تلك الصفعة التي تمحو هزيمة
في 14 كانون الأول 2022، قُتل الجندي الإيرلندي "شون روني" (23 سنة)، جنوب لبنان، بكمين مسلح اعترض موكباً لقوات اليونيفيل كان متجهاً إلى بيروت. وفي حزيران 2023، اتهم القضاء العسكري اللبناني خمسة من أعضاء حزب الله بالجريمة، مستنداً إلى تحقيقات ووثائق وتسجيلات.. وقد أظهرت كاميرات المراقبة بعض العناصر المسلحة تصرخ بالقرب من الآلية: "نحن من حزب الله"، ونادوا بعضهم البعض عبر الأجهزة اللاسلكية، ومن ضمن الأسماء التي سُمعت: "علي مسلماني، هادي، عبود، زياد..". إضافة إلى أن أحد هذه العناصر كان يصرخ على سائق الآلية العسكرية قبل قتله: "يا حمار.. نحن حزب الله".
وبعد خمسة أشهر على المحاكمة، أُطلق سراح القاتل "لأسباب صحية". إذ كنا -وما زلنا- في دولة تهاب هذا الحزب و"قديسيه"، حسب وصف حسن نصرالله للمشتبه بتنفيذهم سلسلة اغتيالات سياسية كبرى.
وهكذا، وتحت ظلال عدالة الحزب ودولته، عشنا أيامنا وأحوالنا منذ العام 2005 في كنف الجريمة، التي باتت في أصل السياسة وفصلها. والإفلات من العقاب ركن أساسي من أركان هذا النظام، حتى بات لبنان كله دولة مارقة وفاشلة ومفلسة.
كذلك، رضخت "اليونيفيل" صوناً لحياة جنودها، وتفادياً لحرب عصابات قد تشن ضدها، لأن تتحول متفرجة وحسب دون أدوارها ووظيفتها، وعاجزة عن تنفيذ مهامها التي نص عليها القرار الأممي 1701. وبقي لبنان إلى وقت قريب (نحو عشرين عاماً) متخلفاً عن موجبات هذا القرار، وفق مشيئة الحزب المذكور.
وإذ جاءت الحرب الأخيرة، وعصفت بالجنوب ولبنان، خراباً واحتلالاً وانكساراً وطنياً مهيناً، وأنزلت بحزب الله هزيمة مدوية، ظنت قوات "اليونيفيل" أنها تستطيع أخيراً المباشرة بتنفيذ مهمتها، خصوصاً بعد توقيع وقف إطلاق النار وإذعان الحزب لشروط الاتفاق.
لكن الحزب ليس من عادته الإذعان طويلاً، ولا من شيمه الرضوخ للأمر الواقع، ولا يقيم وزناً للوقائع والنتائج. فرغم فداحة ما أصابه، راح منذ الأيام الأولى لوقف إطلاق النار يتبجح أنه يستعيد جاهزيته وتسليحه وبناء قدراته. كذلك، صار يعلن جهاراً أنه لن يسلم سلاحه. وجلّ ما يقبله هو العودة إلى زمن فائت، كانت فيه كلمة "الحوار" تعني: استسلموا لمشيئتي.
ويبدو أن الحزب وجد في رغبة رئاسة الجمهورية والحكومة عدم الصدام معه، ودعوته لتسليم سلاحه بالحسنى، علامة ضعف ووهن، يمكنه الاتكاء عليها دهراً دون تسليم مسدس واحد، تماماً كما لن يسلم مشتبهاً به واحداً ولو بعد 300 سنة، حسب قول شهير.
أما فيما يخص "اليونيفيل"، وتفاؤلها الساذج، فكان كفيلاً استعادة شبح كمين العاقبية لردعها عن مبتغاها. إذ يكفي إنزال بضعة شبان بثياب مدنية مزودين بالعصي والحجارة، يسميهم الحزب "الأهالي"، يعرفون بدقة متناهية مسار دوريات اليونيفيل وهدفها، فيقطعون عليها الطريق باللحظة المناسبة.
