطلاقة اللغاتِ الإنجليزية والمجرية والفانتي (إحدى اللغات القبلية في غانا)، عيّنت قبل التحاقها بجهاز منظمة الأمم المتحدة عضواً بارزاً في مجلس وزراء حكومة غانا، حيث شغلت منصب وزيرة للتجارة والصناعة من عام 2009 إلى عام 2013، ثم وزيرة الخارجية حتى عام 2017، وكانت عضواً في مجلسي الأمن القومي والقوات المسلحة. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سلّط الضوء في إعلانه عن تعيين تيتيه مبعوثة أممية إلى ليبيا، على خبرتها الواسعة وشخصيتها القيادية، بعدّهما أساساً في مواجهة التحديات المعقدة في ليبيا. ويُذكر أن جانباً لا بأس به من هذه الخبرة جمعته تيتيه في أثناء عملها وزيرة للخارجية، إذ تقلّدت منصب رئيسة مجلس الوزراء ومجلس الوساطة والأمن في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بين عامي 2014 و2015. ثم إن للمبعوثة الأممية إلى ليبيا إسهامات ضمن صفوف فريق الإدارة الاقتصادية في غانا، حيث أسندت لها مناصب رئيسية مختلفة، بينها عضويتها في مجلس إدارة هيئة تنمية الألفية، ولجنة التخطيط الإنمائي الوطني، فضلاً عن تعيينها رئيسة مجلس المناطق الحرة في غانا. وفي الفترة الأخيرة، شغلت تيتيه منصب المبعوثة الخاصة للأمين العام لمنطقة القرن الأفريقي من عام 2022 إلى عام 2024. إلا أنها قبل ذلك كانت الممثلة الخاصة للأمين العام لدى الاتحاد الأفريقي ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي من عام 2018 إلى عام 2020، وفي وقت سابق من حياتها المهنية، شغلت منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي. بدا لكثير من الليبيين أن دراسة هانا تيتيه القانون أكسبتها روحاً تفاوضية محايدة. فهي متمسّكة بابتسامتها الهادئة ونبرات صوتها الخفيضة في مواجهة اتهامات بأنها «تدير الأزمة ولا تسعى إلى حلّها كباقي أسلافها؛ فتحوّلت بالتبعية من وسيط نزيه إلى جزء من الأزمة». غير أن تيتيه، التي تراهن على وحدة الليبيين وتماسكهم، تتغاضى وكأن شيئاً لم يكن، وتتجوّل بملف القضية محلياً وإقليمياً ودولياً، سعياً لإيجاد سبيل لتحييد الداعمين الخارجيين ودفعهم إلى دعم تحركها لخلخلة المعضلات التي أفشلت المسار الانتخابي قبل قرابة أربع سنوات. والواقع أن المبعوثة الأممية تعتقد أن حلاً قريباً يلوح في الأفق، لكنه يتطلّب شروطاً، وهي مع ذلك تحذّر من مرور ليبيا بـ«منعطف حاسم». إذ لا تمنعها لا دبلوماسيتها ولا حساسية موقعها وحسابات الربح والخسارة من القول إن «العديد من الليبيين يشعرون بخيبة أمل عميقة من طول الفترة الانتقالية، وفقدوا الثقة في المؤسسات والقيادة الحالية». من جهة أخرى، ربما تعجّلت تيتيه في توجيه الانتقادات إلى الأطراف السياسية المتنفذة. فقبل ثلاثة أشهر مدّت يدها إلى «عشّ الدبابير» ونكأت جرحاً يخشونه عندما قالت إن «المؤسسات الليبية كافة تجاوزت ولاياتها المتعلقة بالشرعية»، وهذه سيرة يكرهها مَن هم في سدّة الحكم كراهة التحريم. بكلام آخر، أسلوب المكاشفة الذي تتبعه تيتيه، وهي متكئة على جدار الأمم المتحدة، لا يرغب به جلّ الليبيين ولا ساستهم. غير أنها مع ذلك، تعرضت أيضاً في إحاطة سابقة لمجلس الأمن إلى ميزانية «صندوق إعادة الإعمار»، الذي يترأسه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»... والنتيجة مطالبة البعثة بمغادرة ليبيا «تواً». ولأن هذه هي المرحلة الأهم في حياة تيتيه السياسية والدبلوماسية، فهي تقاتل بصفتها يد الأمم المتحدة لتفكيك الأزمة وتيسير الحل بين الأفرقاء، متحمّلة في سبيل ذلك اتهام البعثة بالإخفاق في تقديم «حلول للأزمة». ومن ثم، تراهن المبعوثة - التي تتحضّر لطرح «خريطة» طريق سياسية أمام مجلس الأمن هذا الشهر- على مُخرجات اللجنة الاستشارية التي رعت أعمالها سابقاً، وتحديداً، لجهة قبول الأطراف السياسية بمسار قانوني يسمح بعقد الانتخابات العامة في توقيتٍ قريبٍ لإنهاء دوامة الفترات الانتقالية. ولكن، قبل التوجه إلى مجلس الأمن، استخدمت تيتيه أسلحتها بصفتها خبيرة قانونية ودبلوماسية مخضرمة، ودقّت جرس الإنذار من على منصة الاتحاد الأفريقي ليعلم الجميع عِظَم الأمر الذي تعيشه ليبيا في ظل الانقسام. لقد شدّدت المبعوثة على أهمية ملف المصالحة الوطنية، والحاجة الماسة إلى استقرار الوضع الأمني وتجاوز الجمود السياسي، بما يمكّن المواطنين الليبيين من التقدّم نحو بناء دولة مزدهرة وآمنة للجميع. وفي إحاطة إلى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي عبر «الإنترنت» الأسبوع الماضي من العاصمة طرابلس، قالت تيتيه إن نجاح خريطة الطريق المرتقبة «يتطلّب دعم الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن مجلس الأمن والمنظمات الأخرى والدول الأعضاء الحاضرة في لجنة المتابعة الدولية (عملية برلين)». بناءً عليه، ستكون الأشهر المقبلة حاسمة في المشوار المهني للمبعوثة الأممية؛ فهي من جهة تبتغي تجاوز الانقسام الجهوي في ليبيا بتوافق الأطراف على خريطة سياسية... فتضيف بذا إلى سجلها الأممي نجاحاً جديداً، ومن جهة ثانية تسعى إلى خلع «اتهام بالإخفاق» يلاحق الأمم المتحدة. شدّدت المبعوثة على أهمية ملف المصالحة الوطنية، والحاجة الماسة إلى استقرار الوضع الأمني وتجاوز الجمود السياسي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store