
تعاون عسكري بين مصر وتركيا يشمل توطين صناعات متقدمة
تركيا
لا يقتصر على مشروع
مقاتلة الجيل الخامس "قآن"
فقط، بل يشمل مجالات أوسع في التصنيع العسكري، من بينها تفاهمات مبدئية لتوطين إنتاج الطائرات المُسيّرة الهجومية من طراز "بيرقدار"، التي تُعدّ من أبرز المنتجات الدفاعية التركية الحديثة.
وبحسب المصادر، فإن القاهرة أعربت عن اهتمامها بتصنيع الطائرة "بيرقدار تي بي 2" محلياً، أو تطوير نسخة معدّلة منها داخل المصانع الحربية المصرية، نظراً إلى حاجتها المتزايدة إلى هذا النوع من السلاح في ظل التحديات الأمنية على جبهات متعددة، ولا سيما في سيناء والمناطق الحدودية الغربية والجنوبية. وكشفت وسائل إعلام تركية عن موافقة أنقرة من حيث المبدأ على انضمام مصر شريكاً مطوّراً في مشروع إنتاج المقاتلة التركية من الجيل الخامس "قآن "(TAI Kaan)، وذلك في خطوة غير مسبوقة نحو شراكة تقنية وصناعية استراتيجية بين البلدين، في قطاع الصناعات الدفاعية.
وذكرت تقارير تركية أن مشاركة مصر في البرنامج تفتح الباب لتعزيز التعاون العسكري والتقني بين أنقرة والقاهرة، بما يعكس مساراً متصاعداً من التقارب بين الجانبين في السنوات الأخيرة. وبحسب هذه التقارير، فإن الرئيس المصري
عبد الفتاح السيسي
عبّر عن اهتمام بلاده بالانضمام إلى البرنامج خلال زيارته الرسمية إلى أنقرة في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وهي الزيارة الأولى له إلى العاصمة التركية رئيساً.
وجاءت الخطوة التركية عقب زيارة ميدانية أجراها وفد من القوات الجوية المصرية إلى منشآت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش"، اطّلع خلالها على النموذج الأولي للطائرة وخطوط الإنتاج، حيث تخضع المقاتلة حالياً لسلسلة من التجارب الجوية والاختبارات الفنية. ومن المتوقع، بحسب المصادر، توقيع مذكرة تفاهم رسمية بين الجانبين قبل نهاية عام 2025، تمهيداً لتعاون أوسع يشمل نقل التكنولوجيا والتصنيع، وربما الإنتاج المشترك مستقبلاً.
وتُعرف "قآن" أيضاً باسم "الطائرة القتالية الوطنية"، وهي مقاتلة شبحية من الجيل الخامس بمحركين، مصممة للعمل في جميع الظروف الجوية، وتطمح تركيا إلى أن تحل محل أسطول مقاتلات إف-16 في سلاحها الجوي، كما تسعى إلى تصدير الطائرة إلى الأسواق الدولية. وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة تركية أوسع لتطوير قدراتها في مجال الصناعات الدفاعية، وضمن طموحها للانضمام إلى نادي الدول المنتجة لطائرات الجيل الخامس، الذي يضم الولايات المتحدة وروسيا والصين فقط.
أخبار
التحديثات الحية
مصر وتركيا تنفذان تدريبات عسكرية مشتركة بمشاركة القوات الخاصة
ووفقاً للمواصفات الفنية، تتمتع "قآن" بقدرات متقدمة في مهام التفوق الجوي، والحرب الإلكترونية، والضربات الدقيقة، وتصل سرعتها إلى 1.8 ماخ، بقدرة طيران تفوق 55 ألف قدم. كما تُجهّز بمنظومات تسليح محلية تشمل صواريخ "بوزدوغان" و"غوكدوغان" جو-جو، وصواريخ كروز من نوع SOM، وقنابل موجهة من طراز HGK، إضافة إلى أنظمة تشويش إلكترونية متطورة.
