الشرق الأوسط على مفترق طرق
وعلى الرغم من تنامي أدوار روسيا والصين وأوروبا، في المنطقة في الأعوام الأخيرة، بصيغ متنوعة، سواء على صعيد اقتصادي أو عسكري أو دبلوماسي، إلاّ أنّ الولايات المتحدة لا تزال، على الصعيد الدولي، هي الفاعل الدولي الأبرز والأكثر تأثيراً، فهي الممسك بخيوط اللعبة الكبرى، وإذا كانت مصالحها الحيوية والاستراتيجية واضحة ومعرّفة في المنطقة، من أمن إسرائيل إلى النفط والاستقرار الإقليمي، فإنّ سياساتها تبدو في كثير من التفاصيل ضبابية وغير حاسمة في كثير من الملفات الإقليمية، مما يترك فراغاً تستثمره القوى الإقليمية بأجندات متناقضة.
إسرائيل، من جهتها، باتت تتحرك وفق مشروع إقليمي واضح يقوم على الهيمنة والتمدد وإضعاف المحيط العربي عبر تفكيك البنى المجتمعية وتحريك الهويات الطائفية والعرقية والدينية، وضمان عدم نشوء قوة إقليمية قادرة على تحديها. وهي بذلك تعيد رسم قواعد الردع في سورية ولبنان، وتدفع باتجاه نزع السلاح من الفواعل ما دون الدولة مثل حزب الله والحشد الشعبي، وتتجلى الاستراتيجية الجديدة أيضاً في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في منع أي وجود عسكري سوري في جنوب دمشق والسيطرة على مواقع حيوية واستراتيجية في المنطقة المحاذية للجولان.
أما إيران، التي شكّلت لعقدين لاعباً مركزياً في معادلات الإقليم، فهي اليوم في حالة ضعف نسبي وتراجع استراتيجي، وبالرغم من الخسائر العسكرية والاستراتيجية الكبيرة التي منيت بها، منذ عامين، فإنّها لم تتخلّ عن محاولة تفعيل أذرعها، ولو بحذر وتردد، في محاولة للحفاظ على مكانتها.
هنا يبدو خطر المواجهة المباشرة بين طهران وإسرائيل لا يزال قائماً، وربما أكثر احتمالاً، بخاصة مع قناعة حكومة نتنياهو بوجود فرصة تاريخية لتحقيق نصر عسكري يعيد رسم موازين القوى، وضمان عدم وجود أي قوى إقليمية قادرة أن تشكل مصدر تهديد لمفاهيم الأمن الإسرائيلية الجديدة.
وعلى الضفة الأخرى، أعادت تركيا منذ سنوات تعريف استراتيجيتها وأولوياتها، فانكفأت عن رهاناتها الإقليمية في مرحلة الربيع العربي، وبقتصر دورها اليوم على الملف السوري، وعلى جملة من المصالح الاستراتيجية المحّددة المتعلقة بأمنها القومي، ما يجعلها لاعباً أقل وزناً مما كانت عليه سابقاً.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو المنطقة في حالة «مخاض استراتيجي» لم يكتمل بعد، تتراوح احتمالاته بين سيناريو يعيد رسم الجغرافيا السياسية على نحو خطير، أو ما بات يطلق عليه «سايكس بيكو 2»، وسيناريو آخر يسعى إلى لملمة الملفات الساخنة وتحجيم القوى ما دون الدولة، والبحث عن ديناميكيات جديدة للاستقرار السياسي، بما يساعد الإدارة الأميركية على احتواء النفوذ الصيني المتصاعد قبل أن يتعاظم في المنطقة.
وفي كل ذلك يبقى الغياب العربي عن بناء أوراق قوة حقيقية سمة بارزة، إذ ما تزال المنطقة تتحرك كـ»جغرافيا» أكثر مما هي «لاعب»، فيما يتصدر التوتر الإسرائيلي – الإيراني – الأميركي المشهد باعتباره العامل الأكثر حسماً في رسم المسار المقبل وتقرير مصير المنطقة برمّتها.
