
"فات الميعاد" دراما تحاكم العنف الأسري وتفكك أسبابه
يأتي مسلسل "فات الميعاد" ضمن سلسلة من الأعمال الاجتماعية التي تحاول رصد التحولات النفسية والثقافية في الأسرة المصرية المعاصرة، عبر تناول قضايا الزواج والعنف الأسري وما يحيط بها من ضغط مجتمعي.
حبكة تقليدية بروح جديدة
تدور أحداث المسلسل بالأساس حول بسمة (أسماء أبو اليزيد) الزوجة التي تحلم بالخروج من بيت العائلة وأن يكون لها مسكن خاص بعيد عن والدة زوجها (سلوى محمد علي)، والزوج مسعد (أحمد مجدي) أمين المخازن سريع الغضب وقليل الثقة بالنفس، الأمر الذي يجعله يعنف زوجته بالضرب والإهانة كلما فقد أعصابه على أتفه الأسباب.
مما يعقد علاقتهما الزوجية ويصل بهما إلى طريق مسدود أوّله خوف وآخره شجاعة، تطلب الزوجة على إثره الطلاق رغم تمسك الزوج بها وتكرار وعوده الزائفة بالإصلاح.
لا يقتصر العمل على قصة بسمة ومسعد فقط، فهناك أيضًا نماذج زوجية أخرى مثل شقيق بسمة وزوجته، وأشقاء مسعد وأزواجهم، بالإضافة إلى منتصر (أحمد صفوت) وسارة (ولاء الشريف) اللذين يواجهان معاناة مختلفة تتمثل في عدم القدرة على الإنجاب، فيقرران التبني، لكن حياتهما لا تسير كما كانا يأملان.
وجود نماذج مختلفة تماما عن بعضها شكلا وموضوعا، لكل منهم خط درامي واضح ومتماسك جعل المشاهد لا يشعر بالملل فيما يرى تلك النماذج المتباينة والثرية دراميا خاصة في ظل التصاعد الدرامي المشوق والسريع، والأهم اختلاف ردود أفعال الأبطال بين التيه والتشتت، والاستسلام، والوقوف بوجه الظلم وقول لا.
الرؤية الإخراجية والتكوين البصري
يحسب لصانعي المسلسل استعراض الأمر من الشق القضائي بشيء من التفصيل بين المحامي صاحب الضمير اليقظ وآخر يتلاعب بالقانون وثغراته بالكذب والتضليل، مع تسليط الضوء على كيف يمكن للمرأة الخروج من براثن زيجة تعسة عبر المحاكم والقضايا.
بجانب الحوار شديد الصدق والسيناريو المتميز الذي عرف أصحابه كيف يقدمون حبكة تقليدية بأسلوب طازج وجذاب، والإيقاع المتزن الذي كثف من حالة التوتر، تميز العمل بالأداء التمثيلي من غالبية طاقمه خاصة سلوى محمد علي التي أجادت تقديم شخصية الحماة المتسلطة وصعبة المراس دون انفعالات مبالغ فيها.
يليها أحمد مجدي الذي كشف بهذا العمل عن وجه جديد وثقيل من موهبته لم يكشف عنه من قبل وبرع خاصة في مشاهد الانهيار والغضب، عاكسا صورة الرجل المضطرب نفسيا والمتذبذب بين القسوة والندم، والذي يعاني من أزمة هوية ذكورية في مجتمع يعاقب الحساسية المفرطة، وهو ما نجح بترجمته إلى انفعالات داخلية مكبوتة أكثر من كونها ظاهرة.
بالإضافة إلى أسماء أبو اليزيد التي أظهرت تحولات الشخصية النفسية برشاقة وصدق، وجمع بينها وبين أحمد مجدي كيمياء واضحة للعيان نتجت عن تعاونهما المسبق بالمسلسل الكوميدي "الآنسة فرح".
