
القيادة التحويلية: كيف يصنع القادة المستقبل ويحفزون الابتكار؟
خالد بن حمد الرواحي
في عالم الأعمال سريعِ التغير، لم تعد القيادة مجرد ممارسة تقليدية لإدارة المؤسسات، بل أصبحت عاملًا جوهريًا في تحفيز الابتكار وتحقيق التميز المؤسسي. مع تصاعد التحديات العالمية، برزت الحاجة إلى نمط قيادي قادر على تمكين الأفراد وتعزيز بيئات العمل الإبداعية. القيادة التحويلية هي نمط قيادي يُركز على تحفيز الأفراد وإلهامهم لتحقيق أداء عالٍ وابتكار مؤسسي.
ووفقًا لـBass (1985)، تعتمد القيادة التحويلية على أربعة عناصر رئيسية: التأثير المثالي، والتحفيز الإلهامي، والاعتبار الفردي، والتحفيز الفكري، مما يساعد في خلق بيئة عمل تدعم الإبداع وتُحفّز الفرق على تحقيق أهداف مشتركة. بأسلوبها القائم على الإلهام، والتحفيز، والتطوير المستمر، تمثل اليوم ركيزةً أساسيةً لدفع المؤسسات نحو الابتكار والتكيف مع المتغيرات. هذا ما أكدته ورقة بحثية حديثة نُشرت لنا في فبراير 2025 بمجلة "أتلانتس" المغربية العلمية المُحكمة، حيث تناولنا أثر القيادة التحويلية على الابتكار المؤسسي.
أظهرت الدراسة نتائج واضحة: المؤسسات التي تتبنى القيادة التحويلية تحقق مستوياتٍ أعلى من الكفاءة التشغيلية والابتكار المؤسسي، فقد أظهرت البيانات أن بيئات العمل التي تعتمد على هذا النهج القيادي سجلت تحسنًا في الإنتاجية بنسبة تصل إلى 30%، كما ارتفعت مستوياتُ رضا الموظفين بشكل ملحوظ نتيجةً لأساليب التحفيز والتطوير المستمر التي يوفرها القادةُ التحويليون. هذه النتائج تعكس أهمية القيادة التحويلية في بناء ثقافة تنظيمية تُمكّن الأفراد من التفكير الإبداعي وتقديم حلول متجددة.
ولكن، كيف يمكن لقائدٍ أن يكون محفزًا للابتكار؟ الإجابة تكمن في قدرته على خلق بيئة تدعم التفكير الإبداعي، وتعزز العمل الجماعي، وتشجع الموظفين على اقتراح حلول جديدة. المؤسسات الناجحة مثل Google وTesla قدمت نموذجًا ناجحًا في هذا المجال، حيث مكّنت قادتها التحويليين من تحفيز الابتكار داخل فرق العمل، مما أدى إلى تطوير منتجات وخدمات غير مسبوقة. وبذلك، يتبين أن القيادة التحويلية ليست مجرد استراتيجية نظرية، بل أداة عملية تعزز الأداء المؤسسي وتدفع نحو التميز.
بالطبع، تواجه المؤسسات تحديات عند تبني هذا النموذج القيادي. فقد سلطت الدراسة الضوء على بعض العقبات التي تعترض تطبيق القيادة التحويلية، مثل مقاومة التغيير ونقص برامج التدريب القيادي. فغياب بيئة تنظيمية داعمة قد يعيق جهود القادة في تطبيق هذا النمط القيادي بفعالية. لذا، أوصت الدراسة بضرورة توفير برامج تدريبية للقادة، وتعزيز ثقافة التغيير، وتبني سياسات مؤسسية تُشجع على الابتكار، لضمان الاستفادة القصوى من هذا الأسلوب القيادي.
