
لغز ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين
Getty Images
ربطت دراسات بين تلوث الهواء والإصابة بسرطان الرئة بعد أن كان التدخين هو المتهم الأول
تتزايد حالات سرطان الرئة بين من لم يسبق لهم التدخين. وهو نوع من السرطان يختلف عن السرطان الذي يصيب الرئة نتيجة التدخين، فما سببه؟
أدركت مارثا أن هناك أمر ما، عندما أحست بتغير في سعالها وأصبح المخاط في مجراها التنفسي أكثر لزوجة. وأرجع الأطباء ذلك إلى اضطراب نادر كان قد أصابها وتسبب في التهاب مزمن في الرئتين. وقيل لها: "لا تقلقي، لا بد أن هذا هو السبب".
وعندما خضعت لفحص بالأشعة السينية، ظهر ظل على رئتها.
تتذكر مارثا: "هذا ما دفع الحالة إلى التقدم. أولاً، خضعت لفحص بالأشعة المقطعية، ثم لفحص بمنظار القصبة الهوائية [إجراء يتضمن استخدام أنبوب طويل لفحص مجاري التنفس في رئتي الشخص] لأخذ عينات من الأنسجة".
وبعد استئصال الورم بنحو أربعة أشهر من إبلاغها بتلك الأعراض من الطبيب العام، شُخصت حالتها بسرطان الرئة من الدرجة الثالثة (أ). وتسلل الورم إلى العقد اللمفاوية المحيطة، لكنه لم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى في جسمها. كانت مارثا تبلغ من العمر 59 سنة في ذلك الوقت.
وقالت مارثا: "كانت صدمة حقيقية". ورغم أنها كانت أحياناً تشعل سيجارة في الحفلات، إلا أنها لم تعتبر نفسها مدخنة يوماً ما.
ويُعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى العالم والسبب الرئيسي للوفيات جراء هذا المرض الذي يصيب أعضاء مختلفة في جسم الإنسان.
في 2022، شُخص نحو 2.5 مليون شخصاً بهذا المرض بينما توفي أكثر من 1.8 مليون شخصاً بسببه.
وعلى الرغم من أن سرطانات الرئة المرتبطة بالتبغ لا تزال تُمثل أغلبية الحالات المشخصة عالمياً، إلا أن معدلات التدخين آخذة في الانخفاض منذ عقود. لكن ومع استمرار انخفاض عدد المدخنين في العديد من دول العالم، تستمر نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين في الزيادة. وتتراوح نسبة من يشخصون بالإصابة بسرطان الرئة ممن لم يسبق لهم التدخين بين 10 في المئة و20 في المئة من حالات سرطان الرئة بصفة عامة.
يقول أندرياس ويكي، أخصائي الأورام في مستشفى زيورخ الجامعي في سويسرا: "يظهر سرطان الرئة لدى غير المدخنين ككيان مرضي منفصل ذو خصائص جزيئية مميزة تؤثر بشكل مباشر على قرارات العلاج ونتائجه". وبينما يتشابه متوسط العمر عند التشخيص مع متوسط عمر مرضى سرطان الرئة المرتبط بالتدخين، فإن المرضى الأصغر سناً المصابين بسرطان الرئة هم في الغالب ممن لم يدخنوا أبداً.
ويضيف: "عندما نفحص مرضى سرطان الرئة في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين من العمر، نجد أنهم عادةً ما يكونون من غير المدخنين".
يشار إلى وجود فرق آخر يتمثل في نوع السرطان المشخص. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً هو سرطان الخلايا الحرشفية؛ وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تبطن الرئتين. في المقابل فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين يكون في الغالب من نوع السرطان الغدي، وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تُنتج المخاط. وقد أصبح هذا النوع الآن الشكل الأكثر شيوعاً من سرطان الرئة سواء بين المدخنين أو غير المدخنين.
كما هو الحال مع أنواع سرطان الرئة الأخرى، عادةً ما يُشخص السرطان الغدي في مرحلة متقدمة. وقال ويكي: "إذا كان هناك ورم بحجم سنتيمتر واحد (0.4 بوصة) مخفي في مكان ما في رئتيك، فلن تلاحظه". وغالباً ما تظهر الأعراض المبكرة، التي تتضمن السعال المستمر، وألم الصدر، وضيق التنفس، أو الصفير، فقط عندما يكبر الورم أو ينتشر.
إضافةً إلى ذلك، قد يدفع الارتباط التاريخي القوي بين التدخين وسرطان الرئة، دون قصد، غير المدخنين إلى ربط الأعراض بأسباب أخرى، كما يقول ويكي. "لذلك، تُشخَّص معظم حالات غير المدخنين فقط في المرحلة الثالثة أو الرابعة".
Getty Images
النساء أكثر تعرضاً للدخان وعوادم المواقد لبقائهن في الأماكن المغلقة فترات طويلة
يشار أيضاً إلى أن سرطان الرئة لدى غير المدخنين أكثر شيوعاً بين النساء. فالنساء اللاتي لم يسبق لهن التدخين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بأكثر من الضعف مقارنة بالرجال غير المدخنين. وإلى جانب الاختلافات في تركيبة الرئة والتعرض للعوامل البيئية، قد يكون جزء من التفسير مرتبطاً بطفرات جينية شائعة بشكل أكبر لدى النساء، وخاصة النساء الآسيويات. ومن بين هذه الطفرات، الطفرة المعروفة باسم EGFR، واحدة من أكثرها انتشاراً.
وعادةً ما تحتوي خلايا سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين على عدد من الطفرات التي قد تُسبب المرض، وفقاً لويكي.
وتُسمى هذه الطفرات بالطفرات المُحفِزة، إذ تُحفز هذه التغيرات الجينية نمو الورم، مثل جين EGFR الذي يُشفر بروتيناً على سطح الخلايا.
ولا تزال أسباب وجود هذه الطفرات المُحفزة وانتشارها بشكل ملحوظ لدى المريضات، خاصة ذوات الأصول الآسيوية، غير مفهومة على الإطلاق. وهناك بعض الأدلة على أن هرمونات الأنوثة قد تلعب دوراً في الإصابة، إذ تكون بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على التمثيل العضوي لهرمون الإستروجين أكثر شيوعاً بين سكان شرق آسيا. وقد يفسر هذا ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة المُحفِز بطفرات EGFR لدى النساء الآسيويات، على الرغم من أن البيانات لا تزال أولية للغاية.
