
"ميكي 17".. خيال علمي وسخرية سياسية أقرب إلى الواقع
جاء المخرج الكوري الجنوبي " بونغ جون هو" الفائز بالأوسكار عن فيلم "الطفيلي" (Parasite) إلى هوليود محملا بكم هائل من السخرية والكاريكاتير، ومسلحا بخيال جامح لم تستطع شركة وارنر براذرز الأميركية الحد منه بعد أن منحته اعتمادا مفتوحا لتقديم فيلم هوليودي إثر فوزه بالأوسكار عام 2019، فبلغت تكلفة فيلمه الجديد "ميكي 17" (Micky 17) أكثر من 118 مليون دولار.
طباعة الإنسان
ترجم المخرج "بونغ" العملية التقليدية التي يتبعها النظام الرأسمالي لاستبدال العمال الذين يعجزون عن الاستمرار لأي سبب إلى عملية خيالية تتسم بالجنون، حيث يتم طباعة جسد الشخص بعد موته باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، ليعود إلى العمل مجددًا في كل مرة يموت فيها ويُعاد إحياؤه.
تدور أحداث العمل في المستقبل، وتحديدًا في عام 2054، مع التركيز على شخصية ميكي بارنز، الذي يلعب دوره الممثل روبرت باتينسون. ميكي هو عامل "قابل للاستبدال" في مهمة لاستعمار كوكب "نيفلهايم" الجليدي. يتطلب دوره أداء مهام خطرة غالبًا ما تؤدي إلى موته، ليُعاد إحياؤه بفضل تقنية استنساخ متطورة. تعكس هذه الدورة من الموت والبعث الجوانب اللاإنسانية للعمل في ظل الرأسمالية
إعلان
الرأسمالي الجشع لا يطمح إلا إلى عملية مثل هذه، حيث يتم استبدال العامل بسهولة دون الحاجة للتكاليف المرتبطة بالتأمين والمعاشات. في المقابل، يتيح الطب الاستعماري التجريبي فرصًا لا حصر لها من خلال تعريض "ميكي" لأخطر المخاطر والسموم، وعندما يموت نتيجة لذلك، يتم طباعة جسده مرة أخرى بعد دراسة أسباب موته وصنع اللقاحات اللازمة لتجنبها. يموت ميكي 16 مرة قبل أن يتم طباعة النسخة السابعة عشرة التي تدور حولها أحداث الفيلم.
في إحدى المهام، يعود ميكي من مهمة كان من المتوقع أن يموت فيها، ليكتشف أنه أُعيد طبعه عن طريق الخطأ باسم "ميكي 18". هذا الخطأ يضعه في موقف قانوني حرج يهدد بإعدام النسختين. يتعين على "كينيث مارشال"، رجل الأعمال وقائد الرحلة الذي يلعب دوره الممثل مارك رافالو، تنفيذ هذا الشرط ضمن موافقة المجلس الحاكم للأرض على الرحلة الاستعمارية إلى كوكب جليدي في الفضاء.
جمع المخرج بونغ جون هو، في العمل المقتبس عن رواية إدوارد أشتون (ميكي 17) بين الخيال العلمي والأكشن والكوميديا، مع لمسة رومانسية في فيلم يبرز تعقيد السرد وذكاء الطرح، مما يعكس توقيع مخرجه. يبدو أن تأخر تنفيذ الفيلم بسبب اضطرابات هوليود في عام 2023، والتي سبقتها جائحة كورونا والإغلاق العام، كان بمثابة فرصة لصناعة عمل مميز. إلا أن الفيلم يواجه معارضة من بعض خصومه من أصحاب الياقات البيضاء ومؤيدي ترامب.
سرد مفاجئ
يبدأ الفيلم بمشهد بائس للبطل ميكي 17 وقد سقط في حفرة ثلجية عميقة، وبدلا من أن ينقذه زميله، يسخر منه ويسأله عن شعور الموت للمرة السابعة عشرة تاركا إياه تحت رحمة البرد، مؤكدا أنه سينتظر النسخة الثامنة عشرة منه، لكن حيوانا غير معروف سابقا يظهر بشكل مفاجئ وبدلا من التهامه يقوم بإنقاذه والدفع به إلى أعلى حتى يعود إلى سفينته الفضائية مرة أخرى.
