
الاكتئاب وصحة المعدة...علاقة خفيّة لا يجب تجاهلها!
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
لا يقتصر تأثير الاكتئاب على المشاعر والأفكار فقط، بل يمتد ليشمل وظائف الجسد، خاصة الجهاز الهضمي، وتحديدًا المعدة. فقد أثبتت الدراسات الحديثة وجود علاقة وثيقة بين الصحة النفسية وصحة الجهاز الهضمي، مما يبرز الدور المحوري الذي تؤديه الحالة النفسية في حدوث اضطرابات المعدة، مثل القرحة، والقولون العصبي، وحتى فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل.
يرتبط الجهاز الهضمي بشكل مباشر بالجهاز العصبي من خلال ما يُعرف بـ "محور الدماغ – الأمعاء"، وهو شبكة معقدة من الإشارات العصبية والهرمونية التي تنقل الرسائل بين الدماغ والأمعاء. وعندما يعاني الشخص من الاكتئاب، يحدث اضطراب في هذه الإشارات، مما يؤدي إلى تغيرات في إفراز العصارات الهضمية، وانقباض عضلات المعدة، وسرعة حركة الأمعاء أو بطئها، وهو ما قد يظهر على شكل حرقة في المعدة، غثيان، انتفاخ، أو حتى إمساك وإسهال متناوب.
كما أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب غالبًا ما يُظهرون حساسية مفرطة تجاه الألم، وهو ما يجعل الأعراض الهضمية أكثر إزعاجًا لديهم مقارنة بالأشخاص الأصحاء نفسيًا. وقد يتطور الأمر لدى بعضهم إلى ما يُعرف بـ "اضطرابات الأمعاء الوظيفية" مثل متلازمة القولون العصبي، وهي حالة شائعة تؤثر في ملايين الناس حول العالم، وتُعد الحالة النفسية أحد أبرز العوامل المحفزة لها.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال تأثير الاكتئاب في سلوكيات الأكل، حيث يلجأ بعض المصابين إلى الإفراط في تناول الطعام، لا بدافع الجوع، بل كمحاولة لا واعية للهروب من الألم النفسي أو لملء فراغ داخلي يسببه الحزن والشعور بالوحدة. في المقابل، هناك من يفقد شهيته كليًا، نتيجة لانعدام المتعة وانخفاض الدافع، وهي من الأعراض الأساسية للاكتئاب. كلا السلوكين يحملان عواقب جسدية مباشرة، إذ قد يؤدي الإفراط في الأكل إلى عسر الهضم، وزيادة الوزن، وتراكم الدهون الحشوية التي تضع ضغطًا على المعدة والأمعاء. أما الامتناع عن الأكل، فقد يؤدي إلى فقدان الوزن بشكل غير صحي، وهزال عضلي، واضطراب في توازن الأملاح والفيتامينات، مما ينعكس سلبًا على وظائف الجهاز الهضمي واستقراره.
ولا يقتصر التأثير في السلوك الغذائي فحسب، بل يمتد إلى التفاعل بين الأدوية النفسية والجهاز الهضمي. فبعض مضادات الاكتئاب الشائعة، مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، قد تؤدي إلى أعراض مزعجة في المعدة، أبرزها الغثيان، وفقدان الشهية، والإسهال. كما أن هذه الأعراض قد تزيد من حدة التوتر لدى المريض، ما يفاقم حالته النفسية ويخلق حلقة مفرغة بين الألم الجسدي والمعاناة النفسية.
وفي ظل هذه العلاقة المتشابكة، تتجلى أهمية المعالجة المتكاملة التي لا تركز فقط على الجانب الجسدي، بل تُعنى أيضًا بإعادة التوازن النفسي والعاطفي. فالعلاج النفسي السلوكي المعرفي يُساعد المرضى على فهم أنماط التفكير السلبية وتعديلها، مما يُقلل من السلوكيات الغذائية المضطربة. وتقنيات الاسترخاء مثل التأمل وتمارين التنفس العميق تُسهم في تخفيف توتر الجهاز العصبي اللاإرادي، وبالتالي تهدئة الجهاز الهضمي. أما التغذية المتوازنة، فهي تشكّل ركيزة أساسية في تحسين كيمياء الدماغ وتحفيز إفراز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج، كالسيروتونين والدوبامين.
