
واشنطن تقترح على كييف ضمانات أمنية دون انضمامها للناتو
وقال أحد المصادر إن "الجانب الأميركي اقترح ضمانة أمنية لأوكرانيا مستوحاة من المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي"، مضيفا "من المفترض أنه تمّ الاتفاق عليها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" خلال قمته مع ترامب الجمعة في ألاسكا.
وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني أن الرئيس الأميركي طرح هذه الفكرة خلال مكالمة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين قبل أشهر، وقد أيدتها قبل.
وأوضحت ميلوني، في بيان، أنه للشروع في ذلك يتعين تحديد "بند للأمن الجماعي يسمح لأوكرانيا بالحصول على دعم جميع شركائها، بمن فيهم الولايات المتحدة، ليكونوا مستعدين للتحرك إذا تعرضت للهجوم مجددا".
وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن القادة الأوروبيين يسعون للحصول على توضيح بشأن نوع الدور الأميركي الذي قد ينطوي عليه ذلك، لكن لم تتوفر تفاصيل بعد.
فكرة الحماية
وأكد مصدر آخر مطلع، أنّ فكرة الحماية على غرار تلك التي يقدمها الناتو طُرحت خلال المكالمة.
لكنه أشار إلى أنّ "لا أحد يعرف بالتفصيل كيف يمكن أن يتم ذلك، ولماذا يوافق بوتين عليها، إذا كان يعارض حلف شمال الأطلسي بشكل قاطع، كما يعارض بشكل واضح أي ضمانة فعّالة لسيادة أوكرانيا".
وأوضح المصدر أنّ هذه المسألة قد تُطرح خلال اللقاء الذي سيُعقد بين ترامب وزيلينسكي في واشنطن الاثنين.
ومن بين القضايا "العديدة" التي يفترض أن يتمّ التطرّق إليها، تنظيم لقاء ثلاثي محتمل بين بوتين وترامب وزيلينسكي، و"دور أوروبا" في عملية السلام، والضمانات الأمنية "وفعاليتها"، إضافة إلى قضية الأراضي الأوكرانية التي تحتلها موسكو.
ووفق المصدر "نجح بوتين في دفع فكرة أن يتخلى الأوكرانيون عن إقليم دونباس" الواقع في شرق البلاد، الأمر الذي يعارضه زيلينسكي.
وتسعى أوكرانيا منذ فترة طويلة للانضمام إلى الناتو، لكن ترامب رفض هذا الاحتمال بعد عودته إلى البيت الأبيض.
وتطالب كييف بـ"ضمانات أمنية" قوية لمنع روسيا من مهاجمتها مجددا، بعد وقف إطلاق النار على الجبهة.
من جهتها، تعارض موسكو انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي الذي تقول إنّه يشكل تهديدا وجوديا لأمنها.
شروط بوتين
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز اليوم السبت أن بوتين طالب بانسحاب أوكرانيا من منطقة دونيتسك كشرط لإنهاء الحرب، لكنه أبلغ نظيره الأميركي بإمكانية تجميد بقية خط المواجهة إذا تمت الاستجابة لمطالبه الرئيسية.
ونقلت الصحيفة عن 4 مصادر مطلعة القول إن بوتين قدّم هذا الطلب خلال اجتماعه مع ترامب في ولاية ألاسكا أمس الجمعة.
وأضافت الصحيفة أن بوتين أعلن أنه سيجمد خطوط المواجهة في منطقتي خيرسون وزاباروجيا الجنوبيتين مقابل السيطرة على دونيتسك.
ويعتمد الأمن المشترك في إطار حلف شمال الأطلسي على المادة الخامسة من معاهدته، والتي تنص على أنه "إذا تعرض أحد أعضاء الحلف لهجوم مسلح، فإن هذا العمل سيعتبر بمثابة هجوم ضد جميع الأعضاء وعليهم اتخاذ التدابير التي يرونها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرض للهجوم"، ويبلغ عدد الدول الأعضاء في الحلف العسكري 32.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
نيويورك تايمز: 6 خلاصات من قمة ترامب وبوتين
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية اليوم أنه على الرغم من عدم الإعلان عن أي اتفاق عقب قمة ألاسكا أمس بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين ، فإن الزعيم الروسي حصد بعض المكاسب وغادر وهو على علاقة ودية مع نظيره الأميركي. وأضافت الصحيفة، في تقرير بقلم كل من ماغي هابرمان وتايلر باجر، أن لقاء القائدين -الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022- انتهى أسرع مما كان متوقعا، ومن دون التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي كان ترامب يُصر على أنه شرط ضروري لإبرام اتفاق سلام. لا اتفاق أول الخلاصات، بحسب نيويورك تايمز، هو أنه