logo
إليف شافاك: تعرضت للمحاكمة والإعدام الإلكتروني

إليف شافاك: تعرضت للمحاكمة والإعدام الإلكتروني

Independent عربيةمنذ 3 أيام

أن تكون روائياً في تركيا يختلف تماماً عما يعنيه الأمر في بريطانيا. "إنها تجربة ثقيلة"، تقول إليف شافاك (شفق) التي أتمت عامها الـ53 واكتسبت سمعة بأنها أشهر روائية في بلادها. وفي الحقيقة، أن تكوني روائية في تركيا... فتلك حكاية أخرى.
"بين ليلة وضحاها، قد تجدين نفسك أمام المحاكم، تتعرضين للمقاضاة، للتحقيق، للملاحقة، بل حتى لحملة تشهير رقمية تصل إلى حد الإعدام المعنوي"، تقول شافاك. وهي تعرف ذلك من واقع تجربتها الشخصية. فعام 2006، حوكمت بتهمة "إهانة الهوية التركية" بسبب روايتها " لقيطة إسطنبول"، لمجرد أنها اعترفت بالإبادة الجماعية للأرمن، متحدية بذلك الرواية الرسمية للدولة التركية. كانت تلك المرة الأولى التي يخضع فيها عمل أدبي خيالي للمحاكمة بهذه الطريقة. وتضيف: "اقتُبس كلام الشخصيات الخيالية من روايتي ليستخدم كدليل في المحكمة". وفي هذه الأثناء، خارج قاعة المحكمة، "شرع دعاة التطرف القومي بالبصق على صوري وحرقها وحرق علم الاتحاد الأوروبي. كان وضعاً مخيفاً". في نهاية المطاف، حكم ببراءتها من التهم المنسوبة إليها.
أما خلال الأعوام الأخيرة، فواجهت شافاك تحدياً جديداً؛ ففي 2019، خضعت روايتها "10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب"، وهي رواية متعددة الطبقات عن مومس قُتلت في اسطنبول، للتحقيق من قبل السلطات التركية بتهمة "الإباحية"، ضمن أعمال أدبية أخرى عدة. والمفارقة أنها كانت أيضاً على القائمة القصيرة لجائزة "بوكر".
مرت 10 سنوات تقريباً منذ آخر مرة شعرت فيها شافاك "بالارتياح" في العودة لتركيا. هي تسكن لندن منذ 16 عاماً وظلت تنتقل بين لندن وإسطنبول طوال سبعة أعوام قبل أن تتوقف عن ذلك كلياً. ومع ذلك، فكل شيء في شافاك، الجالسة اليوم في مكتب ناشر كتبها وسط لندن، يشي بتركيا- إذ تجدها في الكحل حول عينيها الزرقاوين ورائحة شاي النعنع المنبعثة من كوبها. فيما تحمل لهجتها إيقاع لغتها الأم. وتقول مبتسمة "ما زلت أعجز عن لفظ بعض الكلمات الإنجليزية".
لكن رواياتها التي تكتبها بالإنجليزية، لا تعكس شيئاً من ذلك التردد. فهي طموحة في مداها، تمتد على قرون وجغرافيات متعددة، من بلاد ما بين النهرين القديمة إلى لندن المعاصرة. ومن بين كتبها الـ21، تكاد جميعها تعكس اهتمامها العميق بالذاكرة والسياسة. أما روايتها الأخيرة "هناك أنهار في السماء"، فتتبع قطرة ماء واحدة على امتداد آلاف السنين، من دجلة إلى نهر تيمز، وتقدم شخصيات متنوعة مثل الملك الآشوري آشور بانيبال، وموسوعي من القرن الـ19 وُلد في أحياء لندن الفقيرة، وفتاة إيزيدية صغيرة تنشأ في تركيا.
وفيما لقيت رواياتها الأولى استحساناً داخل وطنها، لم تدق شافاك أبواب الشهرة العالمية سوى عندما بدأت تكتب بالإنجليزية، ولا شك في أن الضوضاء القضائية المحيطة بروايتها "لقيطة إسطنبول" عززت انتشار اسمها. وقد تكون عناوين الصحف هي التي استرعت الانتباه وجذبت الناس إليها في البداية، لكن لا شك في أن كتاباتها هي التي استبقتهم. والآن، بعد مرور عقدين و11 كتاباً، أصبحت شفق من أشهر الكتاب في المملكة المتحدة.
وفي الحديث معها، تبدو شافاك بوضوح كاتبة بالفطرة - إذ تتدفق الاستعارات من لسانها كما يستخدم الآخرون كلمتي "يعني" أو "اممم". ومن الطرائف اللافتة أنها من محبي موسيقى الـ"هيفي ميتال" منذ زمن بعيد؛ ومن الصعب تخيل أن نثرها الشاعري في "قواعد العشق الأربعون" كُتب على إيقاع الصخب الهادر لموسيقى "ديث ميتال".
وُلدت شافاك في ستراسبورغ، فرنسا، حيث كان والدها يدرس الدكتوراه في الفلسفة. ونشأت في بيئة فكرية. "كنت محاطة بكثير من الطلاب اليساريين الدوليين والكتب المثالية والتدخين والكنزات العالية الياقة"، تقول بشيء من الحنين. وبعد انفصال والديها، انتقلت مع والدتها إلى أنقرة. "كان حيّنا شديد المحافظة، منغلقاً، وذكورياً بامتياز. كنت أصغر من أن أفهم وأقارن (المكان بفرنسا) لكنني لم أكُن أصغر من أن أفهم أننا مختلفتان. وأننا الغريبتان في هذا المحيط".
كانت والدتها امرأة مطلقة، وهو أمر كان كافياً لأن يجعلهما موضع ملاحظة فورية - لكنها رفضت محاولات المجتمع تزويجها من جديد، مما بدا غريباً أكثر. تقول: "عادة ما كانت تُزوَّج النساء في مثل هذه الظروف بسرعة لرجل أكبر سناً، لكن جدتي تدخلت. تكفلت بي لكي تتمكن أمي من العودة للجامعة، ولكي تكون لديها مهنة، وخيارات. كان ذلك شيئاً مذهلاً. ما فعلته كان في غاية التقدمية."
أما في المنزل، فكانت جدة شافاك تحكي لها القصص وتغني لها أغاني أطفال، وتروي الألغاز والأساطير الآتية من الشرق الأوسط والبلقان وبلاد الشام - وهي أصداء لا تزال تتردد بقوة في رواياتها حتى اليوم. "لم تكُن جدتي امرأة متعلمة تعليماً جيداً، فقد أُخرجت من المدرسة في تركيا لأنها فتاة، لكنها كانت إنسانة حكيمة جداً".
دخلت والدتها بعد ذلك للعمل في وزارة الخارجية ولاحقاً، انتقلتا بسبب هذه الوظيفة إلى إسبانيا. "آمنت فعلاً بقوة المؤاخاة بين النساء. فعندما تؤازر النساء بعضهن بعضاً، ولا سيما في تلك المنعطفات الحيوية، تنتقل آثار ذلك الدعم عبر الأجيال".
في إسبانيا، كانت شافاك الطالبة التركية الوحيدة في مدرستها. وتقول "أذكر حين حاول إرهابي تركي اغتيال البابا، ودخلت الصف في اليوم التالي فسخر مني كل الطلبة وسألوني 'لماذا حاولتم اغتيال البابا؟ وفي تلك الأوقات التي لم تحصد فيها تركيا أية نقاط في مسابقة يوروفيجن الغنائية، اعتاد التلامذة أن يتنمروا علي". جمعتها بالكتب صداقة، وإن بدا ذلك القول مبتذلاً. ووجدت ملجأ لها في الكتابة. وتقول شفق "أردت أن ألوذ بخيالي قدر المستطاع". وهي تتذكر اليوم الذي اكتشفت فيه دون كيشوت - كانت تلك هي المرة الأولى التي تجد فيها الحرية الحقيقية في الأدب.