وبعد اكتشاف الطفرات التي قد تؤدي إلى سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، بدأ تطوير عقاقير تُعيق نشاط هذه البروتينات تحديداً. على سبيل المثال، طُرحت أول مثبطات مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) قبل نحو 20 سنة، وأظهر معظم المرضى استجابةً رائعةً. مع ذلك، غالباً ما يؤدي العلاج إلى ظهور خلايا سرطانية مقاومة، مما يؤدي إلى انتكاس الورم. وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة للتغلب على هذه المشكلة، مع ظهور أنواع جديدة من الأدوية في السوق.
ونتيجةً لذلك، تحسنت توقعات تشخيص الحالات المصابة بخطى ثابتة.
وأوضح ويكي: "يبلغ متوسط معدل البقاء على قيد الحياة للمرضى الحاملين لهذه الطفرات المحفزة عدة سنوات. لدينا مرضى يتلقون علاجاً موجهاً لأكثر من عشر سنوات. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، بالنظر إلى أن متوسط معدل البقاء على قيد الحياة كان أقل من 12 شهراً قبل نحو 20 سنة".
ومع تزايد نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، يؤكد الخبراء على أهمية وضع استراتيجيات وقائية لهذه الفئة. كما ارتبطت عوامل خطر عديدة بهذا الأمر. على سبيل المثال، كشفت دراسات أن غاز الرادون والتدخين السلبي يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين. كما أن التعرض لأبخرة الطهي أو مواقد حرق الخشب أو الفحم في غرف سيئة التهوية قد يزيد من هذا الخطر. ولأن النساء يقضين عادةً وقتاً أطول في الأماكن المغلقة، فإنهن أكثر عرضة لهذا النوع من تلوث الهواء. ومع ذلك، يُعد تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة عاملاً أكثر أهمية في الإصابة بسرطان الرئة.
ويعد تلوث الهواء الخارجي ثاني أكبر سبب للإصابة بسرطان الرئة بعد التدخين. وكشفت دراسات أن سكان المناطق شديدة التلوث هم أكثر عرضة للوفاة بسرطان الرئة مقارنةً بمن يعيشون في مناطق أقل تلوثاً. ويبدو أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون (نحو ثلث عرض شعرة الإنسان)، وتوجد عادةً في عوادم السيارات ودخان الوقود الأحفوري، تلعب دوراً هاماً في حدوث الإصابة. ومن المثير للاهتمام أن أبحاثاً أخرى أظهرت وجود صلة قوية بين ارتفاع مستويات هذه الأجسام الدقيقة وسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ممن يحملون طفرة مستقبل عامل نمو البشرة.
Getty Images
أثبتت دراسات أن الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء تؤثر في الإصابة بسرطان الرئة
وكان تركيز الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن على كيفية تأثير تلوث الهواء في الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يدخنوا أبداً من الحاملين لطفرة مستقبل عامل نمو البشرة.
وقال ويليام هيل، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تطور السرطان وعدم استقرار الجينات بمعهد فرانسيس كريك: "عندما نفكر في العوامل البيئية المسببة للسرطان، عادةً ما نفكر فيها على أنها تُسبب طفرات في الحمض النووي". فعلى سبيل المثال، يلحق دخان السجائر الضرر بحمضنا النووي، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة.
وأضاف: "مع ذلك، تقترح دراستنا [2023] أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) لا تُحدث طفرة في الحمض النووي مباشرةً، بل تُنبه خلايا طافرة كامنة في رئتينا وتُحفزها على بدء مراحل مبكرة من سرطان الرئة".
وأشار باحثون إلى أن ملوثات الهواء تمتصها الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية. وتحمي هذه الخلايا الرئة عادةً عن طريق القضاء على الكائنات المُعدية. واستجابةً للتعرض للجسيمات الدقيقة، تُطلق هذه الخلايا رسائل كيميائية تُعرف باسم السيتوكينات، التي تُنبه بدورها الخلايا الحاملة لطفرة EGFR وتدفعها إلى التكاثر.
وقال هيل: "يُعد تلوث الهواء وطفرات EGFR ضروريين لنمو الأورام". لافتاً إلى أن فهم كيفية تأثير الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على البيئة التي توجد فيها الخلايا الحاملة لطفرات EGFR لتعزيز نمو الأورام، قد يُمهد الطريق لأساليب جديدة للوقاية من سرطان الرئة.
والعلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرئة ليست جديدة. ففي ورقة بحثية هامة نُشرت عام 1955 – أثبتت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة – اقترح الباحثون أن الملوثات الخارجية الناتجة عن حرق الوقود قد تكون سبباً محتملاً. وحتى الآن، يقتصر تركيز السياسات على مجرد مكافحة التبغ. ولكن بعد 75 سنة، بدأ التركيز على تلوث الهواء.
انخفضت مستويات تلوث الهواء في أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، لكن تأثير هذه التغيرات على معدلات الإصابة بسرطان الرئة لم يتضح بعد.
وقالت كريستين بيرغ، أخصائية الأورام المتقاعدة في المعهد الوطني للسرطان في ماريلاند في الولايات المتحدة: "ربما يستغرق الأمر من 15 إلى 20 سنة حتى تنعكس تغيرات التعرض للتلوث على معدلات الإصابة بسرطان الرئة، لكننا لسنا متأكدين من ذلك". كما أن الوضع دائم التغير، فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تأثير في المستقبل.
وأضافت بيرغ: "مع تزايد خطر حرائق الغابات، يرتفع تلوث الهواء ومستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) مجدداً في مناطق معينة من الولايات المتحدة".
وأشارت إلى أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت وجود علاقة بين التعرض لحرائق الغابات وزيادة حالات الإصابة بسرطان الرئة. لذا، فإن التحول من الفحم والنفط والغاز (إلى مصادر طاقة نظيفة) أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً لتحسين جودة الهواء".
