
مناصر لفلسطين.. تعرف على زهران ممداني المرشح لمنصب عمدة نيويورك
واشنطن – مع انطلاق التصويت المبكر اليوم السبت لاختيار عمدة مدينة نيويورك ، يبرز اسم زهران كوامي ممداني بوصفه مرشحا استثنائيا لا يكتفي بتحدّي الأسماء التقليدية في الحزب الديمقراطي ، بل يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين السياسة والشارع الأميركي.
فمنذ إعلانه الترشح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحوّلت حملته الانتخابية إلى ما يشبه حراكا اجتماعيا ينطلق من القاعدة الشعبية، ويستقطب الناخبين الذين يشعرون بأن مدينتهم لم تعد قابلة للعيش.
كما يراه محللون اختبارا حقيقيا لقوة التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي في واحدة من أكثر مدن العالم تأثيرا.
تقدّمي مناصر لفلسطين
وُلد زهران ممداني ونشأ في أوغندا لأب أكاديمي من أصول هندية هو المؤرخ محمود ممداني، وأم هندية هي المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا نايير. وانتقل مع أسرته في سن السابعة إلى نيويورك، حيث نشأ في بيئة متعددة الثقافات، ومشحونة بأسئلة الهوية والانتماء والعدالة.
تأثر ممداني بتجربة والده الفكرية وأعمال والدته الفنية، ليوجّه لاحقا بوصلته نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة. فقد انخرط مبكرا في العمل الميداني، ونشط في الحملات التي تطالب بإصلاح قوانين السكن وإلغاء ديون الطلاب، قبل أن يُنتخب عام 2020 عضوا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عن منطقة أستوريا.
ينتمي زهران ممداني إلى التيار الديمقراطي الاشتراكي، وهو الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي الذي يعتبر السيناتور بيرني ساندرز من أبرز وجوهه.
وينتقد بشدة سياسات الاحتلال الإسرائيلي ويصف الحرب على قطاع غزة بـ" الإبادة الجماعية"، مما يضعه في مرمى انتقادات المحافظين ويؤثر على مصيره في الانتخابات في ظل وجود 16% من الناخبين اليهود بالمدينة.
ففي عام 2021، كان أحد الأصوات القليلة في الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل الشرطة التي تتعاون مع الجيش الإسرائيلي، كما شارك في فعاليات مناصرة لفلسطين في نيويورك، وصوّت لاحقا ضد تشريعات يرى أنها تقيّد حرية التعبير الداعمة ل حركة المقاطعة"بي دي إس".
ودعا ممداني في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2021 إلى "وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين". وقال إن "العدالة لا يمكن أن تتحقق في نيويورك في وقت نغض فيه الطرف عن الظلم في فلسطين".
وأكسبته هذه المواقف شعبية واسعة بين الناخبين المسلمين في نيويورك، لكنها في المقابل أثارت انتقادات شديدة من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
برنامجه السياسي
يخوض ممداني السباق على منصب العمدة تحت شعار "نيويورك التي يمكنك تحمّلها"، ويضع ملف غلاء المعيشة في صلب حملته، ويركّز برنامجه على ثلاث أولويات:
وقف ارتفاع الإيجارات.
توفير نقل عام مجاني.
فرض ضرائب على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات الأساسية.
ويرى ممداني أن أزمة السكن في المدينة لم تعد مسألة ظرفية، إذ تجاوز متوسط إيجار شقة من غرفة واحدة عتبة 3500 دولار شهريا، مما يجعل مئات الآلاف من السكان مهددين بفقدان مساكنهم.
ويحذّر، في تصريحاته، من أن نيويورك أصبحت مدينة تعمل لأجل الأغنياء، في وقت يُطلب فيه من بقية السكان أن يقاوموا للبقاء.
زخم شعبي
يخوض زهران ممداني سباقه نحو منصب العمدة في سياق سياسي معقّد تتداخل فيه اعتبارات المؤسسة الحزبية ومراكز النفوذ التقليدية؛ فمن بين أبرز منافسيه في الانتخابات التمهيدية الحاكم السابق أندرو كوومو، الذي يحظى بدعم من بعض القطاعات النافذة في الحزب الديمقراطي، ويملك خبرة تنفيذية واسعة راكمها خلال سنوات عمله في المنصب.
