الجزائر تستعد للمعرض الإفريقي
ترأس وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية الطيب زيتوني يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة اجتماعا تنسيقيا في إطار التحضيرات الجارية للمعرض الإفريقي للتجارة البينية المزمع تنظيمه بالجزائر من 4 إلى 10 سبتمبر 2025 المقبل حسبما أفاد به بيان للوزارة.
واجتمع السيد زيتوني في هذا الصدد مع إطارات القطاع رؤساء اللجان الفرعية المكلفة بالإشراف على مختلف الجوانب التنظيمية لهذا الحدث القاري الهام الذي سيحتضنه قصر المعرض (الصنوبر البحري) بالجزائر العاصمة.
ومن المتوقع أن يشارك أكثر من 2000 عارضا في هذه الدورة الرابعة من المعرض على أن يجذب أكثر من 35.000 زائر من أكثر من 140 دولة.
وباعتباره منصة التجارة والاستثمار في القارة فضلا عن كونه سوقا لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية يرتقب المنظمون أن يكلل المعرض بإبرام عقود تجارية واستثمارية تزيد قيمتها عن 44 مليار دولار أمريكي.
وينظم هذا المعرض كل من أفريكسيم بنك والأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ومفوضية الاتحاد الإفريقي بالشراكة مع الجزائر حيث يشكل منصة للمؤسسات الكبرى والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمستثمرين وصانعي القرار لاستكشاف فرص التجارة والاستثمار وربط اتصالات مع شركاء.
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
الجزائر تعد محركا رئيسيا لتعزيز الاندماج الاقتصادي القاري
أكد مدير تسهيل التجارة وترقية الاستثمار بالبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم بنك), السيد غينمور زاناموي, أن مكانة الجزائر كثالث اقتصاد في القارة الإفريقية تعد رافعة استراتيجية لتسريع وتيرة الاندماج التجاري والاقتصادي القاري, لا سيما في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف). وفي تصريح لـ/وأج, أشاد المسؤول بالتزام الجزائر السياسي إزاء قضايا القارة الإفريقية, ودورها التاريخي في دعم حركات التحرر, مشيرا إلى أن ما تمتلكه من إمكانيات اقتصادية يمنحها "أفضلية واضحة" في لعب دور ريادي على صعيد تفعيل اتفاقية "زليكاف", التي صادقت عليها 49 دولة حتى الآن. وأوضح السيد زاناموي أن الجزائر تتمتع بمزايا تنافسية في عدة قطاعات واعدة, منها الفلاحة, المناجم, الابتكار, والمؤسسات الناشئة, مما يؤهلها لنسج شراكات اقتصادية وتجارية نوعية مع دول القارة, خاصة بفضل قاعدة صناعية متنوعة تسهم في تعزيز التكامل الإفريقي. وأشار المتحدث إلى أن تنظيم الطبعة الرابعة من المعرض الإفريقي للتجارة البينية بالجزائر (من 4 إلى 10 سبتمبر المقبل), يشكل محطة هامة للترويج لمناخ الأعمال والفرص الاستثمارية التي يزخر بها الاقتصاد الوطني أمام مجتمع الأعمال الإفريقي والمستثمرين الأجانب. وستقام التظاهرة بتنظيم مشترك بين "أفريكسيم بنك", الأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية, ومفوضية الاتحاد الإفريقي, بالشراكة مع الجزائر, وسط مشاركة قياسية من الفاعلين الاقتصاديين من داخل وخارج إفريقيا, حسب المتحدث. وستتميز هذه الطبعة بتنظيم فعاليات خاصة حول الابتكار والمؤسسات الناشئة, يتم برمجتها لأول مرة, بالنظر إلى مساهمة الجزائر المتزايدة في اقتصاد المعرفة. وأكد السيد زاناموي أن الحدث يمثل منصة محورية لتنفيذ اتفاقية "زليكاف", مشيرا إلى مشاركة مرتقبة لـ147 دولة, من بينها نحو 40 بلدا إفريقيا, وقرابة 2000 عارض, إلى جانب ما لا يقل عن 35 ألف زائر. كما نوه بالتسهيلات التي وفرتها السلطات الجزائرية, وعلى رأسها رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, مؤكدا أن التحضيرات تسير بوتيرة منتظمة, وأن الأشغال جارية على مستوى قصر المعارض لتجهيز فضاءات العرض. وكشف المتحدث عن استمرار الاجتماعات التقنية المكثفة للتحضير للمعرض, مبديا ثقته في نجاح الطبعة الجزائرية وتميزها. * الابتكار والمؤسسات الناشئة: بصمة جزائرية مميزة في نسخة 2025 وأوضح زاناموي أن المعرض سيكون فرصة ثمينة لربط الفاعلين الاقتصاديين وتوفير المعلومات الدقيقة حول الأسواق الإفريقية, بالنظر إلى أن "نقص المعلومة الاقتصادية والتجارية الذي لا يزال من بين أكبر العوائق التي تحد من تدفق الاستثمارات والتبادلات البينية في القارة, والتي لا تتجاوز حاليا 15بالمائة". وأضاف أن من أبرز أهداف المعرض "كسر هذا الحاجز من خلال خلق فرص مباشرة لعقد الصفقات بين البائعين والمشترين", متوقعا إبرام صفقات تجارية واستثمارية تفوق قيمتها 44 مليار دولار. واستدل المسؤول بما حققته الطبعات السابقة للمعرض (مصر 2018, جنوب إفريقيا 2021, ومصر 2023) من نتائج ملموسة, معربا عن أمله في أن تحقق طبعة الجزائر نجاحا مماثلا أو أكبر. وستخصص النسخة الجزائرية فضاءات عرض لرواد الأعمال, الباحثين, والمؤسسات الناشئة, من أجل عرض ابتكاراتهم وربطهم بالمستثمرين وصناديق التمويل لتجسيد مشاريعهم. وفي سياق آخر, أكد السيد زاناموي أن "أفريكسيم بنك" يواصل منذ تأسيسه عام 1993 جهوده لتسريع الاندماج التجاري داخل القارة, من خلال عدة مبادرات حديثة, أبرزها نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد, الذي يتيح التعامل بالعملات المحلية, وقد انضمت إليه حتى الآن 16 مؤسسة نقدية مركزية و160 بنكا تجاريا. كما شرع البنك في تطبيق نظام ضمان عبور إفريقي مشترك, يجري تجريبه حاليا ضمن منطقة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا), لتسهيل حركة السلع بين الدول عبر وثيقة جمركية موحدة. وتسعى هذه المؤسسة, التي يقع مقرها بالقاهرة, لتحقيق أهدافها ضمن مخططها الخماسي, وعلى رأسها تسريع تنفيذ اتفاقية "زليكاف" وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية. جدير بالذكر أن الجزائر تعد أحد المساهمين الرئيسيين في رأسمال "أفريكسيم بنك", حيث رفعت مطلع العام الجاري مساهمتها, وهذا بهدف تعزيز دورها في دفع التجارة البينية القارية.


