
هويتنا الاقتصادية
يحدد الخبراء مفهوم الهوية الاقتصادية على أنها طريقة التصرف في الموارد الاقتصادية (الطبيعية، والبشرية، والمالية) للدولة، ما بين القطاع الخاص أو العام، أو الجمع بينهما، ويحدد كذلك نظام ملكية هذه الموارد، من ملكية عامة أو خاصة أو الجمع بينهما، وعلى طريقة الاختيار بين تلك المبادئ يتم عادة تحديد وجهة النظام الاقتصادي للدولة أو التكتل، فيما إذا كان يتبع النظام الرأسمالي أو الاشتراكي، أو الإسلامي، أو المختلط؟ فالهويات الاقتصادية للدول تأثرت تبعاً لتوجهاتها الاقتصادية وظروفها وأحوالها وتفاعلاتها الاقتصادية والجيوسياسية مع التطورات العالمية والتحالفات والتكتلات القائمة على أسس اقتصادية مثل الاشتراكية والرأسمالية.
ومع التغيرات المتتابعة التي نتجت عن النشاط الاقتصادي الإنساني المتراكم على مدى قرون، لا سيما التوجهات الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والثانية، انبرت الرأسمالية باعتبارها الهوية الاقتصادية للعالم المنتصر الذي تبنى نظرياتها ومقارباتها الاقتصادية والمالية والنقدية، وظهرت الولايات المتحدة بصفتها اللاعب الاقتصادي الذي حصد ثمار الحرب العالمية الثانية، وعزز مكاسبه بعد تبني الدولار عملة رئيسة للنظام النقدي العالمي والتبادل التجاري وتسعير السلع الأساسية، وتعززت بناء على ذلك مكاسب الدولار التي أعقبت اتفاقية «بريتون وودز»، الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من صيف عام 1944م في «بريتون وودز» في ولاية «نيوهامبشر» الأميركية.
وقد حضر المؤتمر ممثلون عن 44 دولة، ليضعوا خططاً من أجل استقرار النظام العالمي المالي ولتنمية التبادل التجاري بعد الحرب العالمية الثانية، ونتج عن مؤتمر «بريتون وودز» إنشاء منظمتين دوليتين هما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد عمل الصندوق على تشجيع الاستقرار المالي الدولي، من خلال توفير المساعدات قصيرة الأجل لمساعدة الأعضاء الذين يواجهون عجزا في ميزان المدفوعات، وقد أعطى البنك قروضاً دولية ذات آجال طويلة خاصة للدول ذات النمو المتدني.
وفي أوائل السبعينيات قامت الولايات المتحدة بالتخلي عن أهم مخرجات «بريتون وودز»، حيث لم يعد الدولار مغطى بالذهب. وبحلول عام 1973 سيطرت قوة العرض والطلب على الدولار وعملات الدول الصناعية الكبرى، وباتت العملات الرئيسة ملجأ لربط العملات الأقل قوة وبناء الاحتياطيات. وفي بداية التسعينيات انطلقت العولمة كهوية اقتصادية للنظام الاقتصادي العالمي، حيث طويت معها صفحة صراع الهويات الأيديولوجية على الصعيد الاقتصادي، فلم يعد هناك مجال للهوية الاشتراكية، أو التخطيط المركزي، فغالبية دول العالم تبنت الهوية الرأسمالية، حتى بالنسبة لروسيا والصين، اللتين كانتا تمثلان هويات اشتراكية من قبل، لكنهما انخرطتا في آليات النظام الاقتصادي الرأسمالي، وانتهجتا آلية الخصخصة، والسعي لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاندماج في عضوية منظمة التجارة العالمية.
ومع التغييرات الجمركية الحمائية التي فرضتها إدارة ترامب الحالية، التي يراها الكثير من الخبراء أنها أحدثت شرخاً في النظام الاقتصادي العالمي، إلا أنها أثبتت أهمية تبني كل دولة هوية اقتصادية مرنة ترسم الصورة الذهنية للأسس النظرية التي ترتكز عليها الاقتصادات الوطنية لتحقيق الأهداف العامة وتطوير السياسات التي تدير من خلالها البرامج الاقتصادية والتنموية، بما في ذلك إدارة الموارد والمالية العامة والمحافظة على البيئة الاقتصادية الممكنة لتحقيق الرفاه والازدهار الاقتصادي.
والكويت منذ تأسيسها لديها اقتصاد حر ارتبط بالأنشطة البحرية وصناعاتها، وقابل للتطور ويملك مقومات الاقتصاد البرتقالي والاقتصاد الأزرق. فالاقتصاد البرتقالي، وفقاً للأمم المتحدة، هو مفهوم متطور قائم على مساهمة وإمكانات الأصول الإبداعية في النمو الاقتصادي والتنمية، وهو يشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تتفاعل مع التكنولوجيا والملكية الفكرية والأهداف السياحية، فهو مجموعة من الأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة، ذات بعد تنموي وروابط متداخلة على المستويين الكلي والجزئي للاقتصاد بشكل عام.
