logo
توجيهات ولي العهد تكبح جماح ارتفاع أسعار الأراضي.. والرياض تقود موجة التصحيح

توجيهات ولي العهد تكبح جماح ارتفاع أسعار الأراضي.. والرياض تقود موجة التصحيح

سعورسمنذ 2 أيام

إجراءات لكبح جماح الأسعار
البداية كانت من نهاية شهر مارس 2025م، حيث وجّه سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان باتخاذ حزمة من خمسة إجراءات تنظيمية تستهدف إعادة التوازن إلى القطاع العقاري في العاصمة الرياض ، وتمثلت أولى هذه الخطوات في رفع الإيقاف عن مساحات شاسعة من الأراضي شمال الرياض كانت موقفة؛ إذ تم السماح مجددًا بالبيع والشراء والتطوير في أراضٍ مجموعها 81.48 كيلومتر مربع.. هذا القرار حرّر مساحات هائلة توازي عشرات الأحياء السكنية، مما يعني ضخ آلاف القطع الجديدة في السوق خلال الفترة المقبلة، وقد اعتُبر هذا الإجراء عاملًا حاسمًا لكسر حالة شح الأراضي المفتعلة التي ساهمت سابقًا في رفع الأسعار لمستويات قياسية.
وتضمن الإجراء الثاني تكليف الهيئة الملكية لمدينة الرياض بتوفير أراضٍ سكنية مطوّرة للمواطنين بأسعار معقولة، ووفق التوجيهات، ستقوم الهيئة بطرح ما بين 10 إلى 40 ألف قطعة أرض سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، بأسعار لا تتجاوز 1500 ريال للمتر المربع، وهذه الأراضي المخططة والمجهزة تستهدف فئة المواطنين الذين لم يسبق لهم التملّك، وبشروط تضمن استخدامها للسكن وعدم تحويلها لأغراض المضاربة على المدى القصير، وأدى إعلان ضخ هذا الكم الكبير من الأراضي بأسعار مدعومة لإحداث تحول جوهري في هيكلة السوق؛ فبعد أن كان سعر المتر شمال الرياض يتجاوز أضعاف هذا الرقم، بات لدى المواطنين خيار حقيقي للتملك بأسعار معقولة، مما يضع ضغوطًا على الأسعار المبالغ فيها للأراضي المجاورة.
كما شملت حزمة القرارات أيضًا إجراءات لتعزيز المعروض وكبح الاحتكار، فقد وجّه ولي العهد بالإسراع في اعتماد تعديلات على نظام رسوم الأراضي البيضاء خلال 60 يومًا، وبالفعل صدرت موافقة مجلس الوزراء على تلك التعديلات، بحيث تم رفع نسبة الرسوم المفروضة على الأراضي البيضاء بشكل مرن يصل إلى 10 % سنويًا من قيمة الأرض (بدلًا من النسبة الثابتة السابقة 2.5 %)، إضافة إلى ذلك، وللمرة الأولى تم إخضاع العقارات الشاغرة (غير المستغلة) لهذه الرسوم العقارية الجديدة، بهدف كسر الجمود وتحفيز الملاك على تطوير أراضيهم أو بيعها بدلًا من تركها مجمدة، وهذه الخطوة الجذرية تبعث برسالة واضحة مفادها أنه لا مكان للأصول العقارية غير المستغلة في ظل اقتصاد يسعى لرفع نسبة تملك المساكن وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
أما على صعيد سوق الإيجار؛ فجاء توجيه ولي العهد بتنظيم العلاقة بين المؤجّر والمستأجر خلال 90 يومًا ليضع إطارًا لحماية حقوق الطرفين وتحقيق التوازن في عقود الإيجار، حيث تهدف هذه الخطوة إلى معالجة الاختلالات التي سادت السوق الإيجارية، بما في ذلك التفاوت الكبير في زيادة الإيجارات السنوية وغياب التنظيم في بعض العقود، وبموجب هذا التنظيم المرتقب ستُضبط آليات رفع الإيجار وحقوق الصيانة وواجبات كل من المالك والمستأجر ضمن إطار قانوني واضح، وقد تزامن هذا التوجيه مع تكليف الهيئة العامة للعقار وهيئة تطوير الرياض بمراقبة أسعار العقار والرفع بتقارير دورية لتعزيز الشفافية في السوق، ولا شك أن هذه المنظومة المتكاملة من الإصلاحات-من زيادة المعروض إلى فرض الرسوم وتنظيم الإيجار- شكّلت في مجملها خطة شاملة لكبح جماح أسعار العقار التي شهدت في الرياض ارتفاعات غير مسبوقة تجاوزت 10 % سنويًا خلال الربع الأول من 2025 .
سوق الرياض العقاري يدخل حالة «الركود الحذر».. وارتفاع وتيرة التسويق وإعلانات البيع
انخفاضات سعرية ملموسة
