logo
"فات الميعاد" دراما تحاكم العنف الأسري وتفكك أسبابه

"فات الميعاد" دراما تحاكم العنف الأسري وتفكك أسبابه

الجزيرة٠٢-٠٧-٢٠٢٥
يواصل مسلسل "فات الميعاد" تصدّره لقوائم محركات البحث ومنصة "واتش إت" منذ بدء عرضه مؤخرًا، محققًا نسب مشاهدة مرتفعة ولافتة. ورغم أن الحلقات شارفت على منتصفها، فإن المسلسل لا يزال يحتفظ ببريقه وتوهجه، مدعومًا بموضوعه الجذاب وأداء أبطاله المتقن الذي نجح في شدّ انتباه الجمهور. ما يميّز العمل أيضًا هو نصّه المتقن الذي كُتب بحرفية عالية ودقة محسوبة، وكأنه صيغ بميزان من ذهب.
يأتي مسلسل "فات الميعاد" ضمن سلسلة من الأعمال الاجتماعية التي تحاول رصد التحولات النفسية والثقافية في الأسرة المصرية المعاصرة، عبر تناول قضايا الزواج والعنف الأسري وما يحيط بها من ضغط مجتمعي.
حبكة تقليدية بروح جديدة
تدور أحداث المسلسل بالأساس حول بسمة (أسماء أبو اليزيد) الزوجة التي تحلم بالخروج من بيت العائلة وأن يكون لها مسكن خاص بعيد عن والدة زوجها (سلوى محمد علي)، والزوج مسعد (أحمد مجدي) أمين المخازن سريع الغضب وقليل الثقة بالنفس، الأمر الذي يجعله يعنف زوجته بالضرب والإهانة كلما فقد أعصابه على أتفه الأسباب.
مما يعقد علاقتهما الزوجية ويصل بهما إلى طريق مسدود أوّله خوف وآخره شجاعة، تطلب الزوجة على إثره الطلاق رغم تمسك الزوج بها وتكرار وعوده الزائفة بالإصلاح.
لا يقتصر العمل على قصة بسمة ومسعد فقط، فهناك أيضًا نماذج زوجية أخرى مثل شقيق بسمة وزوجته، وأشقاء مسعد وأزواجهم، بالإضافة إلى منتصر (أحمد صفوت) وسارة (ولاء الشريف) اللذين يواجهان معاناة مختلفة تتمثل في عدم القدرة على الإنجاب، فيقرران التبني، لكن حياتهما لا تسير كما كانا يأملان.
وجود نماذج مختلفة تماما عن بعضها شكلا وموضوعا، لكل منهم خط درامي واضح ومتماسك جعل المشاهد لا يشعر بالملل فيما يرى تلك النماذج المتباينة والثرية دراميا خاصة في ظل التصاعد الدرامي المشوق والسريع، والأهم اختلاف ردود أفعال الأبطال بين التيه والتشتت، والاستسلام، والوقوف بوجه الظلم وقول لا.
الرؤية الإخراجية والتكوين البصري
يحسب لصانعي المسلسل استعراض الأمر من الشق القضائي بشيء من التفصيل بين المحامي صاحب الضمير اليقظ وآخر يتلاعب بالقانون وثغراته بالكذب والتضليل، مع تسليط الضوء على كيف يمكن للمرأة الخروج من براثن زيجة تعسة عبر المحاكم والقضايا.
بجانب الحوار شديد الصدق والسيناريو المتميز الذي عرف أصحابه كيف يقدمون حبكة تقليدية بأسلوب طازج وجذاب، والإيقاع المتزن الذي كثف من حالة التوتر، تميز العمل بالأداء التمثيلي من غالبية طاقمه خاصة سلوى محمد علي التي أجادت تقديم شخصية الحماة المتسلطة وصعبة المراس دون انفعالات مبالغ فيها.
يليها أحمد مجدي الذي كشف بهذا العمل عن وجه جديد وثقيل من موهبته لم يكشف عنه من قبل وبرع خاصة في مشاهد الانهيار والغضب، عاكسا صورة الرجل المضطرب نفسيا والمتذبذب بين القسوة والندم، والذي يعاني من أزمة هوية ذكورية في مجتمع يعاقب الحساسية المفرطة، وهو ما نجح بترجمته إلى انفعالات داخلية مكبوتة أكثر من كونها ظاهرة.