أخيراً، لا بد من التأكيد على أن فهم الترابط العميق بين الاكتئاب وصحة المعدة لم يعد ترفًا علميًا أو تفصيلًا ثانويًا في مسار العلاج، بل أصبح ضرورة طبية ملحّة. إذ أن الاقتصار على معالجة الأعراض الجسدية دون الالتفات إلى الأسباب النفسية قد يطيل أمد المعاناة ويُضعف فعالية العلاج. أما عند مواجهة المشكلة من جذورها، نفسية كانت أم جسدية، فإن الطريق نحو الشفاء يصبح أكثر وضوحًا، وأكثر استقرارًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 5 ساعات
- الديار
"يحارب القلق والاكتئاب"... فوائد غير شائعة لشرب الماء
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب يعرف كثيرون أن شرب المياه بكميات كافية يوفر الكثير من الفوائد الصحية للجسم والبشرة، إلا أن هناك دراسات تؤكد أن الماء مرتبط أيضاً بمحاربة القلق والاكتئاب والأمراض النفسية وهي معلومات غير شائعة عن كثير من الناس. فبينما يؤدي عدم شرب الماء إلى الجفاف الشديد وبالتالي الإصابة بالهذيان وضعف وظائف المناعة والكلى والجهاز الهضمي، ما يسبب في دخول الفرد إلى المستشفى، فإن الجفاف الخفيف يمكن أن يؤدي إلى بعض الأعراض مثل الصداع، وسرعة الانفعال، وانخفاض الأداء البدني، وضعف الوظائف الإدراكية، وفقاً لموقع "psychologytoday". وأظهرت دراستان آثار الجفاف الخفيف على الصحة النفسية. فقد كشفت دراسة إسبانية أجريت على 65 طالبة جامعية وجود علاقة بين الجفاف الخفيف والقلق. مستويات قلق عالية وأظهرت الدراسة أن أكثر من 90 في المئة من المشاركات لم يشربن كمية كافية من الماء لتعويض السوائل التي فقدت من أجسامهن على مدار اليوم. وأظهرت أن أكثر من 90 في المئة من المشاركات (يعانين في الغالب من جفاف خفيف) بمستويات قلق عالية نسبياً، تتجاوز الحدود الطبيعية. وفي دراسة ثانية شملت أكثر من 3 آلاف مشارك، ظهر ارتباط آخر بين انخفاض تناول الماء وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب. قسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تتناول أقل من كوبين من الماء يومياً، وأخرى تشرب من كوبين إلى خمسة أكواب يومياً، ومجموعة تتناول أكثر من خمسة أكواب يومياً. ووجدت الدراسة علاقة عكسية بين تناول الماء والاكتئاب أي كلما قلت كمية المياه التي يتناولها الشخص، زادت لديه أعراض الاكتئاب. استراتيجية منخفضة التكلفة من جانبه، قال الدكتور كلاي درينكو، أستاذ ومؤلف كتاب حول الصحة النفسية أن الدراسات تركز على اثبات الفوائد الجسدية لشرب المياه أكثر من تلك التي تركز على الحالة النفسية، مضيفاً "فالجفاف الشديد يؤدي إلى الارتباك والهذيان وضعف وظائف المناعة والكلى والجهاز الهضمي. وهذا يسبب دخول المستشفى، ولذلك يجب تجنبه". كما تابع "شرب كميات وفيرة من الماء يومياً هو استراتيجية منخفضة التكلفة لمكافحة الصداع، والتعب، وضعف الأداء البدني والإدراكي، وحتى الاكتئاب والقلق". وينصح الأطباء والخبراء بعدم إهمال تناول ما يكفي من المياه خلال النهار، للحفاظ على جسم صحي ومتوازن.


