logo
سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب

سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب

جريدة الرؤية١١-٠٥-٢٠٢٥

د. أحمد بن علي العمري
سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني. ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة و44 شهيدا من النازحين
إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة و44 شهيدا من النازحين

عمان اليومية

timeمنذ 4 ساعات

  • عمان اليومية

إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة و44 شهيدا من النازحين

إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة و44 شهيدا من النازحين الأمم المتحدة: شحنات المساعدات المحدودة "ذرّ للرماد في العيون" غزة."وكالات":: أعلن الدفاع المدني افي غزة اليوم استشهاد 44 فلسطينيا على الأقل في ضربات إسرائيلية على غزة، مع تكثيف اسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع وفي الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة حصولها على إذن بإدخال 100 شاحنة مساعدات. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الإثنين أن اسرائيل تعتزم السيطرة على كامل أراضي غزة. وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل "نقلت طواقم الدفاع المدني 44 شهيدا على الأقل غالبيتهم من الأطفال والنساء، وعشرات الجرحى جراء مجازر جديدة ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزل فجر اليوم (الثلاثاء) في مناطق عديدة في قطاع غزة". وأوضح بصل أن طواقم الدفاع المدني نقلت "15 شهيدا من عائلة نصار، وعددا من المصابين غالبيتهم من الأطفال إثر قصف طائرات حربية محطة راضي للوقود غرب مخيّم النصيرات" في وسط قطاع غزة. وأشار إلى نقل "12 شهيدا" وعدد من المصابين جراء استهداف الطيران الإسرائيلي منزلا لعائلة أبو سمرة في دير البلح وسط قطاع غزة.كما أفاد بسقوط "8 شهداء على الأقل وعدد من المصابين" نقلوا إلى المستشفى المعمداني، في استهداف لمدرسة "موسى بن نصير" التي تؤوي آلاف النازحين في حي الدرج وسط مدينة غزة، متحدثا عن إصابة "الغرف الصفية المزدحمة بالنازحين مباشرة". وفي مخيم جباليا في شمال قطاع غزة، قُتل تسعة أشخاص بينهم "عدد من الأطفال" جراء غارة جوية استهدفت منزل عائلة المقيد في المخيّم، وفقا للمتحدث باسم الدفاع المدني.وتحدث محمود بصل عن وجود مفقودين تحت الأنقاض "لا تستطيع طواقم الدفاع المدني الوصول إليهم بسبب القصف" في شمال القطاع، وفي خان يونس ورفح في الجنوب. - "عائلة بأكملها" - ولم يعقب الجيش الإسرائيلي بعد على سؤال بشأن هذه الضربات. وفي مخيم النصيرات، حيث تجمع الأهالي قرب محطة الوقود التي تم استهدافها فجرا، قال محمود اللوح "محطة الوقود هذه كانت تؤوي عائلتين. أسفرت (الغارة) عن سقوط نحو 15 شهيداً بعضهم تم انتشاله والبعض الآخر لا يزال تحت الأنقاض". وأضاف "استيقظنا في الليل على صوت القصف وجئنا لنرى عائلة بأكملها تم مسحها من السجل المدني". أما يونس أبو عمشة فوصل إلى المستشفى الأهلي العربي لوداع أقاربه الذين فقدهم في إحدى الغارات. وقال "كلهم أطفال ونساء ينامون في أمان الله ولا أحد منهم مطلوب وكلهم أطفال ونساء احترقوا ومُزقوا أشلاء". وتساءل "إلى أين سنذهب؟ إنهم يستهدفون الخيام. إلى أين سنذهب؟ قل لنا يا نتنياهو، إلى أين سنذهب حتى نرد عليك؟ إلى أين سنذهب بدلًا من ضرب أطفالنا ونحن نيام؟ إلى أين سنذهب؟ لم نعد نحتمل". - 100 شاحنة - وبعد أكثر من شهرين ونصف من اطباق الحصار على قطاع غزة حيث يواجه 2,4 مليون نسمة وضعا إنسانيا كارثيا، أعلنت اسرائيل الإثنين دخول "خمس شاحنات تابعة للأمم المتحدة ومحمّلة مساعدات إنسانية، بما في ذلك طعام الأطفال، إلى قطاع غزة عبر (معبر) كرم أبو سالم".وأشارت إلى أنه سيتم السماح بدخول "عشرات الشاحنات... في الأيام المقبلة". وسمحت إسرائيل بدخول تسع شاحنات تحمل مساعدات تابعة للأمم المتحدة إلى قطاع غزة الاثنين، وهو ما وصفه منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر بأنه "قطرة في محيط" الاحتياجات في القطاع الفلسطيني.بعد 11 أسبوعا من الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لايركه خلال مؤتمر صحافي في جنيف إن خمسا منها عبرت معبر كرم أبو سالم، وحصلت الأمم المتحدة اليوم على الإذن لتسلمها. وندّدت كلير نيكوليه من منظمة أطباء بلا حدود بما قالت إنه "ذرّ للرماد في العيون" و"طريقة للقول: نعم نحن نسمح بدخول الأغذية.. لكنها خطوة شبه رمزية".