وتقدر الأمم المتحدة أن الصناعات الثقافية والإبداعية تمثل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أما الاقتصاد الأزرق فيعمل كإطار عمل وسياسة للأنشطة الاقتصادية البحرية المستدامة، كذلك التقنيات البحرية الجديدة، ولعل مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة التي أطلقت في مارس 2021 لتمويل التعافي المستدام للمحيطات، وهو عبارة عن مجموعة أدوات عملية للسوق الأولى للمؤسسات المالية لتوجيه أنشطتها نحو تمويل الاقتصاد الأزرق المستدام.
وتم استكشاف خمسة قطاعات رئيسية للمحيطات، تم اختيارها لارتباطها الراسخ بالتمويل الخاص: المأكولات البحرية، والشحن، والموانئ، والسياحة الساحلية والبحرية، والطاقة البحرية المتجددة، ولا سيما الرياح البحرية. بإمكاننا تبني هوية اقتصادية بحرية إبداعية برتقالية مرنة تتكامل مع التوجهات العالمية في الاقتصاد والتجارة، وتحقق لنا أهـداف التنمية المستدامة السبعة عشر بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فالكويت لديها إرث بحري وثقافي وإبداعي كونها بدأت من الماء كميناء وأول منطقة حرة في الخليج لتجارة الترانزيت، وستعود إلى الماء مزدهرة باعتمادها رؤية مستقبلية مبنية على هويتنا الاقتصادية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوع وسط ضعف الدولار
صعد الذهب اليوم الأربعاء إلى أعلى مستوياته في أسبوع مع ضعف الدولار وسعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن وسط حالة من عدم اليقين المالي في الولايات المتحدة، حيث يناقش الكونغرس مشروعا شاملا للضرائب. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2 في المئة إلى 3293.98 دولار للأوقية، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 12 مايو في وقت سابق من الجلسة. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.3 في المئة إلى 3295.80 دولار. وتراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ الثامن من مايو، مما يجعل الذهب المسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية. وقال المحلل في شركة «ماريكس» إدوارد مائير «خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع استمرار تصنيف موديز الائتماني بالإضافة إلى الشكوك حول مشروع قانون الضرائب الذي قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقويض الدولار». وكان ترامب قد ضغط أمس الثلاثاء على رفاقه الجمهوريين في الكونغرس لتوحيد صفوفهم خلف مشروع قانون شامل لخفض الضرائب، لكنه فشل على ما يبدو في إقناع مجموعة من الرافضين الذين لا يزال بإمكانهم عرقلة المشروع. وقال كبير محللي السوق في «كيه.سي.إم» تيم ووترير «من المرجح أن يشهد الذهب مزيدا من الارتفاع على المدى المتوسط إلى الطويل، على الرغم من أنه إذا ظهرت أي عناوين إيجابية لصفقات تجارية، فقد يكون ذلك عقبة أمام الذهب في محاولة استعادة مستوى 3500 دولار». وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة في المعاملات الفورية 0.2 في المئة إلى 32.99 دولار للأونصة، ونزل البلاتين 0.3 في المئة إلى 1050.25 دولار، بينما صعد البلاديوم بنسبة 0.5 في المئة إلى 1017.93 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ الرابع من فبراير.


الجريدة الكويتية
منذ 19 ساعات
- الجريدة الكويتية
أميركا تفضل الدمى على الانضباط الاقتصادي: أسبوع كاشف في الاقتصاد والسياسة
كشفت التطورات الأخيرة في الاقتصاد الأميركي عن مفارقة لافتة: رغم تصاعد خطاب الحماية الاقتصادية، لا يزال نمط الاستهلاك المفرط هو الخيار الشعبي الأول لدى الأميركيين، حتى لو كان الثمن هو استمرار العجز التجاري والتخلي عن الطموح بإعادة إحياء الصناعة المحلية. الرئيس دونالد ترامب ارتكب ما اعتبره كثيرون «زلة كاشفة»، حين قال دفاعاً عن رسومه الجمركية على الصين إنها قد تعني أن «يحصل الأطفال على دميتين بدلاً من ثلاثين، وربما تكلف الدميتان أكثر قليلاً». التصريح، رغم بساطته، فضح أحد أسس فلسفة الحمائية الاقتصادية التي يتبناها ترامب: تقليص الاستهلاك المحلي كخطوة أولى لإحياء الصناعة الوطنية. لكن هذا الطرح يصطدم بجوهر الاقتصاد الأميركي المعاصر، الذي بات يعتمد على الاستهلاك الممول بالدين، مستفيداً من وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية. فالعجز التجاري الأميركي هو نتيجة طبيعية لمجتمع