logo
مأرب في عين العاصفة… هل يدق الحوثيون طبول الحرب مجددا؟ وماهو أخطر ما يقلقهم اليوم …تحركات خطيرة ومريبة

مأرب في عين العاصفة… هل يدق الحوثيون طبول الحرب مجددا؟ وماهو أخطر ما يقلقهم اليوم …تحركات خطيرة ومريبة

حضرموت نت٠٩-٠٢-٢٠٢٥

كأن لم تعد هنالك من خيارات لتجنُّب عودة الحرب في اليمن سوى الحرب نفسها، ولا فرص للسلام مع جماعة الحوثيين المرتبطة بقوة مع إيران عقائديا وسياسيا وعسكريا دون حرب فاصلة وحاسمة كما حدث في غزة وجنوب لبنان وسوريا، وربما قد يحدث ذلك على نحو مختلف أو مشابه مع الفصائل الشيعية في العراق.
ذلك ما يراه كثيرون، ليس فقط مناوئو هذه الجماعة داخل اليمن، ولكن أيضا خبراء ومراقبون في الإقليم والعالم.
ما الذي يحدث الآن؟
توشك الهدنة 'الهشة' القائمة منذ أكثر من عامين في اليمن على الانهيار بعد سلسلة من التحركات العسكرية لجماعة 'أنصار الله' الحوثية المتحالفة مع إيران، خصوصا في محيط مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية، في مؤشر واضح على أن الجماعة التي تستمد أسباب بقائها من استمرار حروبها سواء مع الداخل أو الخارج.
وشملت تلك التحركات التي وصفتها مصادر عسكرية بـ'الخطيرة والمريبة' خلال الأيام القليلة المنصرمة، حملات تجنيد وتعبئة معنوية 'جهادية' وحشدا للآلاف من مسلحيها، وحفرا للمزيد من الخنادق ومرابض المدفعية والدبابات، على سائر الجبهات والمحاور الجنوبية والغربية والشمالية لمارب مع قصف وهجمات بالطيران المسيّر، وذلك في محاولة للتحرش بالقوات الحكومية وجرها إلى جولة جديدة من الحرب، لا تحمد عقباها.
ما الأهمية الجيوسياسية لمأرب لدى الحوثيين؟
تمثل مأرب اليوم شوكة الميزان في الحرب أو السلام، فهي الرمزية التاريخية، أصل اليمن وفصله، عاصمة مملكة سبأ، فضلا عن غناها بالنفط والغاز والطاقة الكهربائية وبالمياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، بل هي كذلك تمثل قبليا واجتماعيا 'بطن الغزالة' بالنسبة لشرق وجنوب اليمن، وامتدادات 'للقبيلة' حتى السعودية والإمارات إلى الكويت.
وإقليميا، وضع مأرب اليوم لا يحتمل المساس بأمنه واستقراره، فهي التي تحتضن الآن قرابة ثلاثة ملايين إنسان نزحوا إليها من سائر مناطق البلاد على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، وذلك بعد أن كانت، قبل انفجار الصراع المسلح في اليمن عام 2015، مجرد 'بلدة' أثرية نائية ومُهْمَلة، ولا يزيد عدد سكانها، في أفضل حال على 35 ألف نسمة.
وقد ابتكرت مأرب في زمن الحرب نموذجا في السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، جاذبا للاستثمارات المحلية في شتى المجالات، حيث أنشأت جامعة 'سبأ' التي تضم كثيرا من الكليات التطبيقية البالغ عدد طلابها ما يزيد على 19 ألف طالب وطالبة.
ما دوافع الحوثيين للتصعيد؟
بعد اشتداد عزلتها الداخلية والخارجية تشعر جماعة الحوثيين بقلق شديد مع اقتراب العمل بالأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، للتعامل معها كـ'منظمة إرهابية أجنبية' على أكثر من مستوى سياسي وعسكري وأمني واستخباراتي بما قد يترتب على ذلك من إجراءات مشددة، وحتى عسكرية خارج القانون الدولي والإنساني يصل حد الإضرار بالسيادة الوطنية والمصالح العليا لغالبية اليمنيين.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والعنف السياسي، مراد بطل شيشاني، أن خطورة تصنيف الجماعات الدينية المسلحة 'تمنح الولايات المتحدة وغيرها مبررا للهجوم من ناحية، وإيجاد قنوات اتصال خلفية للتفاوض في الوقت ذاته'، وفق رأيه.