Alamy
يُعد التعرض لغاز الرادون من أسباب سرطان الرئة
خفضت منظمة الصحة العالمية في عام 2021، إرشادات المتوسط السنوي لجودة الهواء لهذه لجسيمات الدقيقة إلى النصف، مما يعني أنها اعتمدت نهجاً أكثر صرامة تجاه انتشارها.
وقال غانفنغ ليو، باحث ما بعد الدكتوراه في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في ليون في فرنسا: "لكن 99 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء الحدود [المُحدثة] لإرشادات منظمة الصحة العالمية".
وفي دراسة حديثة، قدر باحثو الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن حوالي 194 ألف حالة من سرطان الرئة الغدي في جميع أنحاء العالم يمكن أن تُعزى إلى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في 2022. ورجح ليو أنه "من المتوقع أن يقع العبء الأكبر على كاهل منطقة شرق آسيا، خاصة في الصين".
وقد يزداد عدد وفيات سرطان الرئة الناجمة عن تلوث الهواء في دول مثل الهند، التي تُعد حالياً من بين أعلى مستويات تلوث الهواء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي دلهي، يتجاوز متوسط مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) ميكروغرام لكل متر مربع، وهو ما يزيد بعشرين ضعفاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء.
وفي المملكة المتحدة، أُصيب 1100 شخصاً بسرطان غدي في الرئة نتيجةً لتلوث الهواء في 2022، وفقاً لدراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان. وتقول هارييت رومغاي، عالمة الأوبئة والمشاركة في الدراسة: "لكن لن تكون جميع هذه الحالات ممن لم يدخنوا من قبل".
ويصيب سرطان الرئة الغدي المدخنين أيضاً، خاصةً مدخني السجائر المفلترة. وأضافت رومغاي: "لا يزال هناك الكثير مما لا نعلمه. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفك تشابك العوامل المختلفة، وكذلك للتعرف على الكثير من الأشياء مثل مدة التعرض لتلوث الهواء التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة".
ومع استمرار تحسن العلاج، أصبحت فرص النجاة من سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين أكثر. ومن المرجح أن يكون هذا النوع من سرطان الرئة يوماً ما هو الشكل الأكثر انتشاراً لهذا المرض الذي ارتبط تاريخياً بالمدخنين الذكور الأكبر سناً، مما قد يغير نظرتنا إلى هذا المرض في الثقافة الشعبية. وبحسب ويكي: "للأسف، لا تزال فكرة أن المرضى مسؤولون جزئياً على الأقل عن مرضهم شائعة".
واكتشف الأطباء أن مارثا تعاني من طفرة مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، وتتناول مثبطاً منذ تشخيص حالتها قبل نحو ثلاث سنوات. وقالت مارثا: "إنه ليس قرصاً من الفيتامينات بالتأكيد". وللدواء آثار جانبية سيئة مثل الإرهاق المزمن، وآلام العضلات، ومشاكل جلدية.
وأضافت أن الموازنة بين مخاطر وفوائد العلاج الدوائي والحفاظ على جودة حياة معقولة ليس بالأمر السهل دائماً. لكن الدواء يُجدي نفعاً. "والنظرة السلبية للمرض تتغير، وهذا أمر جيد".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 17 ساعات
- الوسط
لغز ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين
Getty Images ربطت دراسات بين تلوث الهواء والإصابة بسرطان الرئة بعد أن كان التدخين هو المتهم الأول تتزايد حالات سرطان الرئة بين من لم يسبق لهم التدخين. وهو نوع من السرطان يختلف عن السرطان الذي يصيب الرئة نتيجة التدخين، فما سببه؟ أدركت مارثا أن هناك أمر ما، عندما أحست بتغير في سعالها وأصبح المخاط في مجراها التنفسي أكثر لزوجة. وأرجع الأطباء ذلك إلى اضطراب نادر كان قد أصابها وتسبب في التهاب مزمن في الرئتين. وقيل لها: "لا تقلقي، لا بد أن هذا هو السبب". وعندما خضعت لفحص بالأشعة السينية، ظهر ظل على رئتها. تتذكر مارثا: "هذا ما دفع الحالة إلى التقدم. أولاً، خضعت لفحص بالأشعة المقطعية، ثم لفحص بمنظار القصبة الهوائية [إجراء يتضمن استخدام أنبوب طويل لفحص مجاري التنفس في رئتي الشخص] لأخذ عينات من الأنسجة". وبعد استئصال الورم بنحو أربعة أشهر من إبلاغها بتلك الأعراض من الطبيب العام، شُخصت حالتها بسرطان الرئة من الدرجة الثالثة (أ). وتسلل الورم إلى العقد اللمفاوية المحيطة، لكنه لم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى في جسمها. كانت مارثا تبلغ من العمر 59 سنة في ذلك الوقت. وقالت مارثا: "كانت صدمة حقيقية". ورغم أنها كانت أحياناً تشعل سيجارة في الحفلات، إلا أنها لم تعتبر نفسها مدخنة يوماً ما. ويُعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان انتشاراً على مستوى العالم والسبب الرئيسي للوفيات جراء هذا المرض الذي يصيب أعضاء مختلفة في جسم الإنسان. في 2022، شُخص نحو 2.5 مليون شخصاً بهذا المرض بينما توفي أكثر من 1.8 مليون شخصاً بسببه. وعلى الرغم من أن سرطانات الرئة المرتبطة بالتبغ لا تزال تُمثل أغلبية الحالات المشخصة عالمياً، إلا أن معدلات التدخين آخذة في الانخفاض منذ عقود. لكن ومع استمرار انخفاض عدد المدخنين في العديد من دول العالم، تستمر نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين في الزيادة. وتتراوح نسبة من يشخصون بالإصابة بسرطان الرئة ممن لم يسبق لهم التدخين بين 10 في المئة و20 في المئة من حالات سرطان الرئة بصفة عامة. يقول أندرياس ويكي، أخصائي الأورام في مستشفى زيورخ الجامعي في سويسرا: "يظهر سرطان الرئة لدى غير المدخنين ككيان مرضي منفصل ذو خصائص جزيئية مميزة تؤثر بشكل مباشر على قرارات العلاج ونتائجه". وبينما يتشابه متوسط العمر عند التشخيص مع متوسط عمر مرضى سرطان الرئة المرتبط بالتدخين، فإن المرضى الأصغر سناً المصابين بسرطان الرئة هم في الغالب ممن لم يدخنوا أبداً. ويضيف: "عندما نفحص مرضى سرطان الرئة في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين من العمر، نجد أنهم عادةً ما يكونون من غير المدخنين". يشار إلى وجود فرق آخر يتمثل في نوع السرطان المشخص. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً هو سرطان الخلايا الحرشفية؛ وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تبطن الرئتين. في المقابل فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين يكون في الغالب من نوع السرطان الغدي، وهو نوع يبدأ في الخلايا التي تُنتج المخاط. وقد أصبح هذا النوع الآن الشكل الأكثر شيوعاً من سرطان الرئة سواء بين المدخنين أو غير المدخنين. كما هو الحال مع أنواع سرطان الرئة الأخرى، عادةً ما يُشخص السرطان الغدي في مرحلة متقدمة. وقال ويكي: "إذا كان هناك ورم بحجم سنتيمتر واحد (0.4 بوصة) مخفي في مكان ما في رئتيك، فلن تلاحظه". وغالباً ما تظهر الأعراض المبكرة، التي تتضمن السعال المستمر، وألم الصدر، وضيق التنفس، أو الصفير، فقط عندما يكبر الورم أو ينتشر. إضافةً إلى ذلك، قد يدفع الارتباط التاريخي القوي بين التدخين وسرطان الرئة، دون قصد، غير المدخنين إلى ربط الأعراض بأسباب أخرى، كما يقول ويكي. "لذلك، تُشخَّص معظم حالات غير المدخنين فقط في المرحلة الثالثة أو الرابعة". Getty Images النساء أكثر تعرضاً للدخان وعوادم المواقد لبقائهن في الأماكن المغلقة فترات طويلة يشار أيضاً إلى أن سرطان الرئة لدى غير المدخنين أكثر شيوعاً بين النساء. فالنساء اللاتي لم يسبق لهن التدخين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بأكثر من الضعف مقارنة بالرجال غير المدخنين. وإلى جانب الاختلافات في تركيبة الرئة والتعرض للعوامل البيئية، قد يكون جزء من التفسير مرتبطاً بطفرات جينية شائعة بشكل أكبر لدى النساء، وخاصة النساء الآسيويات. ومن بين هذه الطفرات، الطفرة المعروفة باسم EGFR، واحدة من أكثرها انتشاراً. وعادةً ما تحتوي خلايا سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين على عدد من الطفرات التي قد تُسبب المرض، وفقاً لويكي. وتُسمى هذه الطفرات بالطفرات المُحفِزة، إذ تُحفز هذه التغيرات الجينية نمو الورم، مثل جين EGFR الذي يُشفر بروتيناً على سطح الخلايا. ولا تزال أسباب وجود هذه الطفرات المُحفزة وانتشارها بشكل ملحوظ لدى المريضات، خاصة ذوات الأصول الآسيوية، غير مفهومة على الإطلاق. وهناك بعض الأدلة على أن هرمونات الأنوثة قد تلعب دوراً في الإصابة، إذ تكون بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على التمثيل العضوي لهرمون الإستروجين أكثر شيوعاً بين سكان شرق آسيا. وقد يفسر هذا ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الرئة المُحفِز بطفرات EGFR لدى النساء الآسيويات، على الرغم من أن البيانات لا تزال أولية للغاية. وبعد اكتشاف الطفرات التي قد تؤدي إلى سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، بدأ تطوير عقاقير تُعيق نشاط هذه البروتينات تحديداً. على سبيل المثال، طُرحت أول مثبطات مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR) قبل نحو 20 سنة، وأظهر معظم المرضى استجابةً رائعةً. مع ذلك، غالباً ما يؤدي العلاج إلى ظهور خلايا سرطانية مقاومة، مما يؤدي إلى انتكاس الورم. وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة للتغلب على هذه المشكلة، مع ظهور أنواع جديدة من الأدوية في السوق. ونتيجةً لذلك، تحسنت توقعات تشخيص الحالات المصابة بخطى ثابتة. وأوضح ويكي: "يبلغ متوسط معدل البقاء على قيد الحياة للمرضى الحاملين لهذه الطفرات المحفزة عدة سنوات. لدينا مرضى يتلقون علاجاً موجهاً لأكثر من عشر سنوات. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، بالنظر إلى أن متوسط معدل البقاء على قيد الحياة كان أقل من 12 شهراً قبل نحو 20 سنة". ومع تزايد نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين، يؤكد الخبراء على أهمية وضع استراتيجيات وقائية لهذه الفئة. كما ارتبطت عوامل خطر عديدة بهذا الأمر. على سبيل المثال، كشفت دراسات أن غاز الرادون والتدخين السلبي يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى غير المدخنين. كما أن التعرض لأبخرة الطهي أو مواقد حرق الخشب أو الفحم في غرف سيئة التهوية قد يزيد من هذا الخطر. ولأن النساء يقضين عادةً وقتاً أطول في الأماكن المغلقة، فإنهن أكثر عرضة لهذا النوع من تلوث الهواء. ومع ذلك، يُعد تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة عاملاً أكثر أهمية في الإصابة بسرطان الرئة. ويعد تلوث الهواء الخارجي ثاني أكبر سبب للإصابة بسرطان الرئة بعد التدخين. وكشفت دراسات أن سكان المناطق شديدة التلوث هم أكثر عرضة للوفاة بسرطان الرئة مقارنةً بمن يعيشون في مناطق أقل تلوثاً. ويبدو أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون (نحو ثلث عرض شعرة الإنسان)، وتوجد عادةً في عوادم السيارات ودخان الوقود الأحفوري، تلعب دوراً هاماً في حدوث الإصابة. ومن المثير للاهتمام أن أبحاثاً أخرى أظهرت وجود صلة قوية بين ارتفاع مستويات هذه الأجسام الدقيقة وسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ممن يحملون طفرة مستقبل عامل نمو البشرة. Getty Images أثبتت دراسات أن الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء تؤثر في الإصابة بسرطان الرئة وكان تركيز الأبحاث في معهد فرانسيس كريك في لندن على كيفية تأثير تلوث الهواء في الإصابة بسرطان الرئة لدى من لم يدخنوا أبداً من الحاملين لطفرة مستقبل عامل نمو البشرة. وقال ويليام هيل، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تطور