
صورة اليهود في القرآن الكريم
د. عبدالله الأشعل **
الحديث عن بني إسرائيل واليهود منهم شغل حيزًا كبيرًا من القرآن الكريم. ونسارع في القول إنَّ الصهيونية مشروع سياسي، ولكن اليهودية شريعة مقدسة وهي طبقة من طبقات الإسلام تطبيقاً لقوله تعالى: "
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
" (المائدة: 5)، وقال أيضًا "إِ
نَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
" (آل عمران: 19)، وقوله تعالى: "
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ
" (آل عمران: 85)
ورغم المسافة الفاصلة بين الصهيونية واليهودية، فإنَّ رجال الدين من الصهاينة يستخدمون اليهودية لتحقيق الصهيونية بأكاذيب وتلفيقات تعودوا عليها. ونريد أن نوضح ما يقوله الصهاينة من مقولات من القرآن الكريم.
المقولة الأولى "شعب الله المختار" من قوله تعالى "
وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
" (البقرة: 47). وبالفعل الله سبحانه اختار بني إسرائيل لكي يبعث فيهم ومنهم موسى عليه السلام، وعددا من أنبياء الله، والله أعلم بنواياهم ومآلاتهم، وكان لا بُد أن يبدأ عصر الرسالات من بني إسرائيل ولم يقل المسلمون أنهم شعب الله المختار لمجرد أنَّ الله اعتبرهم الأمة الوسط ليكونوا شهداء على النَّاس من شعوب أخرى وكذلك لأنَّ الله اختار محمدا الرسول الكريم لكي يكون آخر الأنبياء والرسل ولكى يقول الله فيه (وإنك على خلق عظيم)، وأن القرآن الكريم آخر اتصال بين السماء والأرض وأن سنة الرسول الكريم مع القرآن الكريم هي المصدر الأساسي لكل تشريع. فالله قد وضع معيارا للفرد فقال الله سبحانه وتعالى إن الناس تتفاضل عنده بالتقوى وليس له شعب مختار كما أن الرسول الكريم قال أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا.
أما تعدد الأنبياء في بني إسرائيل إضافة إلى عيسى عليه السلام؛ فهذا دليل ليس على القرب من الله، ولكن دليل على استعصاء حالتهم وكفرهم والحاجة إلى أكثر من رسول ورسالة، فإذا رأيت الأطباء يزدحمون على بيت المريض؛ فمعناه أنَّ الداء عضال واستدعى كل هذا العدد من الأطباء وليس ميزة للمريض أن يزدحم الأطباء على منزله. ولكن الله سبحانه اختار بني إسرائيل لأول رسالة امتحاناً لهم وفتنة لجموعهم وفي النهاية حكم الله عليهم بقوله في محكم الآيات:(
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)
وقوله تعالى: "
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
" (البقرة: 80)، وتحذير القرآن الكريم لرسولنا الكريم من اليهود والنصارى الذين حرفوا كتبهم المقدسة.
وإذا كان اليهود قد ارتكبوا الجرائم التي سنفصلها فيما بعد، فإن الصهيونية أشد إجراما من اليهود وأداة جرائم الصهيونية أنهم ينسبون لليهودية كل جرائم الصهيونية.
المقولة الثانية: أنه وهب فلسطين لهم لقوله تعالى "
اسكنوا الأرض
" (الإسراء: 104)، وهذا تفسير ينسب إلى الله ما لا يقصده، وهذا دأبهم. والحقيقة أنَّ الأرض كلها لله وأن الله لم يخصص أرضا مُعينة لشعب معين ولكنه خصَّ بالذكر المساجد والمسجد الحرام والمسجد الأقصى اللذين ورد ذكرهما صراحة في القرآن الكريم.
والخلاصة أنه لا يجوز تفسير القرآن الكريم لغايات سياسية لأن اليهود لو كانوا عملوا بما في التوراة لكان الله رضي عنهم، ولكن ذمهم في آيات كثيرة وخصهم بالجرائم الآتية:
التقول على الله سبحانه وتعالى.
الكفر بالله.
التحايل على الله في قصة البقرة وقصة السبت.
أكل السحت.
أكل مال الناس بالباطل.
قتل الأنبياء.
الادعاء بأنَّ لهم إله آخر غير إله البشر، وهذه صورة من صور كفرهم، فكما تقوَّل النصارى على عيسى ابن مريم، تقوَّل اليهود على موسى وهارون وأبسطها أن موسى عندما تركهم ليتلقى الألواح وترك فيهم أخاه هارون، عاد ليجدهم يعبدون العجل ويسألون موسي عن الأوثان التي يعبدونها أسوة بالأقوام الأخرى التي لم يُبعث فيها رسول ولم تصلهم رسالة، كما أنهم طلبوا من موسى أن يظهر أدلة نبوته وهذه صورة من صور كفرهم.
"
وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا
" (النساء: 160).
أكرمهم الله بأن بعث منهم أول رسول واختارهم وفضلهم بهذه الرسالة الأولى على العالمين، لكنهم فسروها تفسيرا مصلحيًا، إضافة إلى أنهم كفروا ثم آمنوا عدة مرات وعفى الله عنهم ولكنهم كفروا في النهاية وأعد لهم عذابا عظيما، وتحداهم الله إن كانوا صادقين بأن يتمنوا الموت وهو أعلم بخلقه ولذلك حسم القرآن الكريم هذه المسألة بأنهم لن يتمنوا الموت لأنهم أحرص الناس على أي حياة ويخافون من الموت ويثيرون الفتن؛ فالعيب فيهم لا في الشعوب التي يعيشون معهم وهم مضطهدون لسوئهم وليس لعبقريتهم كما زعم المشروع الصهيوني.