أما أبرز نقاط النجاح الفني في العمل، فتجلّت في إخراج سعد هنداوي وتصوير زكي عارف، حيث أجادا توظيف الكاميرا في رواية القصة. وتميّز المسلسل بعناية خاصة بالديكور والإضاءة، اللذين انسجما بمهارة لخلق صورة معبّرة ومثالية، عكست الصراع الداخلي للشخصيات. كما برزت الكادرات المحكمة، بتكويناتها المتوازنة والبديعة، التي لم تُضف بعدًا فنيًا فحسب، بل عبّرت أيضًا عن أعماق الشخصيات وطبيعة العلاقات فيما بينها.
القوامة بين الدين والثقافة المجتمعية
لم يقتصر جذب الانتباه على الجمهور والنقاد فحسب وإنما امتد ليشمل أرباب الطب النفسي، من بينهم الدكتور محمود الوصيفي، أستاذ الطب النفسي، الذي علق على شخصية الأم التي تلعبها سلوى محمد علي مؤكدا كونها نموذجا متكررا خطير التأثير، فهي أشبه بالحية التي تدس السم في العسل، بكلامها المعسول الذي يظهر عكس ما يبطن.
كذلك وصف أمومتها بالمفرطة وأنها نموذج للشخصية التي تمارس التحكم النفسي غير المباشر، فهي وإن كانت لا تعطي أوامرها مباشرة لأولادها فإنها تعرف كيف تشعرهم بالذنب وتوجههم لما تريده منهم مستغلة قدرتها الخارقة على ابتزازهم عاطفيا.
ومن جهتها علقت أمل رضوان، أستاذة علم الاجتماع، على الفارق بين الدراما التي من شأنها أن تحارب العنف الأسري وأخرى تشجع عليه، موضحة أن الأعمال التي تقف بها المرأة لتقول لا وتدافع عن حقوقها دون انسحاق هي الأفضل، إذ من شأنها التأثير إيجابا بالمجتمع، خاصة وأنها تظهر الرجل كمعتدٍ ومتجبر ظالم مما يجعل المشاهدين ينفرون منه وتقرر النساء عدم الارتباط بمن يشبهه.
فيما أكدت أن قضايا العنف الأسري مستشرية وسببها الرئيسي الثقافة المجتمعية التي تورث الرجال قوامة مرادفة للتعدي على المرأة تارة باسم الدين وتارة باسم الإصلاح والتهذيب. أما عن أبطال العمل فأشارت إلى أن شخصية مسعد تحتاج تعلم كيفية إدارة الغضب من قبل متخصصين في حين تحتاج الأم الخروج من عباءة النرجسية التي خربت حياة أولادها عبر السيطرة عليهم بنعومة ولكن بحسم.
دراما ناضجة من رحم الواقع
"فات الميعاد" مسلسل درامي مصري من 30 حلقة، يعرض حاليا عبر منصة "واتش إت" وقناة "دي إم سي"، وهو نموذج أصيل للدراما الاجتماعية الناضجة التي تنبش في عمق العلاقات الأسرية ولا تكتفي بعرض الأزمة وإنما تسعى لتفكيكها وفهم جذورها وتقديم حلول عملية من قلب الواقع، وإن شاب العمل بعض النمطية في الطرح لكنه يظل مستحقا للمشاهدة والنقاش بما حققه من توازن بين الترفيه والتنوير.
العمل بطولة أسماء أبو اليزيد، أحمد مجدي، أحمد صفوت، سلوى محمد علي، محمد علي رزق، فدوى عابد، محمود البزاوي، حنان سليمان، ولاء الشريف وهاجر عفيفي. تأليف عاطف ناشد، إسلام أدهم، وناصر عبد الحميد، ومن إخراج سعد هنداوي.