بعد لقاء دام قرابة 3 ساعات، غادر ترامب وبوتين ألاسكا من دون الإعلان عن أي اتفاق أو تحديد مجالات محددة يتحقق فيها تقدم. وتابعت أنه رغم أن بوتين قال إن الزعيمين توصلا إلى اتفاق "لتمهيد الطريق نحو السلام في أوكرانيا"، أوضح ترامب أن هناك مجالات لا تزال موضع خلاف. وذكرت أن كلا الرئيسين ألمح بشكل غامض إلى إحراز تقدم، لكنهما لم يقدما أي توضيحات بشأن القضايا التي ناقشاها أو ما تم الاتفاق عليه، كما لم يحدد ترامب نقاط الخلاف المتبقية. بوتين حقق مكاسب توضح الصحيفة أن بوتين حتى قبل وصوله إلى الولايات المتحدة حقق مكسبا؛ فبعد سنوات من العزلة الغربية، عاد إلى الأراضي الأميركية لأول مرة منذ عقد، واستُقبل بمقاتلات أميركية، وسجادة حمراء، وركوب "الوحش"، وهي السيارة المصفحة الخاصة بترامب. وبعد القمة -تتابع نيويورك تايمز- خرج بوتين بمكسب آخر؛ فقد غادر من دون تقديم تنازلات كبيرة، بينما حافظ على علاقة ودية مع ترامب. ففي الأشهر الأخيرة، كان الرئيس الأميركي قد بدأ يُبدي انزعاجا من بوتين، واعتبره العقبة أمام وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا. لكن يوم أمس الجمعة لم يُبدِ ترامب أي علامة على الإحباط من نظيره الروسي، رغم اعترافه بعدم التوصل إلى اتفاق. إعلان ترامب وبوتين يؤكد تقرير نيويورك تايمز أنه رغم أن الاجتماع عقد على أرض أميركية، سمح ترامب لبوتين بأن يتحدث أولا في ظهورهما المشترك. واستغل الزعيم الروسي الفرصة لعرض وجهة نظره حول الصراع في أوكرانيا وما وصفها بالأسباب الجذرية للحرب. ولم يكرر ترامب إصراره السابق على أن يكون وقف إطلاق النار الفوري هو نتيجة الاجتماع. مكسب ترامب يؤكد تقرير الصحيفة الأميركية أن ترامب لم يخرج بالكثير من المكاسب من اللقاء، لكنه حصل على أمرين مهمين له. الأول: يتمثل في استغلال اللقاء -تتابع الصحيفة- لتجديد هجومه على التحقيقات المتعلقة بتواطؤ حملته مع الروس في انتخابات 2016، والتي وصفها مرة أخرى بأنها "خدعة". والثاني: إشادة بوتين به، حيث أكد شيئا لطالما تحدث عنه ترامب، وهو أن الحرب الروسية على أوكرانيا في مطلع 2022 لم تكن لتحدث لو كان ترامب في السلطة آنذاك. بواسطة ترامب وزيارة روسيا حين بدأت التحضيرات السريعة للقمة في ألاسكا، تساءل البعض عمّا إذا كان ترامب سيقوم بزيارة رمزية للبلد المجاور، نظرا لقرب الولاية من روسيا (أقل من 96 كيلومترا)، كما تقول الصحيفة. وتضيف أن ذلك لم يحدث، لكن أحد المقربين من ترامب أشار قبل أيام إلى أن زيارة له لموسكو قد تكون ممكنة لاحقا. ولهذا ربما لم يكن الأمر مجرد مزحة حين اقترح بوتين في اللحظات الأخيرة أن يعقدا اجتماعهما القادم في العاصمة الروسية. وتتابع أن ترامب بدا متقبلا للموضوع، وقال مبتسما ورافعا حاجبيه: "هذه فكرة مثيرة، لا أدري، سأتعرض لبعض الضغوط بسببها. لكن أعتقد أنها قد تحدث". زيلينسكي على الهامش وتابع تقرير نيويورك تايمز أن الرجل المعني أكثر بلقاء القمة أمس، وهو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، بقي يشاهد القمة عبر التلفاز مع بقية العالم. فلم يدع زيلينسكي إلى القمة -تتابع الصحيفة- رغم أن ترامب قال إنه سيتصل به وبقادة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بعد مغادرته ألاسكا لإطلاعهم على تفاصيل الاجتماع. لكن من دون أي اتفاق ملموس، يبقى زيلينسكي وبلاده غارقين في حرب منهكة مع روسيا، ومن دون الضمانات القوية بالدعم العسكري الأميركي التي كانوا يحصلون عليها في عهد إدارة بايدن.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ذراع بوتين اليمنى الذي يعيد صياغة حدود روسيا