ولم يتأخر تأثير هذه القرارات في الظهور على أرض الواقع، فعلى مدار الأسابيع اللاحقة لإعلانها، بدأت الأسعار في الرياض بالتراجع عن قممها العالية، ووفق بيانات - رصدتها صحيفة الاقتصادية - انخفض متوسط أسعار الأراضي السكنية في 23 حيًا بالرياض بنسبة ملحوظة خلال الفترة من 1 إلى 9 أبريل 2025م مقارنة بمتوسط الأسعار في الربع الأول من العام، حيث تصدّر حي بدر قائمة التراجعات بنسبة انخفاض تقارب 15 %، تلاه حي النظيم بانخفاض 14 %، ثم حي النرجس ب12 %، وحي الخير ب11 %، وهذه أرقام لافتة خاصة أن بعض هذه الأحياء – مثل أحياء النرجس والخير شمال الرياض – كانت حتى وقت قريب بؤرًا للمضاربة قفزت فيها الأسعار لمستويات تاريخية، فعلى سبيل المثال، تراجع متوسط سعر المتر المربع في مخطط الخير إلى حوالي 2100 ريال بعد أن كان قد لامس مستويات أعلى بكثير قبل القرارات، وحتى الأحياء التي كانت رمزًا لارتفاع أسعار الأراضي شهدت أول انخفاضات لها منذ سنوات، مما يؤكد جدّية موجة التصحيح الحالية ومدى ارتباطها المباشر بالإجراءات الحكومية.
إيجارات الوحدات السكنية
وبالتوازي مع تراجع أسعار الأراضي، بدأت أسعار الوحدات السكنية والإيجارات هي الأخرى تُظهر بوادر انخفاض طال انتظارها، ووفقًا للمعلومات والبيانات في منصّة "عقار" شهدت إيجارات الشقق السكنية لشهر مايو 2025م تراجعًا في عدد من أحياء الرياض للمرة الأولى منذ سنوات، على سبيل المثال، سجّل حي الازدهار (شمال الرياض) انخفاضًا في متوسط إيجار الشقق بنحو 36.3 % مقارنة بالفترة نفسها سابقًا، يليه حي العليا (وسط المدينة التجاري) بنسبة تقارب 26.4 %، وفي أحياء سكنية أخرى مثل حي بدر جنوبًا، هبطت الإيجارات بحوالي 26 %، تزامنًا مع ارتفاع في المعروض الإيجاري في الحي تجاوز 8 %، وحتى الأحياء الحديثة نسبيًا كمخططات شمال الرياض (حي العارض والنرجس والقيروان وغيرها) شهدت انخفاضات بين 2 % و12 % في متوسط الإيجار مصحوبةً بارتفاع في العروض المدرجة بنسب تراوحت من 10 % إلى أكثر من 80 %، وبحسب مراقبين فإن هذه المؤشرات تؤكد أن سوق الإيجارات لم يعد بمعزل عن التصحيح، حيث زاد عدد الوحدات المعروضة للإيجار وعاد شيء من التنافسية لصالح المستأجر بعد فترة طويلة من الارتفاعات المتتالية.
زيادة المعروض
والجدير بالذكر أن زيادة المعروض كانت سمة بارزة رافقت هذا الانخفاض السعري، فمع تطبيق توجه الدولة بفرض رسوم على الأراضي غير المطوّرة، ارتفع عدد الأراضي المعروضة للبيع في كثير من أحياء الرياض ، في حي العارض - وهو أحد الأحياء الشمالية الناشئة - قفز حجم المعروض من الأراضي بنحو 82 % في أعقاب القرارات، وفي حي القيروان تضاعف المعروض لأكثر من الضعف (+122 % خلال فترة وجيزة)، هذا التدفق في العروض يُظهِر تغيرًا جذريًا في سياسة الملاك؛ فالعديد ممن كانوا يحجمون عن بيع أراضيهم انتظارًا لارتفاعات مستمرة، باتوا الآن يسارعون إلى طرحها في السوق خشية فرض الرسوم وخسارة مكاسبهم الورقية، واعتبر مختصون أنّ التوازن بين العرض والطلب استعاد بعض عافيته في الرياض ، وانعكس ذلك فورًا على الأسعار نزولًا وعلى السوق ركودًا بعد فترة من التضخم السعري الحاد.
عروض بيع وتأجير غير مسبوقة
