
مركز المستقبل ناقش.. دور السياسات الحكومية في بناء المواطنة عند أجيال العصر الرقمي
انعدام الثقة بالنظام السياسي انعكس في عزوف الأجيال الجديدة عن المشاركة السياسية وولد فجوة بين الأجيال والمفاهيم الحكومية ادى الى ضعف الوعي بأهمية المواطنة وتزايد حالات الفردية والانعزال عن المشهد المجتمعي. فهناك غياب واضح للحوار الفعال بين الحكومة والشباب، أدى إلى تزايد الإحباط والانفصال فالأجيال التي تنمو بلا ذاكرة...
عقد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ملتقاه الفكري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "السياسات الحكومية وبناء المواطنة في أجيال العصر الرقمي"، بمشاركة واسعة من مدراء مراكز دراسات بحثية، وأكاديميين، وإعلاميين، حيث تم مناقشة تأثير التحولات الرقمية على الأجيال الجديدة وتحديات بناء المواطنة في ظل التطورات التكنولوجية المستمرة.
قدّم الورقة البحثية في الملتقى الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الاستاذ حيدر عبد الستار الاجودي، الذي ناقش في ورقته الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع، مشيرًا إلى تحديات بناء هوية وطنية تتماشى مع التطورات التكنولوجية، فضلاً عن التأثيرات السلبية لغياب السياسات الرقمية الشاملة على الشباب العراقي. وابتدأ حديثه قائلا:
"يشهد العالم تحولًا جذريًا بفعل الثورة الرقمية، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، خصوصًا الشباب، وأصبحت التكنولوجيا قوة رئيسية تشكل وعي الأجيال الجديدة وتؤثر على قيمهم وسلوكياتهم. ومع ذلك، فإن العراق يعاني من فجوة كبيرة بين السياسات الحكومية ومتطلبات العصر الرقمي بسبب عدم مواكبة هذه التحولات، مما أدى إلى تفاقم أزمة الانتماء الوطني بين الشباب. هذه الأجيال باتت أكثر انجذابًا للعوالم الرقمية وعالم التكنولوجيا ومن يديرها، بينما تضعف ارتباطاتها بالهوية الوطنية والمواطنة. فكيف يمكن إعادة صياغة السياسات الوطنية لضمان اندماج الأجيال الرقمية في مشروع وطني جامع؟.. تأتي هذه الورقة البحثية لتحليل هذا التحدي وتسليط الضوء على ضرورة إعادة صياغة السياسات الحكومية لتعزيز الانتماء الوطني وقسمت البحث الى جانبين.
الجانب الاول: التخلف الحكومي في مواكبة العصر الرقمي
رغم أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، إلا أن العراق يفتقر الى خطط استراتيجية طويلة الأمد لدمج التكنولوجيا في عملية بناء المواطنة ومن اعتماد مفرط على النهج التقليدي في التعامل مع التحديات المجتمعية، دون الالتفات إلى التحولات الجذرية التي أحدثتها التكنولوجيا في حياة الأفراد. يظهر هذا التخلف في عدة أوجه منها:
تعاني البنية التحتية في العراق من نقص حاد في تطوير خدمات الإنترنت والاتصالات عالية السرعة بشكل متكافئ بين الحضر والريف ما يحد من قدرة الشباب على التفاعل الرقمي الإيجابي في الاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكما اشار السيد محمد الشيرازي في كتابه الحرية في الاسلام: "الإعلام والثقافة هما وسيلتا التوجيه الأهم في زماننا. إذا استُخدما في نشر الوعي والقيم الصالحة، فإنهما سيبنيان مجتمعًا قويًا." مما يؤكد على اهمية الاستثمار الحكومة في البنية التحتية الرقمية لتكون وسيلة لتوجيه الشباب نحو القيم الوطنية.
كما ان غياب السياسات الرقمية الشاملة وعدم وضوح استراتيجية دمج التكنولوجيا في نظم التعليم والثقافة، مما يجعل العراق متأخرًا عن دول المنطقة، فالمناهج التعليمية لا تزال تقليدية، تفتقر إلى أي برامج تدعم التعليم الرقمي أو تعزز القيم الوطنية من خلال أدوات التكنولوجيا الحديثة، وانعدام دورات تدريبية على البرمجيات والتقنيات الحديثة، مما يجعل الشباب العراقي أقل قدرة على المنافسة في سوق العمل الرقمي. وقد أكد السيد محمد باقر الصدر في كتابه اقتصادنا: "إن الأمة الحية هي التي تعطي الأولوية للتربية والتعليم لأنها الوسيلة الأولى لبناء الفرد الذي يستطيع النهوض بمسؤولياته تجاه مجتمعه". وهذا يؤكد الحاجة الى اصلاح شامل للمناهج التعليمية لدمج التكنولوجيا في بناء الهوية الوطنية.
تعتمد الحكومة العراقية بشكل أساسي على الإجراءات الأمنية التقليدية ذات الطابع العسكري والبوليسي لتحقيق الاستقرار في حين تغيب الاستراتيجيات التي تركز على بناء الإنسان. بينما تهمل استراتيجيات الأمن الناعم التي تركز على الاستثمار في التعليم والثقافة وبناء العلاقات الاجتماعية، وتنمية القيم الأخلاقية. فبدلا عن اعتبار التكنولوجيا تهديدا أمنيا، يجب تبني سياسات تستثمر فيها كأداة لتعزيز الهوية الوطنية، فالأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة وحدها، بل بالتربية الصالحة وبناء الإنسان على أسس من الأخلاق والوعي. هذه الرؤية توضح الحاجة إلى سياسات تعتمد على الأمن الناعم لبناء مجتمع مستقر ومتوازن.
تزايد استخدام الأجيال الصاعدة للتكنولوجيا وغياب السياسات التي تعزز الانتماء الوطني أدى إلى بناء هوية مرتبطة بمنصات التواصل أكثر من ارتباطها بالوطن. فهناك غياب مبادرات تعزز الانتماء للوطن. وأصبحت التكنولوجيا تُشكّل هوية ثقافية، خاصة مع الانفتاح الكبير على ثقافات عالمية تتناقض أحيانًا مع القيم المحلية. والاعتماد على المنصات الرقمية العالمية مثل "يوتيوب" و"تيك توك" و"فيسبوك" كوسائل أساسية للمعرفة والاتصال جعله الاجيال الجديدة أقل تعلقًا بالثقافة الوطنية. اضافة الى تراجع الثقة بالمؤسسات الحكومية نتيجة فشلها في تقديم خدمات حديثة ومتطورة. فإذا شعر الإنسان بأنه ينتمي إلى وطن يحميه ويعطيه حقوقه، فإنه لن يبحث عن بديل آخر، وسيعمل بإخلاص لصالح مجتمعه. مما يبرز أهمية تقديم سياسات حكومية تعزز شعور الشباب بالأمان والانتماء للوطن.
كما ان أعدادا متزايدة من الشباب يهاجرون فعليًا أو رقميًا للبحث عن فرص في فضاءات رقمية دولية أكثر تطورًا. والاعتماد على محتوى رقمي عالمي بدل المحتوى المحلي أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضايا الوطنية. نتيجة انعدام الفرص وضعف الثقة بالمؤسسات يدفع الشباب إلى البحث عن بدائل في الفضاء الرقمي أو الهجرة خارج الوطن. فالإنسان العراقي بحاجة إلى مشروع ثقافي يعيد له ثقته بذاته، ويجعله جزءًا من مشروع وطني جامع. هذا يؤكد ضرورة تطوير سياسات ثقافية ورقمية تعيد ثقة الشباب بمؤسسات الدولة.
اضافة الى غياب برامج توجيهية ثقافية ملائمة للعصر الرقمي تعزز القيم الأخلاقية أدى إلى تزايد الانخراط السلبي في بيئات رقمية غير منضبطة. وقد أكد السيد محمد الشيرازي: "التكنولوجيا ليست مجرد أدوات، بل هي قوة قادرة على تغيير القيم والمجتمعات. علينا أن نوجهها بما يخدم هويتنا وثقافتنا". هذا يبرز الحاجة إلى توجيه التكنولوجيا لخدمة الهوية الوطنية. ولإعادة بناء المواطنة وتعزيز الانتماء الوطني بين الأجيال الجديدة، فلا بد من تبني سياسات حكومية تتسم بالشمولية والاستدامة.
