logo
بغداد وأنقرة.. ما المطلوب؟ عادل الجبوري

بغداد وأنقرة.. ما المطلوب؟ عادل الجبوري

ساحة التحرير١٠-٠٤-٢٠٢٥

بغداد وأنقرة.. ما المطلوب؟
عادل الجبوري
منطقيًا، لا يتوقع أحد، أن تكون الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى تركيا حاسمة في حل المشاكل والقضايا العالقة بين الطرفين، ولا في إعادة بناء الثقة بالمستوى المطلوب، ولا في الاتفاق والتفاهم على جملة أمور تتعلق بالمصالح الثنائية المتبادلة والمشتركة من جانب، وبالأوضاع الإقليمية العامة من جانب آخر.
فتراكم المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية بين العراق وتركيا على امتداد عقود من الزمن، لا يمكن حلها وتذويبها في زيارة رسمية لا تتعدى الأربع وعشرين ساعة، إن لم يكن أقل من ذلك، بل يقتضي ذلك عملاً وجهداً متواصلَين، يرتكزان على نوايا سليمة، وإرادات صادقة، وقراءات واقعية بعيدًا عن عُقد الماضي وأوهام المستقبل.
فطيلة فترات زمنية طويلة، كانت لغة التصعيد والتأزيم بين العراق وتركيا هي السائدة والمهيمنة على مجمل مسيرة علاقاتهما المحكومة بالعديد من العقد والإشكاليات التاريخية التي تمتدّ بعض جذورها إلى أواخر عهد الدولة العثمانية وما أفرزته الحرب العالمية الأولى من نتائج ومعطيات ومخرجات، جعلت العراق يتحول من سطوة الأستانة في إسطنبول إلى سطوة الإنكليز في لندن.
وإذا كانت الظروف السياسية لكلٍّ من العراق وتركيا قبل سقوط نظام حزب 'البعث' عام 2003 قد أبقت الملفات الخلافية محصورة في مساحات معينة محدودة، فإن المراحل اللاحقة شهدت خلطاً كبيراً للأوراق، بسبب استغلال تركيا السيئ لظروف العراق السياسية والأمنية والاقتصادية الاستثنائية، مع غياب مسار واضح ورؤية موضوعية عراقية لكيفية التعاطي معها، ومع غيرها من الأطراف القريبة إلى العراق والبعيدة عنه.
ربما يرى الكثيرون أن الملفات الخلافية الشائكة والمتداخلة بين بغداد وأنقرة ترتبط بشكل أو بآخر بأحداث ووقائع سياسية 'جديدة' بعيدة كل البعد عن أحداث الماضي ووقائعه. وقد يبدو ذلك صحيحاً وواقعياً بالنسبة إلى ملفات من قبيل ملف حزب 'العمال الكردستاني التركي المعارض'(PKK) الذي ظهر على مسرح الأحداث في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، وملف المياه الذي بات يشكل هاجساً يؤرق مختلف أطراف المجتمع الدولي منذ نحو نصف قرن، ولا سيما مع بروز عوامل التغير المناخي واستفحالها، والقراءات الاستشرافية المتشائمة عن ارتفاع أسعار المياه لتكون أغلى من النفط، وكذلك ملف الدخول التركي على خط الخلافات والصراعات الداخلية العراقية المنطلقة من محركات قومية وطائفية ومذهبية وإثنية، غذتها عوامل خارجية إقليمية ودولية مختلفة.
وبالنسبة للسوداني، فإنه بعد توليه منصب رئاسة الوزراء في تشرين الأول-أكتوبر 2022، زار تركيا للمرة الأولى في أواخر شهر آذار-مارس، 2023، ومن ثم زارها مطلع شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2024، في مقابل ذلك، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار العراق أيضاً في مثل هذه الأيام من العام الماضي، (22 نيسان-أبريل 2024)، هذا إلى جانب العديد من الزيارات المتبادلة لشخصيات ووفود سياسية واقتصادية وأمنية رفيعة المستوى من البلدين.