السرطان وعدم استقرار الجينات بمعهد فرانسيس كريك: "عندما نفكر في العوامل البيئية المسببة للسرطان، عادةً ما نفكر فيها على أنها تُسبب طفرات في الحمض النووي". فعلى سبيل المثال، يلحق دخان السجائر الضرر بحمضنا النووي، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة. وأضاف: "مع ذلك، تقترح دراستنا [2023] أن الجسيمات الدقيقة (PM2.5) لا تُحدث طفرة في الحمض النووي مباشرةً، بل تُنبه خلايا طافرة كامنة في رئتينا وتُحفزها على بدء مراحل مبكرة من سرطان الرئة". وأشار باحثون إلى أن ملوثات الهواء تمتصها الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية. وتحمي هذه الخلايا الرئة عادةً عن طريق القضاء على الكائنات المُعدية. واستجابةً للتعرض للجسيمات الدقيقة، تُطلق هذه الخلايا رسائل كيميائية تُعرف باسم السيتوكينات، التي تُنبه بدورها الخلايا الحاملة لطفرة EGFR وتدفعها إلى التكاثر. وقال هيل: "يُعد تلوث الهواء وطفرات EGFR ضروريين لنمو الأورام". لافتاً إلى أن فهم كيفية تأثير الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على البيئة التي توجد فيها الخلايا الحاملة لطفرات EGFR لتعزيز نمو الأورام، قد يُمهد الطريق لأساليب جديدة للوقاية من سرطان الرئة. والعلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرئة ليست جديدة. ففي ورقة بحثية هامة نُشرت عام 1955 – أثبتت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة – اقترح الباحثون أن الملوثات الخارجية الناتجة عن حرق الوقود قد تكون سبباً محتملاً. وحتى الآن، يقتصر تركيز السياسات على مجرد مكافحة التبغ. ولكن بعد 75 سنة، بدأ التركيز على تلوث الهواء. انخفضت مستويات تلوث الهواء في أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، لكن تأثير هذه التغيرات على معدلات الإصابة بسرطان الرئة لم يتضح بعد. وقالت كريستين بيرغ، أخصائية الأورام المتقاعدة في المعهد الوطني للسرطان في ماريلاند في الولايات المتحدة: "ربما يستغرق الأمر من 15 إلى 20 سنة حتى تنعكس تغيرات التعرض للتلوث على معدلات الإصابة بسرطان الرئة، لكننا لسنا متأكدين من ذلك". كما أن الوضع دائم التغير، فمن المرجح أن يكون لتغير المناخ تأثير في المستقبل. وأضافت بيرغ: "مع تزايد خطر حرائق الغابات، يرتفع تلوث الهواء ومستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) مجدداً في مناطق معينة من الولايات المتحدة". وأشارت إلى أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت وجود علاقة بين التعرض لحرائق الغابات وزيادة حالات الإصابة بسرطان الرئة. لذا، فإن التحول من الفحم والنفط والغاز (إلى مصادر طاقة نظيفة) أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً لتحسين جودة الهواء". Alamy يُعد التعرض لغاز الرادون من أسباب سرطان الرئة خفضت منظمة الصحة العالمية في عام 2021، إرشادات المتوسط السنوي لجودة الهواء لهذه لجسيمات الدقيقة إلى النصف، مما يعني أنها اعتمدت نهجاً أكثر صرامة تجاه انتشارها. وقال غانفنغ ليو، باحث ما بعد الدكتوراه في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في ليون في فرنسا: "لكن 99 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء الحدود [المُحدثة] لإرشادات منظمة الصحة العالمية". وفي دراسة حديثة، قدر باحثو الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن حوالي 194 ألف حالة من سرطان الرئة الغدي في جميع أنحاء العالم يمكن أن تُعزى إلى الجسيمات الدقيقة (PM2.5) في 2022. ورجح ليو أنه "من المتوقع أن يقع العبء الأكبر على كاهل منطقة شرق آسيا، خاصة في الصين". وقد يزداد عدد وفيات سرطان الرئة الناجمة عن تلوث الهواء في دول مثل الهند، التي تُعد حالياً من بين أعلى مستويات تلوث الهواء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي دلهي، يتجاوز متوسط مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) ميكروغرام لكل متر مربع، وهو ما يزيد بعشرين ضعفاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء. وفي المملكة المتحدة، أُصيب 1100 شخصاً بسرطان غدي في الرئة نتيجةً لتلوث الهواء في 2022، وفقاً لدراسة الوكالة الدولية لبحوث السرطان. وتقول هارييت رومغاي، عالمة الأوبئة والمشاركة في الدراسة: "لكن لن تكون جميع هذه الحالات ممن لم يدخنوا من قبل". ويصيب سرطان الرئة الغدي المدخنين أيضاً، خاصةً مدخني السجائر المفلترة. وأضافت رومغاي: "لا يزال هناك الكثير مما لا نعلمه. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفك تشابك العوامل المختلفة، وكذلك للتعرف على الكثير من الأشياء مثل مدة التعرض لتلوث الهواء التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة". ومع استمرار تحسن العلاج، أصبحت فرص النجاة من سرطان الرئة لدى من لم يسبق لهم التدخين أكثر. ومن المرجح أن يكون هذا النوع من سرطان الرئة يوماً ما هو الشكل الأكثر انتشاراً لهذا المرض الذي ارتبط تاريخياً بالمدخنين الذكور الأكبر سناً، مما قد يغير نظرتنا إلى هذا المرض في الثقافة الشعبية. وبحسب ويكي: "للأسف، لا تزال فكرة أن المرضى مسؤولون جزئياً على الأقل عن مرضهم شائعة". واكتشف الأطباء أن مارثا تعاني من طفرة مستقبل عامل نمو البشرة (EGFR)، وتتناول مثبطاً منذ تشخيص حالتها قبل نحو ثلاث سنوات. وقالت مارثا: "إنه ليس قرصاً من الفيتامينات بالتأكيد". وللدواء آثار جانبية سيئة مثل الإرهاق المزمن، وآلام العضلات، ومشاكل جلدية. وأضافت أن الموازنة بين مخاطر وفوائد العلاج الدوائي والحفاظ على جودة حياة معقولة ليس بالأمر السهل دائماً. لكن الدواء يُجدي نفعاً. "والنظرة السلبية للمرض تتغير، وهذا أمر جيد".