بالإضافة إلى أسماء أبو اليزيد التي أظهرت تحولات الشخصية النفسية برشاقة وصدق، وجمع بينها وبين أحمد مجدي كيمياء واضحة للعيان نتجت عن تعاونهما المسبق بالمسلسل الكوميدي "الآنسة فرح".
أما أبرز نقاط النجاح الفني في العمل، فتجلّت في إخراج سعد هنداوي وتصوير زكي عارف، حيث أجادا توظيف الكاميرا في رواية القصة. وتميّز المسلسل بعناية خاصة بالديكور والإضاءة، اللذين انسجما بمهارة لخلق صورة معبّرة ومثالية، عكست الصراع الداخلي للشخصيات. كما برزت الكادرات المحكمة، بتكويناتها المتوازنة والبديعة، التي لم تُضف بعدًا فنيًا فحسب، بل عبّرت أيضًا عن أعماق الشخصيات وطبيعة العلاقات فيما بينها.
القوامة بين الدين والثقافة المجتمعية
لم يقتصر جذب الانتباه على الجمهور والنقاد فحسب وإنما امتد ليشمل أرباب الطب النفسي، من بينهم الدكتور محمود الوصيفي، أستاذ الطب النفسي، الذي علق على شخصية الأم التي تلعبها سلوى محمد علي مؤكدا كونها نموذجا متكررا خطير التأثير، فهي أشبه بالحية التي تدس السم في العسل، بكلامها المعسول الذي يظهر عكس ما يبطن.
كذلك وصف أمومتها بالمفرطة وأنها نموذج للشخصية التي تمارس التحكم النفسي غير المباشر، فهي وإن كانت لا تعطي أوامرها مباشرة لأولادها فإنها تعرف كيف تشعرهم بالذنب وتوجههم لما تريده منهم مستغلة قدرتها الخارقة على ابتزازهم عاطفيا.
ومن جهتها علقت أمل رضوان، أستاذة علم الاجتماع، على الفارق بين الدراما التي من شأنها أن تحارب العنف الأسري وأخرى تشجع عليه، موضحة أن الأعمال التي تقف بها المرأة لتقول لا وتدافع عن حقوقها دون انسحاق هي الأفضل، إذ من شأنها التأثير إيجابا بالمجتمع، خاصة وأنها تظهر الرجل كمعتدٍ ومتجبر ظالم مما يجعل المشاهدين ينفرون منه وتقرر النساء عدم الارتباط بمن يشبهه.
فيما أكدت أن قضايا العنف الأسري مستشرية وسببها الرئيسي الثقافة المجتمعية التي تورث الرجال قوامة مرادفة للتعدي على المرأة تارة باسم الدين وتارة باسم الإصلاح والتهذيب. أما عن أبطال العمل فأشارت إلى أن شخصية مسعد تحتاج تعلم كيفية إدارة الغضب من قبل متخصصين في حين تحتاج الأم الخروج من عباءة النرجسية التي خربت حياة أولادها عبر السيطرة عليهم بنعومة ولكن بحسم.
دراما ناضجة من رحم الواقع
"فات الميعاد" مسلسل درامي مصري من 30 حلقة، يعرض حاليا عبر منصة "واتش إت" وقناة "دي إم سي"، وهو نموذج أصيل للدراما الاجتماعية الناضجة التي تنبش في عمق العلاقات الأسرية ولا تكتفي بعرض الأزمة وإنما تسعى لتفكيكها وفهم جذورها وتقديم حلول عملية من قلب الواقع، وإن شاب العمل بعض النمطية في الطرح لكنه يظل مستحقا للمشاهدة والنقاش بما حققه من توازن بين الترفيه والتنوير.
العمل بطولة أسماء أبو اليزيد، أحمد مجدي، أحمد صفوت، سلوى محمد علي، محمد علي رزق، فدوى عابد، محمود البزاوي، حنان سليمان، ولاء الشريف وهاجر عفيفي. تأليف عاطف ناشد، إسلام أدهم، وناصر عبد الحميد، ومن إخراج سعد هنداوي.
يذكر أن أسماء أبو اليزيد يعرض لها حاليا مسلسل آخر هو "مملكة الحرير" الذي بدأ لتوه، وهو عمل يجمع بين الدراما والتشويق، يحكي عن 3 أشقاء يتصارعون على العرش وسط صراعات وخيانات والكثير من المعارك.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كرة القدم كيف يمكن أن تكون بهجة الشعوب وجوهرة الفنون؟!