يعود السارد (بصوت البطل) إلى بداية القصة، حيث يستدعي المخرج الكوري الجنوبي نقطة الانطلاق الدرامية لمسلسل "لعبة الحبار 1". كما دفعت الديون مجموعة المقامرين الأولى إلى الرهان بالموت كبديل للذل والبؤس، ينطلق البطل ميكي بارنز في رحلة مجهولة للهروب من ديونه إلى كوكب آخر، ليقبل بوظيفة غريبة كـ"قابل للاستبدال"، كما لو كان منديلا ورقيًا أو طبقًا يُستخدم في رحلات التخييم لمرة واحدة ثم يُلقى في أقرب سلة مهملات.
يتعرض ميكي بارنز لسؤال متكرر من المحيطين به عن "شعور الموت"، وفي كل مرة يهرب من الإجابة، باستثناء المرة الأخيرة حين يعلن أنه يكره هذا الشعور بشدة، رغم يقينه بأنه سيعود بعد 20 دقيقة فقط. يعكس هذا السؤال الهوس الدرامي الكوري الجنوبي بالموت وما بعده في العديد من الأعمال الدرامية، لكنه يعرضه من زاوية مختلفة، تتعلق بمحاولة الانتصار على الشيخوخة وهزيمة الموت من خلال الطب في عالم الإمبريالية.
من خلال سرده للأحداث، يثبت بونغ جون هو، استحالة التطابق التام بين كائن وآخر حتى لو كان الاستنساخ هو الحل. يقدم شخصيتي ميكي 17 وميكي 18 ككائنين مختلفين تمامًا في ردود الأفعال والرغبات والطموحات، مما يضطره في النهاية إلى التضحية بأحدهما فداءً لركاب سفينته الفضائية.
مارك رافالو وترامب
أثار أداء مارك رافالو لشخصية "كينيث مارشال" ردود فعل واسعة، تبرز خياراته الجريئة والطابع الاستقطابي للشخصية التي يجسدها، فهو يقدم شخصية سياسي فاشل تحول إلى قائد مصاب بجنون العظمة لمهمة استعمار فضائية لكوكب نيفلهايم الجليدي. وتميز أداؤه بمبالغة وسخرية، تعكس صورة كاريكاتيرية لشخصيات سياسية في العالم الحقيقي، وأبرزها دونالد ترامب رغم تصريح يونغ بأن الفيلم مستوحى من مزيج أوسع من السياسيين.
مارشال الذي قدمه رافالو هو طاغية رقيق البشرة ذو سلوكيات مبالغ فيها، لديه أسنان اصطناعية، وشعر مصفف للخلف، وميل إلى الخطب المتضخمة التي يلقيها على أتباعه الذين يرتدون القبعات الحمراء، وقد أضفى رافالو بأدائه طاقة كوميدية جبارة على العمل، وأكد على تنوع أدائه بين شخصية الصحفي المنضبط الثوري التلقائي في "نقطة الضوء" 2015 (Spotlight) وبين "ميكي 17" 2025.
جسد مارك رافالو في الفيلم شخصية الشرير الكاريكاتيرية، وقدّم مزيجًا كوميديًا مع زوجته "إيلفا" التي لعبت دورها الممثلة توني كوليت، حيث أظهر سخافة ولُزوجة الزوجين بطريقة مضحكة ومقززة في الوقت ذاته.
أما بطل العمل، روبرت باتينسون، فقد كان في موقف صعب، إذ كان عليه تجسيد شخصية واحدة ومتعددة في آنٍ واحد، مما يتطلب تغييرات طفيفة في أدائه لكنها مؤثرة، بالإضافة إلى مقاومة هادئة وفعّالة، وكوميديا تجمع بين القوة النفسية والهشاشة في الوقت نفسه.
كان من الضروري أن تحتفظ كل نسخة من ميكي بالذكريات والشكوك والمشاعر، ونجح باتينسون بمهارة في تقديم كل نسخة من خلال التحولات الدقيقة في السلوك، والتغييرات الطفيفة في حركات الجسد، ونبرة الصوت، وحركة العين، ليُحوّله في نسخته الأخيرة إلى رجل يشكك في أهدافه وحياته، بل وفي وجوده نفسه في عالم يختصره إلى مجرد وظيفة.