استراتيجيات حرب الحوثي
خلال جولات الحرب السابقة حول مأرب وغيرها اعتمدت الحروب 'الحوثية' على نظريات أو خطط الحرب التي خاضتها إيران مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
وتمثلت تلك الاستراتيجيات بالدفع بآلاف المجندين الشباب غير المدربين إلى محارق الموت بهدف استنزاف الخصوم وإرهاقهم، ومن ثم الدفع بالمقاتلين المحترفين لحسم معاركهم التي باءت كلها بالهزيمة والفشل في حرب إيران مع عراق صدام حسين، وهي اليوم مرشحة لملاقاة المصير نفسه مع مأرب، حيث لا يريد الحوثيون أن يعرفوا أن خصومهم في مأرب وسواها اليوم غيرهم بالأمس.
وقد أفادت تقارير لوسائل إعلام محلية بأن 'القوات الحكومية في محافظة مأرب، تمكنت من إفشال هجمات عدة حاولت من خلالها الميليشيا الحوثية التقدم باتجاه مواقع للقوات المسلحة'. وأن فرق 'الاستطلاع والاستخبارات التابعة للقوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا رصدت تحركات للميليشيات الحوثية واستمرارها في شق طرقات واستحداث تحصينات ومواقع في جبهات قتالية متفرقة'.
يفسر العميد ركن خالد القارني، مسؤول ركن توجيه العمليات المشتركة، تحركات الحوثيين العسكرية الأخيرة بأنها ترتبط بعوامل رئيسة لها تأثير مباشر في المشهد الإقليمي، آخرها 'تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة، وما تبع ذلك من إجراءات صارمة ضدها بما يترتب عليه من تداعيات سياسية وعسكرية، الأمر الذي يدفع هذه الميليشيات إلى إعادة تموضعها وفقا للمعطيات الجديدة'.
ويرى الخبير والباحث العسكري خالد القارني أن 'توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة يعني- وفقا لحسابات هذه الميليشيات- انتفاء 'مبررات مهاجمة إسرائيل في هذه المرحلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة توجيه أنشطتها أو تعديل استراتيجياتها بناء على التطورات الميدانية والسياسية'.
لكن الأهم من كل ذلك في نظر القارني هي 'دوافع البقاء والاعتراف بشرعيتها في حكم اليمن وليس لديها في هذا الجانب غير خيار استمرار الحرب والمواجهات'.
توجس وانعدام يقين
في إجابته على سؤال لـ'المجلة' في هذا الشأن، قال السياسي والبرلماني اليمني ومحافظ تعز السابق، علي المعمري: 'من الواضح أن الحوثي يتوقع تحركات عسكرية، وهناك رسائل متعددة تصله عبر زيادة وتيرة الاجتماعات بين قيادات عسكرية يمنية وكذلك أميركية، ودعوات متعددة لاستغلال ما حدث في سوريا ولبنان من أجل عمل عسكري، فهو قد يحتاط لأي احتمالات، وربما يريد الحوثي أن يبعث برسالة مفادها أنني لست كباقي الأطراف في المنطقة، وقد تدفعه إيران للقيام بتصرفات عسكرية في محاولة لنقل معركتها المتوقعة إلى منطقة بعيدة مثل اليمن'. لذلك لا يزال الخيار العسكري في رأي المعمري وغيره من الساسة اليمنيين وحتى العرب 'مطروحا على الطاولة، بل هو أكثر احتمالا منه قبل عام مثلا، لكن أيضا لا يمكن الجزم بشيء في الوقت الراهن'، على حد قول السياسي اليمني.