"بلدي شمال الباطنة" يُثمِّن التوجيهات السامية بإنشاء مراكز إيواء في صحار والسويق
"بلدي شمال الباطنة" يُثمِّن التوجيهات السامية بإنشاء مراكز إيواء في صحار والسويق

جريدة الرؤية

timeمنذ 4 ساعات

  • جريدة الرؤية

"بلدي شمال الباطنة" يُثمِّن التوجيهات السامية بإنشاء مراكز إيواء في صحار والسويق

صحار- خالد بن علي الخوالدي عقد المجلس البلدي بمحافظة شمال الباطنة صباح أمس بقاعة الاجتماعات جلسته الاعتيادية الخامسة من السنة الثالثة للفترة الثالثة لعام 2025؛ برئاسة سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة رئيس المجلس البلدي بالمحافظة، بحضور أعضاء المجلس وعدد من المختصين من الجهات الحكومية ذات العلاقة. وثمَّن سعادة محمد بن سليمان الكندي التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم-حفظه الله ورعاه- بإنشاء مراكز إيواء في ولايات السويق وصحار بمحافظة شمال الباطنة؛ بهدف توفير بيئة آمنة مجهزة بجميع الاحتياجات لإيواء المتضررين من الحالات الطبيعية والظروف الاستثنائية، والتي تهدف إلى توفير بيئة آمنة ومُجهزة بجميع الاحتياجات لإيواء المتضررين من الحالات الطبيعية والظروف الاستثنائية. وأكد المجلس أن إنشاء هذه المراكز يعكس التزام سلطنة عُمان بتطوير البنية الأساسية للإغاثة والإيواء وجاهزيتها للاستجابة السريعة والفعالة للطوارئ، إلى جانب تقديم الدعم الإنساني واللوجستي. وقدم سعادته للأعضاء شرحًا مُختصرًا عن المبادرة التفاعلية التي حدثت في ولاية السويق منتصف الأسبوع الماضي، بلقاء رؤساء المصالح الحكومية مع المواطنين وتخليص معاملاتهم في محطة واحدة، بحضور سعادة والي السويق وعدد من مديري عموم المؤسسات الحكومية ومديري الدوائر المختصة بتقديم الخدمات، موضحًا أن هذه التجربة سوف تُعمَّم في مختلف ولايات المحافظة بعد أن ثبت نجاحها. وصادق المجلس على محضر الجلسة السابقة وما تضمنه من توصيات بشأن عدد من المواضيع، كما تم استعراض أبرز البنود المدرجة على جدول الأعمال. وشهدت الجلسة حضور مختصين من المديرية العامة للتنمية الاجتماعية بالمحافظة؛ حيث قدموا عرضًا مرئيًا حول نتائج اجتماع لجنة حماية الطفل، مُتضمنًا أبرز التوصيات والمبادرات المقترحة لتعزيز حماية الطفل على مستوى المحافظة. واستضاف المجلس مختصين من دائرة المجلس البلدي بمكتب محافظة شمال الباطنة، الذين قدموا عرضا مرئيا حول مبادرتهم المعنونة "دراسات الاستثمار والبنية الأساسية والخدمات (شمولية التخطيط واستشراف المستقبل)"، والتي تهدف إلى رفع جودة التخطيط وتحسين كفاءة الاستثمارات والخدمات العامة في المحافظة؛ بما ينسجم مع متطلبات التنمية المستدامة. وناقش سعادته مع الأعضاء المبادرة، مؤكدًا أهمية التحوُّل النوعي في منهجيات التخطيط واستشراف المستقبل، ومشددا على ضرورة تبني نهج حوكمة الأداء؛ لضمان استدامة وتنوع المشاريع وجاهزية الخطط وشموليتها؛ بما يتوافق مع تطلعات المجتمع ويسهم في تحسين جودة الحياة في المحافظة. وأكد سعادته أن المرحلة المقبلة تتطلب تكاتف الجهود وتكامل الأدوار بين مختلف الجهات الحكومية والمجتمعية؛ بهدف إيجاد بيئة تنموية محفزة ومستدامة، ترتكز على الابتكار وتستند إلى بيانات دقيقة ورؤية واضحة للمستقبل. واستعرض المجلس نتائج اجتماع لجنة تطوير وتنمية المحافظة الثاني، والذي تناول أولويات القطاع الصحي في شمال الباطنة، إضافة إلى مناقشة مشروع إنشاء ساحة لإيواء الحيوانات السائبة، كما بحث المجلس ردود الجهات الحكومية حول عدد من الموضوعات، من أبرزها طلب تخصيص قطعة أرض لإقامة حديقة عامة بمنطقة السهيلة بولاية الخابورة، طلب تخصيص أرض لبناء مجلس عام بمنطقة ضيان بولاية السويق، مقترح تنظيم مداخل ولاية الخابورة من الجهات الأربع المؤدية إلى الدوار على الشارع العام. وناقش المجلس مُقترحًا لتحديد مواقع لإقامة ملاعب شاطئية على الشريط الساحلي لخط الباطنة، إلى جانب مقترح لتطوير منطقة الفحص الفني للمركبات بمعارض السيارات في منطقة العوهي بولاية صحار، ومقترح لإعادة تأهيل المزارع القديمة التي تروى من الفلج في منطقة فلج القبائل بولاية صحار، كما تم التطرق إلى الملاحظات المقدمة من المواطنين حول مختلف المواضيع. وعلى هامش اجتماع المجلس البلدي، كرَّم سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة عددًا من الأعضاء الفاعلين في تقديم أفضل المقترحات لخطة المحافظة الاستثمارية، وعلى دورهم في تقديم مقترحات نوعية تساهم في تطور العمل البلدي وتنمية وتطوير المحافظة؛ حيث جرى تكريم عبد الله بن يحيى الجابري نائب رئيس المجلس وسعيد بن سالم البريكي ممثل ولاية صحم وغانم بن سيف الخميسي ممثل ولاية السويق.