طرح بونغ جون هو، أسئلته الخاصة من خلال فيلم هوليودي ضخم الإنتاج حقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن على المستويين النقدي والجماهيري، مسجلًا اسمه في عاصمة السينما العالمية. وقد استطاعت هوليود أن تختطفه بعد عقود من التجريب السينمائي الكوري الجنوبي، لتحتفظ به ضمن قائمة المبدعين العالميين الذين جاؤوا من خارج الولايات المتحدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
سكارليت جوهانسون والإيراني جعفر بناهي أبرز الوجوه المنتظرة في مهرجان كان
من المنتظر أن تحضر الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون مهرجان كان السينمائي للمرة الأولى كمخرجة، في حين يواكب المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي عرض أحد أفلامه، في أول ظهور له في مهرجان سينمائي منذ 15 عاما. ويُعدّ عرض فيلم "إليانور ذا غرايت" (Eleanor the Great) الذي تولّت جوهانسون إخراجه أحد أكثر الأحداث المنتظرة في مهرجان كان. وتعد جوهانسون ثاني نجمة هوليودية تعرض فيلما أول لها ضمن قسم "نظرة ما" هذا العام، بعد كريستن ستيوارت مع فيلم "ذا كرونولوجي أوف ووتر" (The Chronology of Water). ويتناول فيلم جوهانسون التي تُعد من الممثلات الأعلى أجرا في السينما الأميركية قصة إليانور مورغينستين (جون سكويب) التي تعود في 94 من عمرها للعيش في نيويورك لتبدأ حياة جديدة بعد عقود قضتها في فلوريدا. وقال المخرج ويس أندرسون الذي شاركت جوهانسون في 3 من أفلامه بينها "ذا فينيشين سكيم" (The Phoenician Scheme) المنافس على جائزة السعفة الذهبية هذا العام، "شاهدتُ فيلمها وأحببته". وتابع مازحا أن "سكارليت تصنع الأفلام منذ مدة ربما أطول من مدة عملي. إنها أصغر مني بنحو 20 عاما، لكنني أعتقد أنها أخرجت فيلما للمرة الأولى عندما كانت في التاسعة". غياب طويل من بين اللحظات المنتظرة في مهرجان كان أيضا مرور جعفر بناهي على السجادة الحمراء. فقد تمكن المخرج الحائز جوائز كثيرة، والذي قضى 7 أشهر مسجونا في إيران في عامي 2022 و2023، من مغادرة طهران مع فريقه للذهاب إلى كان، حيث سيواكب عرض فيلم "حادثة بسيطة" (تصادف ساده) الذي صُوّر بشكل سري ومن دون أي تمويل إيراني، ولم تتسرب عنه سوى معلومات محدودة جدا. ولم يشارك بناهي في أي مهرجان دولي منذ 15 عاما حين بدأت مشاكله القضائية في بلاده، والتي حرمته لفترة طويلة من حرية السفر. خلال هذه الفترة، حصل مخرج فيلم "تاكسي طهران" الفائز بجائزة الدب الذهبي في برلين عام 2015، وفيلم "3 وجوه" الفائز بجائزة أفضل سيناريو في كان عام 2018، على جائزة خاصة من لجنة التحكيم في البندقية عام 2022 عن فيلم "الدببة غير موجودة". وحكم على بناهي بالسجن 6 سنوات في العام 2010 بتهمة "الدعاية ضد النظام"، مع منعه من إخراج الأفلام أو مغادرة البلاد لمدة 20 عاما، وأُعيد له أخيرا جواز سفره في أبريل/نيسان 2023، فسافر إلى فرنسا حيث تعيش ابنته. وسيُعرض أيضا فيلم "فيوري" (Fuori) الذي يتناول قصة الكاتبة الإيطالية غولياردا سابيينزا التي سُجنت عام 1980 بتهمة السرقة. ويمثل هذا الفيلم الذي أخرجه ماريو مارتونه، وتتولى بطولته فاليريا غولينو، عودةً للمخرج الإيطالي البالغ 65 عاما إلى المسابقة الرسمية لمهرجان كان بعد حضوره للمرة الأولى المهرجان السينمائي الفرنسي عام 2022 مع فيلم "نوستالجيا" (Nostalgia).


