logo
"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد

"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد

الجزيرةمنذ 6 ساعات
الآن وبعد 45 عاما يكتب فتحي إمبابي كلمة الختام في روايته "خماسية النهر"، رواية كان "النيل" فيها هو البطل، وكل ما يجري على ضفتيه من حجر وبشر وحضارات هي كلها من صنعه وخلقه.
رحلة صعبة وطويلة لم يكن النيل فيها هادئا مثل "نهر الدون"، ولم يكن غاضبا مثل نهر المسيسيبي، بل كان عازفا لحن الحياة، صانعا الحضارات على مدى آلاف السنين.
تلك هي "سيرة النهر" التي سطرها من خلال خماسية: "نهر السماء"، "عتبات الجنة"، "رقص الإبل"، "عشق"، و"منازل الروح" في جزأين: "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن"، هي قصة أفريقيا الجنة، والإنسان المطارد بين فكي النهب والسلب والاستبداد.
وعن بداية الكتابة يقول فتحي إمبابي:
|لم تكن الكتابة مقصدي، ولا خططت لأن أكون كاتبا، ولكنها اللعنة والغواية، لعنة أن تكون عربيا في زمن مستبد لا تعرف فيه الصديق من الغريب، ولا الشقيق من العدو، ولعنة أن تكون مشرقيا في وجه مستعمر غاشم، لا تكفيه أرضك وتاريخك، ولا يلهيه عرضك وجسدك، ولا يقنعه إلا مص دمائك ومحو ذاكرتك، وغواية أن تتبعه، ولا تصدق أن السكين التي في يده ليست لفك قيدك، بل لقطع رقبتك.
وما بين مستبد ومستعمر عشت مكمم الفم، عاجزا عن دفع سكين القصاب، عشت الأوهام بكل جبروتها، وتجرعت المرارات كلها، لأجد نفسي في النهاية كاتبا رغما عن أنفي، ووجدت في حنو القلم وصدقه ما لم أجده في صحبة الرفاق والأصدقاء.
جلست أكتب مسودات عن عالم يفتقد الرشاد ويسوده الظلم، ورسمت على الورق أحلاما مستحيلة في عالم محكوم عليه بالاعتقال والموت، لعل يوما يأتي وتجد أحلامي أرضا سعيدة.|
والروائي فتحي إمبابي (1949) مهندس إنشاء أنفاق ساهم بشكل فعال في إنشاء شبكة أنفاق القاهرة الكبرى، لكن أصابته الغواية، ووقع في شرك الكتابة، التقيناه في بيته بالقاهرة، وبعد أكثر من نصف قرن من كتابة عشرات الروايات والقصص القصيرة والكتب الفكرية و"خماسية النهر" سألناه:
إعلان
ما شغلني منذ اللحظة الأولى هو سؤال الهوية والمصير، شغلتني هجرة المصريين إلى النفط في ليبيا ودول الخليج، فكانت روايات "مراعي القتل"، و"أقنعة الصحراء"، و"شرف الله".
ورأيت رفاق الحركة الطلابية من جيل السبعينيات وهم يتساقطون ويموتون كمدا وقهرا في عمر الزهور، فكتبت عن أروى صالح وسهام صبري والروافد الاجتماعية لجيل السبعينيات.
سؤال الهوية
"خماسية النهر" رواية امتدت بطول نهر النيل، من القاهرة إلى الخرطوم إلى أوغندا ، فمنابع النيل العليا، متى بدأت كتابتها؟ وهل خططت لها منذ البداية، أم أنها جاءت عفو الخاطر؟
قد لا تصدقني إن قلت إنها هي التي كتبتني، عندما بدأت كتابة رواية "نهر السماء" لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أنني سأكتب جزءا ثانيا للرواية، كان سؤال الهوية هو الذي دفعني أولا إلى القراءة، ثم إلى الكتابة رغما عن أنفي، كانت مرارة الهزيمة في عام 1967 أمرا صعبا للغاية، لجيل نشأ وترعرع على حب وطنه وعلى آمال قومية وأحلام وطنية عريضة.
في تلك السن الحرجة كنت أنا ورفاقي في الجامعة يشغلنا سؤال: لماذا هزمنا؟ ثم جاءت التحولات التي ألمت بالشخصية المصرية وما حدث بعد حرب 1973: الانتقال من الشرق إلى الغرب، وانتشار روح التعصب الديني، كل هذا كان يدهشني ويشغلني ويعصف بعقلي بعنف.
ومن هنا بدأت الحكاية.. حكاية "خماسية النهر" وفاتحتها رواية "نهر السماء"، ولأجل التجهيز لهذه الرواية كتبت ملازم ضخمة جدا وأنا أغوص في التاريخ، بدءا من القرن الـ18 حتى مطلع القرن الـ20 مرورا بالثلاثينيات وحتى مرحلة الستينيات.
مأساة حكم العبيد
ومن هذه النقطة بالذات بدأت أعي أنني أقف على سر ما جرى، وأثر بعنف على المنطقة، وهي القرون الستة التي سبقت الحملة الفرنسية على مصر ، وتحديدا فترة الحكم المملوكي، بداية من سنة 1275 ميلادية، حيث بدأت أكتب عن الحياة المصرية تحت حكم المماليك.
وكان السؤال الذي أرقني كثيرا: من هم المماليك؟ وبالبحث، اكتشفت أنهم عبيد حكمونا لمدة 6 قرون، وكانت صدمة مرعبة، عبيد جاؤوا من أواسط آسيا ومن شرق أوروبا ومن الحبشة، وأغلبهم كانوا يدينون بديانات أخرى أو بلا دين أساسا ولا لهجة ولا ثقافة، ولا علاقة لهم بالإسلام أو العرب، ومع ذلك حكموا مصر 600 عام، هذا اكتشفته وأنا ابن الفترة الناصرية التي كانت تتحدث بثقة عن أن "الشعب هو المعلم"، فكان ذلك بمثابة مطرقة ثقيلة هوت على تفكيري.