وان انعدام الثقة بالنظام السياسي انعكس في عزوف الأجيال الجديدة عن المشاركة السياسية وولد فجوة بين الأجيال والمفاهيم الحكومية ادى الى ضعف الوعي بأهمية المواطنة وتزايد حالات الفردية والانعزال عن المشهد المجتمعي. فهناك غياب واضح للحوار الفعال بين الحكومة والشباب العراقي، مما أدى إلى تزايد الإحباط والانفصال بين الطرفين. فالأجيال التي تنمو بلا ذاكرة وطنية قوية هي أجيال عائمة، تبحث عن انتماء بديل. يعكس هذا أهمية تقديم رؤية حكومية تعزز شعور الانتماء لدى الأجيال الجديدة".
ومن اجل تقويم الورقة البحثية واثراءها بالاراء تم طرح سؤالين امام السادة الحضور للمناقشة:
السؤال الاول/ كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية على سلوكيات اجيال العصر الرقمي في ظل غياب سياسات حكومية واجتماعية تواكب التقدم السريع؟.
السؤال الثاني/ ما هي الاستراتيجيات المطلوبة لتعزيز المواطنة والانتماء الوطني في ظل التحولات الرقمية المتسارعة؟.
مع التطورات المتسارعة في التكنولوجيا والاتصال، يبرز تساؤل جوهري: أين هي مبادرات الشباب في استثمار هذه الأدوات لتعزيز روح المواطنة؟ إن استحضار تجارب الماضي، وتحديدًا ما شهده النصف الثاني من القرن العشرين، يكشف عن دور محوري لعبه الشباب، لا سيما الطلاب والاتحادات الشبابية، في التأثير على المشهد السياسي والاجتماعي.
لقد كان لهذا الدور صدى واسع في إحداث تغييرات جوهرية، ليس فقط على مستوى المشاركة السياسية، بل حتى في إعادة تشكيل الأنظمة الحاكمة في بعض الدول. واليوم، وفي ظل هذا العصر الرقمي، نلحظ أن الشباب في العديد من الدول يواصلون التأثير في صنع السياسات وإحداث التحولات المجتمعية، مستثمرين ما توفره التكنولوجيا من أدوات للتعبير والتأثير وصناعة الوعي.
المواطنة بين البعد المادي والروح المعنوية
- د. علاء الحسيني/ باحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
المواطنة مفهوم متعدد الأبعاد، يجمع بين الجانبين المادي والمعنوي. في ظل التطورات الرقمية المتسارعة، يبدو أن الجانب المادي للمواطنة مغيب إلى حد كبير بين الأجيال الرقمية التي نشأت في عصر التحولات التكنولوجية. فبينما تتطلب المواطنة مشاركة فاعلة في بناء الوطن والتأثير في مستقبله، يظل هذا الدور غير واضح المعالم في ظل غياب المبادرات الحقيقية التي تعكس هذا الالتزام.
أما على الصعيد المعنوي، فإن الروح الوطنية مترسخة بعمق في وجدان المواطن العراقي، كما أثبتت التجارب خلال الأزمات التي مر بها العراق، حيث اندفع الشباب وكبار السن بدوافع أخلاقية ودينية ووطنية لحماية البلاد والنهوض بها. لكن هذه الروح بحاجة إلى تعزيز وترسيخ في ثقافة الأجيال الحالية، بما يضمن استمرار تأثيرها في المستقبل.
من جهة أخرى، تفتقر الدولة إلى استراتيجية وطنية واضحة لتعزيز المواطنة، إذ أن المبادرات القائمة غالبًا ما تكون شكلية وقصيرة المدى، ولا تؤدي إلى نتائج ملموسة. المطلوب هو تبني رؤية استراتيجية طويلة الأمد، لا تعتمد على الحكومات المتعاقبة فقط، بل تتبناها الأحزاب والمؤسسات الفاعلة لضمان استمراريتها واستقرارها مع مرور الزمن.
في مقدمة هذه الاستراتيجيات تأتي مسألة تكريس حرية الرأي والتعبير، حيث ينبغي أن تُحترم كحق أساسي، وأن تتوفر مؤسسات قادرة على قيادة التغيير في طريقة التعامل معها، بعيدًا عن المنظور الأمني التقليدي، وبما يعزز ثقافة الحوار والتعبير المسؤول. إلى جانب ذلك، تبرز الحاجة إلى تأسيس منصات رقمية وطنية، قادرة على التأثير الإيجابي في الوعي العام، بما يتماشى مع المتغيرات الرقمية والذكاء الاصطناعي الذي بات يشكل جزءًا أساسيًا من واقعنا.
في النهاية، المطلوب هو إدراك أن هذه التحولات لا ينبغي أن تتحكم في خياراتنا، بل علينا أن نوجهها لخدمة مصالحنا الوطنية وتعزيز قيم المواطنة الحقيقية، عبر استراتيجيات واعية وإرادة سياسية ومجتمعية جادة.
الورقة تناولت تداخلاً بين السياسات الاقتصادية والثقافية دون وجود حدود واضحة تفصل بينهما، مما يستدعي ان يكون هناك تحديد أكثر وضوحًا لهذه الحدود. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ غياب السياسات الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بالأمن السيبراني، والتي تُعد ذات أهمية كبيرة في عصرنا الحالي.
في الماضي، كانت الدول تعيش ضمن حدودها الجغرافية، وكانت وسائل الاتصال محدودة، بدءًا من الراديو مرورًا بالتلفزيون ووصولًا إلى القنوات الفضائية، ثم الإنترنت بشكل تدريجي. كانت التأثيرات الثقافية والأخلاقية محدودة في ذلك الوقت، ولكن مع التطور التكنولوجي الهائل، أصبحت هذه التأثيرات تزداد بشكل ملحوظ على المجتمعات.
وفي ظل التطورات الرقمية المتسارعة، باتت التكنولوجيا تشكل قوة مؤثرة في تشكيل الوعي المجتمعي والثقافة الوطنية، لكن غياب رؤية واضحة من قبل الحكومات لمواكبة هذه التحولات أدى إلى تأثيرات ثقافية وأخلاقية عميقة. إن الأمن السيبراني لم يعد مجرد مسألة تقنية، بل أصبح قضية وطنية تمس الأمن القومي، حيث لم تعد الدول تعيش في عزلة كما في الماضي، بل أصبح كل فرد يمتلك نافذة مفتوحة على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أوجد تحديات جديدة تتعلق بالهوية والانتماء.
على سبيل المثال، بعد طفرة التكنولوجيا في العراق شهد العراق بعد عام 2015 طفرة رقمية هائلة غيّرت من طبيعة التفاعل الاجتماعي والثقافي، ولكن في ظل غياب استراتيجيات حكومية واضحة، بات هذا التطور يشكل خطرًا على القيم الوطنية. فقد حدثت زيادة كبيرة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تغييرات جذرية في المجتمع العراقي من النواحي الثقافية والأخلاقية والقيمية. ومع غياب رؤية حكومية واضحة تجاه هذه الطفرة التكنولوجية، أصبح لكل فرد صوت خاص يتفاعل من خلاله مع العالم، مما أثر على الأمن القومي والثقافي والديني للبلاد.
حتى الدول الرائدة في التكنولوجيا، مثل الولايات المتحدة، تعيش حالة قلق من الهيمنة الرقمية التي تمارسها قوى أخرى كالصين، وهو ما يظهر في محاولات السيطرة على الخوارزميات التي تتحكم في توجهات الأفراد. على الرغم من أن الأمريكيين هم من طوروا الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك محاولات جادة للسيطرة على الخوارزميات التي توجه المعرفة وتؤثر على أفكار المليارات من الأشخاص حول العالم.
كان من المفترض أن تعمل التكنولوجيا والعولمة على زيادة التعددية الثقافية والمعرفية، ولكننا نلاحظ تركيزًا هائلًا للقوة المعرفية في أيدي عدد قليل من الأشخاص الذين أصبحوا يتحكمون في تدفق المعلومات. هذا الأمر غائب عن فهم العديد من الحكومات، بما في ذلك الحكومة العراقية.