"لديّ خلطة لا بأس بها: أمي روسية، وأبي يهودي، واسمي أوكراني، ومسقط رأسي أبخازيا". سيرغي كيريينكو على متن قارب في نهر الفولغا، وفي جو دافئ من شهر يوليو/تموز عام 1994، خرج الرئيس الروسي بوريس يلتسين في رحلة مع بعض رجاله، ولمح لأول مرة المهندس ورجل الأعمال الشاب من مقاطعة نيجني نوفغورود، سيرغي كيريينكو. كان يلتسين مهموما في تلك الفترة بالمشاكل التي ورثها عن الاتحاد السوفياتي ، والترهُّل البيروقراطي الذي أصاب الدولة الروسية، ورأى أن مفتاح الحل هو العِلم والإدارة الجيدة، مثله مثل الكثير من المسؤولين الروس في تلك الفترة. لأول وهلة بالنسبة ليلتسن، لم يكن كيريينكو استثناء، لكن صغر سِنِّه واهتمامه بتقديم حلول "عِلمية" من أجل التقدُّم في روسيا سرعان ما لفت نظر الرئيس الروسي. كان سيرغي كيريينكو يتحدث عن الاقتصاد والإدارة كما لو أنه يخطط لهندسة ماكينة، بلا انفعال سياسي، لكن بثقة مَن يعرف أن الآلة، متى ما صُمّمت بدقة، يمكن أن تبتلع خصومها وتعيد صياغة الواقع. تلك اللحظة، على مياه الفولغا، كانت بداية رحلة رجل سيصبح في يوم ما ذراع بوتين اليمنى، ومهندس أدق تفاصيل دولته. لذلك لم يطل بيلتسن الوقت حتى عيَّنه فجأة رئيسا للوزراء بعد أربع سنوات فقط من أول لقاء بينهما، كما لفت نظر بوريس نِمتسوف، حاكم مقاطعة نيجني نوفغورود، الذي فتح له بعلاقاته هو الآخر الطريق إلى السلطة في موسكو. سرعان ما طويت صفحة يلتسين، وانتهى الأمر بنِمتسوف مقتولا على بُعد خطوات من الكرملين بسبب معارضته لبوتين، لكن كيريينكو دخل الكرملين ولم يخرج منه، وشق طريقه بدأب إلى دائرة بوتين الضيقة حتى أصبح أهم رجاله اليوم، داخل روسيا وخارجها. "مفاجأة كيندر": أصغر رئيس وزراء في تاريخ روسيا وُلِد سيرغي كيريينكو عام 1962 لأب يهودي وأم روسية ذات أصول أوكرانية، في مقاطعة أبخازيا بجمهورية جورجيا السوفياتية، حيث عمل جده يعقوب في وحدة الاستخبارات السوفياتية الحدودية، وكان والده يعمل مهندسًا بحريًّا ويحمل اسمًا مركبًا من فلاديمير ولينين (فلادلين). بعد طلاق والديه، انتقل سيرغي مع والدته إلى مدينة سوتشي الروسية وتلقَّب بلقب عائلتها الأوكراني. في عام 1984 تخرَّج كيريينكو من معهد غوركي لهندسة نقل المياه سائرا على خطى والده، وعمل في مصنع للسفن والغواصات، ثم خدم في الجيش السوفياتي عاميْن وانضم إلى الحزب الشيوعي في منتصف الثمانينيات، حيث شغل منصب السكرتير الأول للجنة الكومسومول (رابطة الشبيبة الشيوعية اللينية) بمقاطعة غوركي (نيجني نوفغورود الآن)، وهي تجربة لم تدُم طويلًا بعد أن انهار الاتحاد السوفياتي بعد سبع سنوات. لم يكُن سقوط السوفيات عائقا أمام مسيرة كيريينكو، فسرعان ما درس الرجل في الأكاديمية الرئاسية الروسية علوم الاقتصاد والإدارة، ثم دخل إلى عالم الصرافة وتجارة النفط، حتى تعرَّف إلى بوريس نِمتسوف، حاكم نيجني نوفغورود في مطلع التسعينيات، الذي ساعده على الولوج إلى دوائر السلطة، وأتاح له رئاسة شركة نورسي للنفط في المقاطعة وتأسيس بنك خاص به. في عام 1994، أصبح كيريينكو عضوا في المجلس الرئاسي للابتكار والسياسات الصناعية، ثم عُيِّن نائبا لوزير الطاقة والنفط بعد ثلاث سنوات، ثم أصبح الوزير بعد أشهر معدودة. في عام 1998، أعلن الرئيس بوريس يلتسين مفاجأة تعيين كيريينكو رئيسا للوزراء وهو ابن 36 عاما فقط، ليصبح أصغر رئيس وزراء في تاريخ روسيا، وهو ما دفع بعض المحللين الروس لوصف كيريينكو بأنه "مفاجأة كيندر"، تشبيها له باللُّعبة الهدية التي يحصل عليها الأطفال داخل بيضة الشوكولاتة الألمانية الشهيرة التي تُباع باسم "مفاجأة كيندر"، في إشارة ضمنية إلى عُمره الصغير وقتها وتعيينه غير المُتوقَّع. في العام نفسه، تزعَّم كيريينكو حركة "القوة الجديدة" السياسية، وأصبح يُعرف بأنه أحد الأصوات الإصلاحية داخل روسيا، وبدا أن طموحاته السياسية تتعاظم في ظل انفتاح سياسي واقتصادي في البلاد، لكنه اضطُرّ إلى الاستقالة من منصبه بعد أشهر بسبب أزمة اقتصادية وهبوط شديد في قيمة الروبل، جعلا روسيا تُعلن لأول مرة العجز عن سداد ديون مُستحقة، رُغم أن وقته القصير في السلطة لا يجعله مسؤولا كليًّا عن تراكمات الأداء الاقتصادي الروسي حينها. الخروج من ظِل نِمتسوف مرة أخرى، لم يسقط كيريينكو، وحالفه الحظ رُغم تبخُّر حركته السياسية الجديدة، فقد ترشَّح لعضوية البرلمان (الدوما) عن حزب ليبرالي يميني جديد هو "اتحاد قوى اليمين (الليبرالي)"، الذي سمح له الكرملين بممارسة السياسة. وكان كيريينكو في تلك المسيرة جنبا إلى جنب مع نِمتسوف، رفيقه الآن وأحد قادة الحزب الجديد، وتبوَّأ كيريينكو آنذاك