ثم كانت الصدمة الثانية: أن حكم العبيد لمصر -والذي استمر 600 عام- استمر كل هذه الفترة بمساندة رجال الدين، نحن إزاء قضية من أخطر ما واجهت مصر طوال تاريخها، وهي أنه لولا مساندة رجال الدين لما قام حكم المماليك ولا استمر.
وعلى جانبي التاريخ والجغرافيا اكتشفت عاملا آخر كان هو سبب الحضارة والتمدن وهو النيل، النيل صانع الحضارة والتاريخ ومهندس الجغرافيا.
والمصريون والسودانيون والأفارقة على ضفتيه مثل النمل الذي يكد ويعمل بلا كلل، وبشغف في كل الظروف الصعبة، وتحت مقصلة الطاعون الذي يتكرر كل 5 سنوات، ثم يأتي الطوفان ليدمر كل شيء في طريقه من أجل خلق جديد أو إعادة خلق الشعب المصري، ومن هنا كانت البداية، وكان الاكتشاف الذاتي الذي انطلقت منه لأكتب "خماسية النهر".
ماذا حدث بعد "نهر السماء"؟ وكيف صارت بك الأحوال والمقادير لتكتب جزءا ثانيا للرواية، ثم لتكتب خماسية أو ملحمة للنهر من 6 كتب تقترب صفحاتها من ألفي صفحة؟
الموضوع لم أخطط له، وكما قلت لم يكن في بالي أن أكتب جزءا ثانيا لـ"نهر السماء"، ولكن لأني مفتون بقراءة وشراء الكتب التاريخية بشكل خاص وقع في يدي كتاب بعنوان "المديرية الاستوائية" لمؤلفه الدكتور جميل عبيد، ويتناول الكتاب موضوع الوجود المصري في الجمهورية الاستوائية (دولة جنوب السودان حاليا)، وهنا بدأت أكتب رواية "عتبات الجنة"، وحتى هذه اللحظة لم يخطر ببالي أن أكتب جزءا ثانيا لرواية "نهر السماء".
بدأت أكتب عن قصة الأورطة المصرية (الكتيبة) التي شاركت في الثورة العرابية إلى جانب أحمد عرابي، وبعد أن احتل الإنجليز مصر وفشلت الثورة تم نفيهم إلى المنطقة الاستوائية، كانوا 12 ضابطا برفقة أسرهم، بدأت أفتش عن قصة هؤلاء الضباط: ما هو مصيرهم؟ أين ذهبوا؟ وأين قتلوا؟ ولم يرجع منهم إلى مصر سوى ضابط واحد فقط.
رواية "عتبات الجنة" تدور أحداثها عقب الثورة العرابية واحتلال بريطانيا مصر، الرواية صراع بين الجغرافيا والزمن، وتنتهي ببلوغ هؤلاء الضباط أو هذه الأورطة البحيرات العظمى ولقائهم بملك أوغندا الذي يعترف بالسيادة المصرية على مناطق أعالي النيل.
وتم ذلك في مدينة لادو التي كانت عاصمة جمهورية جنوب السودان أو عاصمة المديرية الاستوائية المصرية كما كان يطلق عليها، وكان الوجود المصري هناك وجودا حضاريا عمر الأرض ونشر التعليم وحارب تجارة العبيد.
لما كتبت "عتبات الجنة" بدأت تتشكل ما يمكن تسميتها بالثلاثية، ومع وجود الضباط الـ12 كان لكل ضابط منهم قصة، هذه الحكايات هي ما نكملها في الجزء الثالث الذي خططت له وهو "منازل الروح"، حيث أختم الثلاثية بهذا الجزء، ولكن يحدث ما لم أتوقعه أنا ولا يمكن لأحد أن يتوقعه.
دعتني صديقة سودانية لزيارة السودان، وهناك عشت وسط السودانيين، وخلال فترة إقامتي مع الإخوة السودانيين رأيت شعبا لا تملك إلا أن تعشقه، إجادتهم للغة العربية ونطقهم بالعربية الفصحى شيء يذهلك، وعلاقتهم بالثقافة العربية عالية جدا، علاقتهم بالشعر مخيفة، شعراء من طراز رفيع، لكن هذا غير ظاهر، ويتميزون بتنوع سياسي وثقافي عال وبطلاقة وفهم عميق لروح الثقافة العربية.
ومن خلال معايشتي للسودانيين في تلك الفترة غيرت بوصلة الرواية عندي وأجّلت كتابة "منازل الروح"، وبدأت أكتب عن الحرب بين المهدية والجيش المصري وطبيعة الثورة المهدية، وأشير في هذه الرواية إلى أن هناك شخصين فقط هما من شكّلا السودان الحديث، وهما محمد علي باشا والمهدي.
استطعت في رواية "رقص الإبل" أن أروي حكاية "المرحال"، وهذا شيء عظيم في تاريخ السودان، ومع ذلك لم يتعرض له الكتاب السودانيون.
"المرحال" هو رحلة الشتاء والصيف، حيث تقوم قبائل السودان برحلتها ما بين الخريف والصيف والحركة وراء المطر، تبدأ الرحلة من الأبيض ووسط كردفان حتى بحر العرب، وتصل إلى بحر الغزال على النيل الأبيض، وتمتد حتى البحيرات العظمى.
يأتي "المرحال" من وسط كردفان ويسير مسافة طويلة وسط غابات السافانا، وهناك مئات الآلاف من الأبقار والأغنام.
هي رحلة رعي عظيمة يتوزع فيها الرعاة إلى نوعين: رعاة الإبل ويسمون "الأبالة" ورعاة البقر ويسمون "البقارة"، وهناك منطقتان أعشقهما: أرض النهود، وبحيرة الرهد.