كرة القدم كيف يمكن أن تكون بهجة الشعوب وجوهرة الفنون؟!

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

كرة القدم كيف يمكن أن تكون بهجة الشعوب وجوهرة الفنون؟!

يسرف كثيرون مساحات شاسعة من أوقاتهم في محاولات واهية لإقناع عشّاق كرة القدم بأنها ملهاة للشعوب ومضيعة للوقت، وأنها في أفضل أحوالها تستحيل قوة كاسحة لحرف المسار عن القضايا المهمة لصالح فرجة ومتعة ومنافسة لا طائل منها سوى تبديد الزمن. لكن في حقيقة الأمر، لا يدرك هؤلاء الجاهلون حقاً في فلسفة كرة القدم وجوهرها الناصع البليغ، أنها كانت عبر تاريخها المشغول على سنّارة اللهفة بمثابة فسحة مترفة بصوغ الإلهام العالي، عند كثير من الفنانين والأدباء العرب والعالميين. ليس ذاك إنجازها الوحيد، فقد تخطّته على أرض الواقع بأشواط، لتسبك فرح الجماهير وتحقق ما عجزت عنه السياسة وأهلها! المسألة قد تحتاج إلى اللعب بعقارب ساعة الزمن للعودة نحو الوراء، وتحديداً إلى عام 1986 عندما انتهت بطولة كأس العالم الخالدة آنذاك. انزوى الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش إلى طاولته بعدما غلبه الملل وسَيَّج يومياته الحزن، وكتب مقالاً طويلاً يصف فيه نجم تلك البطولة اللاعب الأسطوري دييغو مارادونا. استهله: "لمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه وعلى أملنا فيه من الانكسار؟ الفرد، الفرد ليس بدعة في التاريخ. يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة.. ماذا صنعت بالمواعيد؟". بتلك الهيئة المسبوكة ببراعة أدبية لا تحتاج شهادة أحد، صاغ درويش حالة أدبية رفيعة مستمدة من كرة القدم، كونها منبعاً حقيقياً للدراما، باعتبارها صراعاً حراً ونزيهاً وعفوياً على مسرح تتلقفه ملايين الأبصار. فكيف إذا كان يتسيّده لاعب استثنائي، مثل النجم الأرجنتيني الشهير الذي أنجزت عنه السينما العالمية فيلمين وثائقيين عظيمين: الأول صوّر سنة 2009 للصربي أمير كوستريتسا بعنوان "مارادونا"، والثاني "دييغو مارادونا" أنجز سنة 2019 لآصف كاباديا، الذي يفتح فيه أرشيف مارادونا في الفترة التي لعب لصالح نادي نابولي الإيطالي، ويعرض فيه لقطات عرضت لأوّل مرة في تاريخ ساحر الكرة الأرجنتينية. المخرج البريطاني ذو الأصل الهندي سبق أن أتحف جمهوره بعملين وثائقيين عن شخصيتين مميزتين: الأولى، سائق الفورمولا وان البرازيلي إيرتون سينا، الذي قضى في حادث في الرابعة والثلاثين من عمره، والثانية، المغنية البريطانية إيمي واينهاوس التي رحلت فجأة في السابعة والعشرين. وقد رفض كاباديا إخراج الفيلم عندما عُرض عليه، لكنه عاد ليوافق علماً بأن مدير أعمال مارادونا كان قد استأجر له مصوّرَين مطلع الثمانينات، يصورانه كيفما تحرك، وجمع 500 ساعة مسجلة من حياته، قدّمت للمخرج البريطاني الذي اختار منها شريطاً أيقونياً، استعان فيه بصوت مارادونا نفسه كمعلق صوتي! ولن تنحرف البوصلة باتجاه أقل شأناً لو ابتعدنا قليلاً عن محمود درويش، بل على العكس، لأن أديب مرموق بحجم الراحل نجيب محفوظ قد نوّه مرات عدة بأنه لو لم يكن كاتباً، لكان لاعب كرة قدم. عالمياً، السماء تعجّ بنجوم أدب وفن استلهموا وتغزّلوا بكرة القدم وحكوا عن عمق دورها في رحلاتهم. أبرز هؤلاء كان الفيلسوف والروائي الفرنسي ألبير كامو الذي لعب الكرة وولف بينها وبين الأدب، وكتب: "بعد سنوات طويلة، أتاح لي فيها هذا