ويعكس انضمام مصر إلى البرنامج، رغبة القاهرة في التحول من دولة مستوردة للسلاح، إلى شريك صناعي فاعل في مشاريع عسكرية كبرى. ويقول مراقبون إن التعاون الدفاعي المتنامي مع تركيا يأتي ضمن توجه مصري لتوسيع التصنيع المحلي للأسلحة، في ظل فاتورة استيراد ضخمة وأوضاع اقتصادية صعبة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن منشآت الإنتاج الحربي في مصر تصنّع حالياً مجموعة متنوعة من المعدات والأسلحة، وقد تم عرض العديد منها في معرض مصر الدولي للدفاع EDEX ومعارض أخرى دولية.
ورغم محدودية المعلومات المتوفرة حتى الآن حول مدى المشاركة المصرية التقنية في تطوير الطائرة، وإمكانية مساهمة المعاهد والهيئات البحثية المصرية في التصميم أو الإنتاج، إلا أن التقارير التركية تعتبر موافقة أنقرة على إشراك القاهرة في البرنامج خطوة رمزية قوية باتجاه بناء شراكة استراتيجية أوسع في المجال العسكري.
وفي هذا السياق، يُذكر أن رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة، زار تركيا مرتين خلال أقل من ستة أشهر، التقى خلالهما نظيره التركي متين جوراك، ومسؤولين آخرين في وزارة الدفاع التركية، في مؤشر على جدية الجانبين في تعزيز العلاقة العسكرية. كما تبدي القاهرة اهتماماً متزايداً بمنتجات الدفاع التركية، مثل الطائرات بدون طيار، وأنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ الذكية، ما يعزز فرص توسيع الشراكة في برامج تسليحية أخرى خلال السنوات المقبلة.
ويرى خبراء عسكريون أن مشاركة مصر في برنامج "قآن" من شأنها أن تعيد رسم موازين القوى الجوية في الشرق الأوسط، وتفتح أمام القاهرة بوابة تكنولوجية جديدة تُمكّنها من امتلاك قدرات تصنيعية متقدمة على المدى المتوسط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
معاذ الكساسبة ونموذج الجريمة الموثَّقة في سورية
تحطمت، في ديسمبر/ كانون الأول 2014، طائرة إف-16 تابعة لسلاح الجو الأردني قرب مدينة الرقّة (شمالي سورية)، ووقع قائدها معاذ الكساسبة (26 عاماً)، أسيراً بيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفي مطلع العام التالي (2015)، صُدمنا بمشهد الطيّار الأردني محبوساً داخل قفص حديدي يُحرَق حيّاً في مشهد "سينمائي" معدّ بعناية. لم تكن الجريمة مجرّد قتل، بل عرضاً منمذجاً للعنف: إخراج محترف، زوايا تصوير متعدّدة، مؤثّرات صوتية، ونصوص دينية تغلّف الوحشية بهالة مزيفة من الشرعية. كانت الجثّة المحترقة وسيلةً لبثّ رسالة أيديولوجية عابرة للحدود. لم تكن الجريمة إشباعاً لسادية داخلية فحسب، بل جزءاً من استراتيجية اتصالية متكاملة: زرع الخوف واستعراض الهيمنة وتجنيد الأتباع وفرض سردية التنظيم بوصفه سلطة تمارس الحكم والردع علناً. تعود إلينا ذكرى الجريمة المروّعة بعدما حكمت محكمة سويدية (الخميس الماضي) بالسجن المؤبّد على الجهادي السويدي من أصل سوري أسامة كريّم، أحد المشاركين في جريمة قتل معاذ الكساسبة، والمتورّط أيضاً في تفجيرات بروكسل عام 2016. جاء الحكم متأخّراً، وكان كريّم