وأسأل الإخوة السودانيين مع كامل الاحترام لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" وللمبدع الطيب صالح، أقول لهم: السودان في حد ذاته هو عشرات الروايات الكبرى التي يمكن أن تقف جنبا إلى جنب مع روايات مثل "الحرب والسلام" لتولستوي، و"لمن تقرع الأجراس؟" لهيمنغواي، و"عوليس" لجيمس جويس، و"الصخب والعنف" لوليام فوكنر.
كيف يكون عندكم هذا "المرحال" الذي يقام سنويا منذ مئات السنين وتتحرك فيه عشرات القبائل من "البقارة" و"الأبالة" وأهل الحمير، يقطعونه ذهابا وإيابا، ويضم حكايات من العشق والحب والحرب والقتل والكره والصراع والكفاح والكد والجد، ويحملون معهم العنقريب، ويقيمون المخيمات في رحلتهم، وتنسج الملاحم التي لا تنتهي، ثم تتركون كل هذا لتكتبوا عن امرأة بيضاء؟!
ثم بدأت الحرب من الخرطوم إلى الأبيض، حيث قام المهدي بحرق القرى الواقعة في طريق الجيش المصري، ومنع عنهم الماء، وجهز خطة لهزيمة الجنود المصريين بقيادة القائد الإنجليزي.
تتخلل الرواية أحداث كثيرة في سياق صراع الجيش المصري مع الحركة المهدية، وتمكن المهدي في النهاية من إبادة 13 ألف جندي وقتل معهم القائد البريطاني.
الجزء الأخير من الخماسية يبدأ بدخول المهدي الخرطوم في أول يناير 1885، وقتله للقائد البريطاني تشارلز غوردون الذي أرسلته الملكة. ومن قبله تم قتل القائد هيكس.
ويقال إن المهدي غضب من قتل غوردون، لأنه كان يريد مقايضته بالزعيم أحمد عرابي، وبقي الحال على ما هو عليه: شمال ووسط السودان تحت حكم المهدي، والجيش المصري في الجنوب، مع انقطاع خطوط الاتصال بينه وبين مصر.
"منازل الروح" بجزأيها "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن" هي سرد لما تبقى من فلول الجيش المصري المهزوم، فبعد إعادة بقايا الجيش إلى الخدمة وقتل القائد الإنجليزي غوردون انقطعت العلاقة تماما بين الجيش في الجنوب والحكومة في مصر، استقال شريف باشا وجاء نوبار باشا، وأرسل رسالة إلى الجيش تقول "أنتم أحرار، من يأتي يأتي، ومن يريد البقاء فليبق، ولا علاقة لكم بالسلطة في مصر"، وبجرة قلم ألقوا ببقايا الجيش في العراء.
الواقع أشد سوداوية من الخيال
كتبت عن المصريين في المهجر وعن غزو العراق وعن الشام والخليج العربي، ولم يكن لقضية فلسطين أثر واضح في كتاباتك وأنت المهموم بعروبتك؟
كنت أجهز للسفر إلى فلسطين، وكان لدي مشروع أعد له منذ فترة، عن الحروب الأربع: 1948، 1956، 1967، 1973، وهذا المشروع لن يكون بعيدا عن فلسطين وما جرى في مدنها من ظلم وعنصرية بغيضة.
انتهيت من كل قصصي المفتوحة، ووضعت على الجرح النازف ملحا، ورسمت خطتي المستقبلية للسفر إلى الضفة وغزة لأكتب قصة فلسطين، فأنا لا أؤمن إلا بالكتابة من خلال المعايشة.
لكن تفاجئني أحداث 7 أكتوبر وتقطع علي الطريق، ولم أدر ماذا أفعل، جلست أشاهد مجزرة على الهواء بكل لغات العالم، لم يترك الصهاينة حرمة لطفل أو لامرأة أو لجريح في مستشفى، بل لم يتركوا كرامة لحجر أو شجر أو رصيف لشارع، كانوا بحق "أعداء الحياة".
وما أذهلني هو صمت العالم عما يجري، ويكاد الخذلان العربي أن يذهب بعقلي، أتساءل: كيف ينام العرب؟! كيف يأكلون؟! كيف تحلو لهم الحياة في ظل مذبحة موثقة تبث على الهواء ترتكب بحق أشقائهم؟!