لقد أدى هذا الواقع إلى تركز المعرفة والسلطة في أيدي شركات وأفراد يتحكمون بملايين العقول، مما يعمّق الفجوة بين التقدم التكنولوجي والقدرة النفسية والثقافية على استيعابه، كما أشار المفكر ألفين توفلر بقوله: "من يملك المعرفة يملك السلطة". اليوم، نرى انعكاسات هذا التغير على الأجيال الناشئة، حيث بات الأطفال يكتسبون ثقافات وافدة دون توجيه أو إدراك لأثرها على الهوية الوطنية.
فهناك فجوة كبيرة بين التقدم التكنولوجي والتطور النفسي والثقافي للإنسان، فالتكنولوجيا تتقدم بسرعة، لكن الإنسان لا يواكب هذا التقدم نفسيًا وثقافيًا، مما يؤدي إلى استلاب ثقافي وتبعية معرفية نحو الغرب.
اليوم، نلاحظ أن الأجيال الشابة تتشكل ثقافيًا من خلال التأثيرات العالمية، مما يجعلها تفقد هويتها الوطنية والدينية. على سبيل المثال، أصبحت اللغة الإنجليزية والمصطلحات الأجنبية جزءًا من حياتهم اليومية، حتى دون تعليم رسمي، وذلك بسبب تأثير ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل غياب قيادة وطنية قادرة على توجيه المجتمع، أصبح المجتمع العراقي يعاني من اغتراب داخلي، حيث يشعر المواطنون بانتماء أكبر إلى الشبكات الافتراضية أكثر من انتمائهم لوطنهم. هذا الوضع يتطلب وقفة جادة من الحكومة العراقية لتعزيز التربية الرقمية والإعلامية والثقافية، وإلا فإن المستقبل سيشهد مزيدًا من التيه والضياع الثقافي نتيجة الغزو الثقافي الهائل.
إن العراق اليوم بحاجة إلى نهج جديد يعزز التربية الرقمية والثقافية، ويحصّن المجتمع من التبعية الثقافية العشوائية. لا يكفي الحديث عن التعليم الرقمي، بل لا بد من ترسيخ "التربية الرقمية" التي تدمج بين القيم الوطنية والمعرفة الحديثة. إن غياب هذا التوجه سيؤدي إلى مزيد من الاغتراب داخل الوطن نفسه، حيث يصبح الفرد بعيدًا عن هويته، متأثرًا بأنماط ثقافية لا تمتّ لواقعه بصلة. إن الوقوف أمام هذه التحديات ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية لحماية الهوية العراقية من الذوبان في موجة العولمة الرقمية.
لذا، يجب على الحكومة أن تدعم المنظمات غير الحكومية والمبادرات الاجتماعية التي تعمل على تحصين الهوية الثقافية والعقائدية للمواطن العراقي، وإلا فإن الهوية الوطنية ستتآكل بشكل كبير في السنوات القادمة.
واقع وتحديات التحول الرقمي في العراق
- د. خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
يواجه العراق تحديات كبيرة في التحول الرقمي، رغم وجود اهتمام رسمي ومحاولات متفرقة لتطوير التعليم الرقمي، إلا أن هذا الاهتمام لا يواكب سرعة التحولات التكنولوجية العالمية. مناهج التعليم الرقمية موجودة، لكن نقص الأجهزة، وضعف الكوادر البشرية المدربة، وغياب المناهج الحديثة الفعالة تمثل عقبات رئيسية. على سبيل المثال، في عام 2010، قامت تركيا بتوزيع الأجهزة اللوحية على طلابها لتحل محل الكتب التقليدية، بينما لا تزال البنية التحتية الرقمية في العراق ضعيفة.
أما على مستوى السياسات الحكومية، فهناك تصور بأن التكنولوجيا تشكل تهديدًا أمنيًا، إلا أن الواقع يشير إلى أن العراق أكثر انفتاحًا على العالم الرقمي مقارنة بدول الجوار، حيث تُفرض قيود مشددة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في بعض الدول الإقليمية. المفارقة أن الحكومة تخشى التمرد الميداني أكثر من النشاط الرقمي، مما يعكس فهماً غير دقيق للتهديدات الرقمية.
اجتماعيًا، أدى غياب التخطيط الاستراتيجي إلى خلق فراغ زمني لدى الشباب، مما دفعهم إلى قضاء أوقاتهم في العالم الافتراضي، بينما في الدول المتقدمة، يكون الانخراط في الأنشطة الرقمية منظّمًا ومتوازنًا مع الأنشطة الواقعية. إضافة إلى ذلك، تواجه الهوية الوطنية العراقية تحديات في ظل انقسام المجتمع على أسس طائفية وعرقية، مما أدى إلى فقدان هوية وطنية جامعة، وهو ما دفع الكثيرين إلى تبني مفهوم "المواطنة العالمية" كبديل للهويات المحلية المتصارعة.
ينبغي توظيف التكنولوجيا لتعزيز الهوية الوطنية عبر مبادرات وطنية ذكية تستثمر في المحتوى الرقمي الموجه، وإعداد كوادر بشرية مؤهلة لقيادة التحول الرقمي على المستويات الإدارية والتعليمية، وتوسيع الاهتمام بالتحول الرقمي في قطاعي التربية والإدارة بحيث يكون الطلاب أكثر انخراطًا في الأدوات الرقمية داخل المدارس وليس فقط في منازلهم، اضافة الى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية على غرار التجارب الناجحة في المنطقة، مثل تجربة السعودية التي أصبحت ضمن الدول الرائدة في الذكاء الاصطناعي.
إن التحول الرقمي لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها طبيعة العصر. وإذا لم يتبنَّ العراق استراتيجية واضحة لمواكبة هذا التطور، فإنه سيواجه تحديات كبيرة على مستوى الهوية والثقافة والسيادة الرقمية. لا بد من تحرك وطني شامل لإدارة هذا التحول بطريقة تحقق التقدم دون المساس بالقيم والثوابت الوطنية.
- صادق الطائي/ كاتب وباحث اكاديمي:
ليس جميع الحكومات تدرك أهمية مجاراة التحولات الرقمية، حيث لا تتبنى بعضها تكنولوجيا العصر الرقمي بشكل حقيقي. في الأنظمة الدكتاتورية، على سبيل المثال، لا يكون هناك رغبة في تشجيع أو تبني هذه التكنولوجيا، لأنها قد تؤثر على سلوكيات الأفراد والمجتمعات وتساهم في تنظيم لقاءات دولية يمكن أن تكون خارج سيطرة النظام. من جهة أخرى، الحكومات التي تعتمد على الانتخابات الدورية، يكون همها الأكبر كسب الأصوات وصناعة إنجازات سريعة يمكن أن تؤثر بشكل واضح في الدورة الانتخابية القادمة.
قبل التأكيد على السياسات الرقمية، يجب أولًا بناء وتعزيز الحس الوطني في المجتمع. فبوجود حس وطني قوي، يمكن لأي حكومة، مهما كانت نوعها، أن تدرك أهمية التكنولوجيا الرقمية في تحسين سلوك الأفراد والمجتمع. من خلال ذلك، يمكن تحفيز الأجيال على تبني التغيير الرقمي السريع، ليكون لديهم شعور بالانتماء إلى عصر رقمي ومواكبة التحولات المستقبلية التي تطلبها هذه التكنولوجيا.
تحديات التشظي والهوية الوطنية في العراق
- علي حسين عبيد/ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
تواجه المجتمعات العالمية ومن بينها العراق، ظاهرة التشظي التي تعمل القوى الغربية على تكريسها عبر سياسات مدروسة تمنع التكتلات والوحدات السياسية، لكونها تشكل تهديدًا للنموذج الغربي. هذه الظاهرة انعكست بوضوح على الشعوب التي تفتقر إلى قدرة التوحد أو إبراز هوية وطنية قوية.
في العراق، تعاني الطبقة السياسية من غياب الوعي بالهوية الوطنية، بل قد ترى في تناميها تهديدًا لمصالحها، لأن ترسيخ الشعور الوطني بين الشباب والمجتمع قد يؤدي إلى انتفاض ضد هذه النخب السياسية. في المقابل، يواجه المواطن العراقي تحديًا آخر، حيث يجد نفسه وسط عالم مفتوح من المعلومات والثقافات والتيارات الفكرية، مما أدى إلى تآكل جذور الهوية الوطنية داخله، دون إدراك واضح لحجم المشكلة.