ويحتفظ الخصوم الغربيون لإيران ومعها الحوثيون لما يعتبرونه 'تصفية حساب مؤجل' مع طهران وبقية أذرعها في اليمن والعراق.
وتتوقع صحيفة 'معاريف' الإسرائيلية أن يتم ذلك من خلال 'فرض حصار بحري أكثر تشديدا، وعبر تعاون مع وكالات استخبارات دولية، والتخطيط لمعركة فاصلة قبل التوجه نحو طهران'.
مجندون جدد في صفوف الحوثيين خلال مسيرة شعبية في محافظة عمران اليمنية في 20 ديسمبر 2023
حقائق عن مأرب
ما لا يريد الحوثيون معرفته عن مأرب، رغم طول تربصهم بها، أنها مختلفة عنهم ثقافيا منذ ما قبل الإسلام، ومذهبيا من بعده إلى اليوم، ولا يمكنها أن تكون، اجتماعيا، بيئة حاضنة لهم حتى لو استطاعت هذه الجماعة تجنيد بعض رجال القبائل البسطاء الذين استولت على قراهم الفقيرة ومناطقهم القاحلة في محيط مأرب.
ويقول الصحافي والناشط السياسي عبدالله أبو سعد، ناصحا لهؤلاء: 'قبائل ‫مرادو‫بني عبديؤكدون المؤكد، وهو مساندتهم للجيش الوطني في معركة استعادة الدولة والعودة إلى الديار، مشددين على عدم الانتقام والثأر بينهم وبين إخوانهم من أبناء القبائل الذين تحشدهم الميليشيات الحوثية إلى الجبهات ورفض المحاولات الحوثية لشق الصف الماربي'.
وفي عام 2021، شن الحوثيون بدعم مشترك من قبل إيران و'حزب الله' اللبناني هجوما واسعا على مأرب، وأكد حينها زعيم 'حزب الله' حسن نصرالله، أن 'الهجوم على مأرب سيستمر، وأن تداعيات معركة مأرب ستكون كبيرة جدا في اليمن والمنطقة'، مشيرا إلى أن إيران رفضت إيقاف الحرب في اليمن، لكن ذلك الهجوم سرعان ما انكسر أمام صلابة المقاومة العسكرية والشعبية ومؤازرة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.
وفي التحليل النهائي، يجمع مهتمون كثر على أن 'محرقة' جديدة قد تنتظر الحوثيين إذا قررت طهران الزج بهم في مغامرة عسكرية، خصوصا في جبهة مأرب.
وبقليل من الاستقراء والتحليل، وليس الكثير من الذكاء، يمكن ملاحظة أن الحوثيين كآخر ذراع لإيران في المنطقة يعانون من حالة 'انكشاف وخوف' كغيرهم من أضلاع ما سُمَّي 'محور المقاومة' التي جرى ويجري كسرها في دول مشلولة وفاشلة، ولا يبدو أن الحوثيين لن يلقوا مصيرا مماثلا.
أخطر ما يقلق الحوثيين اليوم، أكثر من سواهم من تلك الأضلاع أنهم لا يعرفون من أين يمكن أن تتم مباغتتهم بعمل عسكري أو غيره، سواءٌ بتدخل دولي أو إقليمي، أو بانتفاضة شعبية من الداخل، وربما يكون وقود هذه 'المعركة' هو الاحتقان المستعر داخليا، نتيجة- في نظر كثير من اليمنيين- لما وقعت فيه هذه الجماعة من أخطاء، ليس أولها 'الانقلاب' على الإجماع الوطني وإسقاط البلاد في أتون نزاع مسلح أحرق أخضر البلاد ويابسها وتسبب في مقتل أكثر من ثلث مليون يمني ونزوح وتشريد ملايين أخرى من أبناء اليمن، وتجريف كل مقومات الحياة من صحة وتعليم ومن خدمات أساسية، ولم يكن آخرها التورط في حرب أوسع إقليميا ودوليا، ليس لخدمة مصلحة يمنية وطنية أو قومية عربية إسلامية، بل لتنفيذ أجندة خارجية، وتحديدا إيرانية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب يتباهى بـ"تحرير" الجيش من نظريات الجنس والعرق
ترمب يتباهى بـ"تحرير" الجيش من نظريات الجنس والعرق