الشروق
منذ 2 ساعات
- الشروق
تجارة 'الكابا'.. الواردات من دون دفع… الدينار واحتياطي 'الصرف الأجنبي'
تنفيذا لأمر صادر عن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتاريخ 18 ماي 2025 لتسوية وضعية صغار المستوردين غير المرخص لهم أو الناشطين في تجارة 'الكابا' حسب التعبير الشعبي المتداول، صدر المرسوم التنفيذي التطبيقي لهذا الأمر الرئاسي بتاريخ 28 جوان 2025.(1) ويحدد شروط وكيفيات ممارسة نشاط الاستيراد المصغر من قبل صغار المقاولين وهي الصفة التي تسديها إياه التسوية التي أقرها هذا المرسوم التنفيذي. نحن، حينئذ، أمام إثراء فعلي لنشاط الواردات 'من دون دفع' كتعويض تكميلي مرحلي ابتـُــدع ونُـظم بموجب التعليمة 06-91 المؤرَّخة في 17 أكتوبر 1991 والتي تحدد شروط وكيفيات تنظيم الواردات المسماة 'الواردات من دون دفع' للسلع المستوردة في إطار المادتين 40 و41 من قانون المالية التكميلي لسنة 1990 عندما اضطرت الجزائر، وهي ضحية انهيار اقتصادها سنة 1986. وأمام تآكل أسعار البترول واحتياطات صرفها الأجنبي ومديونية خارجية تجاوزت 18 مليار دولار، اضطرت إلى طأطأة رأسها أمام المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) التي أملت عليها، تحت شروط في حدود المقبول، إعادة جدولة ديونها الخارجية سنتي 1991 و1995. وخضعت الجزائر، في هذا الشأن، لأسوإ الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي لطخت، في العمق، إلى غاية اليوم، بنية ومستوى الثروة الوطنية (الناتج الداخلي الخام). وليس القصد من هذه المساهمة العودة إلى الأسباب النبيلة الرامية إلى إدماج شبيبة حيوية عالية المقاولاتية، ضمن إطار تنظيمي، لكن بغرض معالجة صريحة لهذا النشاط الحقيقي من حيث أثره على قيمة العملة الوطنية في السوق الموازية (سوق الصرف السوداء) وعلى مستوى احتياطات الصرف الأجنبي للبلاد، إلى جانب نشاط 'الواردات من دون دفع' التي تم تنظيمها، هي ابتداء من سنة 1991 كما ذكرنا ذلك قبل حين والذي سنعالجه في البدء. كان من البديهي، ضمن هذه اللوحة القاتمة، أن تتفاقم، عموما، تبعية البلاد إلى الواردات ويُفرض اللجوء إلى الواردات المسماة، اصطلاحا ظرفيا، 'الواردات من دون دفع' والذي لم يكن، انتقاليا، سوى متنفس ظرفي، في انتظار إنقاذ الإنتاج الوطني وترقيته، سعيا لتلبية حاجات السوق الوطنية، آجلا، في مستوى معقول. لقد ابتُـدعت، حينها، تجارة 'الكابا' أو'الحقيبة' التي ساهمت، بصفة نوعية، وإلى درجة لم تُضبط بعد بصفة دقيقة، كنشاط سري الذي أمر رئيس الجمهورية، مؤخرا، بتسويته كما سقنا ذلك أعلاه. وأمام التراجع الكبير لأسعار النفط خلال الشهور المنصرمة من سنة 2025، بغضّ النظر عن الارتفاع الاستثنائي المريح خلال الأيام الأخيرة، لكن غير الدائم ظاهريا، في علاقة مباشرة مع العدوان الإسرائيلي على إيران، فإن تخفيف المراقبة على النفقات الموازناتية الذي اعتُـمد ظرفيا، بدأ يخضع بوعي ضمير المسؤولية، إلى مراقبة مشددة من قبل أعلى السلطات في البلاد، وذلك، أساسا، عن طريق تقليص محسوب للواردات المنافِسة للإنتاج الوطني أو تلك الواردات ذات المنفعة الاجتماعية المهملة أو تلك التي تتقبل تلبيتها جدولة زمنية أطول. وعند الاقتضاء، حتى تلك التي تُـموَّل بعملات صرف أجنبية من حسابات بنكية لـ'الخواص' المستوردين التي تضبطها أحكام التعليمة رقم 06-91 المؤرَّخة في 17 أكتوبر 1991 المشار إليها أعلاه. ويجري تحصيل هذه العملات، عموما، بالإضافة إلى المقابل المالي للصادرات التي يحققها، احتمالا، المستوردون- المصدِّرون، باللجوء إلى الدينار المتداول في السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية. ونظرا لقلة هذه العملات، يحتاج تحصيلها إلى كميات، دومًا أكبر، من العملة الوطنية. وهو سبب آخر يفسّر التعويم الدائم للدينار في الاتجاه التنازلي حصرا، في السوق السوداء للعملات الأجنبية. وقد تسارع هذا الشكل الأخير نظرا للتأطير المنقذ المتزايد التشدد في بيع العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر (البنك المركزي) للمستوردين المعتمدين، وذلك بالنظر إلى التراجع الواضح لأسعار البترول مقارنة بالقمة التي بلغتها في سنة 2022. وإنشاء المجلس العالي لضبط الواردات في شهر أوت 2023 الذي من صلاحياته ضبط الواردات واقتراح كل التدابير بهذا الشأن، بغرض حماية الإنتاج الوطني الذي يجب عليه، في نهاية المسعى، على أبعد حدّ، تعويض الواردات في الأمد المنظور.(2) ومن صلاحيات هذا المجلس، أيضا، اقتراح كل التدابير التي من شأنها تحسين نظام المعلومات ذات الصلة بتحديد حاجات السوق الوطنية وكذا كل التدابير المساعِدة على محاربة الممارسات التجارية غير المشروعة عند الاستيراد. هو سبـب آخر لتفسير التعويم الدائم للعملة الوطنية في الاتجاه التنازلي الحصري في السوق الموازية للصرف الأجنبي. ويُـرشَّح هذا الشكل الأخير إلى التسارع، بالنظر إلى التأطير المنقذ الذي يعرف، حاليا، تشديدا متزايدا للحصول على العملات الأجنبية من بنك الجزائر (البنك المركزي). ويتعين، بصفة انتقالية، نقل بعض الواردات من المدخلات الصناعية ذات المنفعة الاجتماعية المحدودة، إلى خانة الواردات 'من دون دفع' مع وجوب استساغة ظرفية من لدنّ المستوردين المعتمدين المعتادين على الاستفادة من العملات الأجنبية لبنك الجزائر أو للبنوك التجارية، فالضرورة القصوى لحماية السيادة الوطنية تفرض ذلك، حتى إذا استمرّ تراجع قيمة الدينار في السوق الموازية (السوق السوداء) بالنسبة لليورو وبالنسبة للدولار. لقد حدث بالفعل تراجعٌ مستمر لقيمة الدينار مقابل اليورو من 213 دينار في 18 أكتوبر 2021 إلى 260 دينار بتاريخ 12 جوان 2025. كما تراجعت قيمة الدينار بالنسبة للدولار في نفس الحيز الزمني من 180 دينار إلى 235 دينار. ويُتصور، اجتهادا منا، أن يطّلع رئيس الجمهورية كل صباح في مستهل برنامجه عمله اليومي، على مستوى احتياط البلاد من الصرف الأجنبي وعلى مستوى أسعار المحروقات وآفاق تطورها ليتخذ أصوب القرارات الممكنة، خلافا لما يرتضيه دعاة 'خليها على الله' حتى تنهار البلاد وتُدفع دفعًا للاستدانة الخارجية، لـ'حاجة في نفس يعقوب.' من المنطقي أن هذه الواردات (من دون دفع) التي كانت مكرَّسة في قانون المالية التكميلي لسنة 1990 كرافعة انتقالية براغماتية معقولة، بغرض تلبية مطلبين متناقضين: التعويض عن قلة عملات الصرف الأجنبي المتوفَّرة مع واجب استمرارية توفـّـر السلع لتغطية ضرورات الإنتاج الوطني وحاجيات الاستهلاك في السوق الداخلية. هي إشكالية لا تزال قائمة، للأسف، حتى اليوم، بسبب نفس الانشغالات، خاصة وآمال البلاد التنموية منذ 2020 هي أكثر طموحا، بالإضافة إلى حتمية تدارك الحصيلة الاقتصادية والمالية الثقيلة السابقة. والكل يحتاج، عند الضرورة، إلى دعم سعر البترول خلال السنوات العجاف من أجل تفادي السقوط مكتوفي الأيدي، مجددا، في انتكاسات مالية مع وجوب تقبُّل التعاطي، إيجابا، مع مستوى تضخُّم يمكن التحكم فيه، فصندوق النقد الدولي يقدِّم إسقاطات إيجابية لكل المؤشرات الاقتصادية والمالية بالنسبة للجزائر لسنة 2025 وفي تحسُّن واضح مقارنة بمؤشرات سنوات 2022 و2023 و2024. إنها كلها، هوامش أمان تسمح بإخراج بعض الواردات من خانة التغطية بالعملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر لإيداعها في خانة الواردات المسماة 'الواردات من دون دفع' التي كانت ممولة بالعملات المودعة من قبل المستوردين المعتمدين في حساباتهم البنكية 'الشخصية' من العملات الأجنبية. وتقرير البنك العالمي لربيع 2025 الذي يؤكد الأداءات المريحة للاقتصاد الجزائري، يبني أحكامه على سعر البترول الذي كان في المتوسط يدور حول 70 دولارا للبرميل: بنمو اقتصادي في سنة 2024 بلغ 4,8 % (خارج المحروقات، تجرّه القطاعات الاستخراجية والاستثمارات العمومية) في مقابل توقعات بنسبة 3,5 %، وبنسبة تضخُّم بلغت 4,0 % مقابل 9,3 % المسجَّلة في 2023.