logo
أوكرانيا: المرحلة التالية من الحرب

أوكرانيا: المرحلة التالية من الحرب

الصحراء٠٩-٠٥-٢٠٢٥

يعي طلاب التاريخ أن بدء الحرب دائماً ما يكون أمراً سهلاً؛ وأن الصعوبة الحقيقية تكمن في وضع نهاية لها. والحرب المستعرة اليوم في أوكرانيا ليست استثناءً.
المشكلة أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان يظن أنَّه يعرف كيف يُنهيها. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، أصبح واضحاً أنَّه لا يملك أدنى فكرة عن كيفية إنهائها، مثل غيره. وهذا «الغير» يتضمن كذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ساوره اعتقاد صادق بأنه يستطيع إنهاء الحرب عبر بعض المكالمات الهاتفية مع الـ«فلاديميرين»، (يشترك الرئيسان الروسي والأوكراني في الاسم، ويختلفان في طريقة كتابته).
ومع انشغال الرأي العام العالمي بما قد يحدث لاحقاً أكثر من اهتمامه بما يحدث فعلياً، تمر القصة الحقيقية -ويقصَد بها هنا أحدث تطورات الحرب- من دون أن يلاحظها الكثيرون.
لقد بدأت هذه الحرب بطريقة كلاسيكية لطالما عاينَّاها في كتب التاريخ، مع تقدم الدبابات الروسية والعربات المدرعة إلى داخل الأراضي الأوكرانية، كما لو كانت في عرض عسكري. وافترض كثيرون أن القوات الروسية الضخمة سرعان ما ستبلغ العاصمة الأوكرانية كييف، وتتلقى استسلاماً غير مشروط من القادة الأوكرانيين، وتُشكِّل حكومة جديدة، وتُعيد إحياء الأخوّة السلافية... إلا أن أياً من هذا لم يحدث.
في الواقع، تحوّل النزاع إلى حرب بالوكالة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، المدعومة على استحياء من نصف دزينة من الدول، بينها بيلاروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية.
وأدى احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وتراجع الدعم الشعبي لكييف داخل أوروبا، إلى بدء الحديث عن تسوية تفاوضية للحرب، قد تؤدي إلى خسارة أوكرانيا جزءاً آخر من أراضيها، إلى جانب شبه جزيرة القرم.
ومع ذلك، ثمة قصة مغايرة تماماً كان يجري نسجها في الخفاء؛ فبدءاً من أوائل عام 2023، قرر القادة الأوكرانيون أن أفضل فرصة أمامهم للخروج من محنتهم الوطنية هي تحويل الصراع إلى حرب استنزاف. وبالفعل، نجحوا في ذلك، من خلال إبطاء تقدم الآلة العسكرية الروسية. وكانوا يدركون أن الغزاة لا يملكون نفس مستوى الصبر الذي يتمتع به المدافعون، وبالتالي من المحتمل ألا يستطيعوا الاستمرار في حرب لا نهاية واضحة لها.
ورغم المعاناة الكبيرة التي أنزلتها الحرب بالأوكرانيين، فقد أحرزوا انتصارات كبيرة عام 2024، لم تحظَ بالاهتمام العام المستحق. وتمكنت أوكرانيا، بمساعدة جزئية من البحرية البريطانية، من احتواء البحرية الروسية داخل بحر آزوف -منطقة ثانوية في البحر الأسود- عبر إغراق عدد من سفن بوتين، بما في ذلك السفينة الرئيسة.
أما التحوّل التالي في الاستراتيجية الأوكرانية، فجاء عندما وافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على خطة لتطوير قدرة حربية غير متماثلة، تجمع بين تكتيكات حرب العصابات والتكنولوجيا العسكرية.