Independent عربية

timeمنذ 41 دقائق

  • Independent عربية

ترمب يتباهى بـ"تحرير" الجيش من نظريات الجنس والعرق

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس السبت بما قام به لجهة "تحرير" القوات المسلحة من تأثير النظريات المتعلقة بالنوع الاجتماعي أو عدم المساواة على أساس العرق، ووصفها بأنها "مصادر إلهاء" للجيش عن "مهمته الأساسية المتمثلة في تدمير أعداء أميركا". إثر عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، وقع ترمب أمراً تنفيذياً يعلن أن برامج وسياسات التنوع والمساواة والإدماج التي تعزز تكافؤ الفرص "غير قانونية"، فضلاً عن أمر آخر يمنع المتحولين جنسيا من الالتحاق بالجيش. وقال ترمب في حفل تخرج في أكاديمية وست بوينت العسكرية المرموقة بالقرب من نيويورك "نعمل على إزالة عوامل الإلهاء ونُعيد تركيز قواتنا المسلحة على مهمتها الأساسية المتمثلة في تدمير أعداء أميركا". وأضاف أن "مهمة القوات المسلحة الأميركية ليست تنظيم عروض دراغ (لرجال يرتدون ملابس نسائية) ولا نشر الديمقراطية بقوة السلاح". وانتقد بذلك الإدارات السابقة الجمهورية والديمقراطية خلال الأعوام العشرين الماضية، لا سيما بسبب التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد الرئيس الجمهوري واضعا قبعة حمراء تحمل شعاره "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، أن "مهمة القوات المسلحة هي القضاء على أي تهديد لأميركا، في أي مكان، وفي أي وقت". وقال "حررنا قواتنا من تعاليم سياسية مهينة ومثيرة للانقسام". وأضاف ترمب "لن تُفرض بعد الآن نظرية العرق النقدية أو مبدأ +التحول الجنسي للجميع+ على رجالنا ونسائنا الشجعان في الجيش، أو على أي شخص آخر في هذا البلد". ونظرية العرق النقدية هي تخصّص يدرس تأثير عدم المساواة على أساس العرق، على عمل المؤسسات الأميركية. وسمحت المحكمة العليا ذات الغالبية المحافظة لإدارة ترمب موقتا باستبعاد المتحولين جنسيا من الجيش، في انتظار قرار لاحق بشأن هذه القضية. وتحدث ترمب قبل ثلاثة أسابيع من العرض العسكري الذي أمر بإقامته للاحتفال بالذكرى الـ250 لتأسيس القوات المسلحة الأميركية في 14 يونيو (حزيران)، والذي يصادف عيد ميلاده التاسع والسبعين.

علاقات هارفارد القوية بالصين تتحول إلى عائق أمام الجامعة
علاقات هارفارد القوية بالصين تتحول إلى عائق أمام الجامعة

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

علاقات هارفارد القوية بالصين تتحول إلى عائق أمام الجامعة

أصبحت علاقات جامعة هارفارد الأميركية بالصين، التي كانت دائماً مصدر دعم للجامعة، عائقاً أمامها مع اتهام إدارة الرئيس دونالد ترمب للمؤسسة التعليمية بأنها تخضع لعمليات تأثير مدعومة من بكين. وتحركت الإدارة الأميركية يوم الخميس لوقف قدرة جامعة هارفارد على تسجيل الطلاب الأجانب، قائلة إنها تعزز معاداة السامية وتنسق مع الحزب الشيوعي الصيني. وقالت الجامعة إن الصينيين شكلوا حوالي خمس عدد الطلاب الأجانب الذين التحقوا بهارفارد في عام 2024. وأوقف قاضٍ أميركي أول أمس الجمعة قرار إدارة ترمب موقتا بعد أن رفعت الجامعة الواقعة في كمبريدج بولاية ماساتشوستس دعوى قضائية. والمخاوف بشأن نفوذ الحكومة الصينية في جامعة هارفارد ليست جديدة، إذ عبر بعض المشرعين الأميركيين، وكثير منهم جمهوريون، عن مخاوفهم من أن الصين تتلاعب بجامعة هارفارد للوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة والتحايل على القوانين الأمنية الأميركية وخنق الانتقادات الموجهة إليها في الولايات المتحدة. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ"رويترز" أول أمس الجمعة "سمحت هارفارد لفترة طويلة جداً للحزب الشيوعي الصيني باستغلالها"، مضيفا أن الجامعة "غضت الطرف عن المضايقات التي قادها الحزب الشيوعي الصيني داخل الحرم الجامعي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولم ترد هارفارد بعد على طلبات للتعليق. وقالت الجامعة إن الوقف كان عقابا على "وجهة نظر هارفارد" التي وصفتها بأنها انتهاك للحق في حرية التعبير كما يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي. وعلاقات هارفارد بالصين، والتي تشمل شراكات بحثية ومراكز أكاديمية تركز على الصين، هي علاقات طويلة الأمد. وأثمرت هذه الروابط عن مساعدات مالية كبيرة ونفوذ في الشؤون الدولية ومكانة عالمية للجامعة. ووصف رئيس جامعة هارفارد السابق لاري سامرز، الذي انتقد الجامعة في بعض الأحيان، خطوة إدارة ترمب بمنع الطلاب الأجانب بأنها أخطر هجوم على الجامعة حتى الآن. وقال في مقابلة مع بوليتيكو "من الصعب تخيل هدية استراتيجية أكبر للصين من أن تضحي الولايات المتحدة بدورها كمنارة للعالم".

