
مرارة اغتيال أنس الشريف وزملائه - إيطاليا تلغراف
محمد كريشان
كاتب وإعلامي تونسي
لم يكن هناك ما هو مؤلم أكثر، بعد اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لستة صحافيين فلسطينيين بصاروخ حوّلهم إلى أشلاء داخل خيمتهم في ساحة مستشفى الشفاء في غزة، سوى أن تخرج بعض الصحافة الغربية بعناوين وتقارير عن الحدث هي، بلا مواربة ولا تردد، قمة النذالة.
«مقتل إرهابي متنكّر بزي صحافيي غزة»… هكذا عنونت صحيفة «بيلد» الألمانية مقالها عن الحدث مع صورة أنس الشريف مراسل «الجزيرة» في غزة الذي اغتيل مع زميله محمد قريقع والمصوّرين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، إلى جانب الصحافيين الفلسطينيين مؤمن عليوة ومحمد الخالدي.
هكذا وبكل بساطة تتبنى هذه اليومية واسعة الانتشار اتهامات جيش الاحتلال بأن أنس الشريف مقاتل مع حركة «حماس»، مع أن كل المنظمات العالمية المدافعة عن حرية الصحافة قالت إن هذا الجيش لم يقدّم الأدلة على صحة هذا الاتهام. وكما قالت إيران خان المقرّرة الأممية الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير فإن إسرائيل لو كان لديها فعلا مثل هذه الأدلة لنشرتها على نطاق واسع لكن ذلك لم يحصل، فيما قالت فرانشيسكا ألبانيزي مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة إن من «الطبيعي» اتهام أنس الشريف بأنه عنصر من «حماس» وذلك لتبرير استهدافه ليس إلا.
سقطة مهنية وأخلاقية أخرى يقع فيها هذه المرة مراسل «البي بي سي» في القدس جون دونيسون، الذي وإن أشار إلى أن جيش الاحتلال قدّم «أدلة قليلة» على اتهامه لأنس الشريف بـ«الإرهاب»، إلا أن ذلك لم يمنعه من القول إن هناك إشكالا، حسب رأيه، في النسبة والتناسب لأن هذا الجيش بقتله الشريف قتل آخرين لا اتهامات وجّهت إليهم بالعلاقة مع «حماس»!!.
لم يجد ريكاردو غوتيرش الأمين العام لاتحاد الصحافيين الأوروبيين، عندما سئل عن الحادثتين، سوى أن يعبّر عن امتعاضه من ممارسات كهذه، لكن ذلك يجب ألا يحجب عنا أهمية الموجة الواسعة من التنديد العالمي بحادثة الاغتيال التي رفعت عدد ضحايا مثيلاتها إلى 238 صحافيا في أقل من عامين، وهو رقم مفجع لم يحصل في أي حرب سابقة، بما في ذلك الحربان العالميتان.
لقد أعربت كبرى الاتحادات والنقابات الصحافية العالمية عن تنديدها بهذه الممارسات الإسرائيلية المنفلتة من كل قانون أو إنسانية، كما أعرب عديد السياسيين في العالم عن مواقف مماثلة، باستثناء الولايات المتحدة التي لم يبق لإسرائيل من حليف في العالم سواها تقريبا. في المؤتمر الصحافي للرئيس ترامب الاثنين وبعد عملية الاغتيال، لم يشر ولو بكلمة واحدة إلى ما جرى. الأدهى والأمر أن لا أحد من الصحافيين والمراسلين تجرّأ وسأله عن هذه الجريمة بعد أن جرى اختيار مسبق لمن يمكنه طرح سؤال.
صدق وهو الكذوب نتنياهو حين اعترف في مؤتمره الصحافي الأخير بخسارة الإعلام أمام الرأي العام الدولي، لكن ذلك لا يعني بحال استعدادا لأي تعديل لسياساته العدوانية فهو يرى، وغلاة المتطرّفين المتحالفين معهم، أن المشكلة هي في تعاملهم مع الإعلام العالمي وفي الرسائل التي يوجهونها إليه، والأناس الذين يتحدثون إليه، أو ممن يدلون بتصريحات خرقاء، وليست في ممارساتهم الوحشية وقتلهم اليومي للمدنيين الأبرياء وتجويع الناس حد الموت وخاصة من الأطفال.
ما يخيف أكثر في توقيت هذا الاغتيال أنه يأتي «تحضيرا لمجزرة كبيرة في مدينة غزة يريدونها أن تكون بلا صوت ولا صورة» كما صرح بذلك محمد أبو سلمية مدير مستشفى الشفاء، لكن لا يبدو أن ذلك سيفت في عضد الصحافيين الفلسطينيين الذين ما زالوا يواجهون الموت وهم يقومون بنقل معاناة أهاليهم إلى العالم. هم الوحيدون القادرون على ذلك اليوم طالما أن إسرائيل تمنع دخول الإعلام الدولي إلى غزة بدعوى الخوف على سلامة العاملين فيه، وكأنها تقول للعالم كله «دعونا نتعامل فقط مع هؤلاء الصحافيين الفلسطينيين لأننا قادرون على تصفية الكثير منهم ساعة نشاء وهو أمر من الصعب جدا أن نفعله مع الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم!!».