بذلك، يساهم الطرفان، الحكومة والمجتمع، بشكل غير واعي في إضعاف الهوية الوطنية. لذا، لا بد من تبني سياسات واضحة من قبل الجهات الرسمية لتعزيز الانتماء الوطني، بالتوازي مع جهود فردية ومجتمعية تسعى لترسيخ الهوية الوطنية كجزء من الوعي الجمعي، لمواجهة محاولات التفكيك التي تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
- الاستاذ حامد الجبوري/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات:
تمثل التكنولوجيا الرقمية ركنين أساسيين: الجانب التقني البحت، والجانب الثقافي الذي يعكس هوية المجتمعات. ويمكن توضيح ذلك من خلال مثال الطبيب الهندي، الذي يتقن مهنته العلمية بدقة، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على عاداته وتقاليده. هذا التوازن بين التطور التقني والتمسك بالهوية الثقافية هو ما نفتقده في مجتمعاتنا، حيث تفتقر الثقافة المحلية إلى مقومات الصلابة القيمية، مما يجعلها عرضة للاختراق والانحلال في مختلف المجالات، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية.
الهيمنة التكنولوجية اليوم بيد شركات عملاقة مثل جوجل، أبل، مايكروسوفت، ميتا، وإكس، التي لا تمتلك فقط النفوذ المالي، بل تتحكم أيضًا في السياسات الدولية وتوجهات المجتمعات الرقمية وفقًا لأيديولوجياتها. في ظل هذا الواقع، يصبح السؤال المطروح: هل يمكن لمجتمعاتنا أن تضع سياسات حكومية تتحدى هذه القوى الرقمية وتحافظ على ثقافتها وقيمها دون أن تقع في فخ الاستهلاك والانقياد؟.
المواطنة بين الانتماء والتأثير الثقافي
- الاستاذ حسين علي/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات:
الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها، بل هو كل مكان نشعر فيه بالراحة، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، وهو يتجسد في العائلة، الأصدقاء، والمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد. المواطنة تبدأ من الأسرة، إذ تنشأ داخل الطفل مفاهيم الانتماء منذ الصغر. حيث تنشأ فكرة المواطنة لدى الاجيال من خلال البيئة الأسرية، مما يعكس دور العائلة في غرس حب الوطن.
لكن في المقابل، نجد أن التأثيرات الثقافية الخارجية تلعب دورًا في تغيير هوية المواطن العراقي، خاصة بين فئة المراهقين، حيث يتجه الكثير منهم إلى تبني ثقافات دخيلة، مثل ثقافة البوب الكورية، مما يضعف ارتباطهم بقيمهم الوطنية.
لمعالجة هذا التحدي، يمكن تبني ثلاث استراتيجيات لتعزيز المواطنة:
إدراج دروس إلكترونية في المناهج التعليمية لتعريف التلاميذ بالمواطنة وأهميتها.
إقامة مؤتمرات إلكترونية يشارك فيها شخصيات محبوبة ومؤثرة لتعزيز الهوية الوطنية.
تعزيز المواطنة داخل الأسرة عبر برامج إلكترونية تتيح للأفراد مشاركة تجاربهم الوطنية وتشجيع الانتماء منذ الطفولة. بهذه الخطوات، يمكننا بناء وعي وطني قوي يحافظ على الهوية العراقية في مواجهة التحديات الثقافية المعاصرة.
- الاستاذ باسم الزيدي/ مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
المواطنة مفهوم متجدد يتطور مع الزمن، بدءًا من المواطنة القومية التقليدية وصولًا إلى المواطنة العالمية. واليوم، في عصر الرقمنة، ظهر مصطلح "المواطنة الرقمية" الذي يجمع بين الانتماء الوطني ومتطلبات العصر الرقمي، حيث أصبح الفضاء الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد والمجتمعات. المواطنة الرقمية تعني تعزيز الشعور بالانتماء في ظل التطورات التكنولوجية، مع ضمان الحقوق والواجبات في البيئة الرقمية، مما يستوجب تدخلًا حكوميًا فاعلًا لحماية هذه الهوية وتطويرها، من خلال نشر الوعي الرقمي، وتعزيز الأمن السيبراني، وتحقيق العدالة الرقمية عبر توفير فرص متكافئة للوصول إلى التكنولوجيا.
ورغم أهمية هذه التحولات، تواجه المواطنة الرقمية تحديات كبيرة، أبرزها خطر الذوبان في هوية رقمية عابرة للحدود قد تضعف الانتماء الوطني. لذا، لا بد من سياسات حكومية تعزز الهوية الرقمية الوطنية دون أن تعزل المجتمعات عن التطورات العالمية. من بين الحلول المطروحة، تحديث المناهج التعليمية بحيث تواكب التحولات الرقمية مع التركيز على تعزيز الهوية الوطنية، إضافة إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص في عملية التطوير التكنولوجي بدلاً من احتكارها حكوميًا. كما أن تطبيق الحوكمة الرشيدة، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة وضمان العدالة الرقمية، يعد ركيزة أساسية لضمان تحول رقمي يحقق التوازن بين الانفتاح العالمي والحفاظ على الخصوصية الوطنية. إن التحول الرقمي لم يعد خيارًا، بل ضرورة، ولا يمكن تحقيقه دون تكامل بين الدولة والمجتمع لضمان تفاعل الأجيال الرقمية مع بيئتها الوطنية دون فقدان هويتها في عالم يتغير بسرعة.
الرقمنة بين التبني والتحذير
- د. خالد الاسدي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
في عالم اليوم، حيث يتجه الجميع نحو الرقمنة والتطور التكنولوجي، يجب علينا أن نفهم كيف نتعامل مع هذه التحولات. القرآن الكريم جاء تبيانًا لكل شيء، بما في ذلك كيفية التعامل مع التطورات الجديدة، وقد أشار إلى ذلك في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، عندما كان يشاهد الظواهر الطبيعية ويختبرها ليصل إلى التوحيد، فكان يبين فساد عبادة الشمس والقمر والنجوم عندما كانت تغيب. هذا الموقف يعلمنا أنه يجب علينا تبني أي شيء جديد بعد أن نتعلمه، ولكن مع الحذر من أضراره وفساده.
الرقمنة هي من أهم هذه التحولات التي يجب أن نتعامل معها بحذر وحكمة. أولًا، يجب علينا تعلم هذه التقنية بشكل جيد، ثم نبين لأبنائنا جوانبها السلبية ونحذرهم منها. من جهة أخرى، على الحكومات أن تتحمل مسؤولية كبيرة في تعليم الأجيال الجديدة هذه التقنيات من المراحل الأولى من التعليم. يجب أن تكون الرقمنة جزءًا من الثقافة التعليمية اليومية في المدارس، بحيث لا نراها كشيء ضدنا، بل فرصة للتطور والتقدم. إذا لم نواكب هذه التحولات، فلن نتمكن من السير مع بقية العالم، بل سنظل في موضع التخلف.
الاستاذ محمد علي الطالقاني:
في الوقت الذي يتجه فيه العالم بأسره نحو الرقمنة والتكنولوجيا، يواجه الجيل الحالي تحديات ثقافية كبيرة. فنجد أن تأثيرات هذه التحولات الرقمية تظهر بشكل واضح في سلوكيات الأفراد، خصوصًا في الأجيال الشابة. أصبح من المألوف أن نجد مصطلحات حديثة تنتشر عبر الإنترنت وتتحول إلى لغة يومية، حتى أن الفرد يشعر بالانفصال عن مجتمعه إذا لم يتبع هذه التوجهات. وقد أصبح الإدمان على العالم الافتراضي يؤثر سلبًا على التفاعل الاجتماعي الحقيقي، مما يؤدي إلى عزلة اجتماعية وتغيير في أنماط التفكير.
ورغم أنني أستخدم التكنولوجيا بشكل مكثف في حياتي اليومية، مثل الذكاء الاصطناعي والانترنت، إلا أنني أرى أن التوازن بين الثقافة الشخصية والتكنولوجيا هو المفتاح. التكنولوجيا ليست بالضرورة عائقًا أمام تقدم المجتمع إذا كان الفرد متمسكًا بثقافته ومؤثرًا إيجابيًا على من حوله. فالتقنية تُعد أداة يمكن الاستفادة منها وتوظيفها لصالح الفرد والمجتمع إذا كانت ضمن إطار ثقافي سليم.