(4) كما تم تصحيح معدَّل البطالة بتنزيله من قبل الديوان الوطني للإحصاء في 10 مارس 2025 من 12,7 % إلى 9,7 % لسنة 2024. إنّ اللجوء إلى هذه الواردات (من دون دفع) ليس غريبا عن هذا التآكل النسبي المفاجئ لقيمة الدينار في السوق الموازية؛ فمقابل التقليص، وجوبا، من اللجوء، إلى العملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر بغرض تغطية الواردات، يفرض هذا التقليص نفسه من دون منازع. وعكس ذلك، من شأنه أن يتسبّب في تهديد الاقتصاد الوطني بالاختناق المفاجئ. هو، بالفعل، متنفَّس غير قويم بالنظر إلى التوجه التحرري المضبوط للاقتصاد الجزائري، لكنه، مرحليا، يبقى بالغ الأهمية لأداء دور حمائي ضد التهديد بغرق شامل للاقتصاد الوطني. وحتى إذا كان إنقاذ هذا الاقتصاد قد نجح جيدا في سنة 2020/2021، فإن استنساخ هذا النجاح مجددا، هو صعب التحقيق. لكنه يبقى، عند الاقتضاء، في انتظار عبور المرحلة 2025/2027 المصيرية من دون عقبات كبيرة، يبقى ملجأ حتميا إذا استمرَّ انخفاض أسعار البترول على حاله، لكن من دون الإخلال، في كل الظروف، بروح واجب الخروج من الجمود الاقتصادي الذي يحاربه القانون النقدي والمصرفي الجديد (رقم 09-23 المؤرَّخ في 21 جوان 2023). واســتـيراد السيارات لأقل من ثلاث سنوات عمرا، يشكّل، في هذا الصدد، مثلا متقدما قابلا للتحسين والتوسيع إلى واردات أخرى من السلع بالنظر إلى التطمينات بخصوص المداخيل من وسائل الدفع الخارجية للبلاد والتي ستحميها من احتمال عودة ويلات كل انقلاب لسوق المحروقات، فالانحدار الشديد لأسعار البترول الذي عاشه سوق البترول إلى غاية 12 جوان 2025، يمثل تحذيرا جادا لا يجب التهوين من خطورته، حتى بعد الارتفاع المريح والمفاجئ للسعر الذي استحدثته الظروف الاستثنائية المنجرَّة عن العدوان الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية ابتداء من ليلة 13 جوان 2025. لكن هذا التحسُّن الظرفي راح ينحصر بجد منذ توقف القصف المتبادل بين الطرفين كما سنقف عليه في ما يلي. وبغضّ النظر عن التضييق الصارم، ابتداء من سنة 2020، على موازنات العملة الأجنبية المرصودة من قبل بنك الجزائر لصالح الواردات، كرد فعل شديد التأخر عن تآكل احتياط الصرف الأجنبي للجزائر الناتج عن انهيار أسعار البترول في جوان 2014 إلى غاية انتعاشها التدريجي متوسط الإرضاء ابتداء من أواخر سنة 2021. وبالخصوص ابتداء من شهر جانفي 2022. وهذا بالرغم من تراجعها العميق من متوسط بلغ 100,76 دولار للبرميل في 2022 إلى سعر نزل إلى حضيض بمستوى 59,74 دولارا للبرميل في 5 ماي 2025. وحمدا لله أن سخّر قضايا أمنية في الملاحة في مضيق هرمز في الخليج العربي كان من شأنها استحداث ارتفاع طفيف في أسعار برميل البترول جعله يرتفع إلى 62,719 دولارا للبرميل بتاريخ 30 ماي 2025 و66,57 دولارا للبرميل في 11 جوان 2025. وكان من شأن العدوان الإسرائيلي المشار إليه سابقا، رفع هذا السعر إلى 76,79 دولارا للبرميل بتاريخ 16 جوان 2025 لكنه عرف تراجعا إلى 72,40 دولارا للبرميل بتاريخ 21 جوان 2025 ليستمر تراجعه إلى 66,44 دولارا للبرميل بتاريخ 30 جوان 2025 ليستقر حول هذا المستوى خلال الأسبوع الأول من شهر جويلية 2025. وتقدر استشعاراتنا لباقي شهور السنة، إلى جانب التقديرات مختلفة المصادر المتخصصة، أن السعر سيتراوح بين 60 و70 دولارا للبرميل، في حال عدم تجدد القصف بين إسرائيل وإيران، وهو المرجَّح، نظرا لتدخل أطراف فاعلة مؤثرة في شؤون المنطقة من جهة، ونظرا لتلقي إسرائيل ضربة كادت أن تكون قاضية وعرّت كل هالتها المزيفة. إنّ أسعار (60 و70 دولار للبرميل) تتساوق عموما مع الأسعار المعتمدة في قانون المالية لسنة 2025. إنّ انتعاش أسعار البترول المسجل ابتداء من نهاية سنة 2021، قد مثـل، حقًّا، مصدر تهدئة مالية وموازناتية للبلاد. لكنها، أيضا وعلى وجه الخصوص، كان مصدرا لرؤية أوضح من أجل التجسيد الأصوب لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي كانت الجزائر قد سطّرته لنفسها على المديين المتوسط والبعيد. وهذا البرنامج الذي بدأ تنفيذه ابتداء من سنة 2020 مع تحيــينه بطموحات أكبر في سنة 2024 بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي نُظمت في 7 سبتمبر 2024، قد بدأ، مع الأسف الشديد، انطلاقا من ديسمبر 2022، يتأثر بالانخفاض العميق الذي عرفته أسعار البترول منذ ذلك الحين رغم احتفاظه بخطوطه الكبرى وذات الآثار المهيكلة الحميدة على الاقتصاد الوطني وعلى حياة المواطنين على المديين المتوسط والبعيد. لكن الملاحظ، استعجابا، هو أن لا أحد يتساءل عن سر دوام الوفرة النسبية المريحة للسلع والخدمات في السوق الجزائرية، رغم الانخفاض المسجل في المداخيل من العملات الصعبة، نتيجة للانخفاض الكبير لأسعار البترول؟ كما لا يتساءل أحدٌ عن الوفرة الدائمة لاحتياط الجزائر من الصرف الأجنبي في مستوى 68 إلى 70 مليار دولارا (من دون احتساب 173,6 طن كمخزون من الذهب) أو ما يعادل نحو 16 إلى 18 شهرا تغطية للواردات، إلا استثناء، خلال هذه الشهور الأخيرة إذ تراجعت أسعار البترول تراجعا عميقا لتنزل هذه التغطية إلى نحو 14-15 شهرا. أما بالنسبة للمستهلك الجزائري، فيستمر ضمان تلبية حاجاته حسب أذواقه وحسب قدرته الشرائية، فمفهوم السلع والخدمات ذات المنفعة الاجتماعية المواتية لكل قدرة شرائية راح يتأكد تجسيده كل يوم أكثر. ويبدو، هكذا، بكل وضوح، لدى سلطات البلاد، الطلاق الناعم مع 'المساواة' العمياء بين كل المواطنين أمام كل السِّلع والخدمات مهما تباعدت مداخيلهم ومهما كان مستوى المنفعة الاجتماعية لهذه السلع والخدمات. لكن الحذر يبقى قائما وذلك بفرض المرور التدريجي على النظام المصرفي في التعاملات، أي عبر 'حسابات الصرف الأجنبي الخاصة' المفتوحة لدى البنوك التجارية من قِبل المستوردين المعتمدين حتى وإن كان هذا الإلزام يحتاج إلى مراجعة تحسينية في صالح انسجام أكبر مع التلطيفات الإجرائية الجاري إدخالها من دون مساس بصلاحيات النظام المصرفي وإدارة الجمارك والنظام الجبائي التي تستمرّ في الاضطلاع بكامل صلاحياتها المؤسساتية على 'الواردات من دون دفع.' والسِّلع التي كانت، في وقت من الأوقات في أواخر 2019 وبداية 2020، بدأت تختفي كليا من السوق ومن رفوف المساحات الكبرى، سرعان ما عادت إلى الظهور بوفرة. وحالات 'العود' سرعان ما تم تداركها، ويجب على آليات الضبط عند الاستيراد وعند التصدير سارية التطبيق أو تلك التي هي قيد التنصيب، أن