logo
هل يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين؟.. الإفتاء تجيب

هل يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين؟.. الإفتاء تجيب

صدى البلد١٧-٠٤-٢٠٢٥

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها من سائل يقول هل يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين؟.
وقالت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، إنه إذا وُجِدَ في البلدة التي تُوفِّيَ بها المسلم مقبرةٌ للمسلمين فإنه يُدفَن بها، وإذا لم يوجد في هذه البلدة مقابر للمسلمين فيُرجع به إلى بلده ليُدفن بها.
وأضافت الإفتاء أنه إذا كان في نقله مشقةٌ غير محتملة أو ضررٌ يقع عليه أو على أهله فلا مانع من دفنه في البلدة التي مات فيها في قبرٍ مستقلٍّ، أما إذا لم يوجد قبرٌ مستقلٌّ فلا مانع من دفنه في مقابر غير المسلمين؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، ودفنه بمقابر غير المسلمين أولى مَن تركه بدون دفن.
حكم دفن المسلم داخل تابوت
وأشارت دار الإفتاء إلى أن الدفن الشرعي هو مواراةُ الميت في حفرةٍ تستر رائحته، وتحميه من أي اعتداء، مشيرة إلى أن دفن المسلم داخل تابوت ليس فيها محظورٌ شرعيٌّ، بل هي طريقة مُتَّفِقة مع الشرع؛ فالدفن في التابوت وإن كان كرهه بعض الفقهاء؛ لكونه في معنى الآجُرِّ، إلا أن الكراهة تزول عند الحاجة، وعند الحنفية أنه يُستحسن دفن المرأة في التابوت مطلقًا؛ للحاجة وغيرها.
ولفتت دار الإفتاء إلى أنه من الحاجة الداعية إلى دفن الميت عمومًا -رجلًا كان أو امرأةً- اندماجُ المسلمين في التعايش مع أهل بلدهم وعدمُ مخالفة أعرافهم ما دامت لا تخالف حكمًا شرعيًّا.
واختتمت دار الإفتاء بأنه ما دامت طريقة الدفن في بلدٍ ما لا تخالف أمرًا قطعيًّا فلا مانع منها شرعًا، وليس من مقصد الشريعة مخالفةُ أعراف الناس ما دامت لا تخالف مُجْمَعًا عليه، قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 62، ط. دار المعرفة): [وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي دِيَارِنَا؛ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ، وَكَانَ يُجَوِّزُ اسْتِعْمَالَ رُفُوفِ الْخَشَبِ وَاتِّخَاذِ التَّابُوتِ لِلْمَيِّتِ حَتَّى قَالُوا: لَوْ اتَّخَذُوا تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ] اهـ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة (١٧)
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة (١٧)

شبكة النبأ

timeمنذ 4 أيام

  • شبكة النبأ

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة (١٧)