وفي الواقع، لم يحدث كل ذلك الحراك تحولاً وتغيرًا ملموسًا في مسيرة العلاقات العراقية-التركية، ولم تصل الحوارات والنقاشات إلى نهايات واضحة ومخرجات مثمرة للقضايا الكبرى.
ولعل التوصيف الدقيق للعلاقة بين بغداد وأنقرة هو 'الدوران في حلقة مفرغة' أو أنَّ الحوار بينهما كان –وما زال- أقرب إلى 'حوار الطرشان'، والدليل على ذلك هو عدم تغير شيء، بل إن الأمور اتجهت في بعض المحطات والمنعطفات إلى المزيد من التأزيم والتصعيد السياسي والعسكري والمائي، رغم أن أغلب الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومات العراقية خلال العقدين المنصرمين زاروا أنقرة باحثين عن حلول للمشكلات ومفاتيح للأبواب المؤصدة، لكن من دون جدوى، إذ إنَّ أنقرة كانت تريد كل شيء من دون أن تتنازل عن أي شيء، فيما كانت بغداد تأتي بلا رؤية واضحة أو برؤية ضبابية عائمة.
قد تبدو الصورة مع زيارة السوداني لأنقرة مختلفة نوعًا ما، ارتباطًا بمتغيرات الظروف في العراق، والمنطقة على وجه العموم. بيد أن التساؤل المهم والجوهري، هو هل أن تركيا جادة وقادرة على تغيير وتعديل سياساتها الخاطئة ومواقفها وتوجهاتها السلبية حيال العراق؟. لا شك أن الإجابة على مثل هذا التساؤل تنطوي على قدر من الصعوبة، بسبب حجم التعقيدات والتشابكات والمؤثرات التي تحكمت في مسارات العلاقات بين بغداد وأنقرة في مختلف المراحل والحقب التاريخية والراهنة، مع التأكيد على حقيقة أن زيارة السوداني لتركيا، تأتي في خضم انشغال الأخيرة بكمٍّ كبير من المشكلات السياسية والاقتصادية الداخلية، والمآزق الخارجية المرتبطة بمطامح ومطامع التوسع والهيمنة والنفوذ في ميادين قريبة وبعيدة، كأنها تحاكي حقبة الإمبراطورية المترامية الأطراف، وتتطلع إلى استعادة أمجاد الماضي المندثر تحت ركام المعارك والحروب العالمية والإقليمية على امتداد ما يزيد على قرن من الزمن.
ولا شك أن قيام تركيا بمراجعة مسارات علاقاتها مع العراق، يعد خياراً واقعياً وعقلانياً لا بد منه بالنسبة إلى ساسة أنقرة، مثلما أن العراق في ظل حكومته الحالية وما طرحته من برنامج خدمي إصلاحي تنموي انفتاحي، وضع في أولوياته التعاطي مع كل الأطراف وفق قاعدة المصالح المتبادلة، وتكريس نهج الانفتاح، وتوفير عوامل الجذب الاقتصادي، والتعامل مع الملفات الخلافية بطريقة متوازنة، بحيث لا تفضي إلى المزيد من الصدامات والاختلافات وكذلك فإن علاقات إيجابية مثمرة بين بغداد وأنقرة من شأنها أن تعطي زخماً كبيراً لمسار المصالحات الإقليمية، وتوفر بيئة مناسبة وفضاءات أوسع للحوار والتفاهم بين الفرقاء والخصوم الإقليميين، بعيداً من الأجندات والمشاريع الدولية التي ثبت بما لا يقبل الشك أن الهدف منها هو إغراق المنطقة بالمزيد من المشكلات والأزمات والصراعات والحروب بمختلف عناوينها ومسمياتها وأشكالها ومظاهرها.
‎2025-‎04-‎10