أما المرة الثانية، فحصلت بعد وقت طويل، عندما كانت شافاك في الثلاثينيات من عمرها، وبدأت تكتب بالإنجليزية. وتقول "شعرت بأنني أقطع اليد التي أكتب بها. فمهمة صقل صوتي الأدبي بلغة ثانية كانت كمن يبدأ من جديد لكن هجرتي إلى اللغة الإنجليزية أكسبتني مسافة معرفية وشعوراً إضافياً بالحرية". وهي تقارن ذلك بالنظر إلى صورة "عندما ترغب في رؤية شيء بوضوح أكبر، تأخذ خطوة إلى الوراء وهذا يقربك منه".
بفضل هذه المسافة اللغوية، تمكنت شافاك من أن تصغي على نحو أوضح إلى مساحات الصمت الذي ترغب في ملئه. وتقول "تاريخ تركيا مديد وغني لكن ذلك ليس بالضرورة مرادفاً لقوة الذاكرة، بل أعتقد بأننا في تركيا شعب يعاني فقدان ذاكرة جماعياً. عندما ننظر إلى ما يعلموننا إياه، نجد كثيراً من الصمت. كيف كان وضع النساء في الإمبراطورية العثمانية؟ صمت كبير. ماذا عن وضع الأقليات؟ صمت كبير. أما في كل الأدب التركي، فتجد صمتاً مدوياً حول الإبادة الجماعية للأرمن، وهو صمت منتشر، ليس في أوساط اليمين فقط، بل اليسار أيضاً. ما زال من أكبر المحظورات في تركيا". ولذلك يروق لشفق أن ترى نفسها والكتاب الآخرين في موقع حفظة الذاكرة.
لم يأتِ قرارها بالانتقال إلى اللغة الإنجليزية من دون تداعيات سلبية عليها. وتقول "أخذ الناس يقولون إنني تخليت عن لغتي وما عاد بالإمكان اعتباري كاتبة تركية. ما يميز القومية هو عقلية إما هذا أو ذاك. أنا لا أتخلى عن لغتي الأم، وكيف لي أن أفعل ذلك؟ فهذه لغة جدتي وأمي وطفولتي".
أخذ الناس يقولون إنني تخليت عن لغتي وما عاد بالإمكان اعتباري كاتبة تركية
إليف شافاك
عندما حان وقت اختيار موطن جديد، اختارت لندن لأسباب عدة. بسبب العمق الفكري والثقافي للمدينة بلا شك، لكن أيضاً بسبب التنوع في المدينة. وتقول "ما أثمّنه هو أنه عندما يذهب الصغار إلى المدرسة، يجدون أصدقاء من خلفيات متنوعة- ويتعلمون كيف يحتفون بثقافات وتقاليد الآخرين". ومن الأمور الأخرى التي أحبتها شافاط، اتزان البريطانيين في السياسة. وتطرق قائلة "كنت أفكر كم هو مدهش أن الشعب البريطاني يظل محافظاً على برودته التامة حتى عندما تختلف الآراء. ثم حدث 'بريكست' وفقدنا ذلك".
وشافاك قلقة جداً في شأن المستقبل. وتقترب ثم تقول بنبرة فيها مناشدة "علينا أن ننتبه. قد نختلف على بعض القضايا لكن علينا أن نظل مدركين لقيمنا المشتركة. أنا أرى ذلك تقديراً للديمقراطية. ولا أقول إن الديمقراطية نظام مثالي لكنه أفضل الأنظمة التي طورناها وعلينا العمل على تحسينها وليس التخلي عنها. يجب ألا يمتلك أي إنسان أو حزب سياسي أو شركة تكنولوجيا في هذا العالم نفوذاً مطلقاً فذلك أمر خطر للغاية. نحن كائنات غير معصومة عن الخطأ. كلنا بشر. علينا التعامل بحذر مع القيم الديمقراطية التي نفقدها للأسف أحياناً". وتتوقف برهة وتتابع "لا أقول إن هذا ما يحدث في المملكة المتحدة لكنني أرى بذوره".
طبعاً، لديها حساسية خاصة على هذا النوع من مؤشرات الإنذار. فأذناها تلتقطان أولى ذبذبات الاستبداد بعدما اعتادت على هذا التردد بسبب السياسة في موطنها، حيث تقول "رأينا تدهوراً ثابتاً في ما بقي من الديمقراطية التركية" تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يتولى رئاسة البلاد منذ 22 عاماً.
جائزة المرأة: إليف شافاك، روث أوزيكي، ليزا ألين أغوستيني، ميج ماسون، وماغي شيبستيد (غيتي)
في اليوم الذي نتحاور فيه، اندلعت تظاهرات عنيفة في العاصمة احتجاجاً على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الخصم الرئيس لأردوغان قبل ترشيحه لانتخابات 2028. وتقول شافاك ببساطة "إنه أمر غير مقبول وغير شرعي وغير ديمقراطي". يُطلق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المحتجين في الشارع. "كثر في تركيا يرغبون في ديمقراطية حقيقية ويستحقونها. لا نريد الاستبداد".
وتضيف "تقدم تركيا مثالاً على ما يحدث عندما يتضرر حكم القانون، وتُفصل السلطات ويغيب الإعلام المستقل. عندما لا تملك سوى صندوق الاقتراع، لا يمكن للنظام الديمقراطي أن يستمر على المدى البعيد. لا يمكنه سوى أن يكون حكماً للأكثرية ويصبح الانحدار إلى الاستبداد من ذلك الموقع قصيراً وسريعاً للغاية". والأهم أن هذا التدهور قد يحدث في أي مكان.
علينا أن نقلق على حقوق المرأة في أي مكان، وبصورة أكبر بعد الآن في أميركا لأن الأوضاع قد تتدهور بسرعة شديدة
تعود بالذاكرة للقاء جمعها منذ 10 أعوام تقريباً، بباحث من أميركا قال لها إنه "يمكن تفهم" كونها مناصرة للنسوية لأنها تركية. وتقول "ذلك الرأي جعلني أفكر ملياً لأن ما يلمح إليه هو أنه لو كنت أميركية أو نرويجية أو كندية، فلا داعي للقلق في شأن مستقبل حقوق المرأة. والآن بتنا أكثر وعياً".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جلب عهد ترمب إلى الولايات المتحدة تراجعاً في حقوق الإنسان وتقويضاً لعشرات السنوات من التقدم- بدءاً بإلغاء حكم "رو ضد وايد" ووصولاً إلى ردود الفعل السلبية المتنامية ضد المهاجرين واللاجئين ومجتمع الميم والنساء. وتقول شافاك"علينا أن نقلق على حقوق المرأة في أي مكان، وبصورى أكبر بعد الآن في أميركا لأن الأوضاع قد تتدهور بسرعة شديدة".
عندما تتكلم شافاك في السياسة، ليست في نبرتها أية سلبية-ولا أي عدم اكتراث. فهي منفعلة وتتكلم بحماسة. وهذا ما يحدث في كتاباتها كذلك. مهما كان موضوعها قاتماً، فالأمل موجود. وحتى حكاية المومس المقتولة التي تُكتشف جثتها ملقاة في حاوية للقمامة تشع بالفكاهة والنور. وتقول "قد يكون العقل أكثر تشاؤماً وأعتقد بأنه لا بأس بذلك لأنه يجعلنا أكثر إدراكاً لما يحصل. لكن علينا الحفاظ على الإرادة الإنسانية، والحفاظ على القلب الإنساني وعلينا أن نحفظ الأمل".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر العالمية
الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر العالمية