يذكر أن أسماء أبو اليزيد يعرض لها حاليا مسلسل آخر هو "مملكة الحرير" الذي بدأ لتوه، وهو عمل يجمع بين الدراما والتشويق، يحكي عن 3 أشقاء يتصارعون على العرش وسط صراعات وخيانات والكثير من المعارك.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 38 دقائق
- الجزيرة
"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
الآن وبعد 45 عاما يكتب فتحي إمبابي كلمة الختام في روايته "خماسية النهر"، رواية كان "النيل" فيها هو البطل، وكل ما يجري على ضفتيه من حجر وبشر وحضارات هي كلها من صنعه وخلقه. رحلة صعبة وطويلة لم يكن النيل فيها هادئا مثل "نهر الدون"، ولم يكن غاضبا مثل نهر المسيسيبي، بل كان عازفا لحن الحياة، صانعا الحضارات على مدى آلاف السنين. تلك هي "سيرة النهر" التي سطرها من خلال خماسية: "نهر السماء"، "عتبات الجنة"، "رقص الإبل"، "عشق"، و"منازل الروح" في جزأين: "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن"، هي قصة أفريقيا الجنة، والإنسان المطارد بين فكي النهب والسلب والاستبداد. وعن بداية الكتابة يقول فتحي إمبابي: |لم تكن الكتابة مقصدي، ولا خططت لأن أكون كاتبا، ولكنها اللعنة والغواية، لعنة أن تكون عربيا في زمن مستبد لا تعرف فيه الصديق من الغريب، ولا الشقيق من العدو، ولعنة أن تكون مشرقيا في وجه مستعمر غاشم، لا تكفيه أرضك وتاريخك، ولا يلهيه عرضك وجسدك، ولا يقنعه إلا مص دمائك ومحو ذاكرتك، وغواية أن تتبعه، ولا تصدق أن السكين التي في يده ليست لفك قيدك، بل لقطع رقبتك. وما بين مستبد ومستعمر عشت مكمم الفم، عاجزا عن دفع سكين القصاب، عشت الأوهام بكل جبروتها، وتجرعت المرارات كلها، لأجد نفسي في النهاية كاتبا رغما عن أنفي، ووجدت في حنو القلم وصدقه ما لم أجده في صحبة الرفاق والأصدقاء. جلست أكتب مسودات عن عالم يفتقد الرشاد ويسوده الظلم، ورسمت على الورق أحلاما مستحيلة في عالم محكوم عليه بالاعتقال والموت، لعل يوما يأتي وتجد أحلامي أرضا سعيدة.| والروائي فتحي إمبابي (1949) مهندس إنشاء أنفاق ساهم بشكل فعال في إنشاء شبكة أنفاق القاهرة الكبرى، لكن أصابته الغواية، ووقع في شرك الكتابة، التقيناه في بيته بالقاهرة، وبعد أكثر من نصف قرن من كتابة عشرات الروايات والقصص القصيرة والكتب الفكرية و"خماسية النهر" سألناه: إعلان ما شغلني منذ اللحظة الأولى هو سؤال الهوية والمصير، شغلتني هجرة المصريين إلى النفط في ليبيا ودول الخليج، فكانت روايات "مراعي القتل"، و"أقنعة الصحراء"، و"شرف الله". ورأيت رفاق الحركة الطلابية من جيل السبعينيات وهم يتساقطون ويموتون كمدا وقهرا في عمر الزهور، فكتبت عن أروى صالح وسهام صبري والروافد الاجتماعية لجيل السبعينيات. سؤال الهوية "خماسية النهر" رواية امتدت بطول نهر النيل، من القاهرة إلى الخرطوم إلى أوغندا ، فمنابع النيل العليا، متى بدأت كتابتها؟ وهل خططت لها منذ البداية، أم أنها جاءت عفو الخاطر؟ قد لا تصدقني إن قلت إنها هي التي كتبتني، عندما بدأت كتابة رواية "نهر السماء" لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أنني سأكتب جزءا ثانيا للرواية، كان سؤال الهوية هو الذي دفعني أولا إلى القراءة، ثم إلى الكتابة رغما عن أنفي، كانت مرارة الهزيمة في عام 1967 أمرا صعبا للغاية، لجيل نشأ وترعرع على حب وطنه وعلى آمال قومية وأحلام وطنية عريضة. في تلك السن الحرجة كنت أنا ورفاقي في الجامعة يشغلنا سؤال: لماذا هزمنا؟ ثم جاءت التحولات التي ألمت بالشخصية المصرية وما حدث بعد حرب 1973: الانتقال من الشرق إلى الغرب، وانتشار روح التعصب الديني، كل هذا كان يدهشني ويشغلني ويعصف بعقلي بعنف. ومن هنا بدأت الحكاية.. حكاية "خماسية النهر" وفاتحتها رواية "نهر السماء"، ولأجل التجهيز لهذه الرواية كتبت ملازم ضخمة جدا وأنا أغوص في التاريخ، بدءا من القرن الـ18 حتى مطلع القرن الـ20 مرورا بالثلاثينيات وحتى مرحلة الستينيات. مأساة حكم العبيد ومن هذه النقطة بالذات بدأت أعي أنني أقف على سر ما جرى، وأثر بعنف على المنطقة، وهي القرون الستة التي سبقت الحملة الفرنسية على مصر ، وتحديدا فترة الحكم المملوكي، بداية من سنة 1275 ميلادية، حيث بدأت أكتب عن الحياة المصرية تحت حكم المماليك. وكان السؤال الذي أرقني كثيرا: من هم المماليك؟ وبالبحث، اكتشفت أنهم عبيد حكمونا لمدة 6 قرون، وكانت صدمة مرعبة، عبيد جاؤوا من أواسط آسيا ومن شرق أوروبا ومن الحبشة، وأغلبهم كانوا يدينون بديانات أخرى أو بلا دين أساسا ولا لهجة ولا ثقافة، ولا علاقة لهم بالإسلام أو العرب، ومع ذلك حكموا مصر 600 عام، هذا اكتشفته وأنا ابن الفترة الناصرية التي كانت تتحدث بثقة عن أن "الشعب هو المعلم"، فكان ذلك بمثابة مطرقة ثقيلة هوت على تفكيري. ثم كانت الصدمة الثانية: أن حكم العبيد لمصر -والذي استمر 600 عام- استمر كل هذه الفترة بمساندة رجال الدين، نحن إزاء قضية من أخطر ما واجهت مصر طوال تاريخها، وهي أنه لولا مساندة رجال الدين لما قام حكم المماليك ولا استمر. وعلى جانبي التاريخ والجغرافيا اكتشفت عاملا آخر كان هو سبب الحضارة والتمدن وهو النيل، النيل صانع الحضارة والتاريخ ومهندس الجغرافيا. والمصريون والسودانيون والأفارقة على ضفتيه مثل النمل الذي يكد ويعمل بلا كلل، وبشغف في كل الظروف الصعبة، وتحت مقصلة الطاعون الذي يتكرر كل 5 سنوات، ثم يأتي الطوفان ليدمر كل شيء في طريقه من أجل خلق جديد أو إعادة خلق الشعب المصري، ومن هنا كانت البداية، وكان الاكتشاف الذاتي الذي انطلقت منه لأكتب "خماسية النهر". ماذا حدث بعد "نهر السماء"؟ وكيف صارت بك الأحوال والمقادير لتكتب جزءا ثانيا للرواية، ثم لتكتب خماسية أو ملحمة للنهر من 6 كتب تقترب صفحاتها من ألفي صفحة؟ الموضوع لم أخطط له، وكما قلت لم يكن في بالي أن أكتب جزءا ثانيا لـ"نهر السماء"، ولكن لأني مفتون بقراءة وشراء الكتب التاريخية بشكل خاص وقع في يدي كتاب بعنوان "المديرية الاستوائية" لمؤلفه الدكتور جميل عبيد، ويتناول الكتاب موضوع الوجود المصري في الجمهورية الاستوائية (دولة جنوب السودان حاليا)، وهنا بدأت أكتب رواية "عتبات الجنة"، وحتى هذه اللحظة لم يخطر ببالي أن أكتب جزءا ثانيا لرواية "نهر السماء". بدأت أكتب عن قصة الأورطة المصرية (الكتيبة) التي شاركت في الثورة العرابية إلى جانب أحمد عرابي، وبعد أن احتل الإنجليز مصر وفشلت الثورة تم نفيهم إلى المنطقة الاستوائية، كانوا 12 ضابطا برفقة أسرهم، بدأت أفتش عن قصة هؤلاء الضباط: ما هو مصيرهم؟ أين ذهبوا؟ وأين قتلوا؟ ولم يرجع منهم إلى مصر سوى ضابط واحد فقط. رواية "عتبات الجنة" تدور أحداثها عقب الثورة العرابية واحتلال بريطانيا مصر، الرواية صراع بين الجغرافيا والزمن، وتنتهي ببلوغ هؤلاء الضباط أو هذه الأورطة البحيرات العظمى ولقائهم بملك أوغندا الذي يعترف بالسيادة المصرية على مناطق أعالي النيل. وتم ذلك في مدينة لادو التي كانت عاصمة جمهورية جنوب السودان أو عاصمة المديرية الاستوائية المصرية كما كان يطلق عليها، وكان الوجود المصري هناك وجودا حضاريا عمر الأرض ونشر التعليم وحارب تجارة العبيد. لما كتبت "عتبات الجنة" بدأت تتشكل ما يمكن تسميتها بالثلاثية، ومع وجود الضباط الـ12 كان لكل ضابط منهم قصة، هذه الحكايات هي ما نكملها في الجزء الثالث الذي خططت له وهو "منازل الروح"، حيث أختم الثلاثية بهذا الجزء، ولكن يحدث ما لم أتوقعه أنا ولا يمكن لأحد أن يتوقعه. دعتني صديقة سودانية لزيارة السودان، وهناك عشت وسط السودانيين، وخلال فترة إقامتي مع الإخوة السودانيين رأيت شعبا لا تملك إلا أن تعشقه، إجادتهم للغة العربية ونطقهم بالعربية الفصحى شيء يذهلك، وعلاقتهم بالثقافة العربية عالية جدا، علاقتهم بالشعر مخيفة، شعراء من طراز رفيع، لكن هذا غير ظاهر، ويتميزون بتنوع سياسي وثقافي عال وبطلاقة وفهم عميق لروح الثقافة العربية. ومن خلال معايشتي للسودانيين في تلك الفترة غيرت بوصلة الرواية عندي وأجّلت كتابة "منازل الروح"، وبدأت أكتب عن الحرب بين المهدية والجيش المصري وطبيعة الثورة المهدية، وأشير في هذه الرواية إلى أن هناك شخصين فقط هما من شكّلا السودان الحديث، وهما محمد علي باشا والمهدي. استطعت في رواية "رقص الإبل" أن أروي حكاية "المرحال"، وهذا شيء عظيم في تاريخ السودان، ومع ذلك لم يتعرض له الكتاب السودانيون. "المرحال" هو رحلة الشتاء والصيف، حيث تقوم قبائل السودان برحلتها ما بين الخريف والصيف والحركة وراء المطر، تبدأ الرحلة من الأبيض ووسط كردفان حتى بحر العرب، وتصل إلى بحر الغزال على النيل الأبيض، وتمتد حتى البحيرات العظمى. يأتي "المرحال" من وسط كردفان ويسير مسافة طويلة وسط غابات السافانا، وهناك مئات الآلاف من الأبقار والأغنام. هي رحلة رعي عظيمة يتوزع فيها الرعاة إلى نوعين: رعاة الإبل ويسمون "الأبالة" ورعاة البقر ويسمون "البقارة"، وهناك منطقتان أعشقهما: أرض النهود، وبحيرة الرهد. وأسأل الإخوة السودانيين مع كامل الاحترام لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" وللمبدع الطيب صالح، أقول لهم: السودان في حد ذاته هو عشرات الروايات الكبرى التي يمكن أن تقف جنبا إلى جنب مع روايات مثل "الحرب والسلام" لتولستوي، و"لمن تقرع الأجراس؟" لهيمنغواي، و"عوليس" لجيمس جويس، و"الصخب