والآن، أنا لا أقدر على الكتابة ولا أستطيع أن أفعل شيئا وأنا أشاهد مذابح الفلسطينيين على الهواء مباشرة والعالم صامت لا يتحرك، في مشهد يفوق الخيال بؤسا وسوداوية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

"خماسية النهر".. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد

الآن وبعد 45 عاما يكتب فتحي إمبابي كلمة الختام في روايته "خماسية النهر"، رواية كان "النيل" فيها هو البطل، وكل ما يجري على ضفتيه من حجر وبشر وحضارات هي كلها من صنعه وخلقه. رحلة صعبة وطويلة لم يكن النيل فيها هادئا مثل "نهر الدون"، ولم يكن غاضبا مثل نهر المسيسيبي، بل كان عازفا لحن الحياة، صانعا الحضارات على مدى آلاف السنين. تلك هي "سيرة النهر" التي سطرها من خلال خماسية: "نهر السماء"، "عتبات الجنة"، "رقص الإبل"، "عشق"، و"منازل الروح" في جزأين: "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن"، هي قصة أفريقيا الجنة، والإنسان المطارد بين فكي النهب والسلب والاستبداد. وعن بداية الكتابة يقول فتحي إمبابي: |لم تكن الكتابة مقصدي، ولا خططت لأن أكون كاتبا، ولكنها اللعنة والغواية، لعنة أن تكون عربيا في زمن مستبد لا تعرف فيه الصديق من الغريب، ولا الشقيق من العدو، ولعنة أن تكون مشرقيا في وجه مستعمر غاشم، لا تكفيه أرضك وتاريخك، ولا يلهيه عرضك وجسدك، ولا يقنعه إلا مص دمائك ومحو ذاكرتك، وغواية أن تتبعه، ولا تصدق أن السكين التي في يده ليست لفك قيدك، بل لقطع رقبتك. وما بين مستبد ومستعمر عشت مكمم الفم، عاجزا عن دفع سكين القصاب، عشت الأوهام بكل جبروتها، وتجرعت المرارات كلها، لأجد نفسي في النهاية كاتبا رغما عن أنفي، ووجدت في حنو القلم وصدقه ما لم أجده في صحبة الرفاق والأصدقاء. جلست أكتب مسودات عن عالم يفتقد الرشاد ويسوده الظلم، ورسمت على الورق أحلاما مستحيلة في عالم محكوم عليه بالاعتقال والموت، لعل يوما يأتي وتجد أحلامي أرضا سعيدة.| والروائي فتحي إمبابي (1949) مهندس إنشاء أنفاق ساهم بشكل فعال في إنشاء شبكة أنفاق القاهرة الكبرى، لكن أصابته الغواية، ووقع في شرك الكتابة، التقيناه في بيته بالقاهرة، وبعد أكثر من نصف قرن من كتابة عشرات الروايات والقصص القصيرة والكتب الفكرية و"خماسية النهر" سألناه: إعلان ما شغلني منذ اللحظة الأولى هو سؤال الهوية والمصير، شغلتني هجرة المصريين إلى النفط في ليبيا ودول الخليج، فكانت روايات "مراعي القتل"، و"أقنعة الصحراء"، و"شرف الله". ورأيت رفاق الحركة الطلابية من جيل السبعينيات وهم يتساقطون ويموتون كمدا وقهرا في عمر الزهور، فكتبت عن أروى صالح وسهام صبري والروافد الاجتماعية لجيل السبعينيات. سؤال الهوية "خماسية النهر" رواية امتدت بطول نهر النيل، من القاهرة إلى الخرطوم إلى أوغندا ، فمنابع النيل العليا، متى بدأت كتابتها؟ وهل خططت لها منذ البداية، أم أنها جاءت عفو الخاطر؟ قد لا تصدقني إن قلت إنها هي التي كتبتني، عندما بدأت كتابة رواية "نهر السماء" لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أنني سأكتب جزءا ثانيا للرواية، كان سؤال الهوية هو الذي دفعني أولا إلى القراءة، ثم إلى الكتابة رغما عن أنفي، كانت مرارة الهزيمة في عام 1967 أمرا صعبا للغاية، لجيل نشأ وترعرع على حب وطنه وعلى آمال قومية وأحلام وطنية عريضة. في تلك السن الحرجة كنت أنا ورفاقي في الجامعة يشغلنا سؤال: لماذا هزمنا؟ ثم جاءت التحولات التي ألمت بالشخصية المصرية وما حدث بعد حرب 1973: الانتقال من الشرق إلى الغرب، وانتشار روح التعصب الديني، كل هذا كان يدهشني ويشغلني ويعصف بعقلي بعنف. ومن هنا بدأت الحكاية.. حكاية "خماسية النهر" وفاتحتها رواية "نهر السماء"، ولأجل التجهيز لهذه الرواية كتبت ملازم ضخمة جدا وأنا أغوص في التاريخ، بدءا من القرن الـ18 حتى مطلع القرن الـ20 مرورا بالثلاثينيات وحتى مرحلة الستينيات. مأساة حكم العبيد ومن هذه النقطة بالذات بدأت أعي أنني أقف على سر ما جرى، وأثر بعنف على المنطقة، وهي القرون الستة التي سبقت الحملة الفرنسية على مصر ، وتحديدا فترة الحكم المملوكي، بداية من سنة 1275 ميلادية، حيث بدأت أكتب عن الحياة المصرية تحت حكم المماليك. وكان السؤال الذي أرقني كثيرا: من هم المماليك؟ وبالبحث، اكتشفت أنهم عبيد حكمونا لمدة 6 قرون، وكانت صدمة مرعبة، عبيد جاؤوا من أواسط آسيا ومن شرق أوروبا ومن الحبشة، وأغلبهم كانوا يدينون بديانات أخرى أو بلا دين أساسا ولا لهجة ولا ثقافة، ولا علاقة لهم بالإسلام أو العرب، ومع ذلك حكموا مصر 600 عام، هذا اكتشفته وأنا ابن الفترة الناصرية التي كانت تتحدث بثقة عن أن "الشعب هو المعلم"، فكان ذلك بمثابة مطرقة ثقيلة هوت على تفكيري. ثم كانت الصدمة الثانية: أن حكم العبيد لمصر -والذي استمر 600 عام- استمر كل هذه الفترة بمساندة رجال الدين، نحن إزاء قضية من أخطر ما واجهت مصر طوال تاريخها، وهي أنه لولا مساندة رجال الدين لما قام حكم المماليك ولا استمر. وعلى جانبي التاريخ والجغرافيا اكتشفت عاملا آخر كان هو سبب الحضارة والتمدن وهو النيل، النيل صانع الحضارة والتاريخ ومهندس الجغرافيا. والمصريون والسودانيون والأفارقة على ضفتيه مثل النمل الذي يكد ويعمل بلا كلل، وبشغف في كل الظروف الصعبة، وتحت مقصلة الطاعون الذي يتكرر كل 5 سنوات، ثم يأتي الطوفان ليدمر كل شيء في طريقه من أجل خلق جديد أو إعادة خلق الشعب المصري، ومن هنا كانت البداية، وكان الاكتشاف الذاتي الذي انطلقت منه لأكتب "خماسية النهر". ماذا حدث بعد "نهر السماء"؟ وكيف صارت بك الأحوال والمقادير لتكتب جزءا ثانيا للرواية، ثم لتكتب خماسية أو ملحمة للنهر من 6 كتب تقترب صفحاتها من ألفي صفحة؟ الموضوع لم أخطط له، وكما قلت لم يكن في بالي أن أكتب جزءا ثانيا لـ"نهر السماء"، ولكن لأني مفتون بقراءة وشراء الكتب التاريخية بشكل خاص وقع في يدي كتاب بعنوان "المديرية الاستوائية" لمؤلفه الدكتور جميل عبيد، ويتناول الكتاب موضوع الوجود المصري في الجمهورية الاستوائية (دولة جنوب السودان حاليا)، وهنا بدأت أكتب رواية "عتبات الجنة"، وحتى هذه اللحظة لم يخطر ببالي أن أكتب جزءا ثانيا لرواية "نهر السماء". بدأت أكتب عن قصة الأورطة المصرية (الكتيبة) التي شاركت في الثورة العرابية إلى جانب أحمد عرابي، وبعد أن احتل الإنجليز مصر وفشلت الثورة تم نفيهم إلى المنطقة الاستوائية، كانوا 12 ضابطا برفقة أسرهم، بدأت أفتش عن قصة هؤلاء الضباط: ما هو مصيرهم؟ أين ذهبوا؟ وأين قتلوا؟ ولم يرجع منهم إلى مصر سوى ضابط واحد فقط. رواية "عتبات الجنة" تدور أحداثها عقب الثورة العرابية واحتلال بريطانيا مصر، الرواية صراع بين الجغرافيا والزمن، وتنتهي ببلوغ هؤلاء الضباط أو هذه الأورطة البحيرات العظمى ولقائهم بملك أوغندا الذي يعترف بالسيادة المصرية على مناطق أعالي النيل. وتم ذلك في مدينة لادو التي كانت عاصمة جمهورية جنوب السودان أو عاصمة المديرية الاستوائية المصرية كما كان يطلق عليها، وكان الوجود المصري هناك وجودا حضاريا عمر الأرض ونشر التعليم وحارب تجارة العبيد. لما كتبت "عتبات الجنة" بدأت تتشكل ما يمكن تسميتها بالثلاثية، ومع وجود الضباط الـ12 كان لكل ضابط منهم قصة، هذه الحكايات هي ما نكملها في الجزء الثالث الذي خططت له وهو "منازل الروح"، حيث أختم الثلاثية بهذا الجزء، ولكن يحدث ما لم أتوقعه أنا ولا يمكن لأحد أن يتوقعه. دعتني صديقة سودانية لزيارة السودان، وهناك عشت وسط السودانيين، وخلال فترة إقامتي مع الإخوة السودانيين رأيت شعبا لا تملك إلا أن تعشقه، إجادتهم للغة العربية ونطقهم بالعربية الفصحى شيء يذهلك، وعلاقتهم بالثقافة العربية عالية جدا، علاقتهم بالشعر مخيفة، شعراء من طراز رفيع، لكن هذا غير ظاهر، ويتميزون بتنوع سياسي وثقافي عال وبطلاقة وفهم عميق لروح الثقافة العربية. ومن خلال معايشتي للسودانيين في تلك الفترة غيرت بوصلة الرواية عندي وأجّلت كتابة "منازل الروح"، وبدأت أكتب عن الحرب بين المهدية والجيش المصري وطبيعة الثورة المهدية، وأشير في هذه الرواية إلى أن هناك شخصين فقط هما من شكّلا السودان الحديث، وهما محمد علي باشا والمهدي. استطعت في رواية "رقص الإبل" أن أروي حكاية "المرحال"، وهذا شيء عظيم في تاريخ السودان، ومع ذلك لم يتعرض له الكتاب السودانيون. "المرحال" هو رحلة الشتاء والصيف، حيث تقوم قبائل السودان برحلتها ما بين الخريف والصيف والحركة وراء المطر، تبدأ الرحلة من الأبيض ووسط كردفان حتى بحر العرب، وتصل إلى بحر الغزال على النيل الأبيض، وتمتد حتى البحيرات العظمى. يأتي "المرحال" من وسط كردفان ويسير مسافة طويلة وسط غابات السافانا، وهناك مئات الآلاف من الأبقار والأغنام. هي رحلة رعي عظيمة يتوزع فيها الرعاة إلى نوعين: رعاة الإبل ويسمون "الأبالة" ورعاة البقر ويسمون "البقارة"، وهناك منطقتان أعشقهما: أرض النهود، وبحيرة الرهد. وأسأل الإخوة السودانيين مع كامل الاحترام لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" وللمبدع الطيب صالح، أقول لهم: السودان في حد ذاته هو عشرات الروايات الكبرى التي يمكن أن تقف جنبا إلى جنب مع روايات مثل "الحرب والسلام" لتولستوي، و"لمن تقرع