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر العالمية

/*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية «هارت لامب» (مصباح القلب) التي تتناول الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند. والمجموعة القصصية التي كتبت بالكانادية، اللغة المحلية في جنوب الهند، تروي جوانب من حياة العديد من النساء المسلمات اللواتي يعانين من التوترات الأسرية والمجتمعية. وهذا أول كتاب باللغة الكانادية يحصل على هذه الجائزة الدولية المرموقة التي تمّ تقديمها في حفل أقيم في لندن مساء الثلاثاء وتبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 59 ألف يورو) يتم تقاسمها بين المؤلّفة والمترجمة ديبا بهاستي. ونشرت هذه القصص في الأصل بين عامي 1990 و2023. وبحسب منظمي الجائزة، فقد تعرض الكتاب للرقابة من جانب الدوائر المحافظة في الهند، وتم تجنبه من قبل الجوائز الأدبية الكبرى في البلاد. وقالت الكاتبة عند حصولها على الجائزة «أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين»، واصفة فوزها بأنه لحظة «لا تصدق». أخبار ذات صلة من جانبه قال رئيس لجنة التحكيم ماكس بورتر إن الكتاب «شيء جديد حقا للقراء الناطقين باللغة الإنجليزية، قصص جميلة مليئة بالحياة». وكان بورتر استبق الإعلان عن فوز مشتاق بالإشادة «بالكتب التي تتحدّى السلطات، من السودان إلى أوكرانيا والصين وإريتريا وإيران وتركيا، في كل مكان». وجائزة بوكر الدولية هي جائزة أدبية تمنح لكتاب خياليين. وكانت الجائزة تمنح كل عامين لكنها أصبحت منذ 216 تمنح كل عام. وفي العام الماضي، فازت ببوكر الدولية الرواية الألمانية «كايروس» للكاتبة جيني إيربنبيك والتي ترجمها مايكل هوفمان.