ويرى المرشح الفلسطيني الأميركي السابق لمجلس مدينة نيويورك زياد رمضان أن ممداني يمتلك زخما شعبيا غير مسبوق. ويقول رمضان للجزيرة نت إن "الناس تعبوا من السياسيين التقليديين، وزهران وعدهم بسياسات ملموسة، لهذا يلتفون حوله".
ويضيف أن ممداني "قد يكون نقطة تحوّل تاريخية شبيهة بما قام به باراك أوباما ، الذي استطاع جلب نسبة تصويت غير مسبوقة إلى صناديق الاقتراع بفعل الإلهام وليس بفعل الولاء الحزبي".
لكن رمضان يُحذّر من قوة ما يصفها بـ"الآلة الحزبية" التي تتحكم في الإعلام والتمويل والنقابات. ويقول "لكي يفوز مرشح تقدمي عليه أن يحدث صدمة شعبية تفرض نفسها على الحزب. وزهران (ممداني) اقترب من تحقيق ذلك، وسيكون الاختبار الحقيقي في صناديق الاقتراع".
المقاربة الأمنية
وفي وقت تُهيمن فيه الخطابات الأمنية على الحملات الانتخابية، يرفض ممداني مقاربات التشديد الأمني التقليدية، ويطرح رؤية تقوم على معالجة جذور الجريمة بدل ملاحقة نتائجها.
ويقول علي ميرزا، مرشح ديمقراطي سابق عن الدائرة الخامسة بنيويورك، إن ممداني "بحاجة إلى طمأنة الناخبين بأنه ليس متساهلا في قضايا السلامة العامة".
ويضيف ميرزا للجزيرة نت "يجب أن يُظهر أنه قادر على الجمع بين العدالة والصرامة، لأن شعور الناس بالأمان سيكون حاسما في هذه الانتخابات". كما يشير إلى أن حظوظ ممداني ترتفع يوما بعد يوم، لكن النتيجة ستُحسم على الأرجح في مدى فعالية حملة التصويت المبكر ما بين 14 و22 يونيو/حزيران الحالي.
تمثيل المسلمين
ورغم أن ممداني لا يجعل من انتمائه الديني أو العرقي محورا لحملته، فإن مراقبين يرون أن تزايد الزخم الانتخابي الذي يحظى به يعتبر لحظة فارقة في مسار التمثيل السياسي للمسلمين والعرب والجنوب آسيويين في نيويورك.
ويقول المرشح الديمقراطي السابق ميرزا إن أثر حملة ممداني يتجاوز حدود نيويورك، مؤكدا أن "ترشحه يعزز حضور هذه الفئة في السياسة ليس فقط محليا، بل وطنيا وربما عالميا في حال فوزه أو حتى تحقيقه نتيجة قوية في المركز الثاني".
وأفاد رمضان، المرشح السابق لمجلس مدينة نيويورك، بأن ممداني أخبر ابنه -في لقاء شخصي مؤخرا- أن حملة رمضان عام 2013 ألهمته للانخراط في العمل السياسي وإلهام الآخرين بدوره من أجل تطبيع الوجود المسلم في المشهد السياسي كما حصل في بريطانيا.
وتراهن حملة زهران ممداني على أدوات غير تقليدية ترتكز أساسا على العمل الميداني، إذ ينشط مئات المتطوعين في أحياء نيويورك لتسجيل ناخبين جدد، وحثهم على التصويت المبكر.