أول المحكومين، بينما تمكّن آخرون من الإفلات من المحاسبة (حتى الآن). جريمة حرق معاذ الكساسبة حيّاً وثّقها الجناة بأنفسهم، في نموذج يُعاد إنتاجه محلياً في سورية اليوم، وإن بدا سينمائياً أقلَّ احترافية، لكنّه مشهد لا يقلّ وحشيةً. ارتكب نظام بشار الأسد 14 عاماً انتهاكات ممنهجة: تعذيب وقتل تحت التعذيب وإخفاء قسري وإعدامات ميدانية، وقصف للمدنيين بالبراميل المتفجّرة والأسلحة الكيماوية، لكنّه حرص على إبقاء أدوات القتل في الظلّ، فالقتل كان وظيفة تُنكَر، لا رسالةً تُعلَن. تسرّبت الصور من المعتقلات أو الميادين، مصادفة أو عبر منشقّين. وعرف النظام كيف يستثمر في مجازر خصومه/ أشباهه ليرسّخ روايته: "أنا الدولة، أنا القاتل الضروري، أمّا البديل فهو القاتل الفوضوي". اليوم، في سورية ما بعد الأسد، نشهد عودة نموذج (باراديم) الجريمة الموثّقة. من مجازر الساحل إلى السويداء، القتل لم يعد يحدُث في الخفاء، بل أمام عدسات الكاميرات، أحياناً بلا محاولة لإخفاء الوجه، بلا إنكار، وبلا خشية من المساءلة. لم تعد المشكلة في مَن يقتل فقط، بل في منظومةٍ لا ترى في القتل ما يستحقّ الإخفاء أصلاً. بدأ خطاب الإنكار الذي مارسه النظام القديم يتلاشى، وحلّ مكانه خطاب ضمني يشرعن "الحقّ في القتل". لم يعد القتل المصوَّر مجرّد سلاح سياسي، بل أصبح أيضاً فعلاً نفسياً واجتماعياً. حين يوثّق القاتل جريمته، فهو يطلب من العالم أن يراه، أن يخافه، أن يعترف به. أحياناً يسعى إلى بناء هيبة في غياب القانون، وأحياناً يعيد تعريف البطولة: القاتل ليس مجرماً، بل بطل، أو مجاهد، أو منقذ. هكذا يُصنع بديل من الحقيقة لا يقوم على العدل، بل على العدسة. في مجتمعات مدمّرة تغيب منها المحاسبة والعدالة الانتقالية، تنتشر ثقافة العقاب، ويتحوّل التوثيق من أداة إدانة إلى أداة لإعادة إنتاج قيمة العنف. ويصبح القاتل، كما تقول الصورة، هو الموجود الوحيد: أنا أقتل، إذاً أنا موجود. نموذج الجريمة الموثّقة في "سورية الجديدة" يأتي في إطار مشهد فوضوي: مقاطع فردية مرتجلة، وتعبير عن غياب الدولة، وعن تفوّق لحظي لا يعبأ بشرعية أو مساءلة. ويكفي أن تُترك الجريمة من دون إدانة، والقاتل من دون عقوبة، والضحية من دون اعتراف، ليتعاظم الخطر، الذي لا يأتي فقط من رافعي الرايات السوداء، بل من كلّ عقلٍ لا يعترف بالآخر، ولا يقبل المحاسبة، ولا يرى الإنسان إلا من خلال طائفته أو هُويَّته الضيّقة. ولا مخرجَ من هذه الحلقة من دون مواجهة الجذور التي أنبتت هذا النموذج العنيف: الإذلال والفقر والجهل والطائفية والإفلات من العقاب... وغياب الدولة التي تحاسب مهما كانت هُويَّة القاتل. من معاذ الكساسبة إلى مجازر اليوم، لا نعيش تكراراً في التفاصيل، بل في الجوهر. طالما السلاح مرفوع ستظلّ الكاميرا تعمل، والرسالة القاتلة مستمرّة. يتبدّل الجاني، يُعدَّل الإخراج، لكن العرض لا يتوقّف. وما لم تُكسر حلقة الإفلات من العقاب، ونُنجز قطيعة فكرية حقيقية مع منطق الغلبة والثأر، فلن تكون سورية إلا فصلاً جديداً من مسلسل القفص والنار.


