
التصاوير العابثة
التِلِبْ، الحكيم الذي لم يختلي يوماً بكتاب، نراه دائماً، يظهر استنكاره المرير، لانحراف المجتمع عن قيمه النبيلة، التي كانت سائدة إلى عهد قريب، ويوضح بأن عقله، عاجز كل العجز، عن فهم ازورار الناس عنها، وانغماسهم في السفالة، والعهر، والفجور، دون أن يلاحظ حادب، أن حياة الناس نكرا، وفي أخلاقهم شذوذا، و يحصي لنا "التلب" الفيلسوف، صاحب "الأفق الواسع"، الذي نهضت فلسفته، على فكرة تعدد الزيجات، أسباب هذا التدهور المريع في السلوكيات، ويجملها في أثر الفروض الغائبة، في مفهوم المجتمع التعددي، فهو يرى أن الثقافة الغربية، التي أجرت العالم بأسره، على نمط واحد، السمة البنائية الجوهرية، الطاغية عليها، رغم ما مرّ بها من أحداث منوعة متعددة، هي دوران إمراة واحدة، في فلك الرجل، وهذه السمة، يجب أن تختفي، وتتوارى عن الأنظار، لأنها تناقض نفسها، وتهدم كل ما بناه الغرب، الذي لن يستطيع التقيد بالعدد الذي تواضعت عليه حضارته، أو يقتنع به اقتناعاً كاملاَ. والتلب، تاجر الأواني المنزلية والمتزوج من أربعة نساء، بعد أن يصل إلى هذه النقطة من حديثه المرسل، يلقي بنفسه علينا، ويتحفنا بأحاديث طويلة خرقاء، ما اطمأنت بها نفوسنا يوماً، ولا ارتاحت لها ضمائرنا، يدعي في سفسطة كلامه، أن الثقافة الغربية، أزرت بالتعددية الإسلامية، التي تطهر الناس من أوضار الرذيلة، فمجتمعاتنا، سوف تكون في مكانة، أرفع من هذه المنزلة، لو شاعت فيها فكرة التعدد، التي كانت ستسري عن مهجنا، هذا العناء المؤثل، ثم يصمت فجأة "التِلِبْ"، ويضطرب، وينتفض قائماً من جلسته، في لهفة وعجل، حينما يرى "بثينة" الغيداء، الطويلة، الفرعاء، وهي تتأود في مشيتها، متجة إليه، "بثينة" العاهرة، الماجنة، التي تحضر بصورة راتبة، في بعض من حاشيتها، إلى متجر "صريعها" التِلِبْ، هي الوحيدة التي تهدم لنا فلسفته، التي لم يشيدها قط على أساس مكين. التصاوير العابثةدلدوم، سائق التاكسي الموهوب، الذي اعتاد أن يعطي الداعرات من سابق فضله، ويسبغ عليهم من فيئه، اعتاد بعد أن يصلي العشاء في المسجد، أن يقضي زهاء الساعة، في خشوع وتدبر، ومسبحته العسجدية، لا تفارق أصابعه الغليظة، وبعد أن يقفر المسجد من المصلين، يسعى أن يغمض عينيه، ولكن النوم لا يجد سبيلاً إليهما، وسط هذه العبرات الحارة، التي تنهمر على خده انهمارا، دموع مصدرها، هذه الفروق الجوهرية، التي لا تسير على خط مواز متناغم، بين قيمه الميعارية، التي تحتكم إلى ما أنزله الله على أنبيائه، وبين نزعته الفنية، التي يدافع عنها وجدانه بالحق، وبالباطل، رغم أنها تتفاوت مع أطر العبادة والتفاني، إذن الاتساق الداخلي، الذي يسعى" دلدوم" لتحقيق توازنه، يقتضي منه، أن يتخلى عن تحفه الفنية، التي تحشتد البغايا لرؤيتها، كلما جلب بعضاً منهم إلى منزله، منحوتاته الرائعة، وتصاويره الدقيقة، التي لا تتمركز حول فكرة الاغواء، جسدت في الحق، "كآبة الساقطات"، و"عبثية العار" التي تشغل مساحات رحبة في تعابير وجوههن، إذن اللوعة المخيمة على وجوه المسافحات، هي الغاية التي تدفع "دلدوم" أن يطلب من المومس، أن تتجرد من ملابسها، وتنحني أمامه،، وتظل على هذه