الجزيرة
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
كبار هوليود يردون على ترامب: نحتاج إعفاءات لا عقوبات
دعت كبرى أستوديوهات هوليود وعدد من النقابات المهنية في القطاع المرئي والمسموع الأميركي الرئيس دونالد ترامب إلى تقديم إعفاءات ضريبية لتصوير الأفلام والمسلسلات في الولايات المتحدة، في رسالة تتجاهل بشكل واضح الرسوم الجمركية التي يهدد الرئيس الأميركي بفرضها على القطاع. وكان الملياردير الجمهوري أعلن في أوائل مايو/أيار أنه يريد فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة ، لإنقاذ هوليود التي قال إنها "تموت بسرعة مذهلة" بسبب تصوير الأعمال في الخارج. وأثار تصريح ترامب مخاوف في القطاع، إذ اعتبر محترفون كثر أن هذه الرسوم الإضافية من شأنها أن تضرّ بتمويل الأفلام والمسلسلات، من دون أن تتيح للولايات المتحدة أن تصبح مرة جديدة موقع تصوير جذاب مقارنة بعدد كبير من البلدان (المملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا…) التي تقدم مزايا ضريبية. وتتضمّن الرسالة كلمة شكر لترامب على "دعمه" و"تفهمه للحاجة إلى زيادة الإنتاج المحلي للسينما والتلفزيون لإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة". لكن بدل ذكر الرسوم الجمركية، دعت ترامب إلى تضمين مشروع قانون الميزانية الذي يتم إعداده في الكونغرس، تخفيضات ضريبية مختلفة للإنتاجات التي تختار التصوير في الولايات المتحدة. وجاء في الرسالة الموقّعة من جانب "موشن بيكتشر أسوسييشن" التي تمثل أستوديوهات هوليود الكبرى، ونقابات مختلفة بينها تلك التي تمثل الممثلين (ساغ أفترا)، والمخرجين (دي جي ايه)، والمنتجين (بي جي ايه)، والكتّاب (دبليو جي ايه): "إن إعادة قسم كبير من الإنتاج إلى الولايات المتحدة تتطلب نهجا وطنيا وحلولا سياسية شاملة، بما في ذلك تلك التي نقترحها". ودعت الرسالة أيضا إلى "إنشاء نظام حوافز ضريبية اتحادي للسينما والتلفزيون على المدى البعيد".


الجزيرة
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟
بعد إضرابات الكتّاب والممثلين في عام 2023، أُقرت زيادات في الأجور وحصل العاملون في صناعة السينما على بعض الامتيازات، مما أسهم في استئناف الإنتاج بشكل تدريجي. لكن قطاع السينما عاد وانكمش من جديد، إذ تراجع الإنتاج بنسبة 37% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وانخفض التوظيف في مجال السينما والتلفزيون بنسبة 25% عن ذروته في عام 2022، مما أثار العديد من التساؤلات حول جدوى المكاسب التي تحققت بفعل الإضراب. يعود هذا التراجع بشكل رئيسي إلى تقليص الميزانيات، واعتماد الذكاء الاصطناعي، وتغير إستراتيجيات الإنتاج، وهي عوامل دفعت هوليود إلى تبني نهج أكثر تحفظا في اختياراتها الإنتاجية. في هذا السياق، بات البحث عن وسائل فعّالة لخفض التكاليف دون الإضرار بجودة المحتوى أمرا ضروريا، لا سيما وأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة لتقليل النفقات، بل تحول إلى وسيلة تعزز كفاءة وسرعة الإنتاج، خصوصًا في مجالات مثل المؤثرات البصرية وأفلام الرسوم المتحركة. في هذا السياق صرح تيد سارندوس، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، أن الذكاء الاصطناعي يساعد في خفض التكاليف، وتحسين جودة الإنتاج بنسبة لا تقل عن 10% من خلال تجهيز تصور مسبق للمشاهد. بينما يرى جيفري كاتزنبرغ الشريك المؤسس لشركة دريم ووركس، أن أفلام الرسوم المتحركة التي كانت تتطلب 500 فنان على مدى 5 سنوات، يمكن إنجازها بواسطة الذكاء الاصطناعي خلال الثلاث سنوات المقبلة، بجهد بشري وتكلفة أقل بنسبة 90%. إعلان أما توني فينسيكيرا الرئيس التنفيذي لشركة سوني