logo
الانقلاب «الترامبي» على العولمة

الانقلاب «الترامبي» على العولمة

صحيفة الخليج٠٥-٠٣-٢٠٢٥

في ولايته الثانية، يمضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامنب، وبشكل متسارع، إلى هدم القديم في النظام الدولي، والانقلاب على سياسات سلفه جو بايدن، التي كانت تمثل نمطاً أمريكياً يقوم على التدرج والبنائية، اعتادت عليه واشنطن وعملت به في علاقاتها مع الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، بينما يضع الرئيس ترامب الفاعلين الدوليين أمام خيارات صعبة، وهي خيارات تنطوي على شكل من أشكال المقامرة، كما في العل اقات بين واشنطن وحلفائها الغربيين، التي اعتبرت على الدوام مصدر قوة للطرفين، في مواجهة التحديات الكبرى، كما في مواجهتهما المشتركة للاتحاد السوفييتي السابق.
شعار أمريكا أولاً، وهو شعار الرئيس ترامب في حملتيه الانتخابيتين، في عامي 2015 و2024، تجلى عملياً وبسرعة كاملة في الضرائب والرسوم الجمركية التي فرضت على عدد كبير من السلع، التي تستوردها أمريكا من كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي، خصوصاً الحديد والألمنيوم والسيارات والرقائق، لتعزيز المنتجات الأمريكية، وتشجيع الشركات العالمية على فتح مقرات ومعامل لها في الولايات المتحدة، لكن هذه الخطوة من ناحية المبدأ هي حرب تجارية معلنة ضد اقتصادات أساسية في سوق العمل الدولي، وضد المبادئ العولمية التي راحت تتكرّس منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أوروبا الغربية حليفاً للولايات المتحدة، ليس فقط من خلال حلف الأطلسي كمظلة مشتركة للدفاع والأمن، بل في تبني قيم سياسية مشتركة، تقوم على الليبرالية والديمقراطية، فهاتان القيمتان سمحتا لأمريكا وأوروبا باكتساب قيمة مضافة في صراعاتهما الدولية، وفي التمدد الثقافي والسلعي في الأسواق العالمية، وقد أعيد إنتاج هاتين القيمتين بما يتناسب مع ثورتي التقانة والاتصالات، واكتسبتا زخماً جديداً مع إتاحة الوصول الحر للمعلومات، والمشاركة في صناعة المحتوى على الشبكة العنكبوتية، وهو ما نشاهده اليوم في المكانة التي تلعبها البرمجيات ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي.
يشعر الأوروبيون اليوم أن ترامب لا ينقلب فقط على حلفائه، لكنه أيضاً يقوم باتخاذ خطوات غير مسبوقة في النظام العولمي، من دون مراعاة مصالحهم ومخاوفهم، ففي سعيه لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية من دون إشراك فعلي لأوكرانيا وللأوروبيين، فهو يتجاوز منطق الأمن الجيوسياسي لأوروبا، ويمنح من وجهة نظرهم روسيا صك براءة من القفز على مبدأ سيادة الدول على أراضيها، بوصفه المبدأ المؤسس للأمم المتحدة، وهو يعني في نهاية المطاف تقديم جائزة لموسكو لتجاوزها هذا المبدأ الأممي، كما أن نهاية الحرب على طريقة دونالد ترامب، ستعني توجهاً أوروبياً شبه حتمي لبناء جدار أوكراني مع روسيا، أسوة بجدار برلين، أي استعادة الحرب الباردة.
يعوّل الرئيس ترامب في انقلابه على النظام العولمي على قدرة بلاده على فرض شروطها على الجميع، وعلى حاجة النظام الدولي للقدرات الاقتصادية والمالية والعسكرية للولايات المتحدة، وحمايتها لخطوط التجارة العالمية، ونظرياً يبدو هذا التعويل صحيحاً، لكن هذا التعويل يصطدم بوجود مستوى تشابك مركب ومعقد في النظام العولمي منذ بداية تسعينات القرن الماضي ولغاية اليوم، خصوصاً أن الشراكات في مختلف الميادين الاقتصادية والإنتاجية أصبحت في قسم كبير منها عابرة للحدود والجنسيات، وكانت الولايات المتحدة قد أسهمت عملياً في نشوء هذا النظام ما فوق القومي، وأرست دعائمه، واستفادت من إمكاناته، وقامت برعايته قانونياً.
الرسالة التي يوجهها ترامب اليوم تكمن في إمكانية الولايات المتحدة أن تكون مكتفية بذاتها، وإقامة أسوار حول نفسها، ابتداءً بجدار عازل، يمنع تدفق المهاجرين المكسيكيين إلى بلاده، أو أسوار من الضرائب الجمركية، لمنع وصول السلع والتكنولوجيا المنافسة إلى أسواق أمريكا، وبشكل مؤكد، سيتمكن الرئيس ترامب من حصد نتائج مالية لهذه السياسة على المدى القصير، لكن لا يمكن من الناحية العملية عزل الاقتصادات الكبرى عن بعضها من دون توقع نتائج مضادة ومعاكسة على المديين المتوسط والبعيد.
في أقل من شهرين من وصوله إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، دفع الرئيس ترامب المناخ الدولي إلى حالة من عدم اليقين والغموض، لكنه سرع أيضاً في دفع الجميع إلى بناء سيناريوهات بديلة، في مقدمتها الاستعداد للأسوأ ومحاولة تجنبه، وطرح أسئلة عن البدائل المحتملة للأسواق الأمريكية، أو الخيارات الممكنة للاستقلالية الدفاعية والأمنية، أو حتى الاستثمار في الهجمة الترامبية، والعمل على إحداث استدارة في العلاقات، وتغيير التحالفات.
ليس مستبعداً في ظل هذه التحولات التي أحدثها الانقلاب الترامبي على العولمة، أن يعيد الأوروبيون التفكير بتسريع وتيرة العلاقات مع الصين في ضوء مبادرتها «الحزام والطريق»، هذه المبادرة التي تراجعت حظوظها في عهد الرئيس السابق جو بايدن، لكن اليوم تبدو بمثابة طوق نجاة متبادل بين الصين وأوروبا، فهما تتشاركان معاً التهديد الأمريكي، بغض النظر عن رؤية كلّ منهما للقيم التي ينبغي للعولمة أن تتبناها، لكن ما هو مؤكد أن العولمة تواجه أزمة كبيرة، قد تغيّر من دينامياتها، وقد تحمل أو تستعيد سلوكيات قديمة، في مقدمتها الحاجة إلى إشعال المزيد من الحروب حول العالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إيلون ماسك: 'ما حدا بيصير مدير تنفيذي لتسلا إلا إذا مُت'
إيلون ماسك: 'ما حدا بيصير مدير تنفيذي لتسلا إلا إذا مُت'