العالم خوض تجارب عديدة، توصلتُ إلى قناعة مفادها -حسبما عشت- أن ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الرجال، مدين بكلّه لكرة القدم". في حين يصف الروائي التشيكي ميلان كونديرا لاعبي كرة القدم بطريقة لمّاعة وخاصة، إذ يقول: "لاعبو كرة القدم نفس جمال وتراجيديا الفراشات، فتلك تطير عالياً بمنتهى البهاء، من دون أن يتاح لها الاستمتاع أو الإعجاب بجمال طيرانها". ليس صاحب "خفة الكائن التي لا تحتمل" وحده من تشغفه كرة القدم، إنما تلك ليست سوى نماذج لعلاقة مبدعي الأدب بكرة القدم. في حين عقّب أدباء وكتّاب ومثقفون وفنانون وشعراء على المطرح الذي ألهمتهم فيه كرة القدم، وأفادتهم بشكل أو بآخر في نتاجهم الأدبي الذي صار مرجعياً في العالم. ومن هؤلاء: أمبرتو إيكو وباولو كويلو وخوسيه ساراماغو ويفتوشينكو ومعروف الرصافي وآخرون. أما في الحياة، فقد تجاوزت النتائج كل الصور الشعرية والمنطق الرومانسي الحالم، وتمكّنت "لعبة الفقراء" من إنجاز إذهال ينسب إلى أسطورة الكرة البرازيلي بيليه -بحسب مجلة "التايم" الأميركية والسيرة الذاتية للنجم الأسمر- عندما أحرز هدنة في حرب الانفصال النيجيرية سنة 1967 الدامية التي أرخت في ظروف إنسانية ساحقة ومجاعات عارمة. يومها، زار بيليه البلاد ولعب مع ناديه "سانتوس" ضد فرق محلية في البلد المنكوب. وفي القارة السمراء، وجّه ديدييه دروغبا، لاعب منتخب ساحل العاج وأسطورة نادي "تشلسي" لكرة القدم، نداءً إلى شعبه عقب تأهل بلاده إلى كأس العالم عام 2006 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. وفعلا، انتهت الحرب بعد ذلك النداء بستة أشهر. هي إذاً، أشرف الحروب بحسب شاعر الأرض الراحل، لكنّها وفقاً للقصص الحياتية الملهمة فإنها بريق السلام، ومساحة الخصب الأكيدة، والراية التي يجتمع حولها الجميع علّها تعلو كبارقة حلم تطوّق العنف وتبددّه.

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين
الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

الفنان يحيى الفخراني يعود لـ "الملك لير" في عامه الثمانين

للمرة الثالثة، تعود مسرحية "الملك لير" إلى خشبة المسرح في القاهرة، ببطولة الفنان الكبير يحيى الفخراني، في تجربة غير مسبوقة في تاريخ المسرح المصري، حيث تُعرض المسرحية للمرة الثالثة على التوالي بالبطل نفسه، ولكن بإخراج مختلف في كل مرة. فقد تعاقب على إخراج المسرحية ثلاثة مخرجين، هم: الدكتور أحمد عبدالحليم على المسرح القومي، ثم تامر كرم على خشبة المسرح الخاص، وأخيرًا شادي سرور في العودة الحالية على المسرح القومي. انطلقت العروض الجديدة من "الملك لير"، رائعة الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير، مساء الثلاثاء الماضي، بمشاركة نخبة من نجوم المسرح، من بينهم طارق دسوقي، حسن يوسف، أحمد عثمان، تامر الكاشف، أمل عبد الله، إيمان رجائي، ريم عبدالحليم، طارق شرف، محمد العزايزي، عادل خلف، ومحمد حسن. المسرحية من ترجمة فاطمة موسى، وإخراج شادي سرور، وتُعرض أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع. عبّر المخرج شادي سرور عن انبهاره بتجربة العمل مع يحيى الفخراني، قائلا: "أظن أنه حدث استثنائي في تاريخ المسرح العربي والعالمي، أن يقف فنان تجاوز الثمانين عامًا على الخشبة بحيوية ممثل شاب، فما إن يبدأ التنفيذ حتى يتحوّل إلى شخصية