المُجتمع الذي يتحمَّل مسؤُوليَّة الأَمر والنَّهي قد لا يَحتاج إِلى المزيدِ من الجهادِ والدِّماءِ [آخِرُ الكيِّ] والذي يضطرُّ إِليهِ عندما يتراكم ويتغوَّل ويتضخَّم الظُّلم والفَساد فيتحوَّل إِلى عقبةٍ كاداءٍ تقفُ بوجهِ العدالةِ خاصَّةً الإِجتماعيَّة، أَمَّا الأَمرُ والنَّهي المُستمر فيُصحِّح الأَخطاء والإِنحرافات في بداياتِ مشوارِها وهيَ بعدُ صغيرةٌ قابِلةٌ... (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). الحاكِمُ المُصمِّمُ على صيانةِ حُرمةِ الحقُوقِ والواجِباتِ يبدأُ عهدهُ بشرحِ وتحديدِ حقُوقِ الرَّعيَّةِ وواجِباتهِ، ومن ثمَّ يشرحُ ويُحدِّدُ حقوقهُ وواجباتُ الرعيَّة، وهذا ما فعلهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع). ففي أَوَّلِ خطابٍ بعدَ بيعتهِ للخلافةِ قال (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ؛ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا، وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ والإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ). رافضاً بالمُطلقِ أَن يستفرِدَ الحاكم بالحقُوقِ دونَ الرَّعيَّةِ، قائِلاً (أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّه سُبْحَانَه لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ ولَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْه ولَا يَجْرِي عَلَيْه إِلَّا جَرَى لَه، ولَوْ كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَه ولَا يَجْرِيَ عَلَيْه لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّه سُبْحَانَه دُونَ خَلْقِه لِقُدْرَتِه عَلَى عِبَادِه ولِعَدْلِه فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْه صُرُوفُ قَضَائِه ولَكِنَّه سُبْحَانَه جَعَلَ حَقَّه عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوه وجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْه مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْه وتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُه). أَمَّا الحاكِم المُصمِّم على سحقِ الحقُوقِ والحدُودِ فإِنَّ أَدواتهُ في الحُكمِ (قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) أَي التَّخديرِ بالعصا والجزرةِ، وهوَ الأَمرُ الذي نراهُ اليَوم في مُجتمعِنا إِذ سحرَت السُّلطة أَعيُنَ المُجتمعِ بثُلاثيَّةٍ هي الأَخطرِ من أَيِّ شيءٍ آخر، أَلا وهي [المطاعِم والمولات والموبايلات] فتمَّ تخدير النَّاس لدرجةِ السُّكرِ وضَياعِ العقلِ والشُّعُورِ بالمسؤُوليَّةِ، حتَّى كأَنَّهُم مصداقُ الآية المُباركة عندما تُحدِّثهُم عن الحقُوقِ والحدُودِ (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ). لقد حوَّلت الثُّلاثيَّة المُشار إِليها آنفاً المُجتمع إِلى مُستهلكٍ بدرجةٍ مُرعِبةٍ ومُخيفةٍ، وحوَّلتهُ إِلى مُجتمعٍ تائهٍ لا يعي شيئاً. وهذا هو الفرقُ بينَ الحاكمِ العادلِ والآخر الظَّالمِ، فبينما يكونُ الأَوَّل واضِحٌ مع رعيَّتهِ ترى الثَّاني غامِضٌ في كُلِّ شيءٍ، وهوَ بالغُموضِ يتسلَّط لأَنَّ الغُموضَ يترُك المُجتمع حَيران لا يعرِف ما الذي يُريدهُ وما الذي يجبُ عليهِ فعلهُ، ولذلك نلحظ أَنَّ المُشرِّع حرصَ على أَن تكُونَ الأُمور واضِحةً أَمامَ خلقهِ لدرجةِ البيِّنةِ، كما في قولهِ تعالى (وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). وعندما يكونُ المُجتمعُ مصداقَ قَولهِ تعالى (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ) بفعلِ الثُّلاثيَّةِ فإِنَّ التصدِّي لواجبِ الأَمرِ والنَّهي على مُستوى الشَّأن العام هوَ من أَكثرِ الأَنواع التي يتعرَّض بسببِها المرءُ لهجماتِ الهمجِ الرُّعاعِ والذُّبابِ الأَليكتروني الذي تحرُّضهُ السُّلطة الظَّالمة لتشويهِ سُمعةِ المُتصدِّي وإِسقاطهِ في المُجتمعِ للتخلُّصِ من خطرهِ عندما تجنِّد الجيُوش الأَليكترونيَّة لشنِّ الهجماتِ ضدَّهُ حتَّى من دونِ أَن يفهمُوا ما الذي يفعلُونهُ أَو يريدُونهُ وفي أَحيانٍ كثيرةٍ من دونِ أَن يعرفُونَ هويَّة المُستهدفِ بحملاتهِم التَّسقيطيَّةِ. يصفُ أْميرُ المُومنِينَ (ع) أَتباع الطَّاغية الطَّليق الذي حرَّم رسولُ الله (ص) عليهِم الخِلافة مُعاوية بن أَبي سُفيان (أَلَا وإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ) فتركهُم يخُوضونَ حربهُم في ظلامٍ دامسٍ وجهلٍ مُركَّبٍ. لذلكَ قرنَ المُشرِّع هذا النَّوع من الأَمرِ والنَّهي على وجهِ التَّحديدِ بالصَّبرِ ثمَّ بالعزمِ الذي يعني الجدَّ واللُّزوم [عزم؛ قرَّرهُ، أَرادَ فعلهُ وعقدَ عليهِ نيَّتهُ]. يصفُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) الأَمرَ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ بتفصيلٍ رائعٍ يبيِّنُ فيهِ أَهميَّتهُ بالنِّسبةِ لبقيَّةِ الأَعمالِ بقولهِ (فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِه ولِسَانِه وقَلْبِه فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ الْخَيْرِ ومِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِه وقَلْبِه والتَّارِكُ بِيَدِه فَذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ ومُضَيِّعٌ خَصْلَةً ومِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِه والتَّارِكُ بِيَدِه ولِسَانِه فَذَلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ وتَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ ومِنْهُمْ تَارِكٌ لإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِه وقَلْبِه ويَدِه فَذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ ومَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا والْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّه عِنْدَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إِلَّا كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ وإِنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ولَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّه كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ). ويتبيَّنُ من كلامهِ (ع) أَنَّ المُجتمع الذي يتحمَّل مسؤُوليَّة الأَمر والنَّهي قد لا يَحتاج إِلى المزيدِ من الجهادِ والدِّماءِ [آخِرُ الكيِّ] والذي يضطرُّ إِليهِ عندما يتراكم ويتغوَّل ويتضخَّم الظُّلم والفَساد فيتحوَّل إِلى عقبةٍ كاداءٍ تقفُ بوجهِ العدالةِ خاصَّةً الإِجتماعيَّة، أَمَّا الأَمرُ والنَّهي المُستمر فيُصحِّح الأَخطاء والإِنحرافات في بداياتِ مشوارِها وهيَ بعدُ صغيرةٌ قابِلةٌ للإِعتدالِ من دونِ أَن تَكسرَ القِيم فلا تدعهُ تكبُر وتتعقَّد فتتحوَّل إِلى عُقدةٍ وغُدَّةٍ مُتضخِّمةٍ لا يُمكِنُ إِزالتها إِلَّا بعمليَّةٍ قيصريَّةٍ مُعقَّدةٍ. في مُجتمعِنا على وجهِ التَّحديد الذي يعيشُ ظواهر العبوديَّة للزَّعيم وتنتشِرُ فيهِ ثقافةُ تأليهِ المسؤُول، فإِنَّ المُعارض المُصلح المُتصدِّي لفضحِ فسادِ السُّلطةِ وفشلِها وظلمِها وتجاوزِها على حقُوقِ النَّاسِ يتعرَّض للكثيرِ من الضُّغوطِ التي تبدأ بالتَّسقيطِ واغتيالِ الشَّخصيَّةِ [سياسيّاً وإِعلاميّاً] بالطَّعنِ بالشَّرفِ والعِرضِ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وتنتهي برَصاصةٍ من كاتمِ الصَّوتِ مرُوراً بالخطفِ والتَّهديدِ بالأُسرةِ وما إِلى ذلكَ. والمعارضُ، في هذهِ الحالاتِ، يقفُ عندَ مُفترقِ طرُقٍ، فإِمَّا أَن يُكمِّلَ المِشوار مُتحمِّلاً كُلَّ الضُّغوطات (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أَو أَن ينهارَ فينهَزِمَ ويترُك الجمَل بما حمَل كما يُقالُ، وإِنَّ الأَداة الأَساسيَّة التي تمكِّنهُ من حُسن الإِختيار هو الصَّبر الذي لا علاقةَ لهُ بالإِيمانِ من عدمهِ، إِذ يكفي أَن يكونَ المرءُ مُؤمناً برسالتهِ وبقضيَّتهِ الوطنيَّةِ على سبيلِ الفرضِ، فليسَ كُلُّ المُعارضينَ الذينَ يتحمَّلونَ إِرهاب السُّلطة الفاشيَّة يتحلَّونَ بالإِيمانِ المُتعارفِ عليهِ، فهناكَ منهُم من يُؤمنُ بقضيَّةٍ ويحملُ همَّ رسالةٍ وطنيَّةٍ تقتضي منهُ الدِّفاعَ المُستميتَ عن حقوقِ شعبهِ، وهذا هوَ القاسِمُ المُشترك بينَ المعارضينَ بمُختلفِ خلفيَّاتهِم، ولذلكَ لا يحقُّ لأَحدٍ انتقاصَ قيمةَ [المُعارضة] بذريعةِ التَّفتيشِ في النَّوايا. نقرأُ في التَّاريخِ المُعاصر أَسماءَ مُعارضينَ آمنُوا بقضاياهُم العادِلة وتحمَّلوا عناءً كثيراً من أَجلِها حدَّ القتلِ والمَوتِ حتَّى تحوَّلَ بعضهُم إِلى إِيقوناتٍ تفتخِرُ بها البشريَّة جمعاء وليسَ شعوبهِم أَو أُممهِم فقط.