وفي ختام الملتقى الفكري أجمع المشاركون على ضرورة إعادة صياغة السياسات الحكومية لتبني استراتيجية شاملة تدمج التكنولوجيا في المنظومة التعليمية والثقافية، مع التأكيد على أهمية توجيه محتوى هذه الأدوات الرقمية لتعزيز القيم الوطنية. والتأكيد على أهمية تطوير برامج تربوية تساعد في بناء مواطنة رقمية، تعزز الاستقرار المجتمعي، وتبني جسورًا من الثقة بين الشباب والمؤسسات الحكومية. كما تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ
http://mcsr.net
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المركزية
منذ 5 أيام
- المركزية
الخطيب: فليعلم العرب والمسلمون والعالم ان ايران تتلقى العدوان نيابة عنهم
المركزية - أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة، قال فيها: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) "هو خطاب من الله تعالى للأمة في وجوب امتلاك عناصر القوة التي يجب أن تتمتع بها للحفاظ أولاً على نفسها وتماسكها حتى لا تتحلّل وتتفكّك فتخسر وجودها او أهدافها مهما كانت العوامل المكوّنة لها دينية او قومية، وأول هذه العناصر وأهمها وحدتها وتماسكها الداخلي، وتأتي العناصر الاخرى مكمّلة لها من البنية الاقتصادية والعسكرية وغيرها، ويلعب العنصر الثقافي خصوصاً المنبثق من مبدأ عقائدي دوراً مهماً في وحدة المجتمع وتماسكه، وبقدر ما يكون هذا العنصر متيناً وواقعياً كأن يكون ناشئاً من نظرة فلسفية دينية كما هو الاسلام بقدر ما تكون هذه الوحدة متينة وقادرة على مواجهة التحديات والتغلّب عليها خصوصاً اذا كان أصل الكيان الاجتماعي قائماً على اساس منها". أضاف :" قال تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فالأمة سُمّيت باسم دينها وهو الاسلام وعبُّر عنها به ونُسبت اليه ووُجِدَت بسببه، فقيل أمة الاسلام والامة الإسلامية، فهي وإن قامت أول ما قامت ببيئة عربية ولكنها لم تقم لأسباب خاصة بهذه البيئة، ولذلك تخطت هذه البيئة لتكون رسالةً عالميةً غير محصورة بها واستطاعت أن تكون عابرة للزمان والمكان وأن تندمج فيها قوميات متعددة الثقافات وأن تنشأ لنفسها وحدة قوية متراصّة تحدّت أقوى الامبراطوريات والقوى الاقدم وجوداً وحضارةً والأقوى حضوراً على الساحة العالمية وذات التاريخ العريق ولكنها سرعان ما تقهقرت وانهزمت أمامها وتلاشى بعضها وانتهى من الوجود، بينما كانت الاقدر من الناحية المادية والاقتصادية والتجربة والخبرة والتنظيم أمام قوة ناشئة لم يكن لها شيء من الخبرة ولم تعش في حياتها تجربة الدولة في أي شأن من شؤونها، ولم يكن بيدها سوى إيمانها وعقيدتها وإخلاصها لله سبحانه الذي كان منطلقها في كل ما أنجزته من هذا البناء الذي اكتسح في بداية انطلاقته مساحة كبيرة من الامم والشعوب التي اندمجت في هذا الكيان العقائدي الجديد الذي بشَّر الله به نبيّه في بداية انطلاقة الاسلام سنة ست للهجرة بعد توقيع النبي (ص) صلح الحديبية حيث لم تكن البشرى بشرى بفتح محدود في المكان والزمان فقال تعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا)". وتابع: "ولم يكن واضحاً هذا الامر للبعض ممن كان حاضراً معترضاً على هذا الصلح عبَّر عنه بأنه اعطاء للدنية من النبي (ص) والمسلمين واعتبره توقيعاً على صك الهزيمة للكافرين، ولكن الوحدة القائمة على قوة العقيدة والتسليم للنبي (ص) حوَّل الضعف الى قوة وانتصار، ومن هنا حاول العدو ان يلعب على هذه الوحدة وان يعمل على تفكيكها من الداخل مستغلاً فئة من هذه البيئة الذين أُجبروا على التكيّف مع الواقع الجديد بعدما فقدوا رهاناتهم في القضاء على الاسلام في مهده من اصحاب المصالح، فدخلوا الاسلام ظاهراً ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم الذين اسماهم القرآن بالمنافقين، وكان لهم الدور الاكبر في بثّ الشائعات والفتن لتمزيق وحدة الامة من الداخل وبثّ عوامل الفرقة لصالح الكفار وتشويه وإسقاط الرموز والتشكيك وتعظيم شأن القوى المعادية للاسلام والتخويف للأمة من قادم الايام ومما يعدّه الكفار لهم حتى يتخلوا عن الرسالة، فكان أهم ما عملوا عليه هو تفكيك الوحدة الداخلية بتشكيك المؤمنين بدينهم لأنها العامل الاهم في تمتين الوحدة الداخلية واستخدام الحرب النفسية مستغلين بعض النكسات التي مُنِيَ بها المسلمون كما حدث في معركة أُحد حينما خالف الرماة اوامر النبي (ص) بعدم ترك مواضعهم حتى لو رأوا الجيش قد بلغ سعفات هجر وتراءى لهم انه هُزم والتي لم تكن هذه الحادثة الا لتمييز المنافقين عن الصادقين، حيث أُشيع ان النبي قد استُشهد مما اثر الخوف في قلوب ضعاف الايمان ففروا من المعركة يفكر كل منهم في البحث عن الملجأ والعودة الى صفوف الكفار". ورأى الخطيب ان "الوحدة الداخلية هي اساسية في بقاء المجتمع، والتفرّق والتنازع اهم اسباب الفشل (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، وإنما قال واعتصموا بحبل الله لأن الايمان هو اساس قيامة الامة و وحدة كيانه، فهو عمود وحدتها بل بقائها فإن اختل هذا الركن انتهى وجودها الى الفشل والهزيمة"، وقال :"من هنا، فإن الوحدة وإن كانت قائمة على اساس غير عقائدي هو ضروري للبقاء والتحرز من الفشل والهزيمة، ولقد مارس اعداء هذه الامة في العصر الحاضر هذا الاسلوب لضرب وحدتها الداخلية بأساليب شتى، ونجحوا الى الان بتحقيق بعض اغراضهم بالايقاع بين مكوّناتها المختلفة سواءً داخل اقطارها المتعددة او بين مكوّنات كل قطر منها، وزرعوا الشقاق بينها عبر الاثارات الطائفية او العرقية وحقّقوا بذلك بعض المكاسب ما كان لهم أن يحققوها إلا بعد إيجاد هذا الخلل، ولن تنتهي اطماعهم عند هذا الحد إلا بعد القضاء على ما تبقّى فيها من روح المقاومة والنزعة الى لم شتاتها ومواجهة اعدائها والتي تُمثّل الحرب العدوانية على غزة ولبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية ابرز وقائعها وتردداتها". وقال :"هذه الروح التي هي احدى اهم عوامل العودة للوحدة وبعثها من جديد وتشكل اليوم مركز الحرب الدائرة في المنطقة وستكون نتائجها هي العامل الذي يحسم مصير هذا الصراع لصالح الامة ان شاء الله مهما كانت التضحيات، واذا كانت الجمهورية