أخرى تمامًا. نقف جميعًا، أنا والفريق، مدهوشين من اندماجه وروعة أدائه". وأضاف سرور: "في مشاهد الحزن، يتحوّل إلى شيخ منكسر لا يقوى على حمل ألمه، وفي لحظات الفرح يغدو شابا يملأ الخشبة حيوية وصخبا وجمالا. هذا هو يحيى الفخراني في (الملك لير). العائلة والعرش تدور أحداث مسرحية "الملك لير" حول ملك مسنّ يقرر، بعد تقدمه في العمر، أن يُقسّم ملكه بين بناته الثلاث، بناءً على مدى تعبير كل واحدة منهن عن حبها له. لكن ابنته الصغرى، كورديليا، ترفض أن تجامل أو تنافق، وتصرّ على أن حبها له لا يحتاج إلى كلمات منمّقة، بل هو ببساطة حب ابنة لأبيها. يُغضب هذا الرد الأب الملك، فيقصيها ويحرمها من نصيبها. في المقابل، تُبالغ الشقيقتان الكبريان، غونريل وريغان، في التصريح بحبهما لأبيهما، مستغلّتين حاجته الدائمة إلى المديح والإعجاب، ما يجعله يمنحهما الملك. وبعد أن تضعا يديهما على السلطة، تنقلبان عليه، وتتآمران مع زوجيهما لطرده، فلا يجد ملاذًا إلا عند ابنته الصغرى كورديليا، التي أحبته بصدق ورفضت التزييف. لكن المصير لا يكون رحيمًا، إذ تُدان كورديليا وتحكم عليها السلطات بالموت، فيما يُنتزع بوحشية بصر الوزير غلوستر، ويُقهر الملك لير الذي ينتهي به الحال مكسورًا، حزينًا، يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط المأساة. ولا ينجو أحد، فحتى بناته ينلن في النهاية نفس العقاب المؤلم. المسرحية ليست مجرد قصة عائلية، بل مأساة إنسانية خالدة تتشابك فيها كل نوازع النفس البشرية: من الطمع والطموح، إلى الحب والكراهية، ومن الحسد والنفاق، إلى الجحود والخيانة وعقوق الأبناء. "الملك لير" برؤية عربية خلال المؤتمر الصحفي الخاص بمسرحية الملك لير، وردًا على سؤال حول الجديد الذي سيقدمه في العمل رغم تقديمه للمرة الثالثة، قال الفنان يحيى الفخراني في كلمة مقتضبة: "في كل مرة أقترب من (الملك لير) أكتشف شيئا جديدًا في النص، وسعادتي لا توصف بالعودة إلى المسرح القومي، هذا الصرح العريق الذي يحمل مكانة خاصة لدي، والوقوف على خشبته شرف ومسؤولية كبرى." في حديث خاص، أكد الدكتور أيمن الشيوي، مدير المسرح القومي وعميد كلية العلوم السينمائية والمسرحية بجامعة بدر، أن إعادة تقديم الملك لير ببطولة الفنان الكبير يحيى الفخراني يُعد حدثًا استثنائيًا يليق بتاريخ المسرح القومي، ويعكس رمزيته الثقافية. وتابع، هذا العرض يمثل فخرًا لكل أعضاء الفرقة والعاملين فيه، مشيرًا إلى أن المسرحية صُممت لتكون ذات طابع عربي خالص، وأنه حتى الآن وردت عروض من خمس دول عربية لاستضافة العرض خارج مصر. أما الفنان طارق الدسوقي، فأعرب في حديثه مع الجزيرة نت عن سعادته بالمشاركة في هذا العمل، واصفًا إياها بأنها محطة مهمة في مشواره الفني. وقال: "أشعر بالفخر للعودة إلى خشبة المسرح القومي والعمل إلى جانب الفنان الكبير يحيى الفخراني في عمل بهذه القيمة إنتاجا وأداء وإخراجا". وأضاف أن العمل تحت إشراف المخرج شادي سرور، ووسط نخبة من الفنانين، هو تجربة استثنائية، وأن الملك لير، كأحد النصوص المسرحية الخالدة، لا تزال تُعرض على مسارح العالم، متوقعًا أن يحصد العرض الجديد نجاحا كبيرا. الفخراني في السن الحقيقية للملك لير في حديث خاص لـ الجزيرة نت، تحدّث المخرج شادي سرور عن تجربته في إخراج الملك لير، وتحديدا عن تعاونه مع الفنان يحيى الفخراني، الذي يجسّد دور الملك الشهير وقد بلغ من العمر ما يُقارب سنّ الشخصية نفسها، في تماهٍ نادر بين النص والواقع. قال سرور: "لا أخفيك، كنت متهيبا من خوض هذه التجربة في البداية، أعلم جيدا من هو يحيى الفخراني وما يمثّله فنيًا، وكنت أتساءل: كيف سأواجه وحشا بهذا الحجم؟ لكن المفاجأة كانت في التواضع والانضباط. وجدت أمامي فنانًا في غاية الالتزام والمسؤولية، يستمع، يتفاعل، ويُنفّذ التوجيهات بحرفية واقتدار. ومنذ اللحظة التي تطأ قدمه خشبة المسرح، يتحول المشهد إلى حالة خاصة، ويقف الجميع منبهرين بأدائه الراقي." وأضاف سرور أن علاقته بنص الملك لير تعود إلى أيام دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث كان يشعر بشغف خاص تجاه هذا النص تحديدا. وفي إخراجه الحالي، حاول أن يقدّم رؤية مختلفة ترتكز على حقيقة المشاعر والشخصيات والأحداث، مؤكدًا أن هدفه كان نقل تلك الحقائق إلى المتفرج بصريا وليس فقط عبر الحوار. وأوضح قائلا: "في نسخ سابقة، كان الممثلون يتحدثون عن أحداث نسمع بها ولا نراها. ما فعلته هنا أنني جعلت الجمهور يرى خلفية الحدث، من خلال المزج بين الصورة والموسيقى والديكور والغرافيك، بحيث يشعر المشاهد أنه داخل قلب اللحظة المسرحية. الإبهار لا يأتي من المبالغة، بل من التوازن بين الشكل والمضمون، ومن خلق تأثير صادق في قلب المتفرج أكثر صدقا واقناعا يرى المخرج شادي سرور أن الفنان يحيى الفخراني يُقدّم في هذه النسخة من الملك لير أداءً أكثر صدقًا وعمقًا من أي مرة سابقة، مؤكدًا أن وصول الفخراني إلى سنّ الثمانين يمنحه تقاطعا حقيقيا مع الشخصية التي كتبها شكسبير. "لير"، كما صاغه النص، هو ملك مُتقدّم في العمر أرهقته السلطة، وسئم من أعباء الحكم، فاختار أن يوزع ملكه على بناته ويتفرّغ للراحة، قبل أن تبدأ مأساة الانهيار. في هذا السياق، يعتقد سرور أن سنّ الفخراني يمنحه مصداقية طبيعية، تجعل أداؤه أكثر إقناعًا، خاصة في المشاهد التي تتطلب مشاعر متناقضة من القوة والانكسار، مثل مشهد العاصفة الشهير. ورغم المتطلبات الحركية الصعبة في العرض، من وقوف وصراخ وتنقل بين المشاهد، فإن الفخراني – كما يؤكد سرور – يتعامل معها بطاقة مذهلة وانضباط احترافي، يجعله يتفوق على نفسه وعلى كل تجاربه السابقة مع النص ذاته. وعن الفرق بين أداء يحيى الفخراني في المسرح والسينما والتلفزيون، يؤكد شادي سرور أن الفخراني من القلائل الذين فهموا خصوصية كل وسيلة من وسائل التعبير الفني. فقد نجح في أن يوازن بين أدواته كممثل على الخشبة، حيث يكون الأداء أكثر فخامة وعلانية، وبين أدواته في السينما، حيث يلعب على التفاصيل الدقيقة والانفعالات الصامتة وتعابير الوجه، وصولا إلى التلفزيون، الذي يتطلب تواصلا مباشرا وحميما مع المشاهد. يقول سرور إن الفخراني يشبه في هذا الاتساع الفني النادر الفنان عادل إمام، فهما من القلائل الذين امتلكوا مهارة التأقلم والتكيّف مع طبيعة كل وسيط فني، مع الحفاظ على الهوية والروح والأثر. نص يغوص في النفس البشرية يؤكد المخرج شادي سرور أن تقديم الملك لير في العالم العربي لا يمكن أن ينفصل عن السياق الثقافي والاجتماعي المحلي، فالمسرحية تُعرض عالميًا، لكن لكل مجتمع طريقته في طرحها بما يعكس قضاياه الخاصة. في العالم العربي، حيث تحكمنا عواطف جياشة وموروثات وتقاليد عميقة، تم تقديم النص بروح تتلاءم مع مشاعر الجمهور، خاصة فيما يتعلق بالخيانة، والسلطة، والحب الأبوي، والانهيار النفسي. ويرى سرور أن تقديم المسرحية للمرة الثالثة ببطولة يحيى الفخراني ليس تكرارًا، بل هو قراءة جديدة تعبّر عن اللحظة الراهنة، وتعيد طرح أسئلة شكسبير الخالدة من داخل وجدان الإنسان العربي المعاصر