العداء الاموي لعم الرسول (ص) سيد الشهداء
العداء الاموي لعم الرسول (ص) سيد الشهداء

شبكة النبأ

timeمنذ 5 أيام

  • شبكة النبأ

العداء الاموي لعم الرسول (ص) سيد الشهداء

كان حمزة عز الاسلام ومفخرة المسلمين ويكفيه علوا ان أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وصف اسد الله واسد رسوله كما لقبه بسيد الشهداء وعلى هذا النهج سار المسلمون الاوائل وبهذه الصفات عرفه الاواخر ماعدا الحزب الاموي الذي كان له موقفا مغايرا تجاه عم الرسول... في الذكرى السنوية لاستشهاد حمزة بن عبد المطلب في السابع من شوال من العام الثالث للهجرة، أجد نفسي مجبرا على الاشادة بهذا الرجل العظيم الذي قدم الكثير لنصرة الاسلام ومؤازرة الرسول في زمن قل ناصره وكثر واتره، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقت ذاك مع عدد قليل من المؤمنين يحمون دين الله بأنفارهم القليلة واجسادهم النحيفة وهم يتلقون العذاب والألم على ايدي اعداء الله. وفي قلب هذه الآلام يبرز بطل مغوار مثل حمزة بن عبد المطلب يفتدي رسول الله بنفسه وماله ويكون الحامي والمدافع الرئيسي عن كيان الاسلام. كان له الدور الكبير في نشر الاسلام وتحقيق انتصاراته في ايامه الاولى بمكة المكرمة وعندما اعتنق الدين الجديد اصبح عزا للاسلام ومنعة لرسوله، وفي هذا يقول المؤرخون انه بعد اسلام حمزة بن عبد المطلب كفّ المشركون ايديهم عن ايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حدث ذلك بعد تعرض نبي الاسلام للأذى والاهانة من قبل ابي جهل، فاتاه اسد الله حمزة وفي وجهه الغضب وضربه بالقوس على راسه فشجه شجة موضحة، وقال الرواة انه ثار رجل من بني مخزوم، وثار بنو هاشم، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، (كنية حمزة) فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا، فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد عز، فكفوا عنه بعدما كانوا ينالون منه. وفي معركة بدر كان حمزة ركنا مهما من اركانها وسببا لانتصار المسلمين فيها فقد كانت بطولاته مثار اعجاب المسلمين وتشجيعا لهم على مبارزة الاعداء دون وجل او خوف لقلة عددهم وضعف عتادهم وكان في مقدمة المدافعين عن حريم الاسلام امام المشركين، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: (أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه)، فلما تقدم نحو الحوض، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فقطع قدمه بنصف ساقه، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله هناك. ولما طلب عتبة بن ربيعة الاموي المسلمين للبراز تقدم اليه اسد الله حمزة مع ابني شقيقيه علي ابي طالب عليه السلام وعبيدة بن الحارث فتبارزا حتى قتل حمزة شيبة بن ربيعة وقتل الامام علي الوليد بن عتبة بينما اصيب عبيدة بن الحارث في قتاله لعتبة فعاونه الامام علي عليه السلام وحمزة على قتله، وعلى اثر تلك الاصابة استشهد عبيدة بن الحارث ونزلت في حق الستة آيات من القرآن الكريم وهي تبشر الامويين بعذاب أليم وتعد المؤمنين بجنة الخلد. وبسبب قتلهم لمشايخهم في بدر الكبرى وبعد الهزيمة الموجعة التي تلقوها في المعركة اشتدت ضغائن بني امية لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم وتعاهدوا فيما بينهم على الانتقام لقتلاهم فتدارسوا الموقف بينهم على قتل أحدهم، اما رسول الله او علي بن ابي طالب عليهم صلوات الله او حمزة بن عبد المطلب فاتفقوا على انهم لن يظفروا برسول الله ولا بالامام علي عليه السلام لكنهم سيحاولون مع حمزة، فكمنوا له في معركة أحد وراء صخرة ومن هناك هاجمه وحشي غيلة وضربه بحربته من حيث لايراه. لقد كان حمزة عز الاسلام ومفخرة المسلمين ويكفيه علوا ان أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وصف اسد الله واسد رسوله كما لقبه بسيد الشهداء وعلى هذا