عالم السيارات

timeمنذ ساعة واحدة

  • عالم السيارات

إيلون ماسك: 'ما حدا بيصير مدير تنفيذي لتسلا إلا إذا مُت'

في تصريح مثير جديد، أكد إيلون ماسك خلال منتدى قطر الاقتصادي أنه لا ينوي التخلي عن منصبه في تسلا في أي وقت قريب، قائلاً: 'ما في مدير تنفيذي جديد لتسلا إلا إذا مُت.' هذه العبارة قد تكون صادمة للبعض، لكنها تعكس رغبة ماسك الواضحة في الحفاظ على قبضته الحديدية على شركة السيارات الكهربائية الرائدة. التحكم الكامل في مستقبل تسلا يسعى ماسك لرفع حصته في تسلا من 12.77% إلى 25%، بهدف تأمين 'سيطرة معقولة' على مستقبل الشركة ومنع الإطاحة به من قِبل المستثمرين النشطاء. بحسب تصريحه: 'الموضوع مش مال، الموضوع هو ضمان مستقبل الشركة. 25% بتعطيني تحكم كافي، بدون ما أكون ديكتاتور.' تأتي هذه التصريحات وسط تقارير تفيد بأن مجلس إدارة تسلا بدأ بمراجعة أسماء محتملة لخلافته، في ظل قلق البعض من تفرغه للسياسة وتورطه الكبير مع الرئيس ترامب. مع ذلك، نفت تسلا وماسك صحة هذه التقارير، مؤكدين أن ماسك باقٍ في منصبه. ماسك: 'راح خفف الإنفاق السياسي' في تطور آخر، أشار ماسك إلى أنه سيُقلّل من إنفاقه السياسي خلال الفترة المقبلة، بعد أن أنفق نحو 300 مليون دولار لدعم حملة ترامب للعودة إلى البيت الأبيض. وقال: 'إذا شفت سبب مقنع، بصرف. بس حالياً، ما شايف سبب.' الجدير بالذكر أن ماسك قاد تسلا من شركة ناشئة مغمورة إلى واحدة من أكبر شركات صناعة السيارات في العالم من حيث القيمة السوقية، وشهدت الشركة توسعاً هائلاً خلال السنوات الأخيرة تحت قيادته. خلاصة: إيلون ماسك يؤكد بقاءه في منصبه لخمس سنوات على الأقل. يسعى لرفع حصته في تسلا إلى 25% لتأمين نفوذه. تقارير عن بحث مجلس الإدارة عن بديل محتمل، تم نفيها. تقليص الإنفاق السياسي بعد موجة جدل واسعة.