الديار
منذ 10 ساعات
- الديار
بعد شفائها ممثلة قديرة تُصاب من جديد بمرض السرطان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كشفت الممثلة السورية القديرة حنان اللولو عن إصابتها من جديد بمرض السرطان بعد شفائها منه أوّل مرّة. وتحدثت حنان عن الصعوبات التي تواجهها بسبب قلة العمل وتأثرت أثناء الحديث عن فقدانها لشعرها نتيجة الجرع الكيميائية التي أخذتها. وقالت انها خضعت لعملية استئصال الورم وثلاثة أرباع معدتها وليس لديها القدرة على تحمل تكاليف بقيّة العلاج.


الديار
منذ 17 ساعات
- الديار
دراسة تكشف سر فرق الطول بين النساء والرجال
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب لطالما شكل الفرق في الطول بين الرجال والنساء أحد أكثر الفوارق الجسدية وضوحا بين الجنسين، حيث يبلغ متوسط الفرق نحو 13 سم لصالح الرجال. وبينما كان يعزى هذا الفرق تقليديا لتأثير الهرمونات الجنسية، إلا أن دراسة حديثة أجراها باحثون أميركيون ونشرت في مجلة PNAS، كشفت عن آليات جينية معقدة تلعب دورا أساسيا في هذه الظاهرة، بمعزل عن العوامل الهرمونية. واعتمدت الدراسة على تحليل ضخم شمل بيانات 928605 مشاركا بالغا من ثلاث قواعد بيانات جينية رئيسية، بما في ذلك 1225 شخصا يعانون من اضطرابات في عدد الكروموسومات الجنسية. ومن خلال استخدام نماذج إحصائية متقدمة، تمكن الباحثون من عزل تأثير الكروموسومات الجنسية عن تأثير الهرمونات الذكرية، ليخلصوا إلى اكتشاف مفاده أن الكروموسوم Y يساهم في زيادة الطول بشكل أكبر مقارنة بالكروموسوم X الإضافي، حيث قد يفسر وجوده ما يصل إلى 22.6% من الفرق في الطول بين الجنسين. ويكمن السر الجيني في منطقة PAR1 الصغيرة من الكروموسومات الجنسية، وهي المنطقة الوحيدة التي تتشابه فيها تسلسلات الكروموسومين X وY. وتحتوي هذه المنطقة على جين SHOX الحاسم في تنظيم النمو، والذي يظهر تعبيرا مختلفا بين الجنسين بسبب آلية تعطيل الكروموسوم X في الإناث. فبينما يتمتع الذكور بنسختين نشطتين من الجين (واحدة على X والأخرى على Y)، فإن الإناث لديهن نسخة واحدة نشطة بالكامل والأخرى معطلة جزئيا، ما يؤدي إلى مستويات أقل من بروتين SHOX في أنسجتهن العضلية الهيكلية. وتكتسب هذه النتائج أهمية خاصة عند دراستها في سياق الاضطرابات الكروموسومية. فالذكور الذين يحملون كروموسوم Y إضافيا (النمط النووي 47,XYY) - في ما يعرف بمتلازمة XYY - يظهرون زيادة ملحوظة في الطول، بينما الإناث اللاتي يعانين من متلازمة تيرنر (45,X) - عندما يمتلكن نسخة واحدة فقط من الصبغة X في خلاياهم - يقصرن بشكل واضح. كما أن الطفرات في جين SHOX تؤثر على الذكور أكثر من الإناث، ما يؤكد الدور المركزي لهذا الجين في الفروق الجنسية للطول. ولا تقتصر أهمية هذه الاكتشافات على فهم الفروق في الطول فحسب، بل تمتد لتشمل مضامين أوسع في مجال الطب الدقيق. فالفهم الأعمق للآليات الجينية الكامنة وراء التباينات بين الجنسين يمكن أن يلقي الضوء على أسباب الاختلافات في معدلات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، والاضطرابات العصبية النفسية، والاستجابات المختلفة للعلاجات الدوائية بين الرجال والنساء. كما تفتح هذه النتائج آفاقا جديدة في دراسة تأثير الجينات الموجودة في المنطقة الزائفة الذاتية PAR1 على السمات والاضطرابات الأخرى المرتبطة بالجنس.