الهيئة طوال الليل، حتى تتسم تفاصيل منحوتته بالثراء، فرصد المشاعر الرازحة تحت وطأة العار، والسقوط، هو أزمة موغلة في القدم، عند من يتناولون العري بشكل حسي، و"دلدوم" التائه، وقف في معترك داره، التي تعج بالمنحوتات، والتصاوير العارية، جامداً ساكناً، قبل أن يهوي على تلك التماثيل، التي كانت تتطلب شهوراً طويلة في اعداد موادها، وتنظيمها، واستكمالها، بالركل، والتحطيم، وهكذا "بعثر" دلدوم مجسماته، وأشكالة، التي كان يقف حيالها موقف المشدوه بين الزهو والغضب.دورية أهل المخمل والديباجلم يكن من الصعب على لصوص المدينة، معرفة أمر "الدورية"، التي توافق عليها أبناء ذلك الحي، الذي اشتهر قاطنيه بالغنى والثراء، كان اللصوص على يقين راسخ، بأن شباب تلك الجهة، الذين تناثروا على أديمها، وأوحالها القذرة، وانبطحوا على حشيشها الأخضر المبتل، وهم يتصايحون، ويصخبون، سوف تفتر عزيمتهم، حينما ينال منهم الجهد، وتترنح أعينهم من شدة السهر الطويل، وبعد أقل من أسبوع، ارتد افتتانهم بالدورية، التي نالت استحسان أقطاب الحي، إلى نقمة وعبء ثقيل، فانكمشت همتهم، وتقاصرت، بعد أن استبان لهذه الفئة، التي لم يكن يعنيها أمر اللصوص اطلاقا، ولا تفكر فيه، أن عناء هذه الدورية، سيظل يلازمهم فترة غير قصيرة من الزمن، والشباب الذي يريد أن يحيا حياة مزدوجة، يجمع فيها بين القيم الموروثة، وبين الحداثة، التي يعد استكشاف أبعادها، وصورها أمراً مشروعاً، كان يشعر بأن هذا الالتزام المضني، وانفاق الليالي على مراقبة الحياط والجدر، من أجل الإيقاع بشخصيات ذات وجوه كامدة، غاية تقتضي منهم رجعة وشيكة، ولعل التعليل الطريف الذي لا يصح تجاهله، أن شباب تلك الناحية، كان يشعر بأن تعاقب اللصوص على "دورهم ومنازلهم" من الأوضاع الأزلية، التي لا يملك المرء إلا أن يقبلها على ما هي عليه، فاللصوص لن تقف دوريتهم الهزيلة تلك، عقبة كأداء في طريق تقدمهم، ونهب خيراتهم، إذن دوريتهم هذه، لم تعد تجدي نفعاً، خاصة أن السرقة التي تتفزع من هولها الأسر، لم تتوقف، حتى وهم يجوبون المنطقة بأسرها، السطو على المنازل شيء واحد يوقفه، وهو تحول أساسي يطرأ على واقعهم الاقتصادي المزري، وهذا لن يتحقق إلا بعد قرن من الزمان.أمست الدورية إلى حد بعيد، يتصدى لها أفراد، كان طريق الثراء مسدوداً أمامهم، من ضمن هؤلاء الأفراد "مجدي الأنوك"، وبرير" الخمرجي الحائر"، وجدهما لص عتيد، السمة الطاغية على حياة هذا اللص، هي التوتر الناجم عن الطموح الزائد عن الحد، "فجبر الدار" الذي يريد أن يغتني بين عشية وضحاها، وجد مجدي الأنوك وبرير، في نقاش عاصف حول الزخارف الموجودة في العملة السودانية، هل يطغى فيها جانب على جانب، أم هي متساوية، والغريب أنهما احتكما إلى اللص، بعد أن أعياهم المراء، و " جبر الدار" اللص المتوتر، الذي يرى أن هذا الجدال يشوهه، ويبتذله، ويحط من مكانته، أشهر" سلاحه الآلي" في وجه الأنوك وبرير، وطلب منهما أن يضرب كل منهما الآخر مائة جلدة، بخيزرانة كان يحملها "جبر الدار" في يده، بعدها لاحت على اللص المتمرس مظاهر انتهازيته، فأمرهما أن يدلانه في إطار حربه المستمرة على خصومه، على الأماكن التي يختفي فيها بقية أفراد العقد الفريد، شجعان المنطقة، الذين درّ "جبر الدار" من الطواف على منازلهم، أرباحاً وافرة، جعلت صيته ينتشر في كافة ربوع الولاية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- سرايا الإخبارية
