logo
في انتظار صوت الأزهر … حتى لا يتمدد غيره في الفراغ!

في انتظار صوت الأزهر … حتى لا يتمدد غيره في الفراغ!

القدس العربي منذ 6 أيام
تأخر الأزهر كثيرًا عن خطوة إطلاق قناته التلفزيونية، حتى ترك فراغًا تمدد فيه غيره، أو بالأحرى حاولوا التمدد فيه.
وكانت أولى هذه المحاولات، من خلال مشروع قناة «أزهري»، التي تزعمها خالد الجندي، ثم تبين أن من يقف خلفها أحد رجال الأعمال الليبيين، وقد ثار خلاف بينهما – بعد ذلك – حول ملكية القناة، حسمه القضاء المصري – حسب ما قرأت – لصالح الجندي، وكان لا بد من جدية طرح السؤال عليه: من أين لك هذا؟ وهو ليس أكثر من موظف في وزارة الأوقاف، فقد أصبح السؤال بلا جدوى بعد أن وضعت السلطة يدها على القناة، تمامًا كما فعلت مع قناة دينية أخرى هي «الناس»، ومعلوماتي أنها مملوكة لسعودي، وإن كان ذاع صيتها بالدعاة السلفيين المصريين، وفي مرحلة معينة نجحت، لدرجة صناعتها لنجومها، وإلى حد أنني تعرضت في هذه الزاوية لأداء أحد هؤلاء النجوم، وهو الشيخ محمد حسين يعقوب، الذي يوشك أن يخرج من الشاشة ليمسك المشاهد من تلابيبه وهو يقول له صلي، قبل أن يهدأ ويقدم الجزرة بعد العصا، ويقول: صلِّ لكي أحبك. وكتبت وقتئذ وماذا في حبه ليكون أداة جذب لتاركي الصلاة، وهو يبدو لنا أنه قادم توًا من قريش!
وإذا كانت «الناس» قد حققت نجاحًا في مرحلة ما، فإن «أزهري» لم تحقق أي نجاح، وربما سعت لتقليد الأولى في كل شيء فأطلقت برنامجًا سياسيًا تقليدًا للبرنامج الناجح للشيخ خالد عبد الله على «الناس» بعد الثورة، لكنه لم يحقق مكانة تُذكر، وأذكر أنني شاركت في مناظرة به مع فريد زهران، وموضوعه خوض الانتخابات البرلمانية، التي دعا إليها الرئيس محمد مرسي، وكانت جبهة الإنقاذ قد قررت مقاطعتها، وكلانا ينتمي للتيار المدني، لكني كنت من الداعين للمشاركة فيها، وتبنّى الرأي الآخر فريد زهران وجهة نظر الجبهة، وهذا على الهواء، لكن في الكواليس كان له رأي آخر، لكنه ملتزم حزبيًا!
ومع أن الحلقة لم تنقصها الإثارة، فلم يسمع بها أنس ولا جان، على العكس من مشاركاتي المحدودة على قناة «الناس» مع الشيخ خالد عبد الله، وكان آخرها حلقة رفضت فيها استمرار هشام قنديل رئيسًا للحكومة وتبنّى الرأي الآخر، الذي يرى أن الدكتور قنديل أفضل الخيارات زميلنا عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق» وعضو مجلس الشيوخ، بالتعيين على ما أعتقد! «دنيا غرورة ومفرقة الأحباب، كما قال المنُشد»!
عرض الدولة وعرض تركي آل الشيخ:
وعمومًا فقد وضعت السلطة يدها على القناتين؛ «الناس» و»أزهري»، لتفشل الأولى، وتزيد الثانية فشلًا على فشلها، وهي التي كانت محاولة فاشلة من خالد الجندي لاستغلال البرند، لتكون هناك محاولة أخرى حسب الإعلامي تهامي منتصر، من جانب الوزير السعودي تركي آل الشيخ، الذي عرض على شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب، خمسة مليارات جنيه لتمويل مشروع قناة تلفزيونية للأزهر الشريف، نظير قيام هيئة الترفيه بإدارتها، وهنا أنهى الطيب المقابلة، قبل أن تتدخل الدولة وتخصص مليار جنيه للمشروع!
وبعيدًا عن المقترح السعودي، وهو من أحاديث الآحاد، فإنه من الواضح أن فكرة قناة خاصة بالأزهر أخذت حيز التنفيذ، من خلال تشكيل مجلس أمناء، والبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتأسيس باستخراج الترخيص القانوني، والاشتراك في الأقمار، ونحو ذلك!
وسوف نسمع في الأيام المقبلة ضجة ضد تخصيص الدولة مليار جنيه لقناة كهذه، من كل منتحل صفة علماني في مصر، تمامًا مثل الحديث عن دعم الدولة للكليات المدنية في وقت يحرم المسيحيون من الالتحاق بها، إلى غير هذا من رطانة، ولا يجدون من يرد، أهلا بالجميع في الجامعة الأزهرية، وهناك مسيحيون التحقوا قديما بها، ومستشرقون أيضًا، فضلًا عن أن أوقاف الأزهر التي وضعت السلطة يدها عليها يمكن ريعها من امتلاك مدينة الإنتاج الإعلامي، وليس مجرد قناة يتيمة!
زمن الهجوم على شيخ الأزهر
إطلاق فضائية خاصة بالأزهر، خطوة مهمة، فمطلوب أن يصل موقفه الوسطى للناس كافة، وأن يذهب إليهم بدعاته وفكره حيث هم، وفي وقت لا تقدم فيه الفضائيات من يمثل الأزهر إلا من صانعي الإثارة، الذين يعملون وفق محددات الترند، وما يطلبه المستمعون من الأغاني العربية!