الليبرو-يساريون ونظرية العرق النقدية: من كان يسبح عاريا
الليبرو-يساريون ونظرية العرق النقدية: من كان يسبح عاريا

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

الليبرو-يساريون ونظرية العرق النقدية: من كان يسبح عاريا

سيصيب "الليبرو-يساريون" في السودان نفعاً مؤكداً إن تدارسوا "تشليع" (تفكيك لا يبقي أثراً) الرئيس دونالد ترمب للدولة الليبرالية التي كره منها نظرية العرق النقدية التي كانت واسطة ممارستهم المعارضة ضد دولة الإنقاذ (1989-2019) "الإسلاموعربية" في وصفهم. وتقول النظرية إن العرق ليس مفردة بيولوجية، ولكنه مختلق ثقافي لظلم واستغلال ذوي البشرة السمراء في أميركا. فالعنصرية تستبطن القانون والمؤسسات القانونية فيها مثلاً وهي التي من وراء سطوة البيض وامتيازهم على ما عداهم. فمتى وقف الليبرو-يساريون على ما أزعج ترمب ورهطه من نظرية العرق النقدية ربما قيموا كسبهم هم منها، أو خسارتهم، بصورة موضوعية. ظلت الليبرالية خلال العقود الأخيرة عرضة لصراع بلا رحمة بين المحافظين والليبرو-يساريين في أميركا أوجزه فرنسيس فوكوياما في كتابه "الليبرالية ومن عادوا بغصة منها" (2022). فبدأ بتعريف الليبرالية التي خيبت توقع الأطراف منها، فالليبرالية في منشأها في النصف الثاني من القرن الـ17، في قوله، دعت إلى لجم سلطات الحكومة عن طريق القانون والدستور في خاتمة المطاف وبناء مؤسسات تحمي حقوق الأفراد الذين يعيشون تحت مظلتها. فلا يريد فوكوياما بالليبرالية ما تواضع عليه الأميركيون اليوم من أنها طيف من يسار الوسط وسياساته، وقال إن الليبرالية لقيت تحدياً من اليمين واليسار معاً، فيقول اليسار إن المجتمعات الليبرالية لم تصدق في معاملة طوائفها بالسوية كما كان وعدها. وتفاقم هذا النقد عند اليسار ليطعن في الليبرالية ذاتها لأنها أولت حقوق الفرد فوق ما توليه لحقوق الجماعات، لينتهي هذا اليسار إلى أرثوذكسية تقدمية تضيق بالأفكار التي لا تتفق معها. وفي صلب شكوى اليسار على الليبرالية تحولها إلى النيو- ليبرالية خلال عقد السبعينيات التي نتج منها عدم مساواة فاحشة بين الأغنياء وسائر الناس. وجهة النظر المحافظة أما المحافظون في اليمين، فرأوا تزيداً في كفالة الليبرالية لذاتية بلا ضفاف للفرد ألغت كل رؤى للحياة الطيبة التي جاءت بها الأديان. وخامرهم أنهم، أي حملة هذه الرؤى للحياة الطيبة من الدين، معرضون للتحيز ضدهم في المجتمع، وأن الصفوة داخل هذه المجتمع تنحو منحى غير ديمقراطي حيالهم توظف ضمنه سلطانها في الإعلام والجامعات والمحاكم والسلطة التنفيذية للدفع بأجندتها. وأتم تعبير عن موقف المحافظين من الليبرالية هو "مشروع 2025" الذي خرج من خلايا التفكير والبحث اليمينية في أميركا، وهو منظومة مشاريع طموحة لقيام إدارة محافظة تقلب الحكومة الأميركية رأساً على عقب، فتمكن لحكومة محافظة تشدد على صغر دولاب الدولة، وتعلي المسؤولية الشخصية والقيم الأميركية التقليدية، وتجعل أسبقيتها استقرار العائلة التقليدية والأمن القومي والاقتصاد وحطم الدولة الإدارية المتآمرة. وساق هذا الاستقطاب الجماعتين لتطلبا بديلاً لليبرالية في تعريف فوكوياما