رئاسة الكتلة الحزبية في الدوما. بعد صعود بوتين إلى الرئاسة، عُيِّن كيريينكو ممثلا رئاسيا في مقاطعة الفولغا، وأصبح أول من يشغل منصب الممثل الرئاسي لمقاطعة روسية دون أن تكون له خلفية عسكرية. ثم عيَّنه بوتين رئيسا لوكالة الطاقة الذرية (روساتوم) عام 2007، وهو منصب شغله بالتزامن مع عمل روسيا مع إيران لبناء مفاعل بوشهر، ومع تركيا لبناء مفاعل "أك كويو". إلى جانب المناصب التكنوقراطية في معظمها التي شغلها كيريينكو، فإنه يشارك الرئيس بوتين شغفه بالفنون القتالية، حيث يشارك في رئاسة الاتحاد الروسي للفنون القتالية والمجلس الوطني لرياضة الأيكيدو. بعد حوالي عقد، انقلب نِمستوف، رفيق كيريينكو في حزب اليمين الليبرالي، على الرئيس بوتين، وانتهى الأمر بنِمستوف مقتولا على بُعد خطوات من الكرملين عام 2015 في حادثة اغتيال صدمت الكثيرين حول العالم. حضر كيريينكو جنازة صديقه، لكنه لم يخسر رئيسه. مضى كيريينكو غير آبه بالأفكار أو الإصلاح في الحقيقة، فكل ما اهتم به هو السلطة والتأثير، وهو ما تعكسه مسيرة انشغل فيها بالاقتراب من بوتين أكثر من أي شيء. يُعَد كيريينكو نموذجا لسياسيي الفترة الأخيرة من عُمر الاتحاد السوفياتي، حيث هيمن تصوُّر عن الولاء للدولة وضرورة الحفاظ عليها فوق أي اعتبار، وهي خلفية سهَّلت صعوده، إذ تحوَّلت أفكاره على مدار ثلاثين عاما من الشيوعية إلى الإصلاح، ومن اليمين الليبرالي إلى القومية الروسية المُحافظة، دون أن يعتنق أيا منها بجدية، ودون أن يضل طريقه إلى هدفه الأساسي: أن يصبح رجل الدولة أيا كانت الظروف أو الأفكار الحاكمة. ذراع بوتين اليُمنَى في عام 2016، ورغم اشتداد القبضة الأمنية داخل روسيا على خلفية توتُّر العلاقات مع أوروبا بسبب الاستحواذ على شبه جزيرة القرم ، ورغم ما يُعرف عن خلفية كيريينكو "الإصلاحية" التي تعود إلى التسعينيات وتوقُّع البعض أن يأفل نجمه، عيَّنه بوتين النائب الأول لرئيس الديوان الرئاسي الخاص به، وأصبح أحد أهم رجال بوتين في إدارة ملف السياسة الداخلية في روسيا. وعادة ما يدير النائب الأول للديوان الرئاسي ملف البرلمان والأحزاب المسموح لها بممارسة العمل السياسي، علاوة على عدد من المحللين والكتاب الموالين للنظام الروسي في الداخل. حلَّ كيريينكو محل فياتشسلاف فولودين في منصب النائب الأول للديوان الرئاسي عام 2016، وانتقل الأخير إلى رئاسة البرلمان، وسرعان ما بدأ في محاولة تقليص نفوذ فريق كيريينكو في الملفات الداخلية. على سبيل المثال، قيَّد فولودين من حضور مسؤولي الإدارة الرئاسية في اجتماعات الدوما التنفيذية، وبدأ تشكيل مركز قوة جديد مستندا إلى أعضاء الحزب الحاكم في الدوما، كي ينافس الديوان الرئاسي في ملف السياسة الداخلية. في مقال منشور على موقع وقفية كارنيجي للسلام (مركز موسكو) كتب الباحث أندريه برتسيف عن صعود فولودين قُبَيْل الانتخابات الرئاسية لعام 2018، وتنبَّأ بأن تقليص نفوذ كيريينكو وهيمنته على الداخل، يعني أن فولودين أصبح شخصية أهم من كيريينكو في الإدارة الروسية. ولكن برتسيف لم يكُن يعلم أن كيريينكو منشغل بما هو أبعد من السياسة الداخلية، وأن هيمنة فولودين على الدوما لن تشغل كيريينكو كثيرا عن أهداف أكبر. في مطلع هذا العام عُيِّن كيريينكو فجأة مسؤولا عن عدد من ملفات روسيا الخارجية، فقد أوكل إليه بوتين ملف جمهورية أبخازيا التي استحوذت عليها روسيا داخل جورجيا عام 2008 (إلى جانب أوسيتيا الجنوبية) وهي مسقط رأس كيريينكو. وقد أدار بنجاح عملية دعم المُرشَّح المدعوم من الكرملين بادرا غونبا في السباق الرئاسي بجمهورية أبخازيا، حتى فاز بالانتخابات رغم التحدي الذي واجهه في خضم موجة احتجاجية أبخازية معترضة على اتفاقية شراكة اقتصادية جديدة مع روسيا. من الداخل إلى الخارج: روسيا بلا حدود اتسعت مهام كيريينكو هذا العام لتشمل عمله فعليا مستشارا للكرملين، أو "ذراعا يُمنَى لبوتين"، في المناطق التي تسيطر عليها روسيا داخل أوكرانيا ، ومقاطعة ترانسنيستريا داخل دولة مولدوفا، علاوة على إدارة الحضور الروسي في أرمينيا. ويجلب كيريينكو معه فريقه الذي أدار السياسة الداخلية حوالي