ولو أنصفوا لأدركوا أن الله سبحانه يعلم كذبتهم الكبرى وهي ملكهم لأرض فلسطين؛ فالله سبحانه لا يوزع الأراضي حتى على الصالحين، فما بالنا باليهود الذين جعل منهم الله القردة والخنازير ولعنهم الله في القرآن الكريم، وذكر في القرآن الكريم أنه كتب عليهم الشتات، لقوله تعالى "
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا
" (الأعراف: 168)، ولذلك فإنَّ جمعهم في إسرائيل- كما يقول علماء الدين- إشارة إلى ما ورد في سورة الإسراء أن الله يُبيدهم في مكان واحد؛ فتجميعهم وفق المشروع الصهيوني خطر عليهم، وهم زعموا أن الفلسطينيين هم الذين اغتصبوا أرضهم وشتتوهم وسموا الشتات "Diaspora"؛ فمصيرهم في القرآن الكريم الفناء وموضوع وعد الآخرة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عمان اليومية
منذ 10 ساعات
- عمان اليومية
جلالته يُهنئ رئيس الكاميرون بالعيد الوطني لبلاده
جلالته يُهنئ رئيس الكاميرون بالعيد الوطني لبلاده العُمانية: بعث حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- برقية تهنئة إلى فخامة الرئيس بول بيا رئيس جمهورية الكاميرون بمناسبة العيد الوطني لبلاده. أعرب فيها عن تمنياته الطيبة لفخامته بالتوفيق والسداد لتحقيق المزيد من الإنجازات والتطلعات خدمة لمصالح شعب بلاده الصديق، ولعلاقات التعاون بين البلدين استمرار التقدم والنمو على مختلف المجالات.


الشبيبة
منذ 13 ساعات
- الشبيبة
جلالة السُّلطان يصدر مرسومًا سلطانيًّا بتعيين سفير في بنغلاديش
مسقط- العُمانية أصدر حضرةُ صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم / حفظه الله ورعاه / اليوم مرسومًا سلطانيًّا ساميًا، فيما يأتي نصه: مرسوم سلطاني رقم (50 / 2025) نحن هيثم بن طارق سلطان عُمان بعد الاطلاع على النظام الأساسي للدولة، وعلى قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 22 / 2025، وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة، رسمنا بما هو آت المادة الأولى: يمنح الوزير المفوض جميل بن حاجي بن إسماعيل البلوشي وظيفة سفير ويعين سفيرا لنا فوق العادة، ومفوضا لدى جمهورية بنغلاديش الشعبية. المادة الثانية: يُنشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، ويُعمل به من تاريخ صدوره. صدر في: 21 من ذي القعدة سنة 1446 هـ الموافق: 19 من مايو سنة 2025 م


الشبيبة
منذ 15 ساعات
- الشبيبة
موسى الفرعي يكتب للشبيبة: السلام في ظلال السياسة العمانية
تتجاذب المنطقة رياح المتغيرات، وتأخذ التوترات في عالمنا الحديث أشكالا جديدة، مما يشكّل ظلالا ثقيلة على الشعوب الحالمة بالسلام، وفي خضم هذا الواقع المليء بالتناقضات نجد أن السياسة العمانية ثابتة على مبدأ واحد وساعية إلى عالم قائم على العدالة والإنسانية، السلام بمفهومه الأعم الذي يشمل بناء علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم والحوار. من هذا المنطلق يمكننا قراءة نزوع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أعزه الله إلى الإنسانية والسلام وهما المبدأ الذي اعتادت الدولة البوسعيدية أن تعززه دائما على مر العصور، فمنذ ان كانت وهي منارة للسلام، مهما تبدلت الأسماء وتغيرت الأزمنة إلا أن الحياة تعني مساحة لغرس قيم السلام والتسامح الذي يبدأ من الداخل وتكبر دوائره لتشكل العالم المحيط بها، فكل كلمات جلالته وسعيه تتسم بالتوازن بين الواقعية والأمل، وتفتح دائما آفاقا ممكنة للسلام، مدركا أن السلام ليس اتفاقات وأوراقا بل استمرارية تتطلب التزاما جماعيا من كافة الأطراف، وقد استمعنا جميعا إلى كلمة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد ممثلا لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في القمة الخليجية الأمريكية التي احتضنتها الرياض مؤخرا، ولم يكتفِ صاحب السمو بالأبعاد السياسية للقضية الفلسطينية والعلاقات الإيرانية الأمريكية ومحفزاتها للسلام في المنطقة، بل تطرق إلى الأبعاد الإنسانية التي تشكل جوهر الصراع، وذلك لأن العدالة ليست مجرد حق يطالب به، بل واجب إنساني ينبغي على الجميع السعي لتحقيقه، وما تلك الكلمات سوى انعكاس لفلسفة جلالة السلطان هيثم بن طارق أبقاه الله، التي تتجاوز الجغرافيا لتصل إلى أعمق نقطة في الروح الإنسانية، حيث يكون السلام حقاً طبيعياً لكل إنسان. حتما لن يكون الطريق إلى السلام ممهدا وسهلا، ولكنه يستحق أن نعيش به ولأجله، رغم كل التحديات، ورغم بعض الحكومات التي تجيد غض النظر، ولكن الأمل يشرق دائما من مرايا الشعوب، من إيمانهم بالقضية العادلة، من ضرورة أن يكون السلام وسيلة لتشييد عالم مسكون بالعدالة والكرامة.