logo
الأردن: من إدارة الروتين إلى صناعة المستقبل – رؤية لنهج وطني جديد

الأردن: من إدارة الروتين إلى صناعة المستقبل – رؤية لنهج وطني جديد

عمونمنذ 21 ساعات
يقف الأردن اليوم أمام تحدٍّ استراتيجي يتمثل في إعادة صياغة أسلوب إدارة الدولة، بما يتجاوز الممارسات التقليدية التي أثبتت محدوديتها، نحو نموذج حديث قادر على تحويل الإمكانات المتاحة إلى نتائج ملموسة. التحدي الحقيقي ليس في حجم الموارد ولا في توفر الكفاءات، بل في هيكل التفكير وأساليب العمل التي ما زالت تعتمد على أدوات قديمة لإنتاج حلول لقضايا جديدة، في وقت تتطلب فيه المرحلة نهجًا مختلفًا، جريئًا، ومنفتحًا على الابتكار.
تؤكد الخطابات الملكية المتعاقبة على أن مواجهة تحديات المستقبل لا يمكن أن تتم بعقلية الماضي، وأن المطلوب هو قرارات وإجراءات عملية تتجاوز حدود الخطط المعلنة والزيارات الميدانية، لتصل إلى منظومة إنتاج سياسات متكاملة تُختبر في بيئة فعلية قبل تعميمها، وتُقاس نتائجها وفق معايير أداء واضحة ومؤشرات كمية، لا على أساس الانطباعات أو الشعارات. هذا التحول يقتضي أن يصبح الأردن مختبرًا وطنيًا مفتوحًا للتجربة والتقييم، مع إتاحة مساحة آمنة للفشل الجزئي بما يمنع تكراره على المستوى الوطني.
النهج المقترح يقوم على إعادة هندسة منظومة صنع القرار الحكومي، من خلال الانتقال من النمط القطاعي المغلق إلى نماذج شبكية تكاملية. فبدل أن تعمل الوزارات كوحدات منفصلة، يجري تشكيل فرق عمل عبر-قطاعية تجمع الموارد والخبرات من وزارات ومؤسسات مختلفة لمعالجة ملفات محددة. على سبيل المثال، يتم التعامل مع تحديات المياه من خلال دمج جهود قطاع المياه والزراعة والطاقة ضمن خطة موحدة، أو ربط التعليم بسوق العمل من خلال تكامل أدوار التربية والتعليم والعمل والصناعة. في هذا الإطار، يتغير دور الوزير من مشرف إداري إلى قائد استراتيجي للفريق، يمتلك صلاحيات مباشرة لاتخاذ القرار وتنفيذه.
كما أن إشراك المواطن في صياغة السياسات يصبح عنصرًا جوهريًا في المنظور الجديد. الخطابات الملكية تؤكد أن المواطن هو محور العملية الإصلاحية وغايتها، ما يتطلب الانتقال من علاقة الدولة بالمواطن كمقدّم خدمة لمتلقيها، إلى علاقة شراكة في التشخيص والحل. يتحقق ذلك عبر منصات رقمية متاحة للجميع، تتيح تقديم مقترحات عملية للمشكلات القائمة، وتوفير آلية تصويت شعبي تمنح المقترحات المدعومة فرصة التنفيذ التجريبي السريع، على أن تُقيّم النتائج بشفافية كاملة قبل التوسع في التطبيق. هذا المسار يحوّل طاقة النقد الاجتماعي إلى طاقة ابتكار وإنتاج حلول قابلة للتنفيذ.
على المستوى التشغيلي، يفرض النهج الجديد الانتقال من سياسة الاستجابة للأزمات إلى سياسة الاستباق والوقاية. وهذا يتطلب بناء منظومة رصد مبكر للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية باستخدام أدوات التحليل المتقدم والبيانات الضخمة، بحيث يمكن التدخل في الوقت المناسب لمعالجة بؤر الخطر. إذا كشفت المؤشرات مثلًا عن ارتفاع متسارع في معدل البطالة بين الشباب في محافظة معينة، فإن التدخل يجب أن يبدأ فورًا ببرامج تشغيل وتدريب موجهة، بدل الانتظار حتى تتحول المشكلة إلى أزمة وطنية.
الشفافية في هذا السياق ليست خيارًا تزيينيًا، بل ركيزة تنفيذية في إدارة الأداء. كل مشروع حكومي في الرؤية الجديدة يمثل عقدًا اجتماعيًا علنيًا، له أهداف محددة، وجداول زمنية معلنة، ومنصة متابعة تفاعلية تتيح لأي مواطن الاطلاع على نسب الإنجاز ومساءلة الجهة المسؤولة بالاسم. هذه الآلية التي طالما دعا إليها جلالة الملك، تعزز الثقة العامة، وتحفّز الأداء، وتمنع الانحرافات قبل وقوعها.
الاستثمار في رأس المال البشري يمثل حجر الزاوية في النهج الجديد. فالأردن، كما تؤكد الرؤية الملكية، يمتلك ثروة بشرية مؤهلة قادرة على الإبداع إذا أُتيحت لها بيئة تمكينية. المطلوب هو تطوير بيئة عمل حكومية تشجع المبادرة وتكافئ الإنجاز، وتفتح المجال أمام الطاقات الشابة للمساهمة المباشرة في صناعة السياسات وتنفيذها. وفي هذا السياق، تتحول الحكومة إلى منصة تحفيز للإبداع الوطني، تستقطب الأفكار من داخل البلاد وخارجها، وتترجمها إلى مشاريع واقعية.
إن التحول من إدارة الروتين إلى صناعة المستقبل يتطلب إرادة سياسية صلبة، وقدرة على تحمل كلفة التغيير، وإيمانًا بأن التجديد ليس ترفًا بل شرط بقاء وتقدم. الأردن يمتلك المقومات الأساسية لهذا التحول: قيادة سياسية تؤمن بضرورة التحديث، مجتمع حيوي يتطلع إلى التغيير، وبنية مؤسسية قابلة لإعادة الهيكلة والتطوير. ما ينقص هو القرار بالانتقال من المألوف المطمئن إلى المبتكر المجهول، ومن رد الفعل إلى المبادرة الاستباقية.
إذا تبنّى الأردن هذا النهج وطبقه بصرامة وشفافية، فإنه قادر على أن يصبح نموذجًا إقليميًا في الإدارة المبتكرة، وأن يبرهن أن الدول ذات الموارد المحدودة يمكن أن تبني قوتها على الكفاءة المؤسسية، وعلى قدرتها في تحويل كل مواطن إلى شريك في صياغة المستقبل. عندها، سيكون الأردن مصدر إلهام لدول تسعى إلى أن تحكم بالمختبر لا بالمكاتب، وأن تصنع مستقبلها بأيدي أبنائها، كما أراده جلالة الملك في رؤيته الإصلاحية الشاملة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي المدادحة والعبيسات والذنيبات -صور
مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي المدادحة والعبيسات والذنيبات -صور