كما يستثمر ممداني في المحتوى الرقمي بلغة بسيطة، وعبر رسائل مباشرة تستند إلى شهادات سكان متضررين من سياسات مجلس المدينة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
معركة أخرى بين ترامب وكاليفورنيا بشأن تدابير بيئية
أوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول قانون في ولاية كاليفورنيا يحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالغاز بحلول عام 2035، ووقّع قرارا لعرقلة مساعي الولاية لمعالجة أزمة المناخ من خلال التحول إلى مركبات أكثر مراعاة للبيئة، مما سيؤدي إلى معركة أخرى بشأن التدابير البيئية تضاف إلى المعركة الجارية بين الطرفين. وأعلنت الولاية طعنها في هذه الخطوة أمام المحكمة، حيث عقد المدعي العام لولاية كاليفورنيا مؤتمرا صحفيا لمناقشة الدعوى القضائية قبل انتهاء مراسم توقيع ترامب على القرار الذي وافق الكونغرس عليه الشهر الماضي. ويهدف القرار إلى كبح جماح أقوى محاولة في البلاد للتخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالغاز، كما وقّع ترامب على إجراءات لإلغاء سياسات الولاية التي تحد من انبعاثات عوادم بعض المركبات، وتلوث الشاحنات بأكسيد النيتروجين المسبب للضباب الدخاني. وتعاني كاليفورنيا من بعض أسوأ مشاكل الضباب الدخاني وجودة الهواء في البلاد، وقد تمكنت على مدى عقود من الحصول على إعفاءات من وكالة حماية البيئة التي سمحت للولاية بتبني معايير انبعاثات أكثر صرامة من الحكومة الفدرالية. لكن ترامب -الذي تعهد بإحياء صناعة تصنيع السيارات في الولايات المتحدة وتعزيز عمليات حفر النفط والغاز- وصف القواعد التنظيمية التي تفرضها كاليفورنيا بأنها "مجنونة". وخلال ولايته الأولى ألغى الرئيس ترامب قدرة كاليفورنيا على فرض معاييرها الخاصة، والتي أعاد جو سلفه جو بايدن فرضها في عام 2022. وتعد هذه الخطوة الأحدث في معركة مستمرة بين إدارة ترامب وولاية كاليفورنيا ذات الأغلبية الديمقراطية بشأن قضايا تشمل التعريفات الجمركية والهجرة. ورفعت الولاية أكثر من 20 دعوى قضائية تطعن في إجراءات إدارة ترامب، وقد أعلن المدعي العام للولاية روب بونتا عن آخر دعوى قضائية في مؤتمر صحفي بكاليفورنيا. وانضمت 10 ولايات أخرى -جميعها بمدعين عامين ديمقراطيين- إلى الدعوى المرفوعة يوم الخميس الماضي. وقال بونتا "إن إجراءات الحكومة الفدرالية ليست غير قانونية فحسب، بل إنها غير عقلانية وحزبية بشكل كبير، إنها تأتي على حساب صحة ورفاهية شعبنا بشكل مباشر". وستمنع القرارات الثلاثة التي وقعها ترامب القواعد التي تبنتها ولاية كاليفورنيا، والتي تقضي بالتخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالغاز وإنهاء بيع السيارات الجديدة بحلول عام 2035. كما ستقضي على القواعد التي تلغي تدريجيا بيع مركبات الديزل المتوسطة والثقيلة وتقلل انبعاثات عوادم الشاحنات. وفي تصريحاته بالبيت الأبيض، أعرب ترامب عن شكوكه بشأن أداء وموثوقية السيارات الكهربائية على الرغم من أنه أدلى ببعض التعليقات الإيجابية بشكل ملحوظ بشأن الشركة المملوكة لإيلون ماسك رغم علاقتهما المتصدعة. وأشاد تحالف الابتكار في مجال السيارات -الذي يمثل شركات صناعة السيارات الكبرى- بإجراءات ترامب. وقال جون بوزيلا رئيس المجموعة المدير التنفيذي لها في بيان "اتفق الجميع على أن تفويضات مبيعات السيارات الكهربائية هذه لم تكن قابلة للتحقيق أبدا، وغير واقعية إلى حد كبير". من جهته، قال حاكم الولاية الديمقراطي غافن نيوسوم -الذي يعد مرشحا رئاسيا ديمقراطيا محتملا لعام 2028- إن إجراء ترامب كان استمرارا لـ"هجومه الشامل" على