
بركان عمره 120 مليون سنة يكشف لغز أخطر مناطق الكوكب
نجح الجيولوجيون بقيادة فريق من جامعتي ماريلاند وهاواي في ربط أحد أكبر الثورات البركانية في تاريخ الأرض بمصدره في أعماق المحيط الهادي.
وكشف الفريق أن البقعة الساخنة نفسها الواقعة تحت الماء شكّلت سلسلة من البراكين في مناطق متعددة في جنوبي المحيط الهادي، وعلى رأسها هضبة أونتونغ-جافا الضخمة، شمال شرق بابوا غينيا الجديدة في المحيط الهادي، والتي تشكلت قبل حوالي 120 مليون سنة، ويغطي حجمها ما يقارب 1% من سطح الأرض، أي أنها أكبر حتى من بعض القارات الصغرى.
وتأتي أهمية هذا الدراسة في أنها تكشف بعض جوانب العالم الغامض في منطقة المحيط الهادي التي تعتبر موطنا لأكثر البراكين غموضا وأخطرها على وجه الأرض في الماضي السحيق.
حوض المحيط الهادي
تتسم جيولوجية المحيط الهادي بسلاسل جبال بحرية طويلة متعددة مغمورة في قاع المحيط والتي شكلتها البراكين الساخنة، ومنها سلسلة جبال هاواي-أمبرور البحرية وسلسلة جبال لويزفيل البحرية.
كما أنها تضم هضبة أونتونغ جافا، وكذلك منطقة الحزام الناري، الواقعة في سواحل المحيط الهادي وجزرها حيث تنشط الزلازل والبراكين، كما تعتبر منطقة الحزام الناري أكبر حزام من البراكين المتفجرة في العالم.
وتقول فال فينلايسون، الباحثة المساعدة في قسم الجيولوجيا بجامعة ميريلاند، والمؤلفة الرئيسية للدراسة في تصريح تضمنه بيان رسمي من جامعة ميرلاند "حتى الآن، كانت لدينا صورة متباينة للغاية عن المحيط الهادي وبراكينه، ولكن لأول مرة، تمكنا من إيجاد صلة واضحة بين الأنظمة البركانية الأحدث في جنوب المحيط الهادي والأقدم في غربه، إنه اكتشاف يمنحنا تاريخا أكثر اكتمالا لكيفية تطور حوض المحيط الهادي على مدى ملايين السنين ليصبح ما هو عليه اليوم".
تساؤلات العلماء
تساءل العلماء عما إذا كانت نقطة لويزفيل البركانية الساخنة في جنوب المحيط الهادي، وهي منطقة ترتفع فيها مواد ساخنة ومتميزة كيميائيا من أعماق الأرض إلى السطح لتكوين البراكين، قد شكلت كلا من سلسلة الجبال تحت الماء التي تحمل اسمها وهضبة أونتونغ-جافا.
وقد حاولت النظريات والنماذج السابقة حول كيفية تحرك قاع المحيط الهادي تفسير العلاقة بين جبال لويزفيل وهضبة أونتونغ-جافا، لكنها فشلت في تقديم إجابة قاطعة.
وقالت فينلايسون: "لقد اختفى الكثير من الأدلة المادية على وجود صلة بين لويزفيل وأونتونغ-جافا لأن جزءا من مسار نقطة لويزفيل الساخنة قد اندس، أو اندفع، تحت الصفائح التكتونية في منطقة المحيط الهادي، وبالتالي اضطررنا إلى أخذ عينات من براكين مغمورة بعمق من مسار نقطة ساخنة مختلفة وطويلة الأمد للعثور على أدلة من عشرات الملايين من السنين تشير إلى أن نماذجنا لصفيحة المحيط الهادي بحاجة إلى مراجعة".
العلاقة بين البراكين القديمة والحديثة
حققت فينلايسون وفريقها أول إنجاز لهم عندما اكتشفوا سلسلة من الجبال تحت الماء بالقرب من ساموا، والتي كانت أقدم بكثير مما كان متوقعا بالنسبة للبراكين في المنطقة.
