
هل إسرائيل شرطيُّ المنطقةِ الجديد؟
اليومَ حضورُها أكبر فهيَ وراء التغيرات الجيوسياسيةِ الهائلة، إثرَ هجماتِ السَّابع من أكتوبر. بعدَ هذا كلّه، كيفَ تنظرُ إسرائيلُ إلى نفسها؟
من المستبعدِ أن تكتفيَ بدورها القديمِ وستبحثُ عن أدوارٍ سياسية تعكس قدراتَها العسكرية.
كانت لتلِّ أبيبَ سياسةٌ على مدى نصف قرن ركيزتها حماية وجودِها وحدودها القديمة والمحتلة، شملت مواجهةَ إيران وملاعبةَ القوى المضادة مثل نظامي صدام والأسد.
اليوم تدشّن مرحلة ما بعدَ تدمير القوى المحيطةِ بها. وللمرة الأولى في تاريخِها الحديث، لم تعد هناك قوةٌ تعلن تهديدها لإسرائيل وقادرة على فعل ذلك. حتى إيران لا تستطيع ذلك بعد التَّدمير الذي لحقَ بقدراتها الهجومية، وقد تتغيَّر هذه المعادلة مستقبلاً إن تمكَّنت ايران من إعادة بناء قوتها الداخلية والخارجية، لكنَّ الأمر يبدو مستبعداً أو بعيداً.
بتبدّل الأوضاع تتبدَّل الاستراتيجية الإسرائيلية، تريد أن تكونَ لاعباً هجوميّاً في المنطقة وليس مجردَ حارسٍ للحدود. والمنطقة الآنَ في حال متبعثرة، وبلا تحالفاتٍ واضحة، كأنَّها تنتظر أن تحسمَ الأمور المضطربة، ومن بينها محور طهران الذي تقلَّص كثيراً.
هناك احتمالان لما ستكون عليه إسرائيل، الأول أن تعتبرَ نفسَها قوة لحفظ الواقع الجديد، و«استقراره»، والانخراط سلمياً مع الجوار باستكمال علاقاتِها مع بقية العرب. وهذا سيعني نهايةَ حقبةِ الحرب والمقاطعة. مع نهاية الأنظمة المعادية لها أو إضعافِها، ستعزّز إسرائيل مصالَحها بترسيخ الوضعِ الجيوسياسي وتنظيفِ محيطها وإقصاء ما تبقَّى من حركاتٍ معادية لها.
الاحتمال الثاني أنَّ إسرائيل بقوتها المتفوقةِ تريد أن تعيد تشكيلَ المنطقة وَفق منظورها السياسيِّ ومصالِحها وهذا قد يعني المزيدَ من المواجهات. فالدول الإقليمية لديها هواجسُ قديمة في هذا الشأن. فقد كانت هناك أنظمةٌ توسعية مثل صدام العراق وإيران اعتبرت إسرائيل عقبةً أمام طموحاتها الإقليمية وتبنَّت مواجهتها، وإن كانتِ العناوين دائماً تتدثّر بالقضية الفلسطينية.
هجماتُ حركة حماس أخرجت إسرائيلَ من القمقم ووضعتها طرفاً في المعادلة الإقليمية أكثرَ من ذي قبل. فهل إسرائيل تبحث عن التعايش إقليمياً أم تطمح لتنصب ن
فسها شرطياً للمنطقة؟
كل شيء يوحي بأنَّ إسرائيلَ تريد أن تكون طرفاً في النَّشاط السياسيّ الإقليميَ ومعاركِ المنطقة، قد تكونُ المقاولَ العسكري أو لاعباً إقليمياً أو حتى زعيمةَ حلف. فهي سريعاً منعتِ التَّدخلَ العراقي في سوريا والتَّمدد التُّركيَّ كذلك.
شهية حكومةِ نتنياهو للقتال المستمرة أحيت مخاوفَ مشروع إسرائيل الكبرى، والتخطيط للتوسع في المنطقة. الحقيقة أنَّ معظمَ هذه الطروحات تسوقُ لها الأطرافَ المنخرطة في الصّراع مثل إيران وسوريا والإخوان واليسار. إسرائيل ربَّما تبحث عن دور مهيمن، لكنَّ التَّوسعَ الجغرافي مستبعد. فهيَ على مدى خمسين عاماً انكفأت على نفسها وسخرت إمكانياتها المادية والعسكرية والقانونية لابتلاع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ولا تزال تصارعُ للحفاظ عليها وإفشال العديد من المحاولات لتخليصها بإقامة دولة فلسطينية أو إعادتها تحت الإدارتين الأردنية والمصرية.