لم تحقق العملية المفاجئة في مدينة كورسك كل ما وعدت به، من حيث فرض السيطرة على الأرض وتطهيرها. ومع ذلك، حملت في طياتها رسالة مفادها أن أجزاء من الأراضي الروسية، على اتساعها الشاسع، لم تَعُدْ ملاذاً آمناً.
الاثنين الماضي، ظهرت الرسالة ذاتها، لكن بقوة أكبر، عندما تسببت طائرات مسيّرة أوكرانية في خروج مطارات موسكو الأربعة من الخدمة، لأكثر من 14 ساعة. وحمل الهجوم السابق على مجمع تصنيع الأسلحة الضخم في بريانسك، رسالة مشابهة.
في الوقت نفسه، حاولت أوكرانيا التعويض عن نقص الأفراد -الذي تعاني منه كما تعاني روسيا- لا من خلال استقدام مرتزقة من كوريا الشمالية أو أفريقيا، بل من خلال تطوير صناعة محلية ضخمة لإنتاج الطائرات المسيّرة.
وخلال العام الماضي أو نحو ذلك، كانت أوكرانيا تنتج أكثر من 200 ألف طائرة مسيّرة شهرياً، وهي على طريق الوصول إلى هدف 2.5 مليون طائرة في السنة، قبل نهاية الصيف. في المقابل، لا تُنتج إيران -المورِّد الرئيس لروسيا- أكثر من 400 ألف وحدة في السنة.
ويساعد مئات من الخبراء التقنيين من أوروبا وكندا وأميركا، في تحويل أوكرانيا إلى مختبر ضخم، لتطوير معدات عسكرية عالية التقنية، تتضمن المركبات غير المأهولة لنقل الطواقم الطبية والمصابين من ساحات المعارك. ويشارك عدد متزايد من الشركات الناشئة في دعم أوكرانيا، لاستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، في تطوير التكتيكات، واقتراح توليفات مختلفة من الأسلحة والأساليب، وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. وبتصميمها على أن تصبح في طليعة البحث والتطوير العسكري التكنولوجي، خصصت أوكرانيا ثلث ميزانيتها الدفاعية لهذا البرنامج.
ويُكمل التقدم التكنولوجي، التدريب الكلاسيكي على حرب العصابات من الجهة الأخرى. ولا يزال الأوكرانيون يتذكرون جيداً كيف أن آلة الحرب النازية الضخمة، بقيادة المارشال فون باولوس (خطة بربروسا)، اجتاحت أراضيهم عام 1941 في غضون أسبوعين فقط، لكنها اضطرت بعد ذلك إلى خوض معركة خاسرة استمرت عامين، نتيجة تصاعد عمليات المقاومة وحرب العصابات ضد الغزاة.
وقد يشهد العام الجاري تكراراً للتاريخ، من خلال هجمات أوكرانية جديدة بأسلوب حرب العصابات، تستهدف البنية التحتية الروسية الرئيسة، بدءاً من الجسر الذي كلّف 18 مليار دولار، وبناه بوتين لربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي.
وبوصفها مختبراً لتطوير الأسلحة والتكتيكات الحربية الجديدة، قد تكون أوكرانيا مفيدة لحلف «الناتو»، إذ إنها تحتكر أكثر من نصف القدرات العسكرية غير النووية الروسية، في حرب لا يمكن الفوز فيها. وقد يكون ثمة إغراء كبير لترك الأمور تسير كما هي، لكن الحقيقة أن الناس يموتون كل يوم في هذه الحرب غير الضرورية وغير المرغوب فيها، والتي لا يتعذر النصر فيها.
لذلك، ينبغي أن يُنظر إلى تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها على أنها سبيل نحو السلام التفاوضي، وليست ذريعة لإطالة أمد الحرب. وعلى الرئيس ترمب أن يُحيي محاولاته للوساطة من جديد، مع إدراكه هذه المرة أن بوتين لا يزال يملك أوراقاً في هذه اللعبة القاتلة، بينما زيلينسكي هو الآخر ليس خالي الوفاض، كما كان يظن البعض.
نقلا عن الشرق الأوسط