ومن خلال تحليل عمر وتركيب عينات الصخور القديمة المأخوذة من المنطقة، خلص الباحثون إلى أن هذه الجبال كانت جزءا من جزء أقدم بكثير من مسار لويزفيل البركاني، والذي قارنته فينلايسون بآثار مسار البركان، فمع تحرك قشرة الأرض (الصفائح التكتونية) فوق النقاط الساخنة، فإنها تُشكل هذه المسارات البركانية.
وأوضحت فينلايسون: "يمكننا تتبع هذه "الآثار" عبر الزمان والمكان. وتزداد هذه الآثار قدما كلما ابتعدنا عن نقطة ساخنة نشطة، على غرار كيفية تلاشي آثار أقدامنا في الرمال أثناء المشي. ولكن لا يزال بإمكانك معرفة أن هذه الآثار تنتمي إلى المصدر نفسه.
وبفضل هذه الأدلة الجديدة، تمكن الباحثون من مراجعة النماذج الحالية لحركة صفائح المحيط الهادي واكتساب فهم أفضل لكيفية تحرك قاع البحر على مدى ملايين السنين.
حل الألغاز الأخرى
يخطط فريق فينلايسون الآن لتطبيق نماذجهم المُحسّنة لفهم السمات البركانية القديمة الأخرى المنتشرة في قاع المحيط وفوق سطحه بشكل أفضل. ونظرا لأن العديد من دول جزر المحيط الهادي تقع حاليا فوق منصات بركانية وسلاسل بركانية تحت الماء، تأمل فينلايسون أن يُعزز عملها فهم أسس تلك الدول. كما تعتقد أن اكتشاف فريقها سيساعد العلماء على تطوير فهم أفضل للنشاط البركاني والتطور الجيولوجي، ليس فقط في منطقة المحيط الهادي، بل في جميع أنحاء العالم.
وقالت فينلايسون: "لقد حللنا لغزا واحدا، ولكن لا يزال هناك عدد لا يُحصى من الألغاز التي تنتظر الحل. يُقدم لنا هذا الاكتشاف تاريخا أكثر دقة للمحيط الهادي ونشاطه البركاني، ويساعدنا على فهم المزيد عن ديناميكيات وأنماط النشاط البركاني الذي يحدث هناك". وأضافت: "كل ما نتعلمه عن ماضي الأرض المضطرب يُساعدنا على فهم الكوكب الديناميكي الذي نعيش عليه اليوم بشكل أفضل".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
كاميرا تلتقط ما لم يشاهد من قبل.. تمزق الأرض خلال زلزال مدمر
في مشهد نادر قد يكون الأول من نوعه، التقطت كاميرا مراقبة لحظة تمزق الأرض أثناء الزلزال العنيف الذي ضرب ميانمار في 28 مارس/آذار الماضي، مما قد يشكل توثيقا غير مسبوق لظاهرة جيولوجية تعرف بـ"تمزق سطح الأرض"، نتيجة الزلازل الكبرى. وتحدث هذه الظاهرة عندما تنفصل الكتل الأرضية على جانبي الصدع، وتتحرك بشكل ملحوظ لدرجة أن هذا التمزق يصبح مرئيا على السطح، على شكل شقوق أو انزياحات في الطرق أو المباني أو الأراضي. تحدث هذه الظاهرة فقط في الزلازل القوية جدا (عادة أكبر من 7 درجات)، وعندما يكون مركز الزلزال قريبا من سطح الأرض، وعندما يقع على صدع نشط يمتد إلى السطح، ومن النادر جدا توثيقها مباشرة، لأنها تحدث فجأة، وغالبا في أماكن يصعب تصويرها، غير أن زلزال ميانمار، وفر وثيقة نادرة ومهمة لهذه الظاهرة. وضرب زلزال ميانمار الذي أنتج الظاهرة بقوة 7.7 درجات عند الساعة 12:50 ظهرا بالتوقيت المحلي، وشعر به السكان في مناطق بعيدة مثل تايلاند، وأسفر عن مصرع نحو 5500 شخص. ويعود الفضل في الكشف عن الفيديو الذي وثق الظاهرة للمهندس السنغافوري هتين أونغ الذي نشره على صفحته بموقع فيسبوك، كاشفا عن ظروف تصويره، حيث صُوّر من محطة الطاقة الشمسية التابعة لشركة " جي بي إنرجي