الدولة الإسرائيلية صغيرة وستبقَى كذلك نتيجة طبيعة نظامِها المتمسّك بالحفاظ على يهوديتها. حالياً عشرون في المائة من مواطنيها فلسطينيون، ولو ضمَّت الأراضيَ المحتلة للدولة ستصبح نسبتُهم نصفَ السُّكان تماماً. هذا يجعل التحديَ استيعابَ الضفة وغزة وليس التوسع. الخشية أن يسعى المتطرفون الإسرائيليون إلى الاستفادة من حالة الفوضى لهذا الغرض، كما حدث بعد أكتوبر، إذ استُغلَّت هجمات «حماس» للتخلّص من جزءٍ من سكان الضفة وغزة. هذا احتمالٌ وارد وله تداعياتُه الخطيرة. إنَّما توجد مبالغة فيما يروّج له المؤدلجون محذرين ممَّا يسمى إسرائيل الكبرى، مستشهدين بصور ومقالاتٍ تدعو للتوسع لما وراء نهر الأردن. قد تكون ضمنَ الطروحات التلمودية والسياسية التي تشبه الحديث عن «الأندلس» عندَ الذين يحنُّون للتاريخ العربيّ والإسلاميَ القديم. ديموغرافياً إسرائيلُ محكومةٌ بمفهومها للدولة اليهودية وتخشى من أن تذوبَ إثنياً بخلاف معظم دول المنطقة التي تشكَّلت واستوعبت أعراقاً وإثنياتٍ متنوعة. إسرائيل تسعى للهيمنة لكنَّها تخاف من الاندماجات الديموغرافية الحتمية نتيجة الاحتلالات.
سياسياً، تبقَى استراتيجية الدولة اليهودية المقبلة، عقب انتصاراتها الأخيرة، غامضةً وربَّما لا تزال تحت التشكّل. ومهما تريد لنفسها، سواء أكانت تريد دولة مسالمة منفتحة على جيرانها العرب أم شرطياً للمنطقة منخرطاً في معاركَ دائمة، فإنَّ للمنطقة ديناميكيتها التي تحركها عواملُ مختلفة ومتنافسة ولا تستطيع قوةٌ واحدةٌ الهيمنةَ عليها.
*نقلاً عن "الشرق الأوسط".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 5 دقائق
- الشرق الأوسط
نتنياهو: الدبلوماسية ليست السبيل لإنهاء الحرب في غزة
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء، إن الدبلوماسية ليست السبيل المناسب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وفق ما نقلته صحيفة «هآرتس». وأضاف خلال كلمة في القدس أن «النصر» هو الكلمة الوحيدة الباقية في قاموس الجيش، معتبراً أن الحل السياسي ما هو إلا وسيلة أخرى للتعبير عن ♫الهزيمة والاستسلام».


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
نبيل عمرو: فتح وحماس والسلطة.. لا أحد مستثنى من الفشل
منصور عباس: قيل لي إنه لن يبقى من غزة سوى الخيام والرمال – بودكاست ما بعد السابع في هذه الحلقة من بودكاست ما بعد السابع عبر منصة مزيج استضفنا الدكتور منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي، للحديث عن تداعيات عملية الـ 7 من أكتوبر على فلسطينيي الداخل (عرب 48)، والقضية الفلسطينية بشكل عام. عباس كشف عن رؤية إسرائيل لغزة، قائلاً إنها "لا تريد أن تُبقي فيها سوى الخيام والرمال"، داعياً الفلسطينيين إلى المصالحة والوحدة. كما تحدث عن دوره في إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو وعلاقته الشخصية والسياسية به، وردّ على الاتهامات التي طالت مواقفه السياسية، خاصة ما يُقال عن تهميشه للقضية الفلسطينية. محمد اشتية: حسابات حماس في عملية الـ7 أكتوبر كانت خاطئة في الحلقة الأولى من بودكاست #ما_بعد_السابع عبر منصة #مزيج نستضيف فيها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمد اشتية أو كما أطلق عليه مقدم البرنامج عصمت منصور لقب "رئيس وزراء 7 أكتوبر"، ونجري معه حوار استثنائياً نستعرض فيه التحولات الكبرى التي فرضتها حرب السابع من أكتوبر على الواقع الفلسطيني، ونفكك معه لحظة بلحظة تداعيات الحرب على حكومته حينها، وعلى مستقبل قطاع غزة بأكمله. اشتية تحدث أيضاً وبصراحة عن كواليس ما حدث قبل بدء الحرب، وأجاب على السؤال الشائك؟ هل ارتكبت حماس خطأً بعملية 7 أكتوبر؟ كما يطرح موقف السلطة الفلسطينية من مستقبل القطاع، ويحدد بشكل مباشر ما المطلوب من حماس إذا أرادت الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
فيديو: احتلال غزة.. تحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة
حذر مراقبون وخبراء من أن تنفيذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطته الرامية إلى احتلال قطاع غزة بالكامل سيقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وسط مخاوف من ارتكاب مجازر وحشية وجرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، في ظل أوضاع مأساوية يعيشها القطاع منذ أشهر. وتشير التحليلات إلى أن الخطة قد تتضمن فرض التهجير القسري وتدمير ما تبقى من البنية التحتية في غزة، وهو ما سيقضي على أي أمل في إنجاح الجهود الدولية والإقليمية الرامية لتحقيق السلام وحل الدولتين، فضلاً عن تعقيد ملف الرهائن الإسرائيليين وتقليص فرص إنقاذهم أحياء. كما يحذر الخبراء من أن مثل هذا التصعيد قد يؤدي إلى زيادة التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم، إلى جانب تشجيع منظمات وجماعات مسلحة على انتهاك القانون الدولي الإنساني، ما يهدد بإشعال أزمات أوسع تتجاوز حدود الأراضي الفلسطينية. أخبار ذات صلة