وكان شيخ الأزهر قد أعلن قبل سنوات أن القنوات التلفزيونية مغلقة في وجهه. وهو أمر لم تعرفه مصر إلا في هذا العهد، ومن قبل كانت المؤسسة الدينية تستشار من جانب وزارة الإعلام في أسماء من يظهر على الشاشة ويتحدث في الدين، لكن المخطط الجديد كان هو الحط من قيمة الأزهر وشيخه، وكان هناك توجهت من السلطة بذلك يقف عليه كل ما من يتابع المشهد عن كثب!
لقد رأينا صحافيًا محسوبًا على الأجهزة الأمنية، يهاجم شيخ الأزهر، وتتم دعوته ليرافق السيسي في زيارة خارجية، وقد صدر حكم قضائي بسجنه لم ينفذ، وبالتالي منع من السفر من سلطات المطار، فقد ألغي قرار المنع وسافر، إلى أن ألغي الحكم، في رسالة لا تخطئ العين دلالتها!
بل شاهدنا عمرو أديب يصرخ بأعلى صوته ضد الشيخ، ويهينه إهانة بالغة في برنامجه في القناة السعودية، ولم يقل له أحد عيب، وهو أداء لا يعد عزفًا منفردًا من جانب عماد أديب، الذي فعلها في مرة أخرى، لكن جريدة «صوت الأزهر» تحررت من الوقار الزائد عن الحد، وجعلت من عمرو عبرة، وقادت حركة الجماهير دفاعًا عن الشيخ، وهجومًا على من تطاول عليه، فأصيب البادي بالخرس، وكانت رسالة بأنه ليس في كل مرة تسلم الجرة، ومثلت درسًا بأن الإعلام سلاح مهم ليلزم كل متجاوز حدوده الجغرافيا!
نصائح للتجربة الجديدة
التوهج الذي شاهدناه في صلاة التراويح في الجامع الأزهر، بجانب مواقف الشيخ من القضايا الكبرى تجعل من قناة «الأزهر» معنى، والتي أتمنى أن يكون هذا اسمها، كما أتمنى أن تكون كوادرها من الأزهر، ولدى الجامعة الأزهرية كلية للإعلام، يمكن أن يختار منها الكوادر المطلوبة، بجانب من يصلح للعمل الإعلامي من الكليات الأخرى، فلا معنى لاستيراد سوى الكوادر الفنية من خارجه، مع الوضع في الحسبان أخطاء التجارب السابقة!
فالعالم عالم، والمفتي مفتي، والتقديم التلفزيوني وظيفة مختلفة، وكل البرامج الدينية التي قدمها علماء أو حتى خالد الجندي لم تنجح، ومن أول البرامج التي كان قدمها الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور محمد عمارة، فقد كان التكلف فيها واضحًا في أداء الدور، على العكس من بساطة أحمد فراج لأنه اعلامي محترف لا تنقصه المعلومات الدينية!
وأشاهد فيديوهات لأزهريين عبر اليوتيوب فأكتشف أن الأزهر لا ينقصه كوادر في الدعوة، وتوافر القدرة على تفكيك الشبهات والرد عليها، ومجابهة الأفكار التي استجدت على الساحة، وأزمة الكوادر المهنية في التقديم، يمكن تكون من خلال لجان مختصة باختيار من يمتلكون الموهبة، والتي تصقل بالعمل والدورات التدريبية!
لدي هواجس بأن السلطة ستعرقل الإجراءات، وإذا صحت واقعة تركي آل الشيخ، فقد تكون المليار جنيه خطوة من أهل الحكم من باب المكايدة السياسية، وليس سرًا أن العلاقات المصرية – السعودية ليست على ما يرام!
نسأل الله التوفيق
أرض جو:
ذكرنا الأمين العام قبل الأخير للحزب الوطني حسام بدراوي بالذي مضى!
وهناك خطأ يقع فيه كثيرون بالقول إن بدراوي هو آخر أمين عام الحزب، والصحيح أنه كان في المنصب لأيام قبل تنحي الرئيس مبارك، وعندما قضت المحكمة بحل الحزب، كان الحزب برئاسة طلعت السادات وكان محمد رجب زعيم الأغلبية في مجلس الشورى هو الأمين العام. فقد قفز بدراوي من المركب سريعًا!
وبدراوي كتب مقالًا ينتقد الأوضاع السياسية المصرية، والمهم فيه هو أنه عرج على افتقاد مصر لحرية الإعلام وأسس لذلك بوقف برامج خيري رمضان، وإبراهيم عيسى، ولميس الحديدي، فذكرني بالذي مضى، عندما كانت الدنيا تقوم ولا تقعد، وتقف منظمة مراسلون بلا حدود على خط النار لمجرد، أن يحال بعض الصحافيين للتحقيق، مجرد التحقيق، مثل إبراهيم عيسى ووائل الإبراشي، ممن يفتقدون للمواقف الجادة ضد الديكتاتورية والاستبداد، ولا يضبطون متلبسين بالدفاع عن قضايا الأمة، بل وتُكرِّم بعض المنظمات هؤلاء الأشخاص لمجرد الاستدعاء للتحقيق، باعتبارهم رموزًا للحرية، في وقت كانت تغلق فيه صحف ويسجن فيها صحافيون ويتم الاعتداء عليهم في الشارع ليلًا ونهارًا، ولا تحرك هذه المنظمات ساكنًا!
هل يحتاج فعلًا حسام بدراوي أن نعدد له ملامح قمع حرية الصحافة والصحافيين، بدلًا من الاستناد لأمثلة توفر له النقد الآمن، لتسجيل موقف لمهمة مؤجلة عندما يطرح بديلًا للحكم؟!
كفى عبثا!
صحافي من مصر
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السيسي يعتمد 85 مليار جنيه إضافية في الموازنة المصرية لسداد فوائد الدين
السيسي يعتمد 85 مليار جنيه إضافية في الموازنة المصرية لسداد فوائد الدين

