
رحيل الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني
زياد، نجل الأسطورة فيروز والموسيقي الراحل عاصي الرحباني، كان علامة فارقة في الموسيقى والمسرح العربي منذ سبعينيات القرن الماضي.
تميّز بأسلوبه الخاص والمتمرّد، وقدم أعمالاً لاقت صدىً واسعاً بفضل جرأته في الطرح، وعمقه في التعبير، وسخريته اللاذعة من الواقعين السياسي والاجتماعي في لبنان والمنطقة.
برع الرحباني في تأليف الموسيقى وكتابة المسرحيات السياسية الساخرة، ومن أبرز أعماله: 'بالنسبة لبكرا شو'، و'فيلم أميركي طويل'، و'نزل السرور'، بالإضافة إلى عشرات الألحان الخالدة التي كتبها لوالدته فيروز، وشكّلت جزءاً من وجدان أجيال متعاقبة.
خسارة زياد الرحباني لا تعني فقط غياب فنان، بل غياب حالة فكرية وفنية فريدة أثرت المشهد الفني اللبناني والعربي لعقود.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
نور مهنا يطرب جمهور المسرح الجنوبي في جرش بصوته الطربي الأصيل
أحيا الفنان السوري نور مهنا ليلة طربية مميزة على خشبة المسرح الجنوبي، ضمن فعاليات الدورة الـ39 من مهرجان جرش للثقافة والفنون، وسط حضور جماهيري كبير توافد للاستماع إلى صوته الدافئ وأدائه الكلاسيكي الراقي. وقدم مهنا باقة من أجمل أغاني الطرب الأصيل التي لامست وجدان الجمهور، حيث ردد الحضور معه كلمات الأغاني وتفاعلوا بحرارة مع كل وصلة، في مشهد أعاد للأذهان سهرات الطرب العربي الأصيل. وأعرب مهنا خلال الحفل عن سعادته بالمشاركة في مهرجان جرش، معتبرا إياه منصة ثقافية وفنية مهمة على مستوى المنطقة، موجها تحيته للأردن وشعبه الذي وصفه بـ"المحب للفن الراقي". جاءت مشاركة نور مهنا في إطار حرص مهرجان جرش على تنويع برامجه الفنية، وجذب أسماء طربية لها حضورها المميز على الساحة العربية، حيث تعد مشاركته إضافة نوعية لعروض المسرح الجنوبي لهذا العام.


الغد
منذ 3 ساعات
- الغد
منحوتات باكير.. حينما يتحول الطين "مرآة" للروح والحالات الإنسانية
أحمد الشوابكة اضافة اعلان عمان- وسط جمالية الأصوات والأنغام واللوحات التي تعبق بها أروقة مهرجان جرش للثقافة والفنون، أطلت الفنانة الشابة زينة باكير، طالبة الفنون البصرية في الجامعة الأردنية، بتجربتها النحتية الأولى في المعرض، وهي تحمل على كتفيها شغف البدايات وجرأة الاكتشاف، في أعمال تجمع بين التجريد والرمزية والتقنية، لتمنح المتلقي تجربة بصرية عميقة تتجاوز حدود الشكل نحو المعنى.قدمت باكير ثلاث قطع نحتية مختلفة، من حيث المادة والشكل والفكرة، لكنها تندرج كلها تحت رؤية فنية تسعى إلى مساءلة العلاقة بين الإنسان والخوف، الكائنات والتجسيد، وبين الخامة والرمز.القطعة الأولى كانت عبارة عن تجريد لثعلب أحمر، صنعته من مادة الطين (water clay)، وقامت بتلوينه ثم طلاؤه بمادة الرزن لحمايته من التشقق، في محاولة للحفاظ على تماسك الشكل أمام الزمن والعوامل المحيطة. لم يكن الثعلب هنا مجرد كائن من البرية، بل رمزا مراوغا للدهاء والحذر والانسيابية، وكأن الفنانة تستحضر الحيوان بوصفه استعارة لكائن خفي فينا، مراوغ، متأهب، ومتربص في الزوايا النفسية.وفي تطور تقني وفكري لهذا العمل، أنجزت القطعة الثانية، وهي تجسيد لفكرة الثعلب نفسها ولكن بحجم أكبر، ومن خامة مغايرة كليا، حيث استخدمت الحديد المبروم. بعد عملية قياس دقيقة، قطعت الحديد ولحمته بزوايا محسوبة، ثم نظفت بقايا اللحام، ودهنت الشكل بطبقة من المعجون، قبل أن تنهي العمل برشه بالسبراي الأحمر.التحول من الطين إلى الحديد لم يكن مجرد خيار تقني، بل فعل دلالي: من الطين إلى الحديد، من الهشاشة إلى القوة، من الشكل العضوي إلى المعدني، لكنها رغم ذلك حافظت على الفكرة الجوهرية، ما يدل على وعيها بمرونة الرمز وصرامة التقنية.