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان
بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان

شفق نيوز/ ذكرت قناة "فرانس 24" الفرنسية، يوم الثلاثاء، أن حزب العمال الكوردستاني "PKK" ناشد السلطات التركية تخفيف إجراءات الاعتقال المفروضة على زعيمه عبد الله أوجلان، باعتبار أنه من سيتولى مهمة تنفيذ قرار حلّ الحزب وإلقاء السلاح، والتفاوض حول ذلك مع المسؤولين الأتراك. ونقل التقرير الفرنسي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، عن المتحدث باسم الجناح السياسي للحزب زاغروس هيوا، وصفه لأوجلان بأنه "المفاوض الرئيسي"، مشيراً إلى أن "تركيا لم تقدم حتى الآن أي ضمانات لعملية سلام". وذكرّ التقرير باتخاذ الحزب "قرارات تاريخية" من وقف إطلاق النار إلى حلّ نفسه رسمياً في 12 أيار/ مايو الجاري، وإنهاء التمرد المسلح المستمر منذ عقود، موضحاً أن "هذه الخطوات جاءت استجابة لنداء من أوجلان، أطلقه عبر رسالة من سجنه في جزيرة آمرالي قرب إسطنبول، حيث يحتجز في عزلة منذ العام 1999". ونقل التقرير عن هيوا قوله إنه "باعتبارنا منظمة خاضت كفاحاً مسلحاً لمدة 41 عاماً، قررنا أن نحلّ أنفسنا وننهي الكفاح المسلح"، مضيفاً أن الحزب "يمنح بذلك السلام فرصة حقيقية". وأعرب عن أمله بأن "تجري الدولة التركية الآن تعديلات تتعلق بظروف العزلة المفروضة على القائد أوجلان، وأن تؤمن له ظروف عمل حرة وآمنة لكي يتمكن من قيادة العملية"، مضيفاً أن "القائد آبو هو مفاوضنا الرئيسي في أي محادثات مع تركيا، وأنه هو وحده بإمكانه قيادة التنفيذ العملي للقرار الذي اتخذه مؤتمر الحزب بحلّ نفسه، بما يمهد لتسوية سياسية". ولفت التقرير إلى أنه "ليس واضحاً حتى الآن الآلية المتعلقة بالحلّ، إلا أن الحكومة التركية سبق لها وأن صرحت بأنها ستراقب العملية عن كثب لضمان التنفيذ الكامل". إلا أن التقرير نقل عن هيوا قوله إن "تنفيذ القرار سيتم التفاوض عليه بين أوجلان والمسؤولين الأتراك". وبحسب التقرير، فإن "المراقبين يتوقعون أن تظهر الحكومة انفتاحاً جديداً تجاه الكورد، الذين يشكلون نحو 20% من سكان تركيا". وبرغم أن هيوا أكد أن "الحزب أظهر حسن نية وجدية وصدق فيما يتعلق بالسلام"، إلا أنه اتهم الدولة التركية بأنها "لم تقدم حتى الآن أي ضمانات ولم تتخذ أي خطوات لتسهيل العملية، وأنما واصلت القصف المدفعي والجوي ضد مواقع الحزب". ولفتت القناة الفرنسية إلى أن "تقارير إعلامية تركية تتحدث عن أن المسلحين الذين لم يرتكبوا جرائم على الأراضي التركية قد يعودون دون ملاحقة قانونية ضدهم، بينما قد يُجبر قادة الحزب على البقاء في المنفى أو في العراق". وأشار هيوا إلى أن "السلام الحقيقي يتطلب الاندماج، لا النفي، وفي حال كانت الدولة التركية صادقة وجادة فيما يتعلق بالسلام، فعليها إجراء التعديلات القانونية اللازمة حتى يتم دمج أعضاء الحزب في مجتمع ديمقراطي". ونوه إلى أن "الكورد يعتبرون أقلية عرقية لها ثقافتها ولغتها الخاصة، ويعيشون في منطقة جبلية ممتدة عبر تركيا وسوريا والعراق وإيران، وقد كافحوا لفتررة طويلة من أجل الحصول على وطن خاص بهم وأنهم تعرضوا لهزائم متكررة". ولفت إلى أن "ملايين الكورد يعيشيون حالياً بأمان نسبي في إقليم كوردستان وأيضاً تحت الإدارة الكوردية شبه المستقلة في شمال شرق سوريا حيث أن أنقرة تعتبر قوات سوريا الديمقراطية فرعاً من حزب العمال الكوردستاني". وأوضح هيوا بالقول: "نحن لا نتدخل في شؤون قوات سوريا الديمقراطية، والعملية الحالية هي بين حزب العمال الكوردستاني وتركيا فقط، ولا طرف آخر معني بها"، معتبراً أن "هذه العملية ستكون لها آثار إيجابية بالتأكيد على تسوية القضية الكوردية في بقية أجزاء كوردستان".