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

السيسي يعتمد 85 مليار جنيه إضافية في الموازنة المصرية لسداد فوائد الدين

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القانون رقم 158 لسنة 2025 بفتح اعتماد إضافي قيمته 85 مليار جنيه (1.745 مليار دولار)، في الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2024-2025، من أجل تغطية الزيادة في فوائد الدين في الموازنة المنقضية، على خلفية تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع سعر الفائدة . وتبدأ السنة المالية في أول يوليو/تموز من كل عام وتنتهي في 30 يونيو/حزيران من العام التالي. ونص القانون الذي أصدره السيسي أمس، على تعديل موازنة الخزانة العامة والجداول المرافقة لقانون ربط موازنة الدولة للسنة 2024-2025، بالآثار المترتبة على الاعتماد الإضافي، والذي جاء نتيجة ارتفاع متوسط سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 45 جنيهاً إلى 49.65 جنيهاً، في 30 يونيو/حزيران الماضي، واستمرار أسعار الفائدة في مستوياتها المرتفعة. وأدى تراجع الجنيه وارتفاع الفائدة إلى زيادة كلفة أدوات الدين الحكومية، وارتفاع أعباء خدمة الدين على حساب الخزانة الموحد، وخزانة الوثائق. وشهد العام المالي الماضي ارتفاعاً في متوسط أسعار الفائدة على أذون وسندات الخزانة انعكس على زيادة كلفة الاقتراض، مقارنة بالتقديرات الأصلية في مشروع ربط الموازنة، فضلاً عن التغير في استراتيجية التمويل. وقضت المادة 124 من الدستور المصري بأن "تشمل موازنة الدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يوماً على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها. وتجب موافقة المجلس (البرلمان) على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة، وعلى كل مصروف غير وارد بها، أو زائد على تقديراتها، وتصدر الموافقة بقانون". اقتصاد عربي التحديثات الحية عطش وظلام في مصر... انهيار الكهرباء في الجيزة يشلّ محطات المياه وفي 17 يونيو/حزيران الماضي، وافق مجلس النواب على قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2025-2026، بعجز متوقع بلغ 1.454 تريليون جنيه (29.8 مليار دولار تقريباً)، بخلاف أقساط الديون. وسجلت فوائد الدين في الموازنة الجارية نحو تريليونين و298 مليار جنيه، بما يعادل نسبة 50.2% من جملة المصروفات. وتتوقع الحكومة ارتفاع الفجوة التمويلية في موازنة 2025-2026 بأكثر من 25%، بحيث تصل إلى 3.6 تريليونات جنيه، وهو ما يعادل نحو 70 مليار دولار وفقاً لتوقعات سعر الدولار في الموازنة. وتجهز وزارة المالية لإصدار صكوك إسلامية على عدة شرائح، يجري تنفيذها على مستوى مرحلي حتى نهاية 2025، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو ملياري دولار، وذلك بالتوازي مع الدخول في سوق السندات الدولية "يورو بوندز"، و"الجرين بوندز"، في حدود ملياري دولار. وتستهدف الوزارة استخدام النسبة الغالبة من عوائد السندات الأجنبية في مواجهة شح العملة، وسداد الديون المتراكمة على البلاد من جراء التوسع في تنفيذ ما يعرف بـ"المشاريع القومية"، على غرار العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، وإعادة تدوير الديون قصيرة الأجل بتحويلها إلى ديون متوسطة وطويلة الأجل. (الدولار = 48.71 جنيها مصريا تقريبا)