عشر سنوات، وهو فريق يعتقد بعض أفراده أن إدارة الملفات الخارجية المباشرة لا تختلف كثيرا عن إدارة الملفات الداخلية، إذ إن جوار روسيا المباشر جزء من هيمنتها التاريخية، أو كما مازح أحدهم صحافي بجريدة "فيدوموستي" الروسية: "حدود روسيا لا تنتهي". حتى عام 2020، كان فلاديسلاف سوركوف هو مبعوث الرئيس الروسي، والمسؤول الفعلي عن ملفات لوغانسك ودونِتسك ومولدوفا وجمهوريتي جورجيا الانفصاليتَيْن. وبعد أن رحل سوركوف، آل الملف إلى نائب رئيس الإدارة الرئاسية دميتري كوزاك، وقيل إنه استخدم أسلوبا أكثر خشونة في التدخُّل ومحاولة بسط النفوذ الروسي، لكن دون جدوى. الآن، وبعد غزو أوكرانيا صراحة في فبراير/شباط 2022، يبدو أن روسيا تخلَّت عن استخدام الأسلوب الناعم والأسلوب الخشن على حد سواء، وبدلا من ذلك أصبحت تتعامل فعليا مع جوارها المباشر وكأنه جزء من امتداد روسيا دون مواربة. في المقاطعات الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية الآن، عكف كيريينكو على هندسة عدد من فعاليات الاستفتاء التي تثبت شرعية الوجود الروسي في دونِتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، ورغبة السكان الناطقين بالروسية في الانضواء تحت لواء روسيا. ورغم أنه لم يكن من المُتحمِّسين في البداية لمواجهة أوكرانيا على المسرح الدولي، فإنه سرعان ما تصدَّر الخطاب الرسمي حين غزت روسيا أوكرانيا، وسافر إلى الأراضي الروسية "الجديدة" بقمصان خضراء متنقلا بين المستشفيات والمدارس، ومُتعهِّدا بمحاكمة "مجرمي أوكرانيا". في مقال بصحيفة نيويورك تايمز نُشر مطلع هذا الشهر، كتب أنطون ترويانوفسكي عن ازدياد ثقة بوتين في أسلوب كيريينكو، وإيكال المهام إليه بسبب انشغاله بهندسة كل التفاصيل الصغيرة وإدارة رغبات بوتين على أكمل وجه. تبدو تلك وكأنها سِمات شخصية بالنظر إلى خلفية الرجل العلمية والتكنوقراطية، بيد أن طريقة كيريينكو في الإدارة، وإيمانه بضرورة تمدُّد روسيا، لا تعكس مجرد خلفية دراسية، بل تأثُّر بإحدى الفلسفات التي ظهرت في الاتحاد السوفياتي مطلع الخمسينيات، وهي فلسفة فضفاضة لطالما أمكن تطويعها لخدمة نُظُم حاكمة مختلفة، وهو أمر يبدو أنه يروق لكيريينكو، البارع في إعادة تعريف أفكاره وأهدافه لمواكبة المزاج في موسكو. تحت تأثير فلسفة شيدروفيتسكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، تبلورت أفكار علمية في الولايات المتحدة لفهم الإنسان والمجتمع، وبدأت هيمنة ما يُعرف الآن بالمدرسة السلوكية على علم الاجتماع والسياسة في المؤسسات الأكاديمية الأميركية، تحت تأثير الاعتقاد بأن أدوات العلم قادرة على تفسير كل شيء، وإيجاد حلول علمية لكل المعضلات الاجتماعية والسياسية. رغم أن روسيا كانت على الطرف المُقابل في صراع بارد مع الرأسمالية، فإنها للمفارقة شهدت تحوُّلات مشابهة في الفترة نفسها، حيث تبلورت دائرة موسكو المنهجية (Moscow Methodological Circle) على يد الفيلسوف السوفياتي جورجي شِدروفيتسكي، الذي سعى إلى تطوير أدوات جديدة لتنظيم التفكير الجماعي والنشاط البشري، بوصفه منظومة من البُنى والأدوار يُمكن هندستها بتطبيق الأفكار العلمية. وفقا للمؤرخ البريطاني أندرو ويلسون، يبدو هنالك تأثُّر واضح عند شِدروفيتسكي بعالم الاجتماع الأميركي جيمز بورنام وكتابه "الثورة الإدارية"، الذي قال فيه إن أميركا الرأسمالية وروسيا الشيوعية بدآ يتقاربان في طبيعتهما البيروقراطية والمؤسسية، وإن الرأسمالية أصبحت تحت هيمنة نُخبة المُديرين التكنوقراط أكثر من أصحاب رأس المال، وإن الشيوعية كذلك أصبحت في قبضة مُديرين تكنوقراط سوفيات. وفقا للكاتب الروسي إليا كوكولين، فإن شِدروفيتسكي كان على اقتناع بأن "أي مجموعة من المفكرين المُدرَّبين والمُنظَّمين يمكن أن يطوروا ويُنفِّذوا أي تحوُّل واسع النطاق في محيطهم الاجتماعي، وفقا لخوارزميات مُحدَّدة"، وهو ما يشي بتصوُّر شمولي عن الإدارة لم يُخفه شِدروفيتسكي في الحقيقة، حيث قال: "إنني أعتقد أن التنظيم الشمولي هو التنظيم الوحيد المُمكِن لأي مجتمع بشري". في تلك الفترة التقط الروائي البريطاني الشهير جورج أورويل