رؤيا نيوز

timeمنذ 22 دقائق

  • رؤيا نيوز

مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي المدادحة والعبيسات والذنيبات -صور

مندوبًا عن جلالة الملك عبدالله الثاني، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، قدّم رئيس الديوان الملكي الهاشمي، يوسف حسن العيسوي، اليوم الأحد، واجب العزاء إلى عشائر المدادحة والعبيسات والمحادين. ففي منطقة العزيزية بمحافظة الكرك، نقل العيسوي، خلال زيارته بيت عزاء المرحومة نوفة المدادحة والدة الوزير الأسبق ماهر المدادحة.، تعازي ومواساة جلالة الملك وسمو ولي العهد، إلى ذوي الفقيدة وعموم عشيرة المدادحة، سائلا المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رجمته. وفي منطقة سمرا بمحافظة الكرك، نقل العيسوي، خلال زيارته بيت عزاء المرحومة خديجة فلاح المحادين، أرملة المرحوم علي عواد العبيسات، ووالدة الكابتن الطيار عمار العبيسات، تعازي ومواساة جلالة الملك وسمو ولي العهد، إلى ذوي الفقيدة وعموم عشيرتي العبيسات والمحادين، سائلا المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته. وفي منطقة الجديّدة، بمحافظة الكرك أيضا، نقل العيسوي، خلال زيارته بيت عزاء المرحوم المحامي محمد عبد ربه حسن الذنيبات، تعازي ومواساة جلالة الملك وسمو ولي العهد، إلى ذوي الفقيد وعموم عشيرة الذنيبات، سائلا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته. كما قدم واجب العزاء إمام الحضرة الهاشمية الدكتور أحمد الخلايلة ومحافظ الكرك قبلان الشريف.