مشايخ وأفندية
مشايخ وأفندية

القدس العربي

timeمنذ 4 أيام

  • القدس العربي

مشايخ وأفندية

يقول الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته: «كان في مصر أيام سفري إليها مشايخ وأفندية، أزهر وجامعة، محاكم شرعية ومحاكم مدنية، يختلفان في الزي وفي التفكير وفي تقويم (لا تقييم) الحياة، يمشيان كالخطين المتوازيين، يتجاوران ولا يتلاقيان، يتكلمان بلسانين ويفكران بعقلين، فلا يكاد الشاب يفهم ما يقوله الشيخ، ولا يرتضي تفكيره، ولا كان الشيخ يعرف الطريق إلى إفهام الشاب وإثارة اهتمامه بما يفكر هو فيه. وكانت هذه هي العلة الكبرى، وقد ظهر أفراد جمعوا طرفي الخيط ولكنهم كانوا قلائل، حاولوا أن يقربوا العلوم الجديدة، أو الفكر المعاصر من الإسلام، ومنهم من صنع ذلك باعتدال كالشيخ محمد عبده في مصر، وصاحبه السيد رشيد رضا، ومنهم من أوغل فيه حتى جانب الحق، وأفراد بلغوا الغاية في تحصيل العلوم (الجديدة) والأستاذية فيها، وكانوا على إلمام تام، أو اطلاع كاف على العلوم الإسلامية، من أظهرهم محمد أحمد الغمراوي في مصر، وأحمد حمدي الخياط في دمشق، وكلاهما من أساتذة الجامعات». ما تحدث عنه الشيخ الطنطاوي عن الانفصال بين المشايخ والأفندية كان معضلة عثمانية، أشار لها المفكر ألبير أورتايلي: «كانت الإدارة والتربية تتغربان في تركيا بصورة لا مفر منها. ومع انعكاس التحديث على التربية، بقيت أوساط المدارس الدينية وطبقة العلماء خارج هذه العملية، وبدأت بفقدان دورها القديم المسيطر في حياة الدولة والمجتمع. وكان هذا هو الفرق المهم بين التحديث الإيراني والتحديث العثماني، فقد استطاع رجال الدين في إيران، الذين يمكن لنا أن نشبههم بطبقة الرهبان، المحافظة على مواقعهم بتلقيهم التعليم الحديث»، وهذا يشكل مفتاحاً لفهم كثير من الأمور التي جرت في بلاد الشام، خلال القرن العشرين وما زالت مفاعيلها مستمرة حتى اليوم. كانت عملية «التحديث» في الدولة العثمانية تغريبية بحتة، وتمت على طريقة «مفتاح في اليد»، حيث تتولى الشركة المتعهدة إنشاء المصنع من البناء إلى التجهيز، ثم تسلم مفتاح المصنع ليد الحكومة المعنية، وهذه الطريقة لا تؤدي إلى تراكم أي خبرة فنية في البلد الذي أُنشئ فيه المصنع، بل يظهر وكأنه زرع زرعاً في أرض غريبة. أما المجتمع التقليدي، فقد بقي على حاله دون أن يتأثر بالحداثة، ومن هذه اللحظة بدأ ينشأ داخل الدولة العثمانية مجتمعان متوازيان. كان المجتمع التقليدي ينتج نخبه (رجال دين وفقه ولغة) بواسطة التعليم في الكتاتيب والمدارس الملحقة بالمساجد، أو عبر التعليم العائلي، أو بواسطة المؤسسات الأرقى مثل الأزهر، دون إدخال العلوم الحديثة مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، لكن بعد منتصف القرن التاسع عشر دخلت المدارس التبشيرية (الأمريكية في البداية، ثم لحقتها باقي الطوائف) إلى عملية التعليم العثمانية، فأنشأت مدارس ومعاهد حديثة على الطريقة الغربية، في البداية بيد غربية، كما في الإرسالية الأمريكية، التي افتتحت عدداً كبيراً من المدارس في بلاد الشام بشكل خاص، وكذلك الطوائف الكاثوليكية، أو بيد أبناء البلد بعد أن انخرطت الطائفة الأرثوذكسية بالعملية التعليمية، خشية على رعيتها من التبشير البروتستانتي. وهذا أدى إلى نظامين لتخريج النخب في الدولة العثمانية، النظام التقليدي الذي يعتمد على دراسة الفقه واللغة وعلومها وآدابها في الكتاتيب، أو في الحلقات الملحقة بالمساجد، أو داخل العائلة، ثم في المدرسة الرسمية التركية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهذا النظام التعليمي يُخّرج مثقفاً تقليدياً، بمرجعية عربية إسلامية. أما النوع الثاني فهو النظام «الحديث»، الذي يماثل المدرسة الأوروبية في مناهجه العلمية من الرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء، وتعليم اللغات الأوروبية، خاصة الفرنسية والإنكليزية، ويقدم للطلاب رؤية استشراقية للكون إما بشكل مباشر، أو موارب، رؤية تقوم على احتقار الإسلام، واعتباره مصدر التخلف، واعتبار الإسلام عاصفة هوجاء هبت من جزيرة العرب وأدت إلى إطفاء نار الحضارة في كل من بلاد الشام والرافدين. كما تركز مناهج التاريخ على الحضارات السابقة للإسلام محاولة تحويلها إلى هوية حضارية، ففي لبنان هناك الفينيقية وفي مصر الفرعونية، إلخ. أدت هذه العملية إلى نشوء نوعين من المثقفين في الدولة العثمانية هما: المثقف التقليدي المتعلم بالطريقة التقليدية، ويختص باللغة والدين والفقه (الشيخ)، ومرجعيته الحضارية عربية ـ إسلامية، والمثقف «الحديث» (الأفندي) الذي تعلم في المدارس الحديثة التابعة للإرساليات التبشيرية، ويختص بالعلوم الحديثة كالطب والهندسة والحقوق، وهو على اطلاع على الثقافة الغربية واللغات الأجنبية، ومرجعيته الحضارية غربية. وبالتالي نشأ شرخ في المجتمع العثماني، وتكونت منذ اللحظة الأولى لهذا الانقسام بوادر انشقاق خطيرة بين مجتمع تقليدي مرجعيته الحضارية عربية ـ إسلامية، ومجتمع «حديث» مرجعيته الحضارية غربية. وكان هذا الانقسام يحمل خطورة مرفوعة إلى أس كبير في بلاد الشام، بسبب التنوع الديني والطائفي، فقد تراكب فوق الشرخ الثقافي ـ الحضاري، بين مثقف تقليدي ومثقف «حديث»، بين مجتمع تقليدي ومجتمع «حديث». تراكبت خطوط الانقسام الديني والطائفي، ومن ثم تحولت خطوط الانقسام الثقافية إلى خطوط انقسام طائفية، لأن «الحداثة» في بلاد الشام دخلت عبر مدارس الإرساليات التبشيرية والدينية، التي حددت كل منها الفئة المستهدفة لها، فالمدارس الأرثوذكسية اختصت بالأرثوذكس، والكاثوليكية بالكاثوليك، أما البروتستانتية الأمريكية فاتجهت نحو التبشير في أوساط الطوائف الإسلامية غير السنية (العلويين، الدروز)، وفي أوساط الطوائف المسيحية الأخرى (الأرثوذكس، الكاثوليك)، لعدم وجود طائفة بروتستانتية أصلاً. وبالتالي فإن الحداثة الغربية اختصت في البداية بالمسيحيين، ثم بأبناء الأٌقليات الإسلامية. وترافق ذلك مع ما سمي بالمسألة الشرقية وحماية الأقليات، حيث بسطت كل دولة غربية حمايتها على أقلية دينية أو طائفية كما هو معروف. أما المسلمون السنة الذين يشكلون أغلبية السكان فقد استمروا بتلقي التعليم بطريقة تقليدية في الكتاتيب، أو في المدارس الملحقة بالمساجد، ثم لاحقاً في المدارس الرسمية العثمانية، فبقيت مرجعيتهم الحضارية عربية ـ إسلامية، وبقوا سياسياً مواطنين عثمانيين قبل أن تلتحق نخبهم بالمدارس التبشيرية أيضاً، ونادراً ما كنت تجد طالباً مسيحياً خارج مدرسة طائفته، ويذكر يوسف الحكيم في مذكراته أن والده أصر على إلحاقه وأخيه بالمدرسة الرسمية العثمانية، لضمان مستقبلهم في الوظيفة الحكومية، لكن ذلك كان موضع استغراب القائمين على الطائفة الأرثوذكسية في اللاذقية، وجرت محاولات كثيرة لتغيير موقف الأب وإقناعه بوجوب التحاق أبنائه بمدرسة الطائفة! أما ما يتحدث عنه الشيخ الطنطاوي عن الالتقاء بين المشايخ والأفندية، فقد تم بواسطة أفراد محدودين وبجهود فردية، وحتى اليوم لم يتحول إلى مؤسسة قادرة على إنتاج نخب بأعداد كبيرة تمزج بين التراث والحضارة المعاصرة. كاتب سوري