ميانمار" قرب بلدة ثازي "وسط ميانمار". توثيق مرئي نادر ويظهر التسجيل بوابة معدنية خرسانية تبدأ بالاهتزاز والانزلاق مع بدء الحركة الأرضية، ثم يظهر شق عميق يقطع الطريق والساحة، مع تمزق واضح في سطح الأرض بعد 14 ثانية من بدء التصوير. ووصف الدكتور جون فيدال، عالم الزلازل في جامعة جنوب كاليفورنيا، الفيديو بـ"المقلق فعلا"، مشيرا في تصريح لموقع " لايف ساينس"، أنه لم ير من قبل توثيقا مرئيا مماثلا لتمزق أرضي بهذا الشكل. واتفق معه الجيوفيزيائي ريك أستر من جامعة ولاية كولورادو، الذي قال للموقع "على حد علمي، هذا أفضل تسجيل مرئي لدينا لتمزق سطحي متكامل نتيجة زلزال كبير." ووقع الزلزال على فالق "ساجينغ"، وهو صدع تحويلي يفصل بين صفيحتي بورما وسوندا، ويشبه في طبيعته صدع سان أندرياس الشهير في كاليفورنيا، حيث تتحرك الصفائح الأرضية جنبا إلى جنب، وبدأ التمزق شمال مدينة ماندالاي وامتد شمالا وجنوبا على طول الصدع. وأوضح أستر أن الجزء المنزلق من القشرة الأرضية يمتد من السطح حتى عمق يتراوح بين 20 و30 كيلومترا. وأضاف "تحت هذا العمق، تصبح القشرة أكثر ليونة وتتشوه بدلا من أن تتكسر." ويأمل الباحثون أن يسهم هذا الفيديو في تحسين فهمهم للآليات الدقيقة لحركة الصفائح أثناء الزلازل، وهي معلومات يصعب الحصول عليها من خلال البيانات الزلزالية وحدها. وقال أستر "لا شك لدي أن علماء الزلازل سيدرسون هذا التسجيل بعناية شديدة"، مضيفا أن الفيديو قد يؤدي إلى نشرٍ علمي جديد بمجرد التأكد من تفاصيل الموقع والظروف المحيطة.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بركان عمره 120 مليون سنة يكشف لغز أخطر مناطق الكوكب
نجح الجيولوجيون بقيادة فريق من جامعتي ماريلاند وهاواي في ربط أحد أكبر الثورات البركانية في تاريخ الأرض بمصدره في أعماق المحيط الهادي. وكشف الفريق أن البقعة الساخنة نفسها الواقعة تحت الماء شكّلت سلسلة من البراكين في مناطق متعددة في جنوبي المحيط الهادي، وعلى رأسها هضبة أونتونغ-جافا الضخمة، شمال شرق بابوا غينيا الجديدة في المحيط الهادي، والتي تشكلت قبل حوالي 120 مليون سنة، ويغطي حجمها ما يقارب 1% من سطح الأرض، أي أنها أكبر حتى من بعض القارات الصغرى. وتأتي أهمية هذا الدراسة في أنها تكشف بعض جوانب العالم الغامض في منطقة المحيط الهادي التي تعتبر موطنا لأكثر البراكين غموضا وأخطرها على وجه الأرض في الماضي السحيق. حوض المحيط الهادي تتسم جيولوجية المحيط الهادي بسلاسل جبال بحرية طويلة متعددة مغمورة في قاع المحيط والتي شكلتها البراكين الساخنة، ومنها سلسلة جبال هاواي-أمبرور البحرية وسلسلة جبال لويزفيل البحرية. كما أنها تضم هضبة أونتونغ جافا، وكذلك منطقة الحزام الناري، الواقعة في سواحل المحيط الهادي وجزرها حيث تنشط الزلازل والبراكين، كما تعتبر منطقة الحزام الناري أكبر حزام من البراكين المتفجرة في العالم. وتقول فال فينلايسون، الباحثة المساعدة في قسم الجيولوجيا بجامعة ميريلاند، والمؤلفة الرئيسية للدراسة في تصريح تضمنه بيان رسمي من جامعة ميرلاند "حتى الآن، كانت لدينا صورة متباينة للغاية عن المحيط الهادي وبراكينه، ولكن لأول مرة، تمكنا من إيجاد صلة واضحة بين الأنظمة البركانية الأحدث في جنوب المحيط الهادي والأقدم في غربه، إنه اكتشاف يمنحنا تاريخا أكثر اكتمالا لكيفية تطور حوض المحيط الهادي على مدى ملايين السنين ليصبح ما هو عليه اليوم". تساؤلات العلماء تساءل العلماء عما إذا كانت نقطة لويزفيل البركانية الساخنة في جنوب المحيط الهادي، وهي منطقة ترتفع فيها مواد ساخنة ومتميزة كيميائيا من أعماق الأرض إلى السطح لتكوين البراكين، قد شكلت كلا من سلسلة الجبال تحت الماء التي تحمل اسمها وهضبة أونتونغ-جافا. وقد حاولت النظريات والنماذج السابقة حول كيفية تحرك قاع المحيط الهادي تفسير العلاقة بين جبال لويزفيل وهضبة أونتونغ-جافا، لكنها فشلت في تقديم إجابة قاطعة. وقالت فينلايسون: "لقد اختفى الكثير من الأدلة المادية على وجود صلة بين لويزفيل وأونتونغ-جافا لأن جزءا من مسار نقطة لويزفيل الساخنة قد اندس، أو اندفع، تحت الصفائح التكتونية في منطقة المحيط الهادي، وبالتالي اضطررنا إلى أخذ عينات من براكين مغمورة بعمق من مسار نقطة ساخنة مختلفة وطويلة الأمد للعثور على أدلة من عشرات الملايين من السنين تشير إلى أن نماذجنا لصفيحة المحيط الهادي بحاجة إلى مراجعة". العلاقة بين البراكين القديمة والحديثة حققت فينلايسون وفريقها أول إنجاز لهم عندما اكتشفوا سلسلة من الجبال تحت الماء بالقرب من ساموا، والتي كانت أقدم بكثير مما كان متوقعا بالنسبة للبراكين في المنطقة. ومن خلال تحليل عمر وتركيب عينات الصخور القديمة المأخوذة من المنطقة، خلص الباحثون إلى أن هذه الجبال كانت جزءا من جزء أقدم بكثير من مسار لويزفيل البركاني، والذي قارنته فينلايسون بآثار مسار البركان، فمع تحرك قشرة الأرض (الصفائح التكتونية) فوق النقاط الساخنة، فإنها تُشكل هذه المسارات البركانية. وأوضحت فينلايسون: "يمكننا تتبع هذه "الآثار" عبر الزمان والمكان. وتزداد هذه الآثار قدما كلما ابتعدنا عن نقطة ساخنة نشطة، على غرار كيفية تلاشي آثار أقدامنا في الرمال أثناء المشي. ولكن لا يزال بإمكانك معرفة أن هذه الآثار تنتمي إلى المصدر نفسه. وبفضل هذه الأدلة الجديدة، تمكن الباحثون من مراجعة النماذج الحالية لحركة صفائح المحيط الهادي واكتساب فهم أفضل لكيفية تحرك قاع البحر على مدى ملايين السنين. حل الألغاز الأخرى يخطط فريق فينلايسون الآن لتطبيق نماذجهم المُحسّنة لفهم السمات البركانية القديمة الأخرى المنتشرة في قاع المحيط وفوق سطحه بشكل أفضل. ونظرا لأن العديد من دول جزر المحيط الهادي تقع حاليا فوق منصات بركانية وسلاسل بركانية تحت الماء، تأمل فينلايسون أن يُعزز عملها فهم أسس تلك الدول. كما تعتقد أن اكتشاف فريقها سيساعد العلماء على تطوير فهم أفضل للنشاط البركاني والتطور الجيولوجي، ليس فقط في منطقة المحيط الهادي، بل في جميع أنحاء العالم. وقالت فينلايسون: "لقد حللنا لغزا واحدا، ولكن لا يزال هناك عدد لا يُحصى من الألغاز التي تنتظر الحل. يُقدم لنا هذا الاكتشاف تاريخا أكثر دقة للمحيط الهادي ونشاطه البركاني، ويساعدنا على فهم المزيد عن ديناميكيات وأنماط النشاط البركاني الذي يحدث هناك". وأضافت: "كل ما نتعلمه عن ماضي الأرض المضطرب يُساعدنا على فهم الكوكب الديناميكي الذي نعيش عليه اليوم بشكل أفضل".