تُدخل التحسينات المنتظرة إذا ضُمنت لها الأدوات الضرورية لتأدية مهامها على أحسن وجه. ويكمن ســر هذا الارتياح، في اللجوء إلى 'الواردات من دون دفع' أي اللجوء من قبل المستوردين إلى العملات الأجنبية المتوفرة في السوق الموازية للصرف الأجنبي، فتتحول، هكذا، هذه السوق إلى أكثر من منقذ يلجأ إليه المستوردون. وتدخل ضمن خانة السلع الموجهة للاستهلاك المباشر ولتجهيزات الإنتاج والمنتجات نصف المصنَّعة بما في ذلك، أيضا، السلع ذات المنفعة الاجتماعية المتدنية أو المهملة نسبيا. ويمكن، حينئذ، الحديث عن سوق موازية (أو سوداء) للعملات الأجنبية التي تنشط من دون ضوابط رسمية وحيث ينشط المستوردون لمختلف السلع والخدمات تناسبا مع المتوفر من العملات الأجنبية، فتستقر أو تمر هذه العملات، بالنسبة للمستوردين، في حساباتهم البنكية 'الشخصية' للعملات ليتـيسّـر لهم استعمالها، قانونا، في تمويل وارداتهم، رغم فقدان مرحلة قانونية حين حمل هذه العملات قبل إيداعها في الحسابات البنكية 'الشخصية' أو بين وقت إخراجها من حساباتهم البنكية 'الشخصية' ووقت صرفها على أي شكل من الأشكال. وهو فراغ لم يملأه المشرِّع بعد. وظهور المبيعات بالميزان (بالكيلو) في ميدان الألبسة المستورَدة بهذه الطريقة، هو تأكيدٌ على وجود هذه الواردات 'من دون دفع' إذ يمكن، كذلك، تصور شكل آخر من السوق الموازية للعملات التي لا تخضع لأي مراقبة أو متابعة رسمية. وهذه المبيعات هي على كل الألسن وفي المحيط العائلي. وتمارَس في محلات تجارية معلومة وثابتة وذات إشهار رقمناتي فعّال. هي طريق لـ'تسوية' أخرى لسوق موازية من فصيلة تجارة 'الكابا' أو 'الحقيبة' التي سبق أن تناولناها في مساهمة خاصة حيث اقترحنا تسميتها، مرحليا 'سوق العملات الموازية المرخص لها'. والانزلاق المستمر للدينار (انخفاض القيمة النسبية للدينار) عميق في السوق الموازية (السوق السوداء) التي يـلجأ إليها في الواردات 'من دون دفع' مقارنة بالعملات المباعة من قبل بنك الجزائر للمستوردين المعتمدين وهي ثابتة وتعرف، ظرفيا، حتى بعض الانخفاضات الطفيفة. وتبعا لذلك، يرتفع، بصفة جنونية، الطلب على العملات المتداولة في السوق الموازية (السوق السوداء) بغرض تغطية 'الواردات من دون دفع'، وبغرض تغطية حاجات تجارة 'الكابا' وحاجات أخرى كالأدوية والعلاج والسياحة ومضاربات نوعية أخرى كاستلام العملات الأجنبية في الخارج مقابل تسليم الدينار في الجزائر بغرض تبيــيض الدينار والعملات المكتسبة بغير وجه حق. وقانون العرض والطلب على العملات الأجنبية، يـُضعف، منطقيا، قيمة الدينار أو يكرّس تعويمه الفعلي. وهذا ما تعيشه الجزائر منذ ظهور القيمة المزدوجة للدينار والتي اعتمدتها، عمليا، حتى المؤسسات المالية الدولية من بداية سنوات 1990 إلى اليوم. هو الميل السلس (الناعم) حول حقيقة الأمر الواقع 'الاقتصادي- النقدي' الذي نعرفه منذ التخفيضات الكبيرة الرسمية التي حدثت خلال عشريات 1980 و1990 و2000 و2010 وفي سنة 2020، وحتى إلى الأسبوع الأخير من جوان 2025 التي شاهدت الدولار، على سبيل المثال، يقفز إلى4,21 دنانير في 1980 ثم إلى 44,61 دينارا في 1995 فإلى 76,87 دينارا سنة 2000 و 107,27دنانير في 2015 و132,07 دينار في 2020 و136,24 دينار في 22 إلى 28 جوان 2025. واليورو، من جهته، كان يُصرف، رسميا، بـ71,53 دينارا في سنة 2000 وبـ116,79 دينار في 2015 وبـ 161,31 دينار في 2020 و بـ156,29 دينار في 22 إلى 28 جوان 2025. ونفس الظاهرة التطورية سُجلت في السوق الموازية للعملات الأجنبية، ودائما لصالح هذه العملات بفارق بين السوق الرسمية والسوق الموازية يصل، اليوم، إلى نحو 66,36 % بين اليورو والدينار وإلى 72,50 % بين الدولار والدينار محسوبا بتاريخ 12 جوان 2025 والذي يمكن، على وجه العموم، التحقق منه في كل حين. ولن تتوقف هذه الظاهرة إلا عندما تتساوى اقتصاديا أو بالكاد، القيمة الرسمية والقيمة الموازية للدينار، أي عندما تتساوى صادرات الجزائر خارج المحروقات ووارداتها من نفس الطبيعة و/ أو عندما يصبح عرض العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر، مباشرة أو عن طريق البنوك التجارية، في متناول المستوردين، من دون المساس، هيكليًّا، بطبيعة الحال، بتوازنات ميزان المدفوعات، مع النبذ الصارم لكل تضخيم للفواتير عند الاستيراد و/ أو كل تخفيض للفواتير عند التصدير نبذا لما تعوّد عليه جشع الطماعين من المستوردين والمصدِّرين. لقد حدث بالفعل تراجعٌ مستمر لقيمة الدينار مقابل اليورو من 213 دينار في 18 أكتوبر 2021 إلى 260 دينار بتاريخ 12 جوان 2025. كما تراجعت قيمة الدينار بالنسبة للدولار في نفس الحيز الزمني من 180 دينار إلى 235 دينار. ويُتصور، اجتهادا منا، أن يطّلع رئيس الجمهورية كل صباح في مستهل برنامجه عمله اليومي، على مستوى احتياط البلاد من الصرف الأجنبي وعلى مستوى أسعار المحروقات وآفاق تطورها ليتخذ أصوب القرارات الممكنة. سيصبح من الضروري حينئذ، أخذاً في الحسبان واقعية راسخة، البحثُ عن مساع تكميلية بغرض تسيير هذه الإكراهات العتيدة من دون استــثناء. وبالنسبة لاقتصاد لا يزال قيد إعادة التنظيم بغرض الإقلاع من جديد، فإن ترك التحكيم، حصرا، لتوفـُّر العملات الأجنبية وحدها، لضبط الواردات المسماة 'واردات من دون دفع' قد يتسبب في تبديد مفرط للموارد من العملات الأجنبية المكتسبة من السوق الموازية لهذه العملات، مما قد يتسبب في ظهور تضخُّم يصعب ضبطه، إلى جانب تقبـُّـل واردات لا منفعة اجتماعية لها، لا في الإنتاج ولا في الاستهلاك. وفي منظور المستوردين والمصدِّرين الخواص، لا حسبان إلا للربح الأعلى الذي يحققونه دون سواه. حينئذ، يتعلق الأمر بتسامحية مقبولة سياسيا، لكنها مصدر ضرر كبير للاقتصاد الوطني. ويمكن توليفة من الواردات 'من دون دفع' كما عرفناها أعلاه، في حدود قوائم السلع والخدمات المسموح باستيرادها بحكم منفعتها الاجتماعية العالية، يمكنها (التوليفة) أن تُـوصل إلى قوى مُتظافرة مُثلى في ميدان الواردات 'من دون دفع' مع الأخذ في الحسبان، مصالح المستوردين الصناعيين ومستهلكي السِّلع والخدمات عالية المنفعة الاجتماعية والأقلّ شحذا للتـضخُّم الذي يستحثه اليوم، من دون قيود، اللجوء إلى العملات الأجنبية المشتراة في السوق الموازية. بالنسبة لاقتصاد لا يزال قيد إعادة التنظيم بغرض الإقلاع من جديد، فإن ترك التحكيم، حصرا، لتوفـُّر العملات الأجنبية وحدها، لضبط الواردات المسماة 'واردات من دون دفع' قد يتسبب في تبديد مفرط للموارد من العملات الأجنبية المكتسَبة من السوق الموازية لهذه العملات، مما قد يتسبب في ظهور تضخُّم يصعب ضبطه، إلى جانب تقبـُّـل واردات لا منفعة اجتماعية لها، لا في الإنتاج ولا في الاستهلاك. والهيـئتان اللتان استحدثتا بتاريخ 13 أفريل 2025 واللتان ستكلفان بتأطير الواردات والصادرات، من شأنهما إضفاء مزيد من الشفافية والسيولة في التجارة الخارجية الجزائرية تحت ضائقة النقص الحالي لوسائل الدفع الخارجية، على وجه الخصوص. وتسوية وضعية تجارة 'الكابا' أو 'الحقيبة' سيكون لها، بحكم لجوئها، منذ زمن طويل، إلى السوق الموازية للعملات الأجنبية، في تنافس محدود مع الواردات 'من دون دفع' من شأنها تمكين تحديد