لم بعد الصراع محصوراً في لبنان أو سورية أو العراق كلّ على حدة،أو حتى فيما يحدث في الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية والقدس، بل أصبح صراعاً على مستقبل المنطقة بأكملها، وتترابط ملفاتها المختلفة معاً مع إعادة توزيع للأوزان والأدوار لدول المنطقة والدول الفاعلة، مثل إيران وإسرائيل وتركيا، ليتم تحديد وتعريف من هم القوى الإقليمية الأكثر قوة وفاعلية، وشبكة التحالفات الاستراتيجية الجديدة، وتبلور أجندات الأطراف المختلفة، في مرحلة مفتوحة على احتمالات يعززها حالة من غياب اليقين وتراجع القدرة على رسم ملامح واضحة للغد، ويضع الجميع في الشرق الأوسط على مفترق طرق تاريخي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 36 دقائق
- سواليف احمد الزعبي
عائلات أسرى الاحتلال تطالب بضمانات لسلامة أبنائهم ضمن خطة احتلال غزة
#سواليف طالبت #عائلات_الأسرى الإسرائيليين بضمانات لسلامة ذويهم خلال #احتلال #غزة، معتبرة أنّ الموافقة على احتلال غزة رغم وجود صفقة مشروطة بموافقة #نتنياهو، 'فخ وطعنة في قلب الشعب الإسرائيلي'. وانتقدت عائلات الأسرى الإسرائيليين خطة ' #عربات_جدعون 2″ التي أقرتها #حكومةالاحتلال الإسرائيل، لاحتلال قطاع غزة المدمّر، مشيرة إلى تزامنها مع مساعي التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس ووقف لإطلاق النار، فيما طالبت بتوفير ضمانات تحول دون مقتل ذويها خلال الهجوم. جاءت المطالبات ضمن رسالة وجّهتها العائلات، الأربعاء، إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤكدين خلالها أن الظروف 'ناضجة' للتوصل إلى صفقة تبادل. وصادق وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الأربعاء، على العملية التي عٍرفت باسم 'عربات جدعون2' لاحتلال قطاع غزة المدمر، واستدعاء 60 ألف جندي من قوات الاحتياط. وقالت العائلات، إنّ: 'الموافقة على خطط احتلال غزة، رغم وجود صفقة على الطاولة تتطلب موافقة نتنياهو، هي جوهر الفخ الذي يجري صنعه، وطعنة في قلب العائلات والجمهور في إسرائيل'، مشيرة في الوقت نفسه، بالقول: 'من الممكن والضروري التوصل إلى اتفاق شامل، والخطة التي كان ينبغي إقرارها الليلة الماضية هي خطة إعادة آخر المختطفين (الأسرى)'. ووجهت ضمن نص الرسالة، خطابا لرئيس وزراء الاحتلال 'نتنياهو.. الكل يعلم أن الظروف مهيأة للتوصل إلى اتفاق، والأمر بين يديك'. اقرأ أيضا: خلافات إسرائيلية حادة بشأن خطة احتلال غزة.. 'فخ استراتيجي' يهدد الجيش والأسرى وطالبت العائلات بعقد اجتماع عاجل مع كاتس ورئيس الأركان إيال زامير، لضمان ألّا تفضي عملية 'عربات جدعون 2' إلى مقتل من تبقى من الأسرى المحتجزين في غزة. وتشير تقديرات دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى وجود نحو 50 أسيراً في غزة، بينهم 20 على قيد الحياة، في حين تحتجز في سجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني داخل سجونها، وسط معاناة من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي الذي تسبب بوفاة العديد منهم، وفق تقارير حقوقية. إلى ذلك، قرّر جيش الاحتلال الإسرائيلي استدعاء 60 ألف جندي من الاحتياط، بهدف الاستعداد لاحتلال مدينة غزة، وفق ما أفادت وسائل إعلام عبرية. ووصفت 'القناة 