وعلى صعيد ردود الفعل في الميدان، رصد المراقبون حراكًا لافتًا من قبل ملّاك العقارات والمطوّرين في محاولة منهم للتكيف السريع مع الواقع الجديد، فمع الإدراك الجماعي بأن المعروض العقاري مرشح للارتفاع الكبير قريبًا، بدأ العديد من الملاك بعرض ما في حوزتهم للبيع أو الإيجار بوتيرة متسارعة، مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلان الإلكترونية للوصول إلى شريحة أوسع من المشترين والمستأجرين، خلال أيام قليلة من إعلان القرارات، انتشرت عبر تويتر وتطبيقات التراسل إعلانات لعقارات سكنية وتجارية تُعرَض بأسعار مخفّضة أو بشروط مغرية، بل إن بعض المسوّقين العقاريين لجؤوا إلى أساليب ترويج غير معهودة في السوق السعودية، فعلى سبيل المثال، تم تداول إعلان ترويجي عبر الواتساب يخص إحدى المخططات البعيدة يَعِد المشتري بالحصول على قطعة أرض ثالثة بنصف السعر عند شراء أرضين، كما ظهرت عروض أخرى تشمل خصومات تصل إلى 25 % من سعر الأرض، بل ووصل الأمر إلى تقديم سيارة مجانًا مع شراء أرض في بعض الحالات، وهذه العروض الترويجية "الغريبة" -بحسب وصف مراقبين- لم تكن موجودة في زمن الطفرة، وهي تعكس حالة القلق لدى بعض الملاك الذين أصبحوا على قناعة بأن الأسعار الحالية قد لا تدوم طويلًا، فالمسوّقون العقاريون يبررون هذه الحملات برغبة تصريف المخزون من الأراضي وتحويله إلى سيولة للاستثمار في قطاعات أخرى أكثر نموًا، وذلك خوفًا من انخفاض أكبر في قيمتها مستقبلًا .
وحتى في سوق الإيجارات، لاحظ مستأجرون ومتابعون تزايد الإعلانات على المنصات العقارية تعرض شققًا بأسعار أقل من المعتاد أو بشروط ميسّرة (كعدم اشتراط دفعة مقدمة كبيرة أو السماح بدفع شهري) لاستقطاب المستأجرين بسرعة، كما أنّ بعض ملّاك الشقق الشاغرة الذين كانوا يفضلون تركها دون تأجير انتظارًا لعوائد أعلى؛ بادروا خلال الأسابيع الأخيرة إلى تأجيرها بأسعار مقبولة نسبيًا وبعقود مرنة خشيةً من أن تدخل التنظيمات الجديدة حيّز التنفيذ قريبًا وتقيّد قدرتهم على رفع الإيجار أو إخلاء المستأجرين، ويمكن القول إن ميزان القوى في التفاوض انتقل بشكل ملحوظ إلى الطرف المشتري والمستأجر هذه الأيام؛ فبعد سنوات من السوق المائلة لصالح المالك، بات الأخير أكثر استعدادًا لتخفيض السعر أو تحسين شروط العقد لإتمام الصفقة سريعًا قبل أن تتراجع الأسعار أكثر.
ركود مؤقت أم تصحيح طويل المدى؟
ومع تزايد عروض البيع وتريّث الشراء، دخلت السوق العقارية في الرياض فيما يشبه حالة الركود الحذر، وتشير البيانات الميدانية إلى تباطؤ حاد في وتيرة إبرام الصفقات العقارية منذ بداية أبريل، حيث آثر العديد من المشترين المحتملين تأجيل قرارات الشراء ترقبًا لمزيد من الانخفاض في الأسعار بعد بدء سريان قرارات ولي العهد، وبالفعل، تُظهر سجلات التداول العقاري انخفاضًا كبيرًا في قيم وحجم الصفقات في بعض أحياء الرياض خلال شهر أبريل؛ إذ تراجع إجمالي قيمة التداولات في أحياء مثل العريجاء الغربي وغبيراء بنسبة 50 % فأكثر مقارنة بالمستويات السابقة، بل إن بعض المزادات العقارية التي أُعلن عنها مؤخرًا لم تُكلل بالنجاح بسبب إحجام المشترين؛ حيث جاءت العروض السعرية أقل بكثير من التقييمات المعتمدة لتلك العقارات، ما دفع منظمي المزادات إلى إلغائها أو تأجيلها، وهذه المعطيات تعزّز الانطباع بأن السوق انتقلت من مرحلة الغليان إلى مرحلة التجمّد النسبي انتظارًا لتبلور الصورة الجديدة للأسعار.
من جهتهم، يرى العديد من المطوّرين العقاريين وملّاك الوحدات السكنية أن ما يحدث الآن، رغم صعوبته على المدى القصير، يخدم مصلحة السوق على المدى البعيد، فبعد فترة هيمنت فيها ثقافة المضاربة واحتكار الأراضي، يأتي هذا التصحيح ليعيد التركيز إلى جوهر النشاط العقاري المتمثل في التطوير والإنتاج السكني، ويشير بعض المختصين إلى بوادر تغيير في استراتيجيات اللاعبين الكبار بالسوق؛ إذ بدأ مطوّرون كانوا يحتفظون بمحافظ كبيرة من الأراضي الخام بإعادة النظر في تلك السياسة، وباتوا يميلون إما إلى تطوير الأراضي وبناء مشاريع سكنية عليها أو طرحها للبيع بأسعار واقعية لتحقيق سيولة يستثمرونها في مشاريع أكثر مردودًا، ويسعى الكثير من العقاريين -ممن استفادوا من موجة الصعود السابقة- الآن للتكيف مع الواقع الجديد عبر تخفيض هوامش الربح والاعتماد على تنشيط المبيعات بدلاً من الانتظار لمكاسب رأسمالية غير مضمونة.