العربي الجديد
منذ 18 ساعات
- العربي الجديد
مصر: السيسي يصدق على قانون الإيجار القديم
بعد انتظار خمسة أسابيع، صدق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تعديلات قانون الإيجار القديم ممثلة في القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والقانون رقم 165 لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 4 لسنة 1996، في ما يخص سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها، والأماكن التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها. وقضت تعديلات القانون بتحرير العلاقة الإيجارية بين الطرفين بمرور سبع سنوات لغرض السكن، وخمس سنوات لغير غرض السكن، ومضاعفة القيمة الإيجارية الشهرية في المناطق السكنية المتميزة بواقع 20 مثلاً، بحد أدنى 1000 جنيه، و10 أمثال للوحدات الكائنة بالمنطقتين المتوسطة والاقتصادية، بحد أدنى 400 جنيه في المناطق المتوسطة، و250 جنيهاً للوحدات الكائنة في المناطق الاقتصادية. وقبل أسبوع، كشف "العربي الجديد" أن مجلس النواب أرسل جميع التشريعات التي أُقرت في دور الانعقاد الأخير إلى مؤسسة الرئاسة، تمهيداً للتصديق عليها من الرئيس. وشملت حزمة القوانين المحالة: الإيجارات القديمة، والإجراءات الجنائية، والتعليم، والرياضة، وقواعد التصرف في أملاك الدولة الخاصة، وهي تشريعات أعدت بالتنسيق بين الحكومة والأغلبية البرلمانية، ممثلة بحزب مستقبل وطن. اقتصاد عربي التحديثات الحية تعافي الجنيه يقلص أعباء الدين العام المصري واستحدث تعديل قانون الإيجار القديم حالات تجيز للمالك أو المؤجر المطالبة بإخلاء العين المؤجرة، بخلاف الحالات الواردة بقوانين الإيجار القديم، إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار المكان المؤجر مغلقاً لمدة تزيد على سنة من دون مبرر، أو إذا ما ثبت أنه يمتلك وحدة سكنية أو غير سكنية (بحسب الأحوال)، قابلة للاستخدام في ذات الغرض المعد من أجله المكان المؤجر. وألزم التعديل المستأجر بإخلاء المكان المؤجر بعد انقضاء المدة المحددة في القانون، ورده إلى المالك. وفي حالة امتناعه عن الإخلاء يكون للمالك الطلب من قاضي الأمور الوقتية، في المحكمة الكائن بدائرتها العقار، إصدار أمر بطرد الممتنع عن الإخلاء. كما نص على منح المستأجرين وحدات سكنية -إيجاراً أو تمليكاً- من الوحدات المتاحة لدى الدولة، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان وصندوق التنمية الحضرية، وفقاً للقواعد والشروط والإجراءات التي يحددها رئيس مجلس الوزراء. وتتركز أغلب الإيجارات القديمة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية، وبعض محافظات الوجه البحري. وتقدر منظمات مجتمع مدني مصرية مستقلة عدد السكان في العقارات الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة بنحو 15 مليون شخص، من أصل 108 ملايين نسمة تقريباً. وفق تعداد جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي للعام 2017، فإن مصر يوجد فيها ثلاثة ملايين و19 ألفاً و662 وحدة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة، منها نحو مليون و879 ألف وحدة سكنية، و575 ألف وحدة للنشاط غير السكني (تجاري وإداري)، وتسعة آلاف و307 وحدات تستخدم للسكن والعمل معاً. وبلغ عدد الوحدات في المناطق الحضرية نحو مليوني و792 ألفاً و224 وحدة، وفي الريف 227 ألفاً و438 وحدة. وتصدرت العاصمة القاهرة قائمة المحافظات بأكثر من مليون و99 ألف وحدة، تليها الجيزة بإجمالي 562 ألفاً و135 وحدة، ثم الإسكندرية بـ 433 ألفاً و761 وحدة. طاقة