logo
إغلاق موقت لمركز بومبيدو صرح الحداثة في باريس

إغلاق موقت لمركز بومبيدو صرح الحداثة في باريس

Independent عربية١٨-٠٧-٢٠٢٥
شكل مركز بومبيدو منذ افتتاحه عام 1977 نموذجاً رائداً في انفتاحه على الفنون المعاصرة والتجريبية، محتضناً الحوارات بين الفن والمعمار والتكنولوجيا، واليوم إذ يغلق أبوابه موقتاً يبقى السؤال كيف يمكن الحفاظ على روح المكان من دون أن تنكسر ذاكرته؟ وكيف يمكن للفن أن يجد منفذاً جديداً في ظل الغياب؟
في خطوة استثنائية يدخل "مركز جورج بومبيدو"، المعروف باسم بوبور، والذي يستقبل قرابة 30 الف زائر يومياً ويعد من أبرز صروح الفن الحديث والمعاصر في العالم، إغلاقاً كاملاً ابتداء من الـ 22 من سبتمبر (أيلول) المقبل استعداداً لبدء أعمال ترميم ضخمة تشمل إزالة الـ "أسبستوس" التي اكتشف أنها مادة معدنية مسرطنة، ومعالجة تآكل الهيكل وتعزيز البنية التحتية، وجعل المبنى أكثر توافقاً مع معايير الوصول لذوي الإعاقة.
يغلق المركز خمس سنوات (ا ف ب)
وبينما يستعد لإغلاق موقت للترميم حتى عام 2030، تبقى روحه المتوهجة وقدرته على الابتكار والاحتضان شاهدة على قدرة الثقافة على الانتشار كي تكون في متناول الجميع، فقد أدرج المركز نشاطات عدة خارج المقر ضمن سياق برنامج "Constellation"، لإقامة تعاون مع مؤسسات متحفية داخل فرنسا و خارجها، من خلال معارض تقام في مولاجا وشنغهاي والبرازيل لعام 2027، فضلاً عن مهرجانات أدبية وشعرية ومشاريع موسيقية وسينما تجريبية وفنون أدائية، مما يؤكد بقاء "مركز بومبيدو" مؤثراً عالمياً كمؤسسة فاعلة تربوياً واجتماعياً.
ومن منجزاته الأخيرة المعرض الضخم الذي ينظمه المركز حالياً في الغراندباليه ويستمر حتى الـ 10 من يناير (كانون الثاني) 2026، ويتناول الصداقة التي جمعت بين الثنائي نيكي دو سان فال وزوجها جان تانغلي، وبونتوس هولتن، أول مدير للمتحف الوطني للفن الحديث في مركز بومبيدو، والذي قدم لهما طوال مسيرتهما دعماً غير مشروط، سواء من خلال اقتناء أعمالهما، أو معارض استعادية مخصصة لهما، أو دعمه لمشاريع خارجة عن المألوف مثل "نانا" العملاقة في معرض هون- كاتدرائية (1966) في متحف موديرنا بستوكهولم، أو معرض التمساح الكبير لزيغ وبوس (1977) في المنتدى الفني التابع للمركز.
عمل تجهيزي لمارسيل دو شان دشن افتتاح المركز 1971 (خدمة المركز)
وفي هذا السياق يشكل المعرض دعوة إلى التعرف على أعمال هذين الفنانين اللذين احتضنهما رجل متحف استثنائي في مسار تاريخي يمزج بين الحب والصداقة والالتزام.
القلب النابض
على تخوم حي اللوماريه الشعبي العريق شرقاً، ذلك الحي القديم المعروف بأزقته الضيقة ومبانيه التاريخية والذي ينسدل بين شرايين الدائرتين الثالثة والرابعة على الضفة اليمنى من نهر السين، وعلى مقربة من حي ليهال غرباً، المنطقة التجارية الحديثة المخصصة للمشاة والتي تضم مركز تسوق ومحطة القطارات المركزية تحت الأرض، ينتصب "مركز جورج بومبيدو" كصرح معماري فريد أشبه بسفينة زجاجية من المستقبل هبطت فجأة في قلب المدينة القديمة، فأحدثت منذ اللحظة الأولى صدمة بصرية وثقافية، واتهم حينها بأنه اقتحم النسيج التاريخي لباريس الذي لا يزال ينبض بروح القرن الـ 19، ففي عام 1969 قرر الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو (1911- 1974) إقامة مركز ثقافي كبير يعبر عن انفتاح فرنسا على الفن المعاصر ويقرب الثقافة من الجمهور، وأطلقت في حينها مسابقة دولية شاركت فيها 45 دولة وقدمت 650 مشروعاً فاز بها الثنائي المعماري البريطاني ريتشارد روجرز والإيطالي رينزو بيانو، في أول تعاون مشترك بينهما، وبدأ العمل في أبريل (نيسان) 1972 واستمر خمسة أعوام حتى اُفتتح المركز رسيماً في الـ 31 من يناير عام 1977، وقد حمل اسم الرئيس بومبيدو بعد وفاته تكريماً له.