فيما يرى مراقبون عقاريون أن التراجع الحالي خطوة إيجابية نحو سوق أكثر استدامة، حيث صرّح أحد الخبراء بأن ما تشهده الرياض من انخفاض في الأسعار هو نتيجة مباشرة لتوجيهات ولي العهد الرامية إلى زيادة المعروض وتحقيق التوازن، معتبرًا أن هذه الخطوة صحية بعدما بلغته الأسعار من تضخم كبير، ويؤكد خبير آخر أن التصحيح السعري الحالي، رغم ما يسببه من ركود نسبي، يحمي السوق من فقاعة خطيرة كانت تتشكل، فمن وجهة نظره، كان لا بد من تدخل يعالج التشوهات السعرية لضمان عدالة وفرص تملك حقيقية للأفراد، ومع أن بعض الملّاك والمطوّرين عبّروا عن قلقهم من تبعات هذا الركود على أعمالهم في المدى القريب، خاصة من اعتاد منهم على هوامش ربح عالية في بيئة الأسعار الصاعدة، إلا أن الأغلبية تُقر بأن المصلحة العامة للقطاع تقتضي تصحيح المسار لجعل السوق أكثر توازنًا واستقرارًا.
نظرة مستقبلية.. بين التصحيح والاستقرار
ويتفق معظم المحللين على أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم اتجاه السوق العقارية بالرياض ، فمن المتوقع استمرار الموجة التصحيحية الحالية على المدى القصير، إلى أن تتضح نتائج السياسات الجديدة ويتم استيعاب المعروض الإضافي من الأراضي والوحدات، وبمعنى آخر، قد نشهد مزيدًا من التراجع الطفيف في الأسعار خلال الفترة القادمة ولكن بوتيرة أبطأ، فيما ستبقى حركة البيع والشراء فاترة نسبيًا (ركود مشوب بالحذر) إلى حين انتهاء حالة الترقب لدى المشترين، وعلى صعيد الإيجارات، يُرجّح أيضًا أن يستمر ضغط المستأجرين لتحقيق تخفيضات أو تثبيت أسعار العقود الجديدة، خاصة مع بدء تطبيق أنظمة تحمي حقوقهم وتحد من الزيادات العشوائية، وهذا المناخ الجديد يعني أن المالكين سيحتاجون للتأقلم مع عوائد أقل قليلًا مما اعتادوا عليه مؤخرًا، لكنه في المقابل سيؤسس لعلاقة أكثر استقرارًا وعدالة بين المؤجر والمستأجر، ما يحفز الطلب على المدى الطويل في سوق الإيجار السكني.
وعلى المدى المتوسط، هناك تفاؤل حذر بأن السوق قد تستعيد عافيتها تدريجيًا مع نهاية 2025م، بحلول ذلك الوقت، سيكون جزءا كبيرا من القرارات الحكومية قد تم تنفيذه فعليًا – الأراضي الجديدة ستكون قد طُرحت وبدأ تطوير بعضها، الرسوم الجديدة ستكون أمرًا واقعًا يدفع الكثيرين لتطوير أراضيهم أو بيعها، ونظام الإيجارات الجديد سيخلق بيئة أكثر شفافية واستقرارًا، عندها سيبدأ ميزان العرض والطلب بالاستقرار عند مستوى أسعار أقرب للقدرة الشرائية للمواطنين، ويتوقع خبراء أنه مع عودة الثقة وضمان توفر المساكن بأسعار مناسبة، سيعود المشترون الحقيقيون للسوق ممن كانوا قد انسحبوا انتظارًا لانجلاء الغموض، حيث أنّ هذا الانتعاش المتوقع قد يتعزز أيضًا بعوامل اقتصادية إيجابية أخرى، مثل استمرار نمو دخل الأسر وتحسن البيئة التمويلية، إلى جانب أنّ أسعار الفائدة المصرفية المرتفعة حاليًا كانت أحد العوامل التي كبحت الطلب على العقار حتى قبل هذه الإجراءات؛ فارتفاع تكلفة التمويل العقاري قلّل من القدرة الشرائية لكثير من الأسر، فإن حدث وتراجعت أسعار الفائدة مستقبلًا أو ظهرت تسهيلات تمويلية جديدة، فسيشكل ذلك حافزًا إضافيًا لعودة النشاط للسوق ولكن هذه المرة بأسعار أكثر واقعية.
من ناحية أخرى، يعد النمو السكاني المستمر في الرياض وحاجة المدينة لتوسيع رقعة الإسكان عوامل أساسية تدعم الطلب طويل الأجل، فالرياض ماضية نحو التحول إلى واحدة من أكبر العواصم الاقتصادية في المنطقة، مع استضافتها فعاليات عالمية كمعرض إكسبو 2030 ومونديال 2034 وغيرها، ما سيجذب مزيدًا من السكان والاستثمارات؛ لذا، يرى البعض أن التراجع الحالي مؤقت ومرحلي لضبط السوق، تعقبه فترة استقرار ثم نمو معتدل مدعوم بأساسيات قوية لا بمجرد المضاربة، أي أن النمو المقبل إن حدث سيكون نموًا صحيًا قائمًا على ارتفاع حقيقي في الطلب الفعلي للاستخدام السكني والتجاري، وليس على توقعات مغالى فيها أو سلوك القطيع كما كان الوضع خلال الطفرة السابقة.
