
'البابا بيوس التاسع' صاحب أطول فترة بابوية في تاريخ الفاتيكان
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
تصاعد دخان أبيض من مدخنة كنيسة السيستين في الفاتيكان اليوم الخميس، ودقت أجراس كنيسة القديس بطرس معلنة انتخاب الكرادلة بابا جديدًا لخلافة البابا فرانشيسكو وتولّي مسؤولية الكنيسة الكاثوليكية.
في لحظة تاريخية شهدها العالم اليوم، أعلن الفاتيكان انتخاب الكاردينال الأميركي بريفوست بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية، تحت اسم 'ليو الرابع عشر'، ليكون بذلك أول أميركي يعتلي السدة البابوية.
ومع تسلّمه مقاليد القيادة الروحية لأكثر من مليار كاثوليكي حول العالم، تعود الأنظار إلى تاريخ المنصب البابوي الذي شهد تحولات مذهلة عبر القرون، أبرزها ما ارتبط بفترة البابا بيوس التاسع، صاحب أطول فترة بابوية في تاريخ الفاتيكان.
ولد جيوفاني ماريا ماستي-فيريتي، المعروف لاحقاً بالبابا بيوس التاسع، يوم 13 مايو 1792 في مدينة سينيغاليا الإيطالية. وبعد وفاة البابا غريغوري السادس عشر عام 1846، تم انتخابه في عمر الرابعة والخمسين ليصبح الحبر الأعظم. تميزت بداية عهده بنهج ليبرالي وإصلاحي، حيث سعى إلى تحديث آليات الحكم داخل الدولة البابوية، معتمداً مبدأ حرية الصحافة، وإنشاء مجالس لتمثيل مطالب الشعب، بل وحتى السماح بتوثيق لحظاته بالتصوير الفوتوغرافي، ليكون أول بابا تُلتقط له صورة.
غير أن رياح التغيير السياسي التي عصفت بأوروبا منتصف القرن التاسع عشر أثرت على مسار بيوس التاسع. فقد عاصر ما يُعرف بـ'ربيع الشعوب' عام 1848، ووجد نفسه مضطراً لاتخاذ مواقف سياسية شديدة الحساسية، مناهضاً للتدخل النمساوي ومتردداً في دعم الحركات الثورية. ومع تصاعد جهود توحيد إيطاليا بقيادة شخصيات مثل غاريبالدي ومازيني، حاول البابا الدفاع عن استقلال الدولة البابوية، التي كانت قائمة منذ ما يزيد عن ألف عام.
لكن مع هزيمة فرنسا أمام بروسيا عام 1870، فقدت الدولة البابوية آخر حلفائها، مما مهّد الطريق لدخول الجيش الإيطالي بقيادة الجنرال كادورنا إلى روما، وإنهاء الوجود السياسي للدولة البابوية. وهكذا، تحولت روما إلى عاصمة لإيطاليا الموحدة، بينما اكتفى البابا بالسيادة الرمزية على الفاتيكان، واصفاً نفسه بـ'أسير الفاتيكان'.
توفي بيوس التاسع في 7 فبراير 1878 بعد أن أمضى 31 عاماً و7 أشهر و23 يوماً في منصبه، لتسجل فترته كالأطول في تاريخ البابوية بعد القديس بطرس. وقد ترك بصمة متناقضة تجمع بين الانفتاح والإصلاح من جهة، والتشدد العقائدي والرفض السياسي من جهة أخرى، خاصة مع تبنيه مبدأ عصمة البابا عام 1870 خلال المجمع الفاتيكاني الأول.