الاسلامية تُمثّل اليوم الهدف الاساسي للغرب في الحرب التي ما زال يقودها منذ قيام الامام الخميني بثورته المباركة، فإنما لشعوره بخطورة الوضع الذي ستَضعَهُ فيه من تهديد لمصالحه ونفوذه وعدوانه على العالم وبالأخص على العالمين العربي والإسلامي". وتابع: "لقد تعدّدت أساليب المواجهة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية طوال العقود الماضية ولكنها بلغت اليوم أوجها بعد طوفان الاقصى والمواجهة مع قوى المقاومة في المنطقة، وأصبح واضحاً ان النفوذ الغربي أصبح يعاني من خطر محقق، وهذا ما دفعه الى خوض الحرب المباشرة معها بقيادة الولايات المتحدة الامبركية وستكون نتائجها بالغة الخطورة وهزيمة مدوية بعد أن استنفذت كل اساليب المواجهة عبر الوسائط". ولفت الى "انّ العدوان الاثم الذي شنته الولايات المتحدة الاميركية صبيحة هذا اليوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية لدليل على الشعور بالمأزق الخطير الذي اصبحت تعاني منه، وكان الاجدر بها ان تتعلّم من حروبها السابقة مع قوى أضعف، التي انتهت بالفشل المخزي وآخرها مع اليمن الشقيق الذي لقَّنها درسا في الهزيمة النكراء اضطرت معها الى الانسحاب تجرّ أذيال الخيبة، فكيف وهي تواجه دولة تملك من عناصر القوة ما لا يجوز مقارنته مع اليمن الشقيق". وتابع: "واذا كان هذا الهجوم بسبب الضغوط التي تمارسها اللوبيات الصهيونية كآخر ورقة قبل التوقيع على الاتفاق النووي حتى اذا فشل نسبت الفشل الى الكيان العاجز ونسلت يدها منه دون ان تتحمل مسؤوليته وتتخلّص من الضغوط، وأنا ارجّح ذلك، فتذهب الى توقيع الاتفاق مع الجمهورية الاسلامية من دون هذه الضغوط، ولكن هل من المعلوم أن تقبل ايران بعد هذا العدوان التوقيع بنفس الشروط ؟!!! . وعلى كل حال فليعلم العرب والمسلمون والعالم ، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تتلقى هذا العدوان نيابة عنهم وفي سبيل قضاياهم المحقة والعادلة وليس لقضاياها الخاصة، فالبرنامج النووي بدأ به شاه ايران المقبور عندما كان يتلقى اوامره من اميركا ومن العدو الصهيوني، ولو ان ايران بعد الثورة تخلّت عن مبادئها وشعاراتها وباعت ذلك للغرب ولما شكلت تهديداً للمصالح الغربية في المنطقة وعلى رأسها الكيان الغاصب ولو أنها ولّت ظهرها للقضية الفلسطينية لم يكن لدى الغرب مانع من انتاج القنبلة النووية، فالحرب ليس على البرنامج النووي وانما على الخيار الايراني بتبني القضية الفلسطينية ودفاعاً عن قضايا الشعوب المستضعفة". وقال العلامة الخطيب: "لذلك، نحن نتضامن اليوم مع الشعب الايراني وقيادته الحكيمة ونعتبره عدواناً علينا وعلى العالم العربي والاسلامي وعلى الجميع اعتباره عدوانا عليها جميعا ولا يكفي ادانته كما تتصرّف الدول التي تُعنى بالشأن الفلسطيني ومن خارج العالم العربي والإسلامي. نسأل الله تعالى أن يرد كيد اعداء الشعوب واعداء القيم الانسانية القتلة ومرتكبي الابادة للشعوب وبخاصة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ومرتكبي العدوان والقتل والدمار في لبنان وداعميهم بالسلاح والمال والاعلام وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعسى أن يكون فتحاً قريباً كفتح الحديبية إن شاء الله. (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) التحية والمجد للشهداء والنصر والغلبة للجمهورية الاسلامية ولأمتنا العربي".


بيروت نيوز
منذ 5 أيام
- بيروت نيوز
فليعلم العرب ان ايران تتلقى العدوان نيابة عنهم
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة، قال فيها: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) 'هو خطاب من الله تعالى للأمة في وجوب امتلاك عناصر القوة التي يجب أن تتمتع بها للحفاظ أولاً على نفسها وتماسكها حتى لا تتحلّل وتتفكّك فتخسر وجودها او أهدافها مهما كانت العوامل المكوّنة لها دينية او قومية، وأول هذه العناصر وأهمها وحدتها وتماسكها الداخلي، وتأتي العناصر الاخرى مكمّلة لها من البنية الاقتصادية والعسكرية وغيرها، ويلعب العنصر الثقافي خصوصاً المنبثق من مبدأ عقائدي دوراً مهماً في وحدة المجتمع وتماسكه، وبقدر ما يكون هذا العنصر متيناً وواقعياً كأن يكون ناشئاً من نظرة فلسفية دينية كما هو الاسلام بقدر ما تكون هذه الوحدة متينة وقادرة على مواجهة التحديات والتغلّب عليها خصوصاً اذا كان أصل الكيان الاجتماعي قائماً على اساس منها'. أضاف :' قال تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فالأمة سُمّيت باسم دينها وهو الاسلام وعبُّر عنها به ونُسبت اليه ووُجِدَت بسببه، فقيل أمة الاسلام والامة الإسلامية، فهي وإن قامت أول ما قامت ببيئة عربية ولكنها لم تقم لأسباب خاصة بهذه البيئة، ولذلك تخطت هذه البيئة لتكون رسالةً عالميةً غير محصورة بها واستطاعت أن تكون عابرة للزمان والمكان وأن تندمج فيها قوميات متعددة الثقافات وأن تنشأ لنفسها وحدة قوية متراصّة تحدّت أقوى الامبراطوريات والقوى الاقدم وجوداً وحضارةً والأقوى حضوراً على الساحة العالمية وذات التاريخ العريق ولكنها سرعان ما تقهقرت وانهزمت أمامها وتلاشى بعضها وانتهى من الوجود، بينما كانت الاقدر من الناحية المادية والاقتصادية والتجربة والخبرة والتنظيم أمام قوة ناشئة لم يكن لها شيء من الخبرة ولم تعش في حياتها تجربة الدولة في أي شأن من شؤونها، ولم يكن بيدها سوى إيمانها وعقيدتها وإخلاصها لله سبحانه الذي كان منطلقها في كل ما أنجزته من هذا البناء الذي اكتسح في بداية انطلاقته مساحة كبيرة من الامم والشعوب التي اندمجت في هذا الكيان العقائدي الجديد الذي بشَّر الله به نبيّه في بداية انطلاقة الاسلام سنة ست للهجرة بعد توقيع النبي (ص) صلح الحديبية حيث لم تكن البشرى بشرى بفتح محدود في المكان والزمان فقال تعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا)'. وتابع :'ولم يكن واضحاً هذا الامر للبعض ممن كان حاضراً معترضاً على هذا الصلح عبَّر عنه بأنه اعطاء للدنية من النبي (ص) والمسلمين واعتبره توقيعاً على صك الهزيمة للكافرين، ولكن الوحدة القائمة على قوة العقيدة والتسليم للنبي (ص) حوَّل الضعف الى قوة وانتصار، ومن