«بوتين ليس مستعدًا لإنهاء الحرب».. ترامب يصدم الأوروبيين بشأن أوكرانيا
«بوتين ليس مستعدًا لإنهاء الحرب».. ترامب يصدم الأوروبيين بشأن أوكرانيا

العين الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العين الإخبارية

«بوتين ليس مستعدًا لإنهاء الحرب».. ترامب يصدم الأوروبيين بشأن أوكرانيا

أخبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القادة الأوروبيين بأن الرئيس الروسي بوتين غير مستعد لإنهاء حرب أوكرانيا، لأنه يعتقد أنه يحقق مكاسب على الأرض. جاء هذا الاعتراف بعد محادثة استمرت أكثر من ساعتين بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبوتين، في أول اعتراف علني من ترامب بهذا الموقف، رغم إدلائه بتصريحات متضاربة حول نوايا بوتين. رغم إدراك ترامب أن بوتين ليس مستعدًا للسلام، لكنه لم يتخذ خطوات عملية لزيادة الضغط على روسيا، كما كان يطالب به القادة الأوروبيون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ففي مكالمة سابقة يوم الأحد، ألمح ترامب إلى إمكانية فرض عقوبات إضافية على روسيا إذا رفض بوتين وقف إطلاق النار، لكنه تراجع عن ذلك في مكالمته مع القادة الأوروبيين يوم الإثنين، وأوضح أنه يفضل المضي قدمًا في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان. شارك في مكالمة الإثنين كل من زيلينسكي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وقد جاءت هذه المكالمة بعد حملة دبلوماسية أوروبية مكثفة استمرت حوالي عشرة أيام، هدفها دفع ترامب للضغط على بوتين للقبول بوقف إطلاق النار. ورغم فشل الأوروبيين في دفع ترامب لفرض عقوبات جديدة، إلا أنهم رأوا في المكالمة فرصة لتوضيح الموقف للجميع، بما في ذلك ترامب نفسه، بأن بوتين غير مستعد لإنهاء الحرب في الوقت الراهن. كما أكدت للأوروبيين أن مسؤولية دعم أوكرانيا تقع بشكل رئيسي على عاتقهم، مع توقعات بأن تواصل الولايات المتحدة تصدير الأسلحة طالما أن أوروبا أو أوكرانيا تدفع ثمنها. بعد المكالمة، صرح ترامب للصحفيين قائلاً: "هذه ليست حربي. لقد تورطنا في أمر لم يكن ينبغي أن نشارك فيه". وأشار إلى أنه سيرسل وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص كيث كيلوغ إلى المحادثات المرتقبة في الفاتيكان، رغم أنه بدا أقل التزامًا بدور أمريكي فاعل في هذه المحادثات. وقد أصر بعض القادة الأوروبيين على أن تكون نتيجة المحادثات في الفاتيكان وقف إطلاق نار غير مشروط، لكن ترامب اعترض على هذا الوصف، قائلاً إنه لم يستخدمه قط، رغم أنه دعا سابقًا إلى وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا. وفي النهاية، وافق الأوروبيون على التخلي عن إصرارهم على استخدام مصطلح "غير مشروط". تصاعدت الحملة الدبلوماسية الأوروبية بعد تولي المستشار الألماني فريدريش ميرتس منصبه، حيث أظهر ميرتس موقفًا أكثر صرامة تجاه روسيا مقارنة بسلفه، وقام ائتلافه الحاكم بتعديل الدستور الألماني لزيادة الإنفاق العسكري ودعم أوكرانيا. وفي 10 مايو/أيار، زار ميرتس وماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك كييف، وحثوا زيلينسكي على الامتثال لدعوة ترامب لوقف إطلاق النار، مهددين بفرض عقوبات جديدة على روسيا إذا لم تقبل. رد بوتين على الضغوط الأوروبية والأمريكية باقتراح أول مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا منذ بداية الحرب، ما دفع ترامب إلى تبني العرض واقتراح المشاركة في المحادثات التي عُقدت في إسطنبول، لكن بوتين لم يحضر وأرسل ممثلين من مستوى منخفض قدموا مطالب رفضتها أوكرانيا تمامًا. بعد هذا الإخفاق، جدد الأوروبيون ضغوطهم على ترامب لزيادة الضغط على روسيا، ووافقوا على فرض عقوبات محدودة، مع استمرار العمل على حزمة إجراءات أقوى. من جانبه، أعلن ترامب أنه رتب مكالمة مع بوتين، مؤكدًا أن فرص السلام تعتمد على تواصلهما المباشر. aXA6IDgyLjIxLjIyOS44NSA= جزيرة ام اند امز PL

النواب الأمريكي يوافق على مشروع قانون ترامب الضخم لخفض الضرائب
النواب الأمريكي يوافق على مشروع قانون ترامب الضخم لخفض الضرائب

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

النواب الأمريكي يوافق على مشروع قانون ترامب الضخم لخفض الضرائب

واشنطن-أ ف ب صوّت مجلس النواب الأمريكي الذي يهيمن عليه الجمهوريون، الخميس، لصالح إقرار مشروع قانون ضخم للسياسة الداخلية، تشمل أبرز نقاطه تمديد خفض الضرائب الذي بدأ فيه خلال ولايته الأولى، وذلك بعد نقاشات مكثّفة جرت خلال الليل. وسيتم حالياً رفع «القانون الكبير والجميل»، كما أطلق عليه ترامب، والذي يخفض الإنفاق على برنامج التأمين الصحي الحكومي «ميدك إيد» Medicaid والمساعدات الغذائية، إلى مجلس الشيوخ؛ حيث يتوقع أن يخضع لتغييرات كبيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store