الخيط ناقدا تلك الأفكار، ومثلما سخر منها في رواية 1984 الشهيرة، فإنه عقًّب صراحة على أفكار بورنام قائلا: "رغم أنه يؤكد على أنه لا يقول سوى الحقائق وليس انحيازاته الشخصية، فإن بورنام مبهور بأفق السلطة المُمكنة (عند البشر)". كان صعود شِدروفيتسكي أشبه بموجة انبهار بتأثير العلم والهندسة الاجتماعية في الخمسينيات والستينيات، وحوَّلها إلى نوع من الإيمان الحتمي بالتقدُّم، وكان ذلك بالتزامن مع إصلاحات خروشوف في الاتحاد السوفياتي، وأفول الحمية الأيديولوجية الشيوعية التي سادت حتى نهاية الأربعينيات. في أثناء ترويج أفكاره في تلك الفترة، دأب شِدروفيتسكي على عقد "ألعاب النشاط التنظيمي" كما أسماها، وهي تدريبات لطلابه على التخطيط والإدارة يشتبكون فيها مع مشكلة مشابهة للواقع (مثل تطوير خطة خمسية)، ثم يستخدمون طريقة شِدروفيتسكي المنهجية دون غيرها في الحل. في نظر نقاد المفكر الروسي، يقول كثيرون إن التدريبات لم تكُن سوى فقاعات مُغلَقة رسَّخت أفكار الرجل، وأعاقت فعليا لجوء المشاركين لأي أفكار خارج منهجية شِدروفيتسكي، وهو أمر لربما نجد صداه في مسابقات "قادة روسيا"، إحدى بنات أفكار كيريينكو، وهي مسابقات تُعقَد سنويا منذ عام 2017 لتصعيد أكفأ رجال الإدارة والتخطيط في روسيا، وتعيينهم في مناصب بيروقراطية وإقليمية داخل الدولة، ويقول النُّقاد إنها لا تقود بالضرورة إلى تصعيد الأكفأ، بقدر ما تُرسِّخ تصوُّرات بعينها عن إدارة الدولة الروسية متوافقة مع أفكار النظام. يقول نُقَّاد فِكر شِدروفيتسكي إن أفكاره عن التقدُّم رغم لغتها المُعقَّدة تُعد هشَّة سياسيا، ومجرد مطية لأي نظام أتوقراطي يريد أن يُمارس الهندسة الاجتماعية باسم التقدُّم، ويحتكر السلطة باسم المعرفة العلمية، وإن إخفاقات التسعينيات، وتفشي الفساد مع التحوُّل الرأسمالي، وتحوُّل معظم التكنوقراط الجدد المتأثرين بالمفكر الروسي إلى رجال بوتين؛ كل ذلك إنما يكشف ضعف الفكرة. ويُشبه ذلك بدرجة ما تأثُّر حركة الاتحاد والترقي التُّركية بالأفكار التنويرية والعلمية الأوروبية بالتزامن مع سقوط الدولة العثمانية ، والنظام القومي الاستبدادي الذي أفضى إليه في الأخير. التعليم والإنترنت في قبضة كيريينكو وفقا لفهم كيريينكو، والكثير من المتأثرين بشِدروفيتسكي، أو ما يُسميه بعض المحللين "التكنولوجيا السياسية"، فإن روسيا يجب أن تُمارس نفس الدرجة من التغلغُل الأيديولوجي الذي تمارسه أدوات الهيمنة الليبرالية الأميركية، ومن ثمَّ فإن طريقة الأميركيين في التوغُّل عبر وسائل الإعلام والمؤسسات غير الحكومية، لا ينبغي أن تُحارب بالضرورة، بل يجب أن تُحاكَى في الحقيقة وتُنافَس، وتُستخدَم لدعم الحركات اليمينية حول العالم، وجذب الناطقين بالروسية إلى مدار الدولة الروسية. في داخل روسيا، أعاد كيريينكو الحياة إلى مؤسسة "المعرفة" عام 2019، وهي مؤسسة سوفياتية عُنيَت بنشر الأيديولوجيا السوفياتية ونشر الدعايات، قبل أن يتآكل دورها مع سقوط الاتحاد السوفياتي. الآن، تعكف المؤسسة على تطوير مواد دراسية في المدارس والجامعات لترسيخ أفكار يمينية ومُحافظة عن روسيا وأوروبا، ومنها دورة دراسية باسم "أسس فكرة الدولة الروسية" و"الأيديولوجيا الروسية". تمتد سطوة كيريينكو إلى الإنترنت أيضا، فقد أعلنت الدولة الروسية تدشين تطبيق "ماكس" لتبادل الرسائل على غرار واتساب، وهو تطبيق سيُصبح متاحا تلقائيا على أي هاتف يُباع في روسيا بدءا من الشهر القادم. وقُبيل غزو أوكرانيا، كانت السلطات قد سيطرت بالفعل على تطبيق "في كيه" (VK) للتواصل الاجتماعي، المُشابه لفيسبوك والأكبر من نوعه في البلاد، وعُيِّن فلاديمير ابن كيريينكو رئيسا للشركة، وهو الذي عمل سابقا نائبا لرئيس شركة الاتصالات "روس تيليكوم". يؤدي كيريينكو دورا أيضا في الحضور الروسي الرقمي خارجيا، فقد أصدرت وزارة العدل الأميركية قائمة تقول إنه على صلة بأكثر من 30 موقعا على الإنترنت مُوجَّهة للرأي العام الأميركي، ولا تنشر سوى البروباغندا الروسية. بل وزاد الطين بلَّة حين نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا عن أن ثمَّة صلة سابقة بين كيريينكو