الوسط
منذ 3 أيام
- الوسط
وفاة حامل كل سبع دقائق: أسوأ بلاد للأمهات في العالم
Getty Images تعاني نيجيريا من نقص في الكوادر الصحية المدربة كانت نفيسة صلاحو وعمرها 24 عاماً، ستصبح مجرد رقم في نيجيريا، حيث تموت امرأة واحدة كل سبع دقائق، وهي تضع حملها. ولأن المخاض جاءها أثناء الإضراب، لم تجد في المستشفى طبيياً مختصاً يتعامل مع مضاعفات حالتها. وعلق رأس مولودها أثناء الوضع، وطلب منها العاملون في المستشفى أن تبقى ممدة أثناء المخاض. واستمرت حالتها ثلاثة أيام. وفي النهاية أجريت لها عملية قيصرية، بعدما قبل طبيب مختص مساعدتها. تقول صلاحو لبي بي سي، في كانو، شمالي البلاد، "الحمد لله على ذلك، لأنني كنت على وشك الموت. لم تبقَ لي قوة، ولم يتبقَّ فِيَّ شيءٌ". أنقذت العملية حياتها، ولكن مولودها مات. وفي الـ 11 عاماً الأخيرة، ذهبت إلى المستشفى نفسه للولادة عدة مرات. وتتعامل مع الأمر باستسلام تام، وتقول: "أعرف أنني كنت بين الموت والحياة. ولكنني لم أعد أخاف". والتجربة التي مرّت بها، صلاحو، ليست نادرة، فنيجيريا أخطرُ بلادٍ في العالم يمكن لامرأة أن تضع فيها مولودها. وبحسب الإحصائيات، التي جمعتها الأمم المتحدة عن البلاد من 2023، فإن امرأة واحدة من بين 100 تموت أثناء الولادة أو في الأيام التي تليها. وهذا يضعها على رأس قائمة لا تريد أي بلاد أن تتقدم فيها. وفي عام 2023، سجلت نيجيريا أكثر من رُبع عدد وفيات النساء أثناء الولادة في العالم، بنسبة 29 في المئة. ويعني ذلك، وفاة 75 ألف امرأة بسبب الولادة في العام، أي امرأة واحدة كل سبع دقائق. والمحبِط في الأمر أن عدداً كبيراً من هذه الوفيات، مثل التي يسببها نزيف ما بعد الولادة، يمكن تجنبها. وكان عُمر تشينينيي نويزي 36 عاماً عندما نزفت حتى الموت في المستشفى، منذ 5 سنوات، في بلدة أونيتشا، جنوب شرقي البلاد. ويتذكر أخوها، هنري إيده، أن "الأطباء كانوا بحاجة إلى دم. لم يكن لديهم ما يكفي. وكانوا يذهبون ويجيئون، وأختي تموت بين أيديهم. إنه أمر لا أتمناه للعدو. فالألم فوق الاحتمال". ومن بين أسباب وفاة الأمهات الأخرى عُسر الولادة، وارتفاع ضغط الدم، والإجهاض في ظروف غير آمنة. وبحسب مارتن دولستين، من مكتب يونيسف في نيجيريا، فإن "ارتفاع معدل الوفيات أثناء الوضع في نيجيريا تتسبب فيه جملة من العوامل". من بين هذه العوامل اهتراء المنشآت الصحية، ونقص الأطباء، وغلاء تكلفة العلاج، والتقاليد والعادات، التي تؤدي إلى فقدان الثقة في العاملين بقطاع الصحة. وتقول مابيل أونويمينا، المنسقة الوطنية في جمعية مساعدة وتطوير النساء، "لا تستحق أي امرأة أن تموت وهي تضع مولودها". وتضيف أن بعض النساء، خاصة في المناطق الريفية، يعتقدن أن "الذهاب إلى المستشفى مَضيعة للوقت"، ويفضل العلاجات التقليدية، بدل طلب المساعدة الطبية، وهو ما يعطل الرعاية الحيوية التي يمكن أن تقدم لهن". وبالنسبة للبعض، يعد الوصول إلى المستشفى ضرباً من المستحيل، لعدم وجود وسائل مواصلات. وتقول أونويمينا، إنهم حتى إن وصلوا إلى المستشفى فإن مشاكلهم لا تنتهي. "فالعديد من المنشآت الصحية تنعدم فيها التجهيزات والمواد الطبية البسيطة، وكذا العاملون المدربون. وهذا ما يجعل توفير خدمات نوعية عملية صعبة". والحكومة الاتحادية في نيجيريا لا تنفق حالياً إلا 5 في المئة من ميزانيتها على الصحة. وهو أدنى من نسبة 15 في المئة، التي التزمت بها البلاد في اتفاقية الاتحاد الأفريقي لعام 2001. وفي عام 2021، بلغ عدد القابلات 221 ألفاً في بلاد عدد سكانها 218 مليون نسمة. وأقل من نصف الولادات في البلاد يجري تحت إشراف عاملين صحيين مؤهلين. وتحتاج البلاد وفق التقديرات إلى 700 ألف ممرض وقابلة إضافيين، لتستجيب لتوصيات منظمة الصحة العالمية. وهناك