12' العبرية، أهداف عملية 'عربات جدعون2″، بأنها 'تهيئة الظروف لإنهاء الحرب مع إطلاق سراح جميع الأسرى ونزع سلاح حماس ونفي كبار قادتها، ونزع سلاح غزة، وتأمين المنطقة الأمنية لحماية التجمعات السكانية (المستوطنات)، والحفاظ على حرية عمل الجيش في غزة'. وأوضح رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، مراحل خطة احتلال مدينة غزة، وتشمل عددا من المسارات بينها 'تعزيز قوات الاحتلال الإسرائيلي في شمال قطاع غزة'. وأقرت دولة الاحتلال، في 8 آب/ أغسطس الجاري، خطة طرحها نتنياهو، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة. أيضا، تتضمن الخطة بدء احتلال مدينة غزة من خلال تهجير نحو مليون فلسطيني إلى الجنوب، يعقب ذلك تطويق المدينة والقيام بعمليات توغل داخل التجمعات السكنية. وفي سياق تنفيذ الخطة، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما واسعا على حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، تخلله نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري، وفق شهود عيان لوكالة 'الأناضول'. وتتواصل استعدادات دولة الاحتلال الإسرائيلي لاحتلال غزة، على الرغم من استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين دولة الاحتلال وحركة حماس، إذ وافقت الأخيرة على مقترح قدّمه الوسيطان المصري والقطري يقضي بوقف مؤقت للعدوان لمدة 60 يوماً. وبدعم أمريكي، ترتكب دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية، على كامل قطاع غزة المحاصر، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلّفت الإبادة الإسرائيلية الهوجاء في غزة ما قدّر بـ62 ألفا و64 شهيدا، و156 ألفا و573 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 266 شخصا، بينهم 112 طفلا.

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
أردنُ الرباط والكرامة .. حصن الأمة ومقبرة الأوهام
كلما خرج قادة الاحتلال بتصريحاتهم المتطرفة، وشعارتهم العدوانية، ازداد انكشاف حقيقتهم وانفضحت اوهامهم التي تحمل البغض والدمار للعالم اجمع، ويؤكدون بألسنتهم بأنهم يدفعون كيانهم نحو الهاوية، فما يقدمونه من خطاب مهزوز ما هو الا انعكاس لأزمة هوية وتخبط في الرؤية، ومحاولة بائسة للهروب من مأزق داخلي متفاقم، وهذه التصريحات التي كان آخرها ما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسميه "إسرائيل الكبرى"، وما تضمّنته من إيحاءات تمسّ السيادة الأردنية، ليست سوى تعبير عن حالة عجز بنيوي عن قراءة حقائق الجغرافيا السياسية، وإنكار للتاريخ، واستهانة بالمجتمع الدولي ومبادئه. إن الزج باسم الأردن في أوهام سياسيين مأزومين، لن يغيّر من الواقع شيئًا، فهذه المناورات اللفظية ليست سوى محاولات عقيمة لصرف الأنظار عن تصدّع الجبهة الداخلية في إسرائيل والانقسامات العميقة التي تضرب مؤسساتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، خاصة مع تصاعد مظاهر الانهيار الأخلاقي والنفسي في جيش طالما رُوّج له كقوة لا تُقهر، فإذا به عاجز عن حسم معركة في غزة منذ قرابة عامين. ما يجري لا يقتصر على مجرد تصريحات عابرة أو مواقف إعلامية متشنّجة، بل يُمثّل امتدادًا لمشروع أيديولوجي ممنهج، يتأسس على إنكار الآخر، وتجاهل قواعد القانون الدولي، والتنصّل