علي المطاعني يكتب: التغيير يبدأ من الذات...
علي المطاعني يكتب: التغيير يبدأ من الذات...

الشبيبة

timeمنذ 9 ساعات

  • الشبيبة

علي المطاعني يكتب: التغيير يبدأ من الذات...

في الوقت الذي تشهد فيه سلطنة عُمان تحوّلات اقتصادية واجتماعية عميقة، ومرسومة في إطار رؤية "عُمان 2040"، وتتسارع الخطى في أجهزة الدولة نحو البناء والتشييد والتسابق والتطور نحو الأفضل في سباق مع الزمن، لا يزال البعض يتعامل مع هذه التحولات وكأنها لا تعنيه، أو كأنها لا تمسّ واقعه الشخصي، متشبثًا بمنطق القنوط القائل: "انتظروا أن يتغير كل شيء من حولكم... دون أن تُغيّروا في أنفسكم شيئًا". متناسين قول الله عز وجل في الآية الكريمة رقم 53 من سورة الأنفال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. صدق الله العظيم. وباعتبار أن الآية الكريمة تعدّ الحدّ الفاصل ما بين ما هو موجود وقائم وبين أرتال الأماني والأمنيات القادمة رغدا من كل مكان. كما أنهم -وفي سباحتهم المخملية عكس تيار الواقع- يتناسون مع سبق الإصرار والترصد حقيقة أن التحولات عميقة الجذور في الأوطان والدول ولا تصنعها التشريعات والقوانين مهما كان مستوى تماسكها وكمالها البشري، بل يصنعها الأفراد الذين يوقنون ويؤمنون بحقيقة أن التغيير للأفضل يبدأ انطلاقا من استيعابهم لمفهوم ومدلول ومغزى الآية الكريمة أعلاه، وأن الوطن والأوطان لا يُبنى ولا تُبنى بالأمنيات الطيبة الحالمة، بل بالبذل والكفاح والمشقة، وبالفكر المتقد والمتوهج والميمّم وجهه شطر الشمس في كبد السماء. فاليوم نحن نقف وجهًا لوجه أمام حقيقة أن نكون على رصيف المتغيرات ننظر ونبتسم ببلاهة ونراها أمام أعيننا تأتي كل يوم بجديد وعجيب وغريب، أو أن نكون جزءًا فاعلًا فيها نوجهها ونشارك في صناعتها من خلال تغيير ما بأنفسنا بادئ الأمر. وبالتالي فإن التغيير الحقيقي لا يبدأ من الخارج محمولا على أجنحة الأحلام الوردية بل من الداخل ومن نخاع العظام، ويأتي من الفرد قبل الجماعة، من طريقة تفكيره، ومستوى رغبته الصادقة في التطور، واستعداده بكامل الإيمان للتخلي عن الأساليب القديمة التي لم تعد تتناسب مع عصر يتغير كل يوم، عصر المعلوماتية والقرية الكونية الصغيرة. على ذلك من الخطأ الاعتقاد بأن الظروف ستتحسن من تلقاء نفسها، أو أن العالم من حولنا سيأتي إلينا ونحن نيام بمزايا إضافية أو فرص ذهبية أوفر وأكثر بريقا، ذلك لن يحدث ولن يكون أبدا، فكل المؤشرات الاقتصادية الإقليمية منها والعالمية تدل على أن القادم أكثر ضراوة وأمضى سيفًا وأشمل تحدّيًا، وأن من لا يتكيف مع الواقع سيتجاوزه الزمن ببساطة، وبعدها يكون