معرض الحركة السوريالية (خدمة المركز)
اختير الموقع وسط الدائرة الرابعة ضمن "ساحة بوبور" التاريخية العائدة لعهد فيليب أوغوست، أحد ابرز ملوك فرنسا في العصور الوسطى، وكانت آنذاك منطقة صناعية شبه مهملة وقريبة من الحي اليهودي والأسواق الشعبية ومساكن البوهيميين والمهاجرين، وسرعان ما تحول المركز الى قلب نابض بالفن والحياة يطل من طبقاته العليا على مشهد ساحر لباريس، حيث يمكن تأمل الأبراج القوطية ل‍نوتردام وأسقف السانتييه، وصولاً إلى برج إيفل البعيد ضمن رؤية بانورامية تخطف الأنفاس.
ومنذ افتتاحه استقبل "مركز بومبيدو" أكثر من 150 مليون زائر ليغدو مع الوقت أكثر من مجرد متحف، بل فضاء حياً للثقافة والمعرفة يؤمّه السياح والقاصدون من أنحاء العالم والباحثون عن المتعة والشغف الفني، حيث تعج باحته الخارجية يومياً بآلاف الزوار في احتفال شعبي شبيه بمسرح مفتوح للرسامين والموسيقيين والبهلوانيين، في طقس جماهيري تختلط فيه الحياة بالإبداع واللعب بالدهشة.
معمار خارج عن القواعد
من معرض الأميركي جيف كونز في بومبيدو (خدمة المركز)
لطالما وصف "مركز بومبيدو" بأنه قطعة فنية، فقد شكل تثويراً لمفهوم العمارة المدنية التقليدية وقلب المفاهيم السائدة رأساً على عقب، ووضع ما كان يوجد عادة في الداخل خارج هيكل المبنى ذاته، فلم تكن الواجهات مغطاة بالحجر بل اكتست بالألوان والأنابيب والسلالم والمصاعد المكشوفة، وقد جرى إظهار جميع الُنى التحتية، من التهوية إلى الكهرباء بألوان دلالية، فالأزرق للهواء والأحمر للحركة والأصفر للكهرباء والأخضر للماء، وطُبق التمييز نفسه باستخدام الألوان على تقسيم نشاطات المركز فاختير الأصفر للأماكن المشتركة والأخضر للمكتبة العامة والأحمر للمتحف الوطني للفن الحديث، ولعل من أبرز ميزات هذا الصرح مرونة مساحاته الداخلية الناتجة من دفع عناصر الإنشاء ونظام الحركة، مثل السلالم الكهربائية، إلى الخارج، مما أتاح تحويل الداخل إلى مساحة مفتوحة للأنشطة الثقافية، أما واجهته الزجاجية الشفافة فتسمح لزوار الساحة الأمامية برؤية ما يجري في الداخل، إذ يقوم تصميمه على الخطوط لا الكتل، وقد أثار المركز، بسبب تمرده وخروجه عن قواعد البناء التقليدية، موجة من الانتقادات، إلا أنه ظل من أبرز المعالم المعمارية في العالم ومثالاً حياً على عمارة الـ "هاي تيك" في مرحلة ما بعد الحداثة التي راجت منذ أواخر الستينيات، وعبّرت عن التنوع والتعقيد من خلال التهكم والسخرية والدعابة والتبسيط، فضلاً عن ارتباطها الإيجابي بالتاريخ والثقافة اليومية.
وعلى رغم نظرة بعض المعماريين إليه باعتباره مبنى غير صرحي وفوضوياً وغير مكتمل وقابلاً للتغيير، فإنه بحسب تعبير المهندس رينزو بيانو "ليس معلماً بل احتفال ولعبة جماهيرية ضخمة"، وعلى رغم فرادة تصميمه فإنه يظل متجذراً في تقاليد العمارة الفرنسية، إذ إنه مبني من هيكل معدني ضخم يذكر ببرج إيفل ويبلغ وزنه نحو 10 آلاف طن في مقابل 7 آلاف طن لبرج إيفل.
صرح متعدد الوظائف
من معرض سحرة الأرض 198(خدمة المركز)