حجم هذا القطاع من السُّوق التجارية وتخليص صغار المستوردين من المساومات الفردية المنعزلة السيئة متعددة الأوجه التي تمارَس عليهم في كل مراحل مسارهم الاستيرادي من جهة، واستفادة الخزينة العمومية من مداخيل إضافية مهما كانت ضآلتها، من جهة ثانية. علما أن هذه السوق عالية النجاح لكنها شاقة الإكراهات على مستوردي 'الكابا' أو 'الحقيبة.' يجري تحصيل هذه العملات، عموما، بالإضافة إلى المقابل المالي للصادرات التي يحققها، احتمالا، المستوردون- المصدِّرون، باللجوء إلى الدينار المتداول في السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية. ونظرا لقلة هذه العملات، يحتاج تحصيلها إلى كميات، دومًا أكبر، من العملة الوطنية. وهو سبب آخر يفسّر التعويم الدائم للدينار في الاتجاه التنازلي حصرا، في السوق السوداء للعملات الأجنبية. إن تسوية وضعية هؤلاء الفاعلين التجاريين في صفة 'صغار المقاولين' هو تثمينٌ عال اجتماعيا لوضعيتهم كنشطاء اقتصاديين باستفادتهم، هم وعائلاتهم الصغيرة، من التغطية الاجتماعية (علاج وتقاعد) وبمساهمتهم، رمزيًّا، في إعادة توزيع المداخيل عبر النظامين الاجتماعي والجبائي للبلاد وبخروجهم، احتمالا، من صف الشباب المستفيد من منحة البطالة. وهذا تساوقا مع نبل الدوافع التي أبرزها عرض أسباب مشروع المرسوم التنفيذي رقم 25-170 المؤرَّخ في 28 جوان 2025 الذي يسوي وضعية صغار المقاولين المستوردين بـ'الكابا' أو 'الحقيبة' المشار إليه أعلاه في مستهل هذه المساهمة. وهكذا سيكون لهذا الإدماج، في آفاق متوسطة، حفز العقل المغامر لدى هؤلاء الشباب النشطاء صغار المقاولين، على شحذ الفكر المقاولاتي في اتجاه التوسُّع بغرض إنشاء مؤسساتهم بأحجام أكبر، كهدف أسمى لهذه التسوية لنشاطاتهم. إنّ اللجوء إلى هذه الواردات (من دون دفع) ليس غريبا عن هذا التآكل النسبي المفاجئ لقيمة الدينار في السوق الموازية؛ فمقابل التقليص، وجوبا، من اللجوء، إلى العملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر بغرض تغطية الواردات، يفرض هذا التقليص نفسه من دون منازع. وعكس ذلك، من شأنه أن يتسبّب في تهديد الاقتصاد الوطني بالاختناق المفاجئ. ويُـنتظر، منطقيا، في سياق هذه الحركية، كضريبة تحوّل إيجابي هامّ، أن يرتفع، انتقاليا، الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازية (السوق السوداء) في انسجام منطقي مع الارتياح الذي ستلقيه في قلوبهم تسوية وضعيتهم حتى تتفتّق كامل طاقاتهم الكامنة التي كانت، بفعل تستّرهم في أعمالهم، جد مضغوطة. لن تتوقف هذه الظاهرة إلا عندما تتساوى اقتصاديا أو بالكاد، القيمة الرسمية والقيمة الموازية للدينار، أي عندما تتساوى صادرات الجزائر خارج المحروقات ووارداتها من نفس الطبيعة و/ أو عندما يصبح عرض العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر، مباشرة أو عن طريق البنوك التجارية، في متناول المستوردين، من دون المساس، هيكليا، بطبيعة الحال، بتوازنات ميزان المدفوعات، مع النبذ الصارم لكل تضخيم للفواتير عند الاستيراد أو التصدير. وستربح الثروة الوطنية (الناتج الداخلي الخام) من هذه التغييرات، بُعدين ثمينين: بُعدًا ينبثق مباشرة من التسوية ذاتها، وبُعدًا يلي تفتُّح الطاقات الكامنة التي كانت مضغوطة بفعل التستر في النشاط الاستيرادي قبل تسويته. المراجع (1) المرسوم التنفيذي رقم 25-170 المؤرَّخ في 28 جوان 2025. (2) المرسوم الرئاسي رقم 23-284 المؤرخ في أول أوت 2023. (3) صندوق النقد الدولي مارس 2025. (4) تقرير البنك العالمي، ربيع 2025. (5) عمار تو. سوق العملة الموازي. سوق فعلية أم قانونية؟


الشروق
منذ 5 ساعات
- الشروق
تجارة 'الكابا'.. الواردات من دون دفع وأثرها على قيمة الدينار
تنفيذا لأمر صادر عن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتاريخ 18 ماي 2025 لتسوية وضعية صغار المستوردين غير المرخص لهم أو الناشطين في تجارة 'الكابا' حسب التعبير الشعبي المتداول، صدر المرسوم التنفيذي التطبيقي لهذا الأمر الرئاسي بتاريخ 28 جوان 2025.(1) ويحدد شروط وكيفيات ممارسة نشاط الاستيراد المصغر من قبل صغار المقاولين وهي الصفة التي تسديها إياه التسوية التي أقرها هذا المرسوم التنفيذي. نحن، حينئذ، أمام إثراء فعلي لنشاط الواردات 'من دون دفع' كتعويض تكميلي مرحلي ابتـُــدع ونُـظم بموجب التعليمة 06-91 المؤرَّخة في 17 أكتوبر 1991 والتي تحدد شروط وكيفيات تنظيم الواردات المسماة 'الواردات من دون دفع' للسلع المستوردة في إطار المادتين 40 و41 من قانون المالية التكميلي لسنة 1990 عندما اضطرت الجزائر، وهي ضحية انهيار اقتصادها سنة 1986. وأمام تآكل أسعار البترول واحتياطات صرفها الأجنبي ومديونية خارجية تجاوزت 18 مليار دولار، اضطرت إلى طأطأة رأسها أمام المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) التي أملت عليها، تحت شروط في حدود المقبول، إعادة جدولة ديونها الخارجية سنتي 1991 و1995. وخضعت الجزائر، في هذا الشأن، لأسوإ الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي لطخت، في العمق، إلى غاية اليوم، بنية ومستوى الثروة الوطنية (الناتج الداخلي الخام). وليس القصد من هذه المساهمة العودة إلى الأسباب النبيلة الرامية إلى إدماج شبيبة حيوية عالية المقاولاتية، ضمن إطار تنظيمي، لكن بغرض معالجة صريحة لهذا النشاط الحقيقي من حيث أثره على قيمة العملة الوطنية في السوق الموازية (سوق الصرف السوداء) وعلى مستوى احتياطات الصرف الأجنبي للبلاد، إلى جانب نشاط 'الواردات من دون دفع' التي تم تنظيمها، هي ابتداء من سنة 1991 كما ذكرنا ذلك قبل حين والذي سنعالجه في البدء. كان من البديهي، ضمن هذه اللوحة القاتمة، أن تتفاقم، عموما، تبعية البلاد إلى الواردات ويُفرض اللجوء إلى الواردات المسماة، اصطلاحا ظرفيا، 'الواردات من دون دفع' والذي لم يكن، انتقاليا، سوى متنفس ظرفي، في انتظار إنقاذ الإنتاج الوطني وترقيته، سعيا لتلبية حاجات السوق الوطنية، آجلا، في مستوى معقول. لقد ابتُـدعت، حينها، تجارة 'الكابا' أو'الحقيبة' التي ساهمت، بصفة نوعية، وإلى درجة لم تُضبط بعد بصفة دقيقة، كنشاط سري الذي أمر رئيس الجمهورية، مؤخرا، بتسويته كما سقنا ذلك أعلاه. وأمام التراجع الكبير لأسعار النفط خلال الشهور المنصرمة من سنة 2025، بغضّ النظر عن الارتفاع الاستثنائي المريح خلال الأيام الأخيرة، لكن غير الدائم ظاهريا، في علاقة مباشرة مع العدوان الإسرائيلي على إيران، فإن تخفيف المراقبة على النفقات الموازناتية الذي اعتُـمد ظرفيا، بدأ يخضع بوعي ضمير المسؤولية، إلى مراقبة مشددة من قبل أعلى السلطات في البلاد، وذلك، أساسا، عن طريق تقليص محسوب للواردات المنافِسة للإنتاج الوطني أو تلك الواردات ذات المنفعة الاجتماعية المهملة أو تلك التي تتقبل تلبيتها جدولة زمنية أطول. وعند الاقتضاء، حتى تلك التي تُـموَّل بعملات صرف أجنبية من حسابات بنكية لـ'الخواص' المستوردين التي تضبطها أحكام التعليمة رقم 06-91 المؤرَّخة في 17 أكتوبر 1991 المشار إليها أعلاه. ويجري تحصيل هذه العملات، عموما، بالإضافة إلى المقابل المالي للصادرات التي يحققها، احتمالا، المستوردون- المصدِّرون، باللجوء إلى الدينار المتداول في السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية. ونظرا لقلة هذه العملات، يحتاج تحصيلها إلى كميات، دومًا أكبر، من العملة الوطنية. وهو سبب آخر يفسّر التعويم الدائم للدينار في الاتجاه التنازلي حصرا، في السوق السوداء للعملات الأجنبية. وقد تسارع هذا الشكل الأخير نظرا للتأطير المنقذ المتزايد التشدد في بيع العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر (البنك المركزي) للمستوردين المعتمدين، وذلك بالنظر إلى التراجع الواضح لأسعار البترول مقارنة بالقمة التي بلغتها في سنة 2022. وإنشاء المجلس العالي لضبط الواردات في شهر أوت 2023 الذي من صلاحياته ضبط الواردات واقتراح كل التدابير بهذا الشأن، بغرض حماية الإنتاج الوطني الذي يجب عليه، في نهاية المسعى، على أبعد حدّ، تعويض الواردات في الأمد المنظور.