الجزيرة
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
أزمة "الزمرد المصري".. خريطة الكنز الأخضر جاهزة فأين المفتاح؟
في أعماق الصحراء الشرقية وسيناء، لا تقتصر الكنوز على الآثار الفرعونية، بل تخبئ الأرض ذاتها كنوزا من نوعٍ آخر، وهي الأحجار الكريمة النادرة مثل الحجر الأخضر، المعروف بـ "الزمرد". وتعود أقدم أنشطة استخراج الزمرد في مصر إلى ما قبل أكثر من 3 آلاف عام، في زمن الأسرة الـ21 (حوالي 2000-1788 قبل الميلاد)، حيث كان يعرف باسم "حجر الحب" أو "الحجر المقدس"، وزينت به الملكة كليوباترا تيجانها. ورغم هذه الأهمية التاريخية للزمرد، فإنه واجه تراجعا في صناعة تعدينه، ولطالما اعتبر أن غياب خريطة دقيقة لتحديد مواقعه عائقا أمام عودة نشاطه التعديني، غير أن دراسة علمية صدرت قبل 3 سنوات أعادت فتح الملف من زاوية مختلفة، حيث تؤكد أن المشكلة أكبر من مجرد نقص في المعلومات الجيولوجية. وحددت الدراسة المنشورة بدورية"فيزكس آند كميثتري أوف ذا إيرث"، لأول مرة، التوزيع الجغرافي والكيميائي والجيولوجي لهذا المعدن النادر داخل الصحراء المصرية، لتكون بمثابة نقطة تحول مهمة في فهم التكوين الجيولوجي للزمرد المصري. وبدأت قصة هذه الدراسة المهمة عندما انطلق السعيد لاشين، المدرس بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة الأزهر ورفاقه في رحلة ميدانية، كان زادهم فيها خبراتهم العلمية وأجهزة التحليل المحمولة، إلى مواقع كانت يوما ما معروفة للمصريين القدماء، ثم توارى الاهتمام بها مع مرور الزمن، وكانت مهمة الفريق واضحة، وهي رسم خريطة دقيقة توثق أماكن وجود الزمرد المصري، وتحديد خصائصه الكيميائية والجيولوجية. التوزيع الجغرافي للكنز الأخضر عندما بدأ الفريق البحثي رحلته الميدانية في عمق الصحراء الشرقية وسيناء، لم يكن في حوزته سوى معلومات محدودة من المصادر القديمة وبعض الروايات الجيولوجية غير المؤكدة، لكن مع مرور الوقت وجمع المزيد من المعلومات، تمكنوا من رسم خريطة واضحة المعالم تضم 12 مواقعا لاستخراج الزمرد والبريل، في خطوة غير مسبوقة. والبريل معدن نادر يتكون أساسا من سيليكات البيريليوم والألمنيوم، ويعد الزمرد أحد أنواعه عندما يحتوي على شوائب من الكروم أو الفاناديوم. توزعت المواقع التي حددها الباحثون على نطاقين رئيسيين، هما: الصحراء الشرقية: حيث تم تحديد 9 مواقع رئيسية تمتد بين منطقة الزبارا شمالا وحتى جبل سكيت ووادي الغزالة جنوبا، وتشمل أيضا مواقع قرب وادي الجمال ووادي العلاقي، وهي مناطق تقع داخل الحزام المعروف جيولوجيا باسم حزام الشوائب المتحول، الغني بالتركيبات الجيولوجية المعقدة والظروف المناسبة لتكوين الزمرد. جنوب سيناء: تم توثيق 3 مواقع جديدة لأول مرة في الدراسة، تقع قرب جبل سانت كاترين ووادي فيران، وهي مناطق تتميز بنشاط بركاني قديم وصخور حاملة للبريليوم والعناصر النادرة الأخرى، مما يرجح إمكانية تشكل الزمرد فيها. ووفق الدراسة فقد تم تصنيف هذه المواقع بحسب مستوى الوفرة والتكوين البلوري للزمرد فيها، فبعضها يحتوي