يعد متحف الفن الحديث والمعاصر في "مركز بومبيدو" أحد أبرز المؤسسات الثقافية في العالم، ليس فقط لمكانته الرائدة ضمن المشهد الفني الفرنسي بل أيضاً لما يضمه من كنوز إبداعية تشكل مرآة نابضة لتاريخ الفن في القرن الـ 20 وما بعده، ويحتضن واحدة من أكبر مجموعات الفن الحديث والمعاصر في أوروبا، والثانية عالمياً بعد "متحف موما" في نيويورك، ويضم أكثر من 120 ألف عمل فني تعود لأكثر من 6 آلاف فنان من أنحاء العالم، وتنقسم مقتنيات المتحف إلى قسمين، الفن الحديث بين عامي 1905 و 1960، ويشمل أعمالاً لفنانين غيروا وجه الفن في القرن الـ 20 مثل ماتيس بيكاسو وكلي وكاندنسكي ودوشان، والفن المعاصر من عام 1960 حتى اليوم، ويضم أسماء مثل آندي وارهول وجوزف بويزودانيال بورين وديفيد هوكني وجيف كونز وأنيش كابور، ويغطي اتجاهات معاصرة مثل المفاهيمية والفن الرقمي وفن الأداء، ويمتد المتحف على الطابقين الرابع والخامس ويضم صالات عرض دائمة ومعارض موقتة ذات طابع دولي، ويشمل أيضاً مكتبة عامة و"معهد "IRCAM للموسيقى المعاصرة وقاعات سينما وعروض، وشرفة زجاجية تمنح الزائر إطلالة خلابة على باريس، أما في الساحة الخارجية فتعرض "ورشة برانكوسي" أعمال هذا الفنان الرائد الذي ترك بصمة في تاريخ النحت الحديث، وتتزين نافورة سترافنسكي القريبة من المركز بمنحوتات لنيكي دو سان فال وجان تانغلي، مما يجعل من زيارة المكان تجربة فنية متكاملة.
أشهر الأنشطة الفنية والأدبية
من معرض الفنون الجديدة (خدمة المركز)
منذ افتتاحه عام 1977 شكل "مركز جورج بومبيدو" فضاء حيوياً للحوارات الفنية والأدبية، إذ استضاف كتاباً وشعراء من أنحاء العالم، ونظم أمسيات شعرية ومهرجانات أدبية مثل "ربيع الشعراء" و"ليلة الأدب"، ومن أبرز اللقاءات جلسة مع الكاتب الأميركي بول أوستر (2007) حول أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001 وقراءة شعرية لأدونيس (1983) من مجموعته "أغاني مهيار الدمشقي"، وندوة "لبنان أرض الصراع" (2006) بمشاركة الشاعرين صلاح ستيتيه وفينوس خوري غاتا، والتي أقيمت في إطار فعاليات مهرجان "الكتابات في المنفى".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ افتتاحه عام 1977 شكل "مركز جورج بومبيدو" منبراً لمعارض فنية غير مسبوقة استعرضت أعمال كبار الحداثيين مثل دوشان ودالي وبيكاسو وبول كلي وسيزان وماتيس وسواهم، إضافة إلى المعاصرين، كما وسع آفاقه ليشمل تجارب من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، كما فتح منذ الثمانينيات مساحة الحوار الثقافي مع مختلف عواصم العالم لمد جسور الحوار بين باريس ومختلف عواصم الفن، فضلاً عن معارض جماعية ومفاهيمية من أبرزها "سحرة الأرض" (1989) الذي كسر مركزية الفن الغربي، و"اللاماديات"(1985) بإشراف الفيلسوف جان فرانسوا ليوتار، مستكشفاً التحولات المعرفية والتكنولوجية لما بعد الحداثة، و"الفراغات" (2009) الذي عالج مفهوم العدم كفن، من وحي مفهوم الفراغ الذي قدمه الفنان إيف كلين في معرضه الشهير عام 1985، ومعرض "السريالية والبعد السياسي" (2024) الذي أضاء على البعد الاحتجاجي للحركة السريالية، إضافة إلى بعدها الجمالي بمشاركة أعمال ماسون وبروتون وآرتو.
وشهد المركز ايضاً حضوراً عربياً لافتاً بدءاً بمعرض "نوافذ على ما غاب عني" للفنانة اللبنانية ناديا صيقلي (1978) الذي قدمه الفنان الفرنسي هنري غوتز وتضمن مجموعة كبيرة من الأعمال الطباعية (سيريغرافي) تمثل شهادات بصرية عن دمار أسواق بيروت بعد "حرب السنتين"، ثم معرض رائدة النحت التجريدي في لبنان سلوى روضة شقير (2021)، وفي العام نفسه معرض استعادي للفنان فريد بلكاهية أحد رواد الحداثة في المغرب العربي.
وزيارة "مركز بومبيدو" ليست مجرد عبور لمتحف بل غوصاً في طبقات باريس الثقافية، حيث تتحول المدينة إلى مشهد حي من الفن والفكر، تماماً كما تخيلها أندريه مالرو "متحفاً بلا جدران".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خُلد عملاق يثير الدهشة في إنجلترا
خُلد عملاق يثير الدهشة في إنجلترا