النهج سار المسلمون الاوائل وبهذه الصفات عرفه الاواخر ماعدا الحزب الاموي الذي كان له موقفا مغايرا تجاه عم الرسول حمزة بن عبد المطلب قبل شهادته وحتى بعد استشهاده. وتمكن بنو امية من ادخال بعض الروايات المنحرفة عن الحقيقة في كتب التاريخ وارادوا من ذلك تبرئة امهم (هند بنت عتبة) ام معاوية بن ابي سفيان من جريمة التمثيل بسيد الشهداء حمزة مع ان امهم هند اصبحت معروفة لدى العرب بانها آكلة الاكباد وحتى اتباع الامويين اليوم ينكرون فعلتها تلك مع انها اشهر من علم، وبرغم التحريفات الكثيرة ومحاولة التلاعب بالألفاظ والكلمات لكن معظم كتب التاريخ المعتبرة تذكر تلك الحادثة وقد ورد في التراث السني في كتاب السيرة النبوية لابن هشام؛ (قال ابن إسحاق: ووقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، والنسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا، غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها) (1). ولما علم رسول الله ماحدث لعمه حمزة حزن حزنا شديدا وتألم لما شاهده من التمثيل بجسده الطاهر (وقال لن اصاب بمثلك ابدا ماوقفت موقفا قط أغيظ الي من هذا)، ولما سمع ان هندا بنت عتبة مضغت كبد عمه حمزة سألهم صلى الله عليه وآله وسلم: أأكلت منه شيئا؟ قالوا: لا قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار (2) مما يعني ان هندا ام معاوية هي من اهل الجحيم. وبرغم الانتصارات التي حققها المسلمون فيما بعد وسيطرتهم على كافة المناطق التي كانت تحت امرة المشركين ومن بعد ذلك فتح مكة لاحظ المؤرخون عودة الحزب الاموي من جديد الى السلطة وتطاولهم على بني هاشم بالقتل والذبح والسبي والاعتقال، وقد اشار احد اعلام السنة الى تولية بني امية لأمور الدولة والسلطة في فترة الخليفتين ابو بكر وعمر بن الخطاب وقال المقريزي في رسائله (فانظر كيف لم يكن في عمال أبى بكر وعمر رضي الله عنهما أحد من بني هاشم، فهذا وشبهه هو الذى حد أنياب بني أمية وفتح أبوابهم، وأنزع كأسهم، وقتل أمراءهم، حتى لقد وقف أبو سفيان بن حرب على قبر حمزة رضي الله عنه فقال: رحمك الله أبا عمارة، لقد قاتلتنا على أمر صار إلينا)، كما نقل المقريزي انه (لما أفضى الامر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى أبو سفيان قبر حمزة رضي الله عنه فوكزه برجله ثم قال: يا حمزة، إن الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به منكم)(3). ولم يكتف الامويون بمافعلوه بالتمثيل بحمزة سيد الشهداء بل حاولوا نبش قبره والتمثيل بجثته من جديد ولكن هذه المرة على يد معاوية بن ابي سفيان وهنا يشير الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية الى محاولات جرت في عهد معاوية لنبش قبور شهداء معركة احد وغمرها بالمياه حيث قال: (روى البيهقي عن جابر بن عبد الله قال: لما أجرى معاوية العين عند قتلى أحد بعد أربعين سنة استُصِرخنا إليهم فأتيناهم فأخرجناهم، فأصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما وفي رواية ابن إسحاق عن جابر قال: فأخرجناهم كأنما دفنوا بالأمس، وذكر الواقدي أن معاوية لما أراد أن يجري العين نادى مناديه من كان له قتيل بأحد فليشهد، قال جابر فحفرنا عنهم فوجدت أبي في قبره كأنما هو نائم على هيئته ووجدنا جاره في قبره عمرو بن الجموح ويده على جرحه فأزيلت عنه فانبعث جرحه دما، ويقال إنه فاح من قبورهم مثل ريح المسك رضي الله عنهم أجمعين)(4). لقد تمكن الامويون في فترة حكمهم من تحريف التاريخ لتشويه صورة النبي واهل بيته وألفوا القصص والروايات التي تنتقص من النبي واهل بيته وكتبوا تاريخا غير التاريخ الحقيقي للاسلام واصبح في هذا التاريخ حماة الرسول واكبر داعميه مثل ابو طالب عم النبي مشركين واصبح اعداء النبي واهل بيته مثل معاوية وابيه ابي سفيان وامه هند بنت عتبة من الصحابة. ..................................