تفسير رؤية الإسوارة الفضة في المنام وعلاقتها بالانتصار على الأعداء
سرايا - تفسير رؤية الإسورة الفضة في المنام لابن سيرين يقدم ابن سيرين تفسيرات مختلفة لرؤية الإسورة الفضة في المنام، مما يعكس الاعتقادات والقيم التي كانت متداولة في زمانه. وفي تفسيره، يشير ابن سيرين إلى أن رؤية مجموعة من الأساور الفضة في المنام قد تكون دلالة على وجود هموم أو مشكلات قد تواجه الشخص في حياته القادمة. كما يشير إلى أن رؤية إسورة جميلة الشكل قد تكون دلالة على الحصول على صديق وفي وكسبه في صف صاحب الرؤيا، وقد تشير أيضا إلى الولد الصالح الطيب الذي سينفعه في كبره إذا رأى أنه يمتلك إسورة فضية. ويشير ابن سيرين إلى أن رؤية ارتداء إسورة فضية أو مجموعة من الأساور في المنام قد تكون دلالة على انتصار الشخص على أعدائه والتغلب عليهم. ويذكر أيضا أن رؤية إسورة فضية لشخص غني قد تكون دلالة على زيادة وبركة في ماله وعقل راجح وذكاء. تفسير رؤية الإسورة الفضة في المنام للإمام النابلسي يشير إلى أن الرؤية تحمل معانٍ متنوعة ومتعددة، حيث تظهر الإسورة الفضة في المنام كرمز للضيق والهم والحزن. فإذا رأى الشخص نفسه مقيدًا بها، فإن ذلك يعكس الضيق الذي قد يسيطر عليه في حياته من ناحية أخرى، إذا رأى الشخص أنه يمتلك إسورة فضية في المنام، فإن ذلك يدل على أن الله سيرزقه بصديق مخلص ووفي، وسيحظى بحب شديد من هذا الصديق. كما قد تشير هذه الرؤية إلى اقتراب زواجه من امرأة صالحة وطيبة في حال كان أعزبًا. أما إذا كانت الإسورة من النحاس، فإن ذلك يتناسب مع تفسير ابن سيرين بأن هذه الرؤية ليست خيرًا لصاحبها، وتشير إلى الوقوع في الأزمات. وفيما يتعلق برؤية المرأة، فإن رؤيتها في المنام تعكس سرورًا ونعمًا قادمة من الله عز وجل. كما تشير أيضًا إلى البركة في الرزق والخير المقبل لها أو لزوجها في حال كانت متزوجة. وفي حال رؤية شخص ميت يرتدي إسورة فضية في المنام، فإن ذلك يدل على تمتع الرائي بالنعيم وحسن عاقبته، ورضا الله تعالى عنه.


جو 24
منذ 3 ساعات
- جو 24
تراتيل في حضرة الصمت
أ.د. عبدالله يوسف الزعبي جو 24 : أيها الصمت الساكن في أروقة النفس يا شيخ الحكمة وآية زكريا ثلاث ليال سوياً ومريم حين لن تكلّم اليوم إنسيأً إذ تحمل في المهد صبياً أيها الصمت ذاتك صلاة للخاشعين في هدأة الليل أيها الكبرياء الهادئة في حنايا القلب أيها السرّ الذي يموت إذا نطق، وتذبل معانيه إن أُفصح وقال أنت ظلّ البصيرة حين تنحسر الأضواء ومأوى الروح حين تتعب من ضجيج الحرف فيك يهمس القلب بما لا يُقال وتبكي العيون دموعاً بلا حسيس أنت لست فراغًا كما يظن الظنون بل ملء، ذروة، وقمة لا يبلغها إلا من ارتقى الوعي مع ثقل التجربة ونضج الألم أنت اللغة حين يعجز اللغو وأنت الخطاب حين تعرض الخُطب ناطق فصيح بجوامع الكلم وسحر البيان الصمت معركة أزلية ونزال أبدي مع الذات منذ البدء، حين كانت