لها، يستغني عنها، لأنه لا مطمع لهم في إصلاحها. فخرج اليسار بمشروع لتقسيم كبير للسلطة والثروة، إضافة إلى الاعتراف بالجماعات في البلد لا الأفراد. وهي الجماعات ذات الصفات الثابتة مثل النوع والعرق وتسوية الأرزاق بينها. أما اليمين، فسعى إلى الاستثمار في النظام الانتخابي لاحتلال مواقع في كل الدولة، بل من بينهم من غازل استخدام العنف لإقامة دولة سلطوية لحماية أنفسهم ومشروعهم. وجاءت دورة ترمب الثانية في سدة الحكم لينزل هذا المشروع حرفياً على الأرض كما هو مشاهد. للصبر حدود بدا أن نفاد الصبر من الليبرو-يساريين وسياسات الهوية العرقية لا يقتصر على المحافظين، فقد خرج من بين الليبراليين، ومن السود أنفسهم، من رأى فيها استضعافاً غير مستحق لهم. فكتب الأكاديمي والصحافي الأسود جون ماكهورتر كتاب "الضد عرقية الووك (woke): خيانة ديانة جديدة للسود" (2021)، قال خلاله إن صور العداء للعرقية العنصرية وحَمَلتها البيض جعلت من هذا العداء ديناً بحق، وديناً له شعواء إذا أردت، يحجب الحوار وتضاريس المسألة. فبعض من أديان كثيرة ألزم معتنقه أن يعطل الشك في عقائده الراتبة، فيطلب الدين منك في طور ما أن تكف عن استخدام المنطق وأن تعتنقه لا محيص، وهكذا عنده حال ضروب من نظريات العداء للعنصرية. فعماد هذا الدين المبتكر أن تعتقد بأن العنصرية حق وفوق كل شيء آخر بما في ذلك عواطف الناس. كما أن حديث أهل هذه النظريات عن امتياز البيض مطابق لحديث المتدين عن الخطيئة الأولى. والعنصرية في الكائن الأبيض في المنشأ، فهي ما تلوث به وامتثل له لا يبدي ولا يعيد، ويطلب الغفران لأجلها طوال ما هو على قيد الحياة. وقال ماكهورتر إنه يعرف البون الشاسع بين حظ البيض والسود، ولكنها حظوظ تستدعي منازلتها بلا هوادة، ولا يقع ذلك بدعوة الناس أن يكفوا عن العنصرية، أو أن يروا في تباين الحظوظ حالاً نكتفي منها بمد أصبع الاتهام للأبيض، وعاب على النظرية النقدية تربصها بالعبارة، فهي تقعد لكل من يقول "نقر njgger" مثلاً وتنفق وقتاً وطاقة في إدانته لا يتكافآن مع ما ينبغي عمله على الأرض لتغيير ما بنا. السود الأميركيون وكتب ماكهورتر في مقالة أخيرة في "نيويورك تايمز" (17 مايو- أيار الجاري) عن إلحاد هذا الدين عن أعراف كتابة تاريخ السود في المنشأ، فقال إنه لم تكُن دراسة السود الأميركيين كما هي اليوم على يد نظرية العرق النقدية. فقبل قرن في عهد أول بدئها كانت قراءة تاريخ السود هي تاريخ تقحمهم ليصيروا جزءاً من أميركا يرى الناس منهم أنفسهم في تمامها. فتناول مؤرخو تلك الفترة الرق، وعهد جيم كرو العاقب لتحرير الرقيق عام 1865، والسحل كما لا مناص في حين رموا إلى بيان كيف تشكّل تاريخ أميركا نفسه ببصمة السود عليه. فلم يطرأ لذلك الجيل من المؤرخين تاريخاً للسود التظلم لحمته وسداه. ولكن دراسات اليوم خلاف ذلك، إذ جفت فيها عزة السود بأنفسهم أيام حركة الحقوق المدنية في الستينيات ليصير غرض الدراسات الحالية في البدء هو الاحتجاج على العنصرية بدلاً من البحث عن خطة لتخطيها. فاقتصرت الدراسات الحالية على استصراخ بالمظالم عاجز يعزي ولا يشحذ عزائم التغيير. فبدا تاريخ السود هو