تأثيرات تطول مدنًا أخرى
ورغم أنّ التركيز منصبّ بشكل كبير على الرياض في هذه المرحلة، بوصفها أكبر المتأثرين والمستفيدين من الإجراءات الأخيرة، فإن صدى التصحيح العقاري بدأ يتردد – ولو بنطاق أضيق – في مدن سعودية أخرى، فالسياسات الحكومية كرفع رسوم الأراضي البيضاء وتنظيم الإيجارات ذات نطاق وطني، ما يعني أن جدة والدمام ومدنًا رئيسة أخرى قد تشهد بدورها تهدئة في وتيرة ارتفاع الأسعار إن وجدت، أو حفاظًا على استقرار نسبي كان مفقودًا، يُذكر أن بعض المناطق في المملكة كانت أصلًا تعيش أوضاعًا عقارية مختلفة عن الرياض؛ فمثلاً المنطقة الشرقية سجلت انخفاضًا سنويًا بنحو 5.5 % في أسعار العقارات خلال الربع الأول من 2025م، استمرارًا لتراجع تدريجي للربع الخامس على التوالي هناك، ومنطقة عسير أيضًا كانت تشهد تصحيحًا هادئًا قبل هذه الأحداث، وهذا التباين يعني أن التأثير الخارجي لموجة الرياض سيكون انتقائيًا: المدن التي شهدت مضاربات حادة وارتفاعات غير مبررة (وإن بدرجة أقل من الرياض) ستستفيد من النهج الجديد عبر انضباط أكبر في السوق المحلي وانحسار التوقعات غير الواقعية لدى الملاك، أما المدن التي كانت أسواقها أكثر استقرارًا أساسًا، فلن تعاني من انخفاضات كبيرة، بل ربما تستفيد من توفير أراضٍ مطورة بأسعار مناسبة ما يدعم النمو السكاني والعمراني فيها بشكل صحي.
وبصفة عامة، يتوقع الخبراء أن مكتسبات هذه الإجراءات ستنعكس إيجابًا على القطاع العقاري في عموم المملكة على المدى البعيد، فتصحيح الأسعار في الرياض يمنح نموذجًا يمكن الاهتداء به لضبط أي اختلالات سعرية قد تظهر مستقبلًا في أي مدينة أخرى، كما أن وجود سياسة رسوم الأراضي البيضاء الموحدة سوف يثني كبار الملاك عن احتكار الأراضي في جدة أو غيرها انتظارًا للمكاسب السريعة، وسيشجعهم بدلًا من ذلك على تطوير مشاريع إسكانية أو بيع الأراضي لمن يستثمرها، وكذلك، فإن شفافية التقارير الدورية عن الأسعار ستجعل السوق أكثر قابلية للتنبؤ وأقل عرضة للصدمات المفاجئة، مما يعزز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي في القطاع.
سوق أكثر توازنًا واستدامة
في المحصلة، شهدت الأسابيع الماضية انخفاضًا تاريخيًا في أسعار العقارات بالرياض بعد سلسلة من التدخلات الحكومية الجريئة، وهذا التطور منح بارقة أمل للمواطنين الساعين إلى التملك أو العثور على سكن بإيجار معقول، بعد معاناة سنوات مع موجة الغلاء العقاري. ومع اقتراب دخول آلاف القطع السكنية الجديدة إلى السوق بأسعار مدعومة، وبدء تطبيق الأنظمة والرسوم الجديدة لكبح الاحتكار وحماية المستأجرين، يبدو المشهد مهيّأً لمزيد من الانفراج لصالح المستهلك النهائي، وبطبيعة الحال، يبقى اختبار نجاح هذه الإجراءات مرهونًا بحسن التنفيذ والمتابعة؛ فالأسعار قد تستقر عند مستوى منخفض لفترة أو تواصل الهبوط الطفيف قبل أن تجد نقطة التوازن الجديدة، ولكن المؤكد أن حقبة التضخم السعري غير المبرر شارفت على نهايتها في السوق السعودية، لتحل محلها مرحلة نمو مدروس ومستدام تُوازن بين مصالح جميع الأطراف، وإذا ما سارت الأمور وفق المخطط، فإن تجربة الرياض في كبح جماح العقار قد تُشكل نموذجًا يُحتذى لبقية المدن نحو سوق عقارية أكثر عدالة واستقرارًا تخدم تطلعات الوطن والمواطن معًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»
نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»