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هدية قطر لترامب تثير الجدل
هدية قطر لترامب تثير الجدل

جوهرة FM

timeمنذ 5 ساعات

  • جوهرة FM

هدية قطر لترامب تثير الجدل

أثار خبر الهدية التي قدّمتها قطر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتمثلة في طائرة بوينغ 747-8 تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، جدلا كبيرا. وصرّحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أمس الاثنين، أن الطائرة القطرية الفاخرة المثيرة للجدل التي أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتزامه قبولها هي "مشروع القوات الجوية" وأن ترامب "لا علاقة له بها". وقالت ليفيت: "لنكن واضحين تمامًا، حكومة قطر، والعائلة القطرية، عرضت التبرع بهذه الطائرة للقوات الجوية الأمريكية، وسيتم قبول هذا التبرع وفقًا لجميع الالتزامات القانونية والأخلاقية.. سيتم تحديثها وفقًا لأعلى المعايير من قِبل وزارة الدفاع والقوات الجوية الأمريكية - هذه الطائرة ليست تبرعًا شخصيًا أو هدية لرئيس الولايات المتحدة، وعلى كل من كتب ذلك الأسبوع الماضي تصحيح أخباره، لأن هذا تبرع لبلدنا وللقوات الجوية الأمريكية". من جهته، اعتبر رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن تقديم الدوحة طائرة "بوينغ 747-8" هدية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أمر طبيعي يحدث بين الحلفاء". وأضاف خلال منتدى اقتصادي عقد في الدوحة، الثلاثاء: "عندما يتعلق الأمر باتهامات سابقة بالرشوة فإنه لا يوجد دليل على ارتكاب قطر أي خطأ". وتابع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "آمل أن تنظر الولايات المتحدة إلى قطر باعتبارها شريكا موثوقا في الدبلوماسية لا يحاول شراء النفوذ".

عزلة نتنياهو في زمن التحول.. هل بدأ ترامب رسم شرق أوسط جديد بلا ظل إسرائيلي؟
عزلة نتنياهو في زمن التحول.. هل بدأ ترامب رسم شرق أوسط جديد بلا ظل إسرائيلي؟

تورس

timeمنذ 7 ساعات

  • تورس

عزلة نتنياهو في زمن التحول.. هل بدأ ترامب رسم شرق أوسط جديد بلا ظل إسرائيلي؟

وقالت الصحيفة إن "ترامب قرر توجيه السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط بعيدًا عن رغبات نتنياهو والنظام الإسرائيلي، حيث قرر اتخاذ القرارات بالتعاون مع دول الخليج بدلًا عن إسرائيل". وأوردت الصحيفة نقلًا عن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن اتمار رابوفينفتش، أن "الشعور العام الآن بأن التوجه الأمريكي أصبح نحو الخليج حيث الأموال الطائلة"، موضحًا أنه "من الواضح أيضًا أن ترامب فقد أي رغبة في التعامل مع نتنياهو فيما يتعلق بأي ملف بما فيها ملف إنهاء الحرب في غزة". يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم نتنياهو، عمر دوستري، أن "العلاقات بين نتنياهو وترامب ما تزال في "أحسن صورها"، نافيًا الأنباء التي تحدثت عن وجود "شرخ في العلاقات بين الطرفين"، فيما شددت الصحيفة على أن التغير في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل "يصعب نفيه أو إلفات النظر عنه"، مشددة على أن "ترامب وخلال الأسابيع القليلة الماضية، اتخذ قرارات مهمة جدًا بعيدًا عن نتنياهو". وأشارت الصحيفة، إلى أن "عناوين الصحف الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، عكست التحول في السياسة الأمريكية والابتعاد عن التعامل مع نتنياهو في ملفات المنطقة"، مبينة أن "البيت الأبيض نفذ صبره وأصابه الإعياء من التعامل مع نتنياهو وإصراره المستمر على سياسته دون الأخذ بنظر الاعتبار المصالح والرغبات الأمريكية وخصوصًا فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة والملف الإيراني". الصحيفة اختتمت تقريرها بالتأكيد على أنه "وبالرغم من استمرار الدعم الأمريكي العسكري والمساعدات الاقتصادية لإسرائيل، إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب قررت المضي قدمًا بسياستها الخارجية في الشرق الأوسط دون الأخذ بنظر الاعتبار نتنياهو والذي قامت ب "عزله" تمامًا عن أي تأثير على الإدارة، أمر أكدته الصحف الإسرائيلية في مضامينها للأسبوع الماضي، على حد وصفها". الأولى

