logo
«جزء ناقص من الحكاية»... مقاربة زمن اللقطة روائيّاً

«جزء ناقص من الحكاية»... مقاربة زمن اللقطة روائيّاً

الشرق الأوسطمنذ 4 ساعات

في روايتها «جزء ناقص من الحكاية» تسير الكاتبة والروائية المصرية رشا عدلي على تخوم الذاكرة والتاريخ والفن البصري، لتنسج سرداً متشابكاً تتقاطع فيه الحكايات مع الصور، والهامش مع المتن، والماضي مع الحاضر. في هذا العمل لا تبحث الكاتبة عن الحكايات المكتملة، بل عمّا يتسرب منها، يهرب ويتوارى خلف الظلال، وتعيد عبره مساءلة الوجود الإنساني في لحظاته الأضعف: الفقد، والهزيمة، والغياب.
صدرت الرواية في طبعة مشتركة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت، ودار«الشروق» في القاهرة، وتنهض على بناء سردي مُتعدد الأصوات، يستند إلى خمس شخصيات رئيسية، كل شخصية لها حيواتها وأحلامها وذكرياتها الشجية الخاصة، يتنقّل بينهم السرد ذهاباً وإياباً كطائر محلِّق بين زمنين: ستينيات القرن الماضي، والحاضر. بيد أن هذه الحركية الزمنية لا تفضي إلى خط سردي أحادي تقليدي، بل إلى دائرة زمنية مُفرغة، لا تُغلَق بغياب أصحابها، بل تظل مرهونة بالذكرى التي تُجدد الزمن وتُفتته إلى ومضات، وشرائح سردية تشبه شرائح الكولاج في اللوحة. بهذه الطريقة تطرح الرواية قراءة لمفهوم الزمن بوصفه كياناً يتراوح بين الحكائية والمراوغة، وبينهما يتم إعادة تشكيل الواقع، والإطلالة عليه من نافذة أخرى، أو بمعنى آخر من نافذة زمنها الخاص، أو كما وصفته الناقدة الأميركية الراحلة سوزان سونتاغ بأنه «فن امتلاك العالم».
بنية الصورة
تقع الرواية في 441 صفحة من القطع المتوسط، وتشتق من مفردات عالم الفوتوغرافيا بنيتها السردية الخاصة، فتقسّم الفصول إلى «لقطات»، وتُراهن الكاتبة على لغة مكثفة في مقاربة لزمن اللقطة، أو زمن «الومضة» الهارِب الذي يُشبه كما توحي عناوين القصص أو اللقطات: «رفرفة طائر، وخطوة امرأة، وابتسامة طفل، ودمعة فارة» كما يصفه العمل.
لا تبدو اللقطة بهذا التكثيف مجرد تقنية سردية أو عنصر جمالي، بل معادل ومدخل للحكايات التي لم تُروَ، وتنطلق الرواية من قاعة عرض فني مُكتظة بالحضور في نيويورك، حيث يُعرض بها أرشيف فوتوغرافيا المُصورة الأميركية الراحلة فيفيان ماير، التي لم تعرف الشهرة في حياتها، لكنها أصبحت بعد وفاتها واحدة من أهم مصوري الشوارع في القرن العشرين، ومن خلال صورة تظهر بها ماير على متن قارب شراعي بصحبة رجل مجهول، تنفتح الرواية على القاهرة في عام 1967، لتقودنا إلى علاقتها بهذا الرجل «سيف القرنفلي»، الضابط المصري الذي قادته الهزيمة العسكرية في «النكسة» إلى هزائم نفسية عميقة تُعيد الرواية عبرها طرح أسئلة عن الفقد، ومعنى الخسارات.
تمنح رشا عدلي المصوّرة فيفيان ماير حضوراً تخييلياً لافتاً، وصوتاً روائياً بضمير المتكلم. وتستفيد الرواية من محطات غامضة ومثيرة في سيرة ماير الذاتية، مثل تنقّلها بين العواصم، وتعدد أسمائها، واتهامها بالجاسوسية، لتقترب من عالمها النفسي والإنساني، من خلال تتبّع موضوعات صورها، وزوايا التقاطها، وما تعكسه من رؤيتها للعالم ولنفسها: «مأوى المشردين كان بالنسبة إليّ الأكاديمية الحقيقية لدراسة فن التصوير. فلو لم أقم في ذلك المأوى ما تبدلّت نظرتي إلى الحياة والعالم من حولي، ولخرجت ألتقط الصور للوجوه المبتسمة، وللشمس وهي تشرق، وللقمر وهو مضيء، كأي فنان عادي لا يبحث عما وراء الأشياء» كما تقول ماير عن نفسها في الرواية.
انعكاسات المرايا
يتقاطع حضور فيفيان ماير مع ثلاث شخصيات نسائية في الرواية «روان، وكوليت، وناريمان،» لُيشكل هذا التقاطع النسيج السردي للعمل؛ «روان» الباحثة التي تنغمس في مشروع علمي عن العالم الفوتوغرافي لفيفيان ماير، فتقودنا إلى إعادة النظر في كل صورة التقطتها الأخيرة، ويتحوّل تتبعها لعالمها الفوتوغرافي إلى شغف واسع بشخصيتها المختبئة وراء الصور، تقول روان عنها: «لم تُحاول أن تُجمّل شكلها كما تفعل النساء عند التقاط الصور، ولم تحاول أن تبتسم. بل كانت تلتقط انعكاس صورها على المرايا، وعلى زجاج الأبواب والنوافذ، وعلى المعدن المحيط بإطارات السيارات. كانت تلتقط انعكاس ظلها الطويل في الطرقات فتبدو شبحاً يرتدي قبعة».
أما كوليت، فلا تحضر في الرواية كشخصية مُكتملة، بل تظهر كطيف، ولغز يتردد صداه عبر صورة عابرة التقطتها لها عدسة فيفيان ماير في لحظة مصيرية؛ بعد هروبها من بيتها وعائلتها. تتحوّل هذه الصورة إلى الخيط الوحيد الذي يربط عائلتها بها، ويغدو غيابها سؤالاً مُعلّقاً يمتد على مدار السرد.
لا تُروى حكاية كوليت بشكل مباشر أو مُتسلسل، بل تتشظى كما تتشظى «اللقطة» نفسها، فتغدو استعارة عن «اللقطة الناقصة»، وعن كل ما لا يقوله «الكادر»، الذي يسعى إلى تثبيت اللحظة زمنياً بملامحها وهواجسها، بصرف النظر عمّا يتخفى في هذه الملامح، وما يكمن وراءها. من هنا، يتقاطع حضور كوليت مع فيفيان ماير لا فقط لأن كلتيهما على هامش الصورة، بل لأنهما أيضاً تهربان من الظهور الكامل، وتكتفيان بما تقوله الظلال، حيث الحضور الخافت يكشف أكثر مما يخفي.
وفي زمن آخر، وفي مواجهة يخلقها العمل مع زمن الصورة الرقمي، تظهر شخصية «ناريمان القرنفلي»، امرأة عادية في منتصف العمر، تتبدّل حياتها على وقع إحباط عائلي كبير، فبعدما كانت امرأة خجولة تُقصي وجهها عن عدسة الكاميرا، تقودها صدفة لتجد نفسها ضمن عالم «المؤثرات» على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط هوس كبير بعدد الإعجابات وعدّادات المشاهدة.
تستثمر الرواية هذا التحوّل لتطرح سؤالاً عن التسليع، وصناعة الصورة، وكيف يُعاد تشكيل الهوية داخل فضاء رقمي لا يحتمل الغياب، ولا يقبل ما لا يُرى، وهنا تظهر المفارقة بين زمن فيفيان ماير، حيث كانت الصورة انعكاساً ذاتياً، وزمن ناريمان، حيث تتحوّل الصورة إلى قناع يُخفي الأصل أكثر مما يكشفه.
في الختام، لا تراهن رشا عدلي في الرواية على تقديم حكاية مكتملة، بل يبدو النقص ذاته هو جوهر السرد، فلا تكتمل الصوة إلا بظِل ما لا يظهر فيها، وتستثمر الكاتبة السيرة الذاتية الغامضة لفيفيان ماير لتنسج منها عالماً روائياً تحضر فيه الصورة بوصفها فضاءً حيّاً، لا يرنو لتجميد اللحظة، بل لاستعادتها، ومُحاورتها، وربما تحريرها مما فاتها. ففي عالم ماير، كما في عالم الرواية، لا تُروى كل الحكاية، وإنما يُلمّح لها، وربما في هذا النقص يكمن جمالها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يغني وهو تعبان.. حمو بيكا: معاك يا «شاكوش» للآخر
يغني وهو تعبان.. حمو بيكا: معاك يا «شاكوش» للآخر