الأجراس؟" لهيمنغواي، و"عوليس" لجيمس جويس، و"الصخب والعنف" لوليام فوكنر. كيف يكون عندكم هذا "المرحال" الذي يقام سنويا منذ مئات السنين وتتحرك فيه عشرات القبائل من "البقارة" و"الأبالة" وأهل الحمير، يقطعونه ذهابا وإيابا، ويضم حكايات من العشق والحب والحرب والقتل والكره والصراع والكفاح والكد والجد، ويحملون معهم العنقريب، ويقيمون المخيمات في رحلتهم، وتنسج الملاحم التي لا تنتهي، ثم تتركون كل هذا لتكتبوا عن امرأة بيضاء؟! ثم بدأت الحرب من الخرطوم إلى الأبيض، حيث قام المهدي بحرق القرى الواقعة في طريق الجيش المصري، ومنع عنهم الماء، وجهز خطة لهزيمة الجنود المصريين بقيادة القائد الإنجليزي. تتخلل الرواية أحداث كثيرة في سياق صراع الجيش المصري مع الحركة المهدية، وتمكن المهدي في النهاية من إبادة 13 ألف جندي وقتل معهم القائد البريطاني. الجزء الأخير من الخماسية يبدأ بدخول المهدي الخرطوم في أول يناير 1885، وقتله للقائد البريطاني تشارلز غوردون الذي أرسلته الملكة. ومن قبله تم قتل القائد هيكس. ويقال إن المهدي غضب من قتل غوردون، لأنه كان يريد مقايضته بالزعيم أحمد عرابي، وبقي الحال على ما هو عليه: شمال ووسط السودان تحت حكم المهدي، والجيش المصري في الجنوب، مع انقطاع خطوط الاتصال بينه وبين مصر. "منازل الروح" بجزأيها "الحرية أو الموت"، و"العودة إلى الوطن" هي سرد لما تبقى من فلول الجيش المصري المهزوم، فبعد إعادة بقايا الجيش إلى الخدمة وقتل القائد الإنجليزي غوردون انقطعت العلاقة تماما بين الجيش في الجنوب والحكومة في مصر، استقال شريف باشا وجاء نوبار باشا، وأرسل رسالة إلى الجيش تقول "أنتم أحرار، من يأتي يأتي، ومن يريد البقاء فليبق، ولا علاقة لكم بالسلطة في مصر"، وبجرة قلم ألقوا ببقايا الجيش في العراء. الواقع أشد سوداوية من الخيال كتبت عن المصريين في المهجر وعن غزو العراق وعن الشام والخليج العربي، ولم يكن لقضية فلسطين أثر واضح في كتاباتك وأنت المهموم بعروبتك؟ كنت أجهز للسفر إلى فلسطين، وكان لدي مشروع أعد له منذ فترة، عن الحروب الأربع: 1948، 1956، 1967، 1973، وهذا المشروع لن يكون بعيدا عن فلسطين وما جرى في مدنها من ظلم وعنصرية بغيضة. انتهيت من كل قصصي المفتوحة، ووضعت على الجرح النازف ملحا، ورسمت خطتي المستقبلية للسفر إلى الضفة وغزة لأكتب قصة فلسطين، فأنا لا أؤمن إلا بالكتابة من خلال المعايشة. لكن تفاجئني أحداث 7 أكتوبر وتقطع علي الطريق، ولم أدر ماذا أفعل، جلست أشاهد مجزرة على الهواء بكل لغات العالم، لم يترك الصهاينة حرمة لطفل أو لامرأة أو لجريح في مستشفى، بل لم يتركوا كرامة لحجر أو شجر أو رصيف لشارع، كانوا بحق "أعداء الحياة". وما أذهلني هو صمت العالم عما يجري، ويكاد الخذلان العربي أن يذهب بعقلي، أتساءل: كيف ينام العرب؟! كيف يأكلون؟! كيف تحلو لهم الحياة في ظل مذبحة موثقة تبث على الهواء ترتكب بحق أشقائهم؟! والآن، أنا لا أقدر على الكتابة ولا أستطيع أن أفعل شيئا وأنا أشاهد مذابح الفلسطينيين على الهواء مباشرة والعالم صامت لا يتحرك، في مشهد يفوق الخيال بؤسا وسوداوية.

نجم شباك التذاكر.. لماذا ينجح كريم عبد العزيز حيث يفشل الآخرون؟
نجم شباك التذاكر.. لماذا ينجح كريم عبد العزيز حيث يفشل الآخرون؟

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

نجم شباك التذاكر.. لماذا ينجح كريم عبد العزيز حيث يفشل الآخرون؟

يواصل النجم المصري كريم عبد العزيز تعزيز موقعه كواحد من أبرز نجوم شباك التذاكر في السينما المصرية، بعدما انفرد بتصدر قائمة الأفلام التي تخطّت إيراداتها حاجز الـ100 مليون جنيه (2 مليون دولار أميركي)، بمشاركته في أربعة من أصل ثمانية أفلام فقط حققت هذا الرقم خلال السنوات الأخيرة. ومن أبرز هذه الأعمال: "ولاد رزق 2″، "ولاد رزق 3″، "سيكو سيكو"، و"الحريفة 2″، إلى جانب أفلام حققت نجاحا جماهيريا ونقديا مثل "كيرة والجن"، "بيت الروبي"، "الفيل الأزرق 3″، وأحدثها "المشروع X". هذا النجاح المتواصل يؤكد قدرته على المزج بين الجاذبية التجارية والتقدير الفني، ليحافظ على موقعه المتقدم في صدارة نجوم السينما المعاصرين. "المشروع X": خلطة الأكشن والكوميديا حقق فيلم "المشروع X" نجاحا كبيرا منذ طرحه في مايو/أيار الماضي، إذ تجاوزت إيراداته 135 مليون جنيه، ليثبت كريم عبد العزيز من جديد قدرته على تصدّر شباك التذاكر المصري والعربي، ويعزز مكانته كأكثر النجوم تحقيقًا للإيرادات في السنوات الأخيرة. الفيلم من إخراج بيتر ميمي، وتأليف أحمد حسني، وينتمي إلى نوعية أفلام الأكشن والمغامرة الممزوجة