على كميات واعدة من بلورات واضحة المعالم، بينما يحتوي البعض الآخر على مؤشرات أولية تتطلب المزيد من التنقيب. وأوضحت الدراسة أن "ما يميز هذه الخريطة الجديدة أنها لم تقتصر على الإحداثيات الجغرافية فقط، بل دمجت معها بيانات تفصيلية عن البيئة الصخرية المحيطة، ووجود معادن مرافقة مثل التلك والفلسبار، مما يساعد في التنبؤ بجيوب أخرى قد لا تكون مرئية للعين المجردة". وبهذا التوثيق الشامل، تحولت مناطق كانت منسية أو مجهولة إلى مواقع واعدة محتملة للتنقيب الاقتصادي والاستثمار المعدني، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من استكشاف "الكنز الأخضر" المدفون في عمق الصحراء المصرية. بصمة الزمرد المصري لم يكن مجرد وجود الزمرد هو المهم، لذا سعى الباحثون إلى معرفة كيف تكوّن، وفي أي بيئة، وأي صخور رافقته. وللإجابة عن هذه الأسئلة، اصطحب الباحثون بعض العينات من الميدان إلى المختبرات، وأخضعوها لأدوات التحليل المختلفة، لتبدأ البلورات في الكشف عن أسرارها. واستخدم الباحثون تقنيتي تحليل الأشعة السينية وقياسات العناصر النادرة لتحديد التركيبة الكيميائية الدقيقة للزمرد المصري، وتحديد نسب العناصر مثل الكروم والفاناديوم التي تمنح الحجر لونه الأخضر المميز. وتعتمد التقنية الأولى على تسليط شعاع من الأشعة السينية على عينة من الزمرد، وعندما تصطدم الأشعة بذرات المعدن، فإنها تنكسر وتنتشر بطرق مختلفة حسب ترتيب الذرات، ويتم تسجيل نمط الانكسار على جهاز خاص، ومن خلال هذا النمط، يمكن تحديد البنية البلورية بدقة، أي معرفة نوع المعدن وخصائصه. أما تقنية قياسات العناصر الأرضية النادرة، فهي تقنية كيميائية تحليلية تستخدم لقياس نسب وجود العناصر النادرة داخل الصخور أو المعادن، مثل الكروم والفاناديوم والنيوديميوم وغيرها، وتتم عن طريق إذابة أو طحن عينة من الزمرد إلى مسحوق ناعم، وتحلل باستخدام جهاز مثل مطياف الكتلة أو مطياف الانبعاث البصري بالبلازما، حيث يفصل الجهاز العناصر الموجودة ويقيس كمياتها بدقة شديدة حتى لو كانت بنسب ضئيلة (بأجزاء في المليون أو المليار). وأظهرت النتائج باستخدام التقنيتين، أن الزمرد المصري يتمتع بتركيبة كيميائية مميزة عن الزمرد المستخرج من مناطق أخرى حول العالم مثل كولومبيا والبرازيل، فمثلا، وجدوا أن نسبة الكروم في الزمرد المصري مرتفعة نسبيا، وهو ما يمنحه بريقا خاصا وطابعا بصريا فريدا. كيف تشكل الزمرد المصري؟ ولم تكتمل القصة بمعرفة أين يوجد الزمرد ومما يتكون فقط، فالعنصر الثالث في الأحداث، كان يدور حول كيفية تشكله. ودخلت الدراسة في هذه المرحلة إلى عمق التاريخ الجيولوجي للأرض المصرية، ونجحت في إثبات أن الزمرد في مصر تشكل داخل صخور "الشيست" و"البيغماتيت"، نتيجة تفاعل مائي حراري مع عناصر نادرة تسربت عبر شقوق الصخور على مدى ملايين السنين. وأوضحت أنه "في بيئة جيولوجية قاسية، تتقاطع فيها صخور الأساس القديمة مع الفوالق النشطة، لعبت السوائل الغنية بالبريليوم دورا محوريا في بلورة الزمرد، في ظل درجات حرارة وضغوط شديدة العمق". وأضافت