رواتب السعودية

timeمنذ 14 دقائق

  • رواتب السعودية

نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»

نشر في: 28 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي أطلق نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة المهندس خليل بن إبراهيم بن سلمة، مبادرة ..منح المصانع الابتكارية..؛ لتمكين البحث والابتكار في القطاع الصناعي، ودعم تطوير منتجات صناعية جديدة ومبتكرة، بما يعزز تنافسية الصناعة السعودية عالمياً. وجاء إطلاق المبادرة ضمن حفل تدشين مركز التصنيع والإنتاج المتقدم الذي أقيم في الرياض اليوم، بحضور الرئيس التنفيذي لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور مُنير الدسوقي، وسعادة المشرف العام على هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار الدكتور محمد العتيبي، وسعادة الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية المهندس ماجد العرقوبي، وسعادة الرئيس التنفيذي لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية المهندس سليمان المزروع. وشهد الحفل توقيع اتفاقية بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية وهيئة تنمية البحث والابتكار والتطوير، لتفعيل مبادرة ..منح المصانع الابتكارية..، تمكيناً للأبحاث والابتكار في القطاع الصناعي. وتركز المبادرة على تمكين عدة فئات تشمل المصانع الوطنية، والمخترعين ورواد الأعمال، والمشاريع البحثية المشتركة بين المصانع الوطنية ومراكز البحث والتطوير والابتكار، والمشاريع البحثية في مراكز البحث والتطوير والابتكار ذات التطبيقات الصناعية، كما تُتيح منحاً مالية تصل إلى 2 مليون ريال لدعم مشاريع البحث والتطوير والابتكار في القطاع الصناعي. وتُسهم المبادرة التي تعد إحدى مبادرات تحفيز الصناعة المحلية، في رفع تنافسية الصناعة الوطنية، عبر تشجيع قطاع البحث والابتكار في المنشآت الصناعية، ودعم المشروعات الصناعية الريادية، والاستفادة من ابتكارات مراكز البحث الوطنية، في تطوير منتجات صناعية نوعية في القطاعات الواعدة ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة. وتستهدف زيادة عدد المصانع الممارسة لأنشطة البحث والابتكار، وخلق فرص عمل جاذبة في الصناعة للكفاءات الوطنية البحثية، وبناء شراكات فاعلة بين القطاع الصناعي وقطاع البحث والتطوير والابتكار، ورفع مستوى جودة المخرجات الابتكارية الصناعية، إضافة إلى تعزيز القدرات البحثية والابتكارية للقطاع الصناعي، ودعم تطوير منتجات ابتكارية جديدة في الصناعة. وتدعو وزارة الصناعة والثروة المعدنية إلى التعرف على المبادرة والتقديم من خلال صفحة المبادرة على موقعها الرسمي: المصدر: عاجل