تاريخ الخيبة والهزيمة على يد البيض مع أنه في واقع الأمر ليس رد فعل للبيض، فليسوا هم صناعة للبيض، وهم بالأحرى من خلقوا أنفسهم في شرط الظرف الذي وجدوا أنفسهم فيه. وصحيح جداً أنهم من فرضوا على أميركا أن تنهض على معانيها الحسان، فليس من الرصانة أن يثمنوا أنفسهم بتقريع لشخص آخر، فهذا باب في العودة من الغنيمة بالإياب. فقيمتهم أعظم من هذا وأخطر. وقالت كاتبة سوداء مرة "أعتقد بأننا كنا قوماً بائسين على مر الأيام". وسأل ماكهورتر، لماذا نرضى هذه البأساء لأنفسنا؟ فلا مناص من الإقرار بالمأساة التي عشناها، ولكن صح أقله أن نذيع بأعلى صوت المآثر التي أنجزناها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العنصرية في السودان إذا ما التفتنا إلى السودان فسياسات الليبرو-يساريين ضد العنصرية فيه صارت، من فرط غلوائها ديناً، في وصف جون ماكهورتر لسياسات الليبراليين ضد العنصرية الأميركية، أو ديدناً. فالعربي المسلم الشمالي في هذا الديدن موصوم بعرقيته في جيناته يعيد إنتاجها لا فكاك ولا شفاء. وسمى الليبرو-يساريون العاهة الوراثية "مستور العقل العربي الإسلامي" الذي عنوانه ممارسة الرق وأعرافه في ثقافة السودانيين الشماليين على أواسط النيل. ولا حيلة لأهل الديدن على هذا العقل سوى "كشفه" كما تجري العبارة، لا تغييره بملكات حامليه نحو الزمالة السودانية كما فعلوا في الرياضة والغناء والمدن والنقابات والاتحادات والثورات. ولما لم يكُن الكشف عن المستور للتغيير صار فضحاً ليندرج مادة كئيبة للإثارة المعارضة حيال دولة الإنقاذ بصورة خاصة. ونضرب على ذلك مثلاً لتقريب الصورة. في تسعينيات القرن الماضي استعاد الباقر العفيف، من هو على سكة الجمهوريين للأستاذ محمود محمد طه وحركة "حق" المنشقة على الحزب الشيوعي معاً، حكماً لمحكمة شرعية صغرى خلال السبعينيات أبطلت زواج فتاة برجل لعدم الكفاءة بينهما، نظراً إلى رق مزعوم في أصله. وبعد الاستئناف نظرت المحكمة الشرعية العليا وأجازت الزواج. ولم يستحسن الباقر العفيف الحكم الأخير، وقال إنه ما وقع إلا "تحت ضغط حركة نسائية نشطة ونظام كان يتبنى أفكاراً تقدمية" لأن "الرق قائم في الأذهان" وهو مادة في الشريعة مباحة. وهو هنا كمن يقول إن الشريعة الإسلامية مدموغة بالرق فلا فكاك، ومتى صدر منها حكم تجاوز الرق كان تجملاً لا ملكة في الشريعة لمطابقة مقتضى العصر اجتهاداً، وهو ما قالت به الأكاديمية الأميركية كارولين فلوهر-لوبان في كتابها "الشريعة الإسلامية والمجتمع السوداني" (1987). وأعان الشريعة في السودان على ذلك التفاوض الجريء مع زمنها أنها انتسبت خلال نشأتها إلى الإمام محمد عبده، مفتي مصر وعضو مجلس الأوقاف المصري. فكلف، وهو المشغول بترقية المحاكم الشرعية، إنشاء القضاء الشرعي في السودان بعد الاحتلال الإنجليزي له عام 1898 وقيام الحكم الثنائي الإنجليزي- المصري. ولما رأى من تلميذه القاضي شاكر ميلاً لإصلاح تلك المحاكم بعث به عام 1900 ليكون قاضي قضاة السودان وليؤسس لإصلاحه في بلد بكر كالسودان لم تنهض فيه طبقة من تلك التي تخشى الإصلاح الديني. ونظرت فلوهر-لوبان في مأثور الشريعة على يد شاكر ومن