وفيما يبدأ البابا الجديد 'ليو الرابع عشر' فصلًا جديدًا من تاريخ الفاتيكان، تظل فترة بيوس التاسع محطة مركزية في فهم تعقيدات التحول السياسي والديني الذي شهدته الكنيسة الكاثوليكية خلال العصور الحديثة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لكم
١١-٠٥-٢٠٢٥
- لكم
في أول قداس له.. البابا الجديد يناشد العالم بوقف الحروب
ناشد البابا ليو الرابع عشر القوى العالمية الكبرى 'وقف الحروب'، في أول قداس له يوم الأحد أمام الحشود في ساحة القديس بطرس منذ انتخابه حبرا أعظم. ودعا البابا الجديد، الذي انتُخب في الثامن من ماي، إلى 'سلام حقيقي ودائم' في أوكرانيا ووقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن. كما رحب بوقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الهند وباكستان ليلة السبت، وقال إنه يدعو الله أن يمنح العالم 'معجزة السلام'. وقال البابا 'لا لمزيد من الحرب!'، مكررا دعوة أطلقها سلفه البابا الراحل فرنسيس مرارا، ومشيرا إلى الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة نحو 60 مليون شخص. وأشار البابا ليو إلى أن عالم اليوم يعيش 'سيناريو مأساويا لحرب عالمية ثالثة تدور رحاها على مراحل'، مكررا مرة أخرى عبارة صاغها فرنسيس. وقال البابا الجديد إنه يحمل في قلبه 'معاناة شعب أوكرانيا الحبيب'. ودعا إلى إجراء مفاوضات للتوصل إلى 'سلام حقيقي وعادل ودائم'. كما عبر عن 'حزنه العميق' إزاء الحرب في غزة، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية وإطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى حماس. وعبر البابا عن سعادته لسماع نبأ وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، وعن أمله في أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق دائم بين الجارتين المسلحتين نوويا. وقال 'لكن هناك الكثير من الصراعات الأخرى في العالم!'.


أخبارنا
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة يهنئ البابا ليون الرابع عشر بعد انتخابه بالإجماع
في لحظة وُصفت بالتاريخية، ومع إعلان الكنيسة الكاثوليكية عن انتخاب البابا الجديد، تقدم رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، القس آدم الرباطي، بخالص التهاني وأصدق عبارات التبريك لقداسة البابا ليو الرابع عشر، الذي اعتلى سدة الفاتيكان بعد انتخابه بالإجماع من قبل الكرادلة المجتمعين في الكونكلاف المقدس. وأعرب القس الرباطي، في رسالة تهنئة رسمية، عن الأمل في أن يوفق الله البابا الجديد في مهامه الروحية والإنسانية، قائلًا: "نصلي أن يمنح الله البابا ليو الرابع عشر روح الحكمة والمحبة، ليقود الكنيسة الكاثوليكية في جميع دروب الخدمة، وتحقيق السلام، ودعم كرامة الإنسان في كل مكان". وأضاف الرباطي أن انتخاب بابا جديد ليس حدثًا دينيًا يهم أتباع الكنيسة الكاثوليكية فقط، بل هو أيضًا لحظة تنويرية تعني كل المؤمنين حول العالم، لما للكنيسة من دور روحي وأخلاقي يمتد خارج أسوار الفاتيكان. وفي السياق ذاته، عبّر اتحاد المسيحيين المغاربة عن اعتزازه بالعلاقات الأخوية التي تربط بين الكنائس والمؤسسات الدينية، مؤكدًا على أهمية التواصل الروحي والانفتاح بين مختلف مكونات النسيج الديني العالمي، ومشيدًا بما تمثله شخصية البابا الجديد من قيم الاعتدال والحكمة، والدعوة إلى الحوار والتسامح. ويأتي انتخاب ليو الرابع عشر، وهو الاسم البابوي الذي اختاره الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست، بعد تصويت جرى داخل كنيسة سيستين الشهيرة، حيث اجتمع 133 كاردينالًا من شتى بقاع الأرض في مجمع انتخابي مغلق، وفقًا للتقاليد الراسخة للكنيسة الكاثوليكية. وحصل بريفوست على غالبية الثلثين، ما مهّد الطريق أمام الإعلان الرسمي من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بصيحة "Habemus Papam"، أي "لدينا بابا"، وهو الإعلان الذي يتردد صداه في قلوب الملايين من المؤمنين، الذين ينتظرون كل مرة إشراقة روحية جديدة من قلب الفاتيكان. ويختم اتحاد المسيحيين المغاربة، الذي يتخذ من الرباط مقرًا له، تهنئته بالدعاء أن تكون ولاية البابا الجديد عنوانًا لمرحلة جديدة من السلام العالمي، والتقارب بين الأديان، وترسيخ القيم الإنسانية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، مجددًا التزامه كهيئة دينية وطنية بالمساهمة في نشر المحبة والوئام بين بني البشر، في مغرب التنوع والتعايش.