والعنف" لوليام فوكنر. كيف يكون عندكم هذا "المرحال" الذي يقام سنويا منذ مئات السنين وتتحرك فيه عشرات القبائل من "البقارة" و"الأبالة" وأهل الحمير، يقطعونه ذهابا وإيابا، ويضم حكايات من العشق والحب والحرب والقتل والكره والصراع والكفاح والكد والجد، ويحملون معهم العنقريب، ويقيمون المخيمات في رحلتهم، وتنسج الملاحم التي لا تنتهي، ثم تتركون كل هذا لتكتبوا عن امرأة بيضاء؟! ثم بدأت الحرب من الخرطوم إلى الأبيض، حيث قام المهدي بحرق القرى الواقعة في طريق الجيش المصري، ومنع عنهم الماء، وجهز خطة لهزيمة الجنود المصريين بقيادة القائد الإنجليزي. تتخلل الرواية أحداث كثيرة في سياق صراع الجيش المصري مع الحركة المهدية، وتمكن المهدي في النهاية من إبادة 13 ألف جندي وقتل معهم القائد البريطاني. الجزء الأخير من الخماسية يبدأ بدخول المهدي الخرطوم في أول يناير 1885، وقتله للقائد البريطاني تشارلز غوردون الذي أرسلته الملكة. ومن قبله تم قتل القائد هيكس. ويقال إن المهدي غضب من قتل غوردون، لأنه كان يريد مقايضته بالزعيم أحمد عرابي، وبقي الحال على ما هو عليه: شمال ووسط السودان تحت حكم المهدي، والجيش المصري في الجنوب، مع انقطاع خطوط الاتصال بينه وبين مصر. "منازل الروح" بجزأيها "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن" هي سرد لما تبقى من فلول الجيش المصري المهزوم، فبعد إعادة بقايا الجيش إلى الخدمة وقتل القائد الإنجليزي غوردون انقطعت العلاقة تماما بين الجيش في الجنوب والحكومة في مصر، استقال شريف باشا وجاء نوبار باشا، وأرسل رسالة إلى الجيش تقول "أنتم أحرار، من يأتي يأتي، ومن يريد البقاء فليبق، ولا علاقة لكم بالسلطة في مصر"، وبجرة قلم ألقوا ببقايا الجيش في العراء. الواقع أشد سوداوية من الخيال كتبت عن المصريين في المهجر وعن غزو العراق وعن الشام والخليج العربي، ولم يكن لقضية فلسطين أثر واضح في كتاباتك وأنت المهموم بعروبتك؟ كنت أجهز للسفر إلى فلسطين، وكان لدي مشروع أعد له منذ فترة، عن الحروب الأربع: 1948، 1956، 1967، 1973، وهذا المشروع لن يكون بعيدا عن فلسطين وما جرى في مدنها من ظلم وعنصرية بغيضة. انتهيت من كل قصصي المفتوحة، ووضعت على الجرح النازف ملحا، ورسمت خطتي المستقبلية للسفر إلى الضفة وغزة لأكتب قصة فلسطين، فأنا لا أؤمن إلا بالكتابة من خلال المعايشة. لكن تفاجئني أحداث 7 أكتوبر وتقطع علي الطريق، ولم أدر ماذا أفعل، جلست أشاهد مجزرة على الهواء بكل لغات العالم، لم يترك الصهاينة حرمة لطفل أو لامرأة أو لجريح في مستشفى، بل لم يتركوا كرامة لحجر أو شجر أو رصيف لشارع، كانوا بحق "أعداء الحياة". وما أذهلني هو صمت العالم عما يجري، ويكاد الخذلان العربي أن يذهب بعقلي، أتساءل: كيف ينام العرب؟! كيف يأكلون؟! كيف تحلو لهم الحياة في ظل مذبحة موثقة تبث على الهواء ترتكب بحق أشقائهم؟! والآن، أنا لا أقدر على الكتابة ولا أستطيع أن أفعل شيئا وأنا أشاهد مذابح الفلسطينيين على الهواء مباشرة والعالم صامت لا يتحرك، في مشهد يفوق الخيال بؤسا وسوداوية.