الكلمة وحتى النهاية على مشارف الخلود صراع لا مبتدأ له ولا خبر لا حروف فيه ولا علّة كلّه تلاوةٌ وهمس وحفيف تجويدٌ لا يُسمع إخفاءٌ وإدغام بغنةٍ وغير غنة الصمت، يا صاح، ليس فراراً بل قراراً ودعاء بشموخ الطود حديث خفي مع الله زلفى همهمةٌ عذبة وتسبيح يبغي الحسنات شقيق الجلال، خليل الإيمان رفيق العقل في رحلة الذات الكون صمت كلّه عدا الأرض وحدها التي اختارت الكلام أما السماوات... فضاء أنيق هدوء سرمدي لا يشوبه أثير والنجوم تستريح في سقف السكون الصمت نسمة لطيفة على ناي ونقرة وتر رشيقة وقار، هو نقاء وتُقى تلامس الشغاف إنه إنصات لنداء الوعي هو نُبل في حضرة الألم ونجاة قبل الندم الصمت الصديق لا يخون وشاعر دونما قافية أو بحر من علم العروض عجباً لك، يا صمتي الثرثار! حين ألوذ بك أكاد أُصاب بهذيان الحكمة في عالمٍ تملؤه الألسن وتفيض غرقاً فيه الكلمات حيث أفواه لا تغلق وألسنة لا تُقهر حيث تلوك الشفاه ذاتها، ليلاً ونهاراً عالم الحداثة يهذي جنوناً يتكلم كثيراً، ويعقل قليلاً يرفع رايات الحق ويد تستل سكين يعزف الحرية لحناً والقيد في المعصمين ما عاد للسكينة موطئ ولا للحكمة مجلس بين صليل الأسواق وضجيج الدم خرج الإنسان على الناموس تمرّد على الميزان والكلمات شهود زور في محكمة الحياة أيها الصمت أراك، كما قيل فيك ،لغة الله، وما عداه ترجمة ركيكة أجل، قد أُرهقت الأرض من صخب البشر وضاعت ملامح الفطرة في زحمة الهراء فيك وحدك ألتمس النجاة من عالم ينكر الله ويقتل الحياة قد آن آن أن نلوذ بك ففيك، تنصت الحياة وفيك، وحدك، نسمع الصدى الأخير فاثبتْ، يا صمتي الحزين ولا تفارقني قد وعدتني بالوفاء حتى آخر اللقاء قد عاهدتني بالبقاء حين وفاء في آخر النفس والنبض وحين لا غير لي سواك. تابعو الأردن 24 على


الانباط اليومية
منذ 11 ساعات
- الانباط اليومية
'ماتت أمي'.. فنانة شهيرة تنعي والدتها بكلمات مؤثرة جداً (صورة)
الأنباط - بكلمات مُبكية، كتبت الفنانة هند صبري، نعياً مؤثراً لوالدتها، نشرته عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أعربت فيه عن حزنها الشديد لفراق والدتها السيدة دلندة وكتبت هند قائلة: "أمي .. ممّا .. ممّاتي .. ماما.. دلندة.. بطاطس..ددّو ..بطّوس.. ماتت أمي وتوقف الوقت وسكت كل شيء.. من يعرفني جيدا يعلم أننا لم نفترق أبدا، روحي وروحها تعاقدتا على ألّا نفترق حتّى شيّعتها إلى مثواها الأخير'. وتابعت: "أمّي كانت إبنتي وصديقتي ورفيقة دربي وأكثر قلب أحبّني وأحببته.. كيف يدور العالم بدون أمّ ؟ يقولون أنّ الناّر تبرد و أنّ الحزن يصغر وأن الحنين يتوقف عن الصراخ.. يقولون و أنا لا أصدّق .. و أدعو الله أن يربط على قلبي الذي تفتّت و ذبل'. وأضافت: "الله يرحمك يا أمّي.. ويتقبّلك في فسيح جنّاته ويأجرك على مرضك وتعبك و يصبّرني على الفراق.. والله يرحم كلّ أمّ'. واختتمت رسالتها بالقول: "أرجو من كلّ من يحبّني و كلّ من عرفها قراءة الفاتحة والدّعاء لها بالمغفرة والرّحمة'. وتوفيت دالندة كلاعي، والدة الفنانة هند صبري، وشيع جثمانها يوم الجمعة الماضي في تونس عقب صلاة العصر، ودفنت بمقبرة سبالة بن عمّار بطريق جبّاس