عمالة الأطفال في مصر: الربح والتصديرعلى حساب الحقوق
عمالة الأطفال في مصر: الربح والتصديرعلى حساب الحقوق

العربي الجديد

timeمنذ 6 أيام

  • العربي الجديد

عمالة الأطفال في مصر: الربح والتصديرعلى حساب الحقوق

في الوقت الذي فتح فيه الحادث الذي وقع في 27 يونيو/حزيران الماضي، وراح ضحيته عمالة من الفتيات الصغيرات بين 13 و20 عاماً، كن في طريقهن للعمل في إحدى مزارع العنب، الحديث عن عمالة الأطفال والأوضاع الاجتماعية في القرية وصلاحية الطرق التي شيدتها السلطة خلال السنوات الماضية وسوقت لها باعتبارها أحد إنجازاتها، سلّط تقرير صادر عن "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، بعنوان "ضحايا سلاسل قيمة الإنتاج الزراعي في مصر "، الضوء على الظروف الاقتصادية القاسية التي تعيشها العاملات في القطاع الزراعي في مصر، ومخالفة ذلك لقوانين العمل المصرية. التقرير الصادر أول من أمس الخميس، أكد أن حادث الطريق الإقليمي الذي أدى إلى مصرع 18 فتاة من العاملات الموسميات في محافظة المنوفية في يونيو/ حزيران الماضي ليس حادثًا عرضيًا، بل "نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية تُقدِّم الربح والتصدير على حساب حقوق الإنسان وسلامة العاملات"، وطالب بإعادة النظر في سياسات تشغيلهن وضمان حقوقهن الأساسية. وقارن التقرير بين الخطاب الرسمي للدولة الذي أعلنه وزير الزراعة في مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة "الفاو" نهاية يونيو/ حزيران الماضي، حول التزام مصر بتنمية سلاسل قيمة زراعية شاملة ومستدامة، وبين الواقع "المرير" الذي تواجهه النساء في هذا القطاع، واللاتي يشكلن "الحلقة الأضعف والأكثر استغلالًا"، ووصفه بأنه "تناقض صارخ". أسواق التحديثات الحية مصر... أسعار السلع تواصل الارتفاع رغم تراجع الدولار توظيف قاصرات بـ 70 جنيهاً يومياً! وكان أخطر ما أشار إليه التقرير الحقوقي هو "ظروف عمل قاسية وغير إنسانية تتعرض لها العاملات الزراعيات القاصرات"، وتحديدًا ضحايا الحادث، تتضمن تدني الأجور، وبأجر يومي للعاملة 120 جنيهًا مصريًا (نحو 2.5 دولار)، منذ عام 2018 بالرغم من التضخم الهائل وتحرير سعر الصرف المتكرر، بل قد ينخفض هذا الأجر إلى 70 جنيهًا فقط في أعمال الحصاد والجمع. ولفتت إلى أن هذه الأجور لا تُسلم بشكل يومي غالبًا للعاملات، بل بشكل أسبوعي مجمع أو نصف شهري، مع إمكانية الحصول على منحة في أيام الأعياد الموافقة لموسم العمل الموسمي الزراعي تصل لـ 500 جنيه مصري. ووفقاً للإحصاءات الرسمية، تشغل النساء من العمالة غير الرسمية 32.4% من القطاع الزراعي لعام 2022، وهو ما أعادت الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 التأكيد عليه بالإشارة لامتصاص القطاع الزراعي لـ 25% من طاقة النساء في القطاع غير الرسمي، وفق تقرير لـ "دار الخدمات النقابية والعمالية"، مطلع يونيو 2024. والنساء والأطفال يشكلون مكوناً أساسياً من العمالة الزراعية في مصر، سواء كانت منتظمة أو موسمية، بالنظر لطبيعة المحاصيل الزراعية والتي تتطلب حساسية في التعامل معها، ما يُفسر الإقبال على هاتين الفئتين تحديداً لإدماجهما في سلاسل القيمة