نقص حاد في عدد الأطباء أيضاً. ويدفع نقص العاملين المؤهلين والمنشآت البعض إلى التردد في طلب المساعدة الطبية. وتقول جميلة إسحاق، "صراحة لا أثق في المستشفيات. فقصص الإهمال كثيرة جداً، خصوصاً في المستشفيات الحكومية". وتضيف: "عندما كنت سأضع ابني الرابع، حدثت لي مضاعفات في المخاض. أشار عليَّ العاملون بالمصحة المحلية بالذهاب إلى المستشفى. عندما ذهبت إلى هناك لم أجد من يتكفل بحالتي، فعدت إلى البيت. ووضعت مولودي في بيتي". وتنتظر إسحاق، 28 عاماً، الآن مولودها الخامس. وتقول إنها تفكر في الذهاب إلى مصحة خاصة لكن الأسعار في غير متناولها. أما تشينويندو أوبيجيزي تنتظر مولودها الثالث. وهي قادرة على دفع مصاريف الرعاية الصحية الخاصة في المستشفى، ولا تفكر في الولادة في أي مكان آخر. وتقول إن وفيات الأمهات أثناء الولادة أصبحت نادرة اليوم، ولكنها كانت في وقت مضى تسمع عنها كثيراً. وتعيش في أحد الأحياء الراقية في أبوجا، حيث المستشفيات متوفرة أكثر، وحال الطرقات أفضل، وخدمات الطوارئ متوفرة، وعدد النساء المتعلمات أكبر. ويعرفن أهمية الذهاب إلى المستشفى. وتقول أوبيسيجي: "أحرص دائماً على تلقي رعاية ما قبل الولادة. ويسمح لي ذلك بالحديث مع الأطباء بانتظام، وأُجري الاختبارات والأشعة، وأهتم بصحتي وصحة الجنين". "وعلى سبيل المثال، خلال الحمل الثاني، توقع الأطباء أن أنزف فحضّروا كمية إضافية من الدم، لاستعمالها عند الحاجة. ولحسن الحظ لم تكن لها حاجة، وتمت العملية على ما يرام". ولكن واحدة من معارفها لم تكن محظوظة. في مخاضها الثاني، "لم تستطع القابلة إخراج المولود. حاولت استعمال القوة فمات المولود. وعندما وصلت إلى المستشفى فات الأوان. وأجريت لها عملية جراحية لاستخراج الجنين الميت. كان أمراً يفطر القلب". Getty Images وتقر الطبيبة، نانا شاندا أبو بكر، من الوكالة الوطنية للرعاية الصحية الأولية بأن الأوضاع سيئة، لكنها تقول إن خطة جديدة وضعت لمعالجة بضع القضايا. وأطلقت الحكومة النيجيرية في نوفمبر/تشرين الثاني، مبادرة تجريبية للتقليل من عدد الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة. وتشمل المبادرة في مرحلة أولية 171 منطقة في 33 ولاية. وهذه هي المناطق التي تسجل أكثر من نصف نسبة الوفيات في البلاد. "نحدد هوية كل حامل، ومكان إقامتها ونساعدها في مدة حملها، وأثناء الوضع وبعده". وحددت المبادرة حتى الآن 400 ألف حامل في ست ولايات في عملية مسح ميدانية، مع تفاصيل عن كل واحدة، إذا كانت تتلقى رعاية ما قبل الولادة أم لا. "وتعمل الخطة إلى ربطهن بالمصحات للتأكد من تلقيهن الرعاية وإنجابهن في ظروف آمنة". وتسعى المبادرة إلى التعاون مع شبكات المواصلات المحلية من أجل تمكين المزيد من النساء من الذهاب إلى المصحات، وتشجيع الناس على الحصول على التأمينات الصحية الرخيصة. ومن السابق لأوانه الحديث عن تأثير المبادرة، لكن السلطات تأمل أن تلتحق البلاد بالركب العالمي في هذا المجال. فعلى المستوى العالمي تراجعت الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة بنسبة 40 في المئة في عام 2000، بفضل توسيع الرعاية الصحية. وارتفعت الأرقام في نيجيريا في الفترة نفسها ولكن بنسبة 13 في المئة فقط. ويرحب الخبراء بهذه المبادرة والبرامج الأخرى، ولكنهم يعتقدون أن المطلوب هو الاستثمار أكثر في القطاع. ويقول دولستن من يونيسف، إن "النجاح مرهون باستمرار التمويل، والتنفيذ الفعال، والمتابعة المستمرة، لضمان الوصول إلى النتائج المرجوّة". وفي أثناء ذلك، تمثل وفاة كل أم في نيجيريا كارثة لعائلتها وأقاربها. ولا يزال السيد إيده يتألم لوفاة أخته. ويقول عنها "تكفلت برعايتنا بعد وفاة والدينا ونحن صغاراً". "عندما أخلو بنفسي، أذكرها وأبكي بحرارة".