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
أوبزرفر: لماذا سحبت "بي بي سي" فيلما عن قصف الأطقم الطبية بغزة؟
كشف منتجا فيلم وثائقي أعدته شبكة "بي بي سي" البريطانية -يتناول استهداف الجيش الإسرائيلي الأطقم الطبية والمستشفيات في قطاع غزة – عن أن إدارة القناة سحبت الفيلم قبيل موعد بثه بعد سلسلة من التأجيلات، لأسباب وصفوها بأنها سياسية وليست تحريرية. وكان الفيلم الذي حمل عنوان "غزة.. أطباء تحت القصف"، والذي أخرجه كريم شاه وأعدّته الصحفية الاستقصائية الحائزة جوائز راميتا نافاي وزميلها بن دي بير، ثمرة تحقيق استمر عاما كاملا، ووثق شهادات مؤلمة لأطباء ومسعفين فقدوا زملاءهم وأفرادا من عائلاتهم في القصف الإسرائيلي. وأوضح معدا الفيلم -في مقال لهما بصحيفة أوبزرفر البريطانية- أن العمل نال موافقة المحامين والمحررين في "بي بي سي"، وحاز ثناء كبار المسؤولين التحريريين، بيد أن عرضه أجل لعدة مرات قبل أن يسحب نهائيا في مايو/أيار الماضي، قبل أيام من بثه. ووفقا للمنتجين، فإن إدارة "بي بي سي" طرحت فكرة تقليص دور راميتا نافاي من "مراسلة" إلى "مساهمة خارجية"، بذريعة أن تغريداتها على موقع إكس (تويتر سابقا) اعتُبرت "منحازة" للفلسطينيين، رغم كونها إعادة تغريد لمصادر حقوقية توثق الانتهاكات. واعتبر المنتجان أن المؤسسة الإعلامية البريطانية العريقة رضخت لضغوط وخشيت من تكرار ما حدث مع فيلم وثائقي سابق عن غزة بعنوان "كيف تنجو في منطقة حرب"، سُحب من منصاتها بعد الجدل الذي أثاره بسبب كون الراوي "وهو طفل عمره 14 عاما ابنا لوزير في حركة حماس". وأشارا في مقالهما إلى أن إدارة "بي بي سي" بررت التأجيل بأن الفيلم الجديد يحتاج لمراجعة من مستويات عليا داخل المؤسسة، واعتبرت أن هناك حساسية سياسية كبيرة بشأن تغطية الحرب على غزة، خاصة في ظل الانتقادات التي وُجهت لتغطية القناة والتي اتُهمت بأنها تمنح "تكافؤا زائفا" بين ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ، والرد الإسرائيلي الذي خلف عشرات آلاف القتلى الفلسطينيين. كما كشفا أن بعض الاجتماعات التحريرية كانت تدار بروح من الرقابة الذاتية، حيث أُثيرت أسماء نشطاء مؤيدين لإسرائيل، وقيل إن بعض المعلومات في الفيلم قد تُرفض إذا اعتُبرت غير مقبولة من منظمات ضغط إعلامي مؤيدة لإسرائيل. وتابعا أنه في أحد الاجتماعات، قال أحد كبار صحفيي "بي بي سي" إنه يجب حذف بعض المعلومات لأنها لن تُرضي منظمة كاميرا، وهي هيئة رقابة إعلامية مؤيدة لإسرائيل. ورغم محاولة القناة لاحقا بث مقتطفات قصيرة من الفيلم، فإن شرطا قانونيا أُدرج في العقد ينص على منع منتجي الفيلم أو أي طرف يشتريه من "الإساءة لبي بي سي" أو الإيحاء بأنه فيلم معتمد من المؤسسة، وهو ما أدى إلى رفض التوقيع على العقد. وفي نهاية المطاف، بثت قناة "شانل 4" البريطانية الفيلم كاملا، ونال إشادة واسعة من النقاد والمتابعين، بينما تواصلت ردود الفعل داخل "بي بي سي" وخارجها، حيث أبدى عديد من الصحفيين تعاطفهم مع فريق العمل، وأكدوا أنهم "في الجانب الصحيح من التاريخ". لكن راميتا نافاي ودي بير اختتما شهادتهما بالقول: "نحن لا نريد أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ، بل في الجانب الصحيح من الزمن الحاضر".