الزراعية، خاصة مع تزايد هجرة الرجال من الريف. لذا دعا التقرير الدول المستوردة للمنتجات المصرية للتأكد من أن عمليات الإنتاج لا تنتهك حقوق المرأة والطفل قبل إبرام أي عقود استيراد مع مصر. وأوصى بضرورة إعادة النظر في سياسات دمج النساء في سلاسل الإنتاج الزراعي لضمان حقوقهن الأساسية في الأجر العادل، وعقود العمل، والتأمين الصحي. وطالب بتضمين شروط واضحة للحماية والسلامة للنساء العاملات في الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية، فضلًا عن توسيع برامج الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير المنتظمة من النساء للتصدي للفقر. عمالة الأطفال تخالف قانون العمل وكشف التقرير أن الحادثة كشف ما يجري من توظيف قاصرات دون سن الخامسة عشرة، في انتهاك مباشر لقانون العمل المصري الذي يحظر تشغيل الأطفال، عوضًا عن ساعات عمل الطويلة، حيث ثبت أن هؤلاء الفتيات كُن يعملن لساعات تتجاوز العشر والاثنتي عشرة ساعة يوميًا، وهو ما يخالف القانون الذي يحدد الحد الأقصى لعمل الأطفال بست ساعات فقط. اقتصاد عربي التحديثات الحية تحويلات المصريين في الخارج تقفز إلى 26.4 مليار دولار خلال 9 أشهر وأوضح أن ظروف العمل القاسية تشهد أيضًا انعدامًا تامًا للسلامة المهنية، حيث تُجبر العاملات على العمل من دون تزويدهن بأي أدوات وقائية للتعامل مع بيئة العمل الخطرة، مثل المبيدات الكيميائية، مما يعرض صحتهن العامة والإنجابية لمخاطر جسيمة. وبرغم توصية الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة منذ عام 2017 بإصدار قانون لحماية حقوق المرأة العاملة في القطاع غير الرسمي، فإن قانون العمل الجديد - الذي سيدخل حيز التنفيذ في سبتمبر/ أيلول المقبل - لا يوفر حماية كافية قانونية للعاملات غير الرسميات وخاصة الموسميات، إذ أحال القانون للوزارة وجهات الإدارة للعمل على تنظيم شروط عملهم وإدارته. ولا يوفر القانون للعمالة غير المنتظمة أي ضمانات قانونية أو حمائية، أو تنظيمية لعملهم، إذ لم يشترط وجود عقود قانونية لهم، وهو ما تم مع ضحايا الحادث. وحتى في ظل سريان قانون العمل السابق (12 لسنة 2003) ولحين العمل بالقانون الجديد، فلا يبدو أن جهات الإدارة قادرة على توفير الحماية والرقابة الكافية لضمان حقوق النساء والقاصرات منهن، حيث كشفت الحادثة عن توظيف بعض من الفتيات القاصرات دون سن الخامسة عشر بالمخالفة لنصوص القانون القديم (مادة 98) من دون منح صاحب العمل بطاقة لهن تُفيد بذلك، ومن دون اعتماد مكتب القوى العاملة المختص. وأكد أن العمالة هي الحلقة الأضعف في سلاسل القيمة بالنظر لانخفاض الأجر الذي تتحصل عليه، وانخراطها في مراحل بدائية من الإنتاج تُساهم في قلة أجرها، وأن الحادث تكشف عن استمرارية النساء في احتلال مواقع بدائية من سلاسل القيمة كمراحل الحصاد والجمع والقطع وبشكل أقل في مراحل الفرز والتعبئة والتصنيع بخلاف المساعي التي دعت لها الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة، نحو إدماج النساء في القطاع الزراعي في عمليات أعقد مثل التصنيع الزراعي. أين الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030؟ وتساءل التقرير عن "الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030"، التي سبق أن أعلنت عنه الحكومة وانتقدها، مشيرًا إلى أنها على الرغم من اعترافها بأن القطاع الزراعي يستوعب 25% من طاقة النساء في القطاع غير الرسمي، إلا أنها لم توفر لهن الحماية الكافية. واعتبر أن الاستراتيجية ركزت بدلاً من ذلك على تمكين النساء في القطاعات الرسمية الأكثر حظاً، واكتفت بالدعوة لوضع قوانين "فضفاضة" لحماية العاملات في القطاع غير الرسمي دون آليات تنفيذ واضحة. اقتصاد عربي التحديثات الحية مجلس محاكم الاستئناف: كيان مصري "وهمي" يزيد رسوم التقاضي وشدد التقرير الحقوقي على أنه: لا توجه هذه الاستراتيجية دعماً وحماية كافيين للنساء في سلاسل قيمة الإنتاج الزراعي في مقابل الدعوة نحو زيادة مشاركتهن فيها، كذلك لا تعكس السياسات الرسمية للدولة التزاماً حقيقياً نحو إيجاد سلاسل قيمة شاملة ومستدامة تخدم كافة المساهمين فيها، بخاصة النساء بالنظر لأهمية موقعهن فيها على النحو الذي كشفته حادثة الطريق الإقليمي، حيث يبدو أن الهدف الأول والأخير هو الربح والتصدير واستخراج الفائض. وأشار إلى أن قانون العمل الجديد، المزمع تطبيقه في سبتمبر/ أيلول 2025، لا يوفر أيضاً حماية كافية للعاملات الموسميات، إذ لا يوفر القانون للعمالة غير المنتظمة أي ضمانات قانونية أو حمائية، أو تنظيمية لعملهم حيث لم يشترط وجود عقود قانونية لهم، وهو ما تم مع ضحايا الحادث، بل وأحال تنظيم شؤونهن إلى قرارات وزارية، ما يبقي على حالة غياب الضمانات القانونية والحمائية لهن، وأبرزها عدم وجود عقود عمل! قمع المطالبين بحقوق الفتيات وفيما تساءل التقرير حول مصداقية التعويضات التي وُعدت بها أسر الضحايا، حيث "أفادت تقارير بعدم صرفها أو بتدخل جهات إدارية لاقتطاع نصف مبالغ التعويضات من الأهالي وإجبارهم على التبرع بها للدولة"، أكد أهالي في القرية أن التعويضات العديدة التي جرى الإعلان عنها لشهيدات العمل الصغيرات لم يتم صرف أغلبها والشرطة تحاصر قريتهم لمنع غضب الأسر التي تحتج على ذلك. وأكدوا أن قوات الأمن المصرية تفرض حصاراً على القرية وتمنع الصحافيين من الوصول إليها، بحسب عدد من الأهالي. اقتصاد عربي التحديثات الحية الأرض بدل الغرامات... قرارات جديدة لتوفيق أوضاع الأراضي في مصر وكانت الحكومة المصرية أعلنت عن تعويضات لأهالي الضحايا بقيمة 200 ألف جنيه لأسرة كل ضحية من وزارة التضامن الاجتماعي، و300 ألف جنيه من وزارة العمل، و100 ألف من وزارة النقل، بالإضافة إلى تبرعات من رجال أعمال، لكن أقارب الضحايا أكدوا أنهم لم يتسلموا التعويضات حتى الآن. وقالت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" أن التعامل الأمني مع أهالي الضحايا جاء ضمن "الممارسات الإذعانية"، وأشارت إلى الإصرار على التعامل الأمني مع مثل هذه الكارثة من خلال فرض قيود على التواصل بين ذوي الضحايا، وسكان القرية وبين الإعلام، بما يحول دون تسليط الضوء على ظروف هذا الحادث وظروف العمل والفقر التي تعاني منها القرية ودفعت الفتيات للقبول بظروف عمل غير إنسانية وخطرة. (الدولار= 49.11 جنيهاً مصرياً تقريباً)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store