أما القطعة الثالثة، فكانت الأكثر رمزية ووجدانية، بعنوان "Petrification"، وهي منحوتة ليد وقدم هزيلتين مقيدتين، مصنوعتين من الطين ومطليتين بالرزن، اختارت زينة هذا العنوان لأنه يجمع بين معنين متكاملين: الأول هو التحول الفيزيائي للمادة العضوية إلى مادة حجرية، وهو ما يشبه حالة الطين عندما يتحول إلى ما يشبه الصخر بعد الجفاف والتثبيت، والثاني هو التحجر النفسي الناتج عن الخوف الشديد الذي يشل الحركة ويمنع الفعل.في هذه القطعة، تظهر اليد والقدم كجسدين صغيرين في قيد لا مرئي، كأن الخوف نفسه هو ما يقيدهما، أو كأننا أمام تمثيل لحالة نفسية غائرة في الوجدان البشري، حيث لا يمكن الهرب ولا الدفاع، فقط الصمت والانكماش.زينة باكير لا تكتفي بالنحت بوصفه شكلا أو مهارة، بل تراه وسيلة للتعبير عن الأسئلة العميقة، وعن حالات إنسانية لا تقال بسهولة. في حديثها لـ"الغد"، قالت "أنا مهتمة بأن يكون لكل عمل صوت خاص... أحب أن أشتغل على فكرة، لا مجرد شكل. لذلك أحرص على أن تخدم الخامة الفكرة، وأن تكون التجربة تفاعلية، فيها جهد بدني وفكري معا. النحت ليس تزيينا، بل وسيلة لسؤال العالم".وفي خضم شغفها التجريبي، تؤكد أنها تحاول الموازنة بين التقنية والرمزية، وبين الصنعة والوجدان، حيث يكون لكل منحوتة روحها الخاصة ونداؤها الداخلي.تقول الفنانة باكير إنها تطمح إلى مواصلة طريقها في تطوير مشروع فني شخصي يجمع بين التكوين والنقد والمجتمع، وتسعى لإقامة معرض فردي يضم مشاريع نحتية تعبر عن قضايا الإنسان والبيئة، كما تأمل بإكمال دراستها العليا في مجال النقد الفني للاستفادة من التجارب العالمية في إعادة تعريف وظيفة الفن.في زمن تتسارع فيه الصور وتبهت فيه المعاني، تأتي أعمال باكير لتعيدنا إلى جوهر الفن الحقيقي، أن نلمس المعنى بيدينا، أن نرى الخوف في منحوتة، وأن ندرك أن الجسد وحده قادر على قول ما تعجز عنه الكلمات.

السوسنة
منذ 4 ساعات
- السوسنة
زياد الرحباني
ما خلا التمرّس الإرادي المستدام في تربية الحواسّ على الاستماع، والتدرّب الشاق على الاستقبال والتذوّق، وتنشيط فضول معرفي يتوسل التثقف والتعلّم؛ لا تزعم هذه السطور أيّ إلمام متعمق بعلوم الموسيقى في جوانبها التقنية التي قد تشمل السلّم أو طبقات الصوت أو المقامات أو أسرار الآلات على أنواعها، شرقية كانت أم غربية، حديثة أم كلاسيكية. وإذ يواصل كاتبها الانخراط في دراسة الشعر على نحو خاصّ، بين أنواع أخرى من الكتابة الإبداعية، فإنّ الانشغال بمسائل النبرة والإيقاع والصوت في القصيدة ظلّ أقرب إلى مشترَط نشطٍ تحريضيّ، بالمعنى الإيجابي لحسن الحظّ، يدفع بالضرورة نحو الموسيقى.وهذا سياق موسيقي/ شعري يبيح استعادة تعبير «هيئة الصوت»، الذي أطلقه ذات يوم شاعر ويلز الكبير ديلان توماس، وأعطى في شرحه هذا النصّ البديع: «لقد رغبتُ في كتابة الشعر لأنني، بادئ ذي بدء، وقعت في غرام الكلمات. وأوّل القصائد التي عرفتها كانت أغنيات الأطفال ساعة النوم. وقبل أن تُتاح لي قراءة هذه الأغنيات، انسَقْتُ إلى عشق كلماتها أساساً، والكلمات فقط. أما ما تعنيه وما تدلّ عليه، فقد احتلّ أهمية ثانوية للغاية. لقد شدّني صوت الكلمات، ولم أكن أعبأ بما تقوله الكلمات بقدر حرصي على هيئات الصوت الذي يسمّي، والكلمات التي تصف الأفعال في أذني، والألوان التي ترشق الكلمات على عينيّ».