وليّ العهد يعيد وهج خدمة العلم: انتماءٌ متجذِّر وانضباطٌ يصنعُ المستقبل
وليّ العهد يعيد وهج خدمة العلم: انتماءٌ متجذِّر وانضباطٌ يصنعُ المستقبل

عمون

timeمنذ 22 دقائق

  • عمون

وليّ العهد يعيد وهج خدمة العلم: انتماءٌ متجذِّر وانضباطٌ يصنعُ المستقبل

في خطوة وطنيّة تحمل في طيّاتها دلالاتٍ عميقة ومعانٍ سامية، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وليّ العهد، إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم، ليكون شاهدًا على رؤية قياديّة ثاقبة، تُدرك أنّ بناء الأوطان لا ينهض إلّا بسواعد شبابها، ولا يشتدّ عودها إلّا بانضباط أبنائها، ولا يزدهر حاضرها ومستقبلها إلّا إذا تسلّح الجيل الجديد بروح الانتماء والعمل الجماعي. إنّ إعادة تفعيل هذا البرنامج ليست مجرّد قرار إداري، بل هي رسالة وطنية عميقة تعكس حرص القيادة الهاشمية على صقل شخصية الشباب الأردني، وتوجيه طاقاتهم نحو ما يُعلي مكانة الوطن، ويُعزز تماسك نسيجه الاجتماعي، ويجعلهم أكثر جاهزية لخوض غمار التحديات ومواجهة المتغيرات. فالانضباط الذي تُعطيه "خدمة العلم" للشاب، ليس مجرد تدريب عسكري، بل هو مدرسة للقيم، تُعلِّم الالتزام قبل السلاح، والانتماء قبل الرتبة، والعمل بروح الفريق قبل الإنجاز الفردي. وهي في جوهرها استثمار في الإنسان الأردني، ذلك الإنسان الذي كان ولا يزال أغلى ما يملك الوطن. إنّ شباب الأردن، الذين وصفهم وليّ العهد بأنهم عماد الحاضر وصنّاع المستقبل ودرع الوطن المنيع، هم اليوم على موعد مع تجربة فريدة تُعيد تعريف معنى المسؤولية الوطنية، وتغرس فيهم بذور العطاء المتواصل، وتربطهم أكثر بمسيرة الجيش العربي المصطفوي، الذي كان على الدوام الحارس الأمين والركيزة الراسخة للدولة الأردنية. لقد آن الأوان أن نستعيد وهج خدمة العلم بما تمثّله من قيم الانتماء والجدية، وأن نعيد الاعتبار لفكرة أنّ خدمة الوطن شرفٌ ووسام، وأنّ كلّ شابٍ أردني هو جنديّ في موقعه، يساهم في حماية الهوية وتعزيز الأمن وبناء التنمية. وإذا كان هذا القرار قد لامس قلوب الأردنيين جميعًا، فلأنّه يُجسّد التقاء الماضي بالحاضر، ويرسم الطريق نحو مستقبل أكثر صلابة. فالأردن الذي صمد في وجه التحديات بفضل وعي قيادته والتفاف شعبه، يُعيد اليوم تأكيد أن القوة الحقيقية تكمن في شبابٍ مُنتمٍ، مُنضبط، مُخلص لوطنه وقيادته. إنّها لحظة تاريخيّة تتجاوز حدود القرار، لتُعيد تشكيل وعي جيل بأكمله. ولعلّ أجمل ما تحمله هذه الخطوة أنّها تُعيد للأردني إحساسه بالفخر أنّه جزءٌ من جيشٍ لا يُقهر، ومن وطنٍ لا ينكسر، ومن مسيرة عطاء لا تنضب. * دكتور محمد يوسف حسن بزبز سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي

الزعبي: عودة خدمة العلم رسالة بأن الشباب درع الوطن وسياجه
الزعبي: عودة خدمة العلم رسالة بأن الشباب درع الوطن وسياجه

عمون

timeمنذ 22 دقائق

  • عمون

الزعبي: عودة خدمة العلم رسالة بأن الشباب درع الوطن وسياجه

عمون - ثمن النائب المحامي عوني الزعبي، إعلان سمو ولي العهد اليوم بإعادة برنامج خدمة العلم قريبا. وقال الزعبي في إدراج له عبر الفيسبوك، :في الوقت الذي يخرج فيه نتنياهو بتصريحات مرفوضة ومستفزة، يتحدث فيها عن حدود لدولة الاحتلال تشمل أجزاء من الأردن ومصر، يأتي القرار التاريخي والحكيم لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني – حفظه الله – بعودة خدمة العلم، ليؤكد أن الأردن قوي بقيادته وشعبه، عصيّ على أي أوهام أو أطماع. وأضاف: "عودة خدمة العلم رسالة واضحة بأن شباب الأردن سيبقون على العهد، درع الوطن وسياجه المنيع، وأن كل محاولات النيل من سيادة الأردن أو التشكيك في ثوابته الوطنية والإقليمية ستسقط أمام وعي ووحدة هذا الشعب الأصيل".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store