مسؤوليات الحكومة ودورها في الاقتصاد والتنمية
مسؤوليات الحكومة ودورها في الاقتصاد والتنمية

شبكة النبأ

timeمنذ 5 أيام

  • شبكة النبأ

مسؤوليات الحكومة ودورها في الاقتصاد والتنمية

الأصل في الحكومات أنه (ما ثبت دام)، لأن السلطة تميل إلى التمركز أكثر فأكثر وباستمرار، ومن أمسك بسلطةٍ أو بطرفٍ منها صعب عليه جداً أن يتخلى عنها، بل إذا أراد النادر أن يتخلى عنها فإن الحلقة الضيقة المحيطة به من أقربائه وأعوانه والمنتفعين، سترفض وتضغط عليه كأشدّ ما يكون... مسؤوليات الحكومة تجاه القطاعات الاقتصادية المستفاد من العديد من نصوص الإمام (عليه السلام) أنّ من أوليات مسؤوليات الحكومة: رعاية القطاعات الاقتصادية: قطاع الزراعة وأهلها، وقطاع الزراعة هو المعبّر عنه سابقاً بالخراج، وأهله أي الأراضي وغلّتها وأهلها، وقطاع الصناعة وأهلها، وقطاع التجارة وأهلها، وقطاع الخدمات وكذا النقل والمواصلات والسياحة وأهلها، وقطاع المعرفة وأهلها، وذلك كله عبر السياسة المالية والنقدية وغيرهما، كاللوائح التنظيمية التسهيلية وإلغاء الروتين والقيود والبيروقراطية، استناداً إلى أدلة متعددة بعضها يعمّ مسؤوليتها تجاه جميع طبقات الأمة، وبعضها خاص بالاقتصاد أو ببعض جوانبه. الأدلة العامة فمن الأدلة العامة: قوله (عليه السلام): (وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ:... وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ [مَا] يُصْلِحُهُ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِكَ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ وَثَقُل‏)، والرواية نص في أن (مقدار ما يُصلِح كل شخص من أفراد الشعب) حق على الوالي، والقاعدة الكلية أن أداء الحقوق واجب وأنه (لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)(1)، و(مقدار ما يصلحه) له عرض عريض يشمل توفير جميع متطلبات الحياة السعيدة التي أشرنا إليها سابقاً. ومن الأدلة العامة: قوله (صلى الله عليه وآله) (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(2)، بناءً على كون هذه القاعدة مُنشئةً للحكم، وتكون دائرة العموم أوسع إذا قلنا إن عدم النفع ضرر ولو في الجملة. الأدلة الخاصـة ومن الأدلة الخاصة: قوله (عليه السلام): (وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ)، وقوله (عليه السلام): (وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ)(3). و(مَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ) مفهوم عرفي يتغير أو يتطور بحسب تغيّر / تطوّر الأزمنة، والمرجع في تشخيص كونه مصلحاً لأهله، هو العرف. بل لعله يمكن اعتبار النص الأخير من الأدلة العامة استناداً إلى تعميم الحكم ببركة إلغاء الخصوصية، وإن كان موردها ومرجع الضمائر فيها خاصاً، أو يستند في الإطلاق إلى التعليل الوارد فيها: (فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ)، و: (لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ)، فالعلة هي كونه صلاحاً وكذا كونهم عيالاً، وذلك فيما لو صاروا عيالاً على غير الخراج، أو صار صلاح قطاع آخر، كقطاع المعرفة، وصلاح أهله صلاحاً لمن سواهم، من غير حاجة إلى التمسك بإلغاء الخصوصية أو بالملاك، وذلك لأن الملاك ليس معتبراً إلا إذا كان مستظهراً عرفاً من اللفظ ولو ببركة القرائن الحافة، فيكون ملحقاً بمصرح العلة، كما ذكره المحقق صاحب العروة (رحمه الله) في حاشيته على الرسائل. والغريب أننا نجد في هذه المعايير التي وضعها الإمام (عليه السلام)(4) طاقة ذاتية على التجديد والتجدد على امتداد الأزمان، ولذا فإنها تأبى الاندراس وتعصى على أن يتجاوزها الزمن، بل تبقى فوق الأزمان صالحة لكل زمان ومكان. ومن الأدلة الخاصة: قوله (عليه السلام) عن التجار والتجارة: (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً؛ الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ(5)؛ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا. "فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم"(6)؛ فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ)(7). ويتضمن هذا النص مفاهيم جديدة تزيد على ما تضمنته النصوص السابقة، ومنها أنّ (أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً) يزيد على (لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ)، بما يشمل الفضل فوق الحق والعدل. ومن الأدلة العامة والخاصة معاً: مطلع عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر ـ واليه على مصر، إذ يقول: (هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ، فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا)، ذلك أنّ (اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا) عام لكل الناس ولكل الجهات، ومن ذلك استصلاح أهلها في مجالات التعليم والصحة والسلم المجتمعي والأمن وغير ذلك. وأما (عِمَارَةَ بِلَادِهَا) فخاص بالأبعاد الاقتصادية من زراعة وإعمار وإجراء أنهار وجداول وشق طرق ونصب سدود وما إلى ذلك، وستجد تفصيلاً أكثر في عنوان آخر من هذا الكتاب(8). ويستفاد من إطلاق الروايات