كاليفورنيا. إعلان وأكد نيوسوم في بيان "هذه المرة، يدمر هواءنا النقي والقدرة التنافسية العالمية لأميركا، نرفع دعوى قضائية لوقف هذا الإجراء غير القانوني الأخير من قبل رئيس تابع بالكامل لشركات ملوِثة كبيرة". وتأتي الدعوى القضائية في الوقت الذي يتفاقم فيه الخلاف بين ترامب وكاليفورنيا، حيث اتهم نيوسوم الرئيس سابقا بـ"التصرف كطاغية" بسبب استخدامه الحرس والوطني وقوات المارينز للسيطرة على احتجاجات في لوس أنجلوس. وتعد كاليفورنيا أهم ولاية ديمقراطية، وتسهم بنحو 15% من اقتصاد الولايات المتحدة التي تضم 50 ولاية، وعلى افتراض أنها كانت بلدا ستكون خامس أكبر اقتصاد في العالم.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
هل يشهد العالم "انحسار القوة الأميركية"؟ تحليل فالرشتاين يكشف أسباب التراجع الهيكلي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت الولايات المتحدة تتصدر المشهد الدولي بصفتها القوة العظمى، ليس فقط على المستوى العسكري والاقتصادي، بل أيضا من حيث قدرتها على فرض نموذجها السياسي والثقافي، غير أن مطلع القرن الـ21 شهد تزايدا في النقاش حول أفول هذه الهيمنة. وفي هذا السياق، قدم المفكر والمنظر التاريخي إيمانويل فالرشتاين أطروحته المهمة في كتابه "انحسار القوة الأميركية"، حيث يناقش فيه تراجع النفوذ الأميركي ضمن إطار تحليلي موسع، يستند إلى نظريته في "النظام العالمي الحديث". إيمانويل فالرشتاين (1930-2019) عالم اجتماع ومؤرخ اقتصادي أميركي، ويعد من المنظرين البارزين في مجال تحليل النظم العالمية. ارتبط اسمه بتطوير نظرية النظام العالمي الحديث، التي مثلت تحولا حاسما في فهم بنية الاقتصاد والسياسة على مستوى عالمي، حيث قسم العالم إلى مركز وأطراف وأشباه أطراف. ويرى أن الرأسمالية لا تفهم داخل حدود الدول، بل ضمن شبكة تاريخية مترابطة منذ القرن الـ16. من أشهر أعماله: "النظام العالمي الحديث" (في 3 مجلدات)، و"انحسار القوة الأميركية". ترك فالرشتاين إرثا فكريا مهما، لا يزال يشكل أحد الأعمدة الأساسية في تحليل تحولات النظام الرأسمالي العالمي. يتألف الكتاب من سلسلة مقالات كتبها فالرشتاين بين عامي 1998 و2003، نشرت في مجلات أكاديمية ومواقع فكرية، ثم جمعت في هذا الكتاب لتشكل سردية متماسكة حول تحولات القوة الأميركية وانعكاساتها على النظام العالمي. وقد صدرت حديثا عن مدارات للأبحاث والنشر الطبعة الثانية من هذا الكتاب، بترجمة إيزيس قاسم، ومراجعة طلعت الشايب، ويقع في 286 صفحة. أزمة القوة الأميركية وفرضية الانحسار يفتتح فالرشتاين كتابه بالتأكيد على فرضيته المركزية أن الولايات المتحدة لم تعد القوة المهيمنة التي كانت عليها عقب الحرب العالمية الثانية، بل إن هذا الانحسار قد بدأ فعليا منذ سبعينيات القرن الـ20، وهو الآن في مرحلة متقدمة لا رجعة فيها. وإذ يطرح سؤالا أساسيا حول كيفية فهم هذا التحول، فإنه يرى أن السبيل الأهم لتفسيره هو نظرية النظام العالمي الحديث، التي تنظر إلى النظام العالمي بوصفه نظاما رأسماليا مترابطا منذ بدايات الحداثة الأوروبية، يخضع لدورات من الصعود والانحدار. ما الذي يعنيه أن تكون دولة مهيمنة؟ يميز فالرشتاين في بداية كتابه بين "القوة" و"الهيمنة". فالدولة المهيمنة لا تملك القدرة العسكرية فحسب، بل تحتكر أيضا قيادة التجارة العالمية، وتفرض هيمنتها المالية والتكنولوجية والثقافية. وبناء عليه، فقد عرفت أميركا ذروة هيمنتها بين عامي 1945 و1970، قبل أن تدخل في طور تراجعي. غير أن هذا الانحسار لا يعني الزوال، بل تآكل القدرة على فرض الإرادة وتحديد القواعد العالمية بصورة منفردة. والأسباب الرئيسية وفق تحليله لتراجع الهيمنة الأميركية: حيث يرى فالرشتاين أن الهيمنة العالمية ظاهرة مؤقتة في النظام الرأسمالي، تمر بـ3 مراحل: الصعود (التفوق في الإنتاج والتجارة والابتكار) ثم الذروة (الهيمنة العسكرية والثقافية) ثم التراجع (نتيجة تراكم تكاليف الهيمنة وصعود منافسين). وأميركا -كما يرى- دخلت مرحلة "التراجع الهيكلي" منذ سبعينيات القرن الـ20، كما حدث مع هولندا في القرن الـ17 وبريطانيا في القرن الـ19. إعلان ومرد هذا كما يرى فالرشتاين 3 أمور: أولها: تبعات التفوق العسكري الذي أصبح عبئا اقتصاديا مع الحروب التي استمرت طويلا في فيتنام والعراق وأفغانستان. ثانيها: أن الشركات الأميركية أسهمت في صعود منافسيها (أوروبا واليابان والصين) عبر استثماراتها الخارجية، مما أفقدها التفوق الإنتاجي. ثالثها: التحول للمضاربات المالية: نتيجة تراجع الصناعة، فقد أصبح الاقتصاد يعتمد على "الرأسمالية المالية الطفيلية" التي تزيد عدم الاستقرار. والرأسمالية الطفيلية مفهوم نقدي للرأسمالية يعبر عن نظام اقتصادي يتسم بالتركيز على التمويل والإنفاق على حساب الإنتاج الحقيقي، أو يعتمد على الاستثمارات غير المنتجة مثل المضاربة. ينتقل فالرشتاين إلى البعد الثقافي، محللا أحداث عام 1968 بوصفها ثورة عالمية غيرت وجه النظام الليبرالي. ويرى في هذه الحركات الطلابية والعمالية رفضا شرعيا للمنظومة القيمية التي كانت تعد جزءا من الجاذبية الثقافية الأميركية. لم تكن هذه الحركات فشلا، بل كانت لحظة تقويض للشرعية الأخلاقية والسياسية التي استندت إليها النخب الغربية، مما أسهم في انحسار النفوذ الثقافي الأميركي عالميا، من خلال فضح التناقض بين شعارات "الديمقراطية" وممارسات الإمبريالية، وكسر احتكار الغرب للحقيقة السياسية. يشدد فالرشتاين على أن تراجع أميركا جزء من أزمة أعمق للنظام الرأسمالي العالمي، تتمثل في: نضوب مصادر الربح التقليدية: بسبب ارتفاع أجور العمالة وتكاليف البيئة والضرائب. وانفجار الفجوة الطبقية: حيث تزايد الثراء الفاحش مقابل فقر متسع يقوض الاستقرار الاجتماعي. وفقدان الشرعية الأيديولوجية: بعد انهيار البديل السوفياتي، ولم تعد "الديمقراطية الليبرالية" قادرة على تبرير اللامساواة. أفول الليبرالية العالمية يركز فالرشتاين في كتابه على تفكك الإطار الأيديولوجي الذي دعم المشروع الأميركي؛ أي الليبرالية العالمية. فيشير إلى أن العولمة، التي سعت الولايات المتحدة لترسيخها بصفتها منظومة ثقافية واقتصادية عالمية، بدأت تفقد جاذبيتها لدى الأطراف وحتى داخل المركز ذاته. إعلان ويحلل كيف أن صعود الحركات المناهضة للعولمة، وانكشاف أزمات العدالة الاجتماعية والبيئية، قلصا من الشرعية الرمزية للنموذج الأميركي. بل ويذهب إلى أن محاولة الولايات المتحدة تصدير الديمقراطية بالقوة، كما في العراق وأفغانستان، شكلت نموذجا للفشل أكثر منها لهيمنة جديدة، وأدت إلى انكشاف الفجوة بين الأيديولوجيا والممارسة. رد الفعل الأميركي: بين الليبرالية الجديدة والقوة الصلبة يناقش فالرشتاين كيف تعاملت النخب الأميركية مع مظاهر الانحسار. ويرى أن أبرز الاستجابات تمثلت في الليبرالية الجديدة، التي عمقت الفوارق الطبقية وأضعفت البنية الاجتماعية، كما تمثلت في سياسة المحافظين الجدد الذين سعوا إلى التعويض عن فقدان القوة الناعمة باستخدام القوة العسكرية الصلبة. ويعد هذا النمط من السياسات علامة يأس، لا مشروعا ناجحا قابلا للاستمرار. لذا فإن كتاب انحسار القوة الأميركية ليس مجرد عرض لتاريخ تراجع النفوذ الأميركي، بل هو بناء نظري يربط بين آليات الاقتصاد