بالكوميديا. تدور أحداثه عن عالم مصريات يُدعى يوسف الجمال، يواجه اضطرابات نفسية، ويجد نفسه مطاردا من منظمة غامضة بعد اكتشافه أسرارا قد تغيّر مستقبل الطاقة في العالم. يجمع الفيلم بين عنصر التشويق والبُعد الإنساني، وهو ما ساهم في جذب جمهور واسع وتعزيز الحضور الجماهيري للفنان كريم عبد العزيز. يشارك في بطولة الفيلم إلى جانب كريم عبد العزيز، ياسمين صبري، إياد نصار، أحمد غزي، مريم الجندي، وعصام السقا، مع ظهور خاص لعدد من النجوم في مشاهد قصيرة، مثل هنا الزاهد، ماجد الكدواني، كريم محمود عبد العزيز، مصطفى غريب، وفدوى عابد. شهد الفيلم تصاعدا لافتا في الإيرادات منذ أيام عرضه الأولى، محققا نحو 29.8 مليون جنيه في الأسبوع الأول فقط، ليرتفع إلى 48 مليونا في الأسبوع الثاني، ويواصل الصعود حتى تخطى حاجز الـ100 مليون لاحقا، بحسب بيانات غرفة صناعة السينما. "بيت الروبي".. إثبات جديد للنجاح حقق فيلم "بيت الروبي" إيرادات ضخمة تجاوزت 131 مليون جنيه منذ طرحه في عام 2023، ليؤكد مرة أخرى قدرة كريم عبد العزيز على تقديم أعمال جماهيرية تتجاوز الكوميديا السطحية، وتمتد لتلامس قضايا اجتماعية معاصرة. اعتمد الفيلم على ثنائية مميزة بين كريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز، في تجربة تمثيلية لا تقوم على النجم الأوحد، بل على تكامل أداء وشخصيات، مدعومة بنص اجتماعي ذكي ورؤية إخراجية واضحة لـبيتر ميمي. يجسّد كريم عبد العزيز شخصية المهندس إبراهيم الروبي، الذي يعيش مع زوجته في عزلة طويلة، بعد أزمة صادمة سببها ضغط مواقع التواصل الاجتماعي وعالم المؤثرين. لكن مسار الأحداث يجبره على العودة إلى القاهرة لمواجهة ماضٍ لم يُغلق بعد. ورغم الطابع الكوميدي الظاهر للفيلم، فإنه يطرح تساؤلات جادة عن تغلغل وسائل التواصل في حياتنا اليومية، ومدى قدرتها على تشكيل العلاقات وتحديد المصائر الشخصية. "كيرة والجن".. قوة البطولة الجماعية في عام 2022، حقق فيلم "كيرة والجن" إيرادات بلغت 120 مليون جنيه، ليصبح واحدا من أعلى الأفلام دخلا في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط بفضل فكرته المأخوذة عن رواية 1919 للكاتب أحمد مراد، ولا لكونه ينتمي إلى النوع التاريخي، بل لأنه جمع بين اثنين من كبار نجوم الشباك، هما كريم عبد العزيز وأحمد عز، في تجربة جماعية مميزة كسرت النمط التقليدي للبطولة الفردية. يتتبع الفيلم مسار شخصيتي "كيرة" و"الجن" خلال أحداث ثورة 1919، حيث تتقاطع مصائرهما رغم اختلاف خلفياتهما وطباعهما. يجسد كريم عبد العزيز شخصية كيرة، العقل المدبر صاحب الطبع الهادئ والرصين، في حين يقدم أحمد عز شخصية الجن بروحه المتمردة وبنيته الصدامية، ما أضفى على العمل تناغمًا دراميًا مميزًا ومصداقية في الأداء المشترك. هذا التوازن منح الفيلم طابعا فريدا، خاصة مع وجود أسماء قوية في الأدوار المساعدة مثل هند صبري، سيد رجب، وأحمد مالك، تحت إدارة المخرج مروان حامد، ليخرج العمل بصورة مكتملة العناصر. نجح "كيرة والجن" في إثبات أن البطولة الجماعية، حين تكون مدعومة بكيمياء فنية صادقة، قد تكون أكثر تأثيرًا من البطولة المنفردة، ما جعله نموذجًا سينمائيًا متقنًا جمع بين العمق التاريخي والجاذبية الجماهيرية. "الفيل الأزرق 2".. 104 ملايين جنيه بعد النجاح الكبير للجزء الأول، عاد كريم عبد العزيز عام 2019 وقدم الجزء الثاني من فيلم "الفيل الأزرق"، الذي حقق أكثر من 104 ملايين جنيه، تأكيدا أن الجمهور يثق في هذه النوعية من الأفلام المعقدة نفسيا والمبنية على حبكات غير تقليدية. في هذا الجزء، يستكمل الفيلم قصة الدكتور "يحيى" بعد خمس سنوات من أحداث الجزء الأول، حيث يجد نفسه من جديد داخل قسم الحالات الخطرة ومع تصاعد التهديدات التي تطال حياته الشخصية والمهنية، يضطر إلى اللجوء مرة أخرى إلى "حبوب الفيل الأزرق" في محاولة لفهم ما يحدث، وفك شيفرات تتداخل فيها الهلاوس مع الواقع. الفيلم قدم الممثل المصري بشكل أكثر نضجا في الأداء وجرأة جعلته يتنقل بين العقلانية والجنون في لحظات دون أن يفقد تعاطف المشاهد أو مصداقيته. وقد ساعده في ذلك سيناريو أحمد مراد الذي صاغ حبكة أكثر قتامة وتعقيدا، وإخراج مروان حامد الذي حافظ على الهوية البصرية والجو المشحون بالغموض. مشاركة أسماء لامعة مثل هند صبري، نيللي كريم، إياد نصار، شيرين رضا وتارا عماد، أضافت إلى الفيلم، لكنه ظل في النهاية عملا يستند إلى حضور كريم عبد العزيز، الذي استطاع أن يصنع من شخصية "يحيى" واحدة من أكثر الشخصيات شهرة وتعقيدا في السينما المصرية الحديثة.