الندم وعلى الوجنات تسيح دموعه الثقال. العالم الآن وفي التو وفي اللحظة يعيد تشكيل نفسه بعد الأزمات المتلاحقة التي مرّ بها في العقد الأخير، وكما نرى فإن التقنيات تتغيّر بسرعة مذهلة، وسوق العمل يعيد ترتيب أولوياته من تلقاء ذاته، فارضًا جناحيه على واقعنا عبر جدلية صارمة وهي أن نكون أو لا نكون. وإذا أردنا أن نضرب الأمثلة والنماذج نستنطقها على سبيل المثال، فلا جدوى من انتظار تحسن الوضع الاقتصادي من تلقاء ذاته بينما البعض لا يريد أن يخرج من دائرة الاعتماد على دخل واحد، ويرفض بناء عليه حتى فكرة المبادرة أو التدريب أو التحول إلى العمل الحر بكل تحدّياته وشراسته التي لا تعرف معنى الرحمة ثم كيف نطالب ببيئة عمل أكثر احترافية ونحن لا نلتزم بالأساسيات مثل الحضور بصرامة في الوقت المعلوم، أو إعلاء شأن معايير الجودة والتعلم الذاتي أملا في الحصول على مهارات جديدة تخطف الأبصار؟.. هذه ليست شعارات ذات ألوان جذابة كقوس قزح عندما يهلّ ويطلّ في كبد السّماء في الأيام الممطرة، بل هي حقائق دامغة أثبتتها تجارب الشعوب التي نهضت وسمقت ويشار إليها الآن بالبنان. فماليزيا لم تكن لتنهض لولا تغيير طريقة تفكير المواطن الماليزي تجاه العمل والإنتاج، ولم تحقق رواندا المعجزة الاقتصادية إلا عندما قرر الناس هناك استهلال التغيير من أنفسهم، من قراهم ومدارسهم وأسلوبهم في الحياة. أما نحن، فما زال بعضنا يظن ويعتقد بأن التغيير ينبغي أن يكلف نفسه عناء الوصول إلينا لسواد عيوننا وجمالها الأخاذ لا أن نسعى نحن إليه. إن مواجهة المتغيرات لا تعني الخوف منها ومن ثم تفضيل الانغلاق والانكفاء، بل تعني أن نكون أكثر وعيًا بأننا جزء من هذا العالم المتحرك، وأننا إذا لم نتحرك معه، فسنتخلف عنه، وإن تخلفنا عنه فعلينا السلام. ولنا أن ندرك أيضًا أن الوظيفة لم تعد مجرد كرسي ومكتب وراتب نتقاضاه آخر الشهر، بل هي مسؤولية، ومهارة، وتطوير ذاتي مستمر، وإيجاد قيمة مضافة حقيقية، وهذا لا يتحقق إلا حين نبدأ بالتغيير من أنفسنا، لا بانتظار ما تفعله الدولة أو المؤسسة أو السوق. في الحقيقة، لا توجد دولة في العالم قادرة على تطوير كل شيء إنابة عن المواطن، فالدور مشترك، والمستقبل لن يصنعه المتردّدون الخائفون الوجلون، بل يصنعه أولئك الذين يؤمنون أن الوطن لا يُبنى بالأمنيات، بل بالجهد، وبالقرار الداخلي الذي يقول: "سأكون جزءًا من الحل... لا جزءًا من المشكلة". نأمل بوعي متجدّد وإرادة صادقة، أن نكون ممن يبدأون بأنفسهم، فيسهمون بفاعلية في التغيير، ويسيرون بثقة على درب وركب التطور.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store