لكن القيادة التحويلية ليست مجرد نظريةٍ أكاديمية، بل هي واقع يجب أن تتبناه المؤسسات التي تسعى إلى الاستدامة والنجاح. فالمؤسسات التي تفهم أهمية الاستثمار في قادتها ستتمكن من تحفيز الابتكار، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحقيق تنافسيةٍ مستدامةٍ في سوقٍ متغير. ويصبح القادة حينها ليسوا فقط مديرين ينفذون الأوامر، بل مُلهمين، ومحفزين، وصانعي فرص.
نحن أمام لحظةٍ حاسمةٍ في عالم الإدارة، حيث لم يعد كافيًا أن يكون القائد مجرد منفذ للخطط، بل يجب أن يكون عنصرًا رئيسيًا في صناعة المستقبل. القيادة التحويلية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورةٌ لبناء مؤسساتٍ قادرةٍ على المنافسة والابتكار.
إنَّ المستقبل ينتمي إلى القادة الذين يدركون أن الابتكار يبدأ من الداخل، من فرق العمل التي تحظى ببيئةٍ ملهمةٍ وداعمة. والسؤال الذي يجب أن تطرحه كل مؤسسة اليوم: هل لدينا قادةٌ قادرون على إحداث هذا التحول؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشبيبة
منذ 7 أيام
- الشبيبة
البيت الأبيض ينشر أبرز الصفقات الموقعة مع السعودية
الرياض - وكالات وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الثلاثاء، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، التي تتضمن عدد من مذكرات التفاهم. ونشر البيت الأبيض أبرز الصفقات الموقعة مع السعودية عقب جولة المباحثات الرسمية بين بن سلمان وترامب، في الرياض، ضمن حزمة استثمارات بقيمة 600 مليار دولار، حيث جاءت كالآتي: صفقة دفاعية قياسية بقيمة 142 مليار دولار تشمل معدات أميركية متطورة وتدريب شامل للقوات السعودية. استثمار سعودي بـ20 مليار دولار من شركة DataVolt في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وبنية الطاقة داخل الولايات المتحدة. استثمارات تكنولوجية مشتركة بـ80 مليار دولار من شركات كبرى مثل Google وOracle وUber وAMD في البلدين. مشاريع بنية تحتية سعودية كبرى تنفذها شركات أمريكية مثل AECOM وParsons بقيمة 2 مليار دولار. صادرات أمريكية تشمل توربينات غاز من GE Vernova بقيمة 14.2 مليار دولار وطائرات بوينغ 737-8 بقيمة 4.8 مليار دولار. استثمار صحي بـ5.8 مليار دولار من Shamekh IV Solutions، يتضمن إنشاء مصنع في ولاية ميشيغان. إطلاق 3 صناديق استثمارية بقيمة إجمالية 14 مليار دولار تركز على الطاقة، الدفاع، والرياضة داخل الولايات المتحدة. ووصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من اليوم إلى العاصمة السعودية، ضمن جولته الخليجية التي وصفها بـ"التاريخية"، ورافقه عدد من رجال الأعمال البارزين بينهم إيلون ماسك. ووقع ترامب وبن سلمان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية التي تضمنت عدد من مذكرات التفاهم في ختام اجتماع ترأسه الجانبان في قصر اليمامة بالعاصمة الرياض. فيما غادر ترامب قصر اليمامة مع نهاية مراسم الإعلان عن مضمون الاتفاقية الاستراتيجية، وتوجه للمشاركة في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي.