ورجل الأعمال الأميركي إلون ماسك، وأنها كانت جزءا من محاولة التأثير في الإدارة الأميركية بخصوص مفاوضات أوكرانيا، لا سيَّما أن القمر الصناعي ستارلينك المملوك لماسك محوري لعمليات المقاومة الأوكرانية. العالم الروسي وأوروبا القديمة مع تفكُّك الاتحاد السوفياتي، تبلورت لدى بعض المسؤولين الروس رؤية مشابهة منشغلة بحماية الدولة الروسية من السقوط. وقد عملت مجموعة من المفكرين المتأثرين بشِدروفيتسكي آنذاك على مفهوم جديد أسموه "العالم الروسي"، ومنهم بيتر ابن شِدروفيتسكي نفسه، وقالوا إن موجة الإصلاح "العلمي" السائدة في روسيا التسعينيات يجب أن تساعد في جعل البلاد مركزا لعالم جديد، مثلما جعلت الشيوعية في القرن العشرين من روسيا مركزا للتأثير في نطاق الاتحاد السوفياتي وحلفائه حول العالم. "إن الدول القومية والشركات العابرة للجنسيات في طور الأفول، ويحل محلها مجتمعات المهجر والبني الإنسانية، أي الجماعات الصلبة التي تستخدم الشبكات كنواة للتنظيم البشري.. إما أن نجد نمطا جديدا للتنمية باعتبارنا بشرا، ومن ثمَّ نُشكِّل أمة جديدة، أو يبقى الاتحاد الروسي بدون هيئة سياسية أو دولة مستقرة، ومن ثمَّ يتحوَّل هو نفسه إلى مسرح للاعبين حول العالم، أو ربما مجرد مكب نفايات بشرية.. إن روسيا بحاجة إلى بناء مؤسسي جديد من التفاعل بين الدول والشعب"، بهذه الكلمات عبَّر بيتر شِدروفيتسكي عن رؤيته وقتها حيال "العالم الروسي" الذي يمكن أن تؤدي الرؤية الإدارية والعلمية دورا في إعادة صياغته كي يواكب عالم ما بعد الدول والشركات على حد وصفه. لكن مفهوم "العالم الروسي" انعطف على يد بعض المنتسبين إلى الفكرة طوال العقد الماضي، وربما بطريقة لم يكُن ليوافق عليها شِدروفيتسكي أو ابنه، إذ بدأ البعض يقول إن "العالم الروسي" نطاق جغرافي بالأساس، وإنه يُحتِّم على روسيا أن تستعيد الأراضي التي كانت جزءا من هيمنتها الإمبراطورية في السابق، وتلك التي لا تزال أغلبية سكانها تتحدث بالروسية (مثل شبه جزيرة القرم وإقليميْ دونِتسك ولوغانسك)، وهو تحريف بالطبع للمفهوم الأصلي البعيد عن النزعات الجغرافية أو التوسُّعية، وإن كان يكشف هشاشته وإمكانية استخدامه لأغراض قومية ضيقة. إلى جانب تلك الفكرة، التي تُروَّج بالأساس داخل روسيا، فإن كيريينكو عاكف في الوقت نفسه على حملة لتسويق دور روسيا في القارة الأوروبية تحت راية "أوروبا القديمة"، إذ تُصبح روسيا بموجب تلك الرؤية ملجأ لكل الأوروبيين الناقمين على الليبرالية، وملاذا للفكر اليميني المحافظ الذي يُعبر عن جوهر الحضارة الأوروبية الأصلية، بدون نفوذ للأقليات أو الأفكار القادمة من الولايات المتحدة. لطالما ركَّز متابعو الشأن الروسي على مُنظِّري الجغرافيا السياسية والأفكار اليمينية الشعبوية من أمثال ألكسندر دوغين، لكن بمتابعة المسؤولين المؤثرين فعليا داخل الكرملين، يُمكن القول إن المُنظِّرين ليسوا سوى دُمى في الأغلب يُحرِّكهم أمثال كيريينكو ورجاله من داخل القصر الرئاسي لتوسيع هامش التأثير الروسي عالميا، واستمالة الحركات اليمينية في أوروبا، وخلق نموذج للحكم قائم على "التكنولوجيا السياسية" في روسيا. ويُمكن القول أيضا إن الفكر اليميني الشعبوي مجرد دعاية موجهة إلى الرأي العام والخارج، في حين أن الأفكار وأساليب الإدارة الحاكمة داخل الدولة الروسية لها جذور مُمتدة تعود إلى الخمسينيات والستينيات، وهي أكثر جدية وتماسُكا، وإن كانت لا تختلف كثيرا في طابعها الشمولي، وإمكانية تطويعها من أجل أهداف السلطة. اليوم، لا يظهر اسم كيريينكو كثيرًا على شاشات التلفاز الروسي، ولا يتصدر اللافتات الدعائية في موسكو. لكنه، في أروقة الكرملين، وفي الملفات السرية التي تتحكم في مصير مناطق بأكملها من أوكرانيا إلى جورجيا، يظل الصوت الذي يسمعه بوتين، والمخطط الذي لا تُنفذ خطوة من دون توقيعه. قد يتبدل الخطاب الأيديولوجي في روسيا من الشيوعية إلى الليبرالية إلى القومية، لكنّ ثمة خيطًا ثابتًا يربط كل هذه التحولات: رجال تكنوقراط مثل كيريينكو، يرون الدولة كآلة يمكن تفكيكها وإعادة تركيبها بما يخدم بقاء السلطة. ففي نظر هؤلاء، ليست الحدود خطوطًا على الخريطة، بل مساحات تنتظر إعادة الهندسة والتصميم.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