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

يغني وهو تعبان.. حمو بيكا: معاك يا «شاكوش» للآخر

تابعوا عكاظ على علق مطرب المهرجانات حمو بيكا على الانتقادات الموجهة لصديقه الفنان المصري حسن شاكوش، في الآونة الأخيرة؛ بسبب تدهور أدائه الغنائي. ونشر بيكا عبر حسابه الرسمي على «فيس بوك» مقطع فيديو لحسن شاكوش، معلقاً عليه، بقوله: «من فضلكم لازم تسمعوا ولا للتنمر اللي بيهزر وبيتريق على حسن شاكوش عشان صوته تعبان، أحب أقول لكم حاجة: الرجولة مش بس صوت، الرجولة مواقف وصمود وشغل وتعب وشقى عشان يوصل». وأضاف: «حسن شاكوش أخويا، صاحبي، عشرة سنين، راجل شاف كتير ولسه واقف على رجليه، بيغني وهو تعبان، وبيعافر وهو مجهد، وده مش ضعف.. ده قوة قلب ومعدن أصيل». أخبار ذات صلة وتابع: «المطرب الحقيقي مش اللي صوته حلو وهو مرتاح.. المطرب الحقيقي هو اللي بيغني من قلبه حتى لو صوته مجهد.. وبيفرّح الناس حتى لو هو موجوع.. الناس اللي قاعدة ورا الكيبورد تتريق؟ ولا واحد فيهم يقدر يوقف دقيقة مكان الراجل ده في حياته.. أنا واقف معاك يا شاكوش لآخر نفس وكلنا عارفين إنك راجع أقوى، وده وعد من حمو بيكا قدام الدنيا كلها». /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} حمو بيكا.