وفيما تعربد إسرائيل دون رادع، ومن غير ردّ ولو رمزي من قبل "المقاومة"، وتهيل الضربات على حزب الله ليلاً نهاراً، في كل مكان، فوق الأرض وتحتها، جنوب الليطاني وشماله، كصفعات متتالية تحول دون نسيان هزيمته بل وتديمها وتعمّقها.. لا يجد الحزب جواباً سوى بجعلنا صهاينة بدلاء يستطيع استضعافنا، مواطنين ونواباً ووزراء ورؤساء، وسائر السياسيين والأحزاب والطوائف الأخرى، وبعض الشيعة المتهورين الذين يقولون بغير ما يقول. فيكون له ولبيئته التعويض والتنفيس.
على هذا المنوال، تصفعه إسرائيل فيصفعنا نحن. معادلة سياسية بديعة، تؤكد للمرة الألف منذ العام 2005، أن السلاح والقوة لم يكونا مرة إلا ضد الداخل (ولا حاجة للإحصاء الممل)، حتى عندما يستدعي إسرائيل للحرب (وهل كانت حرب تموز 2006 غير ذلك؟).
أمس، تبدى على نحو جلي السلاح الجديد لحزب الله، صفعة على وجه جندي اليونيفيل، وصفعة على وجه شيخ شيعي ليس من أتباع الحزب.
صفعة يتوسم بها حزب الله أن تمحو هزيمته. لما لا، إن ظلت دولتنا تدير له خدها الأيسر بعدما تورم خدها الأيمن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ ساعة واحدة
- صوت لبنان
بيئة حزب الله غاضبة.. كفانا أوهاماً وصبراً استراتيجياً!
خيبة أمل وانكسار متكرر تعيشه البيئة الحاضنة لما يُسمّى بمحور "الممانعة" في لبنان. فكلّ الشعارات التي رُدّدت مراراً في مواسم اللطم والتطبير، وخطابات نصر الله وخامنئي، لم تكن إلا كزبد بحر مضطرب. لطالما أيقن المناهضون لمشروع "الولي الفقيه" و"الحرس الثوري" أن هذه الإمبراطورية المزعومة ليست سوى نمر من ورق، لكن اللافت اليوم أن هذا الإدراك بدأ يتسلّل إلى أبناء البيئة الحاضنة للحزب داخل لبنان، بعدما عبّرت منشوراتهم على وسائل التواصل عن خيبات متراكمة، وانكشاف حجم التراجع والانهيار على المستويين العسكري والقيادي. فالاختراقات الأمنية المتكررة، والانكسار العسكري المتواصل، والخذلان الإيراني خلال الأشهر الماضية، إلى جانب الضربات الإسرائيلية الدقيقة، عرت هشاشة الحزب والقيادة الإيرانية التي طالما ادّعت الصلابة. حتى نشطاء الحزب، والمدافعون الشرسون عنه سابقا، لم يخفوا غضبهم من تكرار المصطلحات المستهلكة مثل "الصبر الاستراتيجي" و"محو إسرائيل في دقائق"، والزرّ الذي "سيُبيد تل أبيب"، وغيرها من الأوهام التي روّجتها الأبواق الإعلامية لسنوات. اليوم، تعيش البيئة الشيعية حالة من الإنكار والذهول، بعدما تهاوت أحلام "الإمبراطورية الفارسية"، وتبيّن أنها لم تكن سوى أوهامٍ نسجها دعاة الممانعة بدهاء وخداع. وباتت الغالبية من بيئة حزب الله في حالة من اليقين بضرورة الابتعاد عن حسابات إيران وألاعيبها، فدوامة العنف والحروب التي أغرقتهم بها طهران طوال السنوات الماضية آن لها أن تتوقف، داعين لضرورة وضع حد لكل أبواق النشاز في محور الممانعة المطالبة بجر لبنان لحرب مدمرة أخرى أو الوقوف بصف سياسات إيران الخائبة. بل وصل الأمر إلى أن ناشطين من داخل بيئة الحزب باتوا يهاجمون ويجلدون من يكرّر تلك الخرافات، كما حصل مع مدعي الصحافة "حسن عليق"، الذي تحوّل إلى هدفٍ لسهام التعلقيات الغاضبة والمستهزئة.