السوداني يؤكد حرص العراق على دعم لبنان.. وعون يشكر الـ20 مليون دولار
السوداني يؤكد حرص العراق على دعم لبنان.. وعون يشكر الـ20 مليون دولار

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

السوداني يؤكد حرص العراق على دعم لبنان.. وعون يشكر الـ20 مليون دولار

شفق نيوز/ بحث رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مع رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزيف عون، يوم الثلاثاء، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، وبينما أكد السوداني حرص بغداد على موقفها "الثابت والمبدئي" في دعم لبنان وأمنه وسيادته، شكر عون الحكومة العراقية على مبادرة تقديم مبلغ 20 مليون دولار لبلاده. وقال المكتب الإعلامي للسوداني في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أن الأخير "تلقى اتصالاً هاتفياً من عون، وتناول الاتصال العلاقات الثنائية، وسبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، في العديد من المجالات التي تسهم في تدعيم مصالح الشعبين الشقيقين في المزيد من التنمية والعمل البنّاء". وأضاف البيان، أن "السوداني أكد حرص العراق على موقفه الثابت والمبدئي في دعم لبنان الشقيق وأمنه وسيادته، ورفض الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي اللبنانية، وضرورة أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في هذا الأمر". وتابع، "من جانبه، هنأ عون رئيس مجلس الوزراء بمناسبة نجاح القمتين العربية والتنموية، اللتين احتضنتهما العاصمة بغداد، بما تضمنتاه من مبادرات تدعم العمل العربي المشترك، كما أشاد بموقف العراق ومساندته لبنان، مثمناً المبادرة التي أطلقها السوداني خلال مؤتمر القمة العربية في بغداد، بشأن صندوق التضامن العربي لإعمار لبنان وغزة". يأتي ذلك في وقت ذكرت "وكالة الأنباء الألمانية"، أن الرئيس اللبناني، جوزيف عون، تقدم بالشكر إلى الحكومة العراقية على مبادرة تقديم مبلغ 20 مليون دولار للبنان، وذلك خلال اتصال هاتفي، أجراه برئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني. واتصل عون "برئيس الحكومة العراقية، وشكره على مبادرته خلال قمة بغداد بالإعلان عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار للبنان، مساهمة من الدولة العراقية في مسيرة التعافي في لبنان"، وفق ما نقلته الوكالة. وأعلن الرئيس اللبناني أن "المبادرة تضاف إلى مبادرات مماثلة من العراق، تؤكد عمق العلاقات اللبنانية - العراقية، وما يجمع الشعبين اللبناني والعراقي من أواصر الأخوة والتضامن". وكان رئيس الحكومة العراقية قد أعلن خلال القمة العربي التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد، السبت الماضي، عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، و20 مليون دولار لإعادة إعمار غزة.

عون يتصل بالسوداني ويشكره على التبرع بـ 20 مليون دولار إلى لبنان
عون يتصل بالسوداني ويشكره على التبرع بـ 20 مليون دولار إلى لبنان

وكالة أنباء براثا

timeمنذ يوم واحد

  • وكالة أنباء براثا

عون يتصل بالسوداني ويشكره على التبرع بـ 20 مليون دولار إلى لبنان

عبر الرئيس اللبناني جوزيف عون، اليوم الثلاثاء (20 أيار 2025)، عن شكره لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني على التبرع بـ 20 مليون دولار إلى لبنان. وذكرت الرئاسة اللبنانية في بيان أن"عون اتصل بالسوداني وشكره على مبادرته خلال قمة بغداد بالإعلان عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار للبنان مساهمة من الدولة العراقية في مسيرة التعافي في لبنان". وأوضح عون، وفقا للبيان، أن "المبادرة تضاف إلى مبادرات مماثلة من العراق تؤكد على عمق العلاقات اللبنانية - العراقية وعلى ما يجمع بين الشعبين اللبناني والعراقي من اواصر الأخوّة والتضامن". وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد خلال فعاليات القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، دعم العراق لـ"وقف إطلاق النار في جنوب لبنان"، مديناً الاعتداءات المتكررة على سيادة هذا البلد الشقيق، ومشدداً على العمل من أجل أن يستعيد لبنان دوره ويحقق استقراره، معلناً مساهمة العراق بمبلغ عشرين مليون دولار لإعمار لبنان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store