هنا حاول العدو ان يلعب على هذه الوحدة وان يعمل على تفكيكها من الداخل مستغلاً فئة من هذه البيئة الذين أُجبروا على التكيّف مع الواقع الجديد بعدما فقدوا رهاناتهم في القضاء على الاسلام في مهده من اصحاب المصالح، فدخلوا الاسلام ظاهراً ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم الذين اسماهم القرآن بالمنافقين، وكان لهم الدور الاكبر في بثّ الشائعات والفتن لتمزيق وحدة الامة من الداخل وبثّ عوامل الفرقة لصالح الكفار وتشويه وإسقاط الرموز والتشكيك وتعظيم شأن القوى المعادية للاسلام والتخويف للأمة من قادم الايام ومما يعدّه الكفار لهم حتى يتخلوا عن الرسالة، فكان أهم ما عملوا عليه هو تفكيك الوحدة الداخلية بتشكيك المؤمنين بدينهم لأنها العامل الاهم في تمتين الوحدة الداخلية واستخدام الحرب النفسية مستغلين بعض النكسات التي مُنِيَ بها المسلمون كما حدث في معركة أُحد حينما خالف الرماة اوامر النبي (ص) بعدم ترك مواضعهم حتى لو رأوا الجيش قد بلغ سعفات هجر وتراءى لهم انه هُزم والتي لم تكن هذه الحادثة الا لتمييز المنافقين عن الصادقين، حيث أُشيع ان النبي قد استُشهد مما اثر الخوف في قلوب ضعاف الايمان ففروا من المعركة يفكر كل منهم في البحث عن الملجأ والعودة الى صفوف الكفار'. ورأى الخطيب ان 'الوحدة الداخلية هي اساسية في بقاء المجتمع، والتفرّق والتنازع اهم اسباب الفشل (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، وإنما قال واعتصموا بحبل الله لأن الايمان هو اساس قيامة الامة و وحدة كيانه، فهو عمود وحدتها بل بقائها فإن اختل هذا الركن انتهى وجودها الى الفشل والهزيمة'، وقال :'من هنا، فإن الوحدة وإن كانت قائمة على اساس غير عقائدي هو ضروري للبقاء والتحرز من الفشل والهزيمة، ولقد مارس اعداء هذه الامة في العصر الحاضر هذا الاسلوب لضرب وحدتها الداخلية بأساليب شتى، ونجحوا الى الان بتحقيق بعض اغراضهم بالايقاع بين مكوّناتها المختلفة سواءً داخل اقطارها المتعددة او بين مكوّنات كل قطر منها، وزرعوا الشقاق بينها عبر الاثارات الطائفية او العرقية وحقّقوا بذلك بعض المكاسب ما كان لهم أن يحققوها إلا بعد إيجاد هذا الخلل، ولن تنتهي اطماعهم عند هذا الحد إلا بعد القضاء على ما تبقّى فيها من روح المقاومة والنزعة الى لم شتاتها ومواجهة اعدائها والتي تُمثّل الحرب العدوانية على غزة ولبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية ابرز وقائعها وتردداتها'. وقال :'هذه الروح التي هي احدى اهم عوامل العودة للوحدة وبعثها من جديد وتشكل اليوم مركز الحرب الدائرة في المنطقة وستكون نتائجها هي العامل الذي يحسم مصير هذا الصراع لصالح الامة ان شاء الله مهما كانت التضحيات، واذا كانت الجمهورية الاسلامية تُمثّل اليوم الهدف الاساسي للغرب في الحرب التي ما زال يقودها منذ قيام الامام الخميني بثورته المباركة، فإنما لشعوره بخطورة الوضع الذي ستَضعَهُ فيه من تهديد لمصالحه ونفوذه وعدوانه على العالم وبالأخص على العالمين العربي والإسلامي'. وتابع :لقد تعدّدت أساليب المواجهة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية طوال العقود الماضية ولكنها بلغت اليوم أوجها بعد طوفان الاقصى والمواجهة مع قوى المقاومة في المنطقة، وأصبح واضحاً ان النفوذ الغربي أصبح يعاني من خطر محقق، وهذا ما دفعه الى خوض الحرب المباشرة معها بقيادة الولايات المتحدة الامبركية وستكون نتائجها بالغة الخطورة وهزيمة مدوية بعد أن استنفذت كل اساليب المواجهة عبر الوسائط'. ولفت الى ا'إنّ العدوان الاثم الذي شنته الولايات المتحدة الاميركية صبيحة هذا اليوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية لدليل على الشعور بالمأزق الخطير الذي اصبحت تعاني منه، وكان الاجدر بها ان تتعلّم من حروبها السابقة مع قوى أضعف، التي انتهت بالفشل المخزي وآخرها مع اليمن الشقيق الذي لقَّنها درسا في الهزيمة النكراء اضطرت معها الى الانسحاب تجرّ أذيال الخيبة، فكيف وهي تواجه دولة تملك من عناصر القوة ما لا يجوز مقارنته مع اليمن الشقيق'. وتابع :'واذا كان هذا الهجوم بسبب الضغوط التي تمارسها اللوبيات الصهيونية كآخر ورقة قبل التوقيع على الاتفاق النووي حتى اذا فشل نسبت الفشل الى الكيان العاجز ونسلت يدها منه دون ان تتحمل مسؤوليته وتتخلّص من الضغوط، وأنا ارجّح ذلك، فتذهب الى توقيع الاتفاق مع الجمهورية الاسلامية من دون هذه الضغوط، ولكن هل من المعلوم أن تقبل ايران بعد هذا العدوان التوقيع بنفس الشروط ؟!!! . وعلى كل حال فليعلم العرب والمسلمون والعالم ، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تتلقى هذا العدوان نيابة عنهم وفي سبيل قضاياهم المحقة والعادلة وليس لقضاياها الخاصة، فالبرنامج النووي بدأ به شاه ايران المقبور عندما كان يتلقى اوامره من اميركا ومن العدو الصهيوني، ولو ان ايران بعد الثورة تخلّت عن مبادئها وشعاراتها وباعت ذلك للغرب ولما شكلت تهديداً للمصالح الغربية في المنطقة وعلى رأسها الكيان الغاصب ولو أنها ولّت ظهرها للقضية الفلسطينية لم يكن لدى الغرب مانع من انتاج القنبلة النووية، فالحرب ليس على البرنامج النووي وانما على الخيار الايراني بتبني القضية الفلسطينية ودفاعاً عن قضايا الشعوب المستضعفة'. وقال العلامة الخطيب ' لذلك، نحن نتضامن اليوم مع الشعب الايراني وقيادته الحكيمة ونعتبره عدواناً علينا وعلى العالم العربي والاسلامي وعلى الجميع اعتباره عدوانا عليها جميعا ولا يكفي ادانته كما تتصرّف الدول التي تُعنى بالشأن الفلسطيني ومن خارج العالم العربي والإسلامي. نسأل الله تعالى أن يرد كيد اعداء الشعوب واعداء القيم الانسانية القتلة ومرتكبي الابادة للشعوب وبخاصة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ومرتكبي العدوان والقتل والدمار في لبنان وداعميهم بالسلاح والمال والاعلام وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعسى أن يكون فتحاً قريباً كفتح الحديبية إن شاء الله. (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) التحية والمجد للشهداء والنصر والغلبة للجمهورية الاسلامية ولأمتنا العربي'.