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
هآرتس عن مصادر في الجيش الإسرائيلي: حزب الله لا يتصرف بطريقة تشير إلى أنه ينوي مهاجمتنا
هآرتس عن مصادر في الجيش الإسرائيلي: حزب الله لا يتصرف بطريقة تشير إلى أنه ينوي مهاجمتنا Lebanon 24


المركزية
منذ 2 ساعات
- المركزية
ضو: ما فعلته الحكومة ممتاز بإبلاغها الحزب رفض الحرب
قال النائب مارك ضو عبر "لبنان الحر" ضمن برنامج "بلا رحمة": "لن تقبل إسرائيل ودول أخرى بدولة كايران منطقها جهادي وتوسعيّ"، مشيراً الى ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب "لا يزال يريد الحل الدبلوماسي وهدفه الأساس انهاء الحروب وهو يخفف الاشتباكات المسلحة في مختلف أنحاء العالم وهدفه ان يجلسوا في الأخير الى طاولة المفاوضات. وسأل: هل يمكن ان تقبل ايران مثلاً بصفر تخصيب لتحمي النظام؟". أضاف: "السلاح المتبقي لحزب الله ولاؤه لإيران وهذا يعرض لبنان لمخاطر والخطر الدائم هو بقاء السلاح والدليل على ان السلاح إيراني هو ما حصل من تظاهرات بوجه اليونيفل ما يؤكد ان الأهالي مستعدون لاعادة حمل السلاح متى تطلب الامر ذلك وقد تزامن الموضوع مع المفاوضات حيث ارادت ايران ارسال رسالة الى اميركا مفادها انها لا تزال موجودة في الشرق الأوسط". وتابع: "ما فعلته الحكومة ممتاز لجهة تبليغها حزب الله رفضها الدخول في حرب عبر قائد الجيش لان الدولة تمسك بزمام الأمور وهي من يملك قرار السلم والحرب"، وسأل: "كلما ارادت ايران القيام ببطولة يجب ان نوضب اغراضنا ونترك؟". ولفت ضو الى ان "حزب الله هو الأقرب الى إسرائيل لكنه غير قادر على مهاجمتها ولو كان يملك أي قدرة لكان استخدمها فسلاحه الموجود ليس كافياً ليدخل باشتباك معها". وأردف: "سنة ونصف سنة من ادعاءات القصف والبطولات الوهمية، أكمل الإسرائيلي حياته فيما نحن لدينا 37 قرية فارغة". ورأى ان "حزب الله يجب ان يأخذ قراراً وطنياً فهو لا يستطيع ان يقنع نفسه وجمهوره ولا قدرات لديه". وتحدث ضو عن الرئيس السوري لافتاً الى انه "يتفاوض مع الإسرائيليين وهو ذاهب الى اتفاقية سلام بالكامل"، متحدثاً عن صيغة يتم التداول بها ان تستأجر إسرائيل المواقع في الجولان من دون ان تحتلها لمدة 100 او 150 عاماً. وجزم: "خسرنا ربع تمويل اليونيفل الذي يأتي من الولايات المتحدة وهناك من يقول ان الولايات المتحدة تعتمد هذا الاجراء تجاه كل حفظة السلام حول العالم وليس فقط لبنان". وقال: "ما زلنا نحاول اقناع المجتمع الدولي ان يكون هناك سلاح خارج شرعية الدولة شيء عادي"، مشيراً الى ان رئيس الجمهورية "يأخذ مخاطرة كبيرة على حساب اللبنانيين لانه يجب تسليم السلاح فوراً ويجب ان يكون حازماً بمسألة السلاح الفلسطيني وسلاح الحزب على حد سواء". وشدد على انه "لا يمكن ان نفاوض على الوضع الأمني او السيادي اذ يجب ان نحسم موضوعنا الداخلي وبعدها نتصل بايران ونتفاوض معها من دون التنازل عن أي منهما". وختم: "نحن نهدر فرصة تاريخية لأننا يجب ان نكون حاسمين".