(2) ومن صلاحيات هذا المجلس، أيضا، اقتراح كل التدابير التي من شأنها تحسين نظام المعلومات ذات الصلة بتحديد حاجات السوق الوطنية وكذا كل التدابير المساعِدة على محاربة الممارسات التجارية غير المشروعة عند الاستيراد. هو سبـب آخر لتفسير التعويم الدائم للعملة الوطنية في الاتجاه التنازلي الحصري في السوق الموازية للصرف الأجنبي. ويُـرشَّح هذا الشكل الأخير إلى التسارع، بالنظر إلى التأطير المنقذ الذي يعرف، حاليا، تشديدا متزايدا للحصول على العملات الأجنبية من بنك الجزائر (البنك المركزي). ويتعين، بصفة انتقالية، نقل بعض الواردات من المدخلات الصناعية ذات المنفعة الاجتماعية المحدودة، إلى خانة الواردات 'من دون دفع' مع وجوب استساغة ظرفية من لدنّ المستوردين المعتمدين المعتادين على الاستفادة من العملات الأجنبية لبنك الجزائر أو للبنوك التجارية، فالضرورة القصوى لحماية السيادة الوطنية تفرض ذلك، حتى إذا استمرّ تراجع قيمة الدينار في السوق الموازية (السوق السوداء) بالنسبة لليورو وبالنسبة للدولار. لقد حدث بالفعل تراجعٌ مستمر لقيمة الدينار مقابل اليورو من 213 دينار في 18 أكتوبر 2021 إلى 260 دينار بتاريخ 12 جوان 2025. كما تراجعت قيمة الدينار بالنسبة للدولار في نفس الحيز الزمني من 180 دينار إلى 235 دينار. ويُتصور، اجتهادا منا، أن يطّلع رئيس الجمهورية كل صباح في مستهل برنامجه عمله اليومي، على مستوى احتياط البلاد من الصرف الأجنبي وعلى مستوى أسعار المحروقات وآفاق تطورها ليتخذ أصوب القرارات الممكنة، خلافا لما يرتضيه دعاة 'خليها على الله' حتى تنهار البلاد وتُدفع دفعًا للاستدانة الخارجية، لـ'حاجة في نفس يعقوب.' من المنطقي أن هذه الواردات (من دون دفع) التي كانت مكرَّسة في قانون المالية التكميلي لسنة 1990 كرافعة انتقالية براغماتية معقولة، بغرض تلبية مطلبين متناقضين: التعويض عن قلة عملات الصرف الأجنبي المتوفَّرة مع واجب استمرارية توفـّـر السلع لتغطية ضرورات الإنتاج الوطني وحاجيات الاستهلاك في السوق الداخلية. هي إشكالية لا تزال قائمة، للأسف، حتى اليوم، بسبب نفس الانشغالات، خاصة وآمال البلاد التنموية منذ 2020 هي أكثر طموحا، بالإضافة إلى حتمية تدارك الحصيلة الاقتصادية والمالية الثقيلة السابقة. والكل يحتاج، عند الضرورة، إلى دعم سعر البترول خلال السنوات العجاف من أجل تفادي السقوط مكتوفي الأيدي، مجددا، في انتكاسات مالية مع وجوب تقبُّل التعاطي، إيجابا، مع مستوى تضخُّم يمكن التحكم فيه، فصندوق النقد الدولي يقدِّم إسقاطات إيجابية لكل المؤشرات الاقتصادية والمالية بالنسبة للجزائر لسنة 2025 وفي تحسُّن واضح مقارنة بمؤشرات سنوات 2022 و2023 و2024. إنها كلها، هوامش أمان تسمح بإخراج بعض الواردات من خانة التغطية بالعملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر لإيداعها في خانة الواردات المسماة 'الواردات من دون دفع' التي كانت ممولة بالعملات المودعة من قبل المستوردين المعتمدين في حساباتهم البنكية 'الشخصية' من العملات الأجنبية. وتقرير البنك العالمي لربيع 2025 الذي يؤكد الأداءات المريحة للاقتصاد الجزائري، يبني أحكامه على سعر البترول الذي كان في المتوسط يدور حول 70 دولارا للبرميل: بنمو اقتصادي في سنة 2024 بلغ 4,8 % (خارج المحروقات، تجرّه القطاعات الاستخراجية والاستثمارات العمومية) في مقابل توقعات بنسبة 3,5 %، وبنسبة تضخُّم بلغت 4,0 % مقابل 9,3 % المسجَّلة في 2023.(4) كما تم تصحيح معدَّل البطالة بتنزيله من قبل الديوان الوطني للإحصاء في 10 مارس 2025 من 12,7 % إلى 9,7 % لسنة 2024. إنّ اللجوء إلى هذه الواردات (من دون دفع) ليس غريبا عن هذا التآكل النسبي المفاجئ لقيمة الدينار في السوق الموازية؛ فمقابل التقليص، وجوبا، من اللجوء، إلى العملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر بغرض تغطية الواردات، يفرض هذا التقليص نفسه من دون منازع. وعكس ذلك، من شأنه أن يتسبّب في تهديد الاقتصاد الوطني بالاختناق المفاجئ. هو، بالفعل، متنفَّس غير قويم بالنظر إلى التوجه التحرري المضبوط للاقتصاد الجزائري، لكنه، مرحليا، يبقى بالغ الأهمية لأداء دور حمائي ضد التهديد بغرق شامل للاقتصاد الوطني. وحتى إذا كان إنقاذ هذا الاقتصاد قد نجح جيدا في سنة 2020/2021، فإن استنساخ هذا النجاح مجددا، هو صعب التحقيق. لكنه يبقى، عند الاقتضاء، في انتظار عبور المرحلة 2025/2027 المصيرية من دون عقبات كبيرة، يبقى ملجأ حتميا إذا استمرَّ انخفاض أسعار البترول على حاله، لكن من دون الإخلال، في كل الظروف، بروح واجب الخروج من الجمود الاقتصادي الذي يحاربه القانون النقدي والمصرفي الجديد (رقم 09-23 المؤرَّخ في 21 جوان 2023). واســتـيراد السيارات لأقل من ثلاث سنوات عمرا، يشكّل، في هذا الصدد، مثلا متقدما قابلا للتحسين والتوسيع إلى واردات أخرى من السلع بالنظر إلى التطمينات بخصوص المداخيل من وسائل الدفع الخارجية للبلاد والتي ستحميها من احتمال عودة ويلات كل انقلاب لسوق المحروقات، فالانحدار الشديد لأسعار البترول الذي عاشه سوق البترول إلى غاية 12 جوان 2025، يمثل تحذيرا جادا لا يجب التهوين من خطورته، حتى بعد الارتفاع المريح والمفاجئ للسعر الذي استحدثته الظروف الاستثنائية المنجرَّة عن العدوان الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية ابتداء من ليلة 13 جوان 2025. لكن هذا التحسُّن الظرفي راح ينحصر بجد منذ توقف القصف المتبادل بين الطرفين كما سنقف عليه في ما يلي. وبغضّ النظر عن التضييق الصارم، ابتداء من سنة 2020، على موازنات العملة الأجنبية المرصودة من قبل بنك الجزائر لصالح الواردات، كرد فعل شديد التأخر عن تآكل احتياط الصرف الأجنبي للجزائر الناتج عن انهيار أسعار البترول في جوان 2014 إلى غاية انتعاشها التدريجي متوسط الإرضاء ابتداء من أواخر سنة 2021. وبالخصوص ابتداء من شهر جانفي 2022. وهذا بالرغم من تراجعها العميق من متوسط بلغ 100,76 دولار للبرميل في 2022 إلى سعر نزل إلى حضيض بمستوى 59,74 دولارا للبرميل في 5 ماي 2025. وحمدا لله أن سخّر قضايا أمنية في الملاحة في مضيق هرمز في الخليج العربي كان من شأنها استحداث ارتفاع طفيف في أسعار برميل البترول جعله يرتفع إلى 62,719 دولارا للبرميل بتاريخ 30 ماي 2025 و66,57 دولارا للبرميل في 