وإذ يخيم حزن غامر شمل الملايين من أجيال شتى وذائقات متنوعة وحساسيات متباينة إزاء رحيل الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني (1956ـ2025)، فإنّ قسطاً غير قليل من مقترحاته الموسيقية الفذّة والطليعية والفاتنة كان، في ظنّ هذه السطور، على صلة وثيقة بما وَهَب للصوت من هيئة، أو هيئات ربما، في قلب جملة موسيقية تحتمل الواسع الرحب من محرضات تأهيب الاستقبال. ثم، على توازٍ بارع وجَسور واختراقي وطليعي هنا أيضاً، إطلاق الدلالة حرّة على عواهنها عبر مفردة منتزعة من باطن حيّ وحيوي في لغة الحياة اليومية؛ جارح كنصل حادّ، وساخر كقهقهة صعلوك.ويندر أن يُختلف حول مكانة أعمال مسرحية سبّاقة وثّابة إلى أقصى حلبات تحدي السائد والراكد كما يصحّ القول، مثل «سهرية»، 1973؛ «نزل السرور»، 1974؛ «بالنسبة لبكرا شو»، 1978؛ «فيلم أمريكي طويل»، 1981؛ «شي فاشل» و»أنا مش كافر»، 1985؛ «العقل زينة»، 1987؛ «لولا فسحة الأمل»، 1992؛ «بخصوص الكرامة والشعب العنيد»، 1993؛ وسواها. وقد تتضارب الآراء، في المقابل، حول جرعة «جاز شرقي»، حسب توصيف شاع بسهولة مفاجئة، ابتدعها في (والبعض سيساجل بأنه أقحمها على) تراث شيّده الرحابنة بتؤدة عبقرية، ومَزْج خلاق بين موسيقى شرقية وغربية ولاتينية حديثة وكلاسيكية؛ وعلى صوت فيروز، دون سواها، وذاك كان البُعد الأخطر ربما.لم يكن يسيراً في البدء، إلى أن اتضح سريعاً أنه ميسّر مستساغ مبهج، أن ينصت عشاق فيروز، «جارة القمر» و»ستّ الصباحات» و»الصوت الملائكي»، إلى أغنيات لحّنها زياد الرحباني وكتب كلماتها، من طراز (أو بالأحرى: عيار) «سلّملي عليه»، «عودك رنّان»، «كيفك إنتا»، «صباح ومسا»، «معرفتي فيك»، «داق خلقي»، «عندي ثقة فيك»، «مش قصة هاي»، «مش كاين هيك تكون»! التجاسر على إعلاء هيئة الصوت لدى فيروز تحديداً كان ينطوي، في آن معاً، على ما يشبه انتهاك السموّ البتولي لهذه القامة الشامخة المسيّجة بألف أسطورة وأسطورة؛ ولكنه كان أيضاً والأهمّ يقتادها بعيداً عن دساكر الرحابنة المرسومة بالسحر، وضِيَعهم السابحة في هيولى أخاذة بقدر ما هي رومانسية.صحيح أنّ هذه السطور استقبلت مسرح زياد الرحباني الشاب بترحاب أقصى وإعجاب بلا حدود، حيث السخرية سوداء بانورامية، والنكتة صارخة تارة أو مواربة بذكاء تارة أخرى، لفظية هنا أو مجازية هناك، والرسائل سياسية يسارية وتقدمية ومناهضة للطائفية والفساد؛ في حقبة لم يكن المسرح اللبناني خلالها متعافياً بما يكفي من تشرذم البيروتَيْن، الشرقية والغربية، ومن تَقابُل أو تكامل أعمال روجيه عساف وجلال خوري وريمون جبارة. كذلك استُقبلت مجازفات زياد الرحباني الكهل قبالة القلاع الحصينة التي أقامها أمام فيروز جمهورٌ مطلق الحماسة لشخصها، مدمن التشبث بخصوصياتها الانفرادية شبه المقدسة.التتمة الموازية هي الإقرار بأنّ مدخل هذه السطور إلى موسيقى الراحل كانت عمله الموسيقي المبهر «بالأفراح»، 1977، الذي كان صوفيّ الإيمان بالآلات الموسيقية الشرقية (العود، القانون، البزق، الناي، الرق، الطبلة)، وعالي المراهنة على تآلفها واتساقها وارتقائها. وكما هو معروف، حشد زياد الرحباني مهاراته في التوزيع وإعادة التوزيع، إحدى مواهبه الأخرى الكبرى، لألحان «قصقص ورق»، «رقصة تحيات»، «عتّم يا ليل»، «آخد حبيبي»، مقدمة «سهرية»، «يا حمام يا مروّح»، «سألوني الناس»، «يا حبيبي كلما هبّ الهوى»، «شيراك»، و»زوروني».يبقى أنّ هذه السطور لا تتغافل عن مواقف زياد الرحباني السياسية عموماً، والتعاطف الصريح مع النظام السوري البائد خصوصاً، والتي تعكس ذلك الجانب اللاهي والنزق من شخصيته المركبة، مثلما تُردّ جزئياً إلى خياراته في الاصطفاف خلف «حزب الله». ولكنها لا تطمس ما يُسجّل له من تاريخ وضاء في التعبير الإبداعي الرفيع عن هواجس «الحالة التعبانة» للدراويش والمعتّرين، وكوارث «زمان الطائفية»؛ في لبنان والمحيط العربي، وربما الإنساني.