الرأسمالي، وديناميات الهيمنة، وتحولات الثقافة والسيادة في عصر العولمة. ومن خلال فصول مترابطة، يبني فالرشتاين سردية متماسكة ترى في التجربة الأميركية جزءا من نمط تاريخي متكرر لا استثناء فيه. لقد بلغت الولايات المتحدة ذروة هيمنتها منتصف القرن الـ20، ثم بدأت رحلتها في التراجع منذ السبعينيات، لتواجه اليوم مآزق متداخلة: اقتصادية وعسكرية وثقافية ومؤسساتية. تتجلى قوة الكتاب في قدرته على الإمساك بخيوط النظرية والتاريخ معا، وتقديم إطار تحليلي لا يزال يحتفظ بقدرته التفسيرية رغم مرور عقدين على صدوره. وهو عمل لا يسعى إلى التنبؤ بمستقبل محدد بقدر ما يتيح فهما عميقا للسياقات التي تشكل حاضرنا الجيوسياسي المتصدع، وهذا ما يمنحه قيمة تحليلية تتجاوز لحظته التاريخية إلى آفاق أوسع لفهم تحولات النظام العالمي. لا يقدم فالرشتاين هذا الانحسار بوصفه فشلا سياسيا عارضا أو نتيجة قرارات خاطئة، بل يدرجه ضمن دورة حتمية تنتمي إلى منطق تطور النظام الرأسمالي العالمي منذ نشأته في الـ16. فكما خلفت الولايات المتحدة بريطانيا في قيادة النظام العالمي، فإنها اليوم تخضع بدورها إلى سنة الانحسار، وفق تدرج طويل الأمد يبدأ بفقدان التفوق الاقتصادي والثقافي، ويتبعه التراجع العسكري والسياسي.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب يرأس عرضا عسكريا تاريخيا في واشطن والمظاهرات تعم أميركا "لا للملك"
تصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب العرض العسكري "الضخم" الذي أقيم في العاصمة واشنطن أمس بمناسبة الذكرى الـ250 لتأسيس الجيش الأميركي، بالتزامن مع عيد الميلاد الـ79 لترامب الذي عمت البلاد احتجاجات حاشدة ضده وصفته بـ"الديكتاتور الطامح لأن يكون ملكا". ويعد العرض العسكري الذي أقيم أمس السبت، الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة منذ نهاية حرب الخليج الأولى عام 1991. وشارك فيه نحو 7 آلاف جندي وعشرات الدبابات والمروحيات احتفالا رسميا بالذكرى الـ250 لتأسيس الجيش الأميركي. وتصدر الجمهوري ترامب، في عيد ميلاده الـ79، منصة مشاهدة خاصة جنوب البيت الأبيض لمشاهدة استعراض القوات العسكرية الأميركية، الذي بدأ مبكرا في ظل تساقط أمطار خفيفة وسماء ملبدة بالغيوم. ومُثّلت عصور تاريخ الجيش بأزياء ومعدات عتيقة، ومع بداية كل حقبة، قدَّم مُقدّم العرض تاريخا موجزا للصراع ووصف المعدات. ومن بين المعدات العسكرية المشاركة في العرض بملايين الدولارات، عشرات دبابات "أبرامز إم1-إيه1" ومركبات برادلي وسترايكر القتالية التي جابت شوارع العاصمة واشنطن، بالإضافة إلى مدافع هاوتزر وقطع مدفعية أخرى. وقدرت تكلفة العرض بما يصل إلى 45 مليون دولار، وروى الحدث قصة الجيش عبر تاريخه الممتد على مدار 250 عاما، بدءا من حرب الاستقلال الأميركية ووصولا إلى الصراعات الكبرى. إعلان وجرى العمل على احتفال الجيش منذ عامين، إلا أن التخطيط للعرض، الذي كان فكرة البيت الأبيض برئاسة ترامب، بدأ قبل شهرين. وحاول ترامب خلال ولايته الأولى إقامة العرض العسكري بعد مشاهدة حدث مماثل في باريس عام 2017، لكن الخطط لم تتحقق إلا هذا العام. إشادة بالأشرس وفي ختام عرض أمس أشاد الرئيس الأميركي بجيش بلاده واصفا إياه بأنه "أعظم وأشرس وأشجع قوة قتالية". وقال ترامب "لقد تعلم أعداء أميركا مرارا وتكرارا أنه إذا هددتم الشعب الأميركي، فإن جنودنا سينقضّون عليكم، ستكون هزيمتكم حتمية، وزوالكم نهائيا، وسقوطكم سيكون شاملا وكاملا". كما خاطب ترامب جنود الجيش الأميركي المتجمعين في "ناشيونال مول" قائلا "الجيش يحفظنا أحرارا، ويجعلنا أقوياء، والليلة، جعلتم