الوسط
منذ 3 أيام
- الوسط
نصائح للحجاج قد تساعد في الحفاظ على صحتهم أثناء أداء مناسك الحج
Getty Images أدى فريضة الحج حوالي 1.8 مليون مسلماً الموسم الماضي في كل عام، يخرج ما يقرب من مليوني مسلم من جميع أنحاء العالم في رحلة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في السعودية، لأداء فريضة الحج واستكمال أحد أركان الإسلام الخمسة. وتبدأ هذه الرحلة الروحانية في شهر ذي الحجة، الشهر الأخير من العام الهجري، ويتوافق موسم الحج هذا العام مع الفترة ما بين 4 إلى 9 يونيو/ حزيران من التقويم الميلادي، ومن المتوقع أن يشارك فيه أكثر من مليون مسلم. لكن الرحلة لا تقتصر على شعائر روحانية فقط، فقد تتطلب قوة بدنية للقيام بها. فبين حرارة الصحراء، والحشود الكبيرة، والوقت الطويل الذي يقضيه الحجاج في أداء الشعائر، يحتاج الجسم إلى بذل أقصى جهد لديه. وأشارت بيانات رسمية سعودية إلى أن موسم الحج الماضي شهد وفاة 1300 شخص، معظمهم قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام وسط ارتفاعٍ حادٍ في درجات الحرارة. وقدرت إحصائيات عدد الحجاج العام الماضي بحوالي 1.8 مليون حاج. وفيما يلي بعض النصائح التي قد تساعد الحاج أثناء أداء هذه الفريضة الدينية. على كل من يسافر لأداء الحج أن يستعد جيداً حتى قبل أن يصل إلى الأراضي السعودية. ويوصي خبراء الصحة بإجراء فحص كامل للجسم، خاصة للحجاج المسنين ومن يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري أو الربو أو السرطان أو أمراض القلب. ويجب التأكد من تلقي جميع اللقاحات الإلزامية التي تفرضها الحكومة السعودية، بما في ذلك لقاح الاتهاب السحائي، ولقاح كوفيد19 قبل عشرة أيام على الأقل من موعد الحج. كما يجب على المسافرين من البلدان التي تعاني من شلل الأطفال والحمى الصفراء التأكد أيضاً من تلقي جرعات منشطة من اللقاحات المضادة لتلك الأمراض. استعدادات ما قبل السفر Getty Images حجاج يتوجهون لأداء المناسك الأخيرة للحج عام 2024 نظراً للعدد الكبير من الحجاج، تتحمل المنشآت الطبية في السعودية أعباءً تفوق قدراتها التشغيلية، لذا يجب على الحاج الاعتماد على نفسه قدر الإمكان. وإذا كان الحاج يتناول أدوية تحت إشراف الطبيب، يجب عليه التأكد من أن تكون متوفرة طوال مدة الرحلة. وينصح الخبراء بحمل حقيبة طبية واحدة تحتوي على مسكنات الألم، وأدوية الإسهال، ومستلزمات الإسعافات الأولية للإصابات الطفيفة، ومعقمات اليدين، وأقنعة الوجه. كما يُنصح بممارسة تمارين رياضية، خاصة بالنسبة لمن لم يعتادوا على المشي لمسافات طويلة في درجات حرارة مرتفعة. ويتضمن الحج سلسلة من المناسك موزعة على مواقع مختلفة حول مكة المكرمة. وفي المتوسط، يقطع الحاج مسافة تتراوح بين خمسة وثلاثة عشر كيلومتراً يومياً بين هذه المشاعر المقدسة. التعامل مع الحرارة الشديدة Getty Images على من يعانون من أمراض مزمنة أن يحملوا أدويتهم معهم باستمرار أثناء الحج وتصل درجات الحرارة في السعودية إلى 51 درجة مئوية. وفي طبيعة الحال، لا يتحمل جسم الإنسان الوقوف أمام فرن بدرجة حرارة مرتفعة. إذ يبدأ الجسم في بذل مجهود شاق حتى يبرد نفسه مع ارتفاع درجات الحرارة إلى حدٍ كبيرٍ، مما قد يؤدي إلى تشنجات حرارية، وإرهاق، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بضربة شمس. وعلى الرغم من تحذيرات وزارة الصحة السعودية بتجنب التعرض للحرارة والحفاظ على رطوبة الجسم، إلا أن العديد من الحجاج يصابون بالإجهاد الحراري وضربات الشمس. وقالت الحكومة السعودية هذا العام إنها ستوسع قدرات العاملين في مجال الصحة علاوة على إنشاء 400 مبرد مياه بالإضافة إلى زيادة عدد أجهزة رش المياه لمساعدة الحجاج على تحمل مع درجات الحرارة المرتفعة. وقال وكيل وزارة الصحة السعودية لشؤون السكان عبدالله عسيري لوكالة أنباء فرانس برس "هذا العام، لم نركز على الظروف المرتبطة بالحرارة، لأن الحج يتزامن مع حرارة شديدة. مؤشر الحرارة هذا العام بلغ أعلى مستوياته". Getty Images فُرض الحج على كل مسلم مرة واحدة في الحياة ويُنصح أيضاً بترطيب الجسم باستمرار عن طريق شرب الماء حتى دون الشعور بالعطش، وإن أمكن، حمل زجاجات معزولة أو نحاسية للحفاظ على برودة الماء. كما يُنصح بتنظيم الأنشطة على مدار اليوم لتفادي الخروج في ساعات الذروة، والتي عادةً ما تكون بين الحادية عشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، وتجنب الأماكن المزدحمة، والبحث باستمرار عن الظل أو الأماكن جيدة التهوية. ويُنصح باستخدام واقي من أشعة الشمس (SPF) بمعامل حماية 30 درجة أو أكثر مع إعادة وضعه على البشرة كل ساعتين لتجنب حروق الشمس. كما تُساعد الملابس فاتحة اللون والمسامية على تبريد الجسم لأنها تعكس أشعة الشمس. ويُنصح أيضاً بارتداء أحذية جيدة التهوية مع دعم جيد لأخمص القدم. وتعتبر المظلات فاتحة اللون أو العاكسة للأشعة من الأشياء التي تساعد على إبعاد الحرارة الشديدة عن الجسم. ولا ينبغي تجاهل أي علامات للتعب أو الدوار أو الغثيان، لأنها قد تكون مؤشراً على حالات خطيرة. Getty Images تكتظ المشاعر المقدسة في مكة والمدينة وغيرها من المناطق بمئات الآلاف من الحجاج، مما يزيد من خطر الإصابة بأي عدوى بسهولة سلامة الحشود وكلما زاد عدد الحجاج، زاد خطر الإصابة بالعدوى، إذ أن إهمال النظافة قد يحول السعال البسيط إلى عدوى متفشية. وللحد من انتشار الأمراض، يُنصح الحجاج بغسل أيديهم بانتظام بالماء والصابون أو استخدام معقمات اليدين. ويُنصح أيضاً بارتداء الكمامات لتجنب انتشار أي عدوى تنفسية. كما أن العديد من الأماكن المغلقة مُكيّفة، لذا من السهل ارتداء الكمامة في الأماكن الباردة. وينبغي أيضاً متابعة أي إعلانات من السلطات السعودية باستمرار. وقال مسؤولون سعوديون إنهم سوف يستحدثون نُطُم جديدة لتقديم تنبيهات صحية وتنبيهات بأحوال الطقس عند تعرض البلاد لدرجات حرارة شديدة أو عند الازدحام. وينبغي أن يحمل الحجاج باستمرار بطاقات للتاريخ المرضي تحتوي على بيانات الاتصال في حالات الطوارئ. كما ينبغي أن يعرفوا أماكن المرافق الطبية القريبة منهم. الحج رحلة فُرضت على المسلمين مرةً واحدةً في العمر، وعلى الرغم من أن الجميع يسعى لأدائها، لكن الخبراء ينصحون بالاستماع إلى الجسم وإعطاء الأولوية للصحة.