الدار البيضاء كما تسكنني.. لا كما يراها العابرون
الدار البيضاء كما تسكنني.. لا كما يراها العابرون

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

الدار البيضاء كما تسكنني.. لا كما يراها العابرون

الدار البيضاء ليست مجرد مدينة تنبض بالحياة، بل هي الحياة نفسها بكل تناقضاتها.. صخبها وصدقها، بحرها وضجيجها، حنينها واندفاعها. هي أكبر مدن المغرب، وعاصمته الاقتصادية، وثالث أكثر مدن أفريقيا سكانًا بعد لاغوس والقاهرة. سماها البرتغاليون "كازا برانكا" (Casa Branca) بعدما وجدوا بها بيتًا أبيض في القرن السادس عشر، ثم أطلق عليها الإسبان "كازا بلانكا" (Casa Blanca). أما المغاربة، فاختصروا اسمها إلى "كازا"، الذي يعكس مزيجًا من معمار الحضارة العربية والإسلامية وتأثيرات الهندسة المعاصرة. تنبض بورصة الدار البيضاء بقلب المدينة، الثالثة في أفريقيا بعد جوهانسبرغ والقاهرة، كأنها نبض اقتصادي يتردد في عروقها، يمنحها القوة والإصرار على المضي قدمًا. نشاطها الاقتصادي متنوع وحيوي، يمتد من مصانع الطيران وصناعة السيارات، إلى الإلكترونيات والصناعات الغذائية، مرورًا بالخدمات والبناء والسياحة. ورغم هذا الصخب الصناعي، تجد في شوارعها أناسًا يحملون أحلامهم، ينحتون الحياة بعرق جبينهم، ينسجون الأمل مع كل يوم جديد.. في البيضاء، الاقتصاد ليس مجرد أرقام أو مشاريع، بل هو قصص بشرية، دموع فرح، عرق تعب، وضحكات لا تنكسر. تمتلك الدار البيضاء أكبر مطار في المغرب، مطار محمد الخامس الدولي، الذي يستقبل العالم القادم إليها كضيف عزيز. هو ميناؤها الأكبر في البلاد، يمتد على 520 هكتارًا من المسطحات، وأكثر من ثمانية كيلومترات من الأرصفة.. شريان حياة يربط المدينة بالعالم، يصدح بأصوات السفن وقصص البحارة، حاملًا معها أحلام وتجارب تعد ولا تحصى. شبكة الطرق الحديثة، والسكك الحديدية، وقاطرات الترام التي تخترق المدينة كنبضات قلب، تربط بين أحيائها الهامشية والدينامية الاقتصادية والاجتماعية، تجعل كل ركن منها يشعر بأنه جزء من كيان حي ينبض بالحركة والحياة. لم أكن يومًا ضيفًا عابرًا عليها، بل كنت مقيمًا مخلصًا، تعرفت إليها منذ أول خطوة على طرقاتها.. تسكّعت في أزقتها شابًّا يبحث عن ذاته، لا عن وجهة محددة. وبين زحمة المقاهي وضجيج الأسواق، وبين تعب الأرصفة وصخب الشوارع، وجدت نفسي. درست في كلياتها، ونهلت من علمها، وصقلت شخصيتي كما يُشكَّل الفخار بين يدي الصانع الصبور. في حي الأحباس، يلتقي الشرق بالغرب، تتزاوج الهندسة العربية الإسلامية مع الفن الأوروبي، تحكي أقواسه وحجارته قصة حضارة متعددة الألوان، مسكونة بروح الماضي والحاضر في البيضاء، تعلمت مهنتي من الناس والشارع، من صبر الأيام ومثابرتها، ومن صراعات المدينة التي لا تهدأ. كل زاوية هنا تنبض بعلاقات حية، وجوهرها الصدق والوفاء.. فيها وجوه لا تغيب عن ذاكرتي، وذكريات عصية على النسيان، وأحاديث لا تموت مهما طال البعد. ليل الدار البيضاء يختلف كليًّا عن نهارها.. هي لا تنام، بل تستقبل الحياة بحبها المرِح، بعنادها الوفي، وبروحها المتجددة التي لا تعرف الندم. تعيش يومها بكل ما فيه، وتدعوك لأن تفعل الشيء نفسه. في قلب هذه المدينة، أحببت "الوداد".. فريقٌ صار مرآتي، ومجدي الصغير. معه عرفت الفرح، عرفت البكاء، تعلّمت الانتماء، وتدرّبت على الصبر. "الوداد" ليس مجرد نادٍ رياضي، بل هو امتداد لحبي للمدينة، جزء من ذاكرتها ومن وجدان قلبي. الدار البيضاء -كما يقولون- عاصمة الاقتصاد، لكنها قبل كل شيء… عاصمة الروح. تمنحك الانتماء دون أن تسأل من أين أتيت، فتصبح واحدًا من أهلها منذ أول لحظة. فيها ضحكت، تعثّرت، نهضت، تعلّمت… وهنا أصبحت كما أنا اليوم. تتنفس المدينة عبق التاريخ في مسجد الحسن الثاني، ذلك الصرح العظيم الذي يعلو فوق الماء، مئذنته شاهقة كسماء لا تعرف الحدود، يستوعب في رحابه آلاف الأرواح الباحثة عن السكينة والصفاء. تحتضن المدينة القديمة جدرانًا تحكي قصص الزمن، أسوارًا تحمي نبض الحكايات، حيث تقف قبة "سيدي بو سمارة" وساحة "لا كوميدي" شاهدة على عبق الماضي وعطر الأجداد. وفي حي الأحباس، يلتقي الشرق بالغرب، تتزاوج الهندسة العربية الإسلامية مع الفن الأوروبي، تحكي أقواسه وحجارته قصة حضارة متعددة الألوان، مسكونة بروح الماضي والحاضر. ويمتد كورنيش عين الذياب كلوحة بحرية تُرسم فيها ألوان الحياة بين المسابح والفنادق والمطاعم، بينما شارع محمد الخامس يشهد لقاء الأصالة بالمعاصرة، حيث تنسجم المباني لتروي قرنًا من الزمن في نغمٍ خالد. الدار البيضاء ليست محطة في حياتي… هي المسار، بل لعلّها… أنا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store