واضح جدا، وبشكل لم يعد يحتمل الجدل، أن إسرائيل لا يردعها إلا موقف أمريكي حازم، وهذا لم يحدث ولن يحدث، وبالتالي لم يبق سوى سلاح العقوبات الذي بدأت بعض الدول الغربية في اللجوء إليه تدريجيا وبخطوات محتشمة، لكن التطور الأبرز يبقى إعلان صندوق الثروة السيادي النرويجي توقعه التخلي عن المزيد من الاستثمارات بالشركات الإسرائيلية كجزء من مراجعته المستمرة بسبب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وما يجري الضفة الغربية.
المؤلم والمشين في هذا السياق، أن الأصوات الحرة تطالب العالم كله بمثل هذه العقوبات لردع العدوان في وقت تواصل فيه دول عربية علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دولة الاحتلال وكأن شيئا لم يكن، بل وتعقد صفقات جديدة كبرى كصفقة الغاز المصرية بـ35 مليار دولار، مع أنه كان بالإمكان على الأقل، ومن باب أضعف الإيمان ليس أكثر، تأجيلها إلى ما بعد انتهاء العدوان على غزة، كحركة ضغط رمزية لتجنب الإحراج في أهون الأحوال. يا إلهي.. حتى هذا بات متعذّرا؟!! يا للعار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 3 ساعات
- خبر للأنباء
"يجب أن تتوقف الآن".. بريطانيا تدين خطط إسرائيل الاستيطانية
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، إن بلاده تعارض بشدة خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة التي من شأنها تقسيم الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى شطرين. وشدد لامي، في بيان، على أن "هذه الخطط الإسرائيلية لبناء مستوطنة والتي من شأنها تقسيم الضفة الغربية وفصلها عن القدس الشرقية تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ويتعين أن تتوقف الآن". كان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، قد وافق على خطط لبناء مستوطنة من شأنها فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وصفها مكتبه بأنها ستقضي على فكرة إقامة دولة فلسطينية. وقالت القناة 12 الإسرائيلية، الأربعاء، إن سموتريتش، أعطى الضوء الأخضر لبناء 3400 وحدة استيطانية في منطقة متنازع عليها قرب القدس. وقال سموتريتش إن "خطط التوسع الاستيطاني في تلك المنطقة تدفن فكرة الدولة الفلسطينية". وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، بأن إسرائيل "طرحت 6 عطاءات لبناء وتوسعة لصالح مستعمرتي أرئيل الجاثمة على أراضي محافظة سلفيت، ومعاليه أدوميم الجاثمة على أراضي محافظة القدس، بواقع 4000 وحدة استعمارية جديدة". وأوضحت هيئة مقاومة الجدار والاستعمار، أن العطاءات الستة مقسمة إلى ثلاثة عطاءات لتوسعة الحي الجديد "أرئيل غرب"، من أجل بناء ما مجموعه 730 وحدة جديدة، وثلاثة عطاءات أخرى لتوسعة مستعمرة "معاليه أدوميم"، أضخمها العطاء رقم 320/2025 الذي يهدف لبناء 2902 وحدة جديدة.


خبر للأنباء
منذ 3 ساعات
- خبر للأنباء
حضرموت: مسلحون من قبيلة دهم يقتحمون سجن القطن ويهربون أحد أقاربهم
اقتحم مسلحون من قبيلة دهم، سجن مديرية القطن بمحافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن)، وتمكنوا من تهريب أحد أقاربهم، قبل أن ينسحبوا من المكان. وأفادت مصادر محلية بأن المسلحين تمكنوا من إخراج السجين المدعو صادق جميل النوفي، وسط غياب أي مقاومة تذكر من حراسة السجن. وقد وثق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر لحظة استقبال قبيلة دهم للمطلوب بعد تهريبه. وبحسب المصادر، طاردت قوات الأمن المسلحين بعد الحادثة، وأثناء عملية الملاحقة، أطلقت النار عن طريق الخطأ على سيارة من نوع "شاص" تابعة لأحد المواطنين من قبيلة الصيعر، وأحرقتها، بعد الاشتباه بأنها تقل المسلحين الفارين. وأثار الحادث استياءً واسعاً في أوساط المواطنين، الذين طالبوا السلطات المحلية والأمنية بفتح تحقيق عاجل، ومحاسبة مدير السجن والقائمين عليه، وملاحقة الجناة وإعادتهم إلى السجن.


الجمهورية
منذ 6 ساعات
- الجمهورية
مستغانم: وفاة طفل في حادث سقوط داخل حديقة تسلية
تدخلت مصالح الحماية المدنية على الساعة 20سا50د، إثر سقوط طفل داخل حديقة تسلية، بلدية مستغانم حيث خلف الحادث وفاة الطفل البالغ من العمر 02 سنتين تم تحويله إلى مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى المحلي.