جمهور سيلتك يفضح العدو الصهيوني
جمهور سيلتك يفضح العدو الصهيوني

البلاد السعودية

timeمنذ 8 ساعات

  • البلاد السعودية

جمهور سيلتك يفضح العدو الصهيوني

في 2021، وقّع اللاعب الصهيوني لئيل عبادا عقداً لمدة خمس سنوات مع نادي سيلتيك الأسكتلندي ولم يدر بخلد هذا اللاعب أنه وقّع مع النادي الوحيد الذي لا يصلح ولا يستقيم أن يلعب معه، والسبب معروف وواضح للجميع وهو أن جماهير هذا النادي الغفيرة تدعم القضية الفلسطينية بكل قوة وتشجب من خلال أهازيجها عبر المدرجات العدو الصهيوني وترفع الأعلام الفلسطينية في كل مباراة مهمة يلعبها هذا الفريق، إلى الدرجة التي قام فيها الاتحاد الأوروبي بتغريم النادي وتحذيره من رفع العلم الفلسطيني إلا إن هذا التحذير لم يجد أذنا صاغية لدى جماهيرها الوفية لهذه القضية التي تؤرّق كل إنسان حرّ يرى هذا الظلم الذي يقع على الفلسطينيين ومازال من المجرمين الصهاينة. الكل يتذكّر هذا الفريق الجميل قبل سنوات عندما قابل فريق بئر شعبا الصهيوني في بطولة أوروبا وقد رفعت جماهيره الأعلام واللافتات الفلسطينية الأمر الذي أدّى بالاتحاد الأوروبي إلى تغريم هذا النادي العريق 100000 جنيه إسترليني. كردّ فعل على هذه الغرامة، نظّمت الجماهير الغفيرة لهذا النادي حملة إليكترونية تمكنوا فيها من جمع نفس المبلغ الذي فرضه الاتحاد الأوروبي وتقديمه كتبرّّع خيري لجمعيتين خيريتين فلسطينيتين. وجد هذا النوع من المساندة والتضامن مع قضية عادلة مثل فلسطين الكثير من الاحترام عبر العالم. مع وجود كل هذه السمعة الطيبة للنادي الأسكتلندي إلا إن هذا اللاعب قرّر الالتحاق به. ماذا حصل بعد ذلك؟ بعد عملية الإبادة التي قام بها العدو الصهيوني في غزة في عام 2023 ومازالت قائمة حتى الآن، تزايدت الضغوط النفسية على هذا اللاعب الذي يلعب لفريق يسب ويشتم الدولة الصهيونية ليل نهار، في الملعب وخارج الملعب. وصفه أحد الجماهير بالجبان لأنه لم يستطع أن يعبّر عن رأيه وشجبه لهذه الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيين، وطالب آخر عدم التعاقد مع لاعبين ينتمون لدولة تقترف مثل هذه الإبادة الجماعية. امتدت هذه الضغوط إلى مضايقات تعرّض لها اللاعب في شوارع جلاسجو، وليس الملعب فقط. بعدها، فقد التركيز، كما يقول مدرّب الفريق، ولم يستطع اللعب بشكل جيد وهو يسمع أهازيج جماهير الفريق الذي يلعب له تردّد ' فلسطين حرة' و 'امنعوا الإبادة والصهيونية'. غادر هذا اللاعب سيلتيك وأنهى عقده قبل أن ينتهي بثلاث سنوات وهرب إلى أمريكا ليلعب مع أحد الأندية هناك. بعد مباراة واحدة مع الفريق الأمريكي، رجع هذا اللاعب الصهيوني إلى باريس ليشارك مع المنتخب الصهيوني في الأولمبياد ليواجه نفس المصير الذي واجهه في أسكتلندا. بمجرد عزف النشيد الصهيوني قبل المباراة بدأت صفارات الاستهجان والامتعاظ من قبل الجمهور الضخم الذي كان يساند منتخب مالي ضد هذه الدولة الصهيونية ويحمل الأعلام الفلسطينية. أخرج اللاعب المالي تشيكنا دومبيا لسانه للاعبين الصهاينة بعد تسجيله هدفا في مرماهم. خرج الفريق الصهيوني من الملعب تحت حماية الشرطة الفرنسية الكثيفة ذلك اليوم مدعوما بجهاز الأمن الداخلي الصهيوني لحماية اللاعبين. العدو الصهيوني منبوذ أينما ذهب. حري بكل رياضي عربي أن يكون من أنصار سيلتيك. khaledalawadh @

نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية
نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية

Independent عربية

timeمنذ 21 ساعات

  • Independent عربية

نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية

اقترب مني جدي أبوعلي عام 1993 وهمس في أذني، "اذهب وتأنق، سترافقني لرؤية أقوى رجل في العالم". كان مارادونا بالنسبة إليّ الأقوى آنذاك، ولكن كيف وصل جدي إلى دييغو، وما يربطهما، وهل يتكلم جدي أصلاً لغة أجنبية؟ كل تلك الأسئلة لم تعكر فرحتي، فتأنقت ورافقت جدي إلى حافلة في موقف كان يضم عشرات الحافلات المزينة بأعلام خضراء. زاد ارتباكي، فعلم الأرجنتين ليس بأخضر، وما الحاجة إلى كل هذا التأنق لرؤية لاعب كرة قدم. كنت في الـ13 من عمري، ومعلوماتي السياسية بسيطة، ولم أكن متابعاً لأخبار البلد الخارج من حرب أهلية. في الطريق، استمعنا إلى أناشيد حماسية، لم أفهم كثيراً من كلماتها إلا كلمة القائد التي علقت في ذهني. كان مارادونا قائداً لفريقه ومنتخب بلاده، ومعرفتي بأن جدي يحب كرة القدم، طمأنتني قليلاً. في الحافلة، كنت الأصغر سناً، كلهم يغنون ويهتفون "يا قائد الله معك.. الله معك"، وكان جدي الأكثر سعادة. لم تكن المسافة بعيدة بين المنزل والقصر الذي وصلناه. نظم الوفد صفوفه، وألقى أبوقاسم (صديق جدي) بضع كلمات علينا، انتظرنا قليلاً ودخلنا قاعة كبيرة، فيها المئات. نظر إليّ جدي وابتسم "احفظ هذا التاريخ جيداً، اليوم ستصافح أقوى رجل في العالم. تذكر هذا اليوم لتخبر عنه أولادك وأحفادك. تعالَ لنلقي التحية على نبيه بري". ما هذا، ألست هنا لمقابلة مارادونا، ماذا فعلت بي يا جدي؟ بعثر أبوعلي كل أحلامي بمقابلة مارادونا، بطل العالم بالنسبة إليه، يختلف عن بطلي. كان رجلاً عادياً كأي رجل، لا عضلات له ولا طوله فارعاً. لكنه يتمتع بكاريزما مخيفة، وابتسامة آسرة ووجه بشوش، تشعر أنه سيد المكان، والأقوى فعلاً فيه. ينظر في كل الاتجاهات ويوزع التحايا. حين صافحته، ربت بيده اليسرى على كتفي قائلاً "كيفك يا قبضاي"، لم أعرف بما أجاوب، ومن كان خلفي دفعني لأفسح مجالاً له لإلقاء التحية. مشيت وأنا أنظر إليه، إلى أن أخفته الجموع. خرجنا من القصر، وجدي سعيد جداً، وأنا أتحسر على عدم رؤيتي مارادونا. رافقتني هذه الذكرى طويلاً. وارتبط اسم نبيه بري بكثير من مفاصل حياتي، وبحكم عملي، كثيراً ما كانت أخباره تلاحقني في المكتب والبيت والسيارة والنقاشات، نظراً إلى دوره المحوري في الحياة السياسية اللبنانية. وحين تزوجت وأنجبنا يوسف وتاليا. بات للولدين أيضاً قصة مع الرجل، فكلما قصدنا الجنوب من بيروت، يرون صوراً كثيرة للرجل في كل مكان. فيسألاني عنه، إلى أن حفظا اسمه وبات يرافقنا في كل رحلاتنا، ويصرخان كلما رأيا صورة له، كأنه صديقهما منذ زمن. حين كبرت، أدركت أن ثمة تشابهاً كبيراً بين مارادونا وبري. فالأول تفوق على كل المدافعين الذين واجهوه، وتخطاهم وسجل أهدافاً صعبة، وكان معروفاً بمراوغاته، فيما الثاني حريف في تدوير الزوايا السياسية وكسب الوقت والتعطيل لخدمة خطته وتكتيكاته. حضور قوي منذ ثمانينيات القرن الـ20 واسم الرجل حاضر بقوة في السياسة اللبنانية، تجده في السلم والحرب والمفاوضات والتعطيل والانتخاب والتشكيل. يخرج أرانبه في كل معضلة محلية. ثمة ثابت وحيد في هذا العالم لا يتغير هو نبيه بري. سقط بشار الأسد، وانتهت حقبة عائلة الأسد في سوريا وفاز ترمب بولاية أولى وثانية ويقود حرباً جمركية على الصين، وتقطعت أذرع إيران في المنطقة، واغتالت إسرائيل أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، واندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، واجتاحنا فيروس كورونا، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وظهر تنظيم "داعش" وشبه اختفى، وقتل أسامة بن لادن، وشهدنا "الربيع العربي"، وانتخب باراك أوباما كأول رئيس أميركي من أصل أفريقي، والأزمة المالية العالمية الكبرى، وتوسع الاتحاد الأوروبي ليضم 10 دول جديدة من أوروبا الشرقية، والغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، وهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، ووفاة الأميرة ديانا، ومجازر رواندا، ونهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وانتخاب نيلسون مانديلا رئيساً، ولا يزال نبيه بري حتى الآن، رئيساً لمجلس النواب اللبناني منذ عام 1992. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ كان له دور سياسي كبير في توقيع "اتفاق الطائف" في السعودية عام 1989، الذي نص على وقف إطلاق النار بين الأحزاب المتقاتلة في لبنان. كما كان أبرز وجوه اتفاق الدوحة عام 2008، بعد نشوب معارك مسلحة في شوارع بيروت بين "حزب الله" و"أمل" من جهة، ومناصري "تيار المستقبل" من جهة أخرى. مراحل لكم إذاً، أن تتخيلوا ما مر على الرجل الذي رافق أيضاً خمسة رؤساء للجمهورية اللبنانية (إلياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان وميشال عون وجوزاف عون) وبقي نبيه بري الناخب الأول لهم في البرلمان. بات بري اليوم الرجل الأول لدى الطائفة الشيعية في لبنان، بعد اغتيال حسن نصرالله، بات "الأخ الأكبر" كما قال عنه الأمين العام الجديد نعيم قاسم. في كتابه "لعنة القصر" بمقدمة حواره مع نبيه بري، يقول غسان شربل، "أنصاره كثيرون وخصومه كثر. وهو في المعادلة اللبنانية الحالية رقم صعب يتعذر شطبه ويستحيل تجاهله". لكن الرجل ليس نبياً، كما يحلو لعشاقه توصيفه "لولا الهاء لكان نبياً". ثمة اتهامات له بتعطيل انتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة أكثر من مرة، وقضايا فساد واعتداء على متظاهري حراك "تشرين الأول 2019". إذ اعتدت شرطة المجلس التي هي بإمرة رئيس المجلس خلال الانتفاضة اللبنانية على المتظاهرين السلميين بالضرب وتكسير السيارات، مما أسفر عن إصابات بالغة وسقوط عدد من الجرحى. ومعروف أن عناصر شرطة مجلس النواب بغالبيتهم هم عناصر حزبية من حركة "أمل" يتبعون مباشرة رئيس مجلس النواب ولا يخضعون للمحكمة العسكرية ولا لقرارات المدير العام لقوى الأمن الداخلي ولا لوزير