«بعد تأجيله أكثر من مرة»..عرض «فرقة الموت» لأحمد عز في عيد الفطر
«بعد تأجيله أكثر من مرة»..عرض «فرقة الموت» لأحمد عز في عيد الفطر

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

«بعد تأجيله أكثر من مرة»..عرض «فرقة الموت» لأحمد عز في عيد الفطر

تابعوا عكاظ على أعلن المؤلف المصري صلاح الجهيني، عرض فيلم «فرقة الموت» بطولة الفنان أحمد عز في عيد الفطر القادم. وأكد الجهيني في رده على تساؤلات متابعيه استئناف تصوير بقية مشاهد الفيلم خلال الفترة المقبلة. وفيلم «فرقة الموت» مأخوذ عن أحداث حقيقية، ومن نوعية الأعمال الأكشن التشويقية التاريخية، ودارت أحداثه في فترتي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي في صعيد مصر، ويجسد خلاله أحمد عز شخصية ضابط، ويدخل في صراعات مع خُط الصعيد الذي يقدم دوره آسر ياسين. أخبار ذات صلة بينما تظهر منة شلبي بشخصية فتاة تدعى سميرة وتشارك في مقاومة الاحتلال البريطاني، كما تشارك أمينة خليل ضيف شرف ضمن أحداث الفيلم وتظهر بشخصية زوجة أحمد عز. /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} الفنان المصري أحمد عز

لقاء سويدان تهاجم منتقدي احمد السقا بعد انفصاله
لقاء سويدان تهاجم منتقدي احمد السقا بعد انفصاله

مجلة سيدتي

timeمنذ 4 ساعات

  • مجلة سيدتي

لقاء سويدان تهاجم منتقدي احمد السقا بعد انفصاله

علقت الفنانة لقاء سويدان على الجدل المُثار حول أزمة انفصال الفنان أحمد السقا عن زوجته مها الصغير ، وذلك خلال برنامجها الشهير "لقاء ع الهوا". تعليق لقاء سويدان بدأت لقاء بحديثها عن علاقة الثنائي قائلة: " أحمد السقا نجم كبير وممثل رائع وله شعبية كبيرة في مصر والوطن العربى بالإضافة أنه ابن بلد وجدع والكل عارف بذلك، كذلك مها الصغير ابنة أشهر كوافير الراحل محمد الصغير تتمتع بأخلاق جيدة، وعاشوا مع بعض 26 سنة وأنجبوا 3 أولاد ". وانتقدت لقاء تدخل الجمهور في تفاصيل الانفصال وتابعت قائلة: "الناس عايزة تعرف سبب انفصالهم عن بعض ليه، وناس يتكلموا عن لسان السقا ، والسقا اللى يعرفه أنه لا يستطيع الحديث والتدخل فى خصوصية أى شخص يتعامل معه، والجمهور ليس له الحق في الدخول في حياته الشخصية ولكن يتدخل في أعماله فقط خصوصا أنه نجم كبير أكن له كل الاحترام والتقدير وكذلك مها الصغير". يمكنك متابعة وأنهت كلامها مؤكدة أنه ليس من حق الجمهور التدخل في حياة المشاهير والإعلاميين والسياسيين والتدخل في خصوصياتهم، وطالبت الجميع بالتركيز في حياتهم الشخصية. انفصال السقا ومها الصغير يُشار الى أن أحمد السقا أعلن انفصاله عن مها الصغير في منشور عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، وأكد أن الانفصال تم منذ 6 أشهر تقريباً، لكن الطلاق وقع رسمياً منذ شهرين تقريباً. ولكن، بعد ساعات قليلة قام أحمد السقا بحذف المنشور، وذلك بعد توجيه اللوم له من قبل المتابعين والجمهور على السوشيال ميديا المختلفة، على طريقة صياغة بيان الانفصال، حيث رأى الكثيرون أن السقا كان عليه كتابة البيان بطريقة مناسبة أكثر، والابتعاد عن التلميحات التي وجهها لطليقته خاصةً مع وجود أبناء بينهما وعشرة سنوات طويلة، وهو ما استجاب له السقا وقام بحذف المنشور. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store