التحديثات الحية فاتورة باهظة.. مصر تخطط لعقد صفقات غاز جديدة لتعويض العجز وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم 136 لسنة 1981، اللتين تقضيان بعدم جواز زيادة الأجرة السنوية للأماكن السكنية الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة. وحددت المحكمة اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب، في غضون شهر يوليو/تموز 2025، تاريخاً لإعمال أثر حكمها، بسبب حاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل المتاحة، ويضع ضوابط حاكمة لتحديد الأجرة. (الدولار= 48.69 جنيهاً)


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
قصة "جمهورية الكويت" التي لم تدم سوى 4 أيام
في الثاني من أغسطس/آب من عام 1990، اجتاحت القوات العراقية أراضي دولة الكويت في عملية عسكرية مفاجئة أمر بها الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، معلنةً بداية واحدة من أخطر الأزمات في منطقة الخليج العربي، التي مهدت لاحقاً لحرب الخليج الثانية. وكانت الأزمة بين العراق والكويت قد اندلعت بسبب مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية. إذ بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988، وجد العراق نفسه غارقاً في الديون، خصوصاً من دول الخليج التي دعمته مالياً خلال الحرب، وعلى رأسها الكويت والسعودية. وطالبت الكويت العراق بتسديد ديونه. وتفاقمت الأزمة بسبب اتهامات عراقية للكويت بتجاوز حصصها في إنتاج النفط ضمن منظمة "أوبك" (منظمة الدول المصدرة للنفط)، مما أسهم في انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تراجع دخل العراق. اتهم العراق الكويت أيضاً بسرقة النفط من حقل الرميلة المشترك. وفي خضم هذا المناخ المتوتر، اتخذ صدام حسين قراره بغزو الكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990، وبعد السيطرة على البلاد، تمّ تعيين علي حسن المجيد (ابن عم صدام) حاكماً عسكرياً للكويت. الحكومة المؤقتة وقد بدأت السلطات العراقية حينها سريعاً اتخاذ خطوات لإضفاء "شرعية شكلية" على وجودها في الكويت. وتمثلت إحدى هذه الخطوات في إنشاء ما أُطلق عليه اسم "جمهورية الكويت"، ككيان سياسي جديد على أنقاض الدولة الكويتية المستقلة. فبعد يومين من السيطرة على البلاد وتحديداً في الرابع من أغسطس/آب من عام 1990، أعلن صدام حسين إنشاء "جمهورية الكويت"، وأعلن أن هذه الجمهورية الجديدة هي كيان مستقل تحكمه "ثورة شعبية"، وذلك بحسب كتاب "الكويت.. الغزو والتحرير" لرجاء حسن ميناوي. ولم يكن هذا الإعلان، بحسب محللين ومؤرخين، منفصلاً عن استراتيجية صدام حسين الهادفة إلى كسب الوقت والتمويه السياسي. فبدلاً من إعلان الضم المباشر منذ اليوم الأول، سعى النظام العراقي إلى تقديم الوضع كأنه "ثورة داخلية" قام بها "الكويتيون أنفسهم" ضد "نظام عميل للاستعمار والإمبريالية"، واستخدم الإعلام العراقي آنذاك هذه التوصيفات لتبرير الغزو أمام الرأي العام العربي والدولي. وكانت البداية، في تعيين حكومة الكويت الحرة المؤقتة التي تألفت من 9 من الضباط الكويتيين السابقين الذين تعاونوا مع النظام العراقي، أو اعتبروا كذلك لاحقاً. وتمّ تعيين العقيد علاء حسين علي الخفاجي الجبر رئيساً لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، كما شغل منصبي وزير الدفاع ووزير الداخلية أيضاً. وكذلك تعيين المقدم وليد سعود محمد عبد الله وزيراً للخارجية، والمقدم فؤاد حسين أحمد وزيراً للمالية والنفط، والرائد فاضل حيدر الوافقي وزيراً للإعلام