منتدى عسير للاستثمار 2025: من قمم جبالها إلى آفاق الاقتصاد والتقنية والسياحة العالمية
منتدى عسير للاستثمار 2025: من قمم جبالها إلى آفاق الاقتصاد والتقنية والسياحة العالمية

سعورس

timeمنذ 15 دقائق

  • سعورس

منتدى عسير للاستثمار 2025: من قمم جبالها إلى آفاق الاقتصاد والتقنية والسياحة العالمية

مشيرًا إلى أن ما تم إنجازه من مشروعات ضمن إستراتيجية عسير تجاوزت قيمته 5 مليارات ريال، مع الإعداد لإطلاق مشروعات جديدة تتجاوز قيمتها 4 مليارات ريال قريبًا. وأكد أن منطقة عسير تمتلك جميع المقومات لتكون وجهة استثمارية وطنية تنافسية، بما تحويه من تنوع طبيعي، وثقافي، ومجتمعي. كما شدد على أن المنتدى يمثل منصة وطنية لتعزيز الشراكات وتحفيز الاستثمارات النوعية، مع الالتزام بمبدأ العدالة في توزيع الفرص بين محافظات المنطقة، وضمان مشاركة مجتمعية فاعلة وتحفيز طاقات الشباب، انطلاقًا من تكامل حكومي ومجتمعي يشكّل هوية عسير المتجددة. هذا المنتدى لم يكن مجرد ملتقى حواري، بل منصة وطنية يتحدث فيها الكبار، فقد شهد مشاركة عدد من أصحاب المعالي الوزراء، الذين تحدثوا بلغة الواقع، والرؤية، والعمل. وذكر وزير السياحة، أحمد الخطيب، أن قطاع السياحة يمثل أكثر من 10% من الاقتصاد العالمي، وأن عسير هي المنطقة الوحيدة التي تمتلك فعليًا «أربعة فصول سياحية»، في مشهد نادر يجمع الجبل، والبحر، والصحراء، والتراث. كما أوضح أن صندوق التنمية السياحي يدعم مشروعات سياحية نوعية في عسير ، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل تتجاوز قيمتها 300 مليون ريال. وفي السياق نفسه، استعرض وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، المهندس عبدالله السواحة، التحول الرقمي في المنطقة، مشيرًا إلى أنه في وقتٍ مضى كانت تتم خدمة 2000 منزل سنويًا فقط، بينما تجاوز الرقم اليوم 30 ألف منزل سنويًا، وذلك بدعم وتوجيه مباشر من سمو ولي العهد -حفظه الله. كما طرح سؤالًا محوريًا: «لماذا لا تكون عسير مركزًا للذكاء الاصطناعي؟»، وأجاب بثقة: «أعظم المبدعين في الذكاء الاصطناعي من عسير» ، في إشارة إلى رموز ملهمة، مثل رائد الفضاء، علي القرني، وعبدالله عسير ، الفائز على مستوى العالم في الابتكار. من جانبه، ركّز وزير التجارة، الدكتور ماجد القصبي، على البيئة الاستثمارية، موضحًا أن الاستثمار اليوم لم يعد مجرد قرار مالي ، بل هو ثمرة إصلاحات اقتصادية وتشريعية وهيكلية شاملة، بدأت تؤتي ثمارها في المملكة، وجعلت من عسير أرضًا خصبة لجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية. و شهد المنتدى أيضًا حضورًا مميزًا من الأشقاء في دولة قطر ، حيث عبّر وزير البلدية، عبدالله العطية، عن إعجابه بما تحققه المملكة، استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2034. مؤكدًا أن التجربة القطرية في 2022 أثبتت أن البطولات ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق قفزات تنموية كبرى، كما شدد على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية كعنصر جذب رئيسي في السياحة العالمية. لقد كشفت جلسات المنتدى أن عسير ما زالت تختزن الكثير من الفرص الواعدة في مجالات السياحة، والزراعة، والصناعة، والتقنية، والثقافة. ويكفي أن نذكر وجود أكثر من 2000 متحف خاص، أُسست بمبادرات فردية من أبناء المنطقة، في مشهد حضاري يدل على أن التراث ليس موروثًا جامدًا، بل حيٌ يُصنع بين الناس، وأن الاعتزاز بالهوية المحلية جزء لا يتجزأ من معادلة النجاح. ختامًا: منتدى عسير للاستثمار ما كان مجرد حدث اقتصادي أو تظاهرة موسمية، بل ترجمة عملية لرؤية المملكة 2030، التي ترتكز على الاستثمار في الإنسان، وتفعيل مقومات المناطق، وتحقيق التنمية المتوازنة. ففي عسير ، تمتزج الهوية الثقافية بالأصالة، والتقنية بالطموح، والاقتصاد بالإرادة. كل الشكر والتقدير للأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، على قيادته الملهمة، ورؤيته المتقدمة، ولكل رجال ونساء عسير الذين قدّموا للعالم درسًا في حب الأرض، والإيمان بالمستقبل، والعمل الجاد.

نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»
نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»

صحيفة عاجل

timeمنذ 38 دقائق

  • صحيفة عاجل

نائب وزير الصناعة يطلق مبادرة «منح المصانع الابتكارية»

أطلق نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة المهندس خليل بن إبراهيم بن سلمة، مبادرة "منح المصانع الابتكارية"؛ لتمكين البحث والابتكار في القطاع الصناعي، ودعم تطوير منتجات صناعية جديدة ومبتكرة، بما يعزز تنافسية الصناعة السعودية عالمياً. وجاء إطلاق المبادرة ضمن حفل تدشين مركز التصنيع والإنتاج المتقدم الذي أقيم في الرياض اليوم، بحضور الرئيس التنفيذي لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور مُنير الدسوقي، وسعادة المشرف العام على هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار الدكتور محمد العتيبي، وسعادة الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية المهندس ماجد العرقوبي، وسعادة الرئيس التنفيذي لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية المهندس سليمان المزروع. وشهد الحفل توقيع اتفاقية بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية وهيئة تنمية البحث والابتكار والتطوير، لتفعيل مبادرة "منح المصانع الابتكارية"، تمكيناً للأبحاث والابتكار في القطاع الصناعي. وتركز المبادرة على تمكين عدة فئات تشمل المصانع الوطنية، والمخترعين ورواد الأعمال، والمشاريع البحثية المشتركة بين المصانع الوطنية ومراكز البحث والتطوير والابتكار، والمشاريع البحثية في مراكز البحث والتطوير والابتكار ذات التطبيقات الصناعية، كما تُتيح منحاً مالية تصل إلى 2 مليون ريال لدعم مشاريع البحث والتطوير والابتكار في القطاع الصناعي. وتُسهم المبادرة التي تعد إحدى مبادرات تحفيز الصناعة المحلية، في رفع تنافسية الصناعة الوطنية، عبر تشجيع قطاع البحث والابتكار في المنشآت الصناعية، ودعم المشروعات الصناعية الريادية، والاستفادة من ابتكارات مراكز البحث الوطنية، في تطوير منتجات صناعية نوعية في القطاعات الواعدة ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة. وتستهدف زيادة عدد المصانع الممارسة لأنشطة البحث والابتكار، وخلق فرص عمل جاذبة في الصناعة للكفاءات الوطنية البحثية، وبناء شراكات فاعلة بين القطاع الصناعي وقطاع البحث والتطوير والابتكار، ورفع مستوى جودة المخرجات الابتكارية الصناعية، إضافة إلى تعزيز القدرات البحثية والابتكارية للقطاع الصناعي، ودعم تطوير منتجات ابتكارية جديدة في الصناعة. وتدعو وزارة الصناعة والثروة المعدنية إلى التعرف على المبادرة والتقديم من خلال صفحة المبادرة على موقعها الرسمي:

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store