11 جوان 2025. وكان من شأن العدوان الإسرائيلي المشار إليه سابقا، رفع هذا السعر إلى 76,79 دولارا للبرميل بتاريخ 16 جوان 2025 لكنه عرف تراجعا إلى 72,40 دولارا للبرميل بتاريخ 21 جوان 2025 ليستمر تراجعه إلى 66,44 دولارا للبرميل بتاريخ 30 جوان 2025 ليستقر حول هذا المستوى خلال الأسبوع الأول من شهر جويلية 2025. وتقدر استشعاراتنا لباقي شهور السنة، إلى جانب التقديرات مختلفة المصادر المتخصصة، أن السعر سيتراوح بين 60 و70 دولارا للبرميل، في حال عدم تجدد القصف بين إسرائيل وإيران، وهو المرجَّح، نظرا لتدخل أطراف فاعلة مؤثرة في شؤون المنطقة من جهة، ونظرا لتلقي إسرائيل ضربة كادت أن تكون قاضية وعرّت كل هالتها المزيفة. إنّ أسعار (60 و70 دولار للبرميل) تتساوق عموما مع الأسعار المعتمدة في قانون المالية لسنة 2025. إنّ انتعاش أسعار البترول المسجل ابتداء من نهاية سنة 2021، قد مثـل، حقًّا، مصدر تهدئة مالية وموازناتية للبلاد. لكنها، أيضا وعلى وجه الخصوص، كان مصدرا لرؤية أوضح من أجل التجسيد الأصوب لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي كانت الجزائر قد سطّرته لنفسها على المديين المتوسط والبعيد. وهذا البرنامج الذي بدأ تنفيذه ابتداء من سنة 2020 مع تحيــينه بطموحات أكبر في سنة 2024 بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي نُظمت في 7 سبتمبر 2024، قد بدأ، مع الأسف الشديد، انطلاقا من ديسمبر 2022، يتأثر بالانخفاض العميق الذي عرفته أسعار البترول منذ ذلك الحين رغم احتفاظه بخطوطه الكبرى وذات الآثار المهيكلة الحميدة على الاقتصاد الوطني وعلى حياة المواطنين على المديين المتوسط والبعيد. لكن الملاحظ، استعجابا، هو أن لا أحد يتساءل عن سر دوام الوفرة النسبية المريحة للسلع والخدمات في السوق الجزائرية، رغم الانخفاض المسجل في المداخيل من العملات الصعبة، نتيجة للانخفاض الكبير لأسعار البترول؟ كما لا يتساءل أحدٌ عن الوفرة الدائمة لاحتياط الجزائر من الصرف الأجنبي في مستوى 68 إلى 70 مليار دولارا (من دون احتساب 173,6 طن كمخزون من الذهب) أو ما يعادل نحو 16 إلى 18 شهرا تغطية للواردات، إلا استثناء، خلال هذه الشهور الأخيرة إذ تراجعت أسعار البترول تراجعا عميقا لتنزل هذه التغطية إلى نحو 14-15 شهرا. أما بالنسبة للمستهلك الجزائري، فيستمر ضمان تلبية حاجاته حسب أذواقه وحسب قدرته الشرائية، فمفهوم السلع والخدمات ذات المنفعة الاجتماعية المواتية لكل قدرة شرائية راح يتأكد تجسيده كل يوم أكثر. ويبدو، هكذا، بكل وضوح، لدى سلطات البلاد، الطلاق الناعم مع 'المساواة' العمياء بين كل المواطنين أمام كل السِّلع والخدمات مهما تباعدت مداخيلهم ومهما كان مستوى المنفعة الاجتماعية لهذه السلع والخدمات. لكن الحذر يبقى قائما وذلك بفرض المرور التدريجي على النظام المصرفي في التعاملات، أي عبر 'حسابات الصرف الأجنبي الخاصة' المفتوحة لدى البنوك التجارية من قِبل المستوردين المعتمدين حتى وإن كان هذا الإلزام يحتاج إلى مراجعة تحسينية في صالح انسجام أكبر مع التلطيفات الإجرائية الجاري إدخالها من دون مساس بصلاحيات النظام المصرفي وإدارة الجمارك والنظام الجبائي التي تستمرّ في الاضطلاع بكامل صلاحياتها المؤسساتية على 'الواردات من دون دفع.' والسِّلع التي كانت، في وقت من الأوقات في أواخر 2019 وبداية 2020، بدأت تختفي كليا من السوق ومن رفوف المساحات الكبرى، سرعان ما عادت إلى الظهور بوفرة. وحالات 'العود' سرعان ما تم تداركها، ويجب على آليات الضبط عند الاستيراد وعند التصدير سارية التطبيق أو تلك التي هي قيد التنصيب، أن تُدخل التحسينات المنتظرة إذا ضُمنت لها الأدوات الضرورية لتأدية مهامها على أحسن وجه. ويكمن ســر هذا الارتياح، في اللجوء إلى 'الواردات من دون دفع' أي اللجوء من قبل المستوردين إلى العملات الأجنبية المتوفرة في السوق الموازية للصرف الأجنبي، فتتحول، هكذا، هذه السوق إلى أكثر من منقذ يلجأ إليه المستوردون. وتدخل ضمن خانة السلع الموجهة للاستهلاك المباشر ولتجهيزات الإنتاج والمنتجات نصف المصنَّعة بما في ذلك، أيضا، السلع ذات المنفعة الاجتماعية المتدنية أو المهملة نسبيا. ويمكن، حينئذ، الحديث عن سوق موازية (أو سوداء) للعملات الأجنبية التي تنشط من دون ضوابط رسمية وحيث ينشط المستوردون لمختلف السلع والخدمات تناسبا مع المتوفر من العملات الأجنبية، فتستقر أو تمر هذه العملات، بالنسبة للمستوردين، في حساباتهم البنكية 'الشخصية' للعملات ليتـيسّـر لهم استعمالها، قانونا، في تمويل وارداتهم، رغم فقدان مرحلة قانونية حين حمل هذه العملات قبل إيداعها في الحسابات البنكية 'الشخصية' أو بين وقت إخراجها من حساباتهم البنكية 'الشخصية' ووقت صرفها على أي شكل من الأشكال. وهو فراغ لم يملأه المشرِّع بعد. وظهور المبيعات بالميزان (بالكيلو) في ميدان الألبسة المستورَدة بهذه الطريقة، هو تأكيدٌ على وجود هذه الواردات 'من دون دفع' إذ يمكن، كذلك، تصور شكل آخر من السوق الموازية للعملات التي لا تخضع لأي مراقبة أو متابعة رسمية. وهذه المبيعات هي على كل الألسن وفي المحيط العائلي. وتمارَس في محلات تجارية معلومة وثابتة وذات إشهار رقمناتي فعّال. هي طريق لـ'تسوية' أخرى لسوق موازية من فصيلة تجارة 'الكابا' أو 'الحقيبة' التي سبق أن تناولناها في مساهمة خاصة حيث اقترحنا تسميتها، مرحليا 'سوق العملات الموازية المرخص لها'. والانزلاق المستمر للدينار (انخفاض القيمة النسبية للدينار) عميق في السوق الموازية (السوق السوداء) التي يـلجأ إليها في الواردات 'من دون دفع' مقارنة بالعملات المباعة من قبل بنك الجزائر للمستوردين المعتمدين وهي ثابتة وتعرف، ظرفيا، حتى بعض الانخفاضات الطفيفة. وتبعا لذلك، يرتفع، بصفة جنونية، الطلب على العملات المتداولة في السوق الموازية (السوق السوداء) بغرض تغطية 'الواردات من دون دفع'، وبغرض تغطية حاجات تجارة 'الكابا' وحاجات أخرى كالأدوية والعلاج والسياحة ومضاربات نوعية أخرى كاستلام العملات الأجنبية في الخارج مقابل تسليم الدينار في الجزائر بغرض تبيــيض الدينار والعملات المكتسبة بغير وجه حق. وقانون العرض والطلب على العملات الأجنبية، يـُضعف، منطقيا، قيمة الدينار أو يكرّس تعويمه الفعلي. وهذا ما تعيشه الجزائر منذ ظهور القيمة المزدوجة للدينار والتي اعتمدتها، عمليا، حتى المؤسسات المالية الدولية من بداية سنوات 1990 إلى اليوم. هو الميل السلس (الناعم) حول حقيقة الأمر الواقع 'الاقتصادي- النقدي' الذي نعرفه منذ التخفيضات الكبيرة الرسمية التي حدثت خلال عشريات 1980 و1990 و2000 و2010 وفي سنة 2020، وحتى إلى الأسبوع الأخير من جوان 2025 التي شاهدت الدولار، على سبيل المثال، يقفز إلى4,21 دنانير في 1980 ثم إلى 44,61 دينارا في 1995 فإلى 76,87 دينارا سنة 2000 و 107,27دنانير في 2015 و132,07 دينار في 2020 و136,24 دينار في 22 إلى 28 جوان 2025. واليورو، من جهته، كان يُصرف، رسميا، بـ71,53 دينارا في سنة 2000 وبـ116,79 دينار في 2015 وبـ 161,31 دينار في 2020 و بـ156,29 دينار في 22 إلى 28 جوان 2025. ونفس الظاهرة التطورية سُجلت في السوق الموازية للعملات الأجنبية، ودائما لصالح هذه العملات بفارق بين