وفاة الممثلة العراقية إقبال نعيم.. وداع لصوت مسرحي نادر
وفاة الممثلة العراقية إقبال نعيم.. وداع لصوت مسرحي نادر

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

وفاة الممثلة العراقية إقبال نعيم.. وداع لصوت مسرحي نادر

توفيت الفنانة العراقية إقبال نعيم أحد أبرز الوجوه المسرحية في العراق عن عمر ناهز 67 عاما، وذلك بحسب ما أعلنته وزارة الثقافة العراقية ونقابة الفنانين العراقيين اليوم الأربعاء. وقد عبّرت المؤسسات الثقافية والفنية في العراق والعالم العربي عن حزنها لرحيلها، مشيدة بمسيرتها الطويلة في خدمة المسرح والفن. وقال وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني في بيان نعي رسمي إن الراحلة كانت "قامة فنية لها بصماتها في مسيرة الفن العراقي الرصين والهادف"، مؤكدا أن ما قدّمته من أعمال خالدة سيبقى حاضرا في ذاكرة المسرح العراقي. كما نعتها الهيئة العربية للمسرح ودائرة السينما والمسرح، إلى جانب عدد كبير من الفنانين العرب الذين عبّروا عن تعاطفهم من خلال منشورات ومداخلات على منصات التواصل الاجتماعي. وُلدت إقبال نعيم في العاصمة بغداد في يناير/كانون الثاني 1958، وهي شقيقة الفنانة والمخرجة المسرحية عواطف نعيم، تخرجت في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وبدأت مسيرتها الفنية مع فرقة المسرح الحديث وعدد من الفرق المسرحية المحلية، قبل أن تنضم إلى الفرقة القومية للتمثيل، حيث أثبتت مكانتها كأحد أبرز الممثلات العراقيات على خشبة المسرح. وعلى مدار حياتها الفنية قدّمت إقبال نعيم أكثر من مئة عمل مسرحي، من بينها مسرحية "الرهن" التي حازت عنها جائزة أفضل ممثلة من المركز العراقي للمسرح عام 1985، وكذلك مسرحية "ألف أمنية وأمنية" التي نالت فيها جائزة أفضل ممثلة في دور ثان عام 1987، كما أخرجت عددا من الأعمال المسرحية وأسهمت في تدريب أجيال جديدة من الفنانين. ورغم أن ظهورها السينمائي كان محدودا فإنها تركت بصمتها في أفلام مثل "حب في بغداد" (1987)، و"ستة على ستة" (1988)، بالإضافة إلى مشاركتها في الفيلم المصري العراقي "مطاوع وبهية". وفي عام 2010 حصلت على درجة الدكتوراه في الفنون المسرحية من جامعة بغداد لتجمع بين المجالين الفني والأكاديمي، وتواصل مساهمتها في الساحة الثقافية عبر التدريس والمشاركة في الندوات والمؤتمرات المسرحية. وقد أثار خبر وفاتها موجة حزن واسعة داخل الوسط الفني والثقافي، حيث نعتها شخصيات معروفة مثل المخرج جواد الأسدي، وكتّاب مسرحيون عرب، معتبرين رحيلها خسارة للمسرح العربي برمته. ووصفها البعض بأنها "صوت نقي ظل وفيا للمسرح رغم الظروف"، في حين قالت الهيئة العربية للمسرح إنها "واحدة من النماذج النسائية التي شكلت حضورا نوعيا في فن الخشبة العربي". وبرحيل إقبال نعيم يودع المسرح العراقي واحدة من رموزه النسائية الأصيلات ممن جسدن الفن باعتباره موقفا إنسانيا وجماليا، وكرسن حياتهن لحماية هوية المسرح في بلد عانى كثيرا من ويلات الحرب والتقلبات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store