10 من حائزي نوبل للاقتصاد: إسرائيل على أبواب كارثة اقتصادية بسبب غزة
كشفت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية أن 23 اقتصاديا بارزا من جامعات في أميركا وأوروبا -بينهم 10 من الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد- وجهوا رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذروا فيها من أن "السياسات الحالية في قطاع غزة ستقود إلى عواقب اقتصادية كارثية". وشددت الرسالة -التي وصفتها الصحيفة بأنها غير مسبوقة في حدتها- على أن " إسرائيل ستدفع ثمنا اقتصاديا باهظا" إذا استمر النهج الراهن، خاصة التجويع الممارس بحق سكان غزة، مؤكدة أن المخاطر لا تقتصر على ضغوط مؤقتة، بل تهدد بتقويض البنية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي. انهيار ثقة المستثمرين وأوضحت "ذا ماركر" أن التحذيرات لا تنطلق من فراغ، إذ تظهر بالفعل إشارات مقلقة داخل الاقتصاد الإسرائيلي. وأبرز الإشارات المقلقة كانت من سوق العقارات الذي كان أحد أعمدة الاستثمار لعقود، حيث يشهد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 هروبا واسعا، وتوقف المستثمرون الأثرياء عن شراء الشقق منذ أكثر من عام، في حين بيعت خلال الأشهر الستة الأخيرة عشرات الآلاف منها، ولا سيما في تل أبيب. وأوضح التقرير أن "المستثمرين باتوا مقتنعين بأن السنوات العشر المقبلة ستشهد مسارا هبوطيا طويلا في الأسعار"، وهو ما دفع مليارات الشواكل إلى الخروج من العقارات باتجاه البورصة. كما لفتت الصحيفة إلى أن هذا التحول في سلوك المستثمرين يعكس فقدان الثقة العميق، وهو ما يضعف قدرة الحكومة على استقرار الأسواق. وأضاف التقرير أن النقاش بشأن "إعلان نزاع عمل" وإمكانية الذهاب إلى إضراب عام يعكس حجم الغليان الداخلي، مع اتهامات للحكومة بـ"الهروب من مواجهة الأرقام" والتعامي عن المؤشرات الاقتصادية الصريحة التي تكشف عن عمق الأزمة. عزلة دولية ومخاطر عقوبات شخصية وإلى جانب الانكماش المحلي، أبرز تقرير "ذا ماركر" تحذيرات خبراء الاقتصاد بشأن المخاطر الخارجية. وألمحت الرسالة المفتوحة إلى أن الدول الغربية قد تتجه إلى فرض "إجراءات شخصية" تطال مسؤولين حكوميين، بما في ذلك تجميد أرصدة بأوروبا وكندا وأستراليا ومصادرة عقارات وحسابات مصرفية. وجاء في التقرير اقتباس مباشر عن أحد الاقتصاديين المشاركين "إذا لم يحاسب صانعو القرار مباشرة فإن الأجيال المقبلة من المواطنين الإسرائيليين هي التي ستتحمل التكلفة". وربطت الصحيفة كذلك بين هذه المخاوف والتحولات الجارية في الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن "الوضع في إسرائيل أكثر هشاشة مقارنة بالتجارب السابقة، مثل سياسات الرسوم الجمركية في عهد ترامب"، لأن الحرب تقوض في الوقت نفسه الثقة الداخلية والبنية التحتية الاقتصادية، مما يجعل قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على امتصاص الصدمات محدودة للغاية. وفي هذا السياق، خلص تقرير "ذا ماركر" إلى أن إسرائيل تواجه مزيجا خطيرا من الضغوط يتمثل أبرزها في: أزمة داخلية في سوق العقارات. تصاعد فقدان ثقة المستثمرين. تهديدات باضطرابات اجتماعية. خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل. هروب رؤوس الأموال. هجرة الكفاءات، خصوصا في قطاع التكنولوجيا. عزلة دولية مرشحة للتحول إلى عقوبات شخصية ضد المسؤولين. ووُصفت الرسالة الموقعة من 23 اقتصاديا بارزا -بينهم 10 من حائزي جائزة نوبل – بأنها "جرس إنذار أخير"، إذ تحذر بوضوح من أن الاستمرار في سياسات غزة لا يعني فقط تكاليف عسكرية أو سياسية، بل يقود إلى "كارثة اقتصادية ومالية وشيكة" كما جاء حرفيا في التقرير. وفيما يلي أسماء العشرة الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد وشاركوا في الرسالة: دارون عاصم أوغلو. أنجوس ديتون. بيتر دايموند. إستير دوفلو. كلوديا غولدين. إريك ماسكين. روجر مايرسون. إدموند فيلبس. كريستوفر بيساريدس. جوزيف ستيجليتز.