بيكتشرز، فقد أكد أن الشركة تعيد هيكلة إستراتيجيات الإنتاج الخاصة بها، اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، لتقليل تكلفة العمليات المعقدة. في السياق ذاته، يعكس تصريح المخرج جيمس كاميرون، المعروف بأفلامه ذات الميزانيات الضخمة، التوجه المتنامي نحو اعتبار الذكاء الاصطناعي حلا لا تهديدًا. فبعد أن كان من أبرز منتقدي استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات، أصبح اليوم يدعو إلى توظيفه في مجال المؤثرات البصرية لتقليل التكاليف دون المساس بجودة العمل. ومن اللافت أن كاميرون انضم في عام 2024 إلى مجلس إدارة شركة "ستابيليتي إيه آي"، حيث عبّر عن رغبته في فهم الذكاء الاصطناعي من الداخل بهدف دمجه في صناعة المؤثرات، ليس بديلا عن الإبداع البشري، بل كأداة مساندة له. وفي السياق نفسه، يُتوقّع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع التحول الرقمي داخل صناعة الترفيه، من خلال توسيع آفاق الإبداع الفني وتقليص الاعتماد على العديد من الوظائف التقليدية. كما يُنظر إليه كأداة قوية تعيد تشكيل صناعة الرسوم المتحركة، إذ يتيح إنتاج محتوى عالي الجودة بتكاليف أقل، ويُسهم في تسريع وتيرة الابتكار والإبداع في هذا القطاع. الذكاء الاصطناعي في خدمة تقليل تكاليف إنتاج الأفلام عند النظر تفصيلا إلى ما يمكن أن تسهم به أدوات الذكاء الاصطناعي في تطوير صناعة السينما، نجد أن استخداماته تتنوع في المراحل المختلفة لصناعة العمل الفني، في مرحلة ما قبل التصوير، يسهم في محاكاة المشاهد بنماذج ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للمخرجين والفنيين ضبط زوايا الكاميرا والإضاءة، وحركة الشخصيات، مما يقلل بصورة كبيرة أوقات التحضير ما قبل التصوير، ويجنب فريق العمل تكلفة إعادة تصوير المشاهد. أما في مرحلة الإنتاج، فيستخدم الذكاء الاصطناعي، لصناعة الخلفيات الرقمية والمؤثرات البصرية، ما يختصر الكثير من الوقت والجهد والتكلفة التي كانت تتطلبها الفرق الضخمة من المصممين والفنانين سابقا. برزت هذه التقنية بشكل واضح في فيلم الرجل الأيرلندي، حيث استخدمت خوارزميات متقدمة لتجسيد الشخصيات في مراحل عمرية مختلفة، دون الحاجة إلى إعادة تصوير المشاهد بممثلين مختلفين أو استخدام مكياج معقد، مما ساعد في توفير مبالغ كبيرة من ميزانية الفيلم. أما في مرحلة ما بعد الإنتاج، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في تعديل الألوان وتحسين جودة الصوت، وتصحيح الأخطاء التقنية، وتسريع عملية المونتاج، عبر التحليل التلقائي للمشاهد الأكثر تأثيرا والمشاهد غير الضرورية، مما يؤدي إلى تقليص الجهد البشري وبالتالي خفض التكاليف. الذكاء الاصطناعي يسهم في خطط الدعاية والتوزيع يمتد دور الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة ما بعد صناعة العمل الفني، حيث تلعب خوارزميات الذكاء الاصطناعي دورا متزايدا في توزيع العمل، حيث يمكنها التنبؤ بأفضل أسواق المشاهدة، والجمهور المستهدف، بالإضافة إلى جدولة مواعيد الإطلاق الرقمي، مما يقلل نفقات الإعلانات التقليدية وطرق التوزيع المعتادة. كذلك فإن الذكاء الاصطناعي سهل العمل من بُعد، بين الفرق الإبداعية، سواء في تبادل الملفات، أو تعديل العمل في الوقت الفعلي، أو إدارة ومتابعة العمل. أسهمت كل تلك العوامل في جعل الذكاء الاصطناعي خيارا إستراتيجيا، لتقليل تكاليف الإنتاج السينمائي، مع تحسين جودة الأعمال الفنية المقدمة، وقد أسهم بالفعل في تقليص ميزانيات الأفلام بنسبة تصل إلى 25%، بفضل استخدامه في مراحل الصناعة المختلفة، مما يؤكد أن هذه التكنولوجيا لم تعد رفاهية، بل ضرورة تنافسية في مشهد سينمائي متغير.