الشرق الأوسط

time٣٠-٠٧-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

خُلد عملاق يثير الدهشة في إنجلترا

ظهر خُلد عملاق برتقالي اللون في مساحات مُشذَّبة بعناية، داخل أحد ممتلكات «ناشونال ترست» في منطقة بيك ديستريكت بإنجلترا. ويقع التمثال البالغ طوله 4 أمتار (13 قدماً)، وأُطلق عليه «بيبر بوت»، داخل منتزه إيلام بمقاطعة ستافوردشير، وهو يوجد الآن في قلب طبيعة خلّابة، بالقرب من «ثورب كلاود» ونُزل الشباب «إيلام هول»؛ ومن المقرّر أن يبقى هناك حتى الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. في هذا السياق، نقلت «بي بي سي» عن الفنان بروس أسبستوس قوله إنه استوحى فكرة الخُلد العملاق عندما رأى المنظر الطبيعي في المنتزه. وأضاف: «عندما كنتُ أنظر إلى (ثورب كلاود)، تذكّرتُ تلّة خلد عملاقة، وكانت هذه نقطة البداية لشخصيتي الجديدة، الخلد (بيبر بوت)». من جهتهم، أعرب مسؤولو مؤسّسة «ناشونال ترست» عن أملهم في أن يُسهم هذا العمل الفنّي في ربط الزوار بالمناظر الطبيعية التاريخية داخل المنتزه. وبروس أسبستوس، من مدينة نوتنغهام، معروف بعشقه لاستكشاف موضوعات على صلة بالمجتمع والصداقة والتواصل؛ وسبق أن عُرضت أعمال له في متحف «تيت مودرن» الشهير. وقال الفنان: «أرى من المثير أن آتي إلى هذا المنظر الطبيعي الفخم والمهيب، وأفكر في كيفية الاستجابة له بطريقة مختلفة تماماً». وأضاف: «أول ما لفت انتباهي عند وصولي إلى منتزه إيلام، المنظر الأيقوني لـ(ثورب كلاود)؛ التلّة ذات القمة المسطَّحة التي يمكن رؤيتها من بعيد. من وجهة نظري، يتعلَّق الأمر كذلك بمحاولة استخراج روح المرح من هذا المكان، وأردتُ إنجاز ما يُجسّدها». ووفق الأرقام، يزور منتزه إيلام حالياً أكثر من 12 ألف شخص سنوياً، ويقع في وادٍ خلاب على الحدود بين ديربيشير وستافوردشير. وقد ألهمت مناظره الطبيعية عدداً من الفنانين على مدار قرون. وسبق أن رُسم هذا المشهد على طبق «ويدجوود» مخصَّص للإمبراطورة الروسية كاثرين العظيمة، في سبعينات القرن الـ18. وقال مدير الموقع، كريغ بيست، إنه يأمل أن يُلهم العمل الفنّي الأطفال والبالغين لاستكشاف روح الإبداع لديهم بطريقة ما. يُذكر أنّ «مجلس الفنون في إنجلترا» تولّى تمويل برنامج مرفق يُدعى «حفرة الخلد»، يشمل مسار مغامرات عائلية وورشاً حرفية للأطفال طوال فصل الصيف. ويضمّ منتزه إيلام كذلك حدائق مزخرفة على الطراز الإيطالي، وأراضي واسعة، ومقهى، ومكتبة، بالإضافة إلى ممر دائري بطول كيلومتر أُنجز حديثاً، لتسهيل الوصول إلى جميع أنحاء الموقع.