سفارة الولايات المتحدة في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل الغزْويين إلى ليبيا
سفارة الولايات المتحدة في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل الغزْويين إلى ليبيا

Tunisie Focus

timeمنذ 2 أيام

  • Tunisie Focus

سفارة الولايات المتحدة في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل الغزْويين إلى ليبيا

نفت السفارة الأميركية في طرابلس الأنباء التي أفادت بأن الإدارة الأميركية تعكف على خطة لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا وقالت السفارة الأميركية في منشور على منصة إكس : التقرير حول خطط مزعومة لنقل سكان غزة إلى ليبيا عار عن الصحة وكانت شبكة إن بي سي نيوز ذكرت الخميس الماضي واستندت الشبكة الإخبارية في تقريرها إلى 5 أشخاص مطلعين بينهم شخصان على دراية مباشرة بالأمر ومسؤول أميركي سابق وقال شخصان مطّلعان مباشرة على الخطط ومسؤول أميركي سابق إن الخطة قيد النظر بجدية لدرجة أن الإدارة الأميركية ناقشتها مع القيادة الليبية وفي مقابل إعادة توطين الفلسطينيين، قد تطلق واشنطن مليارات الدولارات من الأموال الليبية المجمدة لدى الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد، بحسب ما قاله الأشخاص الثلاثة ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد، وتم إبلاغ إسرائيل بمحادثات الإدارة بهذا الشأن، وفقا للمصادر ذاتها ولم يتسن بعد الحصول على تعليق من حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي على طلبات متكررة للتعليق قبل نشر هذا التقرير. وبعد النشر، صرّح متحدث باسم الإدارة الأميركية لشبكة إن بي سي نيوز أن « هذه التقارير غير صحيحة. » وأضاف المتحدث : « الوضع على الأرض لا يسمح بمثل هذه الخطة. لم يتم مناقشتها وهي غير منطقية من جهته، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باسم نعيم للشبكة ذاتها، إن الحركة ليست على علم بأي مناقشات بشأن نقل الفلسطينيين إلى ليبيا وأضاف نعيم : « الفلسطينيون متجذرون جدا في وطنهم، وهم ملتزمون التزاما شديدا به، ومستعدون للقتال حتى النهاية والتضحية بأي شيء للدفاع عن أرضهم ووطنهم وعائلاتهم ومستقبل أطفالهم »، مشددا على أن : الفلسطينيين هم الطرف الوحيد الذي يملك الحق الوحيد في تقرير مصيرهم، بما في ذلك مصير غزة وسكانها ورفض ممثلو الحكومة الإسرائيلية التعليق على الموضوع وكان ترامب قد فاجأ الجميع، ومنهم كثيرون داخل إدارته، أوائل فيفري الماضي حين طرح خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وذلك تحت دعاوى « إنسانية ». ويرفض الفلسطينيون بشدة أي خطة تنطوي على مغادرتهم غزة وخلال زيارته الأخيرة لمنطقة الخليج العربي قبل أيام، كرر ترامب رغبته في الاستيلاء على القطاع الفلسطيني قائلا إنه يريد أن يرى غزة « منطقة حرية » وإنه لم يعد بها أي شيء يمكن إنقاذه وأعاد مقترح ترامب بتهجير سكان غزة بذريعة إعادة إعمارها و »لتصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية » فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام ومارس ترامب ضغوطا كبيرة على مصر والأردن لتقبلا بالمقترح، وبدا « واثقا » من أنهما ستقبلان بفكرة توطين مئات الآلاف من المهجرين من غزة، لكن القاهرة وعمّان لم ترضخا، على الرغم من أنهما واجهتا تلويحا بتعليق المساعدات الأميركية المقدرة بمليارات الدولارات

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store