والنقل، والمقدم حسين دهيمان الشمري وزيراً للشؤون الاجتماعية. وورد في كتاب "الكويت.. الغزو والتحرير" لرجاء حسن ميناوي، أنّ علاء حسين وُلد في الكويت عام 1948 وانتمى لحزب البعث في العراق عندما كان يدرس في جامعة بغداد، وهو ضابط سابق في الجيش الكويتي. وقد بث التلفزيون الكويتي الرسمي، الذي سيطرت عليه القوات العراقية، بياناً مصوراً لعلاء حسين وهو يعلن تأسيس الحكومة الجديدة، داعياً الكويتيين إلى التعاون مع القيادة الجديدة. وقد أعلنت الحكومة الجديدة عن سلسلة من "القرارات الثورية"، مثل تأميم الشركات الغربية، ومصادرة ممتلكات الأسرة الحاكمة، وحل مجلس الأمة الكويتي، وتحويل إمارة الكويت إلى جمهورية، ومنحت الجنسية لجميع المواطنين العرب المقيمين في الكويت آنذاك. "دُمية" ولم تكن هذه الحكومة تملك أي سلطة حقيقية، ولم تكن أكثر من واجهة شكلية، اعتبر البعض أنّ النظام العراقي أراد بها تبرير ضمّه للكويت أمام الرأي العام المحلي والدولي. ورفض الشعب الكويتي هذه الحكومة، كما رفضت المعارضة الكويتية التعاون معها. ومن الناحية الزمنية، لم تعش هذه الحكومة أكثر من 4 أيام فقط، حيث قرر صدام حسين في 8 أغسطس/ آب من عام 1990 ضمّ الكويت رسمياً إلى العراق، وأعلن أنّ الحكومة المؤقتة قد طلبت منه ذلك، مما جعل وجودها منعدم المعنى قانونياً وعملياً. وصدر في 28 أغسطس/آب من عام 1990، مرسوم بإنشاء محافظة الكويت لتكون المحافظة العراقية الـ 19 التي تتكون من 3 مناطق وهي كاظمة (العاصمة الكويت)، والجهراء، والنداء (الأحمدي) وتم تنصيب العراقي عزيز صالح النومان محافظاً للكويت. وعقب حلّ الحكومة المؤقتة، أصدر صدام حسين قراراً بتعيين علاء حسين علي نائباً لرئيس الوزراء العراقي، وعين الوزراء الباقين كمستشارين في رئاسة الجمهورية بدرجة وزير. وهكذا، أُلحقت الكويت بالعراق كمحافظة عراقية، وبدأ الجيش العراقي في فرض القوانين العراقية على كامل أراضي دولة الكويت، بما في ذلك تغيير المناهج، واستبدال العملة، وحظر الصحف الكويتية. كما أُغلقت السفارات الأجنبية في الكويت، وتم طرد العديد من الدبلوماسيين، وفُرضت قيود شديدة على السكان المحليين، واستُخدم التعذيب والاعتقال والإعدامات كوسائل للترهيب، وأصبح الوجود العسكري هو المسيطر على الحياة اليومية في البلاد، وأعلن صدام حسين أنّ "الكويت عادت للوطن الأم". ويشير الكثير من المؤرخين والمحللين السياسيين، إلى أنّ إعلان "جمهورية الكويت" لم يكن إلا "مسرحية سياسية وخطوة تكتيكية عراقية" تهدف إلى كسب الوقت أمام الضغط الدولي المتزايد. حيث كانت القيادة العراقية تدرك أنّ إعلان الضم المباشر للكويت من اليوم الأول سيستفز المجتمع الدولي، ولذلك فضلت أن تقدم الأمر وكأنه "ثورة شعبية داخلية" تبعها "طلب" بالانضمام إلى العراق. الحرب والتحرير وقد أدانت الأمم المتحدة الغزو، وبدأت بفرض حظر على العراق منذ 6 أغسطس/آب من ذلك العام، قبل أن يصوت مجلس الأمن في 29 نوفمبر/تشرين الثاني على القرار رقم 678 الذي يشرع استخدام القوة ضد العراق، ويحدد مهلة تنتهي في 15 يناير/كانون الثاني من عام 1991 عند منتصف الليل للخروج من الكويت. وقد شهد مطلع شهر يناير/كانون الثاني من عام 1991، جهوداً دبلوماسية مكثفة لمحاولة إنهاء الأزمة دون اللجوء إلى القوة ومع مضي الأيام، ازداد الشعور بحتمية وقوع الحرب. وأخفقت المساعي العربية لحل الأزمة تماماً، والتقى أمين عام الأمم المتحدة، خافير بيريز دي كويار، بالرئيس العراقي، صدام حسين، لكنه لم يستطع إقناعه بالانسحاب أو حتى الدخول في مفاوضات بشأن الانسحاب. وفي 9 يناير/كانون