أن "الوجود المتكرر لمعادن البريل في مناطق الاكتشافات الجديدة يعزز من فرص العثور على جيوب جديدة من الزمرد عالي الجودة". من المعرفة إلى الاستثمار والدراسة بهذه النتائج التفصيلية، لم تكن مجرد عمل أكاديمي، بل اعتبرت خطوة تأسيسية نحو إعادة إحياء صناعة تعدين الزمرد في مصر، فبفضل هذه الخريطة الأولى من نوعها، باتت الجهات المعنية تمتلك بيانات دقيقة تمكنها من وضع خطط استثمارية قائمة على معرفة علمية راسخة، كما تفتح نتائجها المجال لتأسيس هوية تجارية للزمرد المصري، يمكن تسويقها عالميا كمصدر أصيل وفريد، تماما كما يحدث مع الزمرد الكولومبي. ورغم أهمية الدراسة، فإن مرور 3 سنوات على تنفيذها دون تحركات إيجابية في هذا الملف يكشف عن أن المشكلة ربما تكون أعمق من "أين يوجد الزمرد؟" أو "ما هوية الزمرد المصري؟"، بل تكمن في العثور على مفتاح الكنز الأخضر الذي أصبح معلوم المكان، ويكون السؤل المنطقي: "لماذا لا نستخرجه ونسوقه؟". ويقول حسن بخيت رئيس رابطة المساحة الجيولوجية المصرية ورئيس المجلس الاستشاري العربي للتعدين للجزيرة نت، إن "الاهتمام بملف تعدين الذهب والخامات الأخرى التي تقوم عليها صناعات مثل الأسمنت والحديد والصلب، جاء على حساب ملف الأحجار الكريمة مثل الزمرد، الذي يعاني من إهمال واضح". ويستطرد: "مع تقديري لهذه الدراسة فإنها ليست كافية، فنحن نحتاج لدراسات أعمق تشارك بها هيئة المساحة الجيولوجية وهيئة الاستشعار عن بعد والعديد من الجهات الأخرى، لتحديد الأماكن التي تحتوي على وفرة كبيرة من المعدن، بحيث يمكن تحويلها إلى مناجم للزمرد، كما فعلت السعودية مع الزبرجد الذي أنشئت منجما له، وأصبحت تصدره للخارج". ويضيف أن مثل هذه الدراسات التفصيلية ستتيح تسويق الأماكن المكتشفة للمستثمرين، سواء داخل مصر أو خارجها. ويربط عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة جامعة القاهرة المشكلة "بتوفر الإرادة السياسية" لاستغلال هذا المعدن، ويقول للجزيرة نت: "إذا توفرت هذه الإرادة، فوقتها يمكن الاستفادة من مخرجات هذه الدراسة وغيرها من الدراسات". ويوضح: "مشكلتنا ليست في المعرفة، ووجود الخبراء، ولكن في أن تكون هناك إرادة لاستغلال هذه المعرفة، كما حدث مع خام الذهب خلال السنوات العشر الماضية". ويجد عبد العزيز في تجربة خام الذهب أفضل دليل على حديثه، فمعروف منذ العصور المصرية القديمة أن الصحراء الشرقية غنية به، وعندما توفرت الإرادة السياسية لاستغلاله، دخل منجم السكري الخدمة". وبالمنطق نفسه يقول عبد العزيز: "عندما تتوفر الإرادة سيتم استغلال الأحجار الكريمة، ومنها الزمرد، كما سيتم استغلال الخامات الأخرى، مثل الرمال السوداء في منطقة رشيد، التي لها العديد من الاستخدامات، لكن لا أحد يهتم بها رغم كثير من الدراسات التي أكدت أهميتها وقيمتها". ورغم كل هذه التحديات، يؤكد عبد العزيز أهمية الدراسة التي وصفها بأنها تمثل نقطة انطلاق حقيقية، إذا توفرت الإرادة للبناء عليها عبر تشجيع الاستكشاف وتأسيس كيانات متخصصة في التنقيب والتصنيع والتسويق.