جريدة الرؤية
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
صراع العقول
خالد بن حمد الرواحي هل نحن أمام لحظةٍ مفصليةٍ في عالم التكنولوجيا؟ مع اشتداد المنافسة بين العمالقة، تبرز الصين كلاعبٍ أساسيٍّ في إعادة رسم خريطة الذكاء الاصطناعي العالمي. لم يعد الاحتكار الغربي لهذه التقنيات أمرًا مفروغًا منه، فمع صعود ديب سيك كمُنافسٍ مباشرٍ لـChatGPT، بات المشهد التقني أكثر تعقيدًا وإثارةً للتساؤلات حول المُستقبل. خلال الأعوام الأخيرة، ضخت الصين استثماراتٍ هائلةً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وها هي تجني ثمار ذلك. DeepSeek R1 برهن على تفوقه ليس فقط من حيث الأداء، بل أيضًا من حيث التكلفة التشغيلية. حينما أطلق رجل الأعمال الصيني ليانغ وينفنغ شركته "ديب سيك" عام 2023 برأس مالٍ لم يتجاوز 1.5 مليون دولار، لم يكن أحدٌ يتوقع أن تتحدى شركته عمالقة الذكاء الاصطناعي. وبرغم العقوبات الأمريكية والتضييق على تصدير الرقائق المتقدمة، تمكنت الشركة من تطوير نماذج مثل DeepSeek R1 و V3 وZERo، التي لفتت أنظار المستثمرين والخبراء، وفقًا لما نشرته Forbes عام 2025. يعتمد DeepSeek R1 على 671 مليار مُعلمة، ما يمنحه قدرةً فائقةً على تحليل وفهم السياقات اللغوية. كما يتميز بقدرته على التعلم التعزيزي دون إشرافٍ بشري، ما يسمح له بتطوير نفسه تلقائيًا بمرور الوقت، بحسب تقريرٍ نشرته MIT Technology Review. لكن السؤال هنا: هل يمكنه مجاراة ChatGPT الذي يعتمد على كمياتٍ هائلةٍ من البيانات ويستفيد من دعم شركات عملاقة مثل Microsoft؟ إلى جانب الأداء، يلعب الجانب الاقتصادي دورًا جوهريًا في تحديد الفائز في هذا السباق. بينما تجاوزت تكلفة تطوير ChatGPT حاجز 100 مليون دولار، تمكنت "ديب سيك" من بناء DeepSeek R1 بميزانيةٍ لم تتجاوز 5.6 مليون دولار، مستفيدةً من اعتمادها على رقائق NVIDIA H800 ، التي تُعد أقل تكلفةً من H100 المستخدمة في ChatGPT. هذه الفجوة في التكاليف التشغيلية، التي سلطت Bloomberg الضوء عليها، قد تمنح الصين ميزةً تنافسيةً غير مسبوقةٍ في سوق الذكاء الاصطناعي. لكن الإنجازات الصينية لم تمر مرور الكرام على الأسواق المالية. فقد أدى تفوق "ديب سيك" إلى انخفاض سهم NVIDIA بنسبة 17%، متسببًا في خسائر قدرها 593 مليار دولار من قيمتها السوقية، وسط مخاوف من تراجع هيمنتها على السوق الصيني، بحسب تقرير Reuters عام 2025. هذا التطور دفع الشركات الأمريكية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، حيث تتجه بعض الشركات إلى تقليل تكاليف الاشتراكات وجعل خدمات الذكاء الاصطناعي أكثر تنافسية، كما أوردت The Economist. مع استمرار "ديب سيك" في تطوير تقنياتها وتوسيع نطاق استخدامها، يقترب العالم من واقعٍ جديدٍ يتسم بتعدد الأقطاب في مجال الذكاء الاصطناعي. فالصين، رغم العقوبات، أثبتت قدرتها على تقديم حلولٍ مبتكرةٍ بتكاليف أقل، ما قد يُحدث تحولًا جذريًا في ديناميكيات هذا القطاع خلال السنوات المقبلة. السؤال الذي يفرض نفسه: هل يتمكن الذكاء الاصطناعي الصيني من إزاحة الهيمنة الأمريكية، أم أن OpenAI سترد بقوةٍ من خلال إطلاق نماذج أكثر تطورًا؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الفائز في هذا السباق التكنولوجي المحموم.

عمان اليومية
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- عمان اليومية
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني ترجمة: نهى مصطفى - خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي. يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة. في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين. بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب. للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم. إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها. بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية. لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي. على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة. تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة. يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال. ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية. يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات. ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل. ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا. يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة. جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU) نشر المقال في Foreign Affairs