السابقة ولسانها الآبي عن التخصيص ظاهراً، تكليف الحكومة مسؤولية إدارة دفة (السياسة المالية والنقدية)(9)، ولكن فقط (بالقدر الذي يصلح أهله) و(التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) وضابطه هو: كل ما ينطبق عليه عرفاً أنه استصلاح لأهلها، وأنه عمارة لبلادها، وأنه (بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ) و: (بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ). بل إن: (وإن سَأَلوا مَعونَةً...) كالصريح في السياسة المالية التوسعية، وأما: (بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) فقد يتحقق بالتدخل بأدنى الدرجات، وقد يكون بتقديم سلسلة من الخدمات، كما قد لا يمكن الإصلاح إلا بإلغاء اللوائح التنظيمية الكابتة وبتغيير بنيوي أسسي يشمل: أ ـ البنية الاقتصادية التحتية، ومن ذلك وعلى سبيل المثال: شق الطرق وبناء الجسور والأنفاق واستنباط العيون وشق الجداول والأنهار وتأسيس المعامل والمصانع وغير ذلك. ب ـ والبنية الاجتماعية، وذلك عبر تأسيس بناء اجتماعي متطور يبتني على ضخ قيم إنسانية رفيعة، ونسج علاقات اجتماعية راسخة فعالة ذات تنظيم ديناميكي مَرِن لا يلغي الثوابت الفطرية والعقلائية والإنسانية بل يؤكّد لها. إضافة إلى ذلك فإن هذين الهدفين: (وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا) بما يحملان من سعة وجودية ذاتية وقابلية للتمدد والتوسع، بحسب قابلية القابل ومقتضيات الظروف والزمان والمكان، وبما يضمّانه من مقياس قِيمي دقيق، هما الأصلح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من الدعوة إلى (التغيير الشامل لكل الأوضاع التقليدية وصولاً إلى بناء نظام اجتماعي جديد) التي هتف بها بعض علماء التنمية(10)، والذي يجاري القِيَم الإنسانية كما يجاري أضدادها من دون أن يتأطر، في صياغته وعنوانه العريض، بالضابط الأخلاقي ـ الإنساني والقِيمي. حدود دور الحكومة لدى الجمع بين النصوص ولكن ذلك كله لا ينفي دعوتنا العامة لتقليص دور الحكومة إلى أقصى حد ممكن ولدى الضرورة فقط، بمعنى أن المطلوب هو أن يكون الناس ـ بأنفسهم ـ الناهضين بالتنمية عبر مؤسسات المجتمع المدني وكأفراد، وأن تكون الحكومة أقرب إلى الحكومة الحارسة قدر المستطاع، وإنما مسؤوليتها تبدأ حيث يعجز آحاد الناس ومؤسسات المجتمع المدني عن التنمية لسبب داخلي أو خارجي، وهنا يجب على الدولة أن تتدخل بالحد الأدنى والمستوى الأول، فإن لم يُجْدِ ذلك انتقلت إلى المستوى الثاني، وإلا فالمستوى الثالث، فذلك كله مما يتحدد بقدر الضرورة أولاً وكحالة طارئة ثانياً، بمعنى أن تدخل الحكومة محدود ومؤقت بسقف زمني يجب أن يكون واضحاً، ولا يصح أن يسمح لها بأن تستطيب دورها التدخلي وتستصحبه، بل عليها أن تقتصر من حيث الكمية والكيفية والزمان، على أدنى الدرجات، وفيما عدا ذلك فإنّ عليها مجرّد التخطيط والتوجيه. وذلك كله جمعاً بين الأدلة، ومنها الروايات الماضية بعد ضمها إلى نصوصه (عليه السلام) الأخرى، كالنص الذي سنتناوله بالتحليل بعد صفحات، إذ يقول (عليه السلام): (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ...)، وغيره من النصوص وأيضاً القواعد العامة. ولكن ذلك يستدعي وضع خطة شاملة تضعها مراكز الدراسات المتنوعة وبالتعاون مع أهل الحل والعقد والمفكرين والمعارضة، إضافة إلى توفّر رقابة دائمة تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والحرة والعشائر والنقابات والاتحادات والمعارضة، إضافة إلى مجلس الأمة (البرلمان) بلجانه المختلفة المعنية وغرفه المتنوعة، بل ببرلماناته المتوازية(11) والقضاء النزيه، وأيضاً، في هذا العصر، آراء الناس مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الاستبيانات والاستطلاعات المكثفة المتواصلة التي تقوم بها جهات مختلفة محايدة، لتقييم الناس لأداء الحكومات ومدى سلطويتها وحدود تدخلها. والسبب في ذلك التأكيد وهذا التشديد هو أن الأصل في الحكومات أنه (ما ثبت دام)، لأن السلطة تميل إلى التمركز أكثر فأكثر وباستمرار، ومن أمسك بسلطةٍ أو بطرفٍ منها صعب عليه جداً أن يتخلى عنها، بل إذا أراد النادر أن يتخلى عنها فإن الحلقة الضيقة المحيطة به من أقربائه وأعوانه والمنتفعين، سترفض وتضغط عليه كأشدّ ما يكون الضغط، لذا كان لا بد من وضع أسقف زمنية محددة مع رقابة قوية مستمرة صارمة من جهات عديدة قضائية ـ إعلامية ـ برلمانية ومن مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، على ما فصلناه في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية). مقارنة بين نصوصه (عليه السلام) واقتصاد السوق ويقترب من هذا الرأي الذي استنبطناه من الجمع بين النصوص العلوية، الرأي المناصر للأسواق في مقابل التدخل الحكومي، وعلى سبيل المثال يقول مؤلف كتاب (الاقتصاد) مستعرضاً الرأي الذي يتبناه قسم كبير من العلماء في هذا الحقل: (الدولة مقابل السوق. ثقافة العديد من الدول النامية تعادي عمليات السوق. وغالباً ما تكون المنافسة ما بين الشركات أو السلوكيات التي تبغي الربح، مُناقضةً للممارسات التقليدية، والمعتقدات الدينية، أو المصالح المكتسبة. ومع ذلك، فإن