ثمرة بـ6 ملايين دولار... زائر لمتحف يلتهم الموزة الأشهر في العالم
ثمرة بـ6 ملايين دولار... زائر لمتحف يلتهم الموزة الأشهر في العالم

الشرق الأوسط

time٢٤-٠٧-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

ثمرة بـ6 ملايين دولار... زائر لمتحف يلتهم الموزة الأشهر في العالم

أفادت إدارة متحف في شرق فرنسا بأن أحد زواره تناول، الأسبوع الماضي، «الموزة المليونية»، في أحدث تصرف من هذا النوع يطال العمل الفني الذي بيع بملايين الدولارات وأثار جدلاً عالمياً. وأفاد «متحف بومبيدو ميتز» بأنّ «موظّفي الأمن تدخّلوا بسرعة وهدوء» بعدما أكل الزائر الموزة، السبت الماضي. وأكد أن العمل الفني، وهو عبارة عن موزة مثبتة إلى الحائط بشريط لاصق، «أُعيد تركيبه في غضون دقائق». وأعرب الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان الذي بيع عمله الفني «كوميديان» لقاء 6.2 مليون دولار في نيويورك العام الماضي، عن خيبة أمله لأن الشخص لم يأكل أيضاً قشرة الموزة والشريط الفضي اللون. وقال: «تناول الزائر الفاكهة فقط». بما أن الموزة قابلة للتلف، يتم استبدالها باستمرار نزولاً عند تعليمات الفنان. وأثار العمل الفني جدلاً منذ ظهوره للمرة الأولى في «معرض آرت بازل» عام 2019 في ميامي بيتش. وأوضح كاتيلان أنّ عمله هو تعليق ساخر على سوق الفن التي سبق أن انتقدها لكونها قائمة على المضاربة، ولا تخدم الفنانين بشكل فعلي. وكان الفنان ديفيد داتونا قد تناول «كوميديان» عام 2019، قائلاً إنه شعر «بالجوع» خلال معاينته العمل في معرض ميامي. واشترى جاستن صن، وهو رجل أعمال صيني - أميركي ومؤسس منصة «ترون» للعملات المشفرة، العمل الفني العام الماضي، ثم تناوله أمام الكاميرات.

إغلاق موقت لمركز بومبيدو صرح الحداثة في باريس
إغلاق موقت لمركز بومبيدو صرح الحداثة في باريس