الثاني من عام 1991، انتهت محادثات أجريت بين وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، ونظيره العراقي طارق عزيز بالإخفاق أيضاً. وعندها أعلنت واشنطن أنها استنفدت جميع السبل الدبلوماسية للوصول إلى حل، صوت الكونغرس الأمريكي لصالح قرار شن حرب ضد العراق في 12 يناير/كانون الثاني. وقد استمرت السيطرة العراقية على الكويت لعدة أشهر، حتى قررت الولايات المتحدة بقيادة تحالف دولي يضم 34 دولة، شن حملة عسكرية لتحرير الكويت، بدأت في 16 يناير/كانون الثاني من عام 1991 تحت اسم "عاصفة الصحراء". وفي فبراير/شباط من نفس العام، تم تحرير الكويت بالكامل، وانسحبت القوات العراقية تحت ضغط عسكري كثيف، وسط دمار كبير خلفه الجيش العراقي، شمل حرق آبار النفط وتخريب البنية التحتية. وفي 14 مارس/آذار من عام 1991، عاد أمير الكويت الشيخ، جابر الأحمد الصباح، إلى بلاده بعد أشهر من أداء حكومته أعمالها مؤقتاً من السعودية. ذكرى مريرة وبعد تحرير الكويت، عاد أعضاء الحكومة المؤقتة الموالية للعراق إليها وتحديداً في 27 أبريل/نيسان من عام 1991، باستثناء علاء حسين، وقاموا بتسليم أنفسهم للسلطات الكويتية فور عودتهم. وتمت إحالتهم إلى جهات التحقيق في جهاز أمن الدولة الكويتي التي انتهت من التحقيق معهم في 15 مايو/أيار من عام 1991، ثمّ حولتهم إلى نيابة أمن الدولة في 22 يوليو/تموز، وقد أكدوا خلال التحقيقات ولائهم للكويت وأميرها وشهدوا ضد علاء حسين. وفي 9 سبتمبر/أيلول من عام 1991، أعلن وزير العدل الكويتي آنذاك، غازي عبيد السمار إغلاق ملف الحكومة الموقتة، مشيراً إلى انتهاء التحقيقات، وأن أعضاء تلك الحكومة "كانوا مسلوبي الإرادة وتعرضوا للضرب وتهديدات وتعذيب مادي ونفسي وأنه جرى الاستناد في التحقيق على التقارير الواردة من الاستخبارات العسكرية ومباحث أمن الدولة". وقد عادوا بعد ذلك للعمل في وزارة الدفاع الكويتية، وتناسى المجتمع الكويتي قضيتهم بهدوء، بحسب ما ورد في كتاب "الكويت.. الغزو والتحرير" لرجاء حسن ميناوي. أمّا علاء حسين علي، الذي ترأس تلك الحكومة، فقد غادر العراق عام 1998 إلى تركيا ومنها إلى النرويج قبل أن يعود ويسلم نفسه إلى الكويت عام 2000 ليبرئ نفسه كما قال من تهمة العمالة للعراق، وقد حوكم بتهمة الخيانة العظمى، وصدر بحقه حكم بالإعدام، إلا أن الحكم خُفف لاحقاً إلى السجن المؤبد. وقد قال علاء حسين علي للقضاة إنه أجبر على رئاسة "الحكومة العميلة" بعد أن هددته السلطات العراقية باحتجاز أسرته وقتله إن لم يؤد الواجب الذي كلف به، وأضاف أنه "لا يدري سبب اختيار العراقيين له من بين مئات من سجناء الحرب لرئاسة حكومة عميلة في الكويت"، مشيراً إلى أن العراقيين أجبروه على البقاء في العراق بعد الحرب حتى عام 1998. وقد أسقطت الكويت الجنسية عن علاء حسين في سبتمبر/أيلول الماضي. ومن الناحية القانونية، فإن "جمهورية الكويت" لم تستوفِ أياً من المعايير القانونية للدولة، حيث إنها كانت فاقدة لأي نوع من السيادة أو الاعتراف، مما جعل وجودها القانوني في حكم العدم. كما أن السرعة التي أُنشئت فيها، ثم أُلغيت بها، تدل على أنها كانت مجرد أداة مؤقتة لتبرير عدوان، لا كياناً سياسياً حقيقياً. كما لم تصدر "حكومة الكويت الحرة المؤقتة" تلك أي قوانين، ولم تمارس أي مهام إدارية أو دبلوماسية، ولم يكن لها أي تواصل مع المجتمع الدولي. وعلى الرغم من قصر عمر هذه الحكومة، إلا أنّ آثارها النفسية والسياسية بقيت حاضرة في وجدان الكويتيين كذكرى مريرة عزّزت من تماسكهم الوطني، وأعادت تأكيد أهمية السيادة والاستقلال.