السوق الرسمية والسوق الموازية يصل، اليوم، إلى نحو 66,36 % بين اليورو والدينار وإلى 72,50 % بين الدولار والدينار محسوبا بتاريخ 12 جوان 2025 والذي يمكن، على وجه العموم، التحقق منه في كل حين. ولن تتوقف هذه الظاهرة إلا عندما تتساوى اقتصاديا أو بالكاد، القيمة الرسمية والقيمة الموازية للدينار، أي عندما تتساوى صادرات الجزائر خارج المحروقات ووارداتها من نفس الطبيعة و/ أو عندما يصبح عرض العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر، مباشرة أو عن طريق البنوك التجارية، في متناول المستوردين، من دون المساس، هيكليًّا، بطبيعة الحال، بتوازنات ميزان المدفوعات، مع النبذ الصارم لكل تضخيم للفواتير عند الاستيراد و/ أو كل تخفيض للفواتير عند التصدير نبذا لما تعوّد عليه جشع الطماعين من المستوردين والمصدِّرين. لقد حدث بالفعل تراجعٌ مستمر لقيمة الدينار مقابل اليورو من 213 دينار في 18 أكتوبر 2021 إلى 260 دينار بتاريخ 12 جوان 2025. كما تراجعت قيمة الدينار بالنسبة للدولار في نفس الحيز الزمني من 180 دينار إلى 235 دينار. ويُتصور، اجتهادا منا، أن يطّلع رئيس الجمهورية كل صباح في مستهل برنامجه عمله اليومي، على مستوى احتياط البلاد من الصرف الأجنبي وعلى مستوى أسعار المحروقات وآفاق تطورها ليتخذ أصوب القرارات الممكنة. سيصبح من الضروري حينئذ، أخذاً في الحسبان واقعية راسخة، البحثُ عن مساع تكميلية بغرض تسيير هذه الإكراهات العتيدة من دون استــثناء. وبالنسبة لاقتصاد لا يزال قيد إعادة التنظيم بغرض الإقلاع من جديد، فإن ترك التحكيم، حصرا، لتوفـُّر العملات الأجنبية وحدها، لضبط الواردات المسماة 'واردات من دون دفع' قد يتسبب في تبديد مفرط للموارد من العملات الأجنبية المكتسبة من السوق الموازية لهذه العملات، مما قد يتسبب في ظهور تضخُّم يصعب ضبطه، إلى جانب تقبـُّـل واردات لا منفعة اجتماعية لها، لا في الإنتاج ولا في الاستهلاك. وفي منظور المستوردين والمصدِّرين الخواص، لا حسبان إلا للربح الأعلى الذي يحققونه دون سواه. حينئذ، يتعلق الأمر بتسامحية مقبولة سياسيا، لكنها مصدر ضرر كبير للاقتصاد الوطني. ويمكن توليفة من الواردات 'من دون دفع' كما عرفناها أعلاه، في حدود قوائم السلع والخدمات المسموح باستيرادها بحكم منفعتها الاجتماعية العالية، يمكنها (التوليفة) أن تُـوصل إلى قوى مُتظافرة مُثلى في ميدان الواردات 'من دون دفع' مع الأخذ في الحسبان، مصالح المستوردين الصناعيين ومستهلكي السِّلع والخدمات عالية المنفعة الاجتماعية والأقلّ شحذا للتـضخُّم الذي يستحثه اليوم، من دون قيود، اللجوء إلى العملات الأجنبية المشتراة في السوق الموازية. بالنسبة لاقتصاد لا يزال قيد إعادة التنظيم بغرض الإقلاع من جديد، فإن ترك التحكيم، حصرا، لتوفـُّر العملات الأجنبية وحدها، لضبط الواردات المسماة 'واردات من دون دفع' قد يتسبب في تبديد مفرط للموارد من العملات الأجنبية المكتسَبة من السوق الموازية لهذه العملات، مما قد يتسبب في ظهور تضخُّم يصعب ضبطه، إلى جانب تقبـُّـل واردات لا منفعة اجتماعية لها، لا في الإنتاج ولا في الاستهلاك. والهيـئتان اللتان استحدثتا بتاريخ 13 أفريل 2025 واللتان ستكلفان بتأطير الواردات والصادرات، من شأنهما إضفاء مزيد من الشفافية والسيولة في التجارة الخارجية الجزائرية تحت ضائقة النقص الحالي لوسائل الدفع الخارجية، على وجه الخصوص. وتسوية وضعية تجارة 'الكابا' أو 'الحقيبة' سيكون لها، بحكم لجوئها، منذ زمن طويل، إلى السوق الموازية للعملات الأجنبية، في تنافس محدود مع الواردات 'من دون دفع' من شأنها تمكين تحديد حجم هذا القطاع من السُّوق التجارية وتخليص صغار المستوردين من المساومات الفردية المنعزلة السيئة متعددة الأوجه التي تمارَس عليهم في كل مراحل مسارهم الاستيرادي من جهة، واستفادة الخزينة العمومية من مداخيل إضافية مهما كانت ضآلتها، من جهة ثانية. علما أن هذه السوق عالية النجاح لكنها شاقة الإكراهات على مستوردي 'الكابا' أو 'الحقيبة.' يجري تحصيل هذه العملات، عموما، بالإضافة إلى المقابل المالي للصادرات التي يحققها، احتمالا، المستوردون- المصدِّرون، باللجوء إلى الدينار المتداول في السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية. ونظرا لقلة هذه العملات، يحتاج تحصيلها إلى كميات، دومًا أكبر، من العملة الوطنية. وهو سبب آخر يفسّر التعويم الدائم للدينار في الاتجاه التنازلي حصرا، في السوق السوداء للعملات الأجنبية. إن تسوية وضعية هؤلاء الفاعلين التجاريين في صفة 'صغار المقاولين' هو تثمينٌ عال اجتماعيا لوضعيتهم كنشطاء اقتصاديين باستفادتهم، هم وعائلاتهم الصغيرة، من التغطية الاجتماعية (علاج وتقاعد) وبمساهمتهم، رمزيًّا، في إعادة توزيع المداخيل عبر النظامين الاجتماعي والجبائي للبلاد وبخروجهم، احتمالا، من صف الشباب المستفيد من منحة البطالة. وهذا تساوقا مع نبل الدوافع التي أبرزها عرض أسباب مشروع المرسوم التنفيذي رقم 25-170 المؤرَّخ في 28 جوان 2025 الذي يسوي وضعية صغار المقاولين المستوردين بـ'الكابا' أو 'الحقيبة' المشار إليه أعلاه في مستهل هذه المساهمة. وهكذا سيكون لهذا الإدماج، في آفاق متوسطة، حفز العقل المغامر لدى هؤلاء الشباب النشطاء صغار المقاولين، على شحذ الفكر المقاولاتي في اتجاه التوسُّع بغرض إنشاء مؤسساتهم بأحجام أكبر، كهدف أسمى لهذه التسوية لنشاطاتهم. إنّ اللجوء إلى هذه الواردات (من دون دفع) ليس غريبا عن هذا التآكل النسبي المفاجئ لقيمة الدينار في السوق الموازية؛ فمقابل التقليص، وجوبا، من اللجوء، إلى العملات الأجنبية المشتراة من بنك الجزائر بغرض تغطية الواردات، يفرض هذا التقليص نفسه من دون منازع. وعكس ذلك، من شأنه أن يتسبّب في تهديد الاقتصاد الوطني بالاختناق المفاجئ. ويُـنتظر، منطقيا، في سياق هذه الحركية، كضريبة تحوّل إيجابي هامّ، أن يرتفع، انتقاليا، الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازية (السوق السوداء) في انسجام منطقي مع الارتياح الذي ستلقيه في قلوبهم تسوية وضعيتهم حتى تتفتّق كامل طاقاتهم الكامنة التي كانت، بفعل تستّرهم في أعمالهم، جد مضغوطة. لن تتوقف هذه الظاهرة إلا عندما تتساوى اقتصاديا أو بالكاد، القيمة الرسمية والقيمة الموازية للدينار، أي عندما تتساوى صادرات الجزائر خارج المحروقات ووارداتها من نفس الطبيعة و/ أو عندما يصبح عرض العملات الأجنبية من قبل بنك الجزائر، مباشرة أو عن طريق البنوك التجارية، في متناول المستوردين، من دون المساس، هيكليا، بطبيعة الحال، بتوازنات ميزان المدفوعات، مع النبذ الصارم لكل تضخيم للفواتير عند الاستيراد أو التصدير. وستربح الثروة الوطنية (الناتج الداخلي الخام) من هذه التغييرات، بُعدين ثمينين: بُعدًا ينبثق مباشرة من التسوية ذاتها، وبُعدًا يلي تفتُّح الطاقات الكامنة التي كانت مضغوطة بفعل التستر في النشاط الاستيرادي قبل تسويته. المراجع (1) المرسوم التنفيذي رقم 25-170 المؤرَّخ في 28 جوان 2025. (2) المرسوم الرئاسي رقم 23-284 المؤرخ في أول أوت 2023. (3) صندوق النقد الدولي مارس 2025. (4) تقرير البنك العالمي، ربيع 2025. (5) عمار تو. سوق العملة الموازي. سوق فعلية أم قانونية؟