Independent عربية

time١٨-٠٧-٢٠٢٥

  • Independent عربية

إغلاق موقت لمركز بومبيدو صرح الحداثة في باريس

شكل مركز بومبيدو منذ افتتاحه عام 1977 نموذجاً رائداً في انفتاحه على الفنون المعاصرة والتجريبية، محتضناً الحوارات بين الفن والمعمار والتكنولوجيا، واليوم إذ يغلق أبوابه موقتاً يبقى السؤال كيف يمكن الحفاظ على روح المكان من دون أن تنكسر ذاكرته؟ وكيف يمكن للفن أن يجد منفذاً جديداً في ظل الغياب؟ في خطوة استثنائية يدخل "مركز جورج بومبيدو"، المعروف باسم بوبور، والذي يستقبل قرابة 30 الف زائر يومياً ويعد من أبرز صروح الفن الحديث والمعاصر في العالم، إغلاقاً كاملاً ابتداء من الـ 22 من سبتمبر (أيلول) المقبل استعداداً لبدء أعمال ترميم ضخمة تشمل إزالة الـ "أسبستوس" التي اكتشف أنها مادة معدنية مسرطنة، ومعالجة تآكل الهيكل وتعزيز البنية التحتية، وجعل المبنى أكثر توافقاً مع معايير الوصول لذوي الإعاقة. يغلق المركز خمس سنوات (ا ف ب) وبينما يستعد لإغلاق موقت للترميم حتى عام 2030، تبقى روحه المتوهجة وقدرته على الابتكار والاحتضان شاهدة على قدرة الثقافة على الانتشار كي تكون في متناول الجميع، فقد أدرج المركز نشاطات عدة خارج المقر ضمن سياق برنامج "Constellation"، لإقامة تعاون مع مؤسسات متحفية داخل فرنسا و خارجها، من خلال معارض تقام في مولاجا وشنغهاي والبرازيل لعام 2027، فضلاً عن مهرجانات أدبية وشعرية ومشاريع موسيقية وسينما تجريبية وفنون أدائية، مما يؤكد بقاء "مركز بومبيدو" مؤثراً عالمياً كمؤسسة فاعلة تربوياً واجتماعياً. ومن منجزاته الأخيرة المعرض الضخم الذي ينظمه المركز حالياً في الغراندباليه ويستمر حتى الـ 10 من يناير (كانون الثاني) 2026، ويتناول الصداقة التي جمعت بين الثنائي نيكي دو سان فال وزوجها جان تانغلي، وبونتوس هولتن، أول مدير للمتحف الوطني للفن الحديث في مركز بومبيدو، والذي قدم لهما طوال مسيرتهما دعماً غير مشروط، سواء من خلال اقتناء أعمالهما، أو معارض استعادية مخصصة لهما، أو دعمه لمشاريع خارجة عن المألوف مثل "نانا" العملاقة في معرض هون- كاتدرائية (1966) في متحف موديرنا بستوكهولم، أو معرض التمساح الكبير لزيغ وبوس (1977) في المنتدى الفني التابع للمركز. عمل تجهيزي لمارسيل دو شان دشن افتتاح المركز 1971 (خدمة المركز) وفي هذا السياق يشكل المعرض دعوة إلى التعرف على أعمال هذين الفنانين اللذين احتضنهما رجل متحف استثنائي في مسار تاريخي يمزج بين الحب والصداقة والالتزام. القلب النابض على تخوم حي اللوماريه الشعبي العريق شرقاً، ذلك الحي القديم المعروف بأزقته الضيقة ومبانيه التاريخية والذي ينسدل بين شرايين الدائرتين الثالثة والرابعة على الضفة اليمنى من نهر السين، وعلى مقربة من حي ليهال غرباً، المنطقة التجارية الحديثة المخصصة للمشاة والتي تضم مركز تسوق ومحطة القطارات المركزية تحت الأرض، ينتصب "مركز جورج بومبيدو" كصرح معماري فريد أشبه بسفينة زجاجية من المستقبل هبطت فجأة في قلب المدينة القديمة، فأحدثت منذ اللحظة الأولى صدمة بصرية وثقافية، واتهم حينها بأنه اقتحم النسيج التاريخي لباريس الذي لا يزال ينبض بروح القرن الـ 19، ففي عام 1969 قرر الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو (1911- 1974) إقامة مركز ثقافي كبير يعبر عن انفتاح فرنسا على الفن المعاصر ويقرب الثقافة من الجمهور، وأطلقت في حينها مسابقة دولية شاركت فيها 45 دولة وقدمت 650 مشروعاً فاز بها الثنائي المعماري البريطاني ريتشارد روجرز والإيطالي رينزو بيانو، في أول تعاون مشترك بينهما، وبدأ العمل في أبريل (نيسان) 1972 واستمر خمسة أعوام حتى اُفتتح المركز رسيماً في الـ 31 من يناير عام 1977، وقد حمل اسم الرئيس بومبيدو بعد وفاته تكريماً له. معرض الحركة السوريالية (خدمة المركز) اختير الموقع وسط الدائرة الرابعة ضمن "ساحة بوبور" التاريخية العائدة لعهد فيليب أوغوست، أحد ابرز ملوك فرنسا في العصور الوسطى، وكانت آنذاك منطقة صناعية شبه مهملة وقريبة من الحي اليهودي والأسواق الشعبية ومساكن البوهيميين والمهاجرين، وسرعان ما تحول المركز الى قلب نابض بالفن والحياة يطل من طبقاته العليا على مشهد ساحر لباريس، حيث يمكن تأمل الأبراج القوطية ل‍نوتردام وأسقف السانتييه، وصولاً إلى برج إيفل البعيد ضمن رؤية بانورامية تخطف الأنفاس. ومنذ افتتاحه استقبل "مركز بومبيدو" أكثر من 150 مليون زائر ليغدو مع الوقت أكثر من مجرد متحف، بل فضاء حياً للثقافة والمعرفة يؤمّه السياح والقاصدون من أنحاء العالم والباحثون عن المتعة والشغف الفني، حيث تعج باحته الخارجية يومياً بآلاف الزوار في احتفال شعبي شبيه بمسرح مفتوح للرسامين والموسيقيين والبهلوانيين، في طقس جماهيري تختلط فيه الحياة بالإبداع واللعب بالدهشة. معمار خارج عن القواعد من معرض الأميركي جيف كونز في بومبيدو (خدمة المركز) لطالما وصف "مركز بومبيدو" بأنه قطعة فنية، فقد شكل تثويراً لمفهوم العمارة المدنية التقليدية وقلب المفاهيم السائدة رأساً على عقب، ووضع ما كان يوجد عادة في الداخل خارج هيكل المبنى ذاته، فلم تكن الواجهات مغطاة بالحجر بل اكتست بالألوان والأنابيب والسلالم والمصاعد المكشوفة، وقد جرى إظهار جميع الُنى التحتية، من التهوية إلى الكهرباء بألوان دلالية، فالأزرق للهواء والأحمر للحركة والأصفر للكهرباء والأخضر للماء، وطُبق التمييز نفسه باستخدام الألوان على تقسيم نشاطات المركز فاختير الأصفر للأماكن المشتركة والأخضر للمكتبة العامة والأحمر للمتحف الوطني للفن الحديث، ولعل من أبرز ميزات هذا الصرح مرونة مساحاته الداخلية الناتجة من دفع عناصر الإنشاء ونظام الحركة، مثل السلالم الكهربائية، إلى الخارج، مما أتاح تحويل الداخل إلى مساحة مفتوحة للأنشطة الثقافية، أما واجهته الزجاجية الشفافة فتسمح لزوار الساحة الأمامية برؤية ما يجري في الداخل، إذ يقوم تصميمه على الخطوط لا الكتل، وقد أثار المركز، بسبب تمرده وخروجه عن قواعد البناء التقليدية، موجة من الانتقادات، إلا أنه ظل من أبرز المعالم المعمارية في العالم ومثالاً حياً على عمارة الـ "هاي تيك" في مرحلة ما بعد الحداثة التي راجت منذ أواخر الستينيات، وعبّرت عن التنوع والتعقيد من خلال التهكم والسخرية والدعابة والتبسيط، فضلاً عن ارتباطها الإيجابي بالتاريخ والثقافة اليومية. وعلى رغم نظرة بعض المعماريين إليه باعتباره مبنى غير صرحي وفوضوياً وغير مكتمل وقابلاً للتغيير، فإنه بحسب تعبير المهندس رينزو بيانو "ليس معلماً بل احتفال ولعبة جماهيرية ضخمة"، وعلى رغم فرادة تصميمه فإنه يظل متجذراً في تقاليد العمارة الفرنسية، إذ إنه مبني من هيكل معدني ضخم يذكر ببرج إيفل ويبلغ وزنه نحو 10 آلاف طن في مقابل 7 آلاف طن لبرج إيفل. صرح متعدد الوظائف من معرض سحرة الأرض 198(خدمة المركز) يعد متحف الفن الحديث والمعاصر في "مركز بومبيدو" أحد أبرز المؤسسات الثقافية في العالم، ليس فقط لمكانته الرائدة ضمن المشهد الفني الفرنسي بل أيضاً لما يضمه من كنوز إبداعية تشكل مرآة نابضة لتاريخ الفن في القرن الـ 20 وما بعده، ويحتضن واحدة من أكبر مجموعات الفن الحديث والمعاصر في أوروبا، والثانية عالمياً بعد "متحف موما" في