خلفه من تلاميذ الإمام محمد عبده في القضاء الشرعي في السودان لتخلص بوصفه، على رغم ضروب الحصار الذي طوقه بها الاستعمار مما لا سعة لإيراده هنا، بالاستنارة والإنسانية والتقدمية. ففي شأن النساء، راوح التشريع في السودان ما بين أراء المالكية والحنفية حول الولي في الزواج. فالمنشور الشرعي لعام 1900 أخذ برأي الحنفية الذي يعتبر رأي الفتاة في الزواج على خلاف رأي المالكية الذي جرى الأخذ به في منشور صدر عام 1933، وعاد التشريع عام 1960 لرأي الحنفية، آخذاً في الاعتبار مطلب الحركة النسائية النامية التي طالبت بوجوب أخذ رأي الفتاة في أمر زواجها. وقدرت فلوهر- لوبان بأن المحكمة الشرعية كانت سباقة في منشورها لعام 1915 باعتبار الضرر الجسدي أساساً للطلاق البائن. وفي مسألة الحضانة أخذ منشور عام 1932 برأي المالكية الذي توسع في حق المرأة في حضانة الأطفال حتى البلوغ بالنسبة إلى الولد وحتى الزواج بالنسـبة إلى البنت، في حين تعطي الحنفية حق الحضانة للأب إذا بلغ الولد سبع سـنوات والبنت إذا بلغت تسع سنوات. ونجيء إلى حكم المحكمة الشرعية في تزويج مَن رفضت محكمة صغرى له الزواج بفتاة لعدم الكفاءة الذي نسبه العفيف إلى التطفيف. وغاب عنه أن المحكمة الشرعية سبق لها منذ عام 1902، وفي سياق إصلاح الشريعة ومحاكمها التي قادها الإمام محمد عبده، قضت بأن رق السودان غير شرعي بحكم للقاضي محمد الحضري بمدينة دنقلا عام 1902، وارتكزت عليه المحكمة الشرعية العليا ضمن حكمها عن الكفاءة. فخلافاً للحنفية، مذهب الدولة، التي تأخذ بالكفاءة في الوظيفة ومنزلة العائلة والأصل والحرية إلى جانب الدين، تقصر المالكية، مذهب السودانيين، الكفاءة على الدين. فلم يكُن حكم المحكمة الشرعية طأطأة لظرف ضاغط عليها، كما قال العفيف، بل تنزلاً عند المقاصد ومن بينها الحساسية التقدمية للمرأة التي جاءت بها الحركة النسائية. فخلافاً لعقيدة الباقر عن الشريعة كتقليد عقيم دامغ لأهله بمثل الاسترقاق أبد الدهر بما لزم الكشف عن مستوره وفضحه، رأينا في سيرة الشريعة في قضاء الأسرة مواقف منبئة أن بوسع الشريعة لا أن تكون شديدة الحساسية لقضايا عصرها فحسب، بل تمتعها بمرونة في المناهج والمصادر لترفد حساسيتها تلك أيضاً. فقد رأتها فلوهر-لوبان تستعمل مناهج التلفيق والتخيير لتراوح ما بين مدارس التشريع الإسلامي تأخذ من كل ما يناسب الزمن وعدل الشرع. فانتهت بالقضاة الشرعيين، في قولها، إلى قوانين مستنيرة وتقدمية للأحوال الشخصية وإلى تطبيق إنساني رفيع لها. تقطعت سبل الليبرو-يساريين إلى أصول أفكارهم في الغرب جراء ماراثون معارضة طويلة للنظم الديكتاتورية، فشحبوا حتى صدق فيهم قوله تعالى "بئر معطلة وقصر مشيد"، ومن شأن مراجعتهم لسياساتهم في العنصرية التي أخذت بنظرية العرق النقدية بحذافيرها من أميركا، على ضوء العاصفة التي تهب عليها ليومنا في بلد المنشأ، ما قد يفتح العيون في البئر فتروي غلة القصر الشاحب. فقد خرج هؤلاء الليبرو-يساريون من الثورة وإدارتها في جزر بعد مد، وقيل ما جاء الجزر بعد مد حتى علم الناس من كان يسبح عارياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store