أخبارنا
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
من يكون "ليو 14" البابا الجديد للفاتيكان؟
في لحظة فارقة من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، انتُخب الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست بابا جديدًا خلفًا للبابا الراحل فرنسيس، ليصبح بذلك أول أمريكي يعتلي كرسي البابوية على الإطلاق، والبابا رقم 267 في تاريخ الفاتيكان، بعد أن حظي بثقة 133 كاردينالًا من 70 دولة. وقد اختار اسم "ليون الرابع عشر" ليقود به الكنيسة الكاثوليكية نحو مرحلة جديدة، مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية والروحية. البابا الجديد، البالغ من العمر 69 عامًا، وُلد يوم 14 شتنبر 1955 في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وينحدر من أصول فرنسية وإيطالية وإسبانية. مسيرته العلمية بدأت بدراسة الرياضيات والفلسفة، قبل أن ينخرط في سلك الرهبنة، ويصبح عضوًا بارزًا في رهبنة القديس أوغسطين، ويُنتخب رئيسًا عامًا لها سنة 2001، وهو المنصب الذي شغله حتى سنة 2013. لكن أبرز محطات مساره، حسب المتابعين، تبلورت في أمريكا اللاتينية، حيث عمل مبشرًا في بيرو لسنوات طويلة، وخدم لاحقًا كأسقف لمدينة شيكلايو منذ 2014، قبل أن يستدعيه البابا فرنسيس إلى الفاتيكان سنة 2023 ليشغل منصب رئيس دائرة الأساقفة، وهي تجربة منحته قربًا مؤسساتيًا وروحيًا من قضايا الكنيسة عبر العالم، وخصوصًا الجنوب العالمي. من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس، وجه البابا ليون الرابع عشر أول نداء له إلى شعوب العالم، دعا فيه إلى السلام وبناء الجسور، مشددًا على أن "الإنجيل ليس دعوة إلى العزلة، بل إلى الحوار والتقارب". واقتبس من القديس أوغسطين جملة لافتة: "من أجلكم، أنا أسقف؛ ومعكم، أنا مسيحي"، في إشارة رمزية إلى التواضع والاقتراب من الناس، بعيدًا عن هالة السلطة الدينية. في موقف لافت أثار انتباه وسائل الإعلام، رد البابا الجديد، عبر تدوينة سابقة، على نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، الذي قال إنه "يرتب محبته حسب الأولويات، واضعًا عائلته أولًا وباقي العالم أخيرًا"، مؤكدًا أن المسيحية لا تدعو إلى التدرج في المحبة، بل إلى الانفتاح الكلي على الجميع. ورغم الاستبشار الكبير بانتخابه، إلا أن البابا الجديد يواجه تحديات ثقيلة. فقد سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على اتهامات طالته بعدم دعمه الكافي لضحايا اعتداءات جنسية ارتكبها كاهنان في أبرشية شيكلايو، عندما كان مسؤولًا عنها، وهي قضية يُرتقب أن تعود للواجهة. كما أشار تقرير حديث إلى تحفظه النسبي بشأن قضايا LGBTQIA+، وهو ما يثير تباينات داخل أوساط الكرادلة والمجتمع الكاثوليكي، خاصة في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية العميقة التي تعيشها الكنيسة. يبقى انتخاب بابا من الولايات المتحدة تطورًا لافتًا في معادلة القوى داخل الكنيسة، وقد يكون رسالة ضمنية إلى أهمية الحضور الأمريكي – اللاتيني في قلب القرار الكنسي، في عالم يزداد انقسامًا بين شمال غني وجنوب يعاني، وبين خطاب ديني منفتح وآخر أكثر محافظة.