نيويورك، ويضم أكثر من 120 ألف عمل فني تعود لأكثر من 6 آلاف فنان من أنحاء العالم، وتنقسم مقتنيات المتحف إلى قسمين، الفن الحديث بين عامي 1905 و 1960، ويشمل أعمالاً لفنانين غيروا وجه الفن في القرن الـ 20 مثل ماتيس بيكاسو وكلي وكاندنسكي ودوشان، والفن المعاصر من عام 1960 حتى اليوم، ويضم أسماء مثل آندي وارهول وجوزف بويزودانيال بورين وديفيد هوكني وجيف كونز وأنيش كابور، ويغطي اتجاهات معاصرة مثل المفاهيمية والفن الرقمي وفن الأداء، ويمتد المتحف على الطابقين الرابع والخامس ويضم صالات عرض دائمة ومعارض موقتة ذات طابع دولي، ويشمل أيضاً مكتبة عامة و"معهد "IRCAM للموسيقى المعاصرة وقاعات سينما وعروض، وشرفة زجاجية تمنح الزائر إطلالة خلابة على باريس، أما في الساحة الخارجية فتعرض "ورشة برانكوسي" أعمال هذا الفنان الرائد الذي ترك بصمة في تاريخ النحت الحديث، وتتزين نافورة سترافنسكي القريبة من المركز بمنحوتات لنيكي دو سان فال وجان تانغلي، مما يجعل من زيارة المكان تجربة فنية متكاملة. أشهر الأنشطة الفنية والأدبية من معرض الفنون الجديدة (خدمة المركز) منذ افتتاحه عام 1977 شكل "مركز جورج بومبيدو" فضاء حيوياً للحوارات الفنية والأدبية، إذ استضاف كتاباً وشعراء من أنحاء العالم، ونظم أمسيات شعرية ومهرجانات أدبية مثل "ربيع الشعراء" و"ليلة الأدب"، ومن أبرز اللقاءات جلسة مع الكاتب الأميركي بول أوستر (2007) حول أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001 وقراءة شعرية لأدونيس (1983) من مجموعته "أغاني مهيار الدمشقي"، وندوة "لبنان أرض الصراع" (2006) بمشاركة الشاعرين صلاح ستيتيه وفينوس خوري غاتا، والتي أقيمت في إطار فعاليات مهرجان "الكتابات في المنفى". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومنذ افتتاحه عام 1977 شكل "مركز جورج بومبيدو" منبراً لمعارض فنية غير مسبوقة استعرضت أعمال كبار الحداثيين مثل دوشان ودالي وبيكاسو وبول كلي وسيزان وماتيس وسواهم، إضافة إلى المعاصرين، كما وسع آفاقه ليشمل تجارب من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، كما فتح منذ الثمانينيات مساحة الحوار الثقافي مع مختلف عواصم العالم لمد جسور الحوار بين باريس ومختلف عواصم الفن، فضلاً عن معارض جماعية ومفاهيمية من أبرزها "سحرة الأرض" (1989) الذي كسر مركزية الفن الغربي، و"اللاماديات"(1985) بإشراف الفيلسوف جان فرانسوا ليوتار، مستكشفاً التحولات المعرفية والتكنولوجية لما بعد الحداثة، و"الفراغات" (2009) الذي عالج مفهوم العدم كفن، من وحي مفهوم الفراغ الذي قدمه الفنان إيف كلين في معرضه الشهير عام 1985، ومعرض "السريالية والبعد السياسي" (2024) الذي أضاء على البعد الاحتجاجي للحركة السريالية، إضافة إلى بعدها الجمالي بمشاركة أعمال ماسون وبروتون وآرتو. وشهد المركز ايضاً حضوراً عربياً لافتاً بدءاً بمعرض "نوافذ على ما غاب عني" للفنانة اللبنانية ناديا صيقلي (1978) الذي قدمه الفنان الفرنسي هنري غوتز وتضمن مجموعة كبيرة من الأعمال الطباعية (سيريغرافي) تمثل شهادات بصرية عن دمار أسواق بيروت بعد "حرب السنتين"، ثم معرض رائدة النحت التجريدي في لبنان سلوى روضة شقير (2021)، وفي العام نفسه معرض استعادي للفنان فريد بلكاهية أحد رواد الحداثة في المغرب العربي. وزيارة "مركز بومبيدو" ليست مجرد عبور لمتحف بل غوصاً في طبقات باريس الثقافية، حيث تتحول المدينة إلى مشهد حي من الفن والفكر، تماماً كما تخيلها أندريه مالرو "متحفاً بلا جدران".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store