من قرارات الشرعية الدولية، والأردن، بقيادته الهاشمية التاريخية الحكيمة، وشعبه الواعي والوفي، لا يتعامل مع هذه التهديدات بوصفها استعراضًا عابرًا، بل يتخذ منها مؤشرًا واضحًا على ضرورة التمسك بالثوابت الوطنية والقومية، فالأمن القومي الأردني ليس موضع مساومة، والسيادة الأردنية خطٌ أحمر لا يُسمح بتجاوزه، لا قولًا ولا فعلًا، وهذا هو الموقف الأردني الراسخ تؤكده الدولة الأردنية في كل المحافل، وتُجسّده عمليًا بسياساتها، وثباتها، واستعدادها الدائم للدفاع عن أرضها وهويتها. ونحن في الأردن لا نخشى التهديدات، فقد أثبتت الأيام أن وحدتنا الوطنية، والتفافنا حول قيادتنا، وتمسكنا برسالة الدولة الأردنية، كفيلة وحدها بتبديد أي وهم أو تهديد، ومع ذلك، فإن على كل من تسوّل له نفسه أن يعبث بأمن الأردن، أن يعلم أن وراء كل شبر من هذه الأرض شعبًا وقيادةً أقسموا على الدفاع عنها، بما يملكون من إرادة وإيمان وشرعية تاريخية، وان كل شبر مبارك منها هو امانة في اعناقنا، ورثناه من اباء واجداد كتبوا تاريخهم بدمائهم. لقد صاغ الأردنيون معادلة الصمود بدمائهم واروحاهم، وامتزج الدم الأردني والفلسطيني في تراب هذه الأرض المباركة، من معارك القدس وباب الواد واللطرون وجنين ومعركة الكرامة الخالدة، إلى المواقف الحازمة التي يتبناها جلالة الملك عبد الله الثاني في مختلف المحافل الدولية دفاعًا عن القدس والمقدسات، وظل الأردن وفياً لدوره التاريخي كحامٍ للحق العربي، وصوتٍ عقلانيٍ يعكس وعيا عميقا بالتحديات. وتاريخ الأردن العريق هو امتداد لرسالة، وهوية، ودور محوري في استقرار المنطقة، ومن أراد أن يختبر صلابته، فلينظر إلى تاريخه، وإلى صموده في وجه العواصف، وإلى حكمته التي جنّبت الإقليم كثيرًا من الكوارث. وهذه الأرض المباركة، التي حباها الله ورفع قدرها بين البلدان، ستبقى بعون الله ونصره، كما كانت دوما قلعة الأمة، منارة للعز والكرامة، وسيفًا مسلولًا في وجه كل معتدٍ وطامع، واجبًا شرعيًا ووطنيًا يحمله كل أردني، على مدى الأجيال، ليبقى الاردن كما أراده الله أرض الرباط والكرامة، حصن الأمة ومقبرة لأوهام الطامعين. * الأستاذ الدكتور خالد الحياري / رئيس الجامعة الهاشمية.


رؤيا
منذ ساعة واحدة
- رؤيا
إعلام عبري: تل أبيب لا تنوي إرسال وفد لمواصلة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بهذه المرحلة
إعلام عبري: نتنياهو يناقش خطط عملية عسكرية جديدة في غزة وسط تعثر المفاوضات قال مصدر سياسي لقناة "كان" العبرية، إن الاحتلال لا ينوي في هذه المرحلة إرسال وفد لمواصلة المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. ونقلت القناة عن مسؤولين في حكومة الاحتلال قولهم لقناة 12 إن "المفاوضات ستجري تحت النار"، مؤكدين أن مستقبل وقف الهجمات أو توسيعها يعتمد على ما إذا جرى تنفيذ الصفقة. وفي السياق ذاته، ذكرت "كان" أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يريد الشروع في عملية عسكرية جديدة في مدينة غزة أطلق عليها اسم "عربات جدعون 2"، بهدف ممارسة ضغط إضافي على حركة حماس. وأفادت القناة بأن نتنياهو سيعقد غدًا اجتماعًا أمنيًا في مقر القيادة الجنوبية لمناقشة خطط العملية، على أن يقدم الاحتلال بعد ذلك رده الرسمي للوسطاء بشأن الصفقة.