الداخلية، ولا تتخذ إجراءات مسلكية بحقهم، وترقياتهم تتبع للرئيس بري ولا تتبع مباشرة لمديرية قوى الأمن الداخلي، علماً أن رواتبهم وتعويضاتهم تدفع من قبل الدولة اللبنانية. وكثيراً ما وجهت لبري اتهامات بتجميد الاستحقاقات الدستورية، مما أدى إلى شلل مؤسسات الدولة وتعطيل الحلول السياسية. ويَعُد المحلل السياسي المحامي أمين بشير في حديث صحافي، أن "بري يتسم بالقدرة على التكيف مع الظروف، متنقلاً بين أدوار متعددة، من رئيس المجلس النيابي، إلى زعيم الطائفة الشيعية، وصولاً إلى قائد حركة أمل". ويحمل بشير بري مسؤولية استمرار تعطيل تشكيل الحكومات، عبر استغلال مفهوم "الميثاقية" بشكل يتناقض مع جوهرها الدستوري. وزارة المال وبات احتكار الوزارات، لا سيما وزارة المالية، من قبل بري ظاهرة مألوفة، حيث يستخدم هذه الوزارة كأداة للوصاية على قرارات الحكومة ورئاسة الجمهورية، مما أسهم في تعميق الأزمة المالية وتدهور الثقة الدولية بلبنان. ولا بد من التذكير أن بري كان شريكاً أساسياً في حماية المنظومة الاقتصادية والمالية الفاسدة في البلد، كما لعب دوراً في حماية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة حتى اللحظة الأخيرة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) علماً أنه سمح بإقرار قانون رفع السرية المصرفية والتعديلات اللاحقة التي دخلت عليه بعد محاولات منه ليكون هذا القانون خالياً من أي مضمون فاعل، وبعد تدخلات وضغوط أجنبية. وعلى رغم ذلك لا يزال القانون أقل مما هو مطلوب. وسبق أن عبر النائب ميشال معوض، في بيان صادر عن مكتبه عام 2023، عن نظرة المعارضين إلى بري. ووصف معوض يومها بري بأنه "أستاذ في الفساد العابر العهود والحكومات، والشريك الأكبر في المحاصصات منذ عام 1992 وحتى قبل اتفاق الطائف". ومعروف أيضاً داخل الطائفة الشيعية، أن وظائف الفئة الأولى الخاصة بها تعطى للأسماء التي يقدمها بري، وهذا ما يعرف في لبنان بـ"الواسطة"، ويمتد الأمر إلى الدخول للكلية الحربية، فمن دون بركات النبيه، لا يمكن أن تصبح ضابطاً أو تترقى لمراتب أعلى. مما جعل كثيراً من الكفاءات الشيعية تُحجم عن الدخول في القطاع الحكومي، ودفع البعض منها للهجرة بحثاً عن فرص أفضل تعتمد معايير الكفاءة والمهنية. الحس الفكاهي يعرف بري بحسه الفكاهي، وتعليقاته الساخرة في جلسات مجلس النواب، والطريقة التي يدير بها الحوار، وغالباً ما تنتظر وسائل الإعلام المحلية، الأمثلة الشعبية التي يمزجها بأحاديثه السياسية. يكتب كثيراً من خطاباته السياسية، ويتميز بلغة أدبية وصور شعرية لافتة. غنى له مرسيل خليفة قصيدة "يا طير الجنوب" التي كتبها بري في رثاء بلال فحص، قائد العملية الانتحارية ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في منتصف الثمانينيات. كما يعرف بمهاراته التفاوضية، وحافظ على علاقات ودية مع السياسيين من مختلف الأطياف. واحتفظ برأي رئيس في تعيين الرؤساء وتشكيل الحكومات وإقرار التشريعات. وقد كان مقر إقامته في حي عين التينة الراقي في بيروت مقصداً منتظماً للدبلوماسيين الأجانب وكبار المسؤولين. له كثير من الألقاب فهو "الأخ" و"الأستاذ" و"القائد" و"دولة الرئيس" و"النبيه" و"الأخ الأكبر" و"أبومصطفى". حقبة سابعة عام 2022، أعيد انتخاب السياسي المخضرم رئيساً لمجلس النواب اللبناني للمرة السابعة على التوالي، محافظاً بذلك على رقمه القياسي كأطول رئيس لمجلس تشريعي في العالم. يحتفظ بري بمنصبه بفضل "اتفاق الطائف" عام 1989، الذي أرسى اتفاق تقاسم السلطة بين أكبر الطوائف الدينية في البلاد، المسيحيين والسنة والشيعة. يعرف بري بحسه الفكاهي، وتعليقاته الساخرة في جلسات مجلس النواب، والطريقة التي يدير بها الحوار، وغالباً ما تنتظر وسائل الإعلام المحلية، الأمثلة الشعبية التي يمزجها بأحاديثه السياسية. وبموجب الاتفاق، يتولى المسيحيون رئاسة البلاد، ويتولى السنة رئاسة الوزراء، بينما يحصل الشيعة على رئاسة البرلمان. وكثيراً ما كان بري (87 سنة)، رئيس حركة "أمل"، المرشح الوحيد لهذا المنصب. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية التي تديرها الدولة، وتخرج فيها عام 1963 قبل أن يكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون بباريس. في مرحلة ما، التقى بري الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين شيعي لبناني أسس حركة "المحرومين" التي عرفت في ما بعد باسم حركة "أمل". على الصعيد السياسي حمل أفكاراً قومية، وفي أواسط الستينيات تعرف على الإمام موسى الصدر وتأثر بأفكاره، ونشأت بينهما علاقة قوية حتى بات واحداً من المقربين جداً إلى الصدر وأحد أبرز مساعديه. ارتقى في صفوف الحركة قبل أن يقودها في نهاية المطاف بعد اختفاء الصدر المفاجئ في ليبيا عام 1978، الذي ألقت الحركة باللوم فيه على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. في عهد بري لعبت حركة "أمل" دوراً نشطاً في الحرب الأهلية في البلاد التي اندلعت عام 1975. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، انضم بري إلى القوات اليسارية في صد القوات الإسرائيلية. وهو حليف لـ"حزب الله" المدعوم من إيران، كما أنه كان مقرباً من نظام بشار الأسد السوري. خلال مسيرته السياسية الطويلة، تولى ست حقائب وزارية مختلفة في الحكومات اللبنانية المتعاقبة من عام 1984 إلى عام 1988. يحافظ أبومصطفى على علاقات جيدة مع جميع الأحزاب اللبنانية، ويحظى بدعم الشيعة لانتخابه رئيساً لمجلس النواب. كما أنه رئيس حركة "أمل" منذ عام 1980. وطوال الحرب الأهلية اللبنانية، قاد الحركة خلال المعارك مع كثير من الأطراف الرئيسة الأخرى في الصراع. دولياً برز نجم "الأستاذ" على الصعيد الدولي عام 1985 عندما ساعد في التفاوض على إطلاق سراح 39 أميركياً احتجزهم مسلحون شيعة في بيروت رهائن بعدما اختطفوا طائرة تابعة لشركة "TWA". وتعززت مكانته أكثر عندما وقع مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط وزعيم ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية آنذاك إيلي حبيقة اتفاقاً بوساطة سورية لإنهاء الحرب الأهلية في ديسمبر (كانون الأول) 1985. لكن الاتفاق الثلاثي أجهض عندما أطيح حبيقة بعد فترة وجيزة من ذلك بسبب تمرد في صفوف القوات اللبنانية في شرق بيروت. كانت علاقة بري وحركة "أمل" معقدة مع حلفائهما، فبعد سيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة "أمل" على بيروت الغربية في فبراير (شباط) 1984، وجه الحزب وحركة "أمل" بنادقهما ضد بعضهما بعضاً في صراع على هذا الجزء من العاصمة. خرج "الأستاذ" من الحرب واحداً من أقوى القادة اللبنانيين، حيث يرتكز نفوذه على علاقاته الوثيقة سابقاً مع دمشق التي هيمنت على بيروت من 1990 إلى 2005، ومع "حزب الله" المدجج بالسلاح والمدعوم من إيران. بعد انسحاب بشار الأسد من لبنان عام 2005، صار بري أحد أبرز صناع لعبة التوازنات اللبنانية، خصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من توترات سياسية وأمنية في البلاد، إذ أسهم في اجتراح حلول لها. منذ تسلمه رئاسة السلطة التشريعية، نجح في الإمساك باللعبة السياسية داخل البلاد من جوانبها كافة، وصنفه بعضهم برجل المهام الصعبة للأزمات المتعاقبة. على الصعيد السياسي حمل أفكاراً قومية، وفي أواسط الستينيات تعرف على الإمام موسى الصدر وتأثر بأفكاره، ونشأت بينهما علاقة قوية حتى بات واحداً من المقربين جداً إلى الصدر وأحد أبرز مساعديه. ويتميز بري بقدرة على لعب دور الوسيط بين القوى المتصارعة. فمنذ نهاية الحرب، عُد نقطة التقاء بين الفرقاء اللبنانيين، وحتى في أشد الأزمات كان يعول على تدخله لحلحلة العقد. ويكمن سر قوته في أنه لا يقطع مع أي طرف، بل يبقي خطوط التواصل مفتوحة حتى مع خصومه، مما يمنحه مساحة واسعة للمناورة. واحدة من أبرز أدوات "أبومصطفى" في الحياة السياسية، قدرته على التحكم بتوقيت الاستحقاقات. من خلال موقعه في رئاسة البرلمان، يمارس سياسة التأجيل والمماطلة حين تقتضي الحاجة، ويفتح الأبواب حين تنضج الظروف. لعب هذا الدور بمهارة خصوصاً في أزمات تشكيل الحكومات وانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث كان ينتظر اللحظة المناسبة لطرح حلول توافقية. من جهة ثانية، يتحرك بري في انسجام سياسي مع الحزب منذ أعوام ويدعم امتلاكه السلاح. وتهيمن حركة "أمل" و"حزب الله" على التمثيل الشيعي في النظام الطائفي بلبنان، حيث يتم تقسيم مناصب الدولة بين الجماعات الطائفية. مارس نفوذاً كبيراً على السياسات المالية للدولة التي تعاني أزمة اقتصادية منذ عام 2019، نتيجة عقود من فساد الدولة وسوء إدارتها. وكان ذراعه اليمنى علي حسن خليل وزيراً للمالية من عام 2014 حتى عام 2020، وكان لبري رأي حاسم في اختيار خلفاء خليل منذ ذلك الحين. وقد دعم بري قرار لبنان بالتخلف عن سداد ديونه السيادية عام 2020، كما دعم حاكم البنك المركزي المخضرم السابق رياض سلامة الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب الأزمة. كانت حركة "أمل" واحدة من عدة فصائل نسفت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة عام 2020. كما صوت وزراؤها ضد خريطة طريق التعافي التي وضعتها الحكومة في مايو 2022، على رغم إقرارها. ينسب إليه مؤيدوه في الطائفة الشيعية الفضل في المساعدة على تحسين مكانتهم في نظام كان يميل لمصلحة المجموعات الأخرى بعد الاستقلال عام 1943. ولكن إلى جانب زعماء لبنانيين آخرين، كان بري نقطة محورية لغضب المحتجين خلال تظاهرات غير مسبوقة في جميع أنحاء البلاد عام 2019، مما يعكس الغضب الواسع النطاق من الفساد والطائفية وسوء الحكم. العلاقة مع الثنائي الشيعي على رغم تحالفه الوثيق مع "حزب الله" ضمن ما يعرف بـ"الثنائي الشيعي"، فإنه نجح في الحفاظ على استقلالية نسبية. ففي حين يلتقي الطرفان في الأهداف الاستراتيجية الكبرى، يحتفظ بري بمسافة تكتيكية تتيح له لعب دور المعتدل بين "حزب الله" من جهة، والأطراف اللبنانية والدولية من جهة أخرى. المرفأ في المقابل، يتهم رئيس مجلس النواب من قبل بعض خصومه ومنتقديه بتعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس (آب) 2020 وأودى بـ220 شخصاً. وقد رفض الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وهما من الموالين لبري، استجوابهما من قبل القاضي طارق بيطار الذي لا يزال يحقق في ما حدث. حركة "أمل" و"حزب الله" وحلفاء آخرون اتهموا بدورهم بيطار بالانحياز وتجاوز صلاحياته. ويشير آخرون إلى مسؤولية حركة "أمل" عن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعانيها لبنان منذ عام 2019، التي شهدت انهيار الليرة اللبنانية وتبدد مدخرات الناس. كان خليل وزيراً للمالية بين عامي 2014 و2020. لكن في خطاب ألقاه في مايو 2022، نفى بري أي فساد أو مخالفات وقال، إن حركة "أمل" مستعدة لقبول أي حكم ضدها. لكن كثيراً من اللبنانيين يشككون في صدقية القضاء في بلد معروف بإفلاته من العقاب. بري وشيعة لبنان على مدار عقود من مسيرته السياسية الحافلة بالأحداث، كان بري القوة الدافعة وراء التغييرات بعيدة المدى داخل الطائفة الشيعية في لبنان والتاريخ السياسي للبلاد. فمن خلال قيادته تمرداً مسلحاً ضد الرئيس السابق أمين الجميل عام 1983، رسم مسار السياسة الخارجية اللبنانية لعقود مقبلة. وبدعم من جنبلاط وحلفائه المحليين وسوريا والاتحاد السوفياتي، قضت معارضته العنيفة على معاهدة السلام بين لبنان وإسرائيل في 17 مايو، وقربت بيروت من دمشق. كما مهدت رعايته المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وتحالفه الحديدي مع "حزب الله" بعد قتال داخلي الطريق لتحرير جنوب لبنان في مايو 2000. أما بالنسبة إلى الشيعة، فقد قضى على الإقطاعية الشيعية التي تعود إلى قرون من الزمن، مما أدى إلى إضعاف العائلات المتنفذة مثل عائلة رئيس مجلس النواب السابق كامل الأسعد. وناضل من أجل حقوق السكان الشيعة المهمشين في البلاد، وضمن لهم حصة أكبر من السلطة السياسية والوصول إلى الخدمات الأساسية التي كانوا يفتقرون إليها في السابق. وبصفته وزيراً في الحكومة ورئيساً للبرلمان وزعيماً للحزب، خفف من المصاعب الاجتماعية والاقتصادية ببناء المدارس والمستشفيات وخزانات المياه والطرق وغيرها من مشاريع البنية التحتية في الجنوب. لكن بالنسبة إلى لبنانيين آخرين، بدأ بري يشبه جزءاً من النخبة السياسية، من النوع الذي عارضته حركته ذاتها خلال الحرب الأهلية، الذي فشل في إقامة نظام سياسي فعال أو حكومة فعالة قادرة على توفير الخدمات الأساسية. من سيكون خليفة بري؟ لدى بري، وهو الآن في أواخر الثمانينيات من عمره، ست بنات وثلاثة أبناء من زيجتين. وقد أظهر ابنه الأصغر باسل اهتماماً بالسياسة، وغالباً ما يظهر في تجمعات واحتفالات حركة "أمل" في بلد تهيمن فيه السلالات السياسية على الحياة العامة، وقد أثار ذلك تكهنات حول ما إذا كان سيخلف والده. الاستمرارية السياسية يبقى السؤال الأكبر، كيف استطاع نبيه بري البقاء في هذا الموقع طوال كل هذه الأعوام؟ الجواب يكمن في براعة سياسية فريدة، وقدرة على تدوير الزوايا، وموهبة في استخدام الصمت أحياناً كأداة تأثير أقوى من أي خطاب. يعرف جيداً متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يظهر كطرف، ومتى يقدم نفسه حَكماً. ديميس روسوس للمغني اليوناني الراحل ديميس روسوس قصة مع لبنان ومع رئيس مجلسه النيابي نبيه بري. ففي الـ14 من يونيو (حزيران) 1985، كان روسوس على متن الرحلة 847 التابعة لشركة "TWA"، المتجهة من أثينا إلى روما، عندما اختطفت الطائرة من قبل مسلحين لبنانيين. أجبرت الطائرة على الهبوط في بيروت، حيث بدأت واحدة من أطول وأعقد عمليات اختطاف الطائرات في التاريخ، واستمرت أكثر من أسبوعين. بعد أيام من بدء الأزمة، تدخل نبيه بري زعيم حركة "أمل" ووزير العدل اللبناني آنذاك، للوساطة مع الخاطفين. ولاحقاً في مؤتمر صحافي أعلن بري في عن إطلاق سراح ديميس روسوس إلى جانب خطيبته الأميركية باميلا سميث، ومواطن أميركي آخر، بعد مفاوضات مكثفة. اللافت أن روسوس الذي صادف عيد ميلاده الـ39 أثناء احتجازه، ذكر في المؤتمر الصحافي أن خاطفيه كانوا "لطيفين للغاية"، وأنهم قدموا له كعكة عيد ميلاد وسمحوا له بالعزف على الجيتار والغناء. وتلقى نبيه بري شكراً من الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان، على جهوده في الوساطة التي أسهمت في إطلاق سراح بعض الرهائن. سيرة والده مصطفى بري أحد وجهاء بلدة تبنين الشيعية جنوب لبنان، لكنه هاجر إلى أفريقيا وعمل في تجارة الماس في سيراليون. ولد نبيه في سيراليون في الـ28 من يناير (كانون الثاني) 1938. تلقى علومه الابتدائية بعد عودته إلى لبنان في مدرسة تبنين، والمتوسطة في مدرسة بنت جبيل، والكلية الجعفرية في صور، والثانوية في كلية المقاصد ومدرسة الحكمة في بيروت. انتسب إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، وتخرج فيها محامياً محتلاً المرتبة الأولى عام 1963. تابع دراساته العليا في الحقوق بجامعة السوربون في فرنسا. انتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، وتدرج في مكتب الأستاذ عبدالله لحود. وبعد أن أنهى فترة التدريب في مجال المحاماة، بدأ حياته المهنية. ناضل منذ نشأته في الحركة الطلابية، وترأس الاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين في لبنان، وشارك في كثير من المؤتمرات الطلابية والسياسية، وكان إلى جانب الإمام موسى الصدر في حركة المحرومين، حيث تولى مسؤوليات إعلامية وسياسية وتنسيقية مع الأحزاب السياسية، ملتزماً مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية، والنضال ضد احتلال جنوب لبنان. انتخب عام 1980 رئيساً لحركة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" ولا يزال حتى اليوم. عين: وزير دولة للجنوب والإعمار، ووزيراً للموارد المائية والكهربائية، والعدل، في أبريل (نيسان) 1984، في حكومة الرئيس رشيد كرامي. وزيراً للموارد المائية والكهربائية، والإسكان والتعاونيات، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، في حكومة الرئيس سليم الحص. وزير دولة، في ديسمبر 1990، في حكومة الرئيس عمر كرامي. وزير دولة، في مايو 1992، في حكومة الرئيس رشيد الصلح. انتخب بري رئيساً للبرلمان سبع مرات أولها عام 1992. وتنافس على المنصب نفسه في الانتخابات المتتالية في أعوام 1996 و2000 و2005 و2009 و2018 و2022، وفاز بها جميعاً. ترأس لائحة كتلة التحرير النيابية 1992، ثم لائحة التحرير والتنمية في 1996، ثم لائحة المقاومة والتنمية 2000. وفازت اللوائح التي كان يترأسها كاملة (22 عضواً) في جميع الانتخابات النيابية التي جرت منذ 1992 حتى 2005. ترأس منذ عام 1993 اتحاد البرلمانيين المتحدرين من أصل لبناني في 19 بلداً، كما يترأس منذ عام 1999 اللجنة البرلمانية العربية لكشف الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين العرب. انتخب في يونيو 2003 رئيساً للاتحاد البرلماني العربي، وتسلم الرئاسة في دمشق في الأول من مارس (آذار) 2004. وانتخب رئيساً لمجلس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار عاصمة السنغال بتاريخ التاسع من مارس 2004. إزاء تفاقم الأزمة اللبنانية بعد صدور القرار 1559 واستشهاد الرئيس رفيق الحريري، أسس بري هيئة الحوار الوطني عام 2006 وأدارها، فخففت جهوده حدة التشنج بين مختلف القوى السياسية. كما قام أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو (تموز) 2006 بدور محوري من خلال الاتصالات المحلية والدبلوماسية التي أجريت، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة النازحين إلى قراهم وديارهم وإطلاق ورشة البناء والإعمار. وقاد اعتصاماً مفتوحاً للنواب ابتداء من الثاني من سبتمبر داخل المجلس بهدف الضغط على إسرائيل لفك الحصار البحري والجوي عن الأراضي اللبنانية واستمر هذا الاعتصام إلى أن رفع الحصار بتاريخ 8 سبتمبر 2006.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store