يفضِّل الاقتراض من أجل الاستهلاك على الادخار من أجل الاستثمار. وفي هذا الإطار، لا يبدو أن الصين تسرق وظائف الأميركيين بقدر ما يبدو أن الأميركيين يستغلون عمالة الصين الرخيصة مقابل سندات دَين قد لا ينوون سدادها. حين تشتكي إدارة ترامب من «الفائض الإنتاجي» الذي تصدره دول مثل الصين وألمانيا واليابان إلى الولايات المتحدة، فهي في الواقع تشتكي من انضباط تلك المجتمعات - سواء كان انضباطاً ثقافياً أو سياسياً - في مقابل استهتار داخلي بالانضباط الاقتصادي. رسوم ترامب الجمركية تمثل محاولة غير مُحكمة لفرض هذا الانضباط من جديد، عبر رفع الأسعار وتقليص الاستهلاك، ما قد يمنح الشركات الأميركية هوامش ربح أعلى، ويحررها من بعض قيود المنافسة العالمية. لكن التصريح حول الدمى أثار استياء الرأي العام، ما دفع ترامب إلى التراجع. الرسالة كانت واضحة: الأميركيون لا يريدون اقتصاداً منضبطاً، بل المزيد من السلع الاستهلاكية الرخيصة. وفي السياق نفسه، طرح الجمهوريون في مجلس النواب خطة ضريبية تعكس هذا التناقض. صحيح أنها تضمنت تحفيزات للاستثمار، مثل تمديد الإعفاء الكامل لنفقات الشركات، لكنها أيضاً قدَّمت حوافز جديدة للاستهلاك، مثل توسيع الائتمان الضريبي للأطفال، وحتى خصم ضريبي لشراء السيارات بالتقسيط - إجراء يبدو كأنه تشجيع مباشر على الاقتراض. وفي حين جرى تقليص بعض جوانب الدعم الغذائي الممول بالدين، مثل تغطية البالغين القادرين على العمل ضمن برنامج «فود ستامبس»، إلا أن برامج مثل «ميديكيد» بقيت بمنأى عن أي مساس سياسي. الأزمة الأعمق تكمن في أن النزعة الاستهلاكية نفسها تحظى بشعبية جارفة. فبينما يُصور بعض المنظرين في اليمين القومي العجز التجاري على أنه مؤامرة مفروضة من نُخب العولمة، تشير الوقائع إلى أن الأميركيين، بقراراتهم الشرائية اليومية، يختارون هذا النموذج عن قناعة. ولا يعني هذا أن الاقتصاد الأميركي في أفضل حالاته. فضعف مشاركة القوى العاملة وتذبذب الاستثمار دليل على هشاشة كامنة. لكن أي إصلاح يتطلب تقشفاً ذاتياً، و«شراء دمى أقل»- وهو خيار لا يبدو أن أحداً مستعد لاتخاذه طواعية. جوزيف سي. ستيرنبرغ


كويت نيوز
منذ يوم واحد
- كويت نيوز
الذهب يتراجع وسط تفاؤل باحتمال وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا
انخفضت أسعار الذهب، اليوم الثلاثاء، حيث أدى الارتفاع الطفيف للدولار والتفاؤل بشأن احتمال وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا إلى تراجع الطلب على الملاذ الآمن.وبحلول الساعة 02.10 بتوقيت غرينتش، نزل الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.4 في المئة إلى 3215.31 دولار للأوقية. وانخفضت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.5 في المئة إلى 3218.40 دولار.وتعافى الدولار بشكل طفيف بعد أن لامس أدنى مستوى له في أكثر من أسبوع في الجلسة السابقة، مما يجعل الذهب المسعر بالعملة الأميركية أقل جاذبية لحائزي العملات الأخرى.وقال محلل الأسواق المالية لدى «كابيتال دوت كوم» كايل رودا «نحن نشهد تلاشي رد الفعل غير المحسوب على تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية للولايات المتحدة، وهناك بعض الأمل في التوصل إلى هدنة بين أوكرانيا وروسيا».وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الاثنين وقال إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن على الفور مفاوضات من أجل وقف إطلاق النار.وأضاف رودا «نشهد ظهور مشترين عند الانخفاضات التي تقل عن 3200 دولار. ومع ذلك، أعتقد أننا سنشهد تراجعا أكبر، خاصة إذا كان هناك المزيد من التراجع في المخاطر الجيوسياسية».وسجل الذهب، الذي يعد أحد الأصول الآمنة خلال فترات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، مستويات قياسية عديدة، وارتفع بنحو 23 في المئة هذا العام حتى الآن.وتعامل مسؤولو مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بحذر مع تداعيات تخفيض التصنيف الائتماني وظروف السوق غير المستقرة مع استمرارهم في التعامل مع بيئة اقتصادية غير مستقرة للغاية.وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، تراجعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.3 في المئة إلى 32.25 دولار للأونصة، وارتفع البلاتين بنسبة 0.3 في المئة إلى 1000.71 دولار، وخسر البلاديوم 0.1 في المئة ليسجل 973.74 دولار.