ليبانون 24
منذ 5 أيام
- ليبانون 24
العلامة الخطيب: فليعلم العرب ان ايران تتلقى العدوان نيابة عنهم
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار ، وألقى خطبة الجمعة، قال فيها: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) "هو خطاب من الله تعالى للأمة في وجوب امتلاك عناصر القوة التي يجب أن تتمتع بها للحفاظ أولاً على نفسها وتماسكها حتى لا تتحلّل وتتفكّك فتخسر وجودها او أهدافها مهما كانت العوامل المكوّنة لها دينية او قومية، وأول هذه العناصر وأهمها وحدتها وتماسكها الداخلي، وتأتي العناصر الاخرى مكمّلة لها من البنية الاقتصادية والعسكرية وغيرها، ويلعب العنصر الثقافي خصوصاً المنبثق من مبدأ عقائدي دوراً مهماً في وحدة المجتمع وتماسكه، وبقدر ما يكون هذا العنصر متيناً وواقعياً كأن يكون ناشئاً من نظرة فلسفية دينية كما هو الاسلام بقدر ما تكون هذه الوحدة متينة وقادرة على مواجهة التحديات والتغلّب عليها خصوصاً اذا كان أصل الكيان الاجتماعي قائماً على اساس منها". أضاف :" قال تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فالأمة سُمّيت باسم دينها وهو الاسلام وعبُّر عنها به ونُسبت اليه ووُجِدَت بسببه، فقيل أمة الاسلام والامة الإسلامية، فهي وإن قامت أول ما قامت ببيئة عربية ولكنها لم تقم لأسباب خاصة بهذه البيئة، ولذلك تخطت هذه البيئة لتكون رسالةً عالميةً غير محصورة بها واستطاعت أن تكون عابرة للزمان والمكان وأن تندمج فيها قوميات متعددة الثقافات وأن تنشأ لنفسها وحدة قوية متراصّة تحدّت أقوى الامبراطوريات والقوى الاقدم وجوداً وحضارةً والأقوى حضوراً على الساحة العالمية وذات التاريخ العريق ولكنها سرعان ما تقهقرت وانهزمت أمامها وتلاشى بعضها وانتهى من الوجود، بينما كانت الاقدر من الناحية المادية والاقتصادية والتجربة والخبرة والتنظيم أمام قوة ناشئة لم يكن لها شيء من الخبرة ولم تعش في حياتها تجربة الدولة في أي شأن من شؤونها، ولم يكن بيدها سوى إيمانها وعقيدتها وإخلاصها لله سبحانه الذي كان منطلقها في كل ما أنجزته من هذا البناء الذي اكتسح في بداية انطلاقته مساحة كبيرة من الامم والشعوب التي اندمجت في هذا الكيان العقائدي الجديد الذي بشَّر الله به نبيّه في بداية انطلاقة الاسلام سنة ست للهجرة بعد توقيع النبي (ص) صلح الحديبية حيث لم تكن البشرى بشرى بفتح محدود في المكان والزمان فقال تعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا)". وتابع :"ولم يكن واضحاً هذا الامر للبعض ممن كان حاضراً معترضاً على هذا الصلح عبَّر عنه بأنه اعطاء للدنية من النبي (ص) والمسلمين واعتبره توقيعاً على صك الهزيمة للكافرين، ولكن الوحدة القائمة على قوة العقيدة والتسليم للنبي (ص) حوَّل الضعف الى قوة وانتصار، ومن هنا حاول العدو ان يلعب على هذه الوحدة وان يعمل على تفكيكها من الداخل مستغلاً فئة من هذه البيئة الذين أُجبروا على التكيّف مع الواقع الجديد بعدما فقدوا رهاناتهم في القضاء على الاسلام في مهده من اصحاب المصالح، فدخلوا الاسلام ظاهراً ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم الذين اسماهم القرآن بالمنافقين، وكان لهم الدور الاكبر في بثّ الشائعات والفتن لتمزيق وحدة الامة من الداخل وبثّ عوامل الفرقة لصالح الكفار وتشويه وإسقاط الرموز والتشكيك وتعظيم شأن القوى المعادية للاسلام والتخويف للأمة من قادم الايام ومما يعدّه الكفار لهم حتى يتخلوا عن الرسالة، فكان أهم ما عملوا عليه هو تفكيك الوحدة الداخلية بتشكيك المؤمنين بدينهم لأنها العامل الاهم في تمتين الوحدة الداخلية واستخدام الحرب النفسية مستغلين بعض النكسات التي مُنِيَ بها المسلمون كما حدث في معركة أُحد حينما خالف الرماة اوامر النبي (ص) بعدم ترك مواضعهم حتى لو رأوا الجيش قد بلغ سعفات هجر وتراءى لهم انه هُزم والتي لم تكن هذه الحادثة الا لتمييز المنافقين عن الصادقين، حيث أُشيع ان النبي قد استُشهد مما اثر الخوف في قلوب ضعاف الايمان ففروا من المعركة يفكر كل منهم في البحث عن الملجأ والعودة الى صفوف الكفار". ورأى الخطيب ان "الوحدة الداخلية هي اساسية في بقاء المجتمع، والتفرّق والتنازع اهم اسباب الفشل (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، وإنما قال واعتصموا بحبل الله لأن الايمان هو اساس قيامة الامة و وحدة كيانه، فهو عمود وحدتها بل بقائها فإن اختل هذا الركن انتهى وجودها الى الفشل والهزيمة"، وقال :"من هنا، فإن الوحدة وإن كانت قائمة على اساس غير عقائدي هو ضروري للبقاء والتحرز من الفشل والهزيمة، ولقد مارس اعداء هذه الامة في العصر الحاضر هذا الاسلوب لضرب وحدتها الداخلية بأساليب شتى، ونجحوا الى الان بتحقيق بعض اغراضهم بالايقاع بين مكوّناتها المختلفة سواءً داخل اقطارها المتعددة او بين مكوّنات كل قطر منها، وزرعوا الشقاق بينها عبر الاثارات الطائفية او العرقية وحقّقوا بذلك بعض المكاسب ما كان لهم أن يحققوها إلا بعد إيجاد هذا الخلل، ولن تنتهي اطماعهم عند هذا الحد إلا بعد القضاء على ما تبقّى فيها من روح المقاومة والنزعة الى لم شتاتها ومواجهة اعدائها والتي تُمثّل الحرب العدوانية على غزة ولبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية ابرز وقائعها وتردداتها". وقال :"هذه الروح التي هي احدى اهم عوامل العودة للوحدة وبعثها من جديد وتشكل اليوم مركز الحرب الدائرة في المنطقة وستكون نتائجها هي العامل الذي يحسم مصير هذا الصراع لصالح الامة ان شاء الله مهما كانت التضحيات، واذا كانت الجمهورية الاسلامية تُمثّل اليوم الهدف الاساسي للغرب في الحرب التي ما زال يقودها منذ قيام الامام الخميني بثورته المباركة، فإنما لشعوره بخطورة الوضع الذي ستَضعَهُ فيه من تهديد لمصالحه ونفوذه وعدوانه على العالم وبالأخص على العالمين العربي والإسلامي". وتابع :لقد تعدّدت أساليب المواجهة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية طوال العقود الماضية ولكنها بلغت اليوم أوجها بعد طوفان الاقصى والمواجهة مع قوى المقاومة في المنطقة، وأصبح واضحاً ان النفوذ الغربي أصبح يعاني من خطر محقق، وهذا ما دفعه الى خوض الحرب المباشرة معها بقيادة الولايات المتحدة الامبركية وستكون نتائجها بالغة الخطورة وهزيمة مدوية بعد أن استنفذت كل اساليب المواجهة عبر الوسائط". ولفت الى ا"إنّ العدوان الاثم الذي شنته الولايات المتحدة الاميركية صبيحة هذا اليوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية لدليل على الشعور بالمأزق الخطير الذي اصبحت تعاني منه، وكان الاجدر بها ان تتعلّم من حروبها السابقة مع قوى أضعف، التي انتهت بالفشل المخزي وآخرها مع اليمن الشقيق الذي لقَّنها درسا في الهزيمة النكراء اضطرت معها الى الانسحاب تجرّ أذيال الخيبة، فكيف وهي تواجه دولة تملك من عناصر القوة ما لا يجوز مقارنته مع اليمن الشقيق". وتابع :"واذا كان هذا الهجوم بسبب الضغوط التي تمارسها اللوبيات الصهيونية كآخر ورقة قبل التوقيع على الاتفاق النووي حتى اذا فشل نسبت الفشل الى الكيان العاجز ونسلت يدها منه دون ان تتحمل مسؤوليته وتتخلّص من الضغوط، وأنا ارجّح ذلك، فتذهب الى توقيع الاتفاق مع الجمهورية الاسلامية من دون هذه الضغوط، ولكن هل من المعلوم أن تقبل ايران بعد هذا العدوان التوقيع بنفس الشروط ؟!!! . وعلى كل حال فليعلم العرب والمسلمون والعالم ، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تتلقى هذا العدوان نيابة عنهم وفي سبيل قضاياهم المحقة والعادلة وليس لقضاياها الخاصة، فالبرنامج النووي بدأ به شاه ايران المقبور عندما كان يتلقى اوامره من اميركا ومن العدو الصهيوني، ولو ان ايران بعد الثورة تخلّت عن مبادئها وشعاراتها وباعت ذلك للغرب ولما شكلت تهديداً للمصالح الغربية في المنطقة وعلى رأسها الكيان الغاصب ولو أنها ولّت ظهرها للقضية الفلسطينية لم يكن لدى الغرب مانع من انتاج القنبلة النووية، فالحرب ليس على البرنامج النووي وانما على الخيار الايراني بتبني القضية الفلسطينية ودفاعاً عن قضايا الشعوب المستضعفة". وقال العلامة الخطيب " لذلك، نحن نتضامن اليوم مع الشعب الايراني وقيادته الحكيمة ونعتبره عدواناً علينا وعلى العالم العربي والاسلامي وعلى الجميع اعتباره عدوانا عليها جميعا ولا يكفي ادانته كما تتصرّف الدول التي تُعنى بالشأن الفلسطيني ومن خارج العالم العربي والإسلامي. نسأل الله تعالى أن يرد كيد اعداء الشعوب واعداء القيم الانسانية القتلة ومرتكبي الابادة للشعوب وبخاصة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ومرتكبي العدوان والقتل والدمار في لبنان وداعميهم بالسلاح والمال والاعلام وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعسى أن يكون فتحاً قريباً كفتح الحديبية إن شاء الله. (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) التحية والمجد للشهداء والنصر والغلبة للجمهورية الاسلامية ولأمتنا العربي".