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
فيديو نادر أطلق واحدة من أشهر ألعاب العالم.. القصة الحقيقية لـ"برنس أوف بيرشيا"
قلّة من الألعاب تمتع بالشعبية التي وصلت إليها لعبة "برنس أوف بيرشيا" -أي أمير بلاد فارس- إذ تمكنت اللعبة من بيع مليوني نسخة رغم صدورها في عام 1989، ومع أن اللعبة كانت تعتمد على مستوى رسومي وأسلوب لعب مبسط، فإن القصة وراءها أعمق مما تبدو. إذ أوضح جوردان ميكنر في كتابه "صناعة أمير بلاد فارس: يوميات 1985-1993" أنه اعتمد على تسجيل مقاطع فيديو لشقيقه ديفيد وهو يقوم بالحركات البهلوانية والقفزات المختلفة التي تظهر في اللعبة، ومن أجل الحفاظ على مصداقية المقاطع، ارتدى ديفيد ملابس تشبه ملابس بطل اللعبة طوال فترة التسجيل. وأشار ميكنر في كتابه إلى أنه اعتمد على تقنية تدعى "روتوسكوبينغ" (Rotoscoping) في تطوير مشاهد الحركة باللعبة، وهي تقنية عتيقة يعود استخدامها إلى عام 1915 عندما قام رسام الرسوم المتحركة ماكس فلايشر لأول مرة في سلسلة عصر الأفلام الصامتة من أجل توليد صور متحركة أقرب إلى الواقعية، ولكن لم تنتشر التقنية حتى عام 1937 عندما استخدمت في فيلم ديزني الشهير "بياض الثلج والأقزام السبعة". وتعتمد هذه التقنية على تتبع مشاهد ملتقطة حقيقية ونقلها في أوراق الرسومات من أجل تطبيقها على الرسوم المتحركة وتحريكها على مجموعة من المشاهد المتحركة للشخصيات التي تظهر في اللعبة أو الفيلم، وهي تعد من العمليات التي تستغرق وقتا طويلا في التحريك ولكن نتائجها تعد أفضل من غيرها. وحتى يتمكن ميكنر من القيام بذلك، كان يحتاج إلى تشغيل شريط الفيديو بعد تسجيل شقيقه، ثم يقوم بالتقاط مجموعة من الصور لكل ثانية من شريط الفيديو، بعد ذلك تتم معالجة هذه الصور ويعود بها للمنزل ليقوم برسمها يدويا قبل إرسالها إلى الأستوديو لوضعها في اللعبة. ورغم أن جزءا من هذه العملية كان يتم رقميا بحلول عام 1985، فقد كانت تستغرق وقتا طويلا وذلك بفضل رغبة ميكنر في تقديم تجربة ألعاب تحاكي التجربة التي قدمها سابقا في أولى ألعابه "كاراتيكا" (Karateka) التي كان والده هو نموذج الشخصية بداخلها. ويذكر ميكنر في كتابه أن شقيقه ليس الوحيد الذي كان نموذجا في لعبة "برنس أوف بيرشيا"، بل امتد الأمر إلى تينا ابنة زميله بيتر لا دو التي كانت ترتدي فستان حفلة التخرج الخاصة بها وكانت تعانق المنتج برايان إهيلر لالتقاط مشهد النهاية في اللعبة حين يصل الأمير إلى الأميرة.