جميع الأميركيين فخورين جدا". واستُقبل الرئيس في منصة العرض العسكري بحفاوة بالغة واحتفال مرتجل بعيد ميلاده؛ وصل إلى ساحة التحية بـ21 طلقة، وبينما أطلقت المدافع النار، بدأ أفراد الحشد في غناء أغنية "عيد ميلاد سعيد لك". من جهته قال حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافن نيوسوم الذي انتقد ترامب لنشره قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس من دون موافقته، إنه "عرض مبتذل للضعف". كما اعتبر أن العرض "من النوع الذي تراه مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوتراه مع الديكتاتوريين حول العالم.. الاحتفال بعيد ميلاد القائد العزيز؟ يا له من أمر مُحرج". لا للملوك وقبل ساعات من موعد بدء العرض، خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع والمتنزهات والساحات في جميع أنحاء البلاد للتنديد بالرئيس الجمهوري واصفين إياه بالديكتاتور أو الطامح لأن يكون ملكا. وقال المنظمون إن هذه المسيرات تأتي "رفضا للسلطوية ولسياسات تقدم المليارديرات على سواهم ولعسكرة ديمقراطيتنا". وقال منظمو احتجاجات "لا ملوك"؛ إن التظاهرات تأتي "ردا مباشرا على عرض ترامب المبالغ فيه" والذي "يموله دافعو الضرائب فيما يقال لملايين الناس إنه لا يوجد أموال". وكشف استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" ونشرت نتائجه السبت، أن حوالى اثنين من كل 3 أميركيين شملهم الاستطلاع، أي 64%، يعارضون استخدام أموال الحكومة في العرض العسكري. وانتقد المتظاهرون ترامب لاستخدامه الجيش للرد على من يحتجون على جهوده للترحيل، ولإرساله الدبابات وآلاف الجنود والطائرات من أجل عرض عسكري في العاصمة الأميركية. كما احتشد المتظاهرون في الشوارع والحدائق والساحات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وساروا عبر وسط المُدن وهم يهتفون بشعارات مناهضة للسلطوية ممزوجة بدعم حماية الديمقراطية وحقوق المهاجرين كما هتفوا: لا للملوك وسارت حشود ضخمة وصاخبة في نيويورك ودنفر وشيكاغو وهيوستن ولوس أنجلوس، بعضها خلف لافتات "لا ملوك". وسرعان ما بلغ حدث أتلانتا الذي يتسع لـ5 آلاف شخص طاقته القصوى، مع تجمع آلاف آخرين خارج الحواجز للاستماع إلى المتحدثين أمام مبنى الكابيتول بالولاية. وتجمع حشد من المحتجين في منطقة لوغان سيركل السياحية والتاريخية شمال غرب واشنطن وهتفوا "ترامب يجب أن يرحل الآن". أعلام مقلوبة وفي بعض الأماكن، وزع المنظمون أعلاما أميركية صغيرة بينما رفع آخرون أعلامهم مقلوبة، وهي علامة على الضيق. وتم دفع دمية ترامب ضخمة الحجم، وهي عبارة عن رسم كاريكاتوري للرئيس يرتدي تاجا ويجلس على مرحاض ذهبي. كما ظهرت الأعلام المكسيكية، التي أصبحت عنصرا أساسيا في احتجاجات لوس أنجلوس ضد مداهمات سلطات إنفاذ قوانين الهجرة الاتحادية، في بعض المظاهرات أمس. ودعا حكام الولايات في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى الهدوء وتعهدوا بعدم التسامح مع العنف، في حين قام بعضهم بحشد الحرس الوطني قبل تجمع المتظاهرين. وكانت المواجهات متفرقة. ورغم ذلك استخدمت السلطات الغاز المدمع وذخائر السيطرة على الحشود لتفريق المتظاهرين، كما أطلق ضباط في بورتلاند الغاز المدمع والمقذوفات لتفريق حشد احتج أمام مبنى إدارة الهجرة والجمارك الأميركية حتى وقت متأخر من المساء. وأظهرت مقاطع فيديو المتظاهرين يركضون بحثا عن الأمان بينما ارتفع دوي إطلاق النار. وسارت حشود ضخمة وصاخبة، ورقصت وقرعت الطبول، وهتفت جنبا إلى جنب في نيويورك ودنفر وشيكاغو وأوستن ولوس أنجلوس، بعضها خلف لافتات "لا للملوك".