عقوداً من التجارب تشير إلى أن الاعتماد الزائد على الأسواق يوفر أفضل وسيلة لإدارة الاقتصاد وتشجيع النمو الاقتصادي السريع. شرحنا فيما تقدم بعض عناصر السياسة ذات التوجهات السوقية. وتشمل أهم العناصر: التوجهات الخارجية في السياسة التجارية، والتعرفات الجمركية المتدنية وقلة القيود الكمية، وسهولة الدخول والخروج، وتشجيع قطاعات الأعمال الصغيرة، ورعاية المنافسة. علاوة على ذلك، تعمل الأسواق بشكل أفضل في بيئة اقتصادية مستقرة، بيئة يمكن توقع الضرائب فيها، وحيث الأسعار مستقرة، وميزانية الدولة متوازنة(12). عقود من التجارب في عشرات البلدان قادت العديد من علماء التنمية الاقتصادية إلى تبني وجهة النظر الملخصة أدناه في الطريقة التي يمكن للحكومة أن تشجع بها التنمية الاقتصادية السريعة. للحكومة دور حيوي في إقامة بيئة اقتصادية سليمة والحفاظ عليها ومن واجبها ضمان الأمن والنظام، وفرض تنفيذ العقود، وتوجيه النُظم نحو تشجيع المنافسة والتجديد، وغالباً ما تلعب الحكومة دوراً ريادياً في الاستثمار في رأس المال البشري عن طريق التعليم، والصحة، والمواصلات. لكن يتوجب على الحكومة أن تقلّل إلى أدنى حدّ ممكن من تدخلها في قطاعات ليس لها فيها ميزة نسبية أو تحاول السيطرة عليها. وعلى الحكومة أن تركز جهودها على المجالات التي تبدي علامات واضحة على فشل السوق، وأن تزيل العوائق التنظيمية من أمام القطاع الخاص في المجالات التي للحكومة فيها ميزة نسبية)(13). وبشكل عام، فإن وجهة النظر الكلية هذه (أهمية الأسواق المتزايدة ودور الحكومة المحدود المتأطر بإطار رعايتها وشبه ذلك) تتوافق في خطوطها العريضة مع النظرية التي طرحها الإمام علي (عليه السلام) قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، إذ يقول موصياً واليه على مصر: (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً؛ الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ. فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا. "فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم"(14)؛ فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ. وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ، وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ. وَاعْلَمْ، مَعَ ذَلِكَ، أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ؛ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ. فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْهُ. وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً؛ بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ: مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ. فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ، فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ؛ "فَإنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) فَعَلَ ذَلِكَ"(15))(16). فقد اعتبر التجار والصناعيين (والمزارعين أيضاً بحسب نص آخر) هم المحور في العملية الاقتصادية: (فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ)، وليست الحكومة في منظاره (عليه السلام) المحور أو المصدر بل إنّ واجب الحكومة يتلخص في قوله (عليه السلام): (فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم)، و: (تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ) ثم لدى الضرورة والاضطرار: (إن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ). * مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي ......................................... (1) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج1 ص315. (2) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص292. (3) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص361. وفي تحف العقول: ص97، باختلاف يسير. (4) (مَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ).. الخ. (5) (بِيَدَيْهِ) ورد في هامش نسخة ابن النقيب: ص392. (6) ورد في تحف العقول: ص99، باختلاف يسير. (7) نهج البلاغة: الكتاب 53. (8) راجع أول الفصل الرابع، وغيره. (9) بحسب التفصيل الذي ذكرناه في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية) حيث جزّأنا سلطات الحكومة إلى عشر سلطات، وبحسب ما فصّلناه في كتاب (بحوث في الاقتصاد الإسلامي المقارن)، وفي هذا الكتاب. (10) راجع عنوان (تطوير أو تغيير الهياكل الاجتماعية) وعنوان (تغيير / تطوير أساليب الحياة الشائعة) من هذا الكتاب. (11) يراجع (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية). (12) جميع البنود السابقة والبنود الآتية في الفقرة التالية، تجد تفصيل الكلام عنها بحسب النصوص الدينية ضمن عناوين متعددة في هذا الكتاب، وفي الكتاب السابق: (بحوث في الاقتصاد الإسلامي المقارن). (13